الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: أقوال أهل العلم في الرؤية المنامية عمومًا
ذكر غير واحد من أهل العلم أن رؤية الله في المنام جائزة، وهذه الرؤية شأنها شأن سائر الرؤى المنامية تعبر، فإن النائم لا يرى الله حقيقة، فرؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير، وتأويل؛ لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وإليك بعض أقوال العلماء في هذه المسألة.
قال الإمام الدارمي: "وفي المنام يمكن رؤية الله على كل حال، وفي كل صورة"1.
قال الإمام البغوي: "رؤية الله في المنام جائزة، قال معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إني نعست فرأيت ربي" وتكون رؤيته - جلّت قدرته - ظهور العدل، والفرج، والخصب، والخير لأهل ذلك الموضع، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة، أو نجاة من النار، فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه، فهو رحمته، وإن رآه معرضا عنه فهو تحذير من الذنوب، لقوله سبحانه وتعالى {أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران 77] وإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن، وأسقام تصيب بدنه، يعظم بها أجره، لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة، وحسن العاقبة"2.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم ير إلا صورة حسنة،
1 الرد على المريسي (ضمن عقائد السلف) ص (523)
2 شرح السنة للبغوي 12/227-228.
وإذا كان في إيمانه، نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل، لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق"1.
وقال رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية: "فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه. فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلاً، ولكن لابد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة، ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس.
قال بعض المشايخ: "إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله. وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلاً ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه، إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين.
وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام، فيكونون قد جعلوا هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل، مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي،
1 مجموع الفتاوى 3/390.
وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه، وقول من يقول: ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو ذلك [بياض بمقدار أربع كلمات] إذا حمل على مثل هذا كان محملاً صحيحًا، فلا نعتقد ما يتخيله الإنسان في منامه أويقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان، ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف مايتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبًا ومشابهًا لها، فالله -تعالى- أجل وأعظم"1.
1نقض تأسيس الجهمية (1/73-74)