المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آية ضيافة إبراهيم وفقه ابن القيم فيها - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٣٢١

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌ابن القيم العالم الرباني

- ‌نبذة مختصرة عن سيرة ابن القيم الشخصية

- ‌حياة ابن القيم العلمية والعملية

- ‌أسفار ابن القيم وتأليفه للكتب فيها

- ‌أعمال ابن القيم رحمه الله

- ‌أخلاق ابن القيم وتواضعه

- ‌عبادة ابن القيم وزهده

- ‌ابن القيم وشيخه ابن تيمية

- ‌ابن القيم قبل لقائه بابن تيمية

- ‌اعتناء ابن تيمية بتلميذه ابن القيم

- ‌طريقة ابن القيم في التفقه

- ‌محاربة ابن القيم للتعصب والتقليد الأعمى

- ‌منهج ابن القيم في التأليف والفتوى

- ‌ثناء العلماء على حسن تأليف ابن القيم

- ‌مع مؤلفات ابن القيم

- ‌تعرض مؤلفات ابن القيم للحرق

- ‌كلام الكوثري على ابن القيم وبيان خطئه في ذلك

- ‌أسلوب ابن القيم رحمه الله ونُبذ من قدرته على التعبير

- ‌دقة استنباطات ابن القيم وأمثلة عليها

- ‌كلام ابن القيم عن قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا)

- ‌استنباطات ابن القيم من قوله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل

- ‌آية ضيافة إبراهيم وفقه ابن القيم فيها

- ‌فقه الواقع عند ابن القيم

- ‌موقف ابن القيم من أهل البدع

- ‌نبذة عن إغاثة اللهفان تبين تصدي ابن القيم للتصوف المنحرف

- ‌نبذة من النونية في ذم التأويل

- ‌كلام ابن القيم عن المرجئة من النونية

- ‌مقتطفات متفرقة من حياة ابن القيم

- ‌مميزات مؤلفات ابن القيم

- ‌حث ابن القيم على طلب العلم

- ‌حث ابن القيم على ذكر الله

- ‌تفاؤل ابن القيم

- ‌مساهمة ابن القيم في حلول المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية

- ‌شهرة ابن القيم بضرب الأمثال

- ‌قدرة ابن القيم على التحليلات النفسية

- ‌وفاة ابن القيم رحمه الله

الفصل: ‌آية ضيافة إبراهيم وفقه ابن القيم فيها

‌آية ضيافة إبراهيم وفقه ابن القيم فيها

خذ مثلاً قول الله عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:24 - 27] هذه الآيات استنبط ابن القيم رحمه الله منها خمسة عشر أدباً من آداب الضيافة.

أولاً: أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون.

ثانياً: قال: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [الذاريات:25] فلم يذكر استئذانهم، ففي هذا دليل على أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان قد عرف بإكرام الضيفان، فبقي منزله مضيفة مطروقاً لمن ورده لا يحتاج إلى الاستئذان.

ثالثاً: قوله {سلامٌ} بالرفع، وهم قالوا:{سلاماً} وهذه جملة فعلية دالة على التجدد والحدوث والتغير، لكنه قال: سلامٌ، وهذه جملة اسمية، والجملة الاسمية تدل على الثبات فليست متغيرة، فكان رد سلامه أفضل من سلامهم.

رابعاً: أنه حذف المبتدأ من قوله: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم، احتشم من مواجهتهم بلفظ الضيف، أي: ما قال: سلامٌ أنا لا أعرفكم أنتم غريبون عليَّ، وإنما قال سلامٌ وربطها بقوله:{قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] أي: سلام على قوم لأول مرة أراهم.

خامساً: أنه بنى الفعل للمفعول وحذف فاعله، فقال:{مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] ولم يقل: أنا أنكرتكم، فهناك فرق بين أن تقول: سلام قوم غير معروفين، وهذه ألطف من أن تقول: سلامٌ عليكم قوم أنا لا أعرفكم.

سادساً: أنه راغ إلى أهله لكي يأتي بالطعام، والروغان هو الذهاب في اختفاء.

سابعاً: أنهم ما شعروا به إلا وقد جاءهم بالطعام مع أنه عجل مشوي، وهذا يدل على أنه كان مشغولاً بإكرام الضيف، ما ذهب واشترى وذبح واشتوى فانظر السرعة! {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] ولم يقل: ثم جاء، معناها أشياء مجهزة، يأتي إليه الضيف فيجد الطعام جاهز فيقول ابن القيم رحمه الله: يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف، فيشق عليه ويستحي، فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يسمع ضيفه، ويقول له: مكانكم حتى آتيكم بالطعام، فيقول له: لا.

ليس هناك داعي أن تأتي بالطعام، وبعد ذلك يحلف عليهم.

ثامناً: أنه ذهب إلى أهله، فجاء بالضيافة، فدل على أن ذلك كان معداً.

تاسعاً: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] دل على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل: فأمر لهم بعجل سمين، مثل أن يكون عند أحدهم خدم، فمن آداب الضيافة أن يأتي لك بالأكل بنفسه، ولا يقل للخادم: هات الطعام؟ بل يأتي بالطعام بنفسه؛ لأن في هذا زيادة في الإكرام.

عاشراً: أنه جاء بعجل كامل ولم يأت ببعضه.

الحادي عشر: أنه سمين لا هزيل، ومعروف أن ذلك من أفخر أموالهم.

الثاني عشر: أنه قربه إليهم ولم يقربهم إليه.

الثالث عشر: أنه قال: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] وهذا في غاية التلطف في العرض.

الرابع عشر: أنه إنما عرض عليهم الأكل، لأنه رآهم لا يأكلون.

الخامس عشر: فإنهم لما امتنعوا من الأكل، خاف منهم ولم يظهر لهم، لأن الإنسان إذا لم يمد يده على الطعام فمعنى ذلك أن في نفسه شيئاً، فإبراهيم لم يقل: لماذا لم تأكلوا؟ إذن أنتم تريدون الشر؛ بل سكت، فالله أمرهم أن يقولوا له: لا تخف، نحن ملائكة لا نأكل؛ جئنا لغرض كذا وكذا.

ومسألة استنباط ابن القيم من الآيات مسألة عجيبة؛ حتى أنه قال في كتاب الجواب الكافي: وفي هذه القصة- التي هي قصة يوسف- من العبر والفوائد والحكم ما يزيد على ألف فائدة لعلنا إن وفق الله أن نفردها في مصنف مستقل.

ص: 22