المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثاني: القراءة على الشيخ - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الثاني: القراءة على الشيخ

يعني إذا كانت من عادة الشخص ومن ديدنه أن لا يروي إلا بهذه الصيغة ولو تحمل بطريق السماع.

وهي على السماع إن يدرَ اللقي

لا سيما من عرفوه في المضي

يعني في طريقته وجادته المتبعة في زمنه كله "لا يقول ذا لغير ما سمع" أما إذا كان يقول: قال في غير المسموع، يعني لا يقول: قال فلان وهو ما لقيه ولا عاصره، هذه ما تحمل على اللقاء أبداً، يعني مثلما نقول في العصور المتأخرة: قال رسول الله، أو قال عمر، أو قال الإمام أحمد، أو قال الشافعي، أو قال أبو حنيفة، فقولنا لا يدل على اتصالها ولا على السماع،

. . . . . . . . .

لا سيما من عرفوه في المضي

يعني ذكروا ذلك عنه.

طالب:. . . . . . . . .

هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني ذكروا عنه ذلك، ذكروا عنه، أو عرف بذلك.

أن لا يقول ذا بغير ما سمع

. . . . . . . . .

أما من يقول ذلك لما سمع، يعني أنت تقول: قال الشيخ فلان وأنت سمعت منه، ألا تقول: قال فلان وأنت سمعت منه؟ وقال الشيخ فلان وأنت قرأت من كتبه، وتقول: قال شيخ الإسلام وأنت سمعته من شيخ بوسائط ومفاوز، وتقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينك وبينه أكثر من عشرين نفساً، هذا لا يحمل على السماع حينئذٍ.

أن لا يقول ذا بغير ما سمع

منه كحجاج. . . . . . . . .

وهو ابن محمد الأعور "ولكن يمتنع

عمومه عند الخطيب" يعني هذا ما يعمم على الناس كلهم، يعني كل من روى بصيغة (قال) تحمل على الاتصال "وقصر

ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر"

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . ولكن يمتنع

عمومه عند الخطيب وقصر

ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر

اشتهر بهذا الوصف مثل الحجاج بن محمد الأعور، يروي بطريق السماع، يتحمل بطريق السماع، ويؤدي بصيغة (قال) وهو معروف عنه هذا، واشتهر عنه ذلك، عرّفه أهل العلم، وعرفوه بهذا، نعم.

‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا

مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا

مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ أو سَمِعْتَا

والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا

أولَا وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ

بِنَفْسِهِ أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ

ص: 5

قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ

يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ

وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا

نَقْلَ الخِلَافِ وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا

وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلَا

أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلَا

عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ

(كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ)

مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ

وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)

قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ

وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: الثاني: يعني من طرق وأقسام التحمل: القراءة على الشيخ، الأول الشيخ يتكلم ويحدث والطالب يسمع ويحفظ، الثاني: العكس الطالب هو الذي يقرأ والشيخ يستمع، يعرض الطالب ما عنده على شيخه، فيقول: حدثك فلان عن فلان عن فلان والشيخ يستمع، وهل يشترط أن يقول: نعم؟ قال بعضهم: نعم، لا بد أن يقول: نم؛ لأنه يسأل حدثك فلان عن فلان عن فلان، فلا بد أن يقول الشيخ: نعم، والجمهور على أنه لا يشترط ولا يلزم، إذا سكت معناه أنه حدثه، وهذه هي التي تسمى عند جمع من أهل العلم العرض، العرض على الشيخ، يعني القراءة على الشيخ، تعرض ما عندك على الشيخ، وإن كان بعضهم يتجاوز في هذا اللفظ ويطلقه على عرض المناولة، وسيأتي الكلام فيها، لكن العرض إذا أطلق المراد به ما يعرضه الطالب على شيخه، والرواية بالعرض رواية معتبرة عند أهل العلم، وجد فيها خلاف قديم ثم انقرض، وثبت الإجماع على صحة الرواية بها، والأصل فيها حديث ضمام بن ثعلبة، وهو في الصحيح، ضمام سمع عن النبي عليه الصلاة والسلام أخبار ما سمعها منه، لكنه بلغه أشياء عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم جاء إليه يعرض عليه هذه الأشياء، فتحملها عن النبي عليه الصلاة والسلام بطريق العرض، ولذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا

مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً. . . . . . . . .

