المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السلف لم يكونوا بمعزل عن هذا - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٣

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌كلانا على الخير

- ‌جميع أعمال الخير وخدمة الدين مطلوبة

- ‌الأدلة والمبررات لقبول اختلاف الاجتهادات فيما يقدمه المرء للإسلام من الخدمات

- ‌قول الله (وما كان المؤمنون لينفروا كافة)

- ‌اختلاف أبواب الجنة باختلاف الأعمال

- ‌اختلاف الطاقات والمواهب البشرية

- ‌وجود الاختلاف في الخير بين الصحابة

- ‌خالد بن الوليد يمنعه الجهاد عن كثير من القراءة

- ‌أبو ذر قوال للحق ضعيف في الإمارة

- ‌اختلاف ابن عباس وأبي هريرة في مراتب العلم

- ‌اختلاف الوصايا النبوية بحسب الأشخاص

- ‌عمق الخلل والانحراف في واقع الأمة

- ‌العصر الذي نعيشه يتطلب ذلك

- ‌الحاجة إلى التكامل

- ‌السلف لم يكونوا بمعزل عن هذا

- ‌ينبغي أن يوجه الشباب إلى ما يحسنونه حسب استعداداتهم

- ‌من سلك طريقاً يخدم به الإسلام فلا يجوز أن يحتقر الطرق الأخرى

- ‌كل ميسر لما خلق له

- ‌لن تحيط بكل ما أمرت به

- ‌قد يطرأ على المفضول ما يجعله أولى من الفاضل

- ‌ليست الشهرة هي قيمة الإنسان

- ‌محذورات يجب التنبه لها

- ‌لا يترك الواجب بحجة التخصص

- ‌لا يسوغ الخلل التربوي بحجة التخصص

- ‌الحذر من الإغراق في التخصص المبكر

- ‌عدم التهوين من شأن الجوانب الأخرى

- ‌لا ينبغي أن ننشغل بالدون

- ‌لابد من التكامل على مستوى الأمة

- ‌الأسئلة

- ‌التأسيس في العلم قبل التخصص

- ‌لا يطلب من الناس أن يتجهوا إلى مكان واحد

- ‌تحريك الطاقة الكامنة في النفس بالعمل

- ‌الجمع بين جميع أبواب الدعوة مستحيل

- ‌اتخاذ قرار التخصص بحسب الأغراض الدنيوية

- ‌الموازنة بين خدمة الدين في ميدان والتعرض للانحراف

- ‌جميع أبواب الدين مفتوحة للعمل فيها

- ‌كيفية تحديد منهج النبوغ

- ‌اختلاف الناس في التوجه للعبادة

الفصل: ‌السلف لم يكونوا بمعزل عن هذا

‌السلف لم يكونوا بمعزل عن هذا

تاسعاً وأخيراً: السلف لم يكونوا بمعزل عن هذا، فترى عبارات للسلف قديماً وحديثاً تدل على ذلك، ومنها ما سقناه في بداية المحاضرة عن الإمام مالك رحمه الله، وجاء أحدهم إلى الخليل بن أحمد ليتعلم العروض فأحس الخليل بن أحمد أن هذا ليس عنده استعداد لأن يتعلم عروض، فأعطاه بيتاً يقطّعه قال: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع ففهم الرجل المقصود وأنه لا يناسب له علم العروض فاتجه إلى علم النحو ونبغ فيه وكان من النحاة.

نلاحظ أن الخليل بن أحمد يوجه إلى أنه ليس الميدان واحداً، والعروض أصلاً علم محدود، ولد جملة واحدة أنشأه الخليل بن أحمد، يمكن أن يحيط به الإنسان في وقت يسير، ومع ذلك مثلاً هذا الرجل لم يستطع، لكن لا يعني أنه قد أصبح فاشلاً فأمامه ميدان آخر ومجال آخر، فاتجه إلى الميدان الآخر واستطاع أن ينبغ فيه.

والأعمش كان إذا قيل له حدث قال: لا يقلد العلم الخنازير، يعني: ليس كل واحد مؤهلاً أن يُعطى العلم، فالعلم لا يُعطى إلا لمن يستحقه.

يقول ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود: ومما ينبغي أن يتعهد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذوناً فيه شرعاً، أي: إذا كان هذا الطفل متهيئاً لهذا العمل بشرط أن يكون مأذوناً فيه شرعاً فلا يحمله على غيره، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يُفلح وفاته ما هو مهيأ له.

يعني ابن القيم أن على الأب أن ينظر إلى حال الصبي، ويعرف استعدادات الصبي والأمور التي يتهيأ لها الصبي فيوجهه إلى هذا الميدان، فإذا كان الصبي عنده حفظ وعقل يمكن أن يوجه إلى العلم، وإذا كان عنده همّة ونشاط وعمل لكنه ليس متوجهاً للحفظ فينبغي أن يوجه إلى ميدان آخر، كذلك الأستاذ ينبغي أن يوجه طالبه هذه الوجهة، والمربي ينبغي أن يوجه من تحته هذه الوجهة، فينظر ما هو مستعد له فيوجهه إليه، وله عبارة طويلة يمكن أن نقرأها في مدارج السالكين: يقول: فإذا عُلم هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعلم، قد وفّر عليه زمانه مبتغياً به وجه الله فلا يزال كذلك عاكفاً على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق ويُفتح له فيها الفتح الخاص، أو يموت في طريق طلبه فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته، قال تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100].

ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر، وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله فمتى فتر عنه أو قصّر رأى أنه قد غُبن وخسر.

ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة فمتى قصر في ورده منها أو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها أظلم عليه وقته وضاق صدره.

ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وأنواع الصدقات قد فُتح له في هذا وسلك منه طريقاً إلى ربه.

ومن الناس من يكون طريقه الصوم فهو متى أفطر تغيّر قلبه وساءت حاله.

ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أوقاته وأعظم أوراده.

ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد فتح الله له فيه ونفذ منه.

ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار، ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق، وتجريد الهمة، ودوام المراقبة، ومراعاة الخواطر، وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة.

ثم ذكر حال من جمع تلك الطرق كلها وهذا نادر.

وأيضاً يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله حول قول الله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122]: وفي هذه الآية أيضاً دليل وإرشاد وتنبيه لطيف لفائدة مهمة وهي أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها ويوفر وقته عليها ويجتهد فيها ولا يلتفت إلى غيرها لتقوم مصالحهم وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم ونهاية ما يقصدون قصداً واحداً، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة والقصد واحد، وهذه من الحكمة النافعة في جميع الأمور.

أظن أن هذه المؤيدات التي سردنا تكفي لأن تعطينا القناعة بأن هذه الطرق كلها يجب أن تُسلك جميعاً، وأن لا يعتب بعضنا على بعض، وأن هذه الطرق على مستوى الأمة مطلوبة جميعاً، لكن على مستوى الأفراد مطلوب من كل امرئ أن يقوم بباب وأن يسد ثغراً من هذه الثغور.

ص: 15