الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَتِ وَالنُّورَ} وقال الزمخشري {جعل} يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله:{جعل الظلمات والنور} وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} والفرق بين الخلق والجعل، أن الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التصيير كإنشاء من شيء أو تصيير شيء شيئاً أو نقله من مكان إلى مكان، ومن ذلك {
…
وجعل منها زوجها} {وجعل الظلمات والنور} لأن الظلمات من الإجرام المتكاثفة والنور من النار {وجعلناكم أزواجاً} أجعل الآلهة إلهاً واحداً؛ انتهى. وما ذكره من أن جعل بمعنى صير في قوله: {وجعلوا الملائكة} لا يصح لأنهم لم يصيروهم إناثاً، وإنما قال بعض النحويين: إنها بمعنى سمى وقول الطبري {جعل} هنا هي التي تتصرف في طرف الكلام كما تقول: جعلت أفعل كذا فكأنه قال: وجعل إظلامها وإنارتها تخليط، لأن تلك من أفعال المقاربة تدخل على المبتدأ والخبر وهذه التي في الآية تعدت إلى مفعول واحد، فهما متباينان معنى واستعمالاً.
{ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وقال ابن عطية، ثم تدل على قبح فعل الذين كفروا وهذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أن {ثم} للتوبيخ، والزمخشري من أن {ثم} للاستبعاد ليس بصحيح لأن {ثم} لم توضع لذلك، وإنما التوبيخ أو الاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول، ثم ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل {ثم} هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على جملة اسمية.
وقال الزمخشري (فإن قلت) : على م عطف قوله: {ثم الذين كفروا} .
(قلت) : إما على قوله: {الحمد لله} على عنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق، لأنه ما خلقه إلا نعمة {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فيكفرون نعمه وإما على قوله {خلق السموات والأرض} على معنى أنه خلق ما خلق، مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه؛ انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي جوزه لا يجوز، لأنه إذ ذاك يكون معطوفاً على الصلة والمعطوف على الصلة صلة، فلو جعلت الجملة من قوله:{ثم الذين كفروا} صلة لم يصح هذا التركيب لأنه ليس فيها رابط يربط الصلة بالموصول، إلا إن خرج على قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريد رويت عنه فيكون الظاهر قد وقع موقع المضمر، فكأنه قيل:{ثم الذين كفروا به يعدلون} وهذا من الندور، بحيث لا يقاس عليه ولا يجمل كتاب الله عليه مع ترجيح حمله على التركيب الصحيح الفصيح.
{ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} وقال الزمخشري: (فإن قلت) : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب تقديمه فلم جاز تقديمه في قوله: {وأجل مسمى عنده} .
(قلت) : لأنه تخصيص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله:{ولعبد مؤمن خير من مشرك} انتهى. وهذا الذي ذكره من مسوغ الابتداء بالنكرة لكونها وصفت لا يتعين هنا أن يكون هو المسوغ، لأنه يجوز أن يكون المسوغ هو التفصيل لأن من مسوغات الابتداء بالنكرة، أن يكون الموضع موضع تفصيل نحو قوله:
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له
بشق وشق عندنا لم يحول
وقد سبق كلامنا على هذا البيت وبينا أنه لا يجوز أن يكون عندنا في موضع الصفة، بل يتعين أن يكون في موضع الخبر.
وقال الزمخشري: (فإن قلت) : الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد ولي عبد كيس وما أشبه ذلك.
(قلت) : أوجبه أن المعنى وأي {أجل مسمى عنده} تعظيماً لشأن الساعة فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم؛ انتهى. وهذا لا يجز لأنه إذا كان التقدير وأي {أجل مسمى عنده} كانت أي صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أي {أجل مسمى عنده} ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أياً ولا حذف موصوفها وإبقاؤها، فلو قلت مررت بأي رجل تريد برجل أيّ رجل لم يجز.
{وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَوَتِ وَفِى الأٌّرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} وقال أبو علي: {هو} ضمير الشأن {والله} مبتدأ خبره ما بعده، والجملة مفسرة لضمير الشأن وإنما فر إلى هذه لأنه إذا لم يكن ضمير الشأن، كان عائداً على الله تعالى فيصير التقدير الله {والله} فينعقد مبتدأ وخبر من اسمين متحدين لفظاً ومعنى لا نسبة بينهما إسنادية، وذلك لا يجوز فلذلك والله أعلم تأول. أبو علي الآية على أن الضمير ضمير الأمر {والله} خبره يعلم في {السماوات وفي الأرض} متعلق بيعلم والتقدير الله يعلم {في السماوات وفي الأرض} {سركم وجهركم} .
