المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا - رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة

[ابن كمال باشا]

الفصل: ‌أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا

رسالة في تحَقيق مَعنَى النَّظمِ والصِّيَاغةِ لابن كمال باشا (ت:940هـ)

درَاسَة وَتحقِيق:

الدكتورْ حَامِدصَادِق قنيبي قسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والعادن - الظهران

المحتويات

رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة لابن كمال باشا (ت 940 هـ)

‌أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا

.

ثانيا: القراءة التقويمية وخطة التحقيق.

ثالثا: تحقيق الرسالة.

ثبت المصادر

الخلاصة

عاش ابن كمال (940 هـ) ، صاحب هذه الرسالة في عصر هيمنت فيه النزعة الفلسفية وتفريعاتها المنطقية الجافة على الدرس البلاغي اللغوي بتأثير مدرسة أبي يعقوب السّكاكي (ت 626 هـ) وشرّاحها.

ويدعو ابن كمال في هذه الرسالة إلى تجديد اتجاه عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) ، وفيها يُلقى الضوء على جوانب من نظرية النظم، ويجلو قيمة الصياغة الفنية في إطار النظرة الشمولية لمعاني النحو والتجربة الشعورية بعيداً عن التزويق أو الزخرفة المصطنعة. وهي من منظور نقدي معاصر جديرة بالاهتمام.

ص: 169

أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا

ابن كمال باشا، شمس الدين أحمد1

(873-940هـ / 1468-1534م)

من علماء الترك المستعربين، بل هو واحد من أكبر المدققين. اسمه: شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا، الشهير بابن كمال باشا2. نشأ في بيت علم وفضل ومكانة عالية.

فجده لأبيه (كمال باشا) من أمراء الدولة العثمانية، كان ذا حظوة لدى سلاطينها، إذ كان مربيا لبايزيد الثاني (ولي العهد آنذاك) ، ثم صار (نشانجى) 3 الديوان السلطاني 4. وكان عالما ومن تلاميذه5 التفتازاني6 والشريف الجرجاني7. وكذلك كان والده (سليمان بك ابن كمال باشا) 8، فقد كان من قادة عساكر السلطان محمد الثاني الفاتح وحامل لواء (أماسيا amasya) في فتح القسطنطينية عام 857 هـ/1453 م. وصار بعد الفتح وكيلاً لجند السلطان برتبة (صوباشي) 9، أي منصب من تتوفر فيه الكفاية لضبط البلد من جهة السلطان10.

1 مصادر ترجمته: هدية العارفين 1/141، كشف الظنون 1/41، الشقائق النعمانية 226-228، عقود الجوهر 1/217، الموسوعة التركية 561-566.

2 يحلو لبعض الدارسين تسميته بـ/ كمال باشا أوغلو، أو كمال باشا زاده. على أن (أوغلو) كلمة تركية تعني ابن، و (زاده) كلمة فارسية تعني ابن أيضا. ولكننا نؤثر تسميته بابن كمال باشا كما كان يحلو أن يُسمي نفسه بذلك.

3 تشانجى، أي: الذي يختم المراسيم والمكاتيب بختم ((السيد العظيم)) المعروف بطغراء السلطان.

4 عاش عهدي السلطانين محمد الثاني الفاتح ابن مراد (855-886هـ / 1450-1481 م) ، وبايزيد الثاني ابن محمد الفاتح (886-918هـ/1481- 1512م) .

5 انظر: الشقائق النعمانية ص 215.

6 التفتازاني، هو مسعود بن عبد الله التفتازاني، الملقب بسعد الدين (ت 791 هـ)، العلامة الأصولي المفسر المتكلم المحدث البلاغي الأديب. له مصنفات في علوم شتى منها: التلويح في كشف حقائق التنقيح في الأصول، وحاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب في الأصول، والمطول الذي وضعه شرحا لتلخيص المفتاح للسكاكي، وله حاشية على الكشاف ولم يتم (ترجمته: بغية الوعاة ص 391، الفوائد البهية ص 136-137، الأعلام 13/113-114، أبجد العلوم (3/56) .

