المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وسطية الإسلام في الأخلاق - دروس للشيخ صالح بن حميد - جـ ٣٧

[صالح بن حميد]

فهرس الكتاب

- ‌الوسطية في منهج أهل السنة والجماعة

- ‌سبب الحديث عن الوسطية

- ‌معنى الوسطية في اللغة والشرع

- ‌تعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المراد بالسنة والجماعة

- ‌مسميات أخرى لأهل السنة والجماعة

- ‌معالم أهل السنة والجماعة

- ‌من معالم أهل السنة تعظيم الكتاب والسنة والاعتصام بهما

- ‌عدم التعصب لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أهل السنة ليس لهم انتساب خاص

- ‌من خصائص أهل السنة تبنيهم للتوحيد والدعوة إليه

- ‌من منهج أهل السنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌من منهج أهل السنة ضبط العلاقة بين التوكل والأسباب

- ‌الوسطية والاعتدال في الإسلام

- ‌وسطية الإسلام بين الديانات الأخرى

- ‌وسطية الإسلام في الأنبياء

- ‌وسطية الإسلام في العقل

- ‌وسطية الإسلام في الأخلاق

- ‌وسطية الإسلام في الاستمتاع بالزينة

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة

- ‌وسطية أهل السنة في باب الأسماء والصفات

- ‌وسطية أهل السنة في أفعال العباد

- ‌الأسئلة

- ‌الرد على من قال: إن أهل السنة متزمتون

- ‌بذل الوسع في الأسباب لا ينافي التوكل

- ‌إمكانية توحد المسلمين مع اختلاف توجهاتهم

- ‌هل تطلب الوسطية في طلب العلم

- ‌حكم الدعاء على كفار معينين

- ‌التوبة فعل العبد والتوفيق من الله

- ‌ضعف التوجيه إلى التوحيد والعقيدة

- ‌اختيار الرفقة الصالحة

الفصل: ‌وسطية الإسلام في الأخلاق

‌وسطية الإسلام في الأخلاق

والوسطية في الأخلاق:

دين الله وسط بين الغالي الذي جعل الإنسان مثالياً، فأراده في هذه الدنيا مَلَكاً مُبَرَّئاً من كل عيب، سليماً من كل نقص، فطَلَبَ من معالي القيم والآداب ما لم يمكن أن يبلغه إلا بالعصمة لو كان معصوماً، وبين الجفاة الذين جعلوه حيواناً بهيمياً، فلم يعيبوا عليه أن ينحط في السلوك إلى أسفل الدركات، ومع الأسف- أن عصرنا الحاضر شاهد على هذا الانحطاط البهيمي في الشهوات.

إذاً مسلك الإسلام في الأخلاق وسط بين المثالية والواقعية، بمعنى أنه لا شك أن الإسلام وضع لنا نماذج مثالية أَحَبَّ منا أن نرقى إليها، لكنه لم ينكر واقعيتنا وضعفنا كبشر، قال الله عز وجل:{وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} [الأنفال:66]{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] بل حتى في الجهاد فرض علينا في أول التشريع أن يقف المسلم مقابل عشرة من الكفار، ثم خفف فقال تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفَاً} [الأنفال:66].

فالإسلام وسط بين المثالية النموذج المحلق، وبين الواقعية، مثلاً: في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90] عدل وإحسان، فالعدل الذي هو إعطاء حق وأخذ حق، كل واحد يطيقه والإحسان فضل، فالإحسان هو الذي تتنافس فيه النفوس الكريمة، وأيضاً- في قوله تعالى مثلاً:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] لكنه قال في مقام آخر: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126] إذاً {فََمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة:194] واقعية {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل:126] مثالية.

إذاً ديننا ذو وسطية في منهج الصدق والأخلاقيات، لا يريدنا أن نكون -فعلاً- كما يقول النصارى: من ضربك على خدك الأيمن فأعطه خدك الأيسر، لا.

هذا خنوع، إنما الغاية التي لا تنقص عنها أن تعطي حقاً وتأخذ حقاً.

والشرف يكون في الإحسان، أما الممنوع فهو الظلم والتعدي، ولهذا حتى في الحرب قال الله عز وجل:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة:190] حتى في الحرب، وهي مقاتلة في سبيل نصرة الحق، لكن لا تعتدي، فلا تمثيل، ولا قطع آذان، ولا أنوف.

فالإسلام وسط يعترف بواقعية البشر كبشر، فهو يعطي حقاً ويأخذ حقاً، ويرفعه إلى السمو في المثالية.

ص: 18