يعني القراءة على الشيخ الطالب يقرأ والشيخ يستمع، يعرض ما عنده على شيخه سواء قرأ من كتاب أو من حفظه.

ص: 6

ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا

مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا

سوا بالقصر، وهي لغة في سواء، يعني سواء قرأتها

مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ أو سَمِعْتَا

والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا

يعني سواء قرأت على الشيخ من حفظك، أو من كتابك، أو سمعت من يقرأ على الشيخ، فسواء قرأت بنفسك من حفظك، أو من كتابك، أو سمعت من يقرأ على الشيخ، هذا كله عرض.

. . . . . . . . . أو سَمِعْتَا

والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا

الشيخ حافظ لما عرضت، يعني أنت تقرأ والشيخ يستمع وهو حافظ لحديثه، فإذا أخطأت رد عليك "والشيخ حافظ لما عرضتا

أو لا" أو لا يحفظ،

المسألة افترضت على وجوه من قبل الطالب سواء كان يحفظ أو من كتابه كذلك الشيخ، سواء كان يحفظ أو من كتابه؛ لأن الضبط قد يكون بضبط الصدر، وقد يكون بضبط الكتاب على ما تقدم.

"والشيخ حافظ لما عرضتا

أو لا" أو لا يحفظ "ولكن أصله يمسكه" الكتاب ما عنده ضبط صدر، عنده ضبط كتاب، هل يتصور أن الشيخ لا ضبط صدر ولا ضبط كتاب؟ يعني يمكن أن تأتي لشيخ لا يضبط ضبط صدر، ويقول: والله الكتاب ضاع، تبي تروي عنه أحاديث، كيف تروي؟ هذا خلاص انتهت أحاديثه هذا لا يروى عنه، فإما أن يكون يحفظ ما يحدث به أو يعرض عليه، أو يكون مدون في كتابه مضبوط ومتقن، ويمسكه بيده "ولكن أصله يمسكه بنفسه" هذا الأصل "أو ثقة ممسكه" يعني قد يكون بيد شخص ثقة يجلس بجانبه، ويتولى الرد هذا الثقة من الكتاب، الشيخ لا يمكن يتولى الرد؛ لأنه لا يحفظ، فإذا رد هذا الثقة الممسك والشيخ حاضر وأقره على الرد صحت الرواية عن الشيخ؛ لأنه قد يقول قائل: ويش الفائدة من وجود الشيخ؟ فصار لا يحفظ ولا يمسك الكتاب ويش الفائدة من وجوده؟ نقرأ على هذا الطالب ويكفي! نقول: لا الطالب لا يروي هذا الكتاب بحيث تروي عنه، ولو رواه فيرويه حينئذٍ عن صاحبه عن صاحب الكتاب، وتكون بقراءتك على هذا الطالب الممسك بالكتاب نزول، تكون روايتك نزول؛ لأن الأصل صاحب الكتاب، فأنت تروي عنه لا عن هذا الطالب الذي يمسك بالكتاب.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ

ص: 7

قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ

يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ

يعني إذا كان الشيخ لا يحفظ، والكتاب ما هو بموجود، وأنت تريد الرواية عن الشيخ بطريق العرض، بطريق السماع ممكن؟ لا، ما يمكن، لماذا؟ لأنه لا يحفظ والكتاب غير موجود، ما بقي إلا العرض، كيف تعرض وأنت لا تحفظ والشيخ لا يحفظ؟ عندك طالب بمثابة نسخة من الكتاب، يحفظ الكتاب بحروفه، ولذا يتندر بالحفاظ من حرم الحفظ، ويقول: ما الفائدة من الحفظ؟ الحفظ زيادة نسخة، فهذا الطالب الحافظ بمثابة نسخة، "كذا إن ثقة" لا بد أن يكون ثقة.

. . . . . . . . . مِمَّنْ سَمِعْ

يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ

يعني سواء الشيخ يحفظ، أو يمسك بكتابه، أو يمسكه ثقة يكون بجواره، والثقة هذا يتابع القراءة، والشيخ يقر الرد، أو يكون هناك من يحفظ الكتاب بحروفه، يكون بجانب الشيخ بمثابة النسخة، طيب لو أن الشيخ سجل الكتاب على شريط، وصار الطلاب يعرضون محفوضهم أو ما يريدون روايته عن الشيخ على هذا الشريط، يكفي أن يعرضوا على الشريط أو لا بد من وجود الشيخ؟ لا بد من وجود الشيخ وإلا فأنت تروي هذا الكتاب عن الشيخ بواسطة، وأما حكم القراءة على الشيخ والتحمل بها فيأتي غداً -إن شاء الله تعالى-.

