الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثاني
أخبرتنا الشيخة نور العين لامعة ضوء الصباح بنت المبارك بن كامل الخفاف قالت: أخبرنا الشيخ الحافظ أبي سعد أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي أنبأنا أبو العباس أحمد بن محمد الطهراني أنبأنا أبو محمد بن أحمد بن يوه أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن اللبناني أنبأنا أبو بكر عبد الله.
136 -
عن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي، أخبرني رجل من بني شيبان،: أن علي بن أبي طالب خطب، فقال:
الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى، ودين الحق، ليزيح به علتكم، وليوقظ به غفلتكم، واعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم، ومجزون بها، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم أحوالها، ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور، أحوال مختلفة، وتارات متفرقة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها، وكل حتفه فيها، وحظه منها موفور، واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممن كان أطول منكم أعماراً، وأشد منكم بطشاً، وأعمر دياراً وأبعد آثاراً، فأصبحت أصواتهم هامدة، خامدة من بعد طول تقلبها، وأجسادهم منها بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية،
⦗ص: 74⦘
واستبدلوا بالقصور المشيدة، والسرر والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة التي قد بني بالخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب بين أهل عمار موحشين، وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون بتواصل الجيران، والإخوان، على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل، وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتاً، وبعد غضارة العيش رفاتاً، فجع بهم الأحباب، وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات {كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 100] وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار الموت، وإن تمننتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وتبعثرت القبور، وحصل ما في الصدور، ووقفتم للتحصل بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والأستار، وظهرت منكم العيوب والأسرار، هناك تجزى كل نفس ما كسبت، يقول الله:{ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} .
[النجم: 31] .
[الكهف: 49] جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله، إنه حميد مجيد.
137 -
حدثني أزهر بن مروان الرقاشي، أخبرنا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار، يقول: بقدر ما تفرح للدنيا كذلك تخرج حلاوة الآخرة من قلبك.
138 -
وحدثني أزهر بن مروان، أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار، يقول: قال عيسى عليه السلام للحواريين: يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير والماء القراح، ونبات الأرض، فإنكم لا تقومون بشكره، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة.
139 -
حدثنا محمد بن معمر العجيفي، حدثني من سمع سفيان بن عيينة، يقول: والله ما أعطى الله عز وجل الدنيا من أعطاها إياه إلا اختباراً، ولا زواها من زواها عنه إلا اختباراً، وآية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاع وشبعتم، ابن آدم تهيأ للجدل وتيسر لحسابك وانظر من موقفك، على من يسألك عن النقير، والقطمير والفتيل، وما هو أصغر من ذلك، وأكبر وما تغني حياة بعدها الموت.
قال: فقيل له: يا أبا محمد من يقول هذا؟ قال: ومن يحسن يقول هذا إلا الحسن.
140 -
أنشدني أبو جعفر القرشي: يا عاشق الدنيا وللدنيا سمادير وسكر
اسمع لموعظة الزما
…
ن فما بسمعك وقر
كم قد مضى ملك له
…
نظر إلى الجلساء شزر
وله مباهاة بما
…
لم يبق فيه له فخر
وتمر أزمنة بنا
…
يمضي بها شهر وشهر
وتمر فينا الحادثا
…
ت لها نباطي ونشر
⦗ص: 76⦘
ويكون من يبني القصو
…
ر يضمه من بعد قبر
والدهر فيه عجائب
…
من صرفه شفع ووتر
والموت فيه على الذها
…
ب بأنفس الثقلين قدر
وعوابر الدنيا تمر عليك وأنت لهن جسر
ولرب حال بين صا
…
حبها وبين الموت فقر
ومن يفك لعاشق الدنيا من الشهوات أسر؟ !
141 -
وقال بعض الحكماء: أما يكفي أهل الدنيا ما يعانون من كثرة الفجائع، وتتابع المصائب في المال والأخوان، والنقص في القوى والأبدان.
142 -
وقال بعض حكماء الشعراء: خطبت يا خاطب الدنيا مشمرة
…
في ذبح أزواجها كصيد الغرانيق
كم من ذبيح لها من تحت ليلتها
…
زفت إليه بمعزاف وتصفيق.
143 -
وأنشدني أبو الحسن الباهلي أو غيره: يا خاطب الدنيا إلى نفسها
…
تناه عن خطبتها تسلم
إن التي تخطب قتالة
…
قريبة العرس من المأتم
144 -
وأنشدني أبو جعفر مولى بني هاشم: وكم نائم نام في غبطة
…
أتته المنية في نومته
وكم من مقيم على لذة
…
دهته الحوادث في لذته
وكل جديد على ظهرها
…
سيأتي الزمان على جدته
145 -
حدثنا أبو بكر الصوفي، حدثني الحسين بن الربيع، قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري، يقول: سمعت حبيبي فضيل بن عياض، يقول:
⦗ص: 77⦘
خمسة من علامات الشقاء: قسوة القلب، وجمود العين، وقلة الخيار، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل وخمسة من السعادة: اليقين في القلب والورع في الدين، والزهد في الدنيا، والحياء والعلم.
146 -
كتب إلي عبد الله التيمي، قال: أخبرنا شعيب بن إبراهيم التيمي، حدثني سيف بن عمر الأسدي، عن بدر بن عثمان، عن عمه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة:
إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى، والآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، آثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله عز وجل واتقوا الله، فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده واحذروا أمر الله، والزموا جماعتكم، ولا تصيروا أحزابا {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} إلى آخر الآيتين.
[آل عمران: 103] .
147 -
حدثني علي بن الحسن بن أبي مريم، عن عبد الله بن صالح العجلي، عن معاذ الحذاء، قال: سمع الإمام علي بن أبي طالب رجلاً يسب فقال له: إنها لدار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ومسجد أحباء الله، وهبوط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، واكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذم الدنيا، وقد آذنت بفراقها، ونادت بينها ونعت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، فذمها قوم عند الندامة، وحمدها آخرون حدثتهم فصدقوا، وذكرتهم فذكروا، فأيها المعتل بالدنيا، المغتر بغرورها متى استهوتك الدنيا، بل متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من الثرى؟ أم بمصارع أمهاتك من البلى؟ كم قد قلبت
⦗ص: 78⦘
بكفك، ومرضت بيدك، تطلب له الشفاء، وتسأل له الأطباء؟ لم تظفر بحاجتك ولم تسعف بطلبتك، قد مثلت لك الدنيا بمصرعه مصرعك غداً، يوم لا يغني عنك بكاؤك، ولا ينفعك أحباؤك.
148 -
حدثني علي بن أبي مريم، عن بعض أشياخه، قال: قال عبد الواحد بن زيد: يا ويح من يطلبون الدنيا! أما يستحيون من طلب الدنيا، وقد ضمن لهم الرزق، فكفى الراغب منهم الطلب، وأمروا بالطاعة فهم يطلبون منها ما إن فاتهم سلموا، وإن وجدوه ندموا، وهل الخير إلا خير الآخرة، الخير في الدنيا معدوم، والخفض فيها مذموم، والمقصر فيها عن حظه ملوم.
149 -
وحدثني علي بن أبي مريم عن محمد بن الحسين، حدثني عمار بن عثمان، حدثني حصين بن القاسم، قال: سمعت عبد الواحد بن زيد، يقول: بالله لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه له.
قال: وسمعته يقول:
يا إخواتاه لا تغبطوا حريصاً على ثروة، ولا سعة في مكسب، ولا مال، وانظروا إليه بعين المقت له في فعله، وبعين الرحمة له في اشتغاله اليوم بما يرد به غداً في المعاد، قال: ثم يبكي ويقول:
الحرص حرصان: فحرص فاجع، وحرص نافع، فأما النافع فحرص المرء على طاعة الله.
وأما الفاجع فحرص المرء على الدنيا، متعذب مشغول لا يسر، ولا يلذ بجمعه لشغله، ولا يفرغ من محبته الدنيا لآخرته كداً كداً لما يفنى وغفلته عما يدوم ويبقى.
قال: ثم يبكي.
150 -
وأنشدني ابن أبي مريم.
: لا تغبطن أخا حرص على سعة
…
وانظر إليه بعين الماقت القالي
⦗ص: 79⦘
إن الحريص لمشغول لشقوته عن
…
السرور بما يحوي من المال
151 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أخبرنا الأسود بن شيبان السدوسي، قال: قال الفضل بن ثور بن شقيق بن ثور وكان تهمه نفسه قلت للحسن: يا أبا سعيد رجلان طلبا أحدهما الدنيا فأصابها، فوصل فيها رحمه، وقدم فيها لنفسه، وجانب الآخر الدنيا؟ فقال: أحبهما إلي الذي جانب الدنيا، فأعاد عليه، فأعدا عليه مثله.
152 -
وحدثني أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أخبرنا حيوة بن شريح، أخبرني أبو هاني الخولاني أنه سمع عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} [الشورى: 27] وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا فتمنوا الدنيا.
153 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا أبو معاوية، عن
⦗ص: 80⦘
الأعمش عن شمر بن عطية، عن المغيرة بن سعد بن الأخرم، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا الضيعة وترغبوا في الدنيا.
154 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، أخبرنا الحسين بن علي الجعفي، عن شيخ من أهل البصرة، عن يزيد بن ميسرة الحمصي، وكان قد قرأ الكتب قال: أجد فيما أنزل أيحزن عبدي أن أقبض عنه الدنيا، وذلك أقرب له مني، أو يفرح عبدي أن أبسط له الدنيا، وذلك أبعد له مني ثم قرأ:
{أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} [المؤمنون: 55، 56] .