ذهب الزجاج إلى أن قوله: {في السماوات} متعلق بما تضمنه اسم الله من المعاني، كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب. قال ابن عطية: وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازاً لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى.
وما ذكره الزجاج وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه لأنهما زعما أن {في السماوات} متعلق بلفظ {الله} لما تضمنه من المعاني ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ، لأنه لو صرح بها جميعها لم تعمل فيه بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها، وإن كان {في السماوات} متعلقاً بها جميعها من حيث المعنى، بل الأولى أن يعمل في المحرور ما تضمنه لفظ {الله} من معنى الألوهية وإن كان لفظ {الله} علماً لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى كما قال: أنا أبو المنهال بعض الأحيان. فبعض منصوب بما تضمنه أبو المنهال كأنه قال أنا المشهور بعض الأحيان.
وقالت فرقة: {وهو الله} تم الكلام هنا. ثم استأنف ما بعده وتعلق المجرور بـ {يعلم} وقالت فرقة: {وهو الله} تام و {في السماوات وفي الأرض} متعلق بمفعول {يعلم} وهو {سركم وجهركم} والتقدير يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض، وهذا يضعف لأن فيه تقديم مفعول المصدر الموصول عليه والعجب من النجاس حيث قال: هذا من أحسن ما قيل فيه، وقالت فرقة: هو ضمير الأمر والله مرفوع على الابتداء وخبره {في السماوات} والجملة خبر عن ضمير الأمر وتم الكلام. ثم استأنف فقال: {وفي الأرض يعلم سركم وجهركم} أي: ويعلم في الأرض.
وقيل: يتعلق {في السماوات} بقوله: {تكسبون} هذا خطأ، لأن {ما} موصولة بـ {تكسبون} وسواء كانت حرفاً مصدرياً أم اسماً بمعنى الذي، فإنه لا يجوز تقديم معمول الصلة على الموصول. وقيل {في السماوات} حال من المصدر الذي هو {سركم وجهركم} تقدم على ذي الحال وعلى العامل. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون {الله في السماوات} خبراً بعد خبر على معنى أنه الله وأنه في السموات والأرض بمعنى أنه عالم بما فيهما، لا يخفى عليه شيء منه كأن ذاته فيها وهو ضعيف، لأن المجرور بفي لا يدل على وصف خاص إنما يدل على كون مطلق وعلى هذه الأقوال ينبني إعراب هذه الآية.
وقال الزمخشري: (فإن قلت) : كيف موقع قوله {يعلم سركم وجهركم} (قلت) : إن أراد المتوحد بالإلهية كان تقريراً له، لأن الذي استوى في علمه السرّ والعلانية، هو الله وحده وكذلك إذا جعلت {في السماوات} خبراً بعد خبر وإلا فهو كلام مبتدأ أو خبر ثالث، انتهى، وهذا على مذهب من يجيز أن يكون للمبتدأ أخباراً متعددة.
{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْءَايَةٍ مِّنْءَايَتِ رَبِّهِمْ إِلَاّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} والجملة من قوله: {كانوا} ومتعلقها في موضع الحال فيكون {تأتيهم} ماضي المعنى لقوله: {كانوا} أو يكون {كانوا} مضارع المعنى لقوله: {تأتيهم} وذو الحال هو الضمير في {تأتيهم} ، ولا يأتي ماضياً إلا بأحد شرطين أحدهما: أن يسبقه فعل كما في هذا الآية، والثاني أن تدخل على ذلك الماضي قد نحو ما زيد إلا قد ضرب عمراً.
{فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} والظاهر أن ما في قوله: {لما كانوا} موصولة اسمية بمعنى الذي والضمير في {به} عائد عليها. وقال ابن عطية: يصح أن تكون مصدرية التقدير {أنباء} كونهم مستهزئين فعلى هذا يكون الضمير في {به} لا على مذهب الأخفش حيث زعم أن {ما} المصدرية اسم لا حرف، ولا ضرورة تدعو إلى كونها مصدرية.
{أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّهُمْ فِى الأٌّرْضِ} و {يروا} هنا بمعنى يعلموا، لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة و {كم} في موضع المفعول بـ {أهلكنا} و {يروا} معلقة والجملة في موضع مفعولها، و {من} الأولى لابتداء الغاية و {من} الثانية للتبعيض، والمفرد بعدها واقع موقع الجمع ووهم الحوفي في جعله {من} الثانية بدلاً من الأولى.