يقول: هل حديث العجن في الصلاة صحيح؟

ليس بصحيح.

وكيف ترفع جهالة الحال؟

جهالة الحال ترفع بالتعديل.

حكم صيام يوم السبت منفرداً في غير الفرض؟ وما حكم الحديث الوارد في النهي عن صيامه؟

يكرهه أهل العلم.

هل حديث تحريك السبابة في التشهد في الصلاة شاذ؟

التحريك محفوظ، لكنه عند لفظ الشهادة والدعاء.

هذا يقول: أقترح أن يطلب من الطلاب حفظ الأبيات، وتسميعها عند بداية كل درس؛ ليكون أدعى إلى الفهم والعمل؟

لا شك أن هذا مهم بالنسبة للتحصيل، لكن الإشكال في كيفية التنفيذ، وآلية التنفيذ، أكثر من واحد يطلب ترجمة للشيخ حافظ -رحمه الله تعالى-، وهذه تحضر فيما بعد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل عن درجة الحديث؟ هل تختلف باختلاف الصيغة صيغة التحديث؟ يعني هل تختلف إذا قال الراوي: سمعت فلاناً، أو قال: حدثني فلان، أو أنبأنا فلان، أو عن فلان، أو أن فلاناً؟

ص: 8

لا شك أن هذه الصيغ متفاوتة كما مر بنا وسيمر أيضاً، هذه الصيغ متفاوتة، فأقواها سمعت، ثم حدثني، ثم أخبرني، ثم أنبأنا، ثم عن، وأن، وقال، وقال لي، هي متفاوتة، لكن كلها بالنسبة لمن برأ من وصمة التدليس كلها تدل على الاتصال، لا شك أنهم يرجحون، يعني من المرجحات التي ذكرت، مرجحات كثيرة جداً، التي ذكروها حيث أوصلها الحازمي إلى خمسين، وأناف بها الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح على المائة، منها الترجيح بصيغ الأداء، فإذا قال المحدث: سمعت فلاناً لا يحتمل أن بينه وبينه واسطة، ومثله لو قال: حدثني أو أخبرني بخلاف العنعنة، أو مثل قال فإنها معروف أنها دون التصريح بالسماع والتحديث من حيث إفادة الاتصال وعدمه، ومع ذلك هي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، أعني العنعنة وفي حكمها السند المؤنن ومثلها قال؛ لأن حكمها حكم السند المعنن، فالتصريح بالتحديث أو بالسماع هذا لا يحتمل، وما عداه فهو محتمل، إلا أنه محمول على الاتصال عند الجمهور، ومنهم من يقول: هي منقطعة باستمرار، الأصل فيها الانقطاع، وهذا قول البرديجي وجمع من أهل العلم، ومنهم من يفرق بين (عن) و (أن) فيرى أن (عن) محمولة على الاتصال، وأن فلاناً قال منقطعة، ونسبه ابن الصلاح إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة وهذا كله تقدم.

. . . . . . . . .

وحكم (أن) حكم (عن) فالجل

سووا وللقطع نحا البرديجي

حتى يبين الوصل في التخريجِ

ونسب ابن الصلاح للإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أن السند المأنن محكوم بانقطاعه بخلاف السند المعنعن، وأورد لذلك مثالاً من حديث عمار بن ياسر، ففي بعض رواياته عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي عليه الصلاة والسلام مر به، وفي بعض رواياته عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي عليه الصلاة والسلام فحكم على السند الأول الوارد بـ (عن) بالاتصال، وحكم على السند الثاني الوارد بـ (أن) بالانقطاع وقال: إن السبب في ذلك مرده إلى اختلاف الصيغة، يقول الحافظ العراقي:

ص: 9

"كذا له -يعني ابن الصلاح- ولم يصوب صوبه" يعني ما أدرك السبب الذي حكم به الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة بالاتصال والانقطاع من أجل اختلاف الصيغة، لا، حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر هنا متصل؛ لأن محمد بن الحنفية يروي القصة عن صاحبها، ولما قال: عن محمد بن الحنفية أن عمار بن ياسر مر به النبي عليه الصلاة والسلام حكم بانقطاعها؛ لأن ابن الحنفية وهو تابعي يحكي قصة لم يشهدها.

