المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطر الطغيان والغلو في جانب العبادة - دروس للشيخ عبد الله الجلالي - جـ ٥٤

[عبد الله الجلالي]

فهرس الكتاب

- ‌الاستقامة

- ‌الاستقامة على دين الله من أسباب النجاة من عذاب الله وغضبه

- ‌معنى الاستقامة وفضلها ولوازمها

- ‌الدعوة إلى الله من لوازم الاستقامة

- ‌الاستقرار من لوازم الاستقامة

- ‌الاستقامة هي المخرج من الفتن

- ‌الاستقامة سبب للنجاة والسلامة في الدنيا والآخرة

- ‌الاستقامة هي أخذ الدين من جميع جوانبه دون استثناء

- ‌الاستقامة المحمودة هي التي تكون حتى الممات

- ‌الاستقامة أمر وسط بلا إفراط ولا تفريط

- ‌الاستقامة كما أمر الله لا كما تشتهيه الأنفس

- ‌الطغيان من أسباب الهلاك والعذاب

- ‌خطر الطغيان والغلو في جانب العبادة

- ‌الركون إلى الظالمين من أسباب الهلاك والعذاب

- ‌ضرورة استقلال الشخصية الإسلامية وعدم ركونها إلى غيرها

- ‌خطورة مجالسة الفسقة والعصاة والركون إليهم

- ‌اتخاذ بطانة الشر من الركون إلى الظالمين

- ‌وجوب الركون إلى الله تعالى دائماً وأبداً

- ‌خطر تقليد الآباء والأجداد في الدين

- ‌خطر موالاة الكافرين

- ‌الصلاة من أسباب النجاة من غضب الله تعالى وعقابه

- ‌الصلاة طهارة من الذنوب الآثام

- ‌خطر السهو عن الصلاة وتأخيرها عن وقتها

- ‌أهمية الصلاة ووجوب إقامتها على كل حال

- ‌الصلاة تكفر صغائر الذنوب

- ‌خطر ترك الصلاة

- ‌فضل الصلاة مع الجماعة

- ‌بيان أهمية الصبر وأنه من لوازم الاستقامة

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة من غضب الله تعالى وعذابه

- ‌صلاح الأمم بوجود المصلحين وهلاكها بفقدهم

الفصل: ‌خطر الطغيان والغلو في جانب العبادة

‌خطر الطغيان والغلو في جانب العبادة

هناك طغيان في العبادة، والمراد به: تجاوز الحد، أي: كونوا وسطاً؛ ولا تتعدوا هذه الحدود ولو كان ذلك في أمر العبادة؛ ولذلك فكل أوامر الإسلام مضبوطة ببداية ونهاية، وبحدود وحواجز؛ لئلا يفكر أحد من الناس أن يزيد فيها أو أن ينقص، فإنّ من زاد في شرع الله فإجرامه أكبر مِن إجرام مَن نقص منه؛ لأن من نقص من شرع الله فهو عاصٍ، وأما من زاد فيه فإنه يضع نفسه في مقام الربوبية التي لا تجوز لأحد إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهذا هو الطغيان، ولهذا فإن أوامر الإسلام محدودة: خمس صلوات لا نزيد عليها كفرائض، وصيام رمضان لا نزيد عليه، حتى إنّ من صام اليوم الذي يشك فيه قبل رمضان فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا نزيد يوماً قبله ونعتبره من رمضان، ولو كان ذلك اليوم يوم شك على سبيل الاحتياط فيه، ولا يجوز أن نصوم يوم العيد؛ لأنه يزيد في رمضان، وهكذا كل العبادات تجدها قد رُسم لها طريق بداية ونهاية وحدود، بحيث لا يستطيع أحد من الناس أن يزيد فيها أو أن ينقص، ولذا قال الله تعالى:(ولا تطغوا) أي: لا تتجاوزوا الحدود في هذا الأمر، فإن الإفراط أخطر على حياة المسلم من التفريط.

جاء ثلاثة نفر إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا عن عمله، فذكر لهم عمله، فكأنهم تقالوا هذا العمل، فقال أحدهم:(أما أنا فأصلي الليل ولا أرقد -أي: يصلي كل الليل- وقال الثاني: وأما أنا فأصوم النهار ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء، -أي: يريد أن يتبتل وينقطع عن العبادة- فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم غضب غضباً لم يغضب مثله، وقال: أما إني أتقاكم لله وأعلمكم بالله، وإني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

إذاً: فالإفراط وتجاوز الحد والطغيان في العبادة أمر لا يقل خطراً عن أمر التقصير في العبادة، بل يزيد خطره على ذلك.

وهنا ننبه على أمر يقع فيه كثير من الناس وهو: أنّ كثيراً من شباب المسلمين -الآن- حينما يتجهون إلى الله عز وجل فإنهم يوصفون بالتطرف، أو يوصفون بالتشدد، وما هذا الأمر بتشدد في الحقيقة، إنما هو دين، لكن لما غفل الناس عن هذا الدين مدة طويلة من الزمن، وهدى الله عز وجل هذه الشبيبة المسلمة؛ ظن كثير من الناس أن هذا تجاوز وتعدٍّ للحدود، فصاروا يسمونه تطرفاً، ومرة أخرى يسمونه وسواساً، وحيناً يسمونه شدة في الدين إلى آخر ذلك، حتى إنهم يسمونه في بعض الأحيان رجعية وتخلفاً، وهذا حقيقته الطعن في الدين، وهذا هو ما يحدث بالنسبة لمن يسنون الشرائع الأرضية، والقوانين البشرية، فإنهم يقولون: هذا الدين لا يصلح لهذه الحياة، إذاً لابد أن يأتوا بقوانين وآراء الرجال، ويضلون الأمة عن الطريق المستقيم {وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112].

ص: 13