المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عباد بن بشر - معه من الله نور - رجال حول الرسول

[خالد محمد خالد]

فهرس الكتاب

- ‌مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام

- ‌سلمان الفارسي - الباحث عن الحقيقة

- ‌أبو ذر الغفاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات

- ‌بلال بن رباح - الساخر من الأهوال

- ‌عبد الله بن عمر - المثابر، الأوّاب

- ‌سعد بن أبي وقاص - الأسد في براثنه

- ‌صهيب بن سنان - ربح البيع يا أبا يحيى

- ‌معاذ بن جبل - أعلمهم بالحلال والحرام

- ‌المقداد بن عمرو - أول فرسان الاسلام

- ‌سعيد بن عامر - العظمة تحت الاسمال

- ‌حمزة بن عبد المطلب - أسد الله وسيّد الشهداء

- ‌عبد الله بن مسعود - أول صادح بالقرآن

- ‌حذيفة بن اليمان - عدوّ النفاق وصديق الوضوح

- ‌عمّار بن ياسر - رجل من الجنة

- ‌عبادة بن الصامت - نقيب في حزب الله

- ‌خباب بن الأرت - أستاذ فنّ الفداء

- ‌أبو عبيدة بن الجرّاح - أمين هذه الأمة

- ‌عثمان بن مظعون - راهب صومعته الحياة

- ‌زيد بن حارثة - لم يحبّ حبّه أحد

- ‌جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي، وخلقي

- ‌عبد الله بن رواحة - يا نفس، الا تقتلي تموتي

- ‌خالد بن الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام

- ‌قيس بن سعد بن عبادة - أدهى العرب، لولا الاسلام

- ‌عمير بن وهب - شيطان الجاهلية، وحواريّ الاسلام

- ‌أبوالدرداء - أيّ حكيم كان

- ‌زيد بن الخطاب - صقر يوم اليمامة

- ‌طلحة بن عبيد الله - صقر يوم أحد

- ‌الزبير بن العوّام - حواريّ رسول الله

- ‌خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب

- ‌عمير بن سعد - نسيج وحده

- ‌زيد بن ثابت - جامع القرآن

- ‌خالد بن سعيد - فدائيّ، من الرعيل الأول

- ‌أبو أيوب الأنصاري - انفروا خفافا وثقالا

- ‌العباس بن عبد المطلب - ساقي الحرمين

- ‌أبو هريرة - ذاكرة عصر الوحي

- ‌البراء بن مالك - الله، والجنة

- ‌عتبة بن غزوان - غدا ترون الأمراء من بعدي

- ‌ثابت بن قيس - خطيب رسول الله

- ‌أسيد بن خضير - بطل يوم السقيفة

- ‌عبد الرحمن بن عوف - ما يبكيك يا أبا محمد

- ‌أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام - ظليل الملائكة

- ‌عمرو بن الجموح - أريد أن أخطر بعرجتي في الجنة

- ‌حبيب بن زيد - أسطورة فداء وحب

- ‌أبيّ بن كعب - ليهنك العلم، أبا المنذر

- ‌سعد بن معاذ - هنيئا لك يا أبا عمرو

- ‌سعد بن عبادة - حامل راية الأنصار

- ‌أسامة بن زيد - الحبّ بن الحبّ

- ‌عبد الرحمن بن أبي بكر - بطل حتى النهاية

- ‌عبد الله بن عمرو بن العاص - القانت الأوّاب

- ‌أبو سفيان بن الحارث - من الظلمات الى النور

- ‌عمران بن حصين - شبيه الملائكة

- ‌سلمة بن الأكوع - بطل المشاة

- ‌عبد الله بن الزبير - أي رجل وأي شهيد

- ‌عبد الله بن عباس - حبر هذه الأمة

- ‌عباد بن بشر - معه من الله نور

- ‌سهيل بن عمرو - من الطلقاء الى الشهداء

- ‌أبو موسى الأشعري - الاخلاص.. وليكن ما يكون

- ‌الطفيل بن عمرو الدوسي - الفطرة الراشدة

- ‌عمرو بن العاص - محرّر مصر من الرومان

- ‌سالم مولى أبي حذيفة - بل نعم حامل القرآن

الفصل: ‌عباد بن بشر - معه من الله نور

‌عباد بن بشر - معه من الله نور

ص: 425

عندما نزل مصعب بن عمير المدينة موفدا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلم الأنصار الذين بايعوا الرسول على الاسلام، وليقيم بهم الصلاة، كان عباد بن بشر رضي الله عنه واحدا من الأبرار الذين فتح الله قلوبهم للخير، فأقبل على مجلس مصعب وأصغى اليه ثم بسط يمينه يبايعه على الاسلام، ومن يومئذ أخذ مكانه بين الأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه..

وانتقل النبي الى المدينة مهاجرا، بعد أن سبقه اليها المؤمنون بمكة.

وبدأت الغزوات التي اصطدمت فيها قوى الخير والنور مع قوى الظلام والشر.

وفي تلك المغازي كان عباد بن بشر في الصفوف الأولى يجاهد في سبيل الله متفانيا بشكل يبهر الألباب.

**

ولعل هذه الواقعة التي نرويها الآن تكشف عن شيء من بطولة هذا المؤمن العظيم..

بعد أن فرغ رسول الله والمسلمين من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه، واختار الرسول للحراسة نفرا من الصحابة يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة.

ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا، فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه من الراحة حظا يمكنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو.

ورأى عباد أن المكان من حوله آمن، فلم لا يملأ وقته اذن بالصلاة، فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة..؟!

وقام يصلي..

واذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سور من القرآن، احترم عضده سهم فنزعه واستمر في صلاته..!

ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثان نزعه وأنهى تلاوته..

ثم ركع، وسجد.. وكانت قواه قد بددها الاعياء والألم، فمدّ يمينه وهو ساجد الى صاحبه النائم جواره، وظل يهزه حتى استيقظ..

ثم قام من سجوده وتلا التشهد.. وأتم صلاته.

وصحا عمار على كلماته المتهدجة المتعبة تقول له:

" قم للحراسة مكاني فقد أصبت".

ووثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين، ففرّوا ثم التفت الى عباد وقال

ص: 426

له:

" سبحان الله..

هلا أيقظتني أوّل ما رميت"؟؟

فأجابه عباد:

" كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها.

ووالله، لولا أن أضيع ثغرا أمرني الرسول بحفظه، لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها"..!!

**

كان عباد شديد الولاء والحب لله، ولرسوله ولدينه..

وكان هذا الولاء يستغرق حياته كلها وحسه كله.

ومنذ سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطبا الأنصار الذين هو منهم:

" يا معشر الأنصار..

أنتم الشعار، والناس الدثار..

فلا أوتيّن من قبلكم".

نقول منذ سمع عباد هذه الكلمات من رسوله، ومعلمه، وهاديه الى الله، وهو يبذل روحه وماله وحياته في سبيل الله وفي سبيل رسوله..

في مواطن التضحية والموت، يجيء دوما أولا..

وفي مواطن الغنيمة والأخذ، يبحث عنه أصحابه في جهد ومشقة حتى يجدوه..!

وهو دائما: عابد، تستغرقه العبادة..

بطل، تستغرقه البطولة..

جواد، يستغرقه الجود..

مؤمن قوي نذر حياته لقضية الايمان..!!

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

" ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم في الفضل أحد:

" سعد بن معاذ..

وأسيد بن خضير..

وعبّاد بن بشر

**

وعرف المسلمون الأوائل عبادا بأنه الرجل الذي معه نور من الله..

فقد كانت بصيرته المجلوّة المضاءة تهتدي الى مواطن الخير واليقين في غير بحث أو عناء..

بل ذهب ايمان اخوانه بنوره الى الحد الذي أسبغوا عليه في صورة الحس والمادة، فأجمعوا على ان عبادا كان اذا مشى في الظلام انبعثت منه أطياف نور وضوء، تضيء له الطريق..

**

وفي حروب الردة، بعد وفاة الرسول عليه السلام، حمل عباد مسؤولياته في استبسال منقطع النظير..

وفي موقعة اليمامة التي واجه المسلمون فيها جيشا من أقسى وأمهر الجيوش تحت قيادة مسيلمة الكذاب أحسّ عبّاد بالخطر الذي يتهدد الاسلام..

وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلان وفق المهام التي يلقيها عليه ايمانه، ويرتفعان الى مستوى احساسه بالخطر ارتفاعا يجعل منه فدائيا لا يحرص على غير الموت والشهادة..

**

ص: 427

وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم، رأى في منامه رؤيا لم تلبث أن فسرت مع شمس النهار، وفوق أرض المعركة الهائلة الضارية التي خاضها المسلمون..

ولندع صحابيا جليلا هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقص علينا الرؤيا التي رآها عبّاد وتفسيره لها، ثم موقفه الباهر في القتال الذي انتهى باستشهاده..

يقول أبو سعيد:

" قال لي عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة، كأن السماء قد فرجت لي، ثم أطبقت عليّ..

واني لأراها ان شاء الله الشهادة..!!

فقلت له: خيرا والله رأيت..

واني لأنظر اليه يوم اليمامة، وانه ليصيح بالأنصار:

احطموا جفون السيوف، وتميزوا من الناس..

فسارع اليه أربعمائة رجل، كلهم من الأنصار، حتى انتهوا الى باب الحديقة، فقاتلوا أشد القتال..

واستشهد عباد بن بشر رحمه الله..

ورأيت في وجهه ضربا كثيرا، وما عرفته الا بعلامة كانت في جسده..

**

هكذا ارتفع عباد الى مستوى واجباته كؤمن من الأنصار، بايع رسول الله على الحياة لله، والموت في سبيله..

وعندما رأى المعركة الضارية تتجه في بدايتها لصالح الأعداء، تذكر كلمات رسول الله لقومه الأنصار:

" أنتم الشعار..

فلا أوتيّن من قبلكم"..

وملأ الصوت روعه وضميره..

حتى لكأن الرسول عليه الصلاة والسلام قائم الآن يردده كلماته هذه..

وأحس عباد أن مسؤولية المعركة كلها انما تقع على كاهل الأنصار وحدهم.. أو على كاهلهم قبل سواهم..

هنالك اعتلى ربوة وراح يصيح:

" يا معشر الأنصار..

احطموا جفون السيوف..

وتميزوا من الناس..

وحين لبّى نداءه أربعمائة منهم قادهم هو وأبو دجانة والبراء ابن مالك الى حديقة الموت حيث كان جيش مسيلمة يتحصّن.. وقاتل البطل القتال اللائق به كرجل.. وكمؤمن.. وكأنصاري..

**

وفي ذلك اليوم المجيد استشهد عباد..

لقد صدقت رؤياه التي رآها في منامه بالأمس..

ألم يكن قد رأى السماء تفتح، حتى اذا دخل من تلك الفرجة المفتوحة، عادت السماء فطويت عليه، وأغلقت؟؟

وفسرّها هو بأن روحه ستصعد في المعركة المنتظرة الى بارئها وخالقها..؟؟

لقد صدقت الرؤيا، وصدق تعبيره لها.

ولقد تفتحت أبواب السماء لتستقبل في حبور، روح عبّاد بن بشر..

الرجل الذي كان معه من الله نور..!!

ص: 428