155 -
حدثني محمد بن ناصح، أخبرنا بقية بن الوليد، عن محمد بن مرة التستري، قال: قال عمر بن الخطاب:
⦗ص: 81⦘
الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن.
156 -
حدثني الحسن بن محبوب، أخبرنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا أبو ربيعة، عن أبيه، عن جده، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله:
أما بعد: فكأن العباد قد عادوا إلى الله فينبئهم بما عملوا، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فإنه لا معقب لحكمه، ولا ينازع في أمره، ولا يقاطع في حقه الذي استحفظه عباده، وأوصاهم به وإني أوصيك بتقوى الله، وأحثك على الشكر فيما عندك من نعمة، وآتاك من كرامته، فإن نعمه يمدها شكره، ويقطعها كفره، وأكثر ذكر الموت الذي لا تدري متى يغشاك، ولا مناص، ولا فوت وأكثر ذكر يوم القيامة، وشدته فإن ذلك يدعوك إلى الزهادة فيما زهدت فيه، والرغبة فيما رغبت فيه، ثم كن مما أوتيت من الدنيا على وجل، فإن من لا يحذر ذلك، ولا يتخوفه توشك الصرعة أن تدركه في الغفلة، وأكثر النظر في عملك في دنياك بالذي أمرت به، ثم اقتصر عليه، فإن فيه لعمري شغلاً عن دنياك، ولن تدرك العلم حتى تؤثره على الجهل، ولا الحق حتى تذر الباطل، فنسأل الله لنا ولك حسن معونته، وأن يدفع عنا وعنك بأحسن دفاعه برحمته.
157 -
وحدثني الحسن بن محبوب، أخبرنا الفياض بن إسحاق أبو يزيد، أخبرنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي:
⦗ص: 82⦘
نزلنا وبيننا وبين المدائن فرسخ فأخذ أبي بيدي، فذهب بي إلى الجمعة، فإذا حذيفة يخطب فقال:
ألا إن الساعة قد اقتربت، وإن القمر قد انشق وإن الدنيا قد آذنت بفراق، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق.
فقلت: يا أبتاه غداً يستبق الناس؟ فقال: يا بني ما أجهلك، إنما يعني العمل، فلما كانت الجمعة الثانية، قال: مثلها، وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة.
158 -
حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي، أخبرنا سعد بن يونس، عن أبي عمرو الشيباني، عن عمران بن عبد الحميد، عن هشام، عن الحسن، قال: يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد.
159 -
وحدثني محمد بن يحيى، حدثني جعفر بن أبي جعفر، قال: كتب إبراهيم بن أدهم إلى أخ له، فجاء في كتابه: أرفض ياأخي حب الدنيا فإن حب الدنيا يعمي ويصم.
160 -
حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني، حدثني عبد الله بن
⦗ص: 83⦘
بكر السهمي، حدثني ابن لمحمد بن حصين: أن الحسن بن أبي الحسن مر على مجلس لثقيف فقالوا له: يا أبا سعيد لو وعظتنا بكلمات لعل الله أن ينفعنا بهن، فتكلم وهو قائم فقال: إن ربنا لا شريك له، جعل الدنيا دار مرحلة، وجعل الخير والشر فيها فتنة لأهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فهم يتقلبون فيها لسعي مختلف في مدة من آجال منقطعة، تجري عليهم فيها أرزاق، يأكلون منها ما صحبوها، ويتركونها عما قليل لمن بعدهم، كما ورثوها عمن كان قبلهم، كذلك حتى تلفظ الدنيا أهلها، وتبلغ مداها، وتفنوا كما فنوا، وجعل الآخرة دار الحيوان في جنة ونار، نزل بكم الخير والشر من قضائه، الخير من الشر بعيد، والشر من الخير بعيد، فنسأل الذي خلقنا لما شاء أن يجعل متقلبنا ومتقلبكم إلى داره السلام.
161 -
حدثني هارون بن سفيان، حدثني عباد بن موسى أبو عقبة البصري، أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، قال: الدنيا أمد، والآخرة أبد.
162 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، حدثني الحكم بن يعلى، قال: قال الحسن البصري: ليس من حبك الدنيا طلبك ما يصلحك فيها، ومن زهدك فيها ترك الحاجة يسدها عنك تركها، من أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه.
163 -
وحدثني عبد الرحمن بن صالح، أخبرنا المحاربي، عن سفيان، قال: بلغنا أن لقمان قال لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق يغرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو، وما أراك بناج.
164 -
قال سليمان بن يزيد العدوي: ومازالت الدنيا يحور نعيمها
…
وتصبح بالأمر العظيم تمخض
محلة أضياف ومنزل غربة
…
تهافت من حافاتها وتنفض
165 -
وقال سليمان بن يزيد العدوي: أرى الناس أضيافاً أناخوا
…
بغربة تقلبهم أيامهم وتقلبوا
بدار غرور حلوة يرغثونها
…
وقد عاينوا منها الزوال وجربوا
تسرهم طوراً وطوراً تذيقهم
…
مضيق مكاوي حرها يتقلب
يذمون دينا لا يريحون درها
…
ولم أر كالدنيا تذم وتحلب
لها درة تفيء الحليم وتحتها
…
من الموت سم مجهز حين يشرب
وقد خثر ذات الجميل لا در درها
…
فأصبح في جد وأصبح يلعب
وكلهم حيران يكذب قوله بفعل
…
وخير القيل ما لا يكذب
166 -
وقال بعض الحكماء: يا معشر أبناء الدنيا لكم في الظاهر اسم الغنى، ولأهل التقلل نفس هذا المعنى، حرمتم التفكه بما حوته أيديكم لفادح التعب، وعوضتم منه خوف نزول الفجائع به، وارتقاب وصول الآفات إليه، خدعتم ومالك المقادير عن حظكم، دأبت الدنيا أن تسوغكم حلاوتها، وما استدر لكم من ضرعها حتى وكلتم بطلب سواه لتمتعكم مما حصل منها لكم، وتصدكم عن التمتع به بأشغالكم، بمستأنف تحمدون فيه أنفسكم مما يعز مطلبه عليكم، وتبذلون فيه راحتكم، فإن وصلتم إليه لحق بالأول من المدخر، وأنشأت لكم وطراً في غرة كذلك أنتم وهي ما صحبتموها بالرغبة منكم فيها.
167 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا يحيى بن أبي بكير، أخبرنا عبد الله بن الفضل التميمي، قال: آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غادياً أو رائحاً إلى الله وتضعونه في صدع من الأرض، ثم في بطن صدع غير ممهد، ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقيراً إلى ما قدم أمامه، غنياً عما ترك بعده، أما والله إني لأقول لكم هذا، وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي.
قال: ثم قال بطرف ثوبه على عينه، فبكى ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته.
168 -
حدثني عمر بن أبي الحارث الهمداني، أخبرنا محبوب بن عبد الله
⦗ص: 86⦘
النميري، أخبرنا عبيد الله بن أبي المغيرة القرشي، قال: كتب إلي الفضل بن عيسى: أما بعد فإن الدار التي أصبحنا فيها دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء موصوفة، كل ما فيها إلى زوال ونفاد، بينما أهلها في رخاء وسرور، إذا صيرتم في وعثاء ووعور، أحوالها مختلفة، وطبقاتها منصرفة، يضربون ببلائها، ويمتحنون برخائها، العيش فيها مذموم، والسرور فيها لا يدوم، وكيف يدوم عيش تغيره الآفات، وتنويه الفجيعات، وتفجع فيه الرزايا، وتسوق أهله المنايا، إنما هم بها أغراض مستهدفة، والحتوف لها مستشرفة، ترميهم بسهامها، وتغشاهم بحمامها، لا بد من الورود بمشارعه، والمعاينة لفظائعه، أمر قد سبق من الله في قضائه، وعزم عليه في إمضائه، فليس منه مذهب، ولا عنه مهرب، ألا فأخبث بدار يقلص ظلها ويفنى أهلها، إنما هم بها سفر نازلون، وأهل ظعن شاخصون، كأن قد انقلبت بهم الحال، وتنادوا بالارتحال، فأصبحت منهم قفاراً، قد انهارت دعائمها، وتنكرت معالمها، واستبدلوا بها القبور الموحشة، التي استبطنت بالخارب، وأسست بالتراب، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهلها موحشين، وذوي محلة متشاسعين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون بتواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران، قد اقتربوا في المنازل، وتشاغلوا عن التواصل، فلم أر مثلهم جيران محلة، لا يتزاورون على ما بينهم من الجوار، وتقارب الديار، وأنى ذلك منهم، وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى، وصاروا بعد الحياة رفاتاً، قد فجع بهم الأحباب، وارتهنوا فليس لهم إياب، وكأن قد صرنا إلى ما إليه صاروا، فمرتهن في ذلك المضجع، ويضمنا ذلك المستودع، نؤخذ بالقهر والاعتسار، وليس ينفع منه شفق الحذار، والسلام.
قال: قلت له: فأي شيء كتبت إليه؟ قال: لم أقدر له على الجواب.
169 -
حدثني أبو عبد الله التميمي، حدثني شريح العابد، ومحمد بن عبد الله
⦗ص: 87⦘
الشيباني، قالا: سمعنا خيثم بن جحشة العجلي أبا بكر العابد يقول:
يا خاطب الدنيا على نفسها
…
إن لها في كل يوم خليل
ما أقتل الدنيا لخطابها
…
تقتلهم قدماً قتيلاً قتيل
تستنكح البعل وقد وطنت
…
في موضع آخر منه بديل
إني لمغتر وإن البلى يعمل
…
في جسمي قليلاً قليل
تزودوا للموت زاداً فقد
…
نادى مناديه الرحيل الرحيل
170 -
حدثنا سعيد بن سليمان، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه: لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا، ثم جاءوه فقالوا: ما ندري.
