الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الدنيا
الجزء الأول
أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محارب القيسي بقراءتي عليه يوم الأحد الخامس من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة، قال: أخبرتنا الشيخة نور العين لامعة بنت المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف، قراءة عليها وأنا أسمع يوم الثلاثاء رابع عشر من ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وستمائة قال لها الإمام الحافظ أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الطهراني قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن حيوة، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العبدي اللبناني، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الله القرشي قال:
1 -
حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن زكريا بن منظور بن ثعلبة بن أبي مالك، نا أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فرأى شاة شائلة برجلها، فقال: أترون هذه الشاة هينة على صاحبها، قالوا: نعم، قال: والذي نفسي بيده،
⦗ص: 12⦘
للدنيا أهون على الله عز وجل من هذه على صاحبها، ولوكانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة.
2 -
حدثنا خالد بن خداش، نا حماد بن زيد، عن مجالد عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، قال: إني لفي ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر بسخلة منبوذة، فقال: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها فقالوا: من هوانها ألقوها، قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله عز وجل من هذه على أهلها.
3 -
وحدثنا أبو خثيمة، ومحمد بن علي بن أبي حاتم الأزدي، قالا:
⦗ص: 13⦘
أخبرنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن الأزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة، فقال: والذي نفسي بيده للدنيا على الله عز وجل أهون من هذه الشاة على أهلها.
4 -
حدثني الحسن بن الصباح، أخبرنا سعيد بن محمد، عن موسى الجهني، عن زيد بن وهب، عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
5 -
وحدثني الوليد بن سفيان العطار، أخبرنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
6 -
وحدثنا العباس بن يزيد البصري، أخبرنا معاوية، أخبرنا
⦗ص: 15⦘
الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن عبادة - أراه رفعه -، قال: يجاء بالدنيا يوم القيامة، فيقال: ميزوا ما كان لله عز وجل وألقوا سائرها في النار.
7 -
وحدثنا محمد بن حميد، أخبرنا مهران بن أبي عمرو، أخبرنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها.
8 -
حدثنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، حدثني
⦗ص: 16⦘
عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن حنطب، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى.
9 -
حدثني سريج بن يونس، أخبرنا عباد بن العوام، عن هشام، أو عوف، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا رأس كل خطيئة.
10 -
وحدثنا سريج بن يونس، حدثني مروان بن معاوية، عن محمد بن أبي قيس، عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي، قال: لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده، وقالوا: قد بعث نبي وأخرجت أمته، قال: يحبون الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: لئن كانوا يحبونها ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، وأنا أغدو عليهم وأروح بثلاث: أخذ المال من غير حقه، وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه، والشر كله لهذا تبع.
11 -
وحدثني أبو علي عبد الرحمن بن زبان الطائي، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، أخبرنا عبد الواحد بن زيد حدثني أسلم الكوفي، عن مرة، عن زيد بن أرقم، قال:
⦗ص: 18⦘
كنا مع أبي بكر فدعا بشراب فأتي بماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وبكى حتى أبكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لن يقدروا على مسألته، ثم مسح عينيه، فقالوا: يا خليفة رسول الله، ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً ولم أر معه أحداً، فقلت: يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك؟ قال: هذه الدنيا مثلت لي فقلت لها: إليك عني، ثم رجعت، فقالت: إنك إن أفلت مني لن ينفلت مني من بعدك.
12 -
وحدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس سمعه يقول: أخبرنا المستورد الفهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر ما يرجع إليه.
13 -
حدثني محمد بن عثمان العجلي، أخبرنا أبو أسامة، عن
⦗ص: 19⦘
مجالد، عن الشعبي، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.
14 -
حدثنا حمدون بن سعد المؤدب، أخبرنا النضر بن إسماعيل، عن موسى الصغير، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عجباً كل العجب للمصدق بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور.
15 -
حدثني سريج بن يونس، أخبرنا الوليد بن مسلم، قال: قال الضحاك بن عثمان: سمعت بلال بن سعد يقول: قال أبو الدرداء:
⦗ص: 20⦘
لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى فرعون منها شربة ماء.
16 -
حدثني سريج أخبرنا عنبسة بن عبد الواحد، عن مالك بن مغول قال: قال ابن مسعود: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له.
17 -
حدثنا هارون بن عبد الله، وعلي بن مسلم، قالا: أخبرنا سيار، حدثنا جعفر، أخبرنا مالك بن دينار، قال: قالوا: لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبا الحسن، صف لنا الدنيا؟ قال: أطيل أم أقصر؟ قالوا: بل أقصر، قال: حلالها حساب، وحرامها النار.
18 -
وحدثني الحسين بن عبد الرحمن، أخبرنا عبيد الله بن محمد التيمي، عن شيخ من بني عدي، قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، صف لنا الدنيا؟ قال: وما أصف لك من دار من صح فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، من حلالها حساب ومن حرامها النار.
19 -
حدثني القاسم بن هاشم، أخبرنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، أخبرنا بقية بن الوليد، عن أبي الحجاج المهري، عن ابن الميمون اللخمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مزبلة، فقال: هلموا إلى الدنيا، وأخذ خرقاً وقد بليت على تلك المزبلة وعظاماً قد نخرت، فقال: هذه الدنيا.
20 -
حدثنا داود بن عمرو، أخبرنا منصور بن أبي الأسود، عن
⦗ص: 22⦘
الأعمش، عن أبي سفيان، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، إن بني إسرائيل لما بسطت لهم الدنيا ومهدت تباهوا في الحلية والطيب والنساء والثياب.
21 -
وحدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، أخبرنا سعيد بن عامر، عن معاذ بن الأعلم، عن يونس بن عبيد، قال: ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه.
22 -
وحدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا إبراهيم بن عيينة، قال: قيل لبعض الحكماء: أي شيء أشبه بالدنيا؟ قال: أحلام النائم.