هذا يقول: بوب إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد فقال: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، ثم أورد حديثاً ضعفه أهل العلم، وبنى هذا الباب عليه، فيكف يتعامل طالب العلم مع هذا؟ هل يحذفه بحجة أن ما بني على ضعيف فهو ضعيف؟ أم كيف يوجه ذلك؟ وهل مثل هذا الحكم يثبت بحديث ضعيف؟

لا يثبت الحكم بحديث ضعيف، والشيخ محمد أورد بعض الأحاديث التي أختلف فيها، يعني تجد مثل هذا الحديث يصححه مثل الحاكم وابن حبان، وكثير من أهل العلم يضعفه، ومثله الحديث الثاني حديث الذباب الذي أورده في السؤال الثاني، على كل حال الإمام -رحمة الله عليه- حينما يورد في الباب خبراً ضعيفاً لا يعول عليه ولا يعتمد عليه اعتماداً كلياً، وإنما يورد جملة أدلة منها هذا الحديث الضعيف، فحينما تورد الأدلة، يورد آية مثلاً، ثم حديثاً صحيحاً، ثم حديثاً ضعيفاً، ثم أثر، وما أشبه ذلك، فالاستدلال بالمجموع، بمجموع ما في هذا الباب.

يقول: في الحديث الذي قرب ذباباً إلى الصنم ظاهره أنه مكره، وإمام الدعوة في مسائل كتاب التوحيد حكم عليه بالكفر، فهل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يرى الإكراه مانعاً من الكفر؟

منهم من يفرق بين الإكراه على القول والإكراه على الفعل، وهذا إكراه بالفعل، وكأن الشيخ فهم وغير الشيخ أيضاً فهم من هذا الحديث أنه لما اقتنع منه بالذباب رضي بذلك وطابت به نفسه، ففي ذلك حُكم عليه بالكفر.

ص: 10

يقول: يلاحظ أن كثيراً من الأولاد يبدأ بالتأثر تأثيراً سلبياً حينما يدخل المدارس، ومعلوم لدى الجميع أن جو المدرسة لم يُعد بالجو المناسب للتربية، خصوصاً وأن أصدقاء السوء أصبح عدداً كثيراً، فما الواجب على الآباء تجاه ذلك؟ هل يمنعون أولادهم من المدارس؟ وهل هناك مدارس ينصح بها؟

لا شك أن الاجتماع مؤثر، فالاجتماع بالأخيار يؤثر خيراً، والاجتماع بالأشرار يؤثر شراً، فأولاد الأخيار في الغالب يؤثرون خيراً على غيرهم، وأولاد الأشرار يؤثرون شراً على أولاد غيرهم، وهذا موجود، وبيوت المسلمين كما تعلمون فيها المحافظ، وفيها المتساهل، فأولاد المتساهلين يشاهدون ما يشاهدون في بيوتهم مما يؤثر على أخلاقهم، وبذلك يخبرون زملاءهم ويؤثرون عليهم بها، فلا شك أن تأثيرهم سلبي، لكن ينبغي أن يكون تأثير أولاد الأخيار على غيرهم أكثر من تأثير غيرهم عليهم؛ لتنمية روح الدعوة فيهم، وتربيتهم على ذلك، بحيث يؤثرون ولا يتأثرون، فهذا إن أمكن هو الأصل، والترك ليس بعلاج؛ لعدم وجود البديل النظيف من كل وجه، وإذا استسصحبنا مثل هذا وقلنا: يسحب الولد من المدرسة ولا يدرس نظراً لوجود هذا التأثير أيضاً نقول: هو في طريقه إلى الصلاة قد يلتقي بأولاد الجيران، وفيهم من أهله موصوفون بالتساهل، وفي بيوتهم القنوات التي فيها ما فيها، إذاً نقول: لا يذهب إلى المسجد لئلا يتأثر، وإذا أراد أن يذهب إلى التحفيظ إلى الحلقة في المسجد قلنا: لا يذهب لئلا يتأثر بقرناء السوء، على كل حال الترك ليس بعلاج، لكن على الأب بأن يجتهد في نصح ولده وتوجيه، وأيضاً يحرص على صيانته وحياطته ومناعته من قرائن السوء، ويحرص أن يقرنه بأولاد الأخيار.