قال إبليس: أنا آتيكم بالخبر فذهب، فقال: بعث محمد عليه السلام، قال: فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فيجيئون بصحفهم ليس فيها شيء، فقال: ما لكم؟ أما تصيبون منهم شيئاً؟ قالوا: ما صحبنا قوماً قط مثل هؤلاء، نصيب منهم، ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحى ذلك، قال إبليس: رويداً لهم، عسى أن تفتح لهم الدنيا، هنالك تصيبهم حاجتكم منهم.
171 -
حدثنا أبو عبد الرحمن القرشي، وعبد الرحمن بن صالح الأزدي، قالا: أخبرنا المحاربي، عن موسى الجهني، قال: سمعت عون بن عبد الله بن عتبة، يقول: ويحي كيف تشتد حاجتي إلى الدنيا، وليست بداري؟ أم كيف أجمع لها
⦗ص: 88⦘
وفي غيرها قراري وخلدي؟ أم كيف تعظم رغبتي فيها، والقليل منها يكفيني؟ أم كيف آمن فيها، ولا يدوم فيها حالي؟ أم كيف يشتد حرصي عليها ولا ينفعني ما تركت منها بعدي؟ أم كيف أوثرها، وقد ضرت من آثرها قبلي، أم كيف لا أبادر بعملي من قبل أن تنصرم مدتي؟ أم كيف لا أعرض نفسي لما لا يقوى هوائي؟ ، أم كيف يشتد عجبي بها، وهي مزايلتي ومنقطعة عني؟
172 -
حدثني الحسن بن حماد الضبي، أخبرنا حسين الجعفي، عن فضيل بن عياض، عن سفيان الثوري، قال: كان من دعائهم: اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا منها ولا تزوها عنا فترغبنا فيها.
173 -
حدثني محمد بن قدامة الجوهري، قال: قال إبراهيم بن أدهم: الأجر كريم، يغضب على الدنيا.
174 -
حدثنا عبد الرحمن بن صالح، أخبرنا المحاربي، عن
⦗ص: 89⦘
مبارك، عن الحسن قال: إن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانوا أكياساً، عملوا صالحاً، وأكلوا طيباً، وقدموا فضلاً، ولم ينافسوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم ينافسوهم في عزها، ولم يجزعوا لذلها، أخذوا صفوها، وتركوا كدرها، والله ما تعاظم في أنفسهم حسنة عملوا، ولا تصغر في أنفسهم سيئة.
175 -
حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: قال: إبراهيم التيمي: إن من كان قبلكم كانت الدنيا مقبلة عليهم، وهم يفرون منها، ولهم من العزم ما لهم، وإنكم تطلبون الدنيا، وهي مدبرة عنكم، ولكم من الأحداث ما لكم، فقيسوا أمركم وأمرهم.
176 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا سفيان، عن سليمان عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن
⦗ص: 90⦘
يزيد، عن ابن مسعود قال: أنتم أطول جهاداً، وأكثر صلاة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا خيراً منكم، قالوا: ولم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة.
177 -
حدثنا أبو كريب، أخبرنا ابن أبي زائدة، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: قال شريح: تهون على الدنيا الملامة، كن حريصاً على استخلاصها من تلوثها.
178 -
أنشدني أبو إسحاق القرشي التيمي: ننافس في الدنيا ونحن نعيبها
…
لقد حذرتناها لعمري خطوبها
وما تحسب الأيام تنقص مدة
…
على أنها فينا سريع دبيبها
كأني برهط يحملون جنازتي
…
إلى حفرتي يحثى علي كثيبها
فكم ثم من مسترجع متوجع
…
ونائحة يعلو علي نحيبها
وباكية تبكي علي وإنني
…
لفي غفلة من صوتها ما أجيبها
أيا هاذم اللذات ما منك مهرب
…
تحاذر نفس منك ما سيصيبها
وإني لممن يكره الموت والبلى
…
ويعجبه روح الحياة وطيبها
⦗ص: 91⦘
فحتى متى حتى متى وإلى متى
…
يدوم طلوع الشمس بي وغروبها؟!
رأيت المنايا قسمت بين أنفس
…
ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها
179 -
حدثنا أبو كريب، أخبرنا المحاربي، عن بكر بن خنيس، عن شعيب بن سليمان، أو غيره، قال: إن ذا القرنين لقي ملكاً من الملائكة، فقال: علمني علماً أزداد به إيماناً ويقيناً، قال: إنك لا تطيق ذلك.
قال: لعل الله يطوقني.
قال: لا تغتم لغد، واعمل في اليوم لغد، وإن أتاك الله من الدنيا سلطاناً أو مالاً فلا تفرح به، وإن صرف عنك فلا تأس عليه، وكن حسن الظن بالله عز وجل، وضع يدك على قلبك فما أحببت أن تصنع بنفسك فاصنعه بأخيك، ولا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، ورد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة، وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت حظك، وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد، ولا تكن جباراً عنيداً.
180 -
وحدثنا أبو كريب، حدثني المحاربي، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن مسروق في قول السائل: أين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة؟ .
قال مسروق: ما كنت أفضل عليهما شيئاً
181 -
وحدثنا أبو كريب، أخبرنا المحاربي، عن عاصم الأحول، قال: بلغني أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة؟ فأراه قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، وقال: عن هؤلاء تسأل.
.
182 -
حدثني محمد بن العباس بن محمد، أخبرنا الحسين بن محمد، أخبرنا أبو سليمان النصيبي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زرعة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له.
183 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا عبد الرحمن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله بن مسعود:
⦗ص: 93⦘
لوددت أني من الدنيا فرد كالراكب الغادي الرائح
184 -
وحدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا محمد بن سليم، قال: قال الحسن: ما من مسلم يرزق رزق يوم بيوم، ولا يعلم أنه قد خير له إلا عاجز، أو قال: غبي الرأي.
185 -
وحدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: قال أبو الدرداء: الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما أوى إليه.
186 -
وحدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، قال: أنبأنا
⦗ص: 94⦘
بعض أهل البصرة أن مطرف بن الشخير ماتت امرأته، أو بعض أهله، فقال أناس من إخوانه: انطلقوا بنا إلى أخيكم مطرف، حتى لا يخلو به الشيطان فيدرك بعض حاجته منه، فأتوه فخرج عليهم دهيناً في هيئة حسنة، فقالوا: خشينا شيئاً، فنرجو أن يكون الله قد عصمك منه، وأخبروه بالذي قالوا: فقال مطرف:
لو كانت لي الدنيا كلها، فسئلتها بشربة يوم القيامة لافتديت بها.
187 -
أنشدني أحمد بن موسى الثقفي: دع الدنيا لمفتتن
…
وإن أبدت محاسنها
وخذ منها بأيسرها
…
وإن بسطت خزائنها
فإن الدار دار بلى
…
حيال الموت آمنها
وقد قلبت لك الأيا
…
م ظاهرها وباطنها
وحسبك من صفات الوا
…
صفين بأن تعاينها
أليس جديدها يبلى
…
ويفني الموت ساكنها
188 -
أنشدني أبو نصر المدني: هذه الدار ملكها قبلنا
…
عصبة بادوا وخلوها لنا
فملكناها كما قد ملكوا
…
وسيملكها أناس بعدنا
ثم تفنيهم وتفنى بعدهم
…
ليست الدنيا لحي وطنا
عجباً للدار كم تخدعنا
…
حسرة يا حسرة يا حزنا
189 -
حدثني أبو سليمان القرشي، حدثني داود بن بلال - وكان ينزل في بني زهران - قال: سمعت ميموناً المزني، قال: سمعت الحسن يتمثل: الدنيا تعذب من هونها
…
وتورث قلبه حزناً وداء
فإن أبغضتها نجيت منها
…
وإن أحببتها تلقى البلاء
190 -
حدثنا خلف بن هشام البزار، قال: بلغنا أن سفيان الثوري كان يتمثل: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها
…
على أنهم فيها عراة وجوع
أراها وإن كانت قليلاً كأنها
…
سحابة صيف عن قليل تقشع
كركب قضوا حاجاتهم وترحلوا
…
طريقهم بادي العلامة مهيع
191 -
قال بعض الحكماء: وذكر الدنيا فقال: كم من يوم لي قد صحت سماؤه، وامتد علي ظله، تمدني ساعاته بالمنى، وتضحك لي عن كل ما أهوى في رفاهة ناضرة، وحال تدفق بالغبطة، أرتع في ظل قريب، مجناه، ينبسق إلي فيه الموافقة، وتلاحظني تباشير الأحبة، تجوز معاني الوصف، وينحسر عنه الطرف، حتى إذا اتصلت أسباب سروره بي، نفست الدنيا به علي فسعت بالتشتيت إلى الفتنة، وبالنقص إلى مدته، فكسفت بمحبته كسوفاً، وأرهقت نضرتنا الفراق، وقطعتنا فرقاً في الآفاق بعد إذ كنا كالأعضاء المؤتلفة، والأغصان الندية المنقطعة، فأصبح ربعنا المألوف، قد محا أعلامه الزمان، وأبلت أسباب العهد به الأيام، فلقلبي وجوب عند ذكرهم، يكاد ينفطر جزعاً مما يعاين من فقدهم، ويقاسي من بعدهم، ونظراتي تطرد في الجفون من حرارات الكمد، وأوجاع كلوم لا تندمل، فما لي للمقام في مراتع الأشجان، ومرابض المنايا، وأوعية الرزايا.
