المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة:

الذي ليست توجد لديه .. ، أو لديه هذا المثقال -نسأل الله السلامة والعافية- في النار، في العذاب الأبدي السرمدي {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [(56) سورة النساء]{مَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [(48) سورة الحجر] فهذا فيه دلالة على عظم شأن هذا التوحيد الذي الفرق بين هذا وهذا مثقال حبة خردل، لكن ماذا عن الذي يحقق التوحيد ويمتلئ قلبه من التوحيد؟ هذا يمنعه دخول النار بالكلية، إذا تحقق وأخلص كما جاء ذلك في حديث عتبان في الصحيحين وغيرهما قال:((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)).

‌تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة:

تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] مفهومه أن الذين لبسوا إيمانهم بظلم لا يحصل لهم الأمن، وليسوا بمهتدين، أقول: هذه الآية أول ما نزلت خاف منها الصحابة -رضوان الله عليهم- وأينا لم يظلم؟ يظلم نفسه الظلم حاصل، الله -جل وعلا- حرمه على نفسه، وجعله بين الناس محرماً، لكن المقصود به في هذه الآية الشرك ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح)) {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]؟.

ص: 9

يقول -جل وعلا- في سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} آمنوا وعملوا الصالحات {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [(55) سورة النور] ما الدين الذي ارتضي؟ {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [(3) سورة المائدة]{وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ومعنى العبادة هنا التوحيد، يعبدونني بدليل المقابل {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] وعلى هذا فالمشرك لا تحصل له هذه الخصال، ونحن نسعى جادين إلى تحصيل الأمن وتحقيقه بعد أن وجد ما يزعزعه من بعض التصرفات، ونغفل عن مثل هذه التوجيهات الإلهية، لماذا لا نعتني بالتوحيد ونحارب الشرك بجميع مظاهره ليتحقق لنا هذا الوعد الذي هو الأمن؟ {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] ونحن نبحث جادين عن وسائل تحقيق الأمن ونغفل عن مثل هذا، فلا أمن إلا بتحقيق التوحيد، ولا أمن إلا بنبذ الشرك، وهذه هي النعمة العظمى التي يتقلب بها من منَّ الله عليه بتحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع.

ص: 10

فقد التوحيد إذا كان .. ، إذا كان الربح العظيم في الدنيا والآخرة بتحقيق التوحيد، ففقد التوحيد هو الخسارة الحقيقية، خسارة الدنيا والآخرة، الإنسان يشتري سيارة بمائة ألف ويبيع بتسعين بثمانين بسبعين ألف خسارة، لكنها ليست بالخسارة لأن الدنيا كلها غير مأسوف عليها، عند من يعرف حقيقة الدنيا والآخرة، الذي يعرف حقيقة الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة يعرف أن الخسارة الحقيقية هي خسارة النفس والمال يوم القيامة، كما قال -جل وعلا-:{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ} الخاسرين خسارة حقيقية، خسارة لا ربح معها تبيع سيارة بخسارة عشرة آلاف، تبيع سلعة بمكسب، لكن الخسارة التي لا ربح معها {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} هذه هي الخسارة التي لا تعوض، أما اليوم تشتري السيارة تبيعها بخسارة عشرة آلاف، تشتري بيت تبيعه بمكسب مائة ألف، ما في خسارة، ما في خسارة {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [(45) سورة الشورى] بعض العلماء وهو معروف عن مالك أنه لا غبن ولا شيء اسمه: خيار الغبن، يعني إذا بعت سلعة وفيها نقص من قيمتها الثلث فأكثر جمع من أهل العلم يرون أن لك خيار الغبن، مالك يقول: ما في شيء اسمه: غبن، في الدنيا ما في غبن، الغبن وين؟ {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يوم القيامة، الدنيا كلها ما تسوي شيء، سعيد بن المسيب رحمه الله لما جاءه الواسطة يكتب ابنته لابن الخليفة قال له: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، جاءتك الدنيا بحذافيرها، نعم اتصور ابن الخليفة ابن الملك جاء يخطب بنتك، كثير من الناس خطر على عقله كيف ابن خليفة يجي يخطب ابنتي؟ لأن الدنيا صارت هدف، صارت غاية، قال سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ يعني لو قيل: هذا مفتاح بيت المال كله لك، فماذا ترى أن يقص من هذا الجناح لي؟ والدنيا كلها من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة

ص: 11

((وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) فمثل هذه الأمور على المسلم أن ينظر إليها بعناية، وأن يعيد النظر فيها، يعني يحصل في مجالس بعض الناس أن الإنسان إذا حج جاء من باب الفضول قال له بعض الناس -وهذا حصل-: تبيع حجتك بمائة ألف؟ بعض المساكين يقول: نعم نحج حجة ما تكلف ولا ألف بدلها، لكن ما الذي يقوم أمام هذه العبادة العظيمة التي إن كان حجه مبرور رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) والله المستعان.

فهذه الخسارة والكارثة حقيقة هي خسارة الدين.

وكل كسر فإن الدين يجبره

وما لكسر قناة الدين جبرانُ

الدين ما يجبره شيء، لكن أي كسر في الدنيا أو حتى في الجسد ينجبر، ولو قدر أن إنساناً حصل له ما حصل، والتفت إلى ربه وذكره، ذكره الله في نفسه، يعني ذكره خالياً بمفرده ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسه، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) هذا في الصحيح في البخاري وغيره، يعني ماذا يحصل للإنسان وإن كان طالب علم، وإن كان كبيراً في نفسه في قومه إذا قيل له: ذكرك الملك فلان أو الأمير فلان البارحة وأثنى عليك خير، والله أعلم يجلس أسبوع ما نام، وماذا يقدم له؟ وماذا يؤخر هذا المخلوق وهو مثله؟ والله ما يستطيع أن يقدم له شيء، لو يحصل له صداع ما استطاع أن يقدم له شيء، إلا أنه تسبب يدخله مستشفى وإلا يجيب له طبيب وإلا .. ، لكن ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) ونحن نغفل عن هذه الحقائق، وإذا جلسنا في مجالسنا عمرناها بالقيل والقال، ونسهر الساعات الطويلة قال فلان، ذكر فلان، الصحيفة الفلانية ذكرت كذا، والقناة الفلانية قالت كذا، هذا إذا سلم من المحرمات، فإذا سلم من المحرمات وانشغل بالقيل والقال وعمر وقته بها فإذا أراد أن يتعبد ثقلت عليه العبادة، عنده استعداد يسهر إلى الساعة ثلاث، قيل وقال مع أحبابه وأصدقائه، ثم إذا دخل شخص عرف بصلاحه توقعوا أنه يحد من متعتهم في الحديث استثقلوه، فإذا لم يبق من الليل إلا الشيء اليسير عالج نفسه للوتر ولو بركعة، تجده لا يعان على ذلك، لكن لو كان وقته معموراً بذكر الله صارت العبادة هي جنته، والله المستعان.

ص: 12