المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تخدير الجسم بمادة ((النيكوتين)) - الأدلة والبراهين على حرمة التدخين

[إبراهيم محمد سرسيق]

الفصل: ‌ تخدير الجسم بمادة ((النيكوتين))

أناجي من لا تناجي" 1 وقد ذكر ابن القيم من فوائد البصل أنه يقوي المعدة، ويهيج الباءة، ويزيد في المني ويقطع البلغم، ويجلو المعدة- كما ذكر من فوائد الثوم: أنه هاضم للطعام، قاطع للعطش، مطلق للبطن، مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام مقام الترياق2. أما التدخين، فما فوائده {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .!

فالأفضل لكل مدخن أن يراقب الله في نفسه وفي معاشريه، وليعلم علم اليقين أنه يسبب غاية النفور لمن حوله من المرافقين والجلاس بما يحمل من قبح الرائحة ونتن الأنفاس، وحتى وإن أخفوا عنه حقيقة شعورهم نحوه، خوفا منه أو تأدبا معه. ولكن: هل يقلب التأدب الحق باطلا؟ أو الكراهية حبا؟ والسؤال بعبارة أخرى أكثر صراحة هو.. هل يعلم المدخن المفرط في التدخين حقيقة شعور زوجته نحوه؟ هل استطاع أن يدرك أهي قادرة على تحمل رائحة فمه أو هي تغالب نفسها في ذلك، وهل استطاع أن ينظف فمه قبل نومه أو تركه ينفث الخبائث والنتن في أرجاء المكان من حوله؟

تدبر ذلك يا أخي ثم تأمل كيف كان الصادق المصدوق صلوات الله عليه يدعو ربه فيقول "اللهم كما حسنت خلْقي فحسن خلُقي" ويقول "اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء، والأدواء". أخرجه الترمذي وصححه الحاكم واللفظ له. فصلوات الله وسلامه على من كان المثل الكامل للإنسانية الفاضلة.

1 الطب النبوي لابن القيم ص 227 ط بيروت.

2 المرجع نفسه ص 223، ص 227.

ص: 55

رابعا:‌

‌ تخدير الجسم بمادة ((النيكوتين))

قبل كل شيء دعوني هنا أعلن معارضتي المطلقة لمن يدعون أن التدخين غير مفتر، وغير مخدر. لأن وقائع الأحوال كلها تؤكد أن الإدمان يبلغ بالمدخن حدا يفقد معه السيطرة على أعصابه تماما، ويبلغ هذا الحد أقصاه عندما يفقد المدخن علبة السجائر مثلا، فتراه هائجا كالمجنون يذرع الطرقات هائما على وجهه بحثا عن هذه المادة المخدرة.. التي تريح أعصابه بعد أن سرى السم إليها وأصبح عادة لها.

وفي الحقيقية فإن الحقائق العلمية المعروفة عن هذه المادة مخيفة تماما، ونحن بدورنا نقدمها هدية إلى المدخنين، ليعرفوا في أي طريق من طريق الشر يسيرون.

لم تكتشف هذه المادة إلا عام 1828م

ص: 55

اكتشفها عالمان ألمانيان هما: بوسلت Bosslet ورايمان Reimau وأطلقا على هذه المادة اسم نيكوتين Nicotin نسبة إلى رجل يدعى ((جان نيكوت Jean Nicot)) – (وكان سفيرا لفرنسا في البرتغال، وقد زرع هذه المادة في حديقة منزله مستهدفا تزيينها بأوراق التبغ الجميلة وأزهاره الجذابة) . وفجأة طارت الشائعات ببعض الفوائد الطبية لهذا النبات وسرعان ما فشا وانتشر في أوربا كلها. وكانت تلك هي البداية الخطيرة.. بعدها أصبح التبغ مبسما في كل فم، وذخيرة حية في كل جيب.

النيكوتين هو المادة الفعالة المؤثرة في التبغ. وهو مادة سامة قاتلة، ويكفي منها خمسون ملليجراما للقضاء على أي إنسان في عدة ثوان. فإذا عرفت أن نسبة ما يوجد منها في السيجارة العادية حوالي خمسة ملليجرامات أدركت الموت البطيء الذي يتعرض له مدمن السيجارة والعياذ بالله.