192 -
حدثني أبو الحسن الخزاعي، حدثني رجل من ولد شبيب بن شيبة، رحل عن البصرة عشرين سنة، ثم قدمها فأتى مجلسه فلم ير أحداً من جلسائه فقال: يا مجلس القوم الذين بهم تفرقت المنازل،
⦗ص: 96⦘
أصبحت بعد عمارة قفراً، يخرقك الشمائل
فلئن رأيتك موحشاً فمتى أراك وأنت آهل؟
193 -
حدثني أبو محمد التميمي البصري، قال: قال سفيان بن عيينة: كان ابن شبرمة غاب عن الكوفة، ثم قدمها، وقد كان يخرج مع أصحاب له إلى ظل جبل فيتمتعون بظله، ويتحدثون في فيئه فلما قدمها رأى الظل باقياً، وفقد من كان يؤنسه، فقال متمثلاً:
وأجهشت للتوباد حين رأيته
…
ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم
…
بجذعك في عيش وحسن زماني
فقال مضوا واستودعوني بلادهم
…
ومن الذي يبقى على الحدثان
194 -
أنشدني سعيد بن محمد العامري قوله: لقد نغص الدنيا على حب أهلها
…
لها أنها محفوفة بالمصائب
ولو لم تكن فيها المصائب ما ارتضى
…
محبتها في حالة ذو تجارب
ألم تره تغذو بنيها بدرها
…
وتصرعهم آفاتها بالعجائب
وما الخير فيها حين تسعف أهلها
…
ولا الشر إلا كالبروق الكواذب
يزولان عمن كان فيها بنعمة
…
وبؤس كما زالت صدور الكواكب
195 -
حدثني محمد بن إسحاق الثقفي، قال: قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره سنته، وسنته عمره، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته إلى موته؟ ! .
196 -
وحدثني محمد بن إيحاق، قال: قال بعض الحكماء:
⦗ص: 97⦘
الأيام سهام، والناس أغراض، والدهر يرميك كل يوم بسهامه، ويستخدمك بلياليه، وأيامه، حتى تستغرق جميع أجزائك، فكم بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك، وسرعة الليالي في بدنك، لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص، وما هي عليه من هدم ما بقي إلا استوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك، ولكن تدبير الله فوق الاعتبار، وبالسلو عن غوائل الدنيا، وجد طعم لذاها، وإنها لأمر من العلقم، إذا عجمها الحكيم، وأقل من كل شيء يسمى القليل، وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها، وما تأتي به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ، نستوهب الله رشداً إلى الصواب.
197 -
وحدثني محمد بن إسحاق، قال: قيل لبعض الحكماء: صف لنا قدر الدنيا، ومدة البقاء؟ فقال: الدنيا وقتك الذي يرجع إليك فيه طرفك، لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه، وما لم يأت فلا علم لك به، الدهر يوم مقبل تنعاه ليلته، وتطويه ساعته، وأحداثه تتصل في الإنسان بالتغيير والنقصان، والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل، وتنقل الدول، والأمل طويل، والعمر قصير، وإلى الله تصير الأمور.
198 -
أنشدني محمود الوراق قوله: المرء دنيا نفسه
…
فإذا انقضى فقد انقضت
تفنى له بفنائه
…
وتعود فيمن حصلت
ما خير مرضعة بكأ
…
س الموت تفطم من غدت
بينما قرب صلاحه
…
أفسدت ما أصلحت
199 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد
⦗ص: 98⦘
الله بن المبارك، أخبرني معمر، ويونس، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، أنه أخبره، أن المسور بن مخرمة، أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف بني عامر بن لؤي، وكان شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث أبا عبيدة بن الجراح فجاءه بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة بن الجراح فوفوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف فتعرضوا له فتبسم رسول لله صلى الله عليه وسلم، حين رآهم ثم قال:
أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟ قالوا: أجل يا رسول الله.
قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم بأن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم؟ .
200 -
وحدثني حمزة، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثهم، أن عقبة بن عامر الجهني، حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء، والأموات، ثم طلع المنبر فقال:
إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوها.
قال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
201 -
وحدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أخبرنا عبد الله، أنبأنا يونس بن يزيد، عن الزهري، أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنه قدم وافداً على معاوية في خلافته، قال:
⦗ص: 100⦘
فدخلت المقصورة فسلمت على مجلس من أهل الشام، وجلست بين أظهرهم فقال لي رجل منهم: من أنت يا فتى؟ قلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: يرحم الله أباك، أخبرني فلان لرجل قد سماه أنه قال:
والله لألحقن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأحدثن بهم عهداً ولأكلمنهم، فقدمت المدينة في خلافة عثمان فلقيتهم إلا عبد الرحمن بن عوف، أخبرت أنه بأرض له بالجرف، فركبت إليه حتى جئته فإذا هو واضع رداءه يحول الماء بمسحاة في يده فلما رآني استحيى مني، فألقى المسحاة وأخذ رداءه، فسلمت عليه، وقلت له: قد جئت لأمر، وقد رأيت أعجب منه، هل جاءهم إلا ما جاءنا، وهل علمتم إلا ما قد علمنا، قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما جاءكم، ولم نعلم إلا ما قد علمتم.
قال: قلت: فما لنا نزهد في الدنيا، وترغبون، ونخف في الجهاد وتتثاقلون، وأنتم سلفنا، وخيارنا وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما قد جاءكم، ولم نعلم إلا ما قد علمتم، ولكنا بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر؟ .
202 -
وحدثني حمزة أنبأنا عبدان أنبأنا عبد الله أنبأنا يونس بن يزيد عن الزهري قال: بلغنا أن عبد الله بن السعدي كان يحدث، وهو رجل من بني عامر بن لؤي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
بينا أنا نائم أوفيت على جبل، فبينا أنا عليه طلعت لي ثلة من هذه الأمة قد سدت الأفق، حتى إذا دنوا مني دفعت عليهم الشعاب، بكل زهرة من الدنيا فمروا، ولم يلتفت إليها منهم راكب، فلما جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، فلبثت ما شاء الله، ثم طلعت علي ثلة مثلها، حتى إذا بلغوا مبلغ الثلة الأولى دفعت عنهم الشعاب
⦗ص: 101⦘
بكل زهرة من الدنيا، فالآخذ، والتارك، وهم على ظهر الشعاب، حتى إذا جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، فلبثت ما شاء الله، ثم طلعت الثالثة حتى بلغوا مبلغ الثلتين دفعت إليهم الشعاب بكل زهرة من الدنيا، فأناخ أول راكب منهم فلم بجاوزه راكب فنزلوا يهتالون من الدنيا، فعهدي بالقوم، وهم يهتالون وقد ذهبت الركاب.
203 -
حدثني القاسم بن هاشم، أخبرنا عبد العزيز القرشي، أخبرنا علي بن الحزور، عن أبي مريم، قال: سمعت عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما عبد الله بشيء أفضل من الزهد في الدنيا.
204 -
أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سليمان بن الحكم بن عوانة، أخبرنا عتبة بن حميد، عمن حدثه، عن قبيصة بن جابر، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
205 -
وحدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: قال رجل من عبد القيس: أين تذهبون؟ بل أين يراد بكم، وحادي الموت في أثر الأنفاس حثيث
⦗ص: 102⦘
موضع، وعلى اجتياح الأرواح من منزل الفناء إلى دار البقاء مجمع، وفي خراب الأجساد المتفكهة بالنعيم مسرع.
206 -
حدثني محمد بن الحسين، أخبرنا عمار بن عثمان الحلبي، أخبرنا زياد بن الربيع اليحمدي، حدثني عبد العزيز أبو مرحوم، قال: دخلنا مع الحسن على مريض نعوده، فلما جلس عنده قال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي الطعام، فلا أقدر أن أسيغه، وأشتهي الشراب فلا أقدر على أن أتجرعه.
قال: فبكى الحسن، وقال: على الأسقام والأمراض أسست هذه الدار، فهبك تصح من الأسقام وتبرأ من الأمراض، هل تقدر على أن تنجو من الموت؟ قال: فارتج البيت بالبكاء.
207 -
وحدثني محمد بن حسين، حدثني أحمد بن سهيل، حدثني ضمرة بن ربيعة، قال: رأيت شيخاً بعسقلان، وقد اجتمع عليه الناس وهو يقول: عجبت من الناس أنهم ينظرون إلى الموتى في كل يوم ينقلون، وهم في الدنيا في غلفة يلعبون، ثم غشي عليه.
208 -
حدثنا الحسن بن محبوب، وغيره قالوا: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي جعفر الرازي،
⦗ص: 103⦘
عن الربيع بن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كفى بذكر الموت مزهداً من الدنيا، ومرغباً من الآخرة.
209 -
قال بعض حكماء الشعراء: يا ساكن الدنيا أتعمر مسكنا
…
لم يبق فيه مع المنية ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنه
…
حق وأنت بذكره متهاون
إن المنية لا تؤامن من أنت
…
نفسه يوماً ولا تستأذن
واعلم بأنك لا أبا لك في الذي
…
أصبحت تجمعه لغيرك خازن
210 -
حدثني محمد بن عثمان العجلي، أخبرنا حسين الجعفي، قال: ذكر زائدة عن شيخ من أهل البصرة، عن أمية بن قسيم، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحمي عبده الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة.
211 -
حدثنا إبراهيم بن عبد الملك، حدثني هاشم بن المتوكل الإسكندراني، أخبرنا أبو عباد الزاهد، عن الحسن البصري، قال:
⦗ص: 104⦘
مسكين ابن آدم رضي بدار حلالها حساب، وحرامها عذاب، إن أخذه من حله حوسب بنعيمه، وإن أخذه من حرام عذب به، ابن آدم يستقل ماله، ولا يستقل عمله، يفرح بمصيبته في دينه، ويجزع من مصيبته في دنياه.
