المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرحوا بما عندهم من العلم - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٢١

[سفر الحوالي]

الفصل: ‌فرحوا بما عندهم من العلم

‌فرحوا بما عندهم من العلم

الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وهو يعلم حاله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] فهو يعلم أن هذا الإنسان ظلوم جهول، ولهذا احتمل الأمانة وقبلها بعد أن أبت منها السماوات والأرض {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] هذا الظلوم الجهول لا بد أن يُذَّكر، وأن تتلو الذكرى ذكرى، والموعظة موعظة، ولكن ما أكثر العبر! وما أقل الاعتبار! والله سبحانه وتعالى قد قصَّ علينا من أنباء ما قد سبق، وذكر لنا حال الأمم، أين قوم نوح؟ أين عاد؟ أين ثمود؟ أين فرعون؟ أين تلك الأمم؟ وأين تلك الحضارات؟ وأين القرى التي عُمِّرت وسادت وبنت وأترفت في الحياة الدنيا حتى ظن أصحابها أنه لا يقدر عليهم أحد حتى الله سبحانه وتعالى؟! ولهذا قالت أعتى تلك الأمم وهي عاد:{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة} [فصلت:15] فالله سبحانه وتعالى هو أشد منهم قوة ولكنها الغفلة.

لماذا تأتي هذه الغفلات؟ ولماذا نجد صورتها ما تزال حية واقعة إلى اليوم في هذه الدنيا؟ الله سبحانه وتعالى فصل ذلك وبينه.

من أعظم الأسباب التي تجعل القلوب تغفل عن الله عز وجل ولا تتعظ ولا تعتبر: أن يفرح الناس بالحضارة والتقدم والإنتاج والصناعة وما هم فيه من الترف والنعيم! {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ} [غافر:83].

يقولون: لماذا نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلم لدينا إذا قيل لهم: أيها الناس! اتقوا الله وذروا الزنا واللواط والفحشاء تنجوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة، قالوا: لا نطيع أمر الله ولا أمر رسول الله، لدينا الأطباء، والعلم كل يوم يبحث لاختراع علاج لمقاومة الإيدز وما أشبهه، {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر:83] {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} [سبأ:45] أي: عشر العشر، فالحضارات الماضية بلغت الشيء الذي لم تبلغ هذه الأمة منه عشر العشر، كل أمة تظن أنها أرقى الأمم في الحضارة، وأن ما عندها من العلم كافٍ لأن تنكر أمر الله وتعترض عليه ولا تتبعه، إذا قيل لهم: إن الله حرم الربا، قالوا: لا، عندنا علماء اقتصاد وعندنا خطط، وعندنا خبرات تكفي لأن نتوقى المخاطر التي تنجم عن الربا.

{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر:83] وظنوا أن هذا العلم يكفي لاجتناب ما ينزل من أخطار؛ حتى عندما هُددوا بالأعاصير والزلازل فرحوا بما عندهم من العلم، قالوا: أصبح بالإمكان مراقبة الإعصار وهو ما يزال في المحيط الأطلسي أو المحيط الهادي، فلا يأتي إلى المدينة، إلا وقد أخذت جميع الاحتياطات والاستعدادات، والزلازل يمكن أن ترصد وهكذا، لكن الله سبحانه وتعالى يملي لهم كما قال:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:45] ولكن إذا جاء أمر الله تتبخر وتتبدد كل هذه الأوهام، ويذهب ذلك العلم والكبرياء فيه، ويركضون ولكن وراء السراب، حيث لا ينفع حينئذ إلا أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وما أكثر الغافلين.

وأما قصة قوم يونس التي سمعتم {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ} [يونس:98].

فهي قصة شاذة في تاريخ الأنبياء والأمم، أنَّ أمة تؤمن حال رؤية العذاب أو قرب رؤية العذاب، فمن رحمة الله أن يفتح الباب للتوبة وللاستغفار، ولكن قل من يتذكر.

ص: 7