يقول: أنا ما حفظت المتون التي تنصحون بها، ولكني انتهيت من كتاب في العقيدة لأحد الشيوخ من مصر، وهو كتاب شامل لكل أبواب العقيدة، ثم انتقلت إلى فتح المجيد شرح كتاب التوحيد؟

ص: 11

على كل حال الإنسان ما ييئس ما دام ما حفظ يراجع ويحفظ، إن كانت الحافظة تساعده وتعينه على الحفظ ولو تقدمت به السن يحرص على الحفظ وإن عجز عن الحفظ وأيس منه فإنه يعاني العلم بالمثابرة والمراجعة والكتابة يكتبه مراراً، ويراجع عليه الكتب، ويعلق عليه من كتب العلم المختلفة.

يقول: هل يدخل بيع المزادات العلنية في النهي الوارد في حديث: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض)

لا يدخل؛ لأن النهي حينما يركن إلى المشتري، فإذا ركن صاحب السلعة إلى شخص بعينه وأجابه إلى طلبه فإنه حينئذٍ لا يجوز له البيع على بيعه، ولا يجوز الشراء على شرائه، لا يجوز البيع على بيعه بأن يقول: أنا اشتريها منك بأكثر من هذا، أو يقول: أنا أبيعك سعلة مثلها بأرخص من هذا الثمن، لا يجوز بحال إذا ركن أحدهما إلى الآخر، لكن قبل ذلك فيمن يزيد لا بأس ولا مانع، والنبي عليه الصلاة والسلام باع أعبداً فيمن يزيد.

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم البنت أشد، البنت أمرها أشد من الولد، فإذا خشي عليها من التأثر فتسحب من المدرسة، تفصل من المدرسة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- لما ذكر القراءة على الشيخ التي يسميها المعظم: العرض، وإن كانت تلتبس هذه التسمية عرض القراءة بعرض المناولة على ما سيأتي، لكن العرض عند عامة أهل العلم المراد به عرض القراءة على الشيخ، وقلنا فيما تقدم شرحاً لكلام الناظم سواء قرأ القارئ من كتاب أو من حفظ، وسواء كان المقروء عليه يعني الشيخ يحفظ حديثه، أو مدون له بكتاب يمسكه بنفسه، أو يمسكه ثقة، إلى غير ذلك، ثم بين حكم القراءة على الشيخ، أما بالنسبة للسماع من لفظ الشيخ فهذا هو الأصل، ولم يجرِ فيه أي خلاف في صحة الرواية بالسماع من لفظ الشيخ، وهذا هو الأصل في الرواية، أن النبي عليه الصلاة والسلام يحدث والصحابة يتلقون عنه ويتحملون عنه الحديث.

بالنسبة للعرض -القراءة على الشيخ- قال رحمه الله:

وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا

. . . . . . . . .

ص: 12

نقل الخلاف، كيف يكون أجمعوا وردوا نقل الخلاف؟ ما دام نقل الخلاف هل يحكم بإجماع؟ نعم؟ يعني كأنهم لم يعتدوا بهذا الخلاف، ورأوا أن هذا الخلاف لا حض له من النظر، وحينئذٍ ينعقد الإجماع مع هذا الخلاف الذي لا قيمة له، مثل هذا سهل، وأجمعوا أخذاً بها وردوا نقل الخلاف، لكن حينما يقول فيما تقدم:

أجمع جمهور أئمة الأثر

. . . . . . . . .

أجمع جمهور لفظ متنافر؛ لأن الجمهور يعني قول الأكثر، فيدل على أن هناك من خالف، أما هنا:

وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

يعني أجمعوا على الأخذ بها، والرواية بها، وصحة الرواية بها، يعني بالقراءة على الشيخ، يعني إذا قرأ الطالب على الشيخ: حدثك فلان عن فلان عن فلان، أو أخبرك فلان عن فلان عن فلان، فقال الشيخ: نعم، هذه الرواية صحيحة بالإجماع، وأما الخلاف المنقول فيها فهو مردود، وردوا نقل الخلاف، يعني المحكي عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ووكيع، ومحمد بن سلام الجمحي، وغيرهم، هؤلاء خالفوا ثم أنقرض هذا القول، وثبت الإجماع على صحة الرواية بها.

