المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث المسلسل بالمصافحة الخضرية - رسالة المسلسلات

[محمد بن جعفر الكتاني]

الفصل: ‌الحديث المسلسل بالمصافحة الخضرية

أَحْمَد بْن يوسف الفاسي

‌الحديث المسلسل بالمصافحة الخضرية

وَسَمِعْتُ الْحَدِيثَ الْمُسَلْسَلَ بِالْمُصَافَحَةِ الْخَضَرِيَّةِ مِنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ بِالسَّنَدِ السَّابِقِ إِلَى سَيِّدِي صَالِحٍ الزَّوَاوِيِّ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْعَبْدُوسِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْغَسَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرَاكِشِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ عُلْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّدَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْبَنَّاءِ، عَنِ الْوَلِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْهَزْمِيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْخَضِرِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ صَافَحَنِي أَوْ صَافَحَ مَنْ صَافَحَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

قلت: واجتماع الخضر بِهِ عليه السلام مختلف فيه بين العلماء، والصحيح عندهم اجتماعه بِهِ وملاقاته، ذكر ذلك ابْن عقيلة في مسلسلاته، وذكر بعضهم أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا وصحبه، وروى عَنْهُ أحاديث، وناقش بعض المحدثين في حديث المصافحة المذكور وأشار لضعفه، وانتصر جمع لتأكيده، واللَّه أعلم

طريق أخرى للمصافحة النبوية.

طريق أخرى للمصافحة النبوية

وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى الشَّيْخِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ، عَنْ سَيِّدِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَنَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْجَزَائِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الْخَرُّوبِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ زَرُّوقٍ، عَنْ شَمْسِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ، بِصَالِحِيَّةَ دِمِشْقَ، عَنِ الْكَمَالِ بْنِ النَّحَّاسِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَعْلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ خَطِيبِ حَرَّانَ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ الطَّلْحِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَغْفِرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السَّرَخْسِيِّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدَانَ بْنِ

ص: 56

حُمَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دِهْقَانَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي هُرْمُزَ نَعُودُهُ، فَقَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ نَعُودُهُ، فَقَالَ:«صَافَحْتُ بِكَفِّي هَذِهِ كَفَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ صلى الله عليه وسلم فَمَا مَسَسْتُ خَزًّا وَلا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّهِ صلى الله عليه وسلم» .

قَالَ أَبُو هرمز: فقلنا لأنس: صافحنا بالكف التي صافحت بها سَيِّدنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فصافحنا، وَقَالَ: السلام عليكم، فقال خلف: فقلنا لأَبِي هرمز: صافحنا بالكف التي صافحت بها أنسا، فصافحنا، وَقَالَ: السلام عليكم ".

وهكذا إلى الشَّيْخ زروق نفعنا اللَّه بِهِ

المسلسل بالمصافحة الحبشية

وَسَمِعْتُ الْمُسَلْسَلَ بِالْمُصَافَحَةِ الْحَبَشِيَّةِ مِنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ صَالِحٍ، عَنْ شَيْخِهِ الْعَلامَةِ الشَّيْخِ الْمُعَمِّرِ عَبْدِ الْحَفِيظِ بْنِ دَرْوِيشٍ الْعُجَيْمِيِّ، قَالَ: صَافَحَنِي شَيْخِي الْعَلامَةُ الشَّهِيرُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ، قَالَ: صَافَحَنِي الْعَارِفُ بِاللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: صَافَحَنِي الْعَارِفُ بِاللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْبَدْرِيُّ الدِّمْيَاطِيُّ، قَالَ: صَافَحَنِي الْعَارِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى النَّقْشَبَنْدِيُّ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّمْيَاطِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْبَنَّا، قَالَ: وَقَدْ رَحَلَ إِلَى الْيَمَنِ: صَافَحَنِي الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ فِي مَنْزِلِهِ كَمَا صَافَحَهُ الْكَامِلُ الْمُكَمِّلُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ النَّقْشَبَنْدِيُّ الْهِنْدِيُّ، كَمَا صَافَحَهُ الإِمَامُ الْعَارِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشَّهِيرُ بِحِجِّيٍّ رَمْزِي، كَمَا صَافَحَهُ الْفَاضِلُ حَافِظ علي أو بهي، كَمَا صَافَحَهُ الأُسْتَاذُ مَحْمُودٌ الإِسْفَرَايِينِيُّ، كَمَا صَافَحَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْحَبَشِيُّ الصَّحَابِيُّ، كَمَا صَافَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:«كُلُّ مَنْ صَافَحَنِي أَوْ صَافَحَ مَنْ صَافَحَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

قلت: هكذا قَالَ الشَّيْخ عابد: هَذَا السند كله مشتمل على الثقات الأجلاء، العرفاء العلماء، وأَبُو سعيد الحبشي الصحابي هَذَا لا يعرف في الصحابة، ولعله ممن لم يشتهر، وعلى هَذَا السند رونق القبول

ص: 57

المسلسل بالمصافحة الشمهروشية

وَسَمِعْتُ الْحَدِيثَ الْمُسَلْسَلَ بِالْمُصَافَحَةِ الشَّمَهْرُوشِيَّةِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى الشَّيْخِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ، عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: صَافَحْتُ إِسْمَاعِيلَ كَمَا صَافَحَهُ أَحْمَدُ الْمِئْنِيُّ، كَمَا صَافَحَهُ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، كَمَا صَافَحَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ شَمْهَرُوشُ صَاحِبُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" اجْتَمَعْتُ مَعَ سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَبَلِ أُحُدٍ، فَقَالَ لِي: يَا شَمْهَرُوشُ، صَافِحْنِي، فَإِنَّهُ مَنْ صَافَحَنِي أَوْ صَافَحَ مَنْ صَافَحَنِي أَوْ صَافَحَ مَنْ صَافَحَ مَنْ صَافَحَنِي، إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ الْعَذَابِ ".

قلت: ذكر العلامة اليفرني في صفوة ما انتشر، عن صلحاء القرن الحادي عشر، عن أَبِي العباس أَحْمَد العجيمي في فهرسته، قَالَ: لم أجد لشمهروش ذكرًا في معجم الصحابة، واللَّه أعلم، قَالَ اليفرني: يعني مع أن صاحب الإصابة تتبع أسماء الصحابة من الجن فذكر منهم عدة، ولم يتعرض لشمهروش مع شهرة أمره عند الناس، لكن أمره تواتر، وشاع وتكاثر، وإخبار غير واحد بالاجتماع بِهِ من ذوي البصائر معلوم، وإذعانهم لجانبه مقرر مرسوم، وهم القدوة، ولنا فيهم أسوة، وعدم ذكرهم له في الصحابة لا يخدش في هَذَا المطلب، لأن اجتماع الجن معه عليه السلام مما يخفى في الأغلب، واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المسئول سبحانه أن يصلح أحوالنا، ويتقبل أعمالنا، ويختم لنا بخاتمة الحسنى، ويمن علينا بالمقر الأسنى، آمين، والحمد لله رب العالمين

ص: 58

تتمة حول الخضر والخلاف الوارد حول حياته ونبوته والاجتماع بِهِ واختلف في حياة الخضر عليه السلام فنفاها الجمهور، واستدلوا بالحديث السابق في انخرام القرن، وأجاب المثبتون عَنْهُ بأن المراد منه الأرض التي نشأ بها ومنها بعث، كجزيرة العرب المشتملة على الحجاز وتهامة ونجد، فليست أل للاستغراق، ولئن سلم فقوله أحد عموم محتمل، إذ على وجه الأرض الجن والإنس، والعمومات يدخلها التخصيص بأدنى قرينة، وإذا احتمل الكلام وجوها سقط بِهِ الاستدلال.

قلت: وهو غير وجيه كما لا يخفى لأن التخصيص لا بد له من مخصص، ولا وجود له هنا وإخراج الحديث عن ظاهره بمجرد الاحتمال غير مقبول، والجن وكذا الشياطين قد خرجوا بدليل آخر فليسوا بمرادين، ولم يرد ما يدل على حياته في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولو ورد لما خفي علينا لأنه من الأمور الغريبة، ولو كان حيا لما وسعه إلا الحضور عند النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بِهِ، والقتال معه، والدفاع عَنْهُ، لقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] .

والخضر عليه السلام نبي على المشهور، وإن لم يكن نبيا فهو تابع لنبي فيجب عليه نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم لو كان حيا، وينضم لهَذَا قوله صلى اللَّه عليه وآله يوم بدر:«اللَّهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض» .

فلو كان

ص: 59

الخضر حيا لكان يعبده سبحانه وتعالى.

أما ما ورد من أنه اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حضر عند موته صلى الله عليه وسلم، وعزى فيه الصحابة، وأنه يجتمع في كل سنة مع إلياس بالموسم، فكل ذلك باطل موضوع، حسبما نص عليه أئمة الشأن كالذهبي وابْن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وقد أطال السيوطي في هَذَا المبحث في اللآلئ المصنوعة.

وأما اجتماعه بالكمل من الأولياء الصالحين حقا، فهو أمر بلغ التواتر، وصرح الْحَافِظ ابْن حجر بصحة اجتماع عمر بْن عبد العزيز بِهِ، بل قَالَ: إنه صح ما ورد في بشأنه، وعليه فيحمل على روحه، وأنها تتشكل وتتمثل بصورته ومثاله، كما قررنا في رؤية الأولياء للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، والأرواح لها تصرف بعد الموت كالحياة، ويدل لهَذَا أن من يراه من الناس يراه هو وحده لا غير، ولو كان جسما لرآه كل حي مر بِهِ لأنه آدمي لا ملك ولا جني.

فرؤيته لبعض الأولياء جهارا رؤية نورانية وهي من رؤية المثال لا في عالم الشهود، لأنه لو كان في عالم شهود الشخص لكان من جملة الخيال والحدس أو حديث النفس، وللأولياء أحوال لا يقدرون أن يعبروا عنها فكيف يعبر عنها غيرهم، ولا نظن بالصادق منهم إلا الخير رضي الله عنهم وهَذَا من جملة البشرى التي وعدهم اللَّه بها، في قوله جل ذكره:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 62 - 64] .

ص: 60

القول الفصل في ثبوت صحبة شمهروش أم لا؟ قررنا الطعن في رواية الجن بعدم معرفة عدالتهم التي هي الشرط في مدعي الصحبة، وبورود الإنذار بخروج شياطين يحدثون الناس، ونزيد هنا أن الذين ألفوا في أسماء الصحابة قد ذكروا من حفظ ذكره من الجن فلم يذكروا شمهروش من جملتهم، ولا سمعوا بذكره، ومن المعلوم أن همم الناس ودواعيهم مفتقرة إلى نقل نوادر الأخبار.

وأين كان شمهروش قبل المائة العاشرة؟ فلو كان موجودا لاشتهر إذ ذاك، ولكنه لم ينقل عَنْهُ شيء، ولم يعرف اسمه إلا في المائة العاشرة فما بعدها، وهكذا القول في عبد المؤمن الذي انفرد بالرواية عَنْهُ ابْن ناصر حسبما يأتي، والذي يظهر أنه كان شيطانا سولت له نفسه ادعاء الصحبة، وظهر لبعض الناس مدلسا عليهم بافترائه الاجتماع مع النبي صلى الله عليه وسلم وسماعه منه، فصدقوه في مدعاه بغير حجة شرعية، وقول من قَالَ: إن الذين اجتمعوا بِهِ قد ألهموا صدقه في ما أخبر بِهِ، وهو مستند لا ينهض بهم من وهدة السقوط، ولا يكفيهم في تصديقه في مدعاه، لما قررنا أن الإلهام غير حجة في الشرعيات، لأنه يخطئ ويصيب، وربما يكون ذلك الإلهام من الشيطان، قَالَ تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] .

فاعلم ذلك ولا تغتر برواية من ادعى الرواية عَنْهُ ولقياه ولو بلغت جلالته ما بلغت، فقد لبس عليه، والغالب أن الذين رووا عنهم هم من الصوفية ومبْنى طريقهم على حسن الظن، ولهَذَا حذر الأئمة النقاد من روايتهم كما هو مصرح بِهِ في أول صحيح مسلم وشراحه، وتكلم عليه ابْن الجوزي في أول الموضوعات، وأشار إليه في صفوة الصفوة الذي اختصر فيه كتاب الحلية، وقد لخصنا ذلك في كتابْنا، المهدوية والمهديون.

ص: 61

أما ما أشرنا إليه من ورود الإنذار بخروج الشياطين يحدثون الناس، فقد أخرج ابْن عدي والبيهقي، عن واثلة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: " لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق، ويقول: حَدَّثَنِي فلان بْن فلان بكذا وكذا ".

ص: 62

القول الفصل في أَبِي سعيد الحبشي وأَبُو سعيد الحبشي هَذَا لا يعرف في الصحابة، ولا ذكر له في الكتب المؤلفة فيهم، ولم يعرف اسمه إلا في المئين المتأخرة، واحتمال وجوده عقلا وتعميره وعدم مخالطته للناس أو سكناه في محل بعيد فلم يشتهر إلى أن عرف أخيرا لا يفيد مع ورود الشرع بْنفيه كما قدمنا عن الْحَافِظ ابْن حجر في العمر، والذي يظهر أنه كان له اجتماع روحاني أو مثالي في اليقظة وصافحه صلى الله عليه وسلم فأطلق عند الإخبار، ولم يبين الحالة التي كان عليها حالة المصافحة، ولما سمع ذلك من لم يعرف حقيقة الواقعة، قَالَ: إنه صحابي.

وهَذَا هو اللائق في هَذَا المقام.

فإن الشَّيْخ محمود الاسفراييني، والسيد أمير علي الهمداني اللذين رويا المصافحة عَنْهُ لا يكونان قد اختلقا هَذَا، لما ثبت من ثقتهما وعدالتهما وصلاحهما نفع اللَّه بهما وبأمثالهما من الصادقين، ولا يخفى أن كثيرا من الأولياء الكاملين والعلماء العاملين وأرباب القلوب الصادقين يرونه صلى الله عليه وسلم في يقظتهم ويسمعون خطابه الكريم، وقد يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويستفيدون منهم فوائد كما نص عليه الغزالي وغيره.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بكر بْن العربي في كتابه، قانون التأويل: ذهبت الصوفية إلى أنه إذا حصل للإنسان طهارة النفس وتزكية القلب، وقطع العلائق وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة بالجنس والإقبال على اللَّه تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقوالهم واطلع على أرواح الأنبياء وسمع كلامهم انتهى بْنقل علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي صاحب غاية الأماني، في كتابه الفتوحات الإلاهية.

وهي رؤيا روحانية وجمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته

ص: 63

إلا من باشره، خلافا لمن ظن أنها رؤية بصرية جسمانية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض ولكونها روحانية يراها البعض دون البعض في المكان الواحد، ولو كانت جسمانية لرآه كل أحد لأن رؤية الجسم لا تتوقف على صلاح وتقوى، بل رآه الكافر في حياته صلى الله عليه وسلم، وشرار الخلق وخيارهم، وقد صرح بِهَذَا الغزالي، فقال: ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه بل مثال له صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه ، قَالَ: والآلة تارة تكون حقيقة وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق، مثال ذلك من يرى اللَّه تعالى في المنام، فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرائي: رأيت اللَّه تعالى في المنام لا يعني أنه رأى ذات اللَّه كما يقول في حق غيره، انتهى وهو في غاية الحسن

ص: 64