212 -
حدثني ابن أبي مريم، عن محمد بن الحسين، عن حكيم بن جعفر، حدثني عبد الله بن أبي نوح، قال: سمعت رجلاً من العباد يقول: ما تكاملت المروءة في امرئ قط إلا لذي المعروف، وهانت عليه الدنيا.
213 -
حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي، وغيره عن سعيد بن عامر عن عون بن معمر، قال: كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: سلام عليك أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت، وقد مات.
فأجابه عمر: سلام عليك أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.
214 -
حدثنا محمد بن علي بن الحسن المروزي، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الأشعث، عن فضيل بن عياض، قال: سمعته، يقول: قال عيسى بن مريم:
إنكم لن تدركوا ما تريدون إلا بترككم ما تشتهون، ولا تنالون ما تأملون إلا بصبركم على ما تلهون، ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها، ويأمنها وتخونه، ويثق بها وتخدعه، ويل للمغترين بالدنيا كيف أزفهم ما يكرهون، وفارقهم ما يشتهون، وجاءهم ما يوعدون ويل لمن الدنيا همه، والخطايا عمله كيف يفتضح غداً.
215 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، أخبرنا الفضيل عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد: قال: عيسى بن مريم:
اتقوا فضول الدنيا فإنها رجس عند الله.
216 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت ابن عيينة، يقول: قال عيسى بن مريم: كانت الدنيا ولم أكن فيها، وتكون ولا أكون فيها، وإنما لي فيها أيامي التي أنا فيها، فإن شقيت فيها فأنا شقي.
217 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت فضيل بن عياض، يقول: إن رجلاً من الحواريين قام إلى عيسى فقال: يا روح الله حدثني عن النفر الزهاد الذين لقيهم يونس بن متى لعل ذلك ينبه أبناء الدنيا من رقدة الغفلة، ويخرجهم من ظلمة الجهل، فرب كلمة قد أحيت سامعها بعد الموت، ورفعته بعد الضعة، ونعشته بعد الصرعة، وأعنته بعد الفقر، وجبرته بعد الكسر، ويقظته بعد
⦗ص: 106⦘
الوسنة، فنقبت عن قلبه، ففجرت فيه ينابيع الحياة، فسالت فيه أودية الحكمة، وأنبتت فيه غراس الرحمة، إذا وافق ذلك القضاء من الله.
218 -
أنشدني محمود الوراق قوله: ما أفضح الموت للدنيا وزينتها
…
وما أفضح الدنيا لأهليها!!
لا ترجعن على الدنيا بلائمة
…
فعذرها لك باد في مساويها
لم يبق من عيبها شيء لصاحبها
…
إلا وقد بينته في معانيها
تفني البنين وتفني الأهل دائبة
…
وتستليم إلى من لا يعاديها
فما يزيدهم قتل الذي قتلت
…
ولا العدداوة إلا رغبة فيها
219 -
حدثنا يعقوب بن عبيد، أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، أخبرنا شعبة عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله - يعني: ابن ربيعة -،: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في مسير له، فإذا شاة ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: نعم.
قال: الدنيا على الله أهون من هذه على أهلها.
220 -
حدثنا خالد بن خداش المهلبي، أخبرنا حماد بن زيد، عن
⦗ص: 107⦘
علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، العصر بنهار، ثم قام فخطبنا فلم يترك شيئاً قبل قيام الساعة إلا خبر به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، وقال: وجعل الناس يتلفتون إلى الشمس هل بقي منها شيء.
فقال:
ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه.
221 -
حدثني الفضل بن جعفر بن عبد الله، أخبرنا وهب بن بيان، أخبرنا يحيى بن سعيد العطار، أخبرنا أبو سعيد خلف بن حبيب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره، فبقي متعلقاً بخيط في آخره، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع.
222 -
حدثنا حميد النسائي، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني
⦗ص: 108⦘
مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، فقيل: ما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا.
223 -
حدثني محمد بن قدامة الجوهري، حدثني رجل من أهل البصرة، عن أبيه، أخبرنا مبارك بن فضالة، عن علي بن عبد الله بن عباس، قال: دخلت على عبد الملك بن مروان في يوم شديد البرد وإذا هو في جبة باطنها قوهي معصفر، وظاهرها خز أغبر، وحوله أربعة كولين.
قال: فرأى البرد في تقفقفي.
فقال: ما أظن يومنا هذا إلا بارداً.
قلت: أصح الله أمير المؤمنين ما يظن
⦗ص: 109⦘
أهل الشام أنه أتى عليهم يوم أبرد منه.
قال: فذكر الدنيا فذمها، ونال منها، وقال: هذا معاوية عاش أربعين سنة.
عشرين أميراً، وعشرين خليفة، هذه جثوته عليها ثمامة نابتة، لله درختمه - يعني عمر بن الخطاب - ما كان أعلمه بالدنيا.
224 -
وحدثني محمد بن قدامة، عن شيخ له: أن عبد الملك بن مروان وقف على قبر معاوية، وعليه توتة تهتز وتزهر فقال: الحمد لله عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ثم صرت إلى هذا، هل الدهر والأيام إلا كما أرى رزية مال، أو فراق حبيب.
225 -
سمعت عبد الله بن عقيل، يحدث محمد بن قدامة، قال: قال عيسى بن مريم:
من علامة الزاهدين في الدنيا تركهم كل خليط لا يريد ما يريدون.
226 -
وسمعت يمان الحذاء، يحدث ابن قدامة قال: قال فضيل بن عياض لأبي تراب:
الدخول في الدنيا هين، لكن التخلص منها شديد.
227 -
حدثنا محمد بن عبد الله المديني، أخبرنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن مسعر بن كدام، قال:
⦗ص: 110⦘
قدم ملك من الملوك على رجل يقضي فقتله، فقال: ما أراه كان يقضي إلا وعنده كتب، فبعث إلى امرأته أو إلى أخته، هل كانت له كتب؟ قالت: لا، إلا أنه كان معه كتاب صغير لا يفارقه، فالتمسوه في مقتله، فوجدوا كتاباً فيه أربع كلمات: عجبت لمن يعرف أن الموت حق كيف يفرح، وعجبت لمن يعلم أن النار حق فكيف يضحك، وعجبت لمن يرى تغيير الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن يعلم أن القدر حق كيف ينصب؟ ؟ .
228 -
حدثني الحسن بن الصباح، عن الوليد بن شجاع، عن هشام بن إسماعيل، قال: كان ملك من الملوك لا يأخذ أحداً من أهل الإيمان إلا بصلبه، فأتى رجل من أهل الإيمان بالله، فأمر بصلبه، فقيل له أوص.
قال: بأي شيء أوصي أدخلت في الدنيا، ولم أستأمنها، وعشت فيها جاهلاً، وأخرجت وأنا كاره.
قال: وكانوا في ذلك الزمان لا يخرج أحد إلا معه كيس مدور مما تتخذه الفرس فيه ذهب أو فضة، فلما قتل ابتدروا ذلك الكيس، وهم يرون أن فيه ذهباً أو فضة فأصابوا كتاباً فيه ثلاث كلمات: إذا كان القدر حقاً فالحرص باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت بكل أحد راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.
229 -
حدثنا محمد بن عاصم، أخبرني نافع أبو هرمز، عن أنس بن مالك، قال:
⦗ص: 111⦘
جاء ملك الموت إلى نوح، فقال: يا أطول النبيين عمراً، كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتاً له بابان، فقام وسط البيت هنية، ثم خرج من الباب الآخر.
230 -
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري: أن عمر كتب إلى أبي موسى:
أن لا تؤخر عمل اليوم لغد فتتوالى عليكم الأعمال، فتضيع وإن للناس نفرة عن سلطانهم، أعوذ بالله أن تدركني ضغائن محمولة، ودنيا مؤثرة، وأهواء متبعة.
231 -
وحدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، وميسرة قالا: إن علياً قسم ما في بيت المال حتى لم يبق فيه إلا أربعة آلاف، فأمر بها فقسمت فقيل له في ذلك.
فقال: لا والله حتى تبعر فيه الغنم.
232 -
حدثنا أحمد بن حاتم الطويل، أخبرنا محمد بن الحجاج، عن مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر، قال:
⦗ص: 112⦘
ما رأيت أزهد في الدنيا من علي بن أبي طالب.
233 -
حدثني هارون بن الحسن، حدثني حمزة، حدثني عبد الله بن شوذب، قال: كان يقال: إن الله وسم الدنيا بالوحشة، وجعل أنس المطيعين به.
234 -
حدثنا أحمد بن محمد البصري، أخبرنا أبي، عن الحسن بن محمد الحضرمي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز، فقال:
أيها الناس إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به إنكم لحمقى، وإن كم تكذبون به إنكم لهلكى، إنما خلقتم للأبد، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون، عباد الله إنكم في دار لكم فيها من طعامكم غصص، ومن شرابكم شرق، لا تصفو لكم نعمة، تسرون بها إلا بفراق أخرى تكرهون فراقها، فاعلموا لما أنتم صائرون إليه، وخالدون فيه، ثم غلبة البكاء فنزل.
235 -
حدثني محمد بن الحسين، أخبرنا داود بن المحبر، حدثني صالح المري، حدثني رجل من الأزد،: أنه سمع عمر بن عبد العزيز، يقول في خطبته:
لا تغرنكم الدنيا، والمهلة فيها، فعن قليل عنها تنقلون، وإلى غيرها ترتحلون، فالله عباد الله في أنفسكم فبادروا بها الفوت، قبل حلول الموت، فلا يطولن بكم الأمد، فتقسوا قلوبكم، فتكونوا كقوم دعوا إلى حظهم فقصروا عنه بعد المهلة، فندموا على ما قصروا عند الآخرة.
