المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حقيقة البر والتقوى والفرق بينهما - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٢٠٥

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌سلسلة رسائل أهل العلم، الرسالة الأولى، الرسالة التبوكية

- ‌الرسالة التبوكية وموضوعها وتاريخها وسببها

- ‌ترجمة الإمام ابن القيم رحمه الله

- ‌ابن القيم وطلبه للعلم

- ‌أولاد ابن القيم

- ‌العلوم التي برع فيها ابن القيم

- ‌مجاورة ابن القيم

- ‌مؤلفات الإمام ابن القيم

- ‌حسن خلق ابن القيم وتواضعه

- ‌ملازمة ابن القيم لابن تيمية وتأثره به

- ‌ابتلاءات ابن القيم

- ‌تأليف ابن القيم للكتب حضراً وسفراً

- ‌أعداء ابن القيم

- ‌وفاة ابن القيم

- ‌سبب تأليف الرسالة التبوكية وما تضمنته

- ‌حقيقة البر والتقوى والفرق بينهما

- ‌ضرر الجهل بحدود الله

- ‌معنى الإثم والعدوان والفرق بينهما

- ‌واجب العبد فيما بينه وبين الخلق وبينه وبين الحق

- ‌الهجرة إلى الله ورسوله

- ‌أنواع الهجرة

- ‌مبدأ الهجرة ومنتهاها

- ‌الفرار من الله إليه

- ‌سبب قوة الهجرة وضعفها

- ‌الهجرة العارضة والهجرة الدائمة

- ‌الهجرة إلى رسول الله

- ‌حد الهجرة إلى رسول الله

- ‌تأكيد الله باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌كيفية حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌أدعياء المحبة

- ‌طاعة الرسول من طاعة الله

- ‌حال المتخالين على غير طاعة رسول الله

- ‌الأتباع السعداء

- ‌أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم في الجنة

- ‌زاد السفر إلى الله وطريقه ومركبه

- ‌التفكر في آيات الله والتدبر في كتابه الكريم

- ‌الرفيق والطريق

الفصل: ‌حقيقة البر والتقوى والفرق بينهما

‌حقيقة البر والتقوى والفرق بينهما

قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ما معنى البر وما معنى التقوى؟ وما هو الفرق بينهما؟ البر يدخل في التقوى، والتقوى تدخل في البر في المعنى العام للفظ، كما يكون ذلك في الإيمان والإسلام، والفسوق والعصيان، والفقير، والمسكين، والفحشاء والمنكر، ولكن إذا اجتمعت الكلمتان معاً في سياق واحد فلا بد من تفريق، أما إذا افترقت هذه الكلمات فقد تكون الواحدة بمعنى الأخرى.

أما البر: فهو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيه، وهو كلمة جامعة لجميع أنواع الخير، وهو عكس الإثم التي هي كلمة جامعة للشرور والعيوب التي يذم العبد عليها، فيدخل في البر: الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا شك أن التقوى جزء من هذا، وقد جمع الله خصال البر في قوله:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

فماذا جمعت كلمة البر حسب الآية من أركان الإيمان؟ جمعت: الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر، وهذه أصول الإيمان الخمسة.

وماذا جمعت من أركان الإسلام والشرائع الظاهرة؟ جمعت: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ويتبع ذلك النفقات الواجبة، وهذه الآية احتوت -أيضاً- خصالاً من الأعمال القلبية، مثل: الصبر والوفاء، فتكاد هذه الآية أن تكون قد جمعت جميع أقسام الدين، ثم أخبر الله في هذه الآية أنها هي خصال التقوى، فقال في الذين يقومون بهذه الأعمال من البر:{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] فهذه هي خصال التقوى بعينها.

إذا: البر والتقوى يدخلان في بعض، لكن إذا جئت إلى تعريف التقوى، فحقيقتها: العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً، أمراً ونهياً، وقد نبه ابن القيم رحمه الله على مسألة مهمة، وهي: كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية -هذه مسألة مهمة- مبدأ، أي: باعث على العمل، وغاية، أي: الهدف من العمل ما هو باعثك على العمل؟ ولأجل أي شيء عملت هذا العمل؟ فإذا كان الباعث هو الإيمان المحض، ومن بواعث العمل مثلاً: أن يعمل العمل إيماناً بالله وإرضاءً لله، وقد يعمل عملاً لأجل أي شيء آخر، فالباعث على العمل قد يكون شهرة ورياءً، وقد يكون للدنيا، وقد يكون للهوى، أو عن عادة وتقليد، تسأل بعض الناس: لماذا تعمل؟ فيقول: هذه تعودنا عليها، ومثل ذلك أن يقول: كل من حولنا يعملون مثل ذلك فلا بد أن يكون الباعث على العمل الصالح هو الإيمان، وغايته: ثواب الله وابتغاء مرضاته، وإلا فلا يكون العمل صالحاً، وكثيراً ما يقرن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذين الأصلين، مثل قوله:(من صام رمضان إيماناً واحتساباً) فالإيمان هو الدافع للعمل، والاحتساب هو الغاية من العمل، وهو احتساب الأجر والثواب، ومثل قوله:(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً)، فالاحتساب هو الغاية التي لأجلها يبدأ الإنسان في العمل.

وإذا قرن أحدهما بالآخر (البر والتقوى) مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] فما هو الفرق بينهما؟ قلنا: إذا افترق كل واحد عن الآخر فقد يدخل الأول في الثاني البر كلمة جامعة، والتقوى كلمة جامعة، لكن إذا اجتمعا فما هو الفرق بينهما؟ الفرق: أن البر هو العمل المطلوب لذاته، والتقوى هي الوسيلة الموصلة إليه.

ص: 16