المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تعريض الجسم للتهلكة بسرطان الرئة: - الأدلة والبراهين على حرمة التدخين

[إبراهيم محمد سرسيق]

الفصل: ‌ تعريض الجسم للتهلكة بسرطان الرئة:

إن الخطورة الكبرى لحالة التخدير التي يسببها التبغ –ليست في كونه مغيبا لعقل شاربه فقط، بل في كونه مهيئا له إتيان المنكر بشتى أنواعه. نعم، فإن من الحقائق المعروفة في علم النفس الجنائي: أن الجاني يتغلب على تردده في ارتكاب الجريمة بتعاطي بعض المخدرات، وحين يفقد وعيه ويضيع توازنه -يصبح قادرا بغير شعور على ارتكاب المحظور! وكم من وقائع وصل فيها المجرم إلى مرحلة الهياج- وكان التحكم في المخدر وسيلة ناجحة لإذلاله وتحطيم معنوياته.

ولعل القرآن الكريم يشير إلى ذلك –والله أعلم بمراده- في قوله سبحانه {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وهو أحد الرأيين في تفسير جزء الآية. يقول الشوكاني رحمه الله: أي تناول الناقة بالعقر فعقرها أو اجترأ على تعاطي أسباب العقر فعقر. 1هـ وهذا الرأي الثاني أقرب والله أعلم إلى نظم الآية، لأن من المعلوم لدى البلاغيين: أنه قد يقصد تعلق الفعل بمفعول غير مذكور، ولابد من تقديره، إن عاما فعام وإن خاصا فخاص. ومثاله قوله تعالى {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} أي يدعو كل مكلف. وقوله سبحانه {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِه} أي أحدا- ولما كانت أسباب العقر ومقدماته والعوامل المساعدة عليه كثيرة، ناسب أن يحذف المفعول لقصد التعميم مع الاختصار، ويستأنس لهذا الاتجاه في معنى الآية بأن التعاطي هو تناول الشيء بتكلف، والتكلف للشيء هو الاستعداد له ولأخذ بأسبابه مع مجاهدة ومكابدة. وهذا أيضا تصوير لواقع وطبيعة المدمن الذي نفسه ضد طبيعتها الأصلية، ويروضها بوسائل الإفتار والإسكار لتقوم بما ليس من شيمتها أن تقوم به، ومن ثم يأتي المجرم في عاقبة أمره أن يتعرف بما صدر عنه في حالة فقدان الوعي. ولله في خلقه شئون.

ص: 58

خامسا:‌

‌ تعريض الجسم للتهلكة بسرطان الرئة:

لم يعد هناك أدنى شك في أن للتدخين سبب قوي من أسباب الإصابة بسرطان الرئة. هذه نتيجة علمية أسفرت عنها بحوث الهيئات الطبية المتخصصة في جميع أنحاء العالم. وكانت إشارة الخطر الأولى المنذرة بوجود علاقة

ص: 58

أكيدة بين السرطان وبين الفحم ومشتقاته –هي شيوع ((سرطان الصفن)) بين كثير من منظفي المناجم، الأمر الذي لفت انتباه السير ((بير سفال بوث)) عام 1775م. وأعقبت ذلك ظاهرة مشابهة لدى عمال المناجم في ساكسونية: حيث فشت الإصابات فيهم نتيجة التأثير نفسه مما جعل الأطباء يهتمون بدراسة المرض ومعرفة أسبابه المباشرة.

وهناك حقيقة مؤسفة بهذا الصدد: وهي أن السرطان الرئوي داء خبيث، لا يتم اكتشافه في العادة إلا بعد أن تتضح آثاره خارج الرئة نفسها، مما يجعل أربعة من كل خمسة أشخاص يصابون به لا يمكن تداركهم في الوقت المناسب فيواجهون القضاء المحتوم ولهذا السبب أعلن مجلس الأبحاث الطبية في بريطانيا عام 1957م ((أن التفسير الوحيد المقبول لازدياد الوفيات بحوادث سرطان الرئة لدى الرجال في الخمس والعشرين سنة الأخيرة هو أن الازدياد ناتج في غالبيته عن التدخين، لاسيما التدخين الشديد؛ (أكثر من عشرين سيجارة يوميا) .

وفي الدراسة المشار إليها آنفا:

Common sense about smoking إحصائية تقول: إن عدد الموتى في سنة واحد -مصابين بسرطان الرئة- هم ثلاثة وعشرون ألفا عام 1962م.

وأنه قد مات في بريطانيا حتى عام 1963م أكثر من (ربع مليون شخص) بسبب التدخين. وكل شيء بقضاء الله وقدره.

وجدير بالذكر هنا: أن جمعيات السرطان التي تكافح هذا الوباء في كل مكان –تؤكد للعالم كله، أنها لا تنطلق في نشاطها المعادي للتدخين من دافع ديني أو اجتماعي أو أخلاقي، وأنها إنما تنبعث من دافع واحد فقط:

وهو خطر التدخين على الناحية الصحية

ذلك الخطر الذي يشتد ويتزايد مع بلع الدخان، أو الإصرار على إخراجه من الأنف، أو التدخين قبل تناول الطعام مطلقا، أو التدخين في الغرف المغلقة بصفة عامة وغرف النوم بصفة خاصة.

وحيث قد تأكدت علاقة التدخين بالسرطان الرئوي، فلم يعد ثمة مجال للقول بغير التحريم المطلق للتدخين بحكم كونه مفضيا إلى التهلكة المنهي عن الوقوع فيها بالنص القرآني {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .

وبقوله سبحانه {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

ص: 59