المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: القراءة التقويمية - رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة

[ابن كمال باشا]

الفصل: ‌ثانيا: القراءة التقويمية

(متن) . وشرح أيضا سماه تغيير التنقيح1. وله كتاب في علم الكلام (متن) وشرح أيضا. وله حواش على التلويح2. وله حواش على التهافت للمولى خوجه زاده3. وهذا ما شاع بين الناس. وأما ما بقي في المسودة فأكثر مما ذكر، وله يد طولى في الإنشاء والنظم بالفارسية والتركية. وقد صنف كتابا بالفارسية على منوال كتاب (كلستان) سماه بنكارستان. وصنف كتابا في تواريخ آل عثمان بالتركية ".

1 عنوانه ((تغيير التنقيح (بالتنقيح)) ) - وتنقيح الأصول لعبد الله بن مسعود البخاري الحنفي المتوفى سنة 727 هـ (عن حاجي خليفة، كشف الظنون 1/ 499) .

2 هو كتاب ((التلويح في كشف حقائق التنقيح)) لسعد الدين التفتازاني. المطبعة الخيرية بالقاهرة 1304 هـ.

3 انظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية لتقي الدين عبد القادر التميمي (ت 1005هـ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو. القاهرة، 1970م. الجزء الأول ص 411.

ص: 175

‌ثانيا: القراءة التقويمية

موضوع هذه الرسالة (في تحقيق معنى النظم والصياغة) ، ومصطلح النظم والصياغة يقابل في الدرس الحديث الصورة البلاغية. وابن كمال في هذه الدراسة يلتقي مع الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) ، بل لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أنه يكشف عن بعض الجوانب الغامضة في آراء (شيخه) كما يحب أن يدعوه. وهو ينحو باللائمة على مدرسة السكاكي وما خلّفته من جمود كان له الأثر السلبي في الدرس البلاغي النقدي.

والنظم والصياغة عند ابن كمال هما الوعاء الذي يختزن التجربة الشعورية عند الأديب، فهما ليسا زينة عارضة تطرأ على المعنى الأصلي بقدر ما هما جسر لتحقيق الصورة الفنية الموحية، يقول ابن كمال/ س 95 أ/:" اعلم أن أساس البلاغة وقاعدة الفصاحة نظم الكلام، لا بمعنى ضمّ بعضها إلى بعض كيف جاء واتفق، بل بمعنى ترتيبها على حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذاً نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، ولهذا كان عند أرباب هذه الصناعة نظيراً للنسج والوشي والصياغة وما أشبه ذلك. مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض حتى يكون لِوَضْع كل منها حيث وُضِع علّة تقتضي كونه هناك وحتى لو وضع مكان غيره لم يصلح ".

وحتى يؤكد ما يذهب إليه يعمد إلى النقل عن عبد القاهر الجرجاني، فهما متفقان على أن عملية الصياغة إنما هي محصلة ما يحدثه السياق من صور وأحاسيس وفكر وصوت

ص: 175

تكوّن في مجموعها الصورة الأدبية. يقول الجرجاني (الدلائل، ص 37- طبعة المنار) : "

فإذا وجب لمعنى أن يكون أولا في النفس وجب للفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق، فأما أن تتصور في الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعاني بالنظم والترتيب، وأن يكون الفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء فكرا في نظم الألفاظ، أو أن تحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر تستأنفه لأن تجيء بالألفاظ على نسقها، فباطل من الظنّ، ووهم يتخيل إلى من لا يوفي النظر حقه. وكيف تكون مفكرا في نظم الألفاظ وأنت لا تعقل لها أوصافا وأحوالا إذا عرفتها عرفت أن حقها أن تنظم على وجه كذا؟ ".

لقد شغلت قضية اللفظ والمعنى جهود النقاد العرب. وقد نصب الجرجاني همّه لرفض الثنائية بينهما وتابعه في هذا الاتجاه ابن كمال. فاللفظ يعانق المعنى فإذا وجب للمعنى أن يكون أولا في النص وجب للفظ الدّال عليه أن يكون مثله لا النطق. وهذا الاتجاه لا يخرج عما انتهى إليه الدرس الحديث، يقول طه حسين (خصام ونقد، ص 87) : " إن من أعسر العسر أن تفصل بين صورة الأدب ومادته، فالأدب يوشك ألا يخضع لهذا النوع من التحليل الذي يعمد إليه العلماء وأصحاب الكيمياء منهم خاصة، فإذا عمد النقاد إلى تحليله فهم يقاربون ولا يحققون.. إن اللغة صورة الأدب وإن المعاني هي مادته وهذا كلام مقارب لا تحقيق فيه فكثير من النقاد القدماء خاصة، تصوروا أن المعاني تشبه الأجسام قبل أن تلبس الثياب، ونعرف الثياب قبل أن تسبغ على الأجسام ونستطيع أن نحقق الفصل بينهما، ولكننا لا نعرف المعاني المجردة التي تتخذ ثيابها من الألفاظ ولا نعرف الألفاظ الفارغة التي تنتظر المعاني لتلبسها، وإنما نعرف الألفاظ والمعاني ممتزجة متحدة، لا تستطيع أن تنفصل ولا أن تفترق ".