قال: ثم نحب وهو على المنبر.
236 -
قال أبو منصور الأنصاري، عن ابن عيينة، قال: قال الحجاج بن يوسف على المنبر: لسحق ردائي هذا أحب إلي مما مضى من الدنيا، وما بقي منها أشبه بما مضى.
237 -
حدثنا عبد الله بن شبيب بن خالد القيسي، حدثني أحمد بن محمد المهري، حدثني رجل من عبد القيس، قال: دخلت حرفة ابنة النعمان بن المنذر على معاوية بن أبي سفيان فقال لها: أخبريني عن حالكم كيف كانت؟ قالت: أطيل أم أقصر؟ قال: لا بل أقصري.
قالت: أمسينا مساء، وليس في العرب أحد إلا وهو يرغب إلينا، وهو لا يرهب منا، فأصبحنا صباحاً، وليس في العرب إلا ونحن نرغب إليه، ونرهب منه.
ثم قالت:
بينا نسوس الناس في كل بلدة
…
إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها
…
تقلب تارات بنا وتصرف
238 -
أنشدني أبو عجاجة أعرابي من بني أسد: ألا إنما الدنيا كنبت قرارة
…
تعالت قليلاً ثم هبت سمومها
وكيف على الدنيا تبكي وقد ترى
…
بعينيك أن لم يبق إلا ذميمها
239 -
حدثني الحسين بن علي بن عبد الله البزار، عن علي بن عياش الحمصي، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن البجلي وغيره قالوا:
⦗ص: 114⦘
قدم على معاوية رجل من نجران يقولون: كان له يوم قدم عليه مائة سنة، فسأله عن الدنيا فقال: سنوات بلاء، وسنوات رخاء، يوم ويوم، وليلة وليلة، يولد مولود، ويهلك هالك، فلولا المولود باد الخلق، ولولا الهالك ضاقت الدنيا بمن فيها.
فقال له: سل؟ قال: عمر مضى فترده؟! أو أجل حضر فتدفعه؟! قال: لا أملك ذلك.
قال: لا حاجة لي إليك، ثم قال:
استرزق الله خيراً وارضين به
…
فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط
…
إذ صار رمساً تعفيه الأعاصير
240 -
وحدثني الحسين بن علي، عن أبي مسهر، عن مزاحم بن زفر، قال: سمعت سفيان الثوري ينشد من قول ابن حطان:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها
…
على أنهم فيها عراة وجوع
أراها وإن كانت قليلاً كأنها
…
سحابة صيف عن قليل تقشع.
241 -
حدثني محمد بن إسحاق الثقفي، قال: قال بعض الحكماء: عجبت ممن يحزن على نقصان ماله، ولا يحزن على فناء عمره، وعجبت ممن الدنيا مولية عنه، والآخرة مقبلة إليه يشتغل بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.
242 -
حدثني يعقوب بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني عمر بن محمد المكي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز فقال:
⦗ص: 115⦘
إن الدنيا ليست بدار قراركم، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم عامر مونق عما قليل يخرب، وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما يحضركم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، إنما كفيء ظلال قلص فذهب، بينما ابن آدم في الدنيا ينافس، وبها قرير عين قانع، إذ دعاه الله بقدره، ورماه بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه، إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنما تسر قليلاً، وتحزن حزناً طويلاً.
243 -
حدثني محمد بن إسحاق الثقفي، عن عبد الله بن صالح، قال: قال داود الطائي: يا بن آدم فرحت ببلوغ أملك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك، ثم سوفت بعملك كأن منفعته لغيرك.
244 -
وأنشدني محمد بن إسحاق: من كان راكب يوم ليس يأمنه
…
وليلة علها في عقب دنياه
فكيف يلتذ عيشاً أو يطيب له
…
وكيف تعرف طعم الغمض عيناه
245 -
حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا زكريا بن عدي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الأعلى، عن أبيه عن العلاء بن المنذر، قال: الدنيا سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف وستمائة أو خمسمائة ونيف منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
246 -
حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شفيق، أخبرنا إبراهيم بن
⦗ص: 116⦘
الأشعث، عن فضيل بن عياض، قال: بلغني أن رجلاً من العباد قال: الدنيا سبعة آلاف سنة، لأعبدن فيها لعلي أن أنجو من يوم كان مقداره ألف سنة ولعله لم يعش بعد مقالته هذه يوماً واحداً فأعطاه الله على نيته.
247 -
حدثني سلمة بن شبيب، أخبرنا سهل بن عاصم، عن سلم بن ميمون الخواص، قال: سمعت عثمان بن زائدة، يقول: كان كرز العباداني يجتهد في العبادة، فقيل له في ذلك.
فقال: كم بلغكم عمر الدنيا؟ قالوا: سبعة آلاف سنة.
فقال: فكم بلغكم مقدار يوم القيامة؟ قالوا: خمسون ألف سنة.
قال: أفيعجز أحدكم أن يعمل سبع يوم، حتى تأمن ذلك اليوم.
248 -
حدثني إبراهيم بن عبد الملك، أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسماء أبو عبيد، أخبرنا عون بن معمر، قال: كتب رجل عالم إلى عمر بن عبد العزيز:
⦗ص: 117⦘
أما بعد: فإن الدنيا ليست بدار مقامة، وإنما أهبط آدم من الجنة إليها عقوبة، بحسب من لا يدري ما ثواب الله أنها ثواب، وبحسب من لا يدري ما عقاب الله أنها عقاب، وليست كذلك ولكنها دار تسلم أهلها إلى النقمة، مثلها مثل الحية مسها لين، وفيها الموت، فكن فيها كالمريض الذي يكره نفسه على الدواء، رجاء العافية، وتدع ما تشتهي من الطعام رجاء العافية.
249 -
حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني أخي أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن الحسن، قال: ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة، فرأى في منامه ما يجب ثم انتبه.
250 -
أنشدني إبراهيم بن عبد الملك لسليمان بن يزيد العدوي: عجباً لأمنك والحياة قصيرة
…
وبفقد إلف لا تزال تروع
أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى
…
وإلى المنية كل يوم تدفع
لا تخدعنك بعد طول تجارب
…
دنيا تكشف للبلاء وتصرع
أحلام نوم أو كظل زائل
…
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
⦗ص: 118⦘
وتزودن ليوم فقرك زادا
…
ألغير نفسك لا أبا لك تجمع
251 -
حدثني علي بن سعيد أخبرنا ضمرة عن هشام قال: قال سعيد بن جبير:
إنما الدنيا جمعة من جمع الآخرة.
252 -
حدثنا أبو بلال الأشعري، أخبرنا جابر بن سليمان، عن أبي عمير المكي، عن الحسن، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في دعائه:
اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة.
253 -
حدثنا أبو سعيد المدني، عن إبراهيم بن حمزة، حدثني محمد بن
⦗ص: 119⦘
فضالة النحوري، حدثني الزبير بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، قال: رأى عامر بن عبد الله بن الزبير امرأة ثائرة الشعر، بين أضعاف المقابر وهي تقول:
آذنت زينة الحياة بببن
…
وانقضاء من أهلها وفناء
قال: فأول الناس ذلك من رؤى عامر الدنيا.
254 -
حدثني محمد بن علي بن شفيق، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: قال سفيان بن عيينة: من أخذ شيئاً من الدنيا لمعصية الله، فقد أخذ ثمناً قليلاً.
255 -
حدثني أبو بكر بن أحمد بن قريش، قال: قال فضيل بن عياض: خطب الناس هارون فاستند إلى البيت فقال:
أيها الناس، إن الدينا غرارة، أهلكت من كان قبلكم من الأمم السالفة، ألا وهي مهلكة من بقي، ألا فلا تغرنكم الدنيا.
قال: أبكاني قوله، وأعجبت من فعله.
256 -
أنشدتي أبو الحسن الباهلي: إحذر الموت فإن الموت يغتال النفوسا
…
وارفض الدنيا وقابل وجهها وجهاً عبوساً.
257 -
حدثني الحسين بن عبد الرحمن، عن رجل من قريش قال: كتب بعض الحكماء إلى أخ له:
أما بعد: فإن الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث، والسلام.
258 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة بن الزبير، قال: أشكو إلى الله عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا آتي، وإنما ينكي بالدين الدنيا.
259 -
أنشدنا أبو سعيد المديني لعبد الله بن عروة: يبكون بالدين للدنيا وبهجتها
…
أرباب دنيا عليها كلها صادي
لا ينظرون لشيء من معادهم
…
تعجلوا حظهم في العاجل البادي
لا يهتدي ولا يهدون تابعهم
…
ضل المقود وضل القائد الهادي
260 -
حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان بن عثمان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير قال:
⦗ص: 121⦘
الغرور بالله أن يصر العبد في معصية الله، ويتمنى على الله في ذلك المغفرة، والغرة في الحياة الدنيا أن يغترها وتشغله عن الآخرة، فيمهد لها ويعمل لها، كقول العبد إذا أفضى إلى الآخرة: يا ليتني قدمت لحياتي، وأما متاع الغرور فهو ما يلهيك عن طلب الآخرة فهو متاع الغرور، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور، ولكنه متاع وبلاغ إلى ما هو خير منه.
261 -
حدثني إبراهيم بن يعقوب، قال: قال بشر بن الحارث: من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف.
262 -
حدثني سلمة بن شبيب، أخبرنا سهل بن عاصم، عن عثمان بن زفر التيمي، عن أبي الصهباء التيمي، قال: قال إبراهيم التيمي: الدنيا مشغلة، اللهم لا تشغلني بها، ولا تعطني منها شيئاً.
