المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ظن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ظن وأخواتها: انصب بفعل - شرح ألفية ابن مالك للعثيمين - جـ ٢٨

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌ظن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ظن وأخواتها: انصب بفعل

‌ظن وأخواتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ظن وأخواتها: انصب بفعل القلب جزءي ابتدا أعني رأى خال علمت وجدا ظن حسبت وزعمت مع عد حجا درى وجعل اللّذ كاعتقد وهب تعلّم والتي كصيرا أيضاً بها انصب مبتداً وخبرا] فرغ المؤلف رحمه الله في ألفيته من ذكر النواسخ المتقابلة، وهي: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، فإن كان وأخواتها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فالنسخ فيهما متضاد، ثم أتى بالقسم الثالث من النواسخ، وهو الذي ينسخ المبتدأ والخبر فينصبهما، وليس عندنا قسم رابع يرفع المبتدأ والخبر؛ لأنه إذا بقي المبتدأ والخبر على الرفع لم يكن هناك ناسخ.

قال المؤلف: (ظن وأخواتها)، أخواتها يعني: مشاركاتها في العمل، كما قيل: كان وأخواتها وإن وأخواتها.

قال رحمه الله: (انصب بفعل القلب جزئي ابتداء أعني رأى خال علمت وجدا) انصب: فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.

جزءي: مفعول انصب.

بفعل القلب: متعلق بانصب.

أعني: أي: أقصد وأريد.

رأى خال علمت وجدا ظن حسبت: كل هذه معطوفات بإسقاط حرف العطف.

قوله: (انصب بفعل القلب): أفعال القلوب كثيرة منها: المحبة، والكراهة، والبغض، والعداوة، والخوف، والرجاء، وغير ذلك، وليس مراده بفعل القلب هنا جميع أفعال القلوب؛ لأنه قال:(أعني رأى)، وهذا هو فائدة قوله:(أعني رأى) أي: أنه ليس كل فعل قلبي ينصب المبتدأ والخبر؛ بل هي أفعال خاصة.

وقوله: (جزءي ابتدا) فيه تجوز؛ لأن الابتداء أمر معنوي، والمبتدأ والخبر أمر لفظي، والمراد بقوله:(جزءي ابتداء) أي: جزءي جملة ذات ابتداء، وهي: المبتدأ والخبر.

قوله: (أعني رأى) أي: من أفعال القلوب التي سأذكرها: رأى، ومثاله قول الشاعر: رأيت الله أكبر كل شيء محاولةً وأكثرهم جنودا ومنه قوله تعالى: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:7]، (نراه) أي: نعلمه قريباً، والمقصود يوم القيامة.

وتطلق (رأى) على معنى آخر غير فعل القلب وهو الرؤية بالبصر، فتنصب مفعولاً واحداً، تقول: رأيت زيداً، أي: بعيني، وتطلق: رأيت زيداً بمعنى: ضربته على رئته، والمقصود من (رأى) هنا القلبية.

قوله: (خال) هو أيضاً من أفعال القلوب، تقول: خلتُ الطالبَ فاهماً، وهي بمعنى: ظن، ومضارع خال يخال، كخاف يخاف.

(علمت) أيضاً تنصب مفعولين، وهي بمعنى: اعتقدت، فهو علم يقين، وليس علم عرفان، كما سيأتي بأن علم العرفان إنما ينصب مفعولاً واحداً.

مثال ذلك: علمت زيداً كريماً، أي: اعتقدته وعلمته علماً يقينياً أنه كريم.

(وجد) أيضاً تنصب مفعولين، كقوله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22]، ويحتمل أن تكون في الآية ليست من الوجدان القلبي، بل من: وجد الشيء يجده.

وأوضح منه قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص:44]، أي: إنا علمناه صابراً {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30].

(ظن) أيضاً من أفعال القلوب، كقولك: ظننت زيداً قائماً، وقد يطلق الظن على الرجحان وهو الأكثر، وقد يطلق على اليقين كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46].

وتطلق بمعنى التهمة كقولك: ظننت زيداً، أي: اتهمته، ومنه قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24] أي: بمتهم.

(حسبت): أيضاً من أفعال القلوب، وهي للرجحان غالباً، وتطلق بمعنى العلم، كقول الشاعر: حسبت التقى والجود خير تجارة.

أي: علمتها خير تجارة.

(زعمت) زعم بمعنى: اعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه، وهي من أفعال القلوب الدالة على الظن، ومنه قول الشاعر: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا (معَ عدْ) أي: معَ عدَّ، لكنه خففها لأجل وزن البيت، تقول: عددت محمداً رفيقاً، أي: اعتقدت في قلبي أنه رفيق، ومنه قول الشاعر: فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ولكنما المولى شريكك في العدم أي: لا تحسب المولى -وهو الصديق والناصر- من يشاركك إذا كنت غنياً فقط، فإن هذا ليس بمولى؛ لأنه إنما ينفع نفسه.

قال: (حجا) بمعنى: علم، كقول الشاعر: قد كنت أحجو أبا عمرو أخاً ثقةً حتى ألمت بنا يوماً ملمات أي: فإذا هو ليس بأخي ثقة، فهو في وقت الرخاء أخو ثقة، لكن لما ألمت به الملمات لم يكن أخا ثقة.