7 الشريف الجرجاني، هو علي بن محمد بن علي (ت 816هـ) ، من كبار العلماء بالعربية، كان بينه وبين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تيمورلنك. من مصنفاته: التعريفات، وشرح مواقف الإيجي، والحوشي على المطول للتفتازاني، وشرح على حاشية القاضي العضد. على مختصر المنتهى، وشرح القسم الثالث من المفتاح، وحاشية على الكشاف ولم يتم (ترجمته: الفوائد البهية ص 125-137، الأعلام 5/159-160، أبجد العلوم 3/56) .

8 أما أمه فهي ابنة محمد محيي الدين كوبلي kupeli-oglu mehmed، وكان جدها (سنان باشا يوسف ضياء الدين) من العلماء.

9 انظر: الشقائق النعمانية ص215. بالإضافة إلى شهرة الفاتح كقائد عسكري طموح، فلقد كان شاعرا محبا للعلم والعلماء وكان يجيد عدة لغات شرقية وأوربية وله ديوان شعر بالتركية مطبوع.

10 انظر: معجم صفصافى ص471.

ص: 170

في ظل هذه الأسرة المنعمة نشأ صاحبنا (ابن كمال باشا) ، وقد حُبِّبَ إليه العلم والترقي فيه فأكب في شبابه على نهل المعرفة ليلا ونهارا. ثم انتظم في سلك الجيش، وخرج سنة 887 هـ في سفر مع الوزير (إبراهيم بن خليل باشا) ، وكان معهم الأمير (أحمد بك بن أورنوس) وهو المقدّم على سائر الأمراء آنذاك، وبينما هم في مجلسهم ذات يوم إذ دخل عليهم رجل من العلماء رثّ الهيئة فجلس في صدر المجلس، مما أثار استغراب ابن كمال باشا، وتساءل عن هذا (الرجل) الذي تقدم على مجلس الأمير، فقيل له: إنه رجل من أهل العلم يُقال له (الملا لطفي) .. فكانت هذه الحادثة نقطة تحول في حياة (ابن كمال) إذ تأكد له من يومها أنه لن يبلغ المراتب العالية إلا إذا اشتغل بالعلم الشريف، وكان له ما أراد، أما أصل الحكاية فلنستمع إلى ابن كمال يرويها بلسانه إذ يقول1:

".. كنت واقفا على قدمي قدّام الوزير المزبور. والأمير المذكور عنده جالس إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة دنيء اللباس فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد عن ذلك فتحيرت في هذا. فقلت لبعض رفقائي: مَنْ هذا الذي جلس فوق هذا الأمير؟ فقال: هو رجل عالم مدّرس بمدرسة (فلبا filibe) يقال له: المولى لطفي. قلت: كم وظيفته؟ فقال: ثلاثون درهما. قلت: فكيف يتصدّر هذا الأمير ومنصبه2 هذا المقدار؟ قال رفيقي: إن العلماء معظمون لعلمهم، ولو تأخّر لم يرض بذلك ولا الوزير، قال رحمه الله تعالى: فتفكرت في نفسي فقلت: إني لا أبلغ مرتبة الأمير المذكور في الإمارة، وإني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ مرتبة العالم المذكور، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف ".

بعد هذه الحادثة وَقَرَ في نفس ابن كمال باشا أن يسلك طريق العلم الشريف، فترك الجيش ولازم المولى لطفي في مدرسة (دار الحديث) بأدرنة، وقرأ عليه (حواشي شرح المطالع)، وقد سبق له قراءة (مبادئ العلوم) في صدر شبابه. ومن شيوخه الذين تلقّى العلم على أيديهم3:

ا- المولى القسطلاني، مصلح الدين مصطفى

2-

المولى خطيب زاده، محيي الدين محمد

3-

المولى معروف زاده، سنان الدين يوسف.

1 الشقائق النعمانية ص 226.

2 كذا في الأصل ولعل المقصود: مرتبه أو وظيفته.