23 -
وحدثني محمد بن الحسين، قال: سمعت أبا زكريا المنتوف يحدث
⦗ص: 23⦘
القواريري، قال: ذكرت الدنيا عند الحسن البصري، فقال: أحلام نوم أو كظل زائل
…
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
24 -
وحدثني محمد بن الحسين، أخبرنا يوسف بن الحكم الرقي، قال كان الحسن بن علي يتمثل، ويروى أنه من قوله: يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها
…
إن اغتراراً بظل زائل حمق
25 -
حدثني موسى بن عبد الله المقرئ، قال: نزل أعرابي بقوم فقدموا له طعاماً فأكل، ثم قام إلى ظل خيمة لهم فنام هناك، فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس، فانتبه وقام وهو يقول:
ألا إنها الدنيا كظل بنيته
…
ولا بد يوماً أن ظلك زائل
26 -
حدثني الحسين بن عبد الرحمن، حدثني محمد بن أنس، قال: مر قوم بواد فسمعوا هاتفاً يقول: وإن امرءاً دنياه أكبر همه
…
لمستمسك منها بحبل غرور
27 -
حدثني أبو علي الطائي، أخبرنا عبد الرحمن المحاربي، عن ليث: أن عيسى ابن مريم رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم، قال: كلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت قال: فقال عيسى عليه السلام: بؤساً لأزواجك الباقين، ألا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكينهم واحداً واحداً ولا يكونون منك على حذر.
28 -
حدثني إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا عوف، عن أوفى، عن أبي العلاء، قال: رأيت في النوم عجوزاً كبيرة متغضنة الجلد ينظرون إليها، فجئت فنظرت فعجبت من نظرهم إليها وإقبالهم عليها، فقلت لها: ويلك من أنت؟ قالت: أو ما
⦗ص: 25⦘
تعرفني؟ قلت: لا ما أدري من أنت؟ قالت: فإني أنا الدنيا.
قال: قلت: أعوذ بالله من شرك، قالت: فإن أحببت أن تعاذ من شري فابغض الدرهم.
29 -
حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا - يعني في النوم - عجوزاً مشوهة حدباء.
30 -
وحدثني غير إبراهيم بن سعيد، أن أبا بكر بن عياش، قال: رأيت في النوم عجوزاً شمطاء مشوهة تصفق بيديها وخلفها خلق يتبعونها ويصفقون ويرقصون، فلما كانت بحذائي أقبلت علي، فقالت: لو ظفرت بك صنعت بك ما صنعت بهؤلاء.
قال: ثم بكى أبو بكر وقال: رأيت هذا قبل أن أقدم إلى بغداد.
31 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، عن شهر بن حوشب، قال: قال عيسى بن مريم:
⦗ص: 26⦘
لا تتخذوا الدنيا رباً فتتخذكم الدنيا عبيداً، أكنزوا كنزكم عند من لا يضيعه، فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة، وإن صاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة.
32 -
وحدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثني يحيى بن أبي بكير العبدي، أخبرنا بعض العلماء، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: يا معشر الحواريين إني قد كببت لكم الدنيا على وجهها فلا تنعشوها بعدي، فإن من خبث الدنيا أن الله عصي فيها، وإن من خبث الدنيا أن الآخرة لا تدرك إلا بتركها، ألا فاعبروا الدنيا ولا تعمروها.
33 -
حدثنا محمد بن علي بن شقيق، أخبرنا محمد بن العباس، أخبرني الحسن بن رشيد، عن وهيب المكي، قال: بلغني أن عيسى عليه السلام قال قبل أن يرفع: يا معشر الحواريين: إني قد كببت لكم الدنيا فلا تنعشوها بعدي، فإنه لا خير في دار قد عصي الله عز وجل فيها، ولا تعمروها، واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا، ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً.
34 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال:
⦗ص: 27⦘
سمعت الفضيل بن عياض، وابن عيينة يقولان: قال عيسى بن مريم عليه السلام بطحت لكم الدنيا وجلستم على ظهرها فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم ودنياهم، وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة.
35 -
حدثنا أزهر بن مروان الرقاشي، أخبرنا جليس للمعتمر بن سليمان، أخبرنا شعيب بن صالح، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام.
: ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا وأليط قلبه منها بثلاث: شغل لا ينفك عناؤه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه.
الدنيا طالبة ومطلوبة، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذه بعنقه.
36 -
حدثني أبو إسحاق الرياحي، أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يحدث، عن الحسن قال:
⦗ص: 28⦘
أربع من أعلام الشقاء: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا.
37 -
حدثني أحمد بن عاصم العبداني، أخبرنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: قال معاذ بن جبل: يا معشر القراء، كيف بدنيا تقطع رقابكم؟!! فمن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح، ومن لا، فليست بنافعته دنياه.
38 -
حدثنا العباس العنبري، أخبرنا محمد بن جهضم، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن عمارة بن غزية، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن
⦗ص: 29⦘
محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء.
39 -
حدثنا علي بن مسلم، أخبرنا سيار بن حاتم، أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء.
يعني: الدنيا.
40 -
حدثنا سريج بن يونس، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، عن موسى بن يسار، أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله عز وجل لم يخلق خلقاً هو أبغض إليه من الدنيا، وإنه منذ خلقها لم ينظر إليها.
41 -
حدثنا علي بن الحسن بن أبي مريم عن شاذان، عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، قال: كان لجدي مولى يقال له زياد، يعلم بنيه، فنعس الشيخ فجعل زياد يذكر لهم الدنيا والشيخ يسمع، فقال الشيخ: يا زياد ضربت على بني قبة الشيطان، اكشطوها بذكر الله عز وجل.
42 -
حدثني سريج بن يونس، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا هشام، قال: سمعت الحسن يقول: والله ما أحد من الناس بسط له الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر به فيها إلا كان قد نقص عقله وعجز رأيه، وما أمسك الله عن عبد الدنيا فلم يظن أنه قد خير له فيها إلا كان قد نقص عقله وعجز رأيه.
43 -
وحدثني سريج بن يونس، أخبرنا مروان بن معاوية، عن شيخ من بني بكر بن وائل، عن الحسن مثله.
ثم قرأ هاتين الآيتين: {فلما نسوا ما ذكروا
⦗ص: 31⦘
به} .
إلى قوله: {والحمد لله رب العالمين} [الأنعام 44، 45]
وقال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة وأعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.
44 -
حدثنا سريج، عن الوليد بن المسلم، عن الأوزاعي، قال سمعت بلال بن سعد يقول: والله لكفى به ذنباً أن الله عز وجل يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها، فزاهدكم راغب ومجتهدكم مقصر وعالمكم جاهل.
45 -
حدثني محمد بن الحارث المقري، حدثنا سيار، أخبرنا جعفر، أخبرنا أبو عمران الجوني، قال: مر سليمان بن داود في موكبه والطير تظله، والجن والإنس عن يمينه وعن يساره.