263 -
وحدثني سلمة بن شبيب، عن داود بن مهران، أخبرنا شهاب بن خراش،
⦗ص: 122⦘
عن محمد بن مطرف، قال: قال أبو حازم ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد التزق به شيء يسوءك.
264 -
وحدثني سلمة بن شبيب، أنه حدث عن عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا محمد بن النضر الحارثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا.
265 -
وحدثني سلمة بن شبيب، أخبرنا سهل بن عاصم، عن سلم بن ميمون، أخبرنا أبو طيبة الجرجاني، قال: قلت لكرز بن وبرة: من ذا الذي يبغضه البر والفاجر؟ قال: العبد يكون من أهل الآخرة، ثم يرجع إلى الدنيا.
266 -
وحدثني سلمة بن شبيب، أنه حدث عن عبد الله بن وهب، عن
⦗ص: 123⦘
بكر بن مضر، عن عمارة بن غزية، قال: سمعت رجلاً سأل ربيعة فقال:
يا أبا عثمان، ما رأس الزهادة؟ قال: جمع الأشياء بحقها، ووضعها في حقها.
267 -
وحدثني سلمة، عن سهل بن عاصم، قال: قال داود الطائي:
من علامة المريدين للزهد في الدنيا، ترك كل خليط لا يريد ما يريدون.
268 -
حدثني حاتم بن يحيى، قال: كتب إلينا عبد الله خبيق، قال: حذيفة يعني المرعشي كتب إلي يوسف بن أسباط:
أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والمراقبة حيث لا يراك أحد إلا الله، والاستعداد لما ليس لأحد فيه حيلة، ولا ينتفع بالندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر للسباق غداً، فإن الدنيا ميدان المتسابقين، ولا تغتر بمن قد أظهر النسك، وتشاغل بالوصف، وترك العمل بالموصوف، واعلم ياأخي أن لا بد لي ولك من المقام بين يدي الله، يسألنا عن الدقيق الخفي، وعن الجليل الجافي، ولست آمن أن يسألني وإياك عن وساوس الصدور، ولحظات العيون، وإصغاء الأسماع، وما عسى يعجز مثلي عن صفة مثله، واعلم يا أخي أنه مما وصف به منافقو هذه الأمة: أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم، وطابقوهم عليها بأهوائهم، وخضعوا لما طمعوا من نائلها، فسكتوا عما سمعوا من باطلها، وفرحوا بما رأوا من زينتها، وداهن بعضهم بعضاً في القول والفعل، وتركوا باطن العمل بالتصحيح، فحرمهم الله بذلك الثمن الربيح، واعلم يا أخي أنه لا يجزي من العمل القول، ومن البذل العدة، ولا من التوقي
⦗ص: 124⦘
التلاؤم، فقد صرنا في زمان هذه صفة أهلها، فمن كان كذلك فقد تعرض للمهالك، وصد عن سواء السبيل، وفقنا الله وإياك لما يحب، والسلام.
269 -
حدثني الوليد بن شجاع السكوني، حدثني ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، قال: قيل لكثير بن زياد أوصنا، قال:
بيعوا دنياكم بآخرتكم تربحونها والله جميعاً، ولا تبيعوا آخرتكم بدنياكم فتخسرونهما والله جميعاً.
270 -
حدثني أبو عبد الله أحمد بن بكير، قال: قال محمد بن علي: كان لي أخ كان في عيني عظيماً، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه.
271 -
حدثني محمد بن العباس، أخبرنا عبيد الله بن عمر، أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا يزيد بن حازم، قال: كان سليمان بن عبد الملك يخطبنا كل جمعة، ويقول في خطبته:
⦗ص: 125⦘
ألا إن أهل الدنيا فيها على وجل، لم تمض بهم نية، ولم تطمئن بهم دار حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وكذلك لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن فجائفها، يبقى شرار أهلها ثم يقرأ:{أفرأيت إن متعناهم سنين* ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [الشعراء: 205، 207] .
272 -
حدثني محمد بن العباس، عن صالح بن عبد الله، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله عدي بن أرطأة:
أما بعد: فإن الدنيا عدوة أولياء الله، وعدوة أعداء الله، أما أولياء الله فختمهم، وأما أعداء الله فغمتهم.
273 -
حدثني محمد بن العباس، أخبرنا محمد بن عمر بن الكميت الكلاعي، أخبرنا أبو إسحاق المقري، قال: كان ابن الحنفية يقول:
إني واصف لك أخاً لي كان أعظم الناس في عيني، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يضع فيها ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يقدم على الأمر إلا بنية.
274 -
حدثني محمد بن العباس، أخبرنا محمد بن عمر بن الكميت، قال: سمعت داود بن يحيى بن يمان، عن أبيه، قال: مر موسى برجل قد مات تحت رأسه لبنة، ورأسه ولحيته في التراب فقال:
رب عبدك هذا ضاع، فقال: يا موسى، إني إذا أقبلت على عبد بوجهي زويت عنه الدنيا بحذافيرها.
275 -
حدثني عمر بن عبد الله، أنه حدث عن مخلد بن حسين، عن هشام، عن الحسن، قال: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه.
276 -
حدثني صاحب لنا قال: قيل لبعض العباد: قد نلت الغناء؟ قال: إنما نال الغناء من أعتق من رق الدنيا
277 -
حدثني الحسين بن عبد الرحمن، عن علي بن محمد القرشي عن مسلمة بن محارب قال: قال عامر بن عبد قيس:
الدنيا والدة الموت، وناقضة للمبرم، ومن تجعله للعطية، وكل من فيها يجري على ما لا يريد، وكل مستقر فيها غير راض بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار.
278 -
وحدثني الحسين بن عبد الرحمن، قال: كان ابن السماك يقول: من أذاقته الدنيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها.
279 -
أنشدني الحسين بن عبد الرحمن: دنيا يا دنيا يا غادرة
…
إليك عني اليوم يا ساحرة
لا لذة أحسن من لذة
…
منبوذة من ذي يد قادرة
يا عيني كم عانيت من عبرة
…
فاعتبري إن كنت لي ناظرة
ما لذة إلا وقد نلتها
…
لم يبق إلا لذة الآخرة
طوبى لمن كانت له عزمة
…
مخلصة باطنة ظاهرة
يا نفس للمكروه غب غد
…
مر فهل أنت له صابرة
ما لذة الدنيا وعين ترى
…
فيها إلى ما لذتي صائرة
280 -
حدثني العباس بن هشام بن محمد، عن أبيه قال: قال روح بن حاتم: بينما أنا واقف على باب بعض ولاة البصرة إذ أقبل خالد بن صفوان يسير على بغلة له فقال لي:
يا ابن أخي ماهجرت ولا أظهرت على باب أحد من الولاة إلا وأنا أراك عليه، أكل هذا حباً في الدنيا وحرصاً عليها؟ قال: فأجللت أن أجيبه، ثم قلت: إنما هذا مثل العمر، ولعله أراد الجواب مني فقلت: يا عم بحسبك برؤيتك إياي عليها طلباً منك لها، فضحك ثم قال: لئن قلت ذاك يا ابن أخي لقد ذهب رونق الوجه، ودماء القلب، وحسام الصلب، وسنا البصر، ومد الصوت، وماء الشباب، واقترب عهد العلل، والله ما أتت علينا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، ثم ما تزداد لنا إلا تخليا، وعنا إلا تولياً، ثم ضرب بغلته فذهب.
281 -
حدثني الحسين بن عبد الرحمن، حدثني صالح بن مالك، قال: كتبت أم إبراهيم الصائغ إلى إبراهيم، وقد كان يومئذ مجاوراً بمكة، تسأله القدوم عليها، فكتب إليها بكتاب فيه:
إن مرو التي تعجبك ملاقاتي تعجبك ملاقاتي إياك فيها، ليست بدار دوام، ولكن مرو منزل أسفار، وإنما سبيل المقام فيها بين الأمهات والأولاد يسير حتى تصيروا منها إلى دارين: إحداهما فرقة لا تواصل فيها، والأخرى صلة لا فرقة فيها، فإن كنت في شك من ذلك فأين الملوك الذين نزلوها، وأين الجموع الذين كانوا فيها، وأين الأمم الذين تشاحت عليها، وأين البناءون الذين ضربوا في تحصينها، إن تدعوهم لا يسمعون، بدلوا بالحياة موتاً، كأن لم يعمروها ولم يسكنوها، فهل ينفع مع هذا الهم حبيب حبيباً وخليل خليلاً، إنه ليس أحد لأحد إلا ما كان له في الآخرة، فأما أهل الدنيا فمتحولون منها عن قريب.
والسلام.
282 -
حدثنا الحسين بن عبد الرحمن أخبرنا محمد بن عمر المزني عن عمار بن سعيد قال: مر المسيح عليه السلام بقرية فإذا أهلها موتى في الأفنية والطرق فقال للحواريين:
يا معشر الحواريين إن هؤلاء ماتوا عن سخط، ولو ماتوا من غير ذلك لتدافنوا، قالوا: يا روح الله وددنا أنا علمنا خبرهم؟ فسأل ربه، فأوحى الله إليه: إذا كان الليل فنادهم يجيبوك، فلما كان الليل أشرف على نشر ثم نادى يا أهل القرية، فأجابه مجيب لبيك يا روح الله، فقال: ما حالكم، وما قصتكم، قالوا: بتنا في عافية، وأصبحنا في الهاوية.
قال: وكيف ذلك؟ قال: بحبنا الدنيا وطاعتنا أهل المعاصي.
قال: وكيف كان حبكم للدنيا؟ قال: حب الصبي لأمه إذا أقبلت فرحنا، وإذا أدبرت حزنا وبكينا عليها.
