الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الدولة السعودية والدعوة]
الدولة السعودية والدعوة إن التاريخ الإنساني بعد ظهور الإسلام لم يعرف في بلاد المسلمين (عصور الظلام) كما عرفها الأوروبيون في القرون الوسطى من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وهي التي يعرفها الأوروبيون بأنها عصور التخلف الديني والحضاري.
إن التقسيم السائد في التاريخ غير الإسلامي، يجعل من القرون الستة السابقة مرحلةً تاريخيةً وسطًا بين التاريخ القديم والنهضة الحديثة في العالم غير الإسلامي، فلم يبدأ التجديد إلا بعد انقضاء هذه القرون، بما فيها من جهالة دينية
وتخلف حضاري، وحروب، ومعارك، واستعباد للناس.
لكن هذه القرون في التاريخ الإسلامي، ابتداء من القرن الأول للهجرة النبوية الشريفة، إلى القرن السابع الهجري، كانت أزهى عصور التاريخ الإسلامي، وكانت دولة الإسلام في الجملة تتمتع بالقوة والنفوذ العالمي، لأن النظام الإسلامي في هذه الفترة، خَلَف النظام الروماني القديم، الذي انهار أمام الحضارة الإسلامية.
وكانت الدولة الإسلامية تتميز بمستوى حضاري عال، من أهم مكوناته انتشارُ العلوم الدينية والطبيعية، والنمو الثقافي، وازدهار التجارة، وقيام علاقات سياسية مهمة بين الدول
الإسلامية وبلاد العالم.
ولا ينكر كثير من الغربيين أن الصلات بين الدول الإسلامية وبين كثير من دول الغرب، حتى مع قيام المنازعات والحروب في أوقات معينة، كان لها أثرها الكبير في البدايات الأولى للنهضة الأوروبية الحديثة.
لكن الدولة الإسلامية ضعفت بانهيار الدولة العباسية سنة 656 هـ على يد التتار، وما خلفوه من دمار، وساد التفرق والانقسام أجزاء كبيرة من الدولة الإسلامية الواسعة، وأصبحت الخلافة الإسلامية شكلا ورسمًا فحسب، دون أن يكون لها أثر حقيقي في وحدة الأمة، أو نشر الدعوة إلى الله.
وابتداء من القرن التاسع الهجري، بدأ العالم الإسلامي في المشرق ثم في المغرب العربي يقع تحت سلطان العثمانيين، وظل كذلك حتى آل الأمر إلى الضعف أيضًا، بسبب الاستبداد من السلاطين، والانصراف عن اتخاذ أسباب القوة وحماية الأمة الإسلامية، وانتهى أمر الدولة العثمانية سنة 1342 هـ.
وفي فترة ضعف العثمانيين، وتخلف المسلمين حضاريًّا، وانصرافهم عن كثير من أحكام الشرع، وقعت معظم بلاد العالم الإسلامي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين في قبضة الاستعمار الغربي.
وكان من أثره وتأثيره خلال عشرات السنين
في المشرق والمغرب العربي، أن زاد انفصال المجتمعات الإسلامية عن أصولها العقدية والتشريعية والاجتماعية، بسبب هجمة التغريب الثقافي والاجتماعي، التي كانت شديدة الوطأة في بعض البلاد.
لقد حمى الله المملكة العربية السعودية من الوقوع في قبضة الاستعمار الغربي، أو التأثر بحركة التغريب الثقافي والاجتماعي، الذي ساد المنطقة العربية.
وكان ذلك راجعًا في المقام الأول إلى فضل الله سبحانه وتعالى على بلاد الحرمين الشريفين، ثم إلى جهود الدولة السعودية وقادتها الأشاوس، بدءًا من الإمام المجاهد محمد بن
سعود رحمه الله الذي ناصر دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
تلك الدعوة التي ترمي إلى إنقاذ المسلمين من الضلال، وتخليص عقائدهم من الشوائب، وسلوكهم من الانحراف، حتى يعبدوا الله حق العبادة، مخلصين له الدين، ويسلموا قيادهم له، ويرجعوا إلى كتابه الكريم، وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلفهم الصالح.
فأحيت تلك الدولة والدعوة معًا الإيمان الحق في نفوس المسلمين، وردتهم إلى دين الله وتطبيق شريعته.