قال: فمر بعابد من عباد بني إسرائيل، فقال: يا ابن داود لقد آتاك الله ملكاً عظيماً، قال: فسمع سليمان كلمته، فقال: لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود، فما أعطي لابن داود يذهب والتسبيحة تبقى.
46 -
حدثنا عصمة بن الفضل، أخبرنا الحارث بن مسلم الرازي - وكانوا
⦗ص: 32⦘
يرونه من الأبدال عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته: أين الوضاء الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور، الوحا الوحا، النجاة النجاة.
47 -
حدثنا محمد بن الحسين، حدثني خالد بن يزيد القرني، أخبرنا أبو شهاب، عن رجل من عبد القيس، أن حذيفة كان يقول: ما من صباح ولا مساء إلا ومناد ينادي: يا أيها الناس، الرحيل الرحيل، وإن تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل:{إنها لإحدى الكبر* نذيرا للبشر*لمن شاء منكم أن يتقدم} قال: في الموت {أو يتأخر} [المدثر: 35، 37] قال: في الموت.
48 -
حدثني محمد بن الحسين، أخبرنا يحيى بن راشد، أخبرنا أبو عاصم، حدثني بزيع الهلالي، عن سحيم مولى بني تميم، قال: جلست إلى عامر بن عبد الله وهو يصلي، فجوز في صلاته ثم أقبل علي، فقال: أرحني بحاجتك، قال: قمت عنه وقام إلى صلاته.
49 -
وحدثني محمد أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثني سلمة بن سعيد، قال: مرض داود الطائي فسأله رجل عن حديث، قال: دعني فإني إنما أبادر بخروج نفسي.
50 -
حدثني أبو بكر الصوفي، قال: سمعت أبا معاوية الأسود يقول: إن كنت أبا معاوية تريد لنفسك الجزيل فلا تنم من الليل ولا تغفل، قدم صالح
⦗ص: 34⦘
الأعمال ودع عنك كثرة الأشغال، بادر قبل نزول ما تحاذر، ولا تهتم بأرزاق من تخلف، فلست أرزاقهم تكلف.
51 -
حدثني أبو علي الطائي، أخبرنا المحاربي، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
⦗ص: 35⦘
التؤدة في كل شيء خير إلا في أمر الآخرة
52 -
حدثني محمد بن الحسين، أخبرنا داود بن المحبر، عن صالح الناري، عن الحسن، قال: يتوسد المؤمن بما قدم من عمله في قبره إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فاجتنبوا المبادرة رحمكم الله في المهلة.
53 -
حدثني محمد بن الحسين، حدثنا بشر بن عمر الزهراني، أخبرنا عبد الواحد بن صفوان، قال: كنا مع الحسن في جنازة، فقال: رحم الله امرءاً عمل لمثل هذا اليوم، إنكم اليوم تقدرون على ما لا يقدر عليه إخوانكم هؤلاء من أهل القبور، فاغتنموا الصحة والفراغ قبل يوم الفزع والحساب.
معناه لا تقعدوا على الدنيا.
54 -
حدثني محمد، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت حبيباً أبا محمد يقول: لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يطلبكم.
55 -
حدثني محمد بن بشر بن عبد الله النهشلي، قال: دخلنا على أبي بكر النهشلي وهو في الموت، وهو يومئ برأسه يرفعه ويضعه وكأنه يصلي، فقال له بعض أصحابه: في مثل هذه الحالة رحمك الله، قال: إنني أبادر طي الصحيفة.
56 -
حدثني محمد الراسبي يذكر، عن يزيد الأعرج الشني، أنه كان يقول لأصحابه كثيراً: بحسبكم بقاء الآخرة من فناء الدنيا.
57 -
حدثني عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا معاوية بن هشام، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: كان يقال: إنما سميت الدنيا لأنها دنية، وإنما سمي المال لأنه يميل بأهله.
58 -
حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا علي بن علي يعني الرفاعي، عن الحسن قال: بينما رجلان من صدر هذه الأمة يتراجعان بينهما أمر الناس، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك أما ترى الناس وقد أتى ما أهلكهم عن هذا الأمر بعدما زعموا أن قد آمنوا؟
قال: جعل يقول: ضعف الناس الذنوب والشيطان.
قال: وجعل يعرض بأمور لا توافق الرجل في نفسه، فلما رأى ذلك، قال: بل خرجوا عن هذا الأمر بعدما زعموا أن قد آمنوا، إن الله عز وجل أشهر الدنيا وغيب الآخرة، فاخذ الناس بالشاهد وتركوا الغائب، والذي نفس عبد الله بن قيس بيده لو أن الله قرن إحداهما إلى جانب الأخرى حتى يعاينها الناس ما عدلوا ولا امتثلوا.
59 -
حدثنا علي بن الجعد، أخبرني علي بن علي، عن الحسن في قوله:{لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4]، قال الحسن: لا أعلم خليقة يكابد من هذا الأمر ما يكابد هذا الإنسان.
قال: وقال سعيد أخوه: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة.
60 -
حدثنا خالد بن خداش، أخبرنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد بن جدعان،
⦗ص: 39⦘
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: صلى بنا رسول الله صلى لله عليه وسلم العصر، ثم قام فخطبنا، فقال في خطبته: ألا إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، أر فاتقوا الدنيا واتقوا النساء.
61 -
حدثنا خالد بن خداش، أخبرنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، والمعلى، عن الحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على دور من دور الجاهلية، فرأى سخلة منبوذة خداج ما عليها شعر فقال: أترون هذه هانت على أهلها؟ قالوا: من هوانها ألقوها، قال: فو الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله عز وجل من هذه على أهلها.
62 -
وحدثنا خالد بن خداش، أخبرنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد قال: كان بشير بن كعب كثيراً ما يقول: انطلقوا حتى أريكم الدنيا.
قال: فجيئ بهم إلى الشرق وهي يومئذ مزبلة
⦗ص: 40⦘
، فيقول: انظروا إلى دجاجهم وبطهم وثمارهم.
63 -
حدثنا خالد بن خداش، أخبرنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما الدنيا في الآخرة إلا كرجل وضع إصبعه في اليم فلينظر بم رجعت إليه.
