المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حاجة الدعاة إلى الصبر - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٦٣

[سفر الحوالي]

الفصل: ‌حاجة الدعاة إلى الصبر

‌حاجة الدعاة إلى الصبر

لعل فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في وصية لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] إنَّ التعقيب بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيه إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر؛ وأن كل من دعا إلى الله وآمن بالله لابد أن يبتلى وأن يمتحن، ولا بد أن يعادى كما قال سبحانه:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُواءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] أي لا يمكن ذلك، ويقول الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان:31].

فكل نبي وكل صاحب دعوة له أعداء من المجرمين، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر له أعداء من المجرمين، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يُصادم الناس في رغباتهم، وفي شهواتهم، وفي مطامعهم، وفي مآربهم وملذاتهم؛ والناس يتهافتون عليها كما مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنهم يتهافتون في النار كما يتهافت الفراش والذباب، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال:{فأنا آخذ بحجزكم عن النار} وهذا العمل لا يقوم به من بعده صلى الله عليه وسلم إلا العلماء والدعاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، لأن الناس يتهافتون على ما يضرهم.

فلو أبيح الزنا -عياذاً بالله- لتهافتوا عليه كما يتهافت الذباب على القاذورات، ولو أبيحت الخمرة؛ لشربها أكثر من ترى من الناس، ولو أبيح أي نوع من أنواع الفساد؛ لرأيتهم يتهافتون عليه، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام:116].

وأما إذا اجتمعت مع هذه الشهوة والرغبة شهوات أخرى؛ كأن يكون الرجل ذا منصب، أو كأن يكون ذا مال وجاه عند الناس؛ فإن ردّه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون أكبر، فيستعظم ويستفظع أن رجلاً في مرتبة كذا ينتقد عليه وهو صاحب الرتبة والمرتبة والجاه والسلطان ويقول له: اتق الله، فهذا حال من أخبر الله تعالى عنهم بقوله:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] نعوذ بالله من ذلك، ولكن هذا أصبح حال أكثر الناس الآن.

فإذا كان هذا في زمن كثر فيه الفساد ، واشتدت غربة الدين -كما ترون- وضعف فيه سلطان أهل الحق، وأصبحوا لا يخلو حالهم من قلة أو ذلة، فإن الأمر يكون أشد، وإن الصبر يكون أحوج ما يكون له العبد ما تحتمله هذه الكلمة من أنواع الصبر.

ص: 4