المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب اهتمام العلماء بالألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية - دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم - جـ ٧٥

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌الغلو في الدين [2]

- ‌أهمية فهم الألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية

- ‌أسباب اهتمام العلماء بالألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية

- ‌مصطلح العلمانية بين الحقيقة والزيف

- ‌ضرورة الرجوع إلى اللغة العربية والشرع لمعرفة معاني الألفاظ الشرعية

- ‌أقسام الناس تجاه دعوة الرسل

- ‌أساليب القرآن في التنفير والتحذير من تعدي الحدود

- ‌عاقبة المشدد على نفسه في أمور الدين

- ‌أنواع الغلو وأمثلته ونتائجه

- ‌الفرق بين الغلو الكلي الاعتقادي والغلو الجزئي العملي

- ‌الأوصاف التي تجمع وتربط الغلاة ببعضهم على مر الدهور والأزمان

- ‌الوصف الأول: عدم فهم القرآن ورد السنة

- ‌الوصف الثاني: الظلم واستحلال دماء المسلمين

- ‌الغلو العملي حكمه وأمثلته وضوابطه

- ‌ضوابط في مفهوم الغلو وغيره من المصطلحات الحديثة

- ‌مفهوم الغلو عند المسلمين وعند الغربيين

- ‌أبرز صفات الأصوليين العملية في الغرب

- ‌دلالة مصطلح الأصولية عند الغرب

- ‌نشأة الأصولية النصرانية وانتقالها إلى البلاد الإسلامية

الفصل: ‌أسباب اهتمام العلماء بالألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية

‌أسباب اهتمام العلماء بالألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية

اهتم علماء المسلمون بالألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية اهتماماً بالغاً، وذلك لأمور: أولاً: أن عدم تحديد الألفاظ ومعانيها وحدودها يجعلها نسبية غير محررة، فيستخدمها كل فريق كما يحلو له بمعنى أنهم يستخدمونها على ما تدفعه الأهواء وما تمليه عليهم العقائد، كما وقع -مثلاً- في تاريخنا الإسلامي من كون بعض الظالمين يصفون أهل السنة والجماعة بأوصاف متناقضة لا يمكن أبداً اجتماعها، حيث نجد المعطلة الذين يعطلون صفات الله تبارك وتعالى يطلقون على أهل السنة بأنهم مشبهة، والمشبهة يسمون أهل السنة بالمعطلة، أما أهل السنة فهم على صراط مستقيم لم تتقاذفهم أهواء هؤلاء ولا أولئك.

ثانياً: أهمية تحديد هذه المصطلحات قبل الخوض فيها؛ لأنه أحياناً قد تحدث معان محدثة طارئة لبعض الألفاظ، وليست معاني أصلية وردت في الكتاب والسنة، فتطرأ بعض المعاني والمفاهيم والاصطلاحات الحادثة لقوم أو فئة من الناس؛ لأن كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ موجودة في النصوص الشرعية أو في كلام أهل العلم، فيظن أن المراد بها نظير مراد قومه، ويكون مراد الشارع خلاف ذلك، وهذا الأمر اتضح وضوحاً تاماً في العصر الحديث، لما للإعلام من أثر في تغيير المصطلحات لكثرة استعمالها، مع أن المراد بها معان غير المعاني التي كانت لها أصلاً.

ثالثاً: تبرز أهمية الألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية في أنها أصبحت الآن أداة من أدوات الصراع الفكري، إذ يهتم أعداء أي فكرة أو مبدأ في صراعهم مع الأفكار الأخرى بالألفاظ والمصطلحات العلمية، وذلك بتحريفها وتغييب القول الحق فيها، إذ يأتون إلى المعاني الصحيحة فيبرزونها في قوالب منفرة، وكذلك العكس، حيث يأتون إلى المعاني الفاسدة ويبرزونها في قوالب محبوبة للناس، فمثلاً: الفن الذي هو صناعة التماثيل، والذي هو رسم الصور القبيحة التي لا حياء فيها، وغير ذلك، حيث يسمون أعماله الفنون الجميلة، ويقولون: كلية الفنون الجميلة.

ومثل هذه الأشياء فيها قلة الحياء، ومبارزة الله سبحانه وتعالى بتصوير ما فيه روح أو صناعة التماثيل، ولا شك أن هذا من أكبر الكبائر.

فإذاً: من أقوى أسلحة أعداء الإسلام في هذا الزمان الترويج للمفاهيم الفاسدة، ومحاربة المفاهيم الصحيحة من خلال اللعب بالمصطلحات، وهذا فن قديم يتقنه أعداء الدعوة في كل زمان ومكان، ولقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في بيان تلك الحقيقة شعراً، حيث يقول: تقول هذا جنى النحل تمدحه وإن شئت قلت ذا قيء الزنابير مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير فعسل النحل الشهي الطيب هو في الحقيقة طيب وشفاء للناس، فيمكن أن تعبر عنه بجنى النحل من باب المدح له، ويمكن أن تعبر عنه بلفظ منفر، فتقول: هذا قيء الزنابير.

والقيء هو الذي تخرجه الزنابير من بطنها.

فهكذا ما يحصل اليوم في الصراع الفكري، حيث يقوم المخرفون باستعمال هذه المصطلحات للتلاعب بهذه الحقائق وتنفير الناس منها.

ومعلوم أن أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم استعملوا سوء التعبير فيه وفي الوحي الذي جاء به للتنفير عنه وعما جاء به.

ولو نظرنا في قصص جميع الأنبياء لوجدناهم وسموا ووصفوا بالجنون وبالسفاهة وبالضلال، وبغير ذلك من الأوصاف المنفرة، وهم أكمل الناس وأزكى الناس بلا شك، فهذا فرعون لعنه الله يقول في حق موسى عليه السلام:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] إلى غير ذلك من الألفاظ التي رمي بها الأنبياء أجمعون، والمقصود من ذلك تشويه هؤلاء الرسل لكي ينفر عنهم الناس، وهو نفس الشيء الذي حصل داخل الفرق الإسلامية، فنجد أعداء أهل السنة والجماعة قد حرصوا في شتى أحقاب التاريخ الإسلامي على التنفير من مذهب أهل السنة، وإطلاق الألفاظ المنفرة عليهم، كالحشوية والمعطلة أو المشبهة أو غير ذلك من الصفات.

أو تجد هؤلاء المخرفين يستعملون ألفاظاً طيبة لتغليف حقائق فاسدة، كالمعتزلة حينما يقولون: إن مذهبنا يقوم على خمسة أصول: منها التوحيد.

فما ذهبوا إليه من انحراف في فهم قضايا العقيدة أسموه توحيداً لترويجهم هذا المذهب الفاسد للناس، ومنها العدل، وهو ضلالهم في القضاء والقدر وغير ذلك.

ص: 3