64 -
حدثنا العباس بن أبي عبد الله، عن شيخ من الأنصار، عن وهب بن منبه، قال: بينما ركب يسيرون إذ هتف بهم هاتف: ألا إنما الدنيا مقيل للرائح
…
قضى وطراً من حاجة ثم هجرا
ألا لا ولا يدري علام قدومه
…
ألا كلما قدمت تلفى مؤخراً
65 -
حدثني عون بن إبراهيم، عن علي بن معبد قال: قال وهب بن منبه: قرأت في بعض الكتب: الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال، لم يعرفوها حتى أخرجوا منها، فسألوا الرجعة فلم يرجعوا.
66 -
حدثني عون بن إبراهيم، حدثني أحمد بن أبي الحواري، عن
⦗ص: 41⦘
عمر بن عبد الواحد، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه:{إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [ص: 46] قال: أخلصناهم بذكر الآخرة.
67 -
حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العنبري الكوفي، عن جابر بن عون الأسدي، قال: أول كلام تكلم به سليمان بن عبد الملك، أن قال: الحمد لله الذي ما شاء صنع، وما شاء رفع، وما شاء وضع، ومن شاء أعطى، ومن شاء منع، إن الدنيا دار غرور، ومنزل باطل، وزينة تتقلب، تضحك باكياً وتبكي ضاحكاً، وتخيف آمناً وتؤمن خائفاً، وتفقر مثريها وتثري فقيرها، ميالة لاعبة بأهلها.
يا عباد الله اتخذوا كتاب الله إماماً وارضوا به واجعلوه لكم قائداً، فإنه ناسخ لما قبله ولن ينسخه كتاب بعده.
اعلموا عباد الله، إن هذا القرآن يجلو كيد الشيطان وضغائنه كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس إدبار الليل إذا عسعس.
68 -
حدثنا عبد الرحمن بن صالح، أخبرنا معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله: أنتم أكثر صلاة، وأكثر صياماً، وأكثر جهاداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا خيراً منكم.
قالوا: فيم ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب في الآخرة.
69 -
وأنشدني أبو الحسن أحمد بن يحيى قوله: ألا أيها الطالب
…
أمراً ليس يلحقه
ويا من طال بالدنيا
…
وزهرتها تعلقه
أما ينفك ذا أمل
…
صروف الدهر تسبقه
وأعقل ما يكون المر
…
ء فالحدثان تطرقه
أرى الدنيا تمني المر
…
ء أمراً لا يحققه
ويكذب نفسه فيها
…
وريب الدهر يصدقه
ولم أر جامعاً إلا
…
يد الدنيا تفرقه
70 -
ووأنشدني الحسين بن عبد الرحمن الشاعر ذكر الدنيا، فقال: ألم ترها تلهي بنيها عشية
…
وتترك في الصبح المجالس نوحا
وتنمي عديد الحي حتى إذا بها
…
غدت فأدارت بالمنون له الرحا
71 -
حدثني محمد بن الحسين، حدثني أبو عمر الضرير، حدثني رجل من المسعوديين، قال: قال عون بن عبد الله: زهرة الدنيا غرور ولو تحلت بكل زينة، والخير الأكبر غداً في الآخرة فنحن بين مسارع ومقصر.
72 -
حدثني محمد بن الحسين، حدثني المنهال بن يحيى، حدثني إياس بن حمزة رجل من أهل البحرين، قال:
: قالت امرأة من قريش كانت تسكن البحرين: لو رأت أعين الزاهدين ثواب ما أعد الله لأهل الإعراض عن الدنيا لذابت أنفسهم شوقاً واشتياقاً إلى الموت لينالوا من ذلك ما أملوا من فضله تبارك وتعالى.
73 -
وحدثنا أبو عبد الرحمن القرشي عبد الله بن عمر بن محمد، أخبرنا محمد بن يعلى، أخبرنا موسى بن عبيدة الربذي، أن لقمان قال لابنه: يا بني إنك إن استدبرت الدنيا منذ يوم نزلتها، واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقرب منها أقرب منك إلى دار تباعد عنها.
74 -
حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العنبري، أخبرنا أبو شجاع، قال: كتب علي بن أبي طالب إلى سلمان الفارسي:
أما بعد، فإنما الدنيا مثل الحية لمن لمسها يقتل بسمها، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها.
وضع همومها لما أيقنت به من فراقها، وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنه مكروه، والسلام.
75 -
حدثني محمد بن عبد المجيد التميمي، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، قال: قال لي عبد الله الرازي: إن سرك أن تجد حلاوة العبادة وتبلغ ذروة سنامها فاجعل بينك وبين شهوات الدنيا حائطاً من حديد.
76 -
حدثني إبراهيم بن سعيد، أخبرنا عبد العزيز القرشي قال: قال سفيان، قال عيسى بن مريم:
⦗ص: 45⦘
كما لا يستقيم النار والماء في إناء كذلك لا يستقيم حب الآخرة والدنيا في قلب المؤمن.
77 -
حدثني عبيد الله بن محمد، أخبرنا أبو أسامة، أخبرنا مالك بن مغول، عن سهل أبي الأسد، قال: كان يقال: مثل الذي يريد أن يجمع له الآخرة والدنيا مثل عبد له ربان لا يدري أيهما رضي.
78 -
حدثنا خالد بن خداش، أخبرنا حماد بن زيد، عن ثابت، قال: كتب إلي سعيد بن أبي بدرة، قال أبو موسى: إنه لم يبق من الدنيا إلا فتنة منتظرة وكل محزن.
79 -
حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا ابن أبي ليلى، عن مسلمة بن
⦗ص: 46⦘
جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن الحسن، أنه كان يقول: من أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما من عبد يزداد علماً ويزداد على الدنيا حرصاً إلا ازداد إلى الله عز وجل بغضاً وازداد من الله بعداً.
80 -
حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا الوليد بن صالح، أخبرنا أبو المليح، عن ميمون - يعني ابن مهران -، قال: الدنيا كلها قليل وقد ذهب أكثر القليل وبقي قليل من القليل.
81 -
أنشدني رجل من بني يشكر: إنما الدنيا وإن سر
…
ت قليل من قليل
ليس يحلو أن تبدى
…
لك في زي جميل
ثم ترميك من المأ
…
من بالخطب الجليل
إنما العيش جوار الل
…
هـ في ظل ظليل
حيث لا تسمع ما يؤ
…
ذيك من قال وقيل
82 -
حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبدان بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا حنظلة ابن أبي سفيان، عن عطاء، قال: قال ابن مسعود: ما أكثر أشباه الدنيا منها.
