المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وجوب التزام الدعاة منهاج الوسطية في الدعوة] - الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله - جـ ٢

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌[وجوب التزام الدعاة منهاج الوسطية في الدعوة]

[وجوب التزام الدعاة منهاج الوسطية في الدعوة]

وجوب التزام الدعاة منهاج الوسطية في الدعوة إن منهاج الوسطية، هو أعدل المناهج في نشر دعوة الإسلام، والحفاظ على تماسك المجتمع المسلم، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

وفي السنة النبوية، بيان للكثير من أحكام الدعوة، فقد بينت لنا آداب الدعوة، وأخلاق الدعاة والمصلحين.

فالداعية لا ينال الأجر إلا من الله عز وجل، ولا يطلبه من غيره، وهو يقصد نفع المدعوين بتعريفهم بالدين، وتنمية معارفهم، وإرشادهم

ص: 119

لنفع أنفسهم في دينهم ودنياهم، ولا يسعى الداعي إلى الله إلى نفع نفسه خاصة، أو أن يجمع الناس حوله، أو حول شخص آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يتقوى بأحد، وإنما يجمع الناس على الهدى، لمصلحتهم هم ونفعهم هم، وأجره على الله وحده سبحانه، كما قالت الأنبياء والرسل لقومهم.

وفي العصر الذي نعيش فيه، تبدو حاجة المجتمع ماسة إلى جهد الدعاة في الدعوة إلى الله، حفاظًا على الدين، وعلى أحكام الشريعة والأخلاق الإسلامية التي يتعامل الناس بها في المجتمع.

ومع هذه الحاجة كثرت وسائل الإعلام

ص: 120

بالدعوة، وزادت منابرها، وعلا صوتها، وبرزت مشكلات تحتاج للمزيد من العناية والمراجعة، من العلماء والدعاة.

ومن أهم المشكلات التي تواجه الدعاة في هذا العصر، مشكلة الغلو في الدين والتطرف والانحراف عن منهاج الوسطية الذي تحدثنا عنه سابقًا.

إن بعضًا من الشباب، لا سيما من تقل معرفتهم بالأحكام الشرعية، تدفعهم حماستهم ورغبتهم في خدمة الإسلام، إلى الانضمام إلى أية جماعة تعلن على الناس أنها تقوم بواجب الدعوة إلى الله، وتتعاون في سبيل ذلك مع من ينضم إليها.

ص: 121

يُقبل هؤلاء الشباب أحيانًا على هذه الجماعات، دون أن يتبينوا حقيقة أهدافها، ودون أن يكون لديهم معرفة كاملة بصلاح من يوجهون أمورها وعدالتهم، كذلك دون أن يتحققوا من أسلوبها في تبليغ كلمة، الله إلى الناس.

وقد دلت المشاهدة والتجارب في العديد من البلاد الإسلامية على وجود أهداف خفية وراء ممارسة بعض المناشط الدعوية.

قد تكون هذه الأهداف سياسية أو مذهبية منحرفة، وقد يكون فيها خروج على المسلك الصحيح الذي يجب أن يسلكه المسلم تجاه مجتمعه الذي يعيش فيه، وأولي الأمر الذين

ص: 122

ينهضون بمصالحه، وغير ذلك.

فالشباب، مطالب بأن يتحرى الأمور قبل أن يبذل من إخلاصه وجهده وماله في مكان، أو تجمع، أو جماعة لم يتحقق من عدالة من يتولون أمورها، ويتبين اتفاق أسلوبها الدعوي مع منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن العلم طريقها، والعلماء الصادقين هم القائمون بها على بصيرة:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108](يوسف الآية 108) .

ومن أخطاء بعض الدعاة، تنكب المنهاج الأوسط في الدعوة، فيعدل عن الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، إلى إيذاء بحض المدعوين بالقول أو الفعل، ظنًّا

ص: 123

منه أن ذلك أسرع وأنجح في البلاغ، وأدعى للاتباع، وينسى هؤلاء أن الدعوة في الأعم الأغلب، لا توجه إلا للمخطئ والعاصي والجاهل، وأن هؤلاء أحوج ما يكونون إلى الكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والبيان الشافي من الداعي.

وهكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقة صحابته الكرام- رضوان الله عليهم- ومن تبعهم بإحسان، والمصلحين من الدعاة.

لا شيء أضرَّ بالشباب من أن يحاول أحد أن يستخدمهم، بدل أن يخدمهم بتقديم ما ينفعهم، من علم وقدوة وتبصير بالأمور.

فقد يُستعمل حماس الشباب، وإخلاصه،

ص: 124

وقدراته في الإساءة إلى الدعاة الذين يقومون بواجبهم العلمي والدعوي بأمانة وإخلاص، ووفق منهاج النبوة.

وقد يتصدى بعض الشباب بدافع من الحماس أو الغلو، لعلماء أفنوا عمرهم في تحصيل العلم الشرعي من مظانه الأصلية.

وهذا من العيوب التي شابت مسلك بعض الشباب في مجتمعات إسلامية عديدة، وفيه ما فيه من إساءة الظن بالعلماء، وترك التقدير والاحترام لهم.

هذا بعض مما يقع فيه بعض الشباب في بلاد إسلامية عديدة، مما يسيء إلى الدعوة والدعاة أمام غير المسلمين، بل وفي نظر كثير من المسلمين.

ص: 125

والسبب في ذلك ترك المنهاج الوسط الذي تضمَّن الأقوم والأعدل في كل عمل.

إن على العلماء والدعاة إلى الله، أن يخاطبوا الناس بمنهاج الوسطية في كافة أمور الدين علمًا أو إفتاء أو دعوة؟ لأن الدين في أصله يرفض الغلو، والتطرف في كل جوانبه.

إن منهج الإسلام وسط بين من يحبون الدنيا ويذرون الآخرة، وبين من يعتزلون الدنيا كلها:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77](القصص الآية 77) .

وهو وسط بين الإفراط في حكم الشرع، أو التفريط فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن

ص: 126

قومًا شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم» (رواه أبو داود) .

ص: 127