المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير آية الكلالة - سلسلة التفسير لمصطفى العدوي - جـ ٢٣

[مصطفى العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة النساء [166-176]

- ‌تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ

- ‌إثبات صفة العلم لله عز وجل

- ‌تسلية الله لرسوله مقابل تكذيب الكفار

- ‌تقدير المحذوف في قوله: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ

- ‌تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)

- ‌كيفية الجمع بين قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) وبين الواقع من إيمان بعضهم

- ‌نوع الاستثناء الوارد في قوله تعالى: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ

- ‌المراد بالحق الذي جاء به الرسول

- ‌غنى الله تبارك وتعالى عن الخلق

- ‌تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ

- ‌سبب اختصاص عيسى بأنه روح من الله

- ‌غلو الشيعة واليهود

- ‌إثبات عبودية المسيح لله سبحانه وتعالى

- ‌تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)

- ‌تفسير آية الكلالة

- ‌الأسئلة

- ‌حكم غسل الزوج لزوجته والعكس

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌اسم الرميصاء ومصادر ترجمتها

- ‌حكم استعمال الكلونيا

- ‌حكم ارتداء المرأة قميصاً رجالياً في الصلاة

- ‌حكم ارتداء الزوجة لملابس زوجها في البيت للزينة

- ‌حكم تصوير الكتب والمجلدات

- ‌حكم رفع اليدين في الدعاء عند خطبة الجمعة

- ‌حكم المسابقات الثقافية التي يعقد لها جوائز عينية

- ‌معنى السفير وحكم عمله

- ‌حكم من استسمح مسلماً فلم يسامحه

- ‌كيفية قضاء صلاة الوتر لمن نام عنها

- ‌حكم بيع أمواس الحلاقة

- ‌حكم الصلاة في مكان تمر عليه الكلاب

الفصل: ‌تفسير آية الكلالة

‌تفسير آية الكلالة

قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء:176] أي: يطلبون منك الفتيا، وحذف المستفتى عنه، وهو الشيء المسئول عنه، فالمضمر: يستفتونك في الكلالة.

{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:176] ، ففهم من الإجابة ماهو المضمر الذي سُئل عنه.

وقد تقدم في أول السورة قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] .

وهنا قال: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] .

فقد يقول قائل: كيف يقول في الآية المتقدمة: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:12]، وهنا يقول سبحانه:{إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ} [النساء:176] ، فهذه كلالة وهذه كلالة، فما الفرق؟

و

‌الجواب

أن الكلالة المذكورة في أوائل سورة النساء إنما هي الأخت لأم أو الأخ لأم، أما الكلالة هنا فالإخوة الأشقاء، فالإخوة الأشقاء يخصهم الحكم الوارد في الآية الأخيرة من سورة النساء (آية الصيف) .

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:176]، والكلالة جاء جزء من تفسيرها في الآية ألا وهو:{إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:176] هلك: بمعنى مات، (ليس له ولد) الجمهور يقولون: ليس له ولد ولا والد، الآية الكريمة ذكرت الوالد يموت وليس له ولد، لكن الجماهير على أن يضاف:(ولا والد) .

الولد ذكر نصاً: (ليس له ولد) في الآية السابقة، والوالد يفهم بإمعان النظر في الآية؛ لأن الله عز وجل قال:{وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] ، فإذا كان للميت والد فإن الأخت لا تأخذ النصف ولا ترث شيئاً، فترجح قول الجمهور للقرينة المذكورة في الآية، ألا وهي قوله:{فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] .

فأصل الكلالة هنا: امرأة ماتت أو رجل مات ليس له والد ولا ولد، لا من أعلى ولا من أسفل، ولا جد ولا حفيد.

وهذه الآية هي آخر آية نزلت على رأي البراء بن عازب، قال البراء بن عازب كما في الصحيحين:(آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)) [النساء:176] ) .

ومن العلماء من قال: إن آخر آية نزلت: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] .

أما آخر سورة نزلت فهي: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] .

وثمّ قول آخر: أن آخر آية نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] إن قيل: كيف نجمع بين هذه الأقوال؟ فالإجابة: أن كل صحابي أفتى بالذي علمه، فأفتى البراء على الذي بلغه وعلمه أن آخر آية نزلت هي آية الكلالة.

وذهب غيره إلى أنها آيات الربا التي في ختامها: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] .

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء:176] أي: مات، وكلمة (هلك) بمعنى مات قد تطلق أيضاً على المسلم، قال جابر لرسول الله:(إن أبي هلك يا رسول الله وترك تسع أخوات لي) ، لأن البعض يظن أن هذه خاصة بالكفار، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر:34] فهلك تطلق على من مات سواء كان مسلماً أم كافراً، وتطلق على الضياع، (هلكت قلادة لأسماء) أي: ضاعت وفقدت.

قال تعالى: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:176] أي: ولا والد، {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] .

{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء:176] أي: ولم يكن لها أيضاً أب، {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء:176] بمعنى: كي لا تضلوا، وعلى ذلك جملة أدلة لغوية، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء:176] .

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فقد تقدم أن من الفروق بين آية الكلالة هنا وآية الكلالة التي في أوائل سورة النساء، أن الإخوة لأم هناك ذكرهم مثل أنثاهم في الميراث، قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:12] أي: فالأخ له السدس والأخت لها السدس، أما هنا فهي في الإخوة الأشقاء، {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] .

ومن الفروق بينهما: أن الإخوة لأم لا يتجاوز نصيبهم كلهم مجتمعين الثلث {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] أما هنا في حالة الإخوة الأشقاء فقد يحوزوا على الميراث كله، {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] .

هذه الآية نزلت في جابر بن عبد الله، قال جابر:(مرضت فأغمي عليَّ فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين فقلت: يا رسول الله! إني أموت ولا يرثني إلا كلالة، فتوضأ وصب عليَّ من وضوئه، فنزلت آية الكلالة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:176] ) .

وهذه الآية مع السهولة التي سمعتموها في تفسيرها كما ذكر ذلك عدد من العلماء إلا أنها من الأمور التي خفيت على أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه بشدة، حتى قال:(ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، ما سألته عن الكلالة) وفي رواية: (ثلاث وددت أن النبي مات وقد عهد إلينا فيها عهداً: الكلالة، وأبواب من الربا، وذكر شيئاً ثالثاً) وفي الرواية الأخرى يقول: (كنت أكثر من سؤال النبي عن الكلالة حتى ضرب بيده في صدري وقال: (يا ابن الخطاب ألا تكفيك آية الكلالة التي في آخر سورة النساء) .

فبهذا تنتهي سورة النساء، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله أن يتجاوز عن الأخطاء والهفوات والزلات، والأمر لله سبحانه وتعالى، ثم لإخواننا أن يقرروا هل سيحدث اختبار فيها أو لا، والكلام فيها عند الشيخ محمد غريب حفظه الله تعالى، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

ص: 18