الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد لأجل التوحيد
لماذا نجاهد؟ نجاهد من أجل التوحيد: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] ، إذاً الغرض من الجهاد ألَّا يكون هناك فتنة، وما هي الفتنة؟ الفتنة كما ذكرت في الحديث الصحيح:(الفتنة الشرك) فنقاتل الكفار حتى لا يكون هناك شرك، وحتى يكون الدين كله لله، فلا يعبد إلا الله، ولا يتبع إلا شرع الله، ولا يطاع إلا الله سبحانه وتعالى، أو من أمر الله تعالى بطاعته تبعاً لطاعة الله سبحانه وتعالى كالأنبياء وولاة الأمر من علماء وأمراء، الذين يُعلمون الناس ويحكمون بينهم بما أنزل الله.
ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم وهو يصف حاله ووضعه ونفسه بناءً على ما ذكر ربه عز وجل، عندما قال له ربه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] فكأنه صلى الله عليه وسلم يترجم ذلك الأمر فيقول: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة} فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بالسيف وبالجهاد، ولا يقوم ديننا هذا إلا على الجهاد، ولا يمكن أبداً أن يقوم إلا على الجهاد بجميع أنواع ودرجات الجهاد.
فالمؤمن في جهاد مع نفسه وهواه، ومع شيطانه ومع أعدائه، وجاءت لفظة [السيف] في الحديث ليدل على المرتبة العليا للجهاد، التي لا يقوم ولا يتحقق الدين إلا بها.
ولكن الجهاد والسيف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من أجل ماذا؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} فهذا هو الغرض الوحيد، وهو أن يُعبد الله وحده لا شريك له {وجعل رزقي تحت ظل رمحي} فكل الأنبياء لهم مكاسب يكسبون منها، فمنهم من كان نجاراً، ومنهم من كان حداداً، ومنهم من رعى الغنم وكلهم رعوا الغنم، وكل نبي له مهنة.
والله سبحانه وتعالى من فضله وحكمته البالغة بعث هؤلاء الأنبياء من البشر: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً} [الإسراء:95] لكن نحن بشر، فبعث منا بشراً يعمل ويكدح، ويحتاج أن يأكل ويشرب وينام، ويمشي في الأسواق كما نفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم من أين يأتي بدخله؟ يأتي بدخله من خلال أشرف وأعظم وأعلى أنواع المكاسب، وهو:{وجعل رزقي تحت ظل رمحي} ، فلو أن الأمة الإسلامية آمنت بالله ووحدت الله سبحانه وتعالى حق توحيده، لأكلت من تحت ظل رمحها.
فالكفار يبنون الحضارة ثم تكون للمسلمين، والفرس والروم بنوا حضارتهم في ألفين سنة، وأجروا فيها الأنهار، وسقوا الأشجار، وبنوا القصور، وفتحوا القنوات العظيمة، وبنوا الطرق الرومانية التي تمتد من شمال أوروبا إلى مصر وجزيرة العرب ، كل ذلك فعلوه، فكان ماذا؟ كان غنيمة للمسلمين، غنيمة لمن وحد الله سبحانه وتعالى، فخرجوا من هذه الجزيرة حفاة عراة جائعين، إلا ما كان منهم ميسور الحال وما أقلهم، فأورثهم الله تبارك وتعالى تلك الحضارات، وتلك القصور، وتلك المباني.
ونحن الآن -مثلاً- نقول: العالم الغربي لديهم الحضارة والعلم والتطور والتقدم والتكنولوجيا، ولو وحدنا الله سبحانه وتعالى حق توحيده، وذهبنا في سبيله، ودعونا إليه سبحانه وتعالى، وكان هذا هو همنا، وكان ذلك شغلنا الشاغل، كما قال في الآية سبحانه وتعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] أي: هذا هو فعلي، وهذه هي طريقتي، وهذا هو عملي، أدعو إلى الله سبحانه وتعالى.
ولو فعلنا ذلك لكنا بفقرنا هذا وعلى تأخرنا هذا -ونحن لا نريد التأخر في التكنولوجيا أو التقنية، ولا نريد الفقر، ولا نريد الجوع- لكنا منتصرين عليهم ولأورثنا الله تبارك وتعالى هذه الحضارات جميعها، فمنهم من يؤمن، فيسلم هو وما لديه من حضارة، ومنهم من نجاهده فيعطينا الله ملكه وحضارته غنيمة للمسلمين، بماذا؟ بتوحيد الله سبحانه وتعالى، فلو وحَّدناه سبحانه لغزوناهم في عقر دارهم، ولما كانت لهم أي فرصة ليغزونا في دارنا، كما هو حال بلاد المسلمين اليوم إلا ما رحم الله.
إذاً: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري} وهذا هو حال المسلمين اليوم، إلا من كان في عز الطاعة وفي عز الدعوة إلى الله، أما البقية فهم في ذل، وإن جمعوا من المال ما جمعوا، وإن حازوا من المناصب ما حازوا، فهم بالنسبة للكفار في ذل، لماذا؟ لأنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فإذا تمسكنا بهذا الدين، وأخذنا بأسباب الدنيا وهي من الدين ومطلوبة، فإن الله تعالى يوفقنا وينصرنا على كل عدو.
أما إذا تركنا ديننا وأردنا العزة والقوة في آلات نشتريها، ومعدات نستوردها، وصناعات نظن أنها تحقق لنا ما نريد، فلن يكون ذلك أبداً ، إلا بدين الله سبحانه وتعالى.
{ومن تشبه بقوم فهو منهم} فمن تشبه بالكرام وبالمقربين: من أنبياء أبرار ودعاة ومجاهدين وصالحين، كان منهم، وإن تشبه بالكفار كان منهم، وإن تشبه بالمنافقين أو المبتدعين أو الضالين أو الفاجرين كان كذلك منهم:{من تشبه بقوم فهو منهم} وكأننا نلمس داخل الحديث أملاً، وهو أنكم إن كنتم تريدون العزة، وإن كنتم تريدون النجاح فهو في دعوتكم وفي جهادكم وفي عملكم أيها المسلمون:{من تشبه بقوم فهو منهم} فتشبهوا به صلى الله عليه وسلم، بأن تكونوا مجاهدين داعين إلى أن يُعبد الله وحده لا شريك له، وليكن رزقكم تحت ظل رماحكم، فتكونوا مثله، وتنالوا ما نال الصحابة الكرام من الفوز والغنيمة في الدنيا والآخرة.
فإذاً الجهاد والأمر بالمعروف من أجل ماذا؟ من أجل توحيد الله سبحانه وتعالى.