وفي الرسالة دعوة إلى وحدة علوم اللغة، فعلم المعاني بمعناه العام الذي يضم البيان وإن اشتهر ضمه إلى علوم البلاغة فهو ليس إلا دراسة لغوية تدخل في إطار النحو بمعناه الدقيق، لأن علم المعاني يعنى بدراسة الجملة وما يكون فيها من حذف أو ذكر، أو تعريف أو تنكير، أو تقديم أو تأخير، أو قصر أو وصل، أو إيجاز أو إطناب. ولابن كمال دراسة قائمة بذاتها لتأكيد هذه الصلة، يقول فيها:/مخطوط لدى الباحث/ ".. ويشارك النحوي في البحث عن المركبات إلا أنّ النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفسادا، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد. وصاحب المعاني

ص: 176

يبحث عنها من جهة حسن النظم المعبّر عنه بالفصاحة في التركيب.. ومرجع تلك الفصاحة إلى الخلو من التعقيد. فما يبحث عنه في علم النحو من جهة الصحة والفساد يبحث عنه في علم المعاني من جهة الحسن والقبح، وهذا معنى كون عِلم المعاني تمام علم النحو ".

ولقد سبق أن أشرنا إلى أن ابن كمال مجدد لدعوة عبد القاهر الجرجاني في الدرس اللغوي المبينة على النظرة الشمولية

فهو- مثلا- يساوي بين مصطلحي الفصاحة والبلاغة. وتقوم نظرية النظم عند عبد القاهر على عدم المفاضلة بين اللفظ والمعنى، ومن ثَمّ بين الفصاحة والبلاغة ففي دلائل الإعجاز (ص 183- طبعة المنار) نقرأ:"يصحُّ التعبير عن المعنى بلفظين مختلفين، ثم يكون لأحدهما مزية على الآخر، وأن أحدهما فصيح، والآخر غير فصيح.. "، وإنما تتحقق الفصاحة عنده بعد التأليف وصوغ العبارة، لأن الكلمة في حال إفرادها لا تفضل غيرها وإنما يظهر التمايز في إطار السياق وحسن الأداء، وتمام المعنى. يقول/ الدلائل، ص 31/:" وهل تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعنى جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟ وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة، وفي خلافه: قلقة ونابية ومستكرهة، إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من معنييهما، وبالقلق والنبوّ عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تَلِقْ بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقاً للتالية في مؤدّاها؟.. ".

وإذا كان علم النحو يعنى بالجمل من حيث صحة التراكيب لتحقيق الاتصال بين الناس فإنه- أي علم النحو- لا يقوم كيانه دون أن يرفد من علم الصرف بالمواد الأولية، والتي يمكن أن توصف بأنها خطوات ممهدة أو وسائل لتحقيق الغاية. فنحن نتعلم من علم الصرف حالات الاسم مفردا أو مثنى أو جمعا، ثم نوظف هذه المعرفة في تركيب العبارات والجمل وفق مقتضيات علم النحو دون إخلال بأساسيات العلوم الأخرى المساندة. وهكذا يبدو اعتماد العلمين على بعضهما كما لو كانا كلا متكاملا.

وابن كمال في معالجته هذه القضية يدرك الرابطة الوثيقة بين علوم اللغة، يقول في هذه الرسالة:/ س 99 أ/: ".. وبهذا التفصيل تبين أن مرادهم من المعاني التي يضيفون إليها عبارة (الصياغة) المعاني الأول. وقد نبهت فيما سبق على صياغتها على نحوين: أحدهما ما يكون بالتصرف في النظم بلا اتّساع وتجوز في الكلام. والآخر ما يكون بنحو من الاتساع والتجوز فيه مع قطع النظر عن حال النظم ".

ص: 177

ثم ينتهي إلى القول/ س 99 ب/: " ومن هنا انكشف لك سرّ وهو أن الاختلاف في كيفية الدلالة غير منحصر في طريق المجاز والكناية كما توهمه صاحب المفتاح حيث قال: انصباب علم البيان إلى التعرض للمجاز والكناية بناء على ما قدمه من أن التفاوت في الدلالة إنما يكون بالدلالة العقلية وذلك بالطريقين المذكورين لأن قوله (يَسُبني) في الوجهين المزبورين على حقيقته. والتفاوت المذكور في الدلالة مرجعه إلى المعنى النحوي، لا إلى المعنى اللغوي. فافهم هذا السر الدقيق، فإنه بالحفظ حقيق ".

