المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زهد عبد الرحمن بن مهدي وعبادته - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ١٠٦

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌الإمام عبد الرحمن بن مهدي [2،1]

- ‌عبد الرحمن بن مهدي اسمه ومولده

- ‌ابن مهدي وطلبه للعلم

- ‌قصة تدل على نبوغه في العلم

- ‌ولع ابن مهدي بالحفظ

- ‌اعتناء ابن مهدي بمعرفة معاني الأحاديث

- ‌ابن مهدي وصبره ومذاكرته للعلم

- ‌شيوخ عبد الرحمن بن مهدي وطلابه

- ‌أقوال العلماء في عبد الرحمن بن مهدي

- ‌قوة ضبطه للحديث

- ‌تزكية أهل العلم له

- ‌ابن مهدي وتمييزه للحديث الصحيح عن غيره بالخبرة

- ‌سعة علم عبد الرحمن بن مهدي وتربيته لتلاميذه

- ‌قصة ابن مهدي مع تلميذه ابن المديني

- ‌قصة ابن مهدي مع الأعمش

- ‌حسن اختيار ابن مهدي لمشايخه

- ‌قوة حفظ عبد الرحمن بن مهدي

- ‌تبجيل العلماء لابن مهدي واحترامهم له

- ‌زهد عبد الرحمن بن مهدي وعبادته

- ‌وفاء علي بن المديني لشيخه ابن مهدي بعد وفاته

- ‌مهابة العلم عند عبد الرحمن بن مهدي

- ‌مذاكرة ابن مهدي للعلم وصبره

- ‌منهج ابن مهدي في الاعتقاد

- ‌موقف ابن مهدي من أهل الهوى والرأي

- ‌مناقشة ابن مهدي لأهل البدع

- ‌فقه الإمام عبد الرحمن بن مهدي

- ‌دقة عبد الرحمن بن مهدي وإتقانه

- ‌معرفة ابن مهدي بعلل الحديث

- ‌روايه ابن مهدي عن الثقات

- ‌أقوال مأثورة عن عبد الرحمن بن مهدي

- ‌تربية ابن مهدي لأهله وأولاده

- ‌محاربة ابن مهدي للغلو

- ‌وفاة عبد الرحمن بن مهدي

الفصل: ‌زهد عبد الرحمن بن مهدي وعبادته

‌زهد عبد الرحمن بن مهدي وعبادته

كان عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله رأساً في العبادة، وكان له عادة في قيام الليل، وحدث مرةً أنه فاتته صلاة الفجر بسببٍ من هذا، فعاقب نفسه كما في القصة التالية: قال يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي: إن أباه قام ليلةً، وكان يحيي أكثر الليل، فلما طلع الفجر، رمى بنفسه على الفراش فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال عندما استيقظ مؤنباً نفسه: هذا مما جنى عليَّ الفراش، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض فراشاً شهرين فتقرحت فخذاه.

وهذه القصة حصلت مرة وبدون قصدٍ منه رحمه الله، ومع ذلك فإنه قد امتنع عن أن يرقد على فراش؛ لأن الفراش كان سبباً في استغراقه في النوم، وبطبيعة الحال فإن الإنسان لا يجوز له أن يتعمد فعل نافلة تؤدي إلى تفويت فريضة، لكن الذي يحدث بغير قصد لا يأثم به الإنسان ولا يؤاخذ.

وقال عبد الرحمن بن عمر عن يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي: ودخلت يوماً دار عبد الرحمن، فإذا هو قد خرج عليَّ وقد اغتسل وهو يبكي، فقلت: ما لك يا أبا سعيد؟ قال: كنت من أشد الناس في النفور من القراءة، ومن مثل هذه الأشياء، أي: أكره أن أفعل الرُّقْيَة، فاضطرني البلاء حتى قرأتُ على ماء شيئاً، فاغتسلتُ به.

وكان ورد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله في كل ليلة نصف القرآن، كما قال علي بن المديني، فإنه كان يحب أن يختم القرآن في كل ليلتين، وهذا يدل على أن الرجل لم يكن صاحب حديث فقط، وإنما صاحب عبادة، وصاحب قرآن، وبعض الناس إذا اشتغلوا بطلب العلم؛ أهملوا جانب العبادة، فصار عندهم شيء من القسوة في القلب، وكذلك بعض الذين يشتغلون بالحديث بالأسانيد والرجال والطرق والتصحيح والتضعيف، ولا يكون عندهم اهتمام بالعبادة، كقراءة القرآن، وقيام الليل، لا شك أن ذلك يُحدث عندهم نوعاً من القسوة، ولم يكن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله من هؤلاء مطلقاً، مع أنه كان من أئمة الجرح والتعديل وعلم الرجال والأسانيد، ولكن مع ذلك ها هو يقوم أكثر الليل، ويختم القرآن في كل ليلتَين مرة.

وقال أيوب المتوكل: كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي.

أما بالنسبة للدين: فواضح ماذا يعني الذهاب لـ عبد الرحمن بن مهدي؟ وأما بالنسبة للدنيا: فلعل الراوي - أيوب المتوكل - يقصد أنهم إذا أرادوا الإكرام بالطعام والتوسيع عليهم، يذهبون إلى دار عبد الرحمن بن مهدي، فإنه كان يكرم طلابه ويكرم ضيوفه، ويعطيهم ويوسِّع عليهم، فيقولون: إذا أردنا الدين الأسانيد، وأردنا الأحاديث وأردنا العلم، جئنا عبد الرحمن بن مهدي، وإذا أردنا الدنيا من الإطعام والإكرام والتوسعة؛ جئنا دار عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله.

وهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم، عندهم خلقٌ حسنٌ، وتعاملٌ جيدٌ مع الناس، ومن ذلك: الإكرام فإنه -لا شك- يأخذ بمجامع القلوب.

وأما بالنسبة لحجه؛ فقد قال رسته رحمه الله، وهذا لقب لـ عبد الرحمن بن عمر، وهو أحد المحدثين: كان عبد الرحمن يحج كل عام، فهو صاحب عبادة في الحج أيضاً.

ص: 19