(درى): أيضاً تنصب مفعولين، وهي من أفعال القلوب، تقول: دريت زيداً عالماً، أي: علمته عالماً، ومنه قول الشاعر: دريتَ الوفيَّ العهدَ يا عرو فاغتبط فإن اغتباطاً بالوفاء حميد وقوله: (وجعل اللذ كاعتقد)، اللذ: لغة في (الذي)، ولكنها تحذف الياء في بعض اللغات.

وقوله: (اللذ كاعتقد) احترازاً من (جعل) التي بمعنى (صير)، والتي بمعنى (خلق)، فالتي بمعنى (صير) ليست من أفعال القلوب، ولكنها من أفعال التصيير، والتي بمعنى (خلق) لا تنصب إلا مفعولاً واحداً، مثالها قوله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، أي: خلقها وأوجدها، ومثال (جعل) التصييرية: قولك: جعلت القطن فراشاً، أي: صيرته، وجعلت العهن غزلاً، أي: صيرته، وما أشبه ذلك.

المهم أن قوله: (جعل اللذ كاعتقد) فيه احتراز من (جعل) التصييرية، و (جعل) التي بمعنى خلق وأوجد.

ومثال (جعل) التي كاعتقد: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19]، فجعل هنا لا تصلح بمعنى الخلق، ولا تصلح بمعنى التصيير، وإنما هي بمعنى الاعتقاد، أي: اعتقدوا الملائكة إناثاً.

(وهبْ)، أي: التي بمعنى: قدَّرْ، أي: قدر في قلبك كذا وكذا، وأما (هب) التي هي فعل أمر من (وهبَ يهبُ)، فتقول: هبْ زيداً ثوباً، فهذه من باب (كسا)، لكن إذا قلت: هبني صديقاً، فهذه هي المرادة من كلام المؤلف، وهي بمعنى: قدرني في قلبك صديقاً لك، ومنه قول الشاعر: فقلت أجرني أبا مالك وإلا فهبني امرأً هالكا وتأتي كثيراً في كلام العلماء موصولة بأن، مثل: هب أن الأمر كذا وكذا، فقيل: إن هذا من لحن العلماء، وممن ذهب إليه الحريري فقد قال: وهذا لحن، فإذا قلت: هبْ أن هذا كائن، فقل: هبْ هذا كائناً.

ولكن أُورد على هذا القول ما يذكر عن عمر رضي الله عنه في قصة الحمارية أنهم قالوا له: هب أن أبانا كان حماراً، ولم يقولوا: هب أبانا حماراً.

وعلى كل حال فقد شائع في كلام الفقهاء رحمهم الله أن تقترن بأن فيقال: هب أن الأمر كذا، لكن لو أردنا أن نأتي بالأفصح لقلنا: هب الأمر كذا، فنكون سلكنا الأصلح واختصرنا الكلام بحذف أَنْ.

(تعلَّم) ليس المراد بذلك طلب العلم، بل المراد: اعلم، تقول: تعلَّم الله قادراً، أي: اعلم أن الله قادر، ومنه قول الشاعر: تعلَّم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر فمعنى قوله: (تعلّم شفاء النفس قهر عدوها): اعلم بأن شفاء النفس قهر عدوها.

إذاً: الأدوات التي مر ذكرها هي: رأى، خال، علم، وجد، ظن، حسب، زعم، عدَّ، حجا، درى، جعل، هبْ، تعلّم.

فهذه ثلاث عشرة كلمة كلها من أفعال القلوب، لكن بالنسبة لمعانيها فمنها ما يفيد العلم، ومنها ما يفيد الظن، والذي يفيد الظن قد يفيد العلم أيضاً، والذي يفيد العلم قد يفيد الظن أيضاً، لكن يكون أرجح في الظن، أو أرجح في العلم، فتكون الأقسام أربعة: ما يفيد العلم يقيناً.

وما يفيد الظن.

وما يفيد الظن في الأصل، وقد يفيد العلم في الفرع.

والعكس.

قال رحمه الله: (والتي كصيرا أيضاً بها انصب مبتداً وخبرا) التي: مبتدأ.

كصيرا: جار ومجرور، لكن (صيرا) فعل قصد لفظه، فلهذا دخلت عليه الكاف، أي: والتي كهذا الفعل، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول.

أيضاً: مصدر حذف منه العامل وجوباً، وهو من (آض) إذا رجع.

بها: جار ومجرور متعلق بـ (انصب).

انصب: فعل أمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.

مبتداً: مفعول به.

وخبراً: معطوف عليه، والجملة خبر التي.

يقول المؤلف رحمه الله: والأفعال التي بمعنى (صيَّر) انصب بها مبتدأً وخبراً، فتنصب مفعولين عمدتين أصلهما المبتدأ والخبر.

مثال ذلك: صيرت الحديد باباً، أي: حولته وجعلته.

وتقول: اتخذت فلاناً صديقاً، أي: صيرت.

وتقول أيضاً: رددت البياض سواداً، أي: صيرت.

ومنه قول الشاعر: فرد شعورهن السود بيضاً ورد وجوههن البيض سودا الشاهد: قوله: (فرد شعورهن السود بيضاً) أي: صيرها بيضاً، (ورد وجوههن البيض سوداً) أي صيرها سوداً.

ومنه قوله تعالى: ((واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا))، فهذه الأفعال قد نصبت مبتدأً وخبراً.

إذاً: كل فعل بمعنى (صير) دخل على مبتدأ وخبر فإنه ينصبه كظن وأخواتها، بل هو من أخوات ظن.

ص: 2