3 انظر: طاش كبرى زاده، الشقائق النعمانية بذيل وفيات الأعيان ج2م2ص592.

ص: 171

وفي سنة 911 هـ1 صار (ابن كمال باشا) مدّرسا بمدرسة (علي بك) في أدرنة، وقد طلب منه السلطان بايزيد الثاني أن يكتب تاريخ العثمانيين.

وفي سنة 917 هـ2 ولي التدريس بمدرسة (أسكوب) في اليونان. ثم رجع في سنة 918 هـ إلى المدرسة الحلبية بأدرنة. ثم صار مدرسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وبعدها بإحدى المدارس الثمان3 إلى أن أصبح مدرسا لمدرسة السلطان بايزيد الثاني.

وفي سنة 922 هـ صار قاضيا لأدرنة، وفي السنة نفسها جعله السلطان سليم الأول4 (قاضي عسكر الأناضول) 5، ثم عزل من هذا المنصب سنة 925 هـ، وعينّ رئيساً لدار الحديث بأدرنة.

وكان- رحمه الله حسن المنظر، حافظ الآداب، لطيف الصحبة إذا جلس مع الأحباب، كريم الشأن، عظيم المكان، قليل المقال، كثير التفكير في كل حال، وهذه بعض شمائله.

وفي عام 932 هـ وبعد وفاة علاء الدين الجمالي صار ابن كمال باشا شيخ الإسلام (مفتي الخلافة العلمية العثمانية) ، ولم يزل في منصب الإفتاء إلى أن توفي يوم الجمعة الثاني من شوال 940 هـ، الموافق 17 من نيسان 1534م في عهد سليمان القانوني6.

ودفن في (باب أدرنة) بالآستانة في زاوية (محمود جلبي) وقيل في تاريخ موته (ارتحل العلم بالكمال) ، وكُتب على قبره (هذا مقام أحمد) ، وعلى أكفانه (هي آخر ملابسه) ، وكلّها

1 انظر المرجع السابق ص 593.

2 انظر المرجع السابق ص 393-594.

3 أنشأها السلطان محمد الفاتح، وتعرف هذه المدارس بمدارس الصحن الثمان، وهي للتعليم العالي المتكامل في مرافقه وخدماته لطلاب العلم أشبه ما يكون بالمدينة الجامعية.

4 هو تاسع السلاطين العثمانيين (918-926 هـ/1512-1520م) ، الملقب بـ/ ((ياوز)) ، أي القاطع. وفي عهده تم التغلب على سورية ومصر إثر واقعة مرج دابق.

((قاضي عسكر)) أو ((قاضيعسكر)) : كان لقبا علميا كبيراً في الدولة العثمانية، فقد كانت الدولة العثمانية مقسمة إلى منطقتين كبيرتين من هذه الوجهة هي الأناضول والرومليّ (أي بلاد الروم) وكان يعين على كلّ منهما قاض للعسكر (عن معجم صفصافي 236) ، وهذا يشبه منصب قاضي القضاة عند العرب.

6 هو سليمان الأول (1520-1566م) عاشر السلاطين العثمانيين، وعهده هو العهد الذهبي في تاريخ الدولة العثمانية إذ ازدهرت العلوم والفنون والآداب، واستبحر العمران، وارتقت الدولة في جميع مرافقها.

ص: 172

تتضمن تاريخ وفاته. وكان يقول رحمه الله وهو يحتضر: (يا أحد نجنا مما نخاف) فحسبت بعد موته فكانت تاريخاً لوفاته أيضا بحساب الجُمَّل.

(*) - مكانته العلمية:

تكشف مؤلفاته عن شخصيته الموسوعية، ويعتبر بحق من أكابر العلماء العثمانيين. ومصنفاته في: الدين، والآداب، واللغة وله في تاريخ العثمانيين كتاب كبير ومهم، فضلا عن مئات الرسائل والمقالات والمقطوعات الشعرية.

