المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مرد تعجيل العذاب للمجرمين وتأخيره إلى الله سبحانه - سلسلة التفسير لمصطفى العدوي - جـ ٥٥

[مصطفى العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة المجادلة [2]

- ‌تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات

- ‌حقيقة المعية في الآية وأقسامها

- ‌حقيقة النجوى وتفسيرها

- ‌تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى

- ‌مردّ تعجيل العذاب للمجرمين وتأخيره إلى الله سبحانه

- ‌الدلالة على كون الآية نزلت في اليهود وبيان مكرهم وسخفهم

- ‌الفرق بين الإثم والعدوان

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنما النجوى من الشيطان

- ‌كيفية الاحتراز من الشيطان وأعوانه

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا

- ‌هل يقدم الأعلم على كبير السن أو العكس

- ‌رفع الله للمؤمنين وأهل العلم درجات

- ‌دلالة الآية على أن الجزاء من جنس العمل

- ‌معنى النشوز الخاص والعام في الآية

- ‌الأسئلة

- ‌حكم إنجاز العمل في أقل من المدة المقررة له

- ‌حكم من فاتته الظهر وصلى مع جماعة العصر

- ‌حكم ما يسمى بالوكيرة

- ‌كيفية رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام

- ‌حكم قراءة القرآن في الصلاة من المصحف

- ‌الهدي النبوي في اليوم السابع للمولود

- ‌بيان عورة المرأة عند المرأة والرجل عند الرجل

- ‌حكم وضع اليدين بعد الرفع من الركوع على الصدر

- ‌حكم صيام الإثنين كل أسبوع

- ‌حكم لبس الحرير الصناعي

- ‌حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت

- ‌حكم إقامة صلاة الفجر بعد ربع ساعة من الأذان

- ‌حقيقة جملة: المعية هنا معية العلم والإحاطة

- ‌ضرورة نصيحة الغاصب قبل الإبلاغ عنه

- ‌حكم تأخير بعض الصلوات عن أول وقتها للحاجة

- ‌حكم من اشتهر وعرف باسم الأولى تغييره

الفصل: ‌مرد تعجيل العذاب للمجرمين وتأخيره إلى الله سبحانه

‌مردّ تعجيل العذاب للمجرمين وتأخيره إلى الله سبحانه

فالآية الكريمة أفادت أنه ليس كل مذنب يعذب في الدنيا، ولا يلزم أن يعذب كل مجرم في الدنيا على جرائمه، بل قد يدخر العذاب للمجرمين إلى يوم القيامة، فأنت -يا مسلم- قد يظلمك شخص، فتقول: ها هو جالس يظلمني، يضربني، ويأكل مالي، وينتهك عرضي، فلماذا لم يعذبه الله سبحانه وتعالى؟! ولماذا يتركه الله سبحانه وتعالى ويمد له من النعيم مداً؟! فالإجابة: أنه ليس كل ذنب تعجل عقوبته في الدنيا، بل هناك من الذنوب ذنوب تؤخر وتدخر لأصحابها العقوبات إلى الآخرة، ونحو ذلك ورد في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] قال كثير من المفسرين: إن الذين خدوا الأخاديد للمؤمنين، وأضرموا فيها النيران وقذفوهم فيها، لم يذكر أنهم عذبوا بعذاب صريح في الدنيا، فعلى ذلك فعذابهم مدخر في الآخرة.

وقد قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] قولاً مرجوحاً مطروحاً وهو: أنهم بعد أن قذفوا المؤمنين في النار تطاير عليهم من شررها فأحرقهم وهم قعود ينظرون إلى أهل الإيمان، ولكنه قول مطرح، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فالشاهد: أنه ليس كل مجرم يعذب في الدنيا، بل قد يدخر العذاب للمجرمين في الآخرة؛ ولذلك لما قالوا في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول، أجابهم الله بقوله:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:8] .

فليس للمسلم من أمره شيء، فقد يدخر الله العذاب لظالمه وقد يعجله، ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من ظلموه باللعنة فقال (اللهم! العن فلاناً وفلاناً، نزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:128] )، وكما في الآية الأخرى:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:46]، وقال تعالى في الآية الثالثة:{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [غافر:77]، أي: قبل أن نرينك الذي وعدناهم من العذاب، {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر:77] ، فقوله سبحانه:{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [غافر:77]، أي: يا محمد! قد نشفي لك صدرك في الدنيا بأن نريك في عدوك ما يريحك ويذهب غيظ قلبك، ونريك فيه العذاب قبل مماتك، {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [غافر:77] قبل أن ننزل العذاب عليهم، وقد كان هذا وذاك، فشفى الله صدر نبيه محمد من أقوام قد ظلموه وآذوه ولعنوه وسبوه، فهاهو يقف يوم بدر على بئر قد ألقيت فيه جيفُ المشركين: أبو جهل، وعتبة، وشيبة، فيناديهم:(يا عتبة بن ربيعة! ويا شيبة بن ربيعة! ويا أبا جهل بن هشام! ويا أمية بن خلف! هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً؟) الحديث.

وثم أقوام آخرون كـ مسيلمة الكذاب اغتم الرسول صلى الله عليه وسلم بشأنه شيئاً ما، واطمأن لما رأى في يديه سوارين فنفخهما فطارا، فأولهما كذابين يخرجان من بعده، فكان صاحب صنعاء الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، ولكن مسيلمة ما قتل إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى ذلك قوله تعالى:{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر:77]، مع قوله سبحانه:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:8] ، فيهما ما يعزى به المسلم الذي أصيب من ظالم، أو الذي انتهك عرضه ظالم، فلتقر عين كل مظلوم فإن الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر.

قال تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:8]، أي: بئس المصير الذي يصيرون إليه.

ص: 6