قال: فما بال أصحابك لم يجيبوني؟ قال: لأنهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد.
قال: فكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: لأني كنت فيهم، ولم أكن منهم، فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم، فأنا معلق على شفير جهنم لا أدري أنجو منها، أم أكبكب فيها؟ ! فقال
⦗ص: 129⦘
المسيح للحواريين: لأكل خبز الشعير، بالملح الجريش، ولبس المسوح، والنوم على المزابل كثير مع عافية الدنيا.
283 -
أنشدني صاحب لنا: منع الهوى من كاعب ومدام
…
نور المشيب وواعظ الإسلام
ولقد أراني والحوادث جمة
…
لا تستفيق جهالتي وغرامي
فاليوم أقصر باطلي وأرحت من
…
سعي الوشاة وألسن الوام
وعرفت أني لا محالة شارب
…
عجلت أو أخرت كأس حمامي
أين الملوك الناعمون وأين من
…
مثل الرجال له على الإقدام
أين الألى اقتادوا الجياد على الوجا
…
لحق البطون كأنهم دوام
منشورة خرق الدرفس تظلهم
…
في كل مشتجر الوسج لهام
وتميل في يوم اللقاء عليهم
…
كأس المدام مناصف الخدام
فأديلت الأيام من شرواتهم
…
من ذا يقوم لدولة الأيام
دول تولج في الوكور سهامها
…
وعلى أين ما اللجة للعوام
284 -
بلغني عن أبي سليمان الداراني، قال: لا يصبر عن شهوات الدنيت إلا من كان في قلبه ما يشغله من الآخرة.
285 -
وبلغني عن بعض الحكماء، قال: من زهد في الدنيا ملكها، ومن رغب في الدنيا حرمها.
286 -
حدثني سلمة بن شبيب، عن عبد الوهاب بن نجدة، عن بقية بن الوليد، عن ضبارة بن عبد الله الألهاني، عن دويد بن نافع قال: قال عيسى بن مريم:
⦗ص: 130⦘
تعملون لدنيا صغيرة، وتتركون الآخرة الكبيرة، وعلى كلكم يمر الموت.
287 -
وحدثني سلمة بن شبيب، أخبرنا سهل بن عاصم، قال: سمعت فرج بن سعيد، قال: سمعت يوسف بن أسباط قال: قال لي زرعة: من كان صغير الدنيا أعظم في عينه من كبير الآخرة، وكيف يرجو أن نصنع له في دنياه وآخرته.
288 -
حدثني محمد بن عثمان بن علي العجلي، أخبرنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن، قال: خرج عمر في يوم حار، واضعاً رداءه على رأسه، قال: فمر به غلام على حمار فقال:
يا غلام احملني معك.
قال: فوثب الغلام عن الحمار، فقال: اركب يا أمير المؤمنين.
فقال: لا أركب، وأركب خلفك، تريد أن تحملني على المكان الخشن، وتركب على المكان الوطئ، ولكن اركب أنت وأكون أنا خلفك.
قال: فدخل المدينة وهو خلفه، والناس ينظرون إليه.
289 -
حدثني محمد بن علي بن الحسن، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل بن عياض يذكر: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن.
290 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم، قال: سمعت يعني الفضيل بن عياض، يقول: جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.
291 -
حدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سألت فضيل بن عياض ما الزهد في الدنيا؟ قال:
القنوع هو الزهد وهو الغنى.
292 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل، يقول: حدثني رجل، قال: سمعت عون بن عبد الله، يقول:
إن الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتي الميزان، بقدر ما ترجح إحداهما تخف الأخرى.
293 -
وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم، قال: سمعت الفضيل، يقول: كتب الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز:
⦗ص: 132⦘
أما بعد، يا أمير المؤمين، فاعلم أن الدنيا ليست بدار إقامة، وإنما أهبط آدم إليها عقوبة، فبحسب من لا يدري ثواب الله أنه ثواب، وبحسب من لا يدري عقاب الله أنه عقاب، ليست صرعتها كالصرعة تهين من أكرمها، وتذل من أعزها، وتفقر من جمعها، ولها في كل حين قتيل، فالزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، هي والله يا أمير المؤمنين كالسم يأكله من لا يعرفه ليشفيه، وهو حتفه، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه، يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً، ويصبر على شدة الدواء مخافة البلاء، فأهل البصائر الفضائل فيها يا أمير المؤمنين، مشيهم بالتواضع، وملبسهم بالاقتصاد، ومنطقهم بالصواب، ومطعمهم الطيب من الرزق، قد نفذت أبصارهم في الأجل، كما نفذت أبصارهم في العاجل، فخوفهم في البر كخوفهم في البحر، ودعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء، ولولا الأجل الذي كتب عليهم لم تقر أرواحهم في أبدانهم إلا قليلاً، خوفاً من العقاب، وشوقاً إلى الثواب، عظم الخالق في أعينهم، وصغر المخلوق عندهم، فارض منها بالكفاف وليكفك ما بلغك المحل.
294 -
حدثنا أبو بكر الصوفي، قال: سمعت أبا معاوية الأسود، يقول: من كانت الدنيا أكبر همه طال غداً في القيامة غمه.
295 -
حدثني سلمة بن شبيب، أخبرنا الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن أبيه، قال: سمعت مسلمة بن عبد الملك، يقول:
إن أقل الناس هماً في الآخرة أقلهم هماً في الدنيا.
296 -
أنشدني سليمان بن أبي شيخ: ما زالت الدنيا منغصة
…
لم ينج صاحبها من البلوى
دار الفجائع والهمود ودا
…
ر البث والأحزان والشكوى
بينا الفتى فيها يسير بها
…
إذ صار تحت ترابها ملقى
تقفو مساوئها محاسنها
…
لا شيء بين النعي والبشرى
297 -
حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، أخبرنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: قال مالك بن دينار.
: اصطلحنا على حب الدنيا، فلا يأمر بعضنا بعضاً، ولا ينهي بعضنا بعضاً، ولا يدعنا الله على هذا، فليت شعري أي عذاب الله ينزل؟
298 -
وقال بعض حكماء الشعراء: ركنا إلى الدار دار الغرور
…
وقد سحرتنا بلذاتها
فما نرعوي لأعاجيبها
…
ولا لتصرف حالاتها
تنافس فيها وأيامها
…
تردد فينا بآفاتها
299 -
وقال رجل من قريش: كل حي وإن تملى بعيش
…
سوف يحدوه بالفناء حاديان
أين أهل الحجا بنو عبد شمس
…
والبهاليل من بني مروان
والغيوث الليوث في الحرب والجد
…
ب إذا ما تقارب الزحفان
ورجال إذا استهلوا فيهم على الخيل
…
فجن تردى على عقبان
وضع الدهر فيهم شفرتيه
…
وتوالى عليهم العصران
فتولوا كأنهم لم يكونوا
…
والليالي يلعبن بالإنسان
هون الوجد إن كل الورى يو
…
ماً عليه سيعصف الملوان
300 -
حدثني عبد الرحيم بن يحيى، أخبرنا عثمان بن عمارة، قال: قال بعض العلماء: الزهد في الدنيا ألا يقيم الرجل على راحة تستريح إليها نفسه.
301 -
وحدثني عبد الرحيم بن يحيى، أخبرنا عثمان بن عمارة، قال: كان يقال: الورع يبلغ بالعبد إلى الزهد في الدنيا، والزهد يبلغ به حب الله عز وجل.
302 -
حدثني أبو يزيد النميري، حدثني أبو يحيى الزهري، قال: قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته:
بنعمة ربي أحدث أني لم أصبح أملك على الناس إلا سبعة دراهم، من كل شعر فنلته بيدي، وبنعمة ربي أحدث لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي لا يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها ما أزلتها.
303 -
حدثني القاسم بن هاشم، عن محمد بن عبد الله الحذاء، قال: سمعت العمري يقول:
إنما الدنيا والآخرة إناءان أيهما أكفأت كان الغسل فيه.
304 -
وحدثني أحمد بن بكير، قال: سمعت صالح بن عبد الكريم، قال: مثل القلب مثل الإناء إذا أملأته، ثم زدت فيه شيئاً فاض، وكذلك القلب إذا امتلأ من حب الدنيا لم تدخله المواعظ.
305 -
حدثني أبو حفص البخاري، أخبرنا سعيد بن منصور، أخبرنا
⦗ص: 135⦘
يعقوب بن عبد الرحمن، قال: سمعت أبا الحازم، يقول: يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة.
306 -
حدثني الحسين بن علي، أنه حدث عن عباءة بن كليب، عن محمد بن النضر الحارثي، قال: كان محمد بن كعب، يقول:
الدنيا دار فناء ومنزل بلغة، رغبت عنها السعداء، وانتزعت من أيدي الأشقياء، فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها، وأزهد الناس فيها أسعد الناس بها، هي المعذبة لمن أطاعها، المهلكة لمن اتبعها، الخائنة لمن انقاد، علمها جهل، وغناها فقر، وزيادتها نقصان، وأيامها دول.
307 -
وحدثني الحسين بن علي، أنه حدث، عن زيد بن الحباب، حدثني معاوية بن عبد الكريم، قال: ذكروا عند الحسن الزهد، فقال الحسن:
لستم في شيء، الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال: هو أفضل مني.
308 -
وحدثني هارون بن عبد الله، أخبرنا محمد بن يزيد خنيس قال: قال وهيب:
لو أن علماءنا عفا الله عنا وعنهم نصحوا الله في عباده، فقالوا: يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم، وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا، فاعلموا به، ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفاسدة كانوا قد نصحوا لله في عباده، ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنهم وما هم فيه.