ولقد تُوجت تلك الجهود بما قام به الإمام
المجاهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، من توحيد للمملكة العربية السعودية، رسخ قواعدها على عقيدة الإسلام وشريعته، وحقق لها الأمن على دينها وعروبتها وتراثها وثقافتها، وبدأت المملكة تقدمها ونهضتها؛ لكي تحتل مكانتها في العالم الإسلامي، وعلى المستوى الدولي أيضًا.
وعلى هذا الأساس المتين من توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز رحمه الله ومن ترسيخ قواعدها بحفظ الدين، ونشر الأمن في ربوعها، وإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعها، انفتح أمام أبناء المملكة
الإسهام في خدمة الدين والوطن على مصراعيه بالدعوة إلى الله والعمل الصالح.
ويسَّر قادة المملكة كل العقبات في طريق الدعوة إلى الله، في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، ومن خَلَفه من أبنائه الكرام، حتى العهد الحاضر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله ورعاهما، ونصر بهما دينه، وأعلى بهما كلمته، حيث أقيمت المؤسسات التعليمية والدعوية والتثقيفية لخدمة أبناء المملكة، وإعدادهم إعدادًا يمكِّنهم من خدمة دينهم ودولتهم ووطنهم، والإسهام في ذلك بما يجعل أداء هذه الدولة
المباركة لرسالتها الإسلامية في الداخل والخارج، أداء قويًّا مستمرًّا، وفق الأسس التي قامت عليها.
وهذا يؤكد علينا، وفي مختلف المناسبات، أن نبين ما ينبغي أن يكون عليه شبابنا، من صدق في الانتماء للدين والوطن، وطاعة لولاة الأمر، وقوة فيما هم عليه من الحق، وسلامة فيما يتخذونه من وسائل في التثقيف والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستمدين ذلك كله من كتاب الله الكريم، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما سار عليه سلفنا الصالح، وما أحياه وجدده علماء الدعوة وأئمتها في هذه البلاد، بدءًا من الإمام المجدد الشيخ محمد بن
عبد الوهاب رحمه الله وتلامذته، ومن تبعهم على ذات المنهاج والطريق.
إن من فضل الله على هذه المملكة، أن أمور الدعوة فيها من أول اهتمامات أولي الأمر، ومن أعظم واجباتهم، وقد قامت على أسس مستمدة من الكتاب والسنة، ووضع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الصورة التي تحقق الهدف منه.
والباب مفتوح أمام أبنائها للإسهام في خدمة دينهم ووطنهم بالعلم والعمل في جميع المجالات، دون غلو أو تطرف، أو خروج على منهاج الوسطية الأقوم والأعدل، الذي جعله الله حقيقة هذه الأمة، التي تمثل المملكة العربية
السعودية به اليوم، الواقع الحي لها، حيث تطبق الشريعة، وتلتزم الفضيلة، وتدعو إلى الخير والبر والإحسان، دونما شطط ولا غلو ولا تطرف، ولا انتماءات حزبية أو سياسية.
بل كيان الدولة والمجتمع، كيان قائم للإسلام، وعلى الإسلام، ومن أجل رسالة الإسلام.
والخشية أن يتأثر أحد من شبابنا في المملكة بما حدث في مجتمعات أخرى، من انتماءات مذهبية أو سياسية، كانت مُفرّقة للصف ومُضعفة للجماعة.
وبلادنا لا تقاس على غيرها من الدول والمجتمعات، فدستورها الكتاب والسنة، ونظام
الحكم فيها قام عليها، التزم بهما، وطبق أحكامهما، فلا يصح فيها وجود التجمعات أو التكتلات، معلَنة أو خفية، مما يتعارض مع ما قامت عليه الدولة، وما تدعو إليه وتعمله من خلال مؤسساتها القائمة.
ولا يصح أن يسلك أحد من شبابها مسلكًا، يكون له أثر قريب أو بعيد في تفريق الكلمة، أو إضعاف كيان الدولة أو الأمة، أو يتخذ وسيلة من الوسائل التي لا تتلاءم مع الطريق الصحيح للدعوة، والأسلوب الأنفع فيها، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة ولي الأمر، والاقتداء بالعلماء الثقات المعتبرين، واحترامهم، والتتلمذ عليهم، والنصح لله
ولأئمة المسلمين وعامتهم، نصحًا يجلب المصالح ويرعاها، ويدرأ المفاسد ويتجنبها.
نسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى التي هي أقوم، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يوفق شبابنا إلى الطريق المستقيم، طاعة لله، ومتابعة لرسوله، وابتعادًا عن مواطن الزلل والانحراف، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشؤون الإِسلامية والأوقاف والدعوة والإِرشاد