المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف: - أبو الحسن الأشعري

[حماد الأنصاري]

الفصل: ‌رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف:

وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: " أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه" اه.

وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال رأى أن الله تعالى قد أمده بمواد توفيقه، وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه.

وقد تنازع فيه أهل المذاهب، فالمالكي يدعي أنه مالكي، والشافعي يزعم أنه شافعي، والحنفي كذلك. قال ابن عساكر: لقيت الشيخ الفاضل رافعاً الحمال الفقيه، فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن الأشعري كان مالكياً فنسب من تعلق اليوم بمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من سائر المذاهب إلى الأشعري لكثرة تواليفه وكثرة قراءة الناس لها.

قال ابن فورك: توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324هـ. اه.

وبعد ذكر هذه النتفة من ترجمة هذا الإمام نذكر فيما يلي إثبات رجوعه عن الاعتزال وإثبات نسبة (الإبانة) إليه ننقل ذلك من المراجع الموثوق بها، فنقول وبالله التوفيق.

ص: 60

‌رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف:

قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571هـ في كتابه (التبيين) :

قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وأنه أقام على مذهب الاعتزال

ص: 60

أربعين سنة، وكان لهم إماماً ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس، فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريباً إن شاء الله: فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إماما حتى نسب مذهبهم إليه فصار عند المعتزلة ككتابيٍ أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة.

وكذلك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة، فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة، مما يفضي به إلى انحطاط المنزلة، بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة، لأن من رجع عن مذهب كان بعواره أخبر وعلى رد شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر، وبتبيين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر، فاستراحة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هارون بن موسى الأعور.

وقصته أن هارون الأعور كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو، وناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هارون فبئس ما صنعت فغلبه هارون في هذا. واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة - سيفاً مسلولاً ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السوء

ص: 61

في جميع أهل السنة، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلم بلسان أهل السنة وإنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف، فزاده حجة وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به وليس له في المذهب أكثر من بسطه وشرحه كغيره من الأئمة.

وقال أبو بكر بن فورك: رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة 300هـ.

وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشافعي المتوفى سنة 681هـ قال في (وفيات الأعيان) الجزء الثاني صفحة 446: كان أبو الحسن الأشعري معتزلياً ثم تاب.

ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774هـ.

قال في البداية والنهاية الجزء الحادي عشر صفحة 187:" إن الأشعري كان معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق المنبر ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم ".

ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748 قال في كتابه (العلو للعلي الغفار) :

"كان أبو الحسن أولاً معتزلياً أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلماً للسنة، ووافق أئمة الحديث، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها - لأحسنوا ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله".

وممن قال برجوعه تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة 771هـ قال في طبقات الشافعية الكبرى، الجزء الثاني صفحة 246: أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً فلما

ص: 62

أراده الله لنصرة دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس في بيته، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه.

ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي المتوفى سنة 799هـ قال في كتابه (الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب) صفحة 193: كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق، ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه وسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره، فكان ذلك والحمد لله تعالى.

ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى الحنفي المتوفى سنة 1145هـ قال في كتابه (إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين) الجزء الثاني صفحة 3. قال: أبو الحسن الأشعري أخذ علم الكلام عن الشيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة. ثن فارقه لمنام رآه، ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك إظهاراً. فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وإن الله لا يرى بالدار الآخرة بالأبصار وإن العباد يخلقون أفعالهم.

وها أنا تائب من الاعتزال معتقداً الرد على المعتزلة، ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف على خلافهم.

ثم قال: قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:

أولها حال الانعزال التي رجع عنها لا محالة.

والحال الثاني إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك1.

1 وفي هذا الطور سلك طريقة ابن كلاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب البصري المتوفى سنة 240هـ راجع كتاب العقل والنقل لابن تيمية ج2 ص5 طبعة حامد فقي رحمه الله.

ص: 63