لقد أثبت مكانته الرفيعة في كلّ العلوم التي تناولها، ولقد قرظّه العلماء وأثنوا عليه بما هو أهله، فقد قال عنه طاش كبرى زاده1:

" كان يشتغل بالعلم ليلا ونهارا ولم يفتر قلمه، وصنف رسائل كثيرة في المباحث المهمة والغامضة

وكان صاحب أخلاق حميدة حسنة وأدب تام وعقل وافر، وتقرير حسن ملخص، وله تحرير مقبول جدا لإيجازه مع وضوح دلالته على المراد. وبالجملة أنسى2- رحمه الله تعالى - ذكر السلف بين الناس، وأحيا رباع العلم بعد الاندراس، وكان في العلم جبلا راسخا وطودا شامخا، وكان من مفردات الدنيا، ومنبعا للمعارف العليا. روّح الله تعالى روحه، وزاد في غرف الجنان فتوحه ".

وابن كمال باشا عند العثمانيين يشبه جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) عند العرب، فكلاهما زينة العصر. اتفقا في كثرة التأليف والجمع، ولقد أثنى علماء القاهرة على ابن كمال باشا عند زيارته مصر عام 923 هـ في صحبة السلطان سليم الأول " ياوز " فقد أثبت شخصيته من خلال الجدل والمناقشة، وقد جعله اللكنوي من أصحاب الترجيح المقلدين القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض3، وقد عقد مقارنة بينه وبين السيوطي فقال4:

" كان ابن كمال مساويا للسيوطي في كثرة التأليف وسعة الاطلاع في الأدب والأصول، ولكن لا يساويه في فنون الحديث، فالسيوطي أوسع نظرا وأدق فكرا في هذه الفنون منه، بل من جميع معاصريه، وأظن أنه لا يوجد مثله بعده، وأما صاحب الترجمة (ابن كمال) فبضاعته

1 الشقائق النعمانية 227.

2 كذا في الأصل. ولعله من الأفضل أن يقال: أحيا ذكر السلف.

3 الفوائد البهية في تراجم الحنفية 21.

4 المصدر السابق 22.

ص: 173

في الحديث مزجاة كما لا يخفى على من طالع تصانيفهما فشتان ما بينهما كتفاوت السماء والأرض وما بينهما

ولكن ابن كمال باشا عندي أدق من السيوطي، وأحسن فهما على أنهما كانا جمال ذلك العصر "، وقوله (كتفاوت السماء والأرض وما بينهما)

مبالغة في عمومها، والأصح أنهما نظيران تشابها في كثير من فروع المعرفة، غير أن ابن كمال تميز في إجادته التامة للغات العربية والتركية والفارسية الأمر الذي جعله يقف على أسرارها ويؤلف في فقهها المقارن، فضلا على أنه عاش طيلة حياته رجل سياسة وقضاء. بينما يظل السيوطي متفرداً في علوم الحديث.

(*) - مؤلفات ابن كمال باشا:

تذكر الموسوعة التركية أن مجموع تصانيف ابن كمال باشا قد بلغت (209) مصنفات، يمكن إدراجها تحت رؤوس الموضوعات التالية:

1- تفسير القرآن الكريم وعلومه 12 مصنفا

2-

الحديث الشريف وعلومه 8 مصنفات

3-

الفقه والشريعة 43 مصنفا

4-

الفلسفة 50 مصنفا

5-

الآداب 22 مصنفا

6-

المنطق 8 مصنفات

7-

التصوف مصنفان

8-

الأخلاق مصنفان

9-

علوم العربية ونحوها 21 مصنفا

10-

مصنفات باللغة الفارسية 9 مصنفات

11-

مصنفات في موضوعات متنوعة 32 مصنفا

ولقد عدد طاش كبرى زاده من مؤلفاته1:

".. كان عدد رسائله قريبا من مائة رسالة، وله من التصانيف تفسير لطيف حسن قريب من التمام، وقد اخترمته المنية ولم يكمله. وله حواش على الكشاف. وله شرح بعض الهداية. وله كتاب في الفقه (متن) . وشرح سماه بالإصلاح والإيضاح. وله كتاب في الأصول

1 الشقائق النعمانية 227.

ص: 174