الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن أسمى علاقة بين البشر في الوجود هي علاقة الأخوة في الله، فالقاسم المشترك في العلاقة بين الناس مهما تعددت وتنوعت هو المصالح الشخصية؛ فبقدر المنفعة المتحققة من شخص ما يكون الحرص على تكوين علاقة معه، إلا المتآخين في الله، فعلاقة بعضهم ببعض علاقة خاصة، بدأت من عند الله، اختار لها من اختار من عباده، وجمع بين قلوبهم، وألف بينهم وحبب كل منهم للآخر دون سبب منهم في ذلك.
ولا تستطيع أي قوة أرضية أن تُنشئ مثل هذه العلاقة لأنها من عند الله {وألف بين وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال/63].
ولأن هذه العلاقة بدأت من عند الله، كان استمرارها مشروطا بأن تظل من أجل الله، فتكون نهايتها عند الله {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم/42]، فصار بحق من أوثق عرى الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم:" أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله "(1).
ولما كانت علاقة الأخوة في الله على هذه الدرجة من الأهمية، كان الحرص عليها والعمل على استمرارها وتزكيتها من الأمور الرئيسة عند الأخ المسلم.
ولقد جال في خاطري العديد من الخواطر حول طبيعة هذه العلاقة وما قد يقابل السائر في طريقها من منعطفات وما يمكن أن يُكدِّر صفوها، وما يُعين على استمرارها حتى النهاية.
وما أن بدأت في تسجيل هذه الخواطر حتى وجدتها تتدافع علي وتتزاحم أمامي، وكأنها كانت في انتظار تلك اللحظات، فاستعنت بالله ودونت ما تذكرته منها.
فيا أخي في الله:
يا من توحدت قلوبنا وأفكارنا وخطوات سيرنا
…
هذا بعض ما جال بخاطري حول أخوتنا، أقدمه إليك وأضعه بين يديك، راجيًا من الله أن ينفعني وإياك بخيره، ويجنبني وإياك شره.
فالخير فيها من الله، والشر فيها من نفسي وما أُبرئها، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء الصراط.
المؤلف
****
أخي في الله ..
إن معنى الحب في الله، هو أن يحب كل منا في الآخر ما يحبه الله فيه، فلا يحب أحدنا الآخر لذاته بل لما فيه من صفات يحبها الله.
فالذي يستحق أن يُحب لذاته هو الله عز وجل، وأي حب ينبغي أن يكون تابعًا له.
فنحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله يحبه وأمرنا بحبه، ونحب المسلمين ونكره الكافرين لذلك أيضًا.
بل إننا نحب المسلم الملتزم بأوامر الله أكثر من المسلم العاصي المقصر في جنب الله، مع العلم بأننا لا نكره العاصي لذاته أيضًا، بل نكره فيه أفعاله التي تغضب الله عز وجل.
ونحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الضعيف، لأن الله يحب فيه القوة، ونحب أهل المساجد المحافظين على الجُمع والجماعات وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ممن لا يحافظون على ذلك.
ونحب أهل الجهاد السائرين في الطريق الصحيح لتمكين دين الله في الأرض - دون إفراط ولا تفريط - أكثر ممن قعدوا عن الجهاد أو انحرفوا عن طريقه.
ونحب في هؤلاء القاعدين التزامهم بالأوامر الأخرى أكثر من غيرهم من المسلمين الشاردين البعدين عن الله.
(1) حديث صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث البراء بن عازب.
وخلاصة القول: إنه من الواجب علينا أن نحب المرء بمقدار ما فيه من صفات يحبها الله، ونبغضه بمقدار ما فيه من صفات يبغضها الله عز وجل.
فإذا تبين ذلك، فلا يجوز لنا أن نفضل إنسانًا عن آخر إلا بهذا المقياس، فلا نفضل ولا نقرب شخصًا ما على آخر لأن نفوسنا تميل إليه أكثر.
فكما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: وليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يُحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يحب سواه فمحبته تبعًا لحبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يُحب لأجل الله ويطاع لأجل الله، ويُتبع لأجل الله، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران/31]، وفي الحديث:" أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي "، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة/24](1).
****
أخي في الله ..
أنت أحب الناس إلى قلبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد رأيتك تبتعد عن أهل المعاصي، وتدخل في زمرة أهل الإيمان، ثم رأيتك تبحث عن المجاهدين من أهل الإيمان لتلحق بهم، بل وتتسابق مع أهل الجهاد في التضحية بكل ما تملك من وقت وجهد ومال ونفس في سبيل نصرة دينك وأنت تعلم أن طريق المجاهدين صعب عسير وبخاصة في هذا الزمان.
فكيف لا أُحبك بعد ذلك؟!
فحبي لك من أدلة إيماني كما قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار "(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله "(3).
فلا عجب أن يصبح حبي لك أكثر من حبي لأبي وأمي وزوجتي وولدي وأخي، طالما أن أحد منهم لم يَرْق إلى المرتبة التي وصلت إليها.
(1) مجموعة الفتاوى، علم السلوك، 10/ 649.
(2)
متفق عليه.
(3)
حديث صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث البراء بن عازب.