"وبه ما اعتدوا" لعملهم بخلافه، يعني كأنه غير موجود، وعرفنا أن دليل صحة الرواية بالعرض حديث ضمام بن ثعلبة، المخرج في الصحيح، حديث ضمام بن ثعلبة، ضمام سمع وهو عند قومه قبل أن يقدم على النبي عليه الصلاة والسلام من أخبار النبي عليه الصلاة والسلام، ومما يدعو إليه صلى الله عليه وسلم فجاء يتثبت، فعرض ما بلغه على النبي عليه الصلاة والسلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فذهب يروي ما عرضه على النبي عليه الصلاة والسلام يروي قومه هذه الأحكام، وخرجت في الصحيح فدل على أن الرواية بالعرض معتبرة عند أهل العلم.

وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا

نَقْلَ الخِلَافِ وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا

وَالْخُلْفُ فِيْهَا. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ص: 13

هنا ذكر الخلاف مرة ثانية، لكنه ليس الخلاف في صحة التحمل بها، لا، خلاف من جهة أخرى، في قوتها وضعها، هل تساوي الأولا، يعني هل هي في درجة السماع من لفظ الشيخ أو دونه أو فوقه؟ والخلف فيها -يعني الاختلاف- هل تساوي الأولا، يعني القراءة على الشيخ، العرض على الشيخ هل يساوي الاستماع والأخذ من لفظ الشيخ؟ والسماع من لفظ الشيخ؟

وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلَا

أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلَا

عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ

(كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ)

مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ

. . . . . . . . .

ص: 14

هما سيان، يعني الخلاف على ثلاثة أقوال، هل هي مساوية للسماع من لفظ الشيخ، أو أقل من السماع من لفظ الشيخ دونه أو فوقه؟ ثلاثة أقوال، رابعها التوقف، فنقل هذا القول الأول عن مالك وصحبه، ومعظم العلماء من أهل الكوفة كالثوري وأهل الحجاز كابن عيينة، أهل الحرم، يعني هم أهل الحجاز أهل الحرم، مع البخاري هما سيان، هذا القول الأول، مالك وصحبه ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام إمام الصنعة الحافظ الحجة الناقد أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري، قال: هما سيان، سواء سمعت من لفظ الشيخ أو قرأت عن الشيخ لا فرق من حيث الصحة والقوة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يستنكر على من يطلب منه أن يقرأ عليه، يستنكر وينكر عليه أشد النكير، إذا جاء أحد يريد الرواية عن الإمام مالك وطلب منه أن يقرأ منه الموطأ قال: لا اقرأ أنت، فإذا قال له: السماع أفضل أو أقوى، اشتد نكيره عليه، وقال: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! يعني جرت العادة أن القارئ يقرأ على الناس أو يقرأ عليه في القرآن؟ يقرأ عليه، القراءة عرض، قراءة القرآن، فهذا الذي أراد من الإمام مالك أن يقرأ عليه شيء من الموطأ أو شيء من مروياته ينكر عليه الإمام ملك، ويقول: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! وابن أبي أويس يقول: صحبت مالكاً سبعة عشر سنة فما رأيته قرأ على أحد، الناس يقرؤون عليه، مما يجعل بعض أهل العلم ينقل عن الإمام مالك قولاً ثانياً مفاده أن العرض أقوى من السماع من لفظ الشيخ.

هؤلاء عن مالك وصحبه ومعظم العلماء من أهل الكوفة والحجاز والبخاري هما سيان، يعني بمنزلة واحدة، يعني سواء قرأ الشيخ على الطالب، أو قرأ الطالب على الشيخ.

. . . . . . . . .

وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)

بن ثابت المكنى بأبي حنفية.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . مَعَ (النُّعْمَانِ)

قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ص: 15

يعني على السماع، رجحا الطريق الثاني القراءة على الشيخ على السماع، قد رجحا العرض يعني على السماع، ما الحجة؟ عرفنا أن من رجح السماع على العرض هذا معه الأصل، السماع هو الأصل في الرواية، لكن من رجح العكس من رجح العرض ما حجته؟ حجته أنه في حال السماع من لفظ الشيخ لو أخطأ الشيخ لم يتهيأ للطالب أن يرد عليه، إما لجهله، أو لهيبة الشيخ، لكن في حال العرض والقراءة على الشيخ لو أخطأ الطالب هل يتردد الشيخ في الرد عليه؟ لا يتردد الشيخ في الرد عليه، لكن ينبغي أن نعرف أن مثل هذا الجزم بأن الشيخ لا يتردد إنما هو بالنسبة لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام في عصر الرواية، أما في العصور المتأخرة تجدون الطلاب فيهم المتمكن، وفيهم المتوسط، وفيهم من هو أقل من ذلك، وفيهم من يضبط العربية، وفيهم من يخل بها، ومنهم من يقل خطأه فيتهيأ الرد عليه، ومنهم من يكثر خطأه فلا يعتبر ذلك إقراراً من الشيخ، ولا يعني أن الشيخ يخفى عليه هذا الأمر، لا لكن لو أخذ الشيخ يتتبع كل شيء يلحن فيه الطالب أو يخطأ فيه يرد عليه لا سيما بعض الطلاب المكثرين من اللحن صار الدرس كله تلقين، وبعض الطلاب -وهذا أمر يقر به- يعني بعض الطلاب من المنزلة والرفعة عند الشيخ ما يجعل الشيخ يتهيب الرد عليه، مع أن الطالب يحرص أن يرد عليه الشيخ، لكن مع ذلك يتردد الشيخ أحياناً في الرد عليه، وهذا يحصل مع بعض الطلاب الكبار، يعني يرد عليه مرة مرتين، لكن أكثر من ذلك يعني أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، لما يأتي شخص من الطلاب يقرأ على شيخ مساوي له في القدر وفي السن، وما أشبه ذلك، يعني يصعب عليه أن يتصدى للرد عن كل شيء يتجاوز، وسمعنا من شيوخنا الموجودين الكبار يمشي بعض الأمور إذا كانت منزلة الطالب فوق أن يرد عليه جميع ما يلحن فيه أو ما يخطئ فيه.

. . . . . . . . .

وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)

قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

وعرفنا الحجة في هذا؛ أنه لو أخطأ الشيخ لم يتهيأ للطالب أن يرد عليه، إما لهيبة الشيخ، أو لجهل الطالب، بينما في حال القراءة على الشيخ لو أخطأ الطالب لم يتردد في الرد عليه، نعم؟

ص: 16

طالب:. . . . . . . . .

حديث البراء في الذكر ويش فيه؟

طالب:. . . . . . . . .

لما أعرض؟ لكنه سمع قبل ذلك، هو سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام ثم عرض عليه، هذا الحكم للأقوى، فيقال: رواه بطريق السماع، بينما ضمام بن ثعلبة ما سمع من النبي عليه الصلاة والسلام، سمع من غيره، فعرض عن النبي عليه الصلاة والسلام فبينهما فرق "وعكسه" وهو القول الثالث، وهو ترجيح السماع على العرض أصح وأشهر "وعكسه أصح وجل" يعني معظم أهل المشرق، أهل الشرق، علماء المشرق، وخرسان وغيرهم، وجل أهل الشرق نحوه جنح.

قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ

وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ

يعني مال إلى ترجيح الطريق الأول من طرق التحمل، طيب من روى بطريق السماع تقدم أنه يقول: سمعت بدون تردد لمطابقته للواقع، ويقول: حدثني كذلك وقد حدثه الشيخ، ويقول: أخبرني كذلك وقد أخبره الشيخ، ويقول: أنبأنا ونبأنا، ويقول: عن فلان، وقال لنا فلان، هذا كله مطابق للواقع، لكن ماذا عما لو قرأ على الشيخ هل يقول: سمعتُ؟ هل سمع من الشيخ؟ ما سمع، هل يقول: حدثني؟ يعني حدثه الشيخ؟ ما حدثه، هل يقول: أخبرني؟ ما أخبره، إذاً ماذا يقول؟ يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"وجودوا" يعني أهل الحديث رأوا أن الأجود والأسلم في حال الأداء "وجودوا فيه أن يقول: قرأت، إذا كان قد قرأ بنفسه، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أجود ما يقال في هذا إذا كان الراوي هو القارئ على الشيخ أن يقول: قرأت عليه،

وإذا كان القارئ غيره يقول: قُرئ عليه وأنا أسمع.

وجودوا فيه قرأت أو قري

مع وأنا أسمع ثم عبّرِ

وأنا أسمع وكل هذا لمطابقة هذا اللفظ للواقع، هذا أجود وأسلم ما يقال أن يقول: قرأت أو قرئ عليه وأنا أسمع؛ لأن هذا هو المطابق للواقع.

"