83 -
حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبدان بن عثمان، أخبرنا ابن
⦗ص: 48⦘
المبارك، أخبرنا ابن لهيعة، أخبرنا شعيب بن أبي سعيد: أن رجلاً قال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم كيف أنا؟ قال: إذا رأيت كلما طلبت شيئاً من أمر الآخرة وابتغيته يسر لك، وإذا أردت شيئاً من أمر الدنيا وابتغيته عسر عليك فأنت على حال حسنة، وإذا كنت على خلاف ذلك فإنك على حال قبيحة.
84 -
حدثني محمد بن الحسين، حدثني أبو أيوب الدمشقي، قال: قال أنس بن ينعم - وكان من عباد أهل الشام -:
بؤساً لمحب الدنيا، أتحب ما أبغض الله عز وجل؟ ! ! .
85 -
حدثنا محمد بن الحسين، أخبرنا محمد بن يزيد بن خنيس، أخبرنا سفيان الثوري: قال عمر بن الخطاب: لا يغرنك أن يجعل لك كثيراً ما تحب من أمر دنياك إذا كنت ذا رغبة في أمر آخرتك.
86 -
أنشدني أحمد بن موسى الثقفي: جهول ليس تنهاه النواهي
…
ولا تلقاه إلا وهو ساهي
يسر بيومه لعباً ولهواً
…
ولا يدري وفي غده الدواهي
مررت بقصره فرأيت فيه
…
عجيباً فيه من زجر وناهي
بدا فوق السرير فقلت من ذا
…
فقالوا ذلك الملك المباهي
رأيت الباب سود والجواري
…
ينحن وهن يكسرن الملاهي
تبين أي دار أنت فيها
…
ولا تسكن إليها وآذر ما هي
87 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن ليث، قال: صحب رجل عيسى بن مريم، فقال: أكون معك وأصحبك.
قال: فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين وبقي رغيف فقام
⦗ص: 50⦘
عيسى إلى النهر فشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف، فقال للرجل: من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري.
قال: فانظلق معه صاحبه فرأى ظبية معها خشفان.
قال: فدعا أحدهما فأتاه فذبحه، فاشتوى منه فأكل هو وذاك، ثم قال للخشف: قم بإذن الله، فقام فذهب، فقال للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ قال: ما أدري.
قال: ثم انتهيا إلى وادي فأخذ عيسى بيد الرجل فمشيا على الماء، فلما جاوزا، قال: أسالك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري.
قال: فانتهيا إلى مفازة فجلسا فأخذ عيسى فجمع تراباً أو كثيباً، ثم قال: كن ذهباً بإذن الله، فصار ذهباً، فقسمه ثلاث أثلاث، فقال: ثلث لي، وثلث لك، وثلث لمن أخذ الرغيف، فقال: أنا أخذت الرغيف، قال: فكله لك.
قال: وفارقه عيسى فانتهى إليه رجلان في المفازة ومعه المال، فأراردا أن يأخذا منه ويقتلاه، فقال: هو بيننا أثلاثاً.
قال: فابعثوا أحدكم إلى القرية حتى يشتري طعاماً.
قال: فبعثوا أحدهم.
قال: فقال الذي بعث: لأي شيء أقاسمهما هذا المال، ولكني أضع في هذا الطعام سماً فأقتلهما.
قال: ففعل.
وقال ذانك: لأي شيء نجعل لهذا ثلث المال ولكن: إذا رجع إلينا قتلناه واقتسمناه بيننا.
قال: فلما رجع إليهما قتلاه وأكلا الطعام فماتا.
قال: فبقي ذلك المال في المفازة وأولئك الثلاثة قتلى عنده.
وفي غير حديث إسحاق بن إسماعيل: قال: فمر بهم عيسى على تلك الحال، فقال: هذه الدنيا فاحذروها.
88 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا روح بن عبادة، أخبرنا
⦗ص: 51⦘
هشام بن حسان، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أو ما بقي، أنفذوا الزاد وحسروا الظهر وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة.
فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه، فقالوا: إن هذا قريب عهد بريف، وما جاءهم هذا إلا من قريب.
قال: فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء، قالوا: يا هذا، قال: علام أنتم؟ قالوا: على ما ترى.
قال: أرأيتم إن هديتكم إلى ماء روي ورياض خضر، ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك شيئاً، قال: عهودكم ومواثيقكم بالله، قال: فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئاً.
قال: فأوردهم ماء ورياضاً خضراً.
قال: فمكث فيهم ما شاء الله ثم قال: يا هؤلاء، قالوا: يا هذا، قال: الرحيل، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ما ليس كمائكم وإلى رياض ليس كرياضكم.
قال: فقال جل القوم وهم أكثرهم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أن لن نجده، وما نصنع بعيش خير من هذا.
قال: وقالت طائفة وهم أقلهم: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصونه شيئاً وقد صدقكم في أول حديثه، فوالله ليصدقكم في آخره؟ .
قال: فراح فيمن اتبعه وتخلف بقيتهم، فنزل بهم عدو فأصبحوا ما بين أسير وقتيل.
89 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا روح بن عبادة، عن عوف، عن الحسن قال: يلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
⦗ص: 52⦘
إنما مثل الدنيا كمثل الماشي في الماء، هل يستطيع الذي يمشي في الماء أن لا تبتل قدماه.
90 -
حدثني علي بن أبي مريم عن شيخ له عن أبيه عن وهب بن منبه قال: قال عيسى: بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذ به، من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ العبادة، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا، وبحق أقول لكم إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها، كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وتنصبها دأب العبادة، تقسو، وتغلظ.
بحق أقول لكم إن الزق ما لم بنخرق أو يقحل فسوف يكون وعاء للعسل، وكذلك القلوب ما لم تحرقها الشهوات، أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم، فسوف تكون أوعية للحكمة.
91 -
حدثني عبد الرحمن بن أبي صالح، أخبرنا المحاربي، عن سفيان، وقال: بلغنا أن لقمان قال لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق يغرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان بالله، وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو، وما أراك بناج.
92 -
حدثني سريج بن يونس، حدثني من سمع عبيد الله بن مسلم قال: بلغني أن عيسى بن مريم عليه السلام، قال:
⦗ص: 53⦘
ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها، ويأمنها وتغره، ويثق بها وتخذله، ويل للمغترين كيف أرتهم ما يكرهون، وفارقهم ما يحبون، وجاءهم ما يوعدون، وويل لمن الدنيا همه، والخطايا عمله، كيف يفتضح غداً بذنبه.
