المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السفر والانسلاخ من الدين - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٢٠

[سفر الحوالي]

فهرس الكتاب

- ‌أخطار تهدد الأسرة المسلمة (ندوة)

- ‌مقدمة مقدم الندوة

- ‌خطر الغزو الفكري

- ‌دمار الأسرة بالغزو الفكري

- ‌سيطرة الغزو الفكري على المجتمعات

- ‌آثار الغزو الفكري على الأسرة

- ‌انتشار الفاحشة هو تدمير للأسرة

- ‌ضياع الوقت

- ‌انتشار العنف والجريمة من أسباب دمار الأسرة

- ‌كلمة للمقدم

- ‌من الآثار السيئة للإعلام

- ‌الأثر الأول: الكبت

- ‌الأثر الثاني: الانفصام والتناقض

- ‌الأثر الثالث: السلبية وعدم الإيجابية

- ‌الأثر الرابع: الآثار العضوية

- ‌الأثر الخامس: قتل الأوقات

- ‌أخطار السفر إلى بلاد المشركين

- ‌الأخطار العقائدية

- ‌السفر والانسلاخ من الدين

- ‌واجبنا تجاه ظاهرة السفر إلى بلاد الكافرين

- ‌أخطار استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين

- ‌ظهور الفواحش

- ‌تغيير العقائد

- ‌التدهور الأخلاقي

- ‌إضعاف اللغة العربية

- ‌انتشار الأمراض

- ‌إفساد الدين والأخلاق

- ‌نتائج أخرى

- ‌الشباب والفساد

- ‌خاتمة

- ‌تصحيح مفهوم العمالة

- ‌جزيرة العرب للمسلمين

- ‌حدود الجزيرة العربية

- ‌من دخول الكفارة إلى بلاد المسلمين

- ‌الأسئلة

- ‌البديل الإسلامي لوسائل الإعلام

- ‌مخاطر عمل المرأة

الفصل: ‌السفر والانسلاخ من الدين

‌السفر والانسلاخ من الدين

يذهب الإنسان إلى تلك البلاد فيُضيِّع أول ما يضيع دينه! لأنها بلاد كفر، وليس بعد الكفر ذنب، فهي بلاد تعلن أن الله تعالى غير موجود، أو أنه ثالث ثلاثة -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ويضيع المؤمن فيها ويشعر بالغربة الشديدة، فإذا كان المتمسك بدينه يشعر بالغربة في بلاد الإسلام! فكيف بتلك البلاد التي لا مساجد فيها ولا أذان ولا صلاة تقام؟! ويرى غلبة الكفر وقوته، ويرى بهرج الحياة الدنيا وزخارفها التي هم عليها، والتي لا توجد في بلاد المسلمين إلا النزر القليل إن وجد.

فيكون مما يثبط عزيمته، ويضعف إيمانه، وينبهر ويُخدع بهذا المتاع الفاني الزائل، ويظن أنه كان مخدوعاً مغروراً، وأنه ما وعده الله ورسوله إلا غروراً -كما قال ذلك المنافقون- وأن هؤلاء الكفار في عزة ومنعة وهم على كفرهم، فيظن أن الكفر هو مصدر هذه العزة، أو أنه لا يتعارض مع العزة، وهذه من أكبر الأمراض القلبية التي تصيب المسلم دون أن يستشعر ذلك عقلياً، وتدخل إلى قلبه وأحاسيس نفسه وهو لا يدري.

وإذا كان أهله معه فإنها مصيبة كبرى؛ يرون المناظر المتبرجة، ويرون الخمر علانية، والفسق والانحلال والعادات الرذيلة الذميمة يرونها أمام أعنيهم، فإن كانوا ممن ذهبوا لنيل هذه الشهوات! فقد غرقوا وهلكوا وأهلكوا، وإن كانوا من المخدوعين الذين يذهبون من أجل الفسحة وقضاء الوقت، فإنهم سوف يصابون بأمراض القلوب، وأقل ذلك أنهم يرون أنفسهم في تمسك وإيمان، فإذا رأى الإنسان تلك البيئات فإنه يقول: أنا مؤمن وأنا متمسك، وبيئتي مؤمنة وعظيمة، ولكنه يرجع معظِّماً لتلك البلاد، محقِّراً لبلاد الإسلام، متهاوناً بالمعاصي، وكأن لسان حاله يقول: كلنا سواء، المؤمن والكافر، بل هم أكثر معصية منا، فلماذا تنزعجون من وجود المنكرات؟ أو من الاختلاط أو التبرج أو انتشار المخدرات أو ما أشبه ذلك؟ وهذه من أعظم الدلائل على أن مثل هذا قد أصيب في عقيدته؛ لأنه شتان بين المؤمنين والكافرين، ومن يعقد المقارنة بينهما فإنه لا يعرف حقيقة التوحيد ولا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن الصحابة الكرام كانوا إذا ابتلوا أو اضطروا إلى أن يروا مشركاً، فكأنَّ الرجل منهم رأى رجلاً من أهل النار خرج إلى هذه الحياة الدنيا أمام عينيه! فلو تصور المؤمن أن هؤلاء أهل النار، فهل سيغتر بما لديهم من زخارف الحياة الدنيا؟! هل سيغتر بما أعطوا من النعمة والعافية أو الحضارة؟! هل سيغتر بما هم عليه من عزة ظاهرة أو من نعمة خادعة؟ هل سيكون ذلك سبباً في أن يجاريهم في عاداتهم وأخلاقهم ويتأثر بها هو وأبناؤه؟ لو كان يعلم حقيقة أن هؤلاء من أهل النار، وأنه ليس بين هذا الذي أمامه وبين النار إلا أن يموت، وما أقرب الموت، وكل آت قريب، وأن هؤلاء أعداء الله عز وجل ونحن المسلمين أولياء الله عز وجل لو علم ذلك لعلم أنه لا يستوي أعداء الله وأولياؤه.

بل أدهى من ذلك أن يأتي أحدهم ويقول: إن تلك البلاد فيها نظام وأخلاق وفيها وفيها، فيكون ممن يمدح الكافرين ويذم المسلمين! وبعضهم يقول علانية: الكافرون أفضل وخير من المسلمين! وهذا من الكفر الصراح الذي يصادم كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله أن بعضهم يذهب، ولكنه يعود وهو في منعة وحصانة، يذهب مخدوعاً فيعود بعقل سديد، حتى أن بعضهم قال: أقسمت بالله أنني إذا عدت إلى بلادي أن أسجد شكراً لله عز وجل! وفعلاً نزل من سلم الطائرة في مطار جدة، وسجد لله عز وجل فرحاً أنه عاد من تلك البلاد، وقال: والله ما ذهبت إليها إلا لأنها بلاد حضارة ورقي وتقدم، فلما رأيت ما رأيت، أقسمت على نفسي ونذرت أن أفعل هذا، وألا أعود إليها، فإذا كان هذا ضميره مستيقظاً، فكم من ضمائر ماتت، وكم من قلوب قد أصابها المرض وقتلها، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، حتى أن أولئك في تلك البيئات أصبحوا يأتون بما يندى له الجبين، يفتحون البارات والخمارات والمراقص، ويكتبون عليها باللغة العربية دار مكة! أو مرقص مكة! أو ملهى المدينة ليصطادوا المسلمين إليها، وقد قال بعض إخواننا إنه رأى ذلك بأم عينه.

ولا شك أنه لا يرضى بذلك ولا يرتاح إليه إلا من خلا قلبه من الإيمان، فتلك البيئات لا يجوز للمسلم أن يسافر إليها، لا في عطلة ولا في غيرها، إلا من اضطر للعلاج، أو من أضطر لدارسة معينة تنفع المسلمين، ولا يوجد له ملجأ إلا تلك البلاد، فيجوز للضرورة.

ص: 19