وقد أورد بعض الباحثين دليلا على شدة امتصاص الجلد المخاطي لسم النيكوتين: ((أنه لو وضع عدد من نقط النيكوتين على لسان إنسان، لكان ذلك كافيا لقتله في عدة ثوان. فكيف بمن يصل النيكوتين إلى أمعائه، ويتوزع على سائر أجزاء جسمه الداخلية وأعضائه؟)) ..

ومع أن كل جرام من التبغ –يحتوي على عشرين ملليجراما من النيكوتين فإن كمية النيكوتين ترتفع في ثلث السيجارة الأخير إلى 40% وهي المنطقة المسماة (منطقة التكاثف: kondensation) أما في ((عقب السيجارة)) فتقفز هذه النسبة إلى 60%.

ويتزايد الأمر خطورة عند عملية التدخين نفسها، فإن جرام التبغ المتوهج يا عزيزي المدخن، يبعث إلى فمك ما يصل إلى 7 ميللجرامات من تلك المادة السامة ((النيكوتين)) . هذا بخلاف السموم الأخرى، التي تؤدي إلى الشعور بحرارة في المعدة، وجفاف في الحلق وإحساس بصعوبة النفس، وفقدان الوعي الناتج عن تسارع النبض وهياج الأعصاب وزيغ البصر والسمع.

ولا شك أن هذه المادة بما تحويه من عناصر مخدرة ومفترة- هي ما يحملنا على الجزم بأن التدخين مخدر، بل هو من أشد المخدرات فتكا بالإنسان، ولا يتطلب

ص: 56

في ذلك سوى يد تمتد إلى صندوق لتخرج منه أنبوبة السم الفتاك، وتظل تتراقص بين شفتيه وهو هائم بها مفتون، حتى يؤول به الأمر إلى أن يسقط في النهاية مصروعا، وقد سرى في سائر جسده سم الأفعى.

يقول الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله (ولذلك يتركه كثيرا من الناس خوفا من ضرره وكراهية لرائحته، وقد يعلقون طلاق نسائهم على العودة إليه، يريدون بذلك تركه نهائيا، فإذا حمل إليهم وقت الحاجة لم يستطيعوا الإعراض عنه أبدا، بل يقبلون عليه بكلياتهم كل الإقبال ولو طلقت نساؤهم فله سلطان عظيم على عاشقيه وتأثير على العقل، وذلك أن شاربه يفزع إلى شربه إذا نزل به مكدر فيتسلى، ويذهل العقل بعض الذهول) ا. هـ.

ويقول الشيخ رحمه الله في شرح طريقة عمل النيكوتين في إفساد الجسم:

(وقد أثبت الأطباء له مضار عظيمة وقالوا إنها تكمن في الجسم أولا ثم تظهر فيه تدريجيا، وذكروا أن الدخان الذي يتصاعد عن أوراق التبغ المحترقة يحتوي على كمية وافرة من المادة السامة –هي النيكوتين- فإذا دخل الفم والرئتين أثر فيهما تأثيرا موضعيا وعموميا، لأنه عند دخوله الفم تأثر المادة الحريفة السامة التي هي فيه- في الغشاء المخاطي، فيهيجه تهييجا قويا، وتسيل منه كمية زائدة من اللعاب، وتغير تركيبه الكيماوي بعض التغيير بحيث يقل فعله في هضم الطعام، وكذلك تفعل في مفرز المعدة كما فعلت في مفرز الفم- فيحصل حينئذ عسر الهضم.

وعند وصول الدخان إلى الرئتين عن طريق الحنجرة تؤثر فيهما المادة الحريفة فتزيد مفرزهما، وتحدث فيهما التهابا قويا مزمنا.. فيتهيج السعال حينئذ لإخراج ذلك المفرز الغزير الذي هو البلغم- ويتسبب عن ذلك: تعطل الشرايين الصدرية، وعروض أمراض صدرية يتعذر البرء منها، وما يجتمع على باطن القصبة من آثار التدخين الكريهة الرائحة يجتمع مثله على القلب: فيضغط على فتحاته ويصد عنه الهواء فيحصل حينئذ عسر التنفس، وتضعف المعدة، ويقل هضم الطعام، ويحصل عند المباشر له الذي لم يعتد دوار وغثيان وقيء وصداع، وارتخاء للعضلات ووهي للأعصاب ثم سبات.. وهي كناية عن حالة التخدير الذي هو من لوازم التبغ المتفق عليه- وذلك لما يحويه من المادة السامة) ا. هـ.

ص: 57