93 -
حدثني عون بن إبراهيم، حدثني أحمد بن أبي الحواري، حدثني عبادة أبو مروان، قال: أوحى الله إلى موسى: يا موسى ما لك ولدار الظالمين، إنها ليست لك بدار، أخرج منها همك، وفارقها بعقلك، فبئست الدار هي، إلا لعامل يعمل فيها، فنعمت الدار هي، يا موسى إني مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم.
94 -
حدثني محمد بن الحسين، حدثني عون بن عمارة، قال: قال أبو محرز الطفاوي: كلف الناس بالدنيا ولن ينالوا منها فوق قسمتهم، وأعرضوا عن الآخرة وببغيتها يرجو العباد نجاة أنفسهم.
قال: قال أبو محرز: لما بان للأكياس أعلى الدارين منزلة طلبوا العلو بالعلو من الأعمال، وعلموا أن الشيء لا يدرك بأكثر منه، فبذلوا أكثر ما عندهم، بذلوا والله المهج رجاء الراحة لديه، والفرج في يوم لا يخيب فيه له طالب.
95 -
حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا محمد بن بشر، أخبرنا مسعر،
⦗ص: 54⦘
عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قال: كان مسروق يركب بغلته كل جمعة، ويحملني خلفه فأتى كناسة بالحيرة قديمة فحمل عليها بغلته، ويقول الدنيا تحتنا.
96 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا إبراهيم بن نشيط، أخبرنا كعب بن علقمة، قال: قال سعد بن مسعود التجيبي: إذا رأيت العبد دنياه تزداد، وآخرته تنقص مقيماً على ذلك راضياً به، فذلك المغبون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر.
97 -
حدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا وهيب، قال: قال عيسى عليه السلام: أربع لا يجتمعن في أحد من الناس إلا تعجب: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع لله عز وجل، والزهادة في الدنيا، وقلة الشيء.
98 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا
⦗ص: 55⦘
عبد الله، أنبأنا حريث بن السائب، أخبرنا الحسن، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على مزبلة في طريق المدينة فقال: من سره أن ينظر إلى الدنيا بحذافيرها فلينظر إلى هذه المزبلة ثم قال: ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح ذبابة ما أعطى كافراً منها شيئاً.
وقال بعض الحكماء من الشعراء:
أما مررت بساحات معطلة
…
فيها المزابل كانت قبل مغشية
أما نظرت إلى الدنيا وزينتها
…
بزخرف من غرور اللهو موشية
أعظم بحمقة نفس لا تكون بما
…
تغنى به من صروف الدهر مغنية
لله در أذى عين تقر بها
…
وإنها لعلى التنغيص مبينة
قال أبو بكر: أملى علي عبد الرحمن بن صالح هذه الرسالة:
أما بعد: عافانا الله وإياك من شر دار قد أدبرت، والنفوس عليها قد ولهت، ورزقت وإياك خير دار قد أقبلت، والقلوب عنها قد غلفت، وكأن المعمور من هذه الدار قد يرحل عن أهله، وكأن المغفول عنه من تلك الدار قد أباح بأهله فغنم غانم، وندم نادم، واستقبل الخلق خلد لا يزول، وحكم عليهم جبار لا يجور، فهنالك فضع الهموم، وصغر ما دونه من متاع هذا الغرور، والسلام.
99 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش
⦗ص: 56⦘
عن عمارة، عن يزيد بن معاوية النخعي، قال: إن الدينا جعلت قليلاً فما بقي منها إلا قليل من قليل.
100 -
أنشدني أحمد بن موسى الثقفي: فتى مالت به الدنيا
…
وغرته ببارقها
فلاذ بها وعانقها
…
وبئست عرس عاشقها
غدا يوماً لضيعته
…
ليصلح من مرافقها
فلما جاءها والشم
…
س تزهر من مشارقها
تلقته جداولها
…
تفجر في حدائقها
وأطرف من طرائفها
…
جنياً من بواسقها
وجيء بخيرها ثمرا
…
وأطيبها لذائقها
وأطمعه مؤلفه
…
بباين في مذائقها
فأمعن في ثرايدها
…
وأكثر من شرائقها
وجيء بقهوة حرف
…
تساق بكف سائقها
بكفي طفلة خود
…
تثنى في مخانقها
فحدث نفسه كذباً
…
وزوراً غير صادقها
ومناها الخلود لها
…
غبياً عن بوائقها
فأصبح هالكاً فيها
…
على أدنى نمارقها
ولاذ بنعشه عصب
…
تسير على عوائقها
إلى دار البلى فرداً
…
وحيداً في مضايقها
إلا إن الأمور غداً
…
تصير إلى حدائقها
101 -
أنشدني أبي رحمه الله: دع الدنيا لناكحها
…
يستقبح من روائحها
ولا يغررك رائحة
…
تصيبك من روائحها
⦗ص: 57⦘
أرى الدنيا وإن عشقت
…
تدل على فضائحها
مصدقة لغائبها
…
مكذبة لمادحها
102 -
أنشدني عامر بن عامر الهمذاني: إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق
والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
103 -
أنشدني الحسن بن عبد الله: إذا لم يعظني واعظ من جوارحي
…
فما شيء سواه بنافعي
أؤمل دنيا أرتجي من رحابها
…
غلالة سم مورد الموت ناقع
ومن يأمن الدنيا يكن مثل آخذ
…
على الماء خانته فروج الأصابع
وكالحالم المسرور عند منامه
…
بلذة أضغاث من أحلام هاجع
فلما تولى الليل ولى سروره
…
وعادت عليه عاطفات الفجائع
104 -
أنشدني الحسن بن السكن بن السكن بن سليمان: حياتك بالهم مقرونة
…
فما تقطع العيش إلا بهم
لذا ذات دنياك مسمومة
…
فما تأكل الشهد إلا بسم
105 -
حدثنا علي بن الجعد الجوهري أنبأنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: خطب عتبة بن غزوان الناس بالبصرة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن هذه الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإنكم مفارقوها لا محالة فانتقلوا منها بخير ما بحضرتكم،
⦗ص: 58⦘
والذي نفسي بيده ما كانت قبلك نبوة إلا تناسخت حتى يكون آخرها ملكاً وستبلون الأمراء بعدنا.
الحسن قال لنا بعد عبرة: وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وفي أنفس الناس صغيراً، فقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأينا من شهر ما لنا طعام إلا ما نصيب من ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا من أكل الشجر، ولقد رأيتني ألتقط بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فما علمت من السبعة حتى اليوم إلا قد أصبح أميراً على مصر، أعجبتم، فما بعدكم أعجب، والذي نفسي بيده لو أن حجراً قذف في شفير جهنم ما بلغ قعرها سبعين سنة ً، والذي نفسي بيده لتملأن والذي نفسي بيده إن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين سنة، والذي نفسي بيده ليأتين عليها ساعة وهو كظيظ.
106 -
حدثنا عثمان بن معبد، أخبرنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن علي بن رباح، أخبره أنه سمع عمرو بن العاص، يقول على المنبر: والله ما رأيت قوماً قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزهد فيه منكم،
⦗ص: 59⦘
يرغبون في الدنيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها، والله ما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاث من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له.
107 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أخبرني يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن جنادة المعافري: أن أبا عبد الرحمن الحبلي، حدثه عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الدنيا سجن المؤمن، وسنته، فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة.
108 -
وحدثنا حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا شريك بن عبد الله، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمور، قال:
⦗ص: 60⦘
الدنيا جنة الكافر، وسجن المؤمن، وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج، فجعل يتقلب في الأرض، ويتفسح فيها.
109 -
وحدثني حمزة بن العباس، أنبانا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني أبو عبد ربه، قال: سمعت معاوية، يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله.
110 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا المبارك بن فضالة، عن الحسن: أنه كان إذا تلى هذه الآية:
{فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [لقمان: 33] .
⦗ص: 61⦘
قال: من قال ذا؟ من خلقها؟ ومن هو أعلم بها.
قال: وقال الحسن: إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل، إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب.
111 -
وحدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا طلحة بن صبيح، عن الحسن قال: المؤمن من يعلم أن ما قال الله عز وجل كما قال، والمؤمن أحسن الناس عملاً، وأشد الناس خوفاً، لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن يعاين لا يزداد صلاحاً، وبراً وعبادة، إلا ازداد فرقاً، يقول: لا أنجو، والمنافق يقول: سواد الناس كثير، وسيغفر لي، ولا بأس علي، يسيء في العمل، ويتمنى على الله عز وجل.
112 -
حدثني أبو سعيد المديني عبد الله بن المسيب، حدثني محمد بن عمر بن سعيد العطار، حدثني زكريا بن منظور، عن عمه، عن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى أخ له: يا أخي إنك قد قطعت عظيم السفر، وبقي أقله فاذكر يا أخي المصادر والموارد، فقد أوحي إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن أنك من أهل الورود، ولم يخبرك أنك من أهل الصدر والخروج، وإياك أن تغرك الدنيا، فإن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، أي أخي إن أجلك قد دنا، فكن وصي نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك.
113 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن الله عز وجل ناجى موسى فقال: يا موسى إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب لي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم.
114 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، أنبأنا عبد الرحمن المحاربي، عن مالك بن مغول، قال: أخبرت عن الحسن قال: قالوا: يا رسول الله، من خيرنا؟ قال: وأزهدكم في الدنيا وأرغبكم في الآخرة.
115 -
حدثني علي بن أبي مريم، عن زهير بن عباد، أخبرنا داود بن هلال النصيبي، قال: مكتوب في في صحف إبراهيم عليه السلام: يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت لهم، وتزينت لهم، إني قد قذفت في قلوبهم بغضك، والصدود عنك، ما خلقت خلقاً أهون علي منك، كل شأنك صغير، وإلى الفناء تصيرين، قضيت عليك يوم خلقت الخلائق أن لا تدومي لأحد، ولا يدوم لك أحد، وإن بخل بك صاحبك، وشح عليك، طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا، وأطلعوني من ضميرهم على الصدق، والاستقامة، طوبى لهم، ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم، النور يسعى أمامهم، والملائكة حافون بهم حتى أبلغ بهم ما يرجون من رحمتي.
116 -
وحدثني ابن أبي مريم، حدثني زكريا بن يحيى، حدثني أبو العباس الكندي، قال: أهديت إلى صديق لي سكراً، فكتب إلي: لا تعد ودع الإخاء على حاله حتى نلتقي، وليس في القلوب شيء ثم كتب في أسفل كتابه: ما طالب الدنيا من حلالها وجميلها وحسنها عند الله بالمحمود، ولا بالمغبوط، فكيف يطلبها من أيدي المخلوقين من قذرها ونكدها، بالعسار والمنقصة.
117 -
حدثني سليمان بن أبي شيخ، أخبرنا أبو سفيان الحميري أحسبه، عن حصين: لما بعث الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، قال:
⦗ص: 64⦘
لا يرعكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي، ليس ينطق ولا يطرق ولا يتنفس إلا بإذني، ولا يعجبكما ما متع به منها، فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا ليعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت، ولكنني أرغب بكما عن ذلك، وأزوي ذلك عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله، عن مبارك العرة، وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً، لم يكلمه الطمع، ولم تنقصه الدنيا بغرورها، إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع، والخوف والتقوى، تثبت في قلوبهم، فتظهر على أجسادهم، فهي ثيابهم التي يلبسون، ودثارهم الذي يظهرون، وضميرهم الذي يستشعرون، ونجاتهم التي بها يفوزون، ورجاؤهم الذي إياه يأملوان، ومجدهم الذي به يفخرون، وسيماهم التي بها يعرفون، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك، ولسانك، واعلم أنه من أخاف لي ولياً فقد بازرني بالمحاربة، ثم أنا الثائر له يوم القيامة.
