الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية اجتماع القوة العلمية والقوة العملية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندخرها عدة لنا:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحفظ شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.
أما بعد: ففي قرن وبعض قرن وثب المسلمون وثبة ملئوا بها الأرض قوة وبأساً، وحكمة وعلماً، ونوراً وهداية، فحكموا الأمم، وهاضوا الممالك، وركزوا ألويتهم في قلب آسيا وهامات أفريقيا وأطراف أوروبا، وتركوا دينهم وشرعتهم ولغتهم وعلمهم وأدبهم تدين لها القلوب، وتتقلب بها الألسنة، وتحقق فيهم الأنموذج الفريد والمثال الأعلى للبشرية؛ باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس، بعد أن كانوا طرائق قدداً لا نظام ولا قوام، ولا علم ولا شريعة، فقطع المسلمون تلك المرحلة التي سهم لها الدهر، ووجم لروعتها التاريخ، وهم يعرفون معالم طريق المجد، ونهج السعادة في الدارين، وأمعنوا بكل ثقة في هذا السبيل مدفوعين بطاقة صارخة وقوة دافعة.
وكانوا يدركون بكل دقة معالم الطريق، وكأن معهم خارطة مفصلة أودعوها قوتهم العلمية، وكان الوقود الذي يتزودون به هو القوة العملية، فهذان هما سر عظمة المسلمين، وخيريتهم وتفوقهم على الأمم: العلم والإرادة، أو القوة العلمية والقوة العملية.
أما العلم فحسبنا أنه الحاكم على الممالك والسياسات والأموال والأقلام، فملك لا يتأيد بعلم لا يقوم، وسيف بلا علم مخراق لاعب، وقلب بلا علم حركة عابث، والعلم مسلط حاكم على ذلك كله، ولا يحكم شيء من ذلك على العلم.
ولن نعرض في هذه السلسلة التي نشرع فيها -بإذن الله- إلى ذكر فضائل العلم، فما أكثر ما تحدث المتحدثون عن العلم! وكم صنف المتقدم والمتأخر في شرفه والحث عليه! لكن المقصود الآن التنبيه على الشق الثاني من مكامن القوة في هذه الأمة، والذي بدونه لن تنهض من كبوتها، سواء على مستوى الجماعات أو الأفراد، ألا وهو قسيم العلم وشريكه في صناعة المجد وإحياء الأمة، ألا وهو القوة العلمية أو الإرادة أو الهمة، فما هي الهمة التي نعبر بها عن القوة العلمية التي نحن في أمس الحاجة إليها في هذا الزمان في كل أحوالنا، سواء كانت أحوال الدين أو أحوال الدنيا، أحوال الأمة أو أحوال الأفراد.