على أنه فيما يكشف عنه من سر مسبوق بما قاله الجرجاني -سلفه- حيث يقول في (الدلائل، ص 240) : ".. ومرادهم من النظم في أمثال هذا المقام توخي معاني النحو فيما بين الكلام حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام، والنظم بهذا المعنى، أسُّ البلاغة، وأمّ الإعجاز ".

ولعل هذه الرسالة في مضمونها جاءت مكملة لما سبق لابن كمال دراسته في مجموعة من الرسائل في هذا الباب وهي: (الكلمة المفردة) و (اللفظ قد يوضع لقيد) و (المزايا والخواص) و (مشاركة صاحب المعاني اللغوي في البحث عن مفردات الألفاظ المستعملة في كلام العرب)1.

ويدعو ابن كمال في دراساته هذه إلى تجديد الدرس اللغوي وإحياء آراء عبد القاهر الجرجاني، والتي ليس بينها وبين المعاصرة فاصل كبير، وهي تأتي في زمن هيمن فيه (مفتاح العلوم) لأبي يعقوب السكاكي (ت 626 هـ) ، ونظمه، وشروحه، وتلخيصاته.. فكانت محاولة للخروج من التأثر بالمنطق والفلسفة والعلوم العقلية إلى فهم روح البلاغة، وإثراء الإحساس في تذوق النص الأدبي، ووضع البلاغة والنحو وضعا سليما في خدمة اللسان العربي. وإنما تقوم اللغة بمجموعة العلاقات بين الدلالات ورموز المعاني المتمثلة في الألفاظ لأداء ما في النفس.

وليس للفظ المفرد أهمية ذاتية مهما بلغ من انسجام في حروفه، وحسن وقعه وجرسه، وإنما تبدو أهميته حين ينتظم مع غيره، ويتلاءم مع ما يجاوره ويتوافق معه.. والأداء العربي لا يمكن أن يتحقق إلا لمن كان عارفا بالطرائق الصحيحة في القول، متمرسا بالأساليب العربية الرفيعة، مزودا بالمعرفة النحوية عن طريق الذوق والمعايشة لما تزخر به العربية من روائع القول.

1 حقق الباحث بعض هذه الرسائل، وقد أفاد منها في تحقيق هذه الرسالة ودراستها.

ص: 178

وصف نسختي المخطوط

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسختين في المكتبة السليمانية باستانبول.

الأولى: نسخة المكتبة السليمانية (رقم 1045) ، وقد رمزت لها بالحرف (س) ، وجعلتها بمثابة النسخة الأم إذ عزوت إليها في الدراسة دون النسخة الأخرى. وهي قريبة العهد بحياة المؤلف، إذ كان تاريخ نسخها في سنة 991 هـ. وهي بخط تعليق، ولا تخلو من تحريف وتصحيف. وتقع ضمن مجموع بدءاً من الورقة (95 ب) إلى (99 ب) . والصفحة الواحدة منها (19) سطرا، وقياس كتابتها (61 /122 ملم) . وتمتاز النسخة بأنها خزائنية دونت في خاتمة المجموع وقفية السلطان هكذا:

" وقف السلطان الأسعد الأحمد وتخليد الخاقان الأمجد الأكمل الصارف همته الجليلة نحو الحرب، المعرب عن معالي الحسنات السلطان ابن السلطان أبو الفتوح والمغازي محمود خان ابن السلطان مصطفى خان رزقه الله أطول الأعمار وطول الآماد، وجعل وقت خلافته العلية أبعد الآماد. وأنا الفقير لله سبحانه وتعالى مصطفى طاهر المفتش بالحرمين الشريفين المحرمين. غفر له ". وجاء في الورقة (147) : " وقع الفارغ من تحرير الرسائل للعلامة ابن كمال باشا في أواخر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وتسعماية على يد أحقر الورى محمد بن حسن بسبيري زاده ".

أما النسخة الثانية، فهي نسخة "بغداد وهبى"(رقم 2041) ، وقد رمزت لها بالحرف (ع) ، وهي نسخة جيدة، وخطها تعليق جميل، ونص الرسالة يقع في الورقات (208 ب إلى 211 ب) ، والصفحة الواحدة منها (21) سطرا، وقياس كتابتها (56/130 ملم) . والمجموع كتبه (أبو السعود) وفي الصفحة الأخيرة ترجمة موجزة للمؤلف جاء فيها:" هذه الرسائل للمولى العلامة أستاذ أرباب الفضائل أحمد بن سليمان بن كمال باشا رحمه الله تعالى. من أكابر العلماء وأفاضل الفضلاء، جمع جميع العلوم، وتفرد في كلّها سراجا منيرا يهتدي بمناره الروم.. ".

ص: 179

وقد كانت خطتي في تحقيق هذه الرسالة إثبات الفروق بين النسختين. كما قمت بمراجعة النصوص على مصادر ابن كمال حيثما وُجد المطبوع منها. ولم أر ضرورة إلى التعريف بالأعلام لأنها مشهورة في حقل الاختصاص، وهي قليلة على العموم.

ص: 180