118 -
حدثنا الحكم بن موسى، أخبرنا الخليل بن أبي الخليل، عن صالح بن أبي شعيب، قال: أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم:
أنزلني من نفسك كهمك، واجعلني ذخراً لك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أدنك، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فأخذلك، اصبر على البلاء، وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى، وكن مني قريباً، وأحيي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك، تيقظ لي في ساعات الغفلة، وكن لي راهباً راغباً إلي أمت قلبك بالخشية، راع الليل لتجزى مسرتي، وأظمئ لي نهارك ليومك الذي عندي، نافس في الخيرات جهدك، وكن في الخليقة بعدلي، واحكم فيها بنصيحتي، فقد أنزلت عليك شفاء وساوس الصدر من مرض
⦗ص: 65⦘
الشيطان، وجلاء الأبصار، وعشاء الكلال، ولا تكن حلساً، كأنك مقبور، وأنت حي تتنفس، بحق أقول لك ما آمنت بي الخليقة إلا خشعت لي، ولا أخشعت لي إلا رجت ثوابي، أشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي، أكحل عينك بملول الحزن، إذا ضحك البطالون، احذر ما هو آت من أمر الميعاد من الزلازل، والأهوال، والشدائد، حيث لا ينفع مال، ولا أهل، ولا ولد، ابك على نفسك أيام الحياة، بكاء من قد ودع الأهل، وقلى الدنيا، واترك اللذات لأهلها، وارفع رغبتك عند إلهك، وكن على ذلك محتسباً صابراً، طوبى لك إن نالك ما وعدت الصابرين، ترج من الدنيا يوماً بيوم، وارض منها بالبلغة وليكفك منها الخشن، ذق مذاقة ما قد ذهب منك أين طعمه، وما لم يأتك أين لذاته، لو رأت عيناك ما أعددت لأوليائي الصالحين لذاب قلبك وزهقت نفسك اشتياقاً إليه.
119 -
حدثنا فهد بن حيان، وداود بن عمرو الضبي، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن رباح بن زيد، عن عبد العزيز بن جوران، عن وهب بن منبه، قال: مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
120 -
وحدثني سريج، أخبرنا خلف بن خليفة، عن سيار أبي الحكم، قال:
⦗ص: 66⦘
الدنيا والآخرة يجتمعان في قلب العبد فأيهما غلب كان الآخر تبعاً له.
121 -
حدثني عون بن إبراهيم، حدثني أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سليمان، قال:
إذا كانت الآخرة في القلب، جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب، لم تزحمها الآخرة، لأن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة.
122 -
حدثنا هارون بن عبد الله، أخبرنا جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار، يقول: بقدر ما تحزن للدينا فكذلك يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة فكذلك يخرج هم الدنيا من قلبك.
123 -
حدثنا محمد بن علي بن شقيق، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل بن عياض، قال: قال ابن عباس:
يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوهة خلقها، فتشرف على الخلائق، فيقال: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه.
فقال: هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم الأرحام، وبها
⦗ص: 67⦘
تحاسدتم وتباغضتم، واغتررتم، ثم تقذف في جهنم فتنادي أي رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عز وجل: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها.
124 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل قال: بلغني أن رجلاً عرج بروحه، قال: فإذا بامرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة الحلى، والثياب، وإذا هي لا يمر بها أحد إلا جرحته، وإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآه الناس، وإذا أقبلت كانت أقبح شيء رآه الناس، عجوز شمطاء، زرقاء عمشاء، قال: فقلت: أعوذ بالله منك.
قالت: لا والله لا يعيذك الله حتى تبغض الدرهم.
قلت: من أنت؟ قالت: أما تعرفني؟ قلت: لا.
قالت: أنا الدنيا.
125 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت الفضيل يقول: يجاء بالدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها، ونضرتها فتقول: يا رب اجعلني لأحسن عبادك داراً، فيقول: لا أرضاك له، أنت لا شيء، فكوني هباء منثوراً، فتكون هباء منثوراً.
126 -
حدثني محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: قال ابن عيينة: حدثت عن عبد الواحد، أنه كان يقول:
⦗ص: 68⦘
ما الدنيا إن كنت لبائعها في بعض الحالات كلها بشربة على الظمأ.
127 -
حدثني محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم، قال: سمعت الفضيل، يقول: قيل: يا ابن آدم إجعل الدنيا داراً تبلغك لأثقالك، واجعل نزولك فيها استراحتك لا يحسبك كالهارب من عدوك المستريح إلى أهله في طريق مخوفة لا يجد مسالماً يقدم فيه من الراحة فتبدلت في سفره يستبقي صالح متاعه لإقامته فإن عجزت أن تكون كذلك في العمل فليكن ذلك هو الأصل، وإياك أن تكون لصاً من لصوص تلك الطريق ممن ينهون عنه، وينأون عنه، وإن آية العمى إذا أردت أن تعرف بذلك نفسك، أو غيرك فإنها لا تقف عن الهلكة، ولا تمض في الغربة فذلك أعمى القلب، وإن كان بصيراً.
128 -
حدثنا الحسن بن إبراهيم، أخبرنا يحيى بن يمان، عن أشعث بن إسحاق القمي، قال: قال عيسى بن مريم: لا تطلبوا الدنيا بهلكة أنفسكم، أطلبوا الدني بترك ما فيها، عراة دخلتموها، وعراة تخرجون منها، هي اليوم همه، وغداً راحل يشغله.
129 -
أخبرنا إسحاق، أخبرنا يحيى بن يمان، عن أشعث بن إسحاق، قال: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: لو اتخذت بيتاً؟ قال: يكفيني خلقان من كان قبلنا.
130 -
حدثنا إسحاق، أخبرنا أبو أسامة، حدثني سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، قال: قيل لعيسى عليه السلام: لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك.
قال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني به.
131 -
حدثنا الهيثم بن خالد البصري، أخبرنا الهيثم بن جميل، أخبرنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن.
132 -
وحدثنا أبو حاتم الرازي، أخبرنا هشام بن عمار، حدثني
⦗ص: 70⦘
صدقة عن عتبة بن أبي حكيم، أخبرنا أبو الدرداء الرهاوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت.
133 -
حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، أخبرنا وكيع بن الجراح، أخبرنا المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم،
⦗ص: 71⦘
عن علقمة عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لي وللدينا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف راح وتركها.
134 -
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، أخبرنا ثابت بن يزيد، أخبرنا هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال، يا رسول الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا؟ فقال: ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعةً من نهار، ثم راح وتركها.
135 -
حدثني عبيد الله بن جرير العتكي، أخبرنا محمد بن أبي بكر،
⦗ص: 72⦘
أخبرنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت الحسن يحدث، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابته فمر على خوص نخلة فقلب إصبعاً من أصابع يديه، فانطلق إلى أهله فوضع له سرير مرمول بخوص ووضعت تحته قطعة عباءة، ووضع تحت رأسه وسادة من أدم، محشوة ليفاً فأخبر بذلك، فمر عمر فجاء سريعاً، وفي جانب البيت أهباب، فقال: يا رسول الله أما تؤذيك هذه الريح؟ لو نحيتها، أنا أشهد أنك أكرم.