وأجاز أبو البقاء أن يكون {كم} هنا ظرفاً وأن يكون مصدراً، أي: كم أزمنة أهلكنا؟ أو كم إهلاكاً أهلكنا؟ ومفعول {أهلكنا من قرن} على زيادة من وهذا الذي أجازه لا يجوز، لأنه لا يقع إذ ذاك المفرد موقع الجمع بل تدل على المفرد، لو قلت: كم أزماناً ضربت رجلاً أو كم مرة ضربت رجلاً؟ لم يكن مدلوله مدلول رجال، لأن السؤال إنما هو عن عدد الأزمان أو المرات التي ضرب فيها رجل، ولأن هذا الموضع ليس من مواضع زيادة {من} لأنها لا تزاد إلا في الاستفهام المحض أو الاستفهام المراد به النفي، والاستفهام هنا ليس محضاً ولا يراد به النفي.
والظاهر أن قوله {مكناهم} جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ما كان من حالهم؟ فقيل: {مكناهم في الأرض} . وقال أبو البقاء: {مكناهم} في موضع خبر صفة {قرن} وجمع على المعنى وما قاله أبو البقاء ممكن، {وما} في قوله:{ما لم نمكن لكم} جوزوا في إعرابها أن تكون بمعنى الذي ويكون التقدير التمكين، الذي {لم نمكن لكم} فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه، ويكون الضمير العائد على {ما} محذوفاً أي ما لم نمكنه لكم وهذا لا يجوز، لأن {ما} بمعنى الذي لا يكون نعتاً للمعارف وهن كان مدلولها مدلول الذي، بل لفظ الذي هو الذي يكون نعتاً للمعارف لو قلت ضربت الضرب ما ضرب زيد تريد الذي ضرب زيد لم يجز، فلو قلت: الضرب الذي ضربه زيد جاز وجوزوا أيضاً أن يكون نكرة صفة لمصدر محذوف تقديره تمكيناً لم نمكنه لكم، وهذا أيضاً لا يجوز لأن {ما} النكرة الصفة لا يجوز حذف موصوفها، لو قلت: قمت ما أو ضربت ما وأنت تريد قمت قياماً ما وضربت ضرباً ما لم يجز، وهذان الوجهان أجازهما الحوفي وأجاز أبو البقاء أن يكون {ما} مفعولاً به بتمكن على المعنى، لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم، وهذا الذي أجازه تضمين والتضمين لا ينقاس، وأجاز أيضاً أن تكون {ما} مصدرية والزمان محذوف أي مد {ما لم نمكن لكم} ويعني مدة انتفاء التمكين لكم، وأجاز أيضاً أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها أي شيئاً لم نمكنه لكم، وحذف العائد من الصفة على الموصوف وهذا أقرب إلى الصواب وتعدى مكن هنا للذوات بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام {مكنا ليوسف في الأرض} {إنما مكنا له في الأرض} أو لم نمكن لهم.
{وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً} و {السماء} السماء المظلة قالوا: لأن المطر ينزل منها إلى السحاب، ويكون على حذف مضاف أي مطر {السماء} ويكون {مدراراً} حالاً من ذلك المضاف المحذوف. وقيل:{السماء} المطر وفي الحديث: «في أثر سماء كانت من الليل» ، وتقول العرب: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، يريدون المطر وقال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رغيناه وإن كانوا غضبانا
{ومدراراً} على هذا حال من نفس {السماء} . وقيل: {السماء} هنا السحاب ويوصف بالمدرار، فمدراراً حال منه.
{فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} و {سخروا} استهزؤوا إلا أن استهزأ تعدّى بالباء وسخر بمن كما قال: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} وبالباء تقول: سخرت به وتكرر الفعل هنا لخفة الثلاثي ولم يتكرر في {ولقد استهزىء} فكان يكون التركيب، {فحاق بالذين} استهزؤوا بهم لثقل استفعل، والظاهر في {ما} أن تكون بمعنى الذي وجوّزوا أن تكون {ما} مصدرية، والظاهر أن الضمير في {منهم} عائد على الرسل، أي {فحاق بالذين سخروا} من الرسل وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون عائداً على غير الرسل. قال الحوفي: في أمم الرسل. وقال أبو البقاء: على المستهزئين، ويكون {منهم} حالاً من ضمير الفاعل في {سخروا} وما قالاه وجوزاه ليس بجيد، أما قول الحوفي فإن الضمير يعود على غير مذكور وهو خلاف الأصل، وأما قول أبي البقاء فهو أبعد لأنه يصير المعنى:{فحاق بالذين سخروا} كائنين من المستهزئين فلا حاجة لهذه الحال لأنها مفهومة من قوله {سخروا} وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة بكسر دال {ولقد استهزىء} على أصل التقاء الساكنين. وقرأ باقي السبعة بالضم اتباعاً ومراعاة لضم التاء إذ الحاجز بينهما ساكن، وهو حاجز غير حصين.
{ُقُل للَّهِ} ولله خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو لله.
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرنا. وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا: إنها تفسير للرحمة تقديره: أن يجمعكم، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من {الرحمة} وهو مثل قوله {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه} المعنى أن يسجنوه، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال: وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم، انتهى. وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحداً مما ذكر نحو قوله تعالى:{وإمّا ينزغنك} وكذلك قوله: وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب، فإذا قلت والله لأضربنّ زيداً، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد والله لأضربنه، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع.
{الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} اختلف في إعراب {الذين} فقال الأخفش: هو بدل من ضمير الخطاب في {ليجمعنكم} وردّه المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز، كما لا يجوز مررت بك زيد وردّ رد المبرد ابن عطية. فقال: ما في الآية مخالف للمثال لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني، وإذا قلت مررت بك زيد فلا فائدة في الثاني، وقوله::ّ {ليجمعنكم} يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال {الذين} من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب وخصوا على جهة الوعيد، ويجيء هذا بدل البعض من الكل، انتهى. وما ذكره ابن عطية في هذا الردّ ليس بجيد، لأنه إذا جعلنا {ليجمعنكم} يصلح لمخاطبة الناس كافة كان {الذين} بدل بعض من كل، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير ويقدر {الذين خسروا أنفسهم} منهم وقوله فيفيدنا إبدال {الذين} من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب، وخصوا على جهة الوعيد وهذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل فتناقض أول كلامه مع آخره لأنه من حيث الصلاحية، يكون بدل بعض من كل ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل، والمبدل منه متكلم أو مخاطب في جوازه خلاف مذهب الكوفيين والأخفش، أنه يجوز ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز، وهذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد فإنه إذ ذاك يجوز، وهذا كله مقرر في علم النحو. وقال الزجاج:{الذين} مرفوع على الابتداء والخبر قوله: {فهم لا يؤمنون} ودخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط كأنه قيل: من يخسر نفسه فهو لا يؤمن، ومن ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة وأجاز الزمخشري أن يكون {الذين} منصوباً على الذمّ أي: أريد {الذين خسروا أنفسهم} ؛ انتهى وتقديره بأريد ليس بجيد إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم باذم وأبعد من ذهب إلى أن موضع {الذين} جر نعتاً للمكذبين أو بدلاً منهم.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ * قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَدةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لاٌّنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل لَاّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * الَّذِينَءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِئَايَتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّلِمُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّءَايَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ
يُجَدِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلَاّ أَسَطِيرُ الأٌّوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِئَايَتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ * وَقَالُواْ إِنْ هِىَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلَاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الأٌّخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ} وانتصاب غير على أنها مفعول أول لاتخذ. وقرأ الجمهور {فاطر} فوجهه ابن عطية والزمخشري ونقلها الحوفي على أنه نعت لله، وخرجه أبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى أن الفضل بين المبدل منه والبدل أسهل من الفصل بين المنعوت والنعت، إذ البدل على المشهور هو على تكرار العامل وقرأ ابن أبي عبلة برفع الراء على إضمار هو. قال ابن عطية: أو على الابتداء؛ انتهى. ويحتاج إلى إضمار خبر ولا دليل على حذفه وقرىء شاذاً بنصب الراء وخرجه أبو البقاء على أنه صفة لولي على إرادة التنوين أو بدل منه أو حال، والمعنى على هذا أأجعل {فاطر السموات والأرض} غير الله، انتهى. والأحسن نصبه على المدح. وقرأ الزهري فطر جعله فعلاً ماضياً.
{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} أي وقيل لي والمعنى أنه أمر بالإسلام ونهى عن الشرك، هكذا خرجه الزمخشري وابن عطية على إضمار. وقيل لي: لأنه لا ينتظم عطفه على لفظ {إني أمرت أن أكون أول من أسلم} فيكون مندرجاً تحت لفظ {قل} إذ لو كان كذلك لكان التركيب ولا أكون من المشركين. وقيل: هو معذوف على معمول {قل} إذ لو كان كذلك لكان الترتيب ولا أكون من المشركين. وقيل: هو معطوف على معمول {قل} حملاً على المعنى، والمعنى {قل إني} قيل لي كن {أول من أسلم، ولا تكوننّ من المشركين} فهما جميعاً محمولان على القول لكن أتى الأول بغير لفظ القول، وفيه معناه فحمل الثاني على المعنى وقيل هو معطوف على {قل} أمر بأن يقول كذا ونهى عن كذا.
وجوابه محذوف ولذلك جاء بصيغة الماضي. فقيل: هو شرط معترض لا موضع له من الإعراب كالاعتراض بالقسم. وقيل: هو في موضع نصب على الحال كأنه قيل إني أخاف عاصياً ربي.
{مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} قرأ حمزة وأبو بكر والكساني من يصرف مبنياً للفاعل فمن مفعول به مقدم ويجوز أن يعرب {من} مبتدأ والضمير في {عنه} عائد عليه، ومفعول {بصرف} محذوف اختصاراً إذ قد تقدّم في الآية قبل التقير أي شخص يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه، وعلى هذا يجوز أن يكون من باب الاشتغال فيكون {من} منصوباً بإضمار فعل يفسره معنى {يصرف} ويجوز على إعراب {من} مبتدأ أن يكون المفعول مذكوراً، وهو {يومئذ} على حذف أي هول يومئذ فينتصب {يومئذ} انتصاب المفعول به. وقرأ باقي السبعة {من يصرف} مبنياً للمفعول ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز إذ قد تقدّم ذكر الرّب ويجوز في هذا الوجه أن يكون الضمير في {يصرف} عائداً على {من} وفي {عنه} عائداً على العذاب أي أيّ شخص يصرف عن العذاب، ويجوز أن يكون الضمير في {عنه} عائداً على {من} ومفعول {يصرف} {يومئذ} وهو مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في {يومئذ} تنوين عوض من جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق التقدير يوم، إذ يكونن الجزاء إذ لم يتقدّم جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضاً عنها، وتكلم المعربون في الترجيح بين القراءتين على عادتهم فاختار أبو عبيد وأبو حاتم وأشار أبو عليّ إلى تحسينه قراءة {يصرف} مبنياً للفاعل لتناسب {فقد رحمه} ولم يأت فقد رحم ويؤيده قراءة عبد الله وأبي {من يصرف} الله ورجح الطبري قراءة {يصرف} مبنياً للمفعول قال: لأنها أقل إضماراً. قال ابن عطية: وأما مكي بن أبي طالب فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة. قال ابن عطية: وهذا توجيه لفظي يشير إلى الترجيح تعلقه خفيف، وأما المعنى فالقراءتان واحد؛ انتهى. وقد تقدّم لنا غير مرّة إنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين. وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً كان لا يرى
الترجيح بين القراءات السبع. وقال: قال ثعلب من كلام نفسه إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة، لم أفضل إعراباً على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ونعم السلف لنا، أحمد بن يحيى كان عالماً بالنحو واللغة متديناً ثقة.
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} و {فوق} منصوب على الظرف إما معمولاً للقاهر أي المستعلي فوق عباده، وإما في موضع رفع على أنه خبر ثان لهو وحكى المهدوي أنه في موضع نصب على الحال كأنه قال: وهو القاهر غالباً فوق عباده وقاله أبو البقاء، وقدره مستعلياً أو غالباً وأجاز أن يكون فوق عباده في موضع رفع بدلاً من القاهر.
{مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} قرأ حمزة وأبو بكر والكساني من يصرف مبنياً للفاعل فمن مفعول به مقدم ويجوز أن يعرب {من} مبتدأ والضمير في {عنه} عائد عليه، ومفعول {بصرف} محذوف اختصاراً إذ قد تقدّم في الآية قبل التقير أي شخص يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه، وعلى هذا يجوز أن يكون من باب الاشتغال فيكون {من} منصوباً بإضمار فعل يفسره معنى {يصرف} ويجوز على إعراب {من} مبتدأ أن يكون المفعول مذكوراً، وهو {يومئذ} على حذف أي هول يومئذ فينتصب {يومئذ} انتصاب المفعول به. وقرأ باقي السبعة {من يصرف} مبنياً للمفعول ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز إذ قد تقدّم ذكر الرّب ويجوز في هذا الوجه أن يكون الضمير في {يصرف} عائداً على {من} وفي {عنه} عائداً على العذاب أي أيّ شخص يصرف عن العذاب، ويجوز أن يكون الضمير في {عنه} عائداً على {من} ومفعول {يصرف} {يومئذ} وهو مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في {يومئذ} تنوين عوض من جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق التقدير يوم، إذ يكونن الجزاء إذ لم يتقدّم جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضاً عنها، وتكلم المعربون في الترجيح بين القراءتين على عادتهم فاختار أبو عبيد وأبو حاتم وأشار أبو عليّ إلى تحسينه قراءة {يصرف} مبنياً للفاعل لتناسب {فقد رحمه} ولم يأت فقد رحم ويؤيده قراءة عبد الله وأبي {من يصرف} الله ورجح الطبري قراءة {يصرف} مبنياً للمفعول قال: لأنها أقل إضماراً. قال ابن عطية: وأما مكي بن أبي طالب فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة. قال ابن عطية: وهذا توجيه لفظي يشير إلى الترجيح تعلقه خفيف، وأما المعنى فالقراءتان واحد؛ انتهى. وقد تقدّم لنا غير مرّة إنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين. وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً كان لا يرى
الترجيح بين القراءات السبع. وقال: قال ثعلب من كلام نفسه إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة، لم أفضل إعراباً على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ونعم السلف لنا، أحمد بن يحيى كان عالماً بالنحو واللغة متديناً ثقة.
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} و {فوق} منصوب على الظرف إما معمولاً للقاهر أي المستعلي فوق عباده، وإما في موضع رفع على أنه خبر ثان لهو وحكى المهدوي أنه في موضع نصب على الحال كأنه قال: وهو القاهر غالباً فوق عباده وقاله أبو البقاء، وقدره مستعلياً أو غالباً وأجاز أن يكون فوق عباده في موضع رفع بدلاً من القاهر.
{قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} جملة من مبتدأ وخبر.
{قل الله أكبر شهادة} وانتصب {شهادة} على التمييز. قال ابن عطية: ويصح على المفعول بأن يحمل أكبر على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل؛ انتهى. وهذا كلام عجيب لأنه لا يصح نصبه على المفعول ولأن أفعل من لا يتشبه بالصفة المشبهة باسم الفاعل، ولا يجوز في أفعل من أن يكون من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل لأن شرط الصفة المشبهة باسم الفاعل أن تؤنث وتثنى وتجمع، وأفعل من لا يكون فيها ذلك وهذا منصوص عليه من النحاة فجعل ابن عطية المنصوب في هذا مفعولاً وجعل {أكبر} مشبهاً بالصفة المشبهة وجعل منصوبه مفعولاً وهذا تخليط فاحش ولعله يكون من الناسخ لا من المصنف.
{وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لاٌّنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} قرأ الجمهور {وأوحى} مبنياً للمفعول والقرآن مرفوع به. وقرأ عكرمة وأبو نهيك وابن السميقع والجحدري {وأوحى} مبنياً للفاعل و {القرآن} منصوب به.
والظاهر وهو قول الجمهور إن {من} في موضع نصب عطفاً على مفعول {لأنذركم} والعائد على {من} ضمير منصوب محذوف وفاعل {بلغ} ضمير يعود على {القرآن} .
وقالت فرقة: الفاعل بـ {بلغ} عائد على {من} لا على {القرآن} .
والمفعول محذوف والتقدير ومن بلغ الحلم، ويحتمل أن يكون {من} في موضع رفع عطفاً على الضمير المستكن في {لأنذركم به} وجاز ذلك للفصل بينه وبين الضمير بضمير المفعول وبالجار والمجرور أي ولينذر به من بلغه القرآن.
{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى} وأخرى صفة لآلهة وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة، كقوله:{مآرب أخرى والأسماء الحسنى} ولما كانت الآلهة حجارة وخشباً أجريت هذا المجرى.
{الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أعرب الذين خسروا مبتدأ والخبر منهم لا يؤمنون.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} قيل: {لوم} معمول لا ذكر محذوفة على أنه مفعول به قاله ابن عطية وأبو البقاء. وقيل: المحذوف متأخر تقديره {ويوم نحشرهم} كان كيت وكيت فترك ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف قاله الزمخشري. وقيل: العامل انظر كيف كذبوا يوم نحشرهم. وقيل: هو مفعول به لمحذوف تقديره وليحذروا يوم نحشرهم. وقيل: هو مطعوف على ظرف محذوف، والعامل فيه العامل في ذلك الظرف والتقدير أنه لا يلفح الظالمون اليوم في الدنيا ويوم نحشرهم قاله الطبري.
وحذف مفعولاً {يزعمون} اختصاراً إذ دل ما قبله على حذفهما والتقدير تزعمونهم شركاء، ويحسن أن يكون التقدير كما قال بعضهم:{أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} إنها تشفع لكم عند الله عز وجل.
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ} وقرأ الجمهور {ثم لم تكن} وحمزة والكسائي بالياء وأبي وابن مسعود والأعمش وما كان فتنتهم، وطلحة وابن مطرف ثم ما كان والابنان وحفص {فتنتهم} بالرفع وفرقة ثم لم يكن بالياء، و {فتنتهم} بالرفع وإعراب هذه القراءات واضح والجاري منها على الأشهر قراءة ثم لم يكن {فتنتهم} بالياء بالنصب، لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف فذكروا إن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم وما دونه هو الخبر، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله تعالى:{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} {وما كان حجتهم إلا أن قالوا} ومن قرأ بالياء ورفع الفتنة فذكر الفعل لكون تأنيث الفتنة مجازياً أو لوقوعها من حيث المعنى على مذكر، والفتنة اسم يكن والخبر {إلا أن قالوا} جعل غير الأعرف الاسم والأعرف الخبر ومن قرأ {ثم لم تكن} بالتاء ورفع الفتنة فأنث لتأنيث الفتنة والإعراب كإعراب ما تقدم قبله، ومن قرأ {ثم لم تكن} بالتاء {فتنتهم} بالنصب فالأحسن أن يقدر {إلا أن قالوا} مؤنثاً أي {ثم لم تكن فتنتهم} إلا مقالتهم. وقيل: ساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى. قال أبو علي: وهذا كقوله تعالى: {فله عشر أمثالها} فأنث الأمثال لما كانت الحسنات في المعنى. وقال الزمخشري: وقرىء {تكن} بالتاء و {فتنتهم} بالنصب وإنما أتت {أن قالوا} لوقوع الخبر مؤنثاً كقوله: من كانت أمك؛ انتهى. وتقدم لنا أن الأولى أن يقدر {أن قالوا} بمؤنث أي إلا مقالتهم. وكذا قدره الزجاج بمؤنث أي مقالتهم، وتخريج الزمخشري ملفق من كلام أبي علي وأما من كانت أمك فإنه حمل اسم كان على معنى من، لأن من لها لفظ مفرد ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وليس الحمل على المعنى لمراعاة الخبر، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر نحو ومنهم من يستمعون إليك. ونكن مثل من يا ذئب يصطحبان. ومن تقنت في قراءة
التاء فليست أنيث كانت لتأنيث الخبر وإنما هو للحمل على معنى من حيث أردت به المؤنث وكأنك قلت أية امرأة كانت أمك.
وقرأ الأخوان {والله ربنا} بنصب الباء على النداء أي يا ربنا، وأجاز ابن عطية فيه النصب على المدح وأجاز أبو البقاء فيه إضمار أعني وباقي السبعة بخفضها على النعت، وأجازوا فيه البدل وعطف البيان.
{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} الخطاب للرسول عليه السلام والنظر قلبي و {كيف} منصوب بـ {كذبوا} والجملة في موضع نصب بالنظر لأن {انظر} معلقة و {كذبوا} ماض وهو في أمر لم يقع لكنه حكاية عن يوم القيامة ولا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل تحقيقاً لوقوعه ولا بد.
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ما قيل مصدرية وقيل موصولة. والجملة عطف على كذبوا أو استئنافية.
{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} {وجعلنا} معطوفة على الجملة قبلها عطف فعلية على اسمية فيكون إخباراً من الله تعالى أنه جعل كذا. وقيل: الواو واو الحال أي وقد جعلنا أي ننصت إلى سماعك وهم من الغباوة، في حد من قلبه في كنان وأذنه صماء وجعل هنا يحتمل أن تكون بمعنى ألقى، فتتعلق على بها وبمعنى صير فتتعلق بمحذوف إذ هي في موضع المفعول الثاني ويجوز أن تكون بمعنى خلق، فيكون في موضع الحال لأنها في موضع نعت لو تأخرت، فلما تقدّمت صارت حالاًو {أن يفقهوه} في موضع المفعول من أجله تقديره عندهم كراهة أن يفقهوه.
{حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ يُجَدِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ومجيء الجملة الشرطية {إذا} بعد {حتى} كثير جدًّا في القرآن، وأوّل ما وقعت فيه قوله:{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} وهي حرف ابتداء وليست هنا جارة لإذا ولا جملة الشرط جملة الجزاء في موضع جر وليس من شرط {حتى} التي هي حرف ابتداء أن يكون بعدها المبتدأ، بل تكون تصلح أن يقع بعدها المبتدأ ألا ترى أنهم يقولون في نحو ضربت القوم حتى زيداً ضربته أن حتى فيه حرف ابتداء وإن كان ما بعدها منصوباً و {حتى} إذا وقعت بعدها {إذا} يحتمل أن تكون بمعنى الفاء ويحتمل أن تكون بمعنى إلى أن فيكون التقدير فإذا {جاؤوك يجادلونك} يقول أو يكون التقدير {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً} أي منعناهم من فهم القرآن وتدبره؟ إلى أن يقولوا:{إن هذا إلا أساطير الأولين} في وقت مجيئهم مجادليك لأن الغاية لا تؤخذ إلا من جواب الشرط لا من الشرط، وعلى هذين المعنيين يتخرج جميع ما جاء في القرآن من قوله تعالى {حتى إذا} وتركيب {حتى إذا} لا بد أن يتقدمه كلام ظاهر نحو هذه الآية ونحو قوله: فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال: أقتلت، أو كلام مقدر يدل عليه سياق الكلام، نحو قوله:{آتوني زبر الحديا} {حتى إذا} ساوى بين الصدقين قال: انفخوا حتى إذا جعله ناراً التقدير فأتوه بها ووضعها بين الصدقين {حتى إذا} ساوى بينهما قال: انفخوا فنفخه {حتى إذا} جعله ناراً بأمره وإذنه قال آتوني أفرغ ولهذا قال الفراء {حتى إذا} لا بد أن يتقدمها كلام لفظاً أو تقديراً، وقد ذكرنا في كتاب التكميل أحكام حتى مستوفاة ودخولها على الشرط، ومذهب الفراء والكسائي في ذلك ومذهب غيرهما. وقال الزمخشري: هنا هي {حتى} التي تقع بعدها الجمل والجملة قوله: {إذا جاؤوك يقول الذين كفروا ويجادلونك} في موضع الحال؛ انتهى. وهذا موافق لما ذكرناه، ثم قال: ويجوز أن تكون الجارة ويكون {إذا جاؤوك} في
محل الجرّ بمعنى حتى وقت مجيئهم و {يجادلونك} حال.
وما جوّزه الزمخشري في {إذا} بعد {حتى} من كونها مجرورة أوجبه ابن مالك في التسهيل، فزعم أن {إذا} تجز بـ {بحتى} . قال في التسهيل: وقد تفارقها، يعني {إذا} الظرفية مفعولاً بها ومجرورة بـ {بحتى} أو مبتدأ وما ذهب إليه الزمخشري في تجزيزه أن تكون {إذا} مجرورة بـ {بحتى} ، وابن مالك في إيجاب ذلك ولم يذكر قولاً غيره خطأ وقد بينا ذلك في كتاب التذييل في شرح التسهيل، وقد وفق الحوفي وأبو البقاء وغيرهما من المعربين للصواب في ذلك فقال هنا أبو البقاء {حتى إذا} في موضع نصب لجوابها وهو {يقول} وليس لحتى هاهنا عمل وإنما أفادت معنى الغاية، كما لا تعمل في الجمل و {يجادلونك} حال من ضمير الفاعل في {جاؤوك} وهو العامل في الحال، يقول جواب {إذا} وهو العامل في إذا؛ انتهى.
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} وفي قوله: {ينهون وينأون} تجنيس التصريف وهو أن يتنفرد كل كلمة عن الأخرى بحرف فينهون انفردت بالها {وينأون} انفردت بالهمزة ومنه وهم يحسبون أنهم يحسنون ويفرحون ويمرحون والخيل معقود في نواصيها الخير، وفي كتاب التحبير سماه تجنيس التحرف وهو أن يكون الحرف فرقاً بين الكلمتين. وأنشد عليه:
إن لم أشن على ابن هند غارة
لنهاب مال أو ذهاب نفوس
وذكر غيره أن تجنيس التحريف، هو أن يكون الشكل فرقاً بين الكلمتين كقول بعض العرب: وقد مات له ولد اللهم أني مسلم ومسلم. وقال بعض العرب: اللهي تفتح اللهى.
{وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُمْ} إن نافية.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ} وجواب {لو} محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره لرأيت أمراً شنيعاً وهولاً عظيماً وحذف جواب {لو} لدلالة الكلام عليه جائز فصيح ومنه {ولو أن قرآناً سيرت به الجبال} الآية. وقول الشاعر:
وجدّك لو شيء أتانا رسوله
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي لو شيء أتانا رسوله سواك لدفعناه و {نرى} مضارع معناه الماضي أي: ولو رأيت فإذ باقية على كونها ظرفاً ماضياً معمولاً لترى وأبرز هذا في صورة المضي وإن كان لم يقع بعد إجراء للمحقق المنتظر مجرى الواقع الماضي، والظاهر أن الرؤية هنا بصرية وجوزوا أن تكون من رؤية القلب.
ومعمول {ترى} محذوف تقديره {ولو ترى} حالهم {إذ} وقفوا.
وقيل: {ترى} باقية على الاستقبال و {إذ} معناه إذا فهو ظرف مستقبل فتكون {لو} هنا استعملت استعمال أن الشرطية، وألجأ من ذهب إلى هذا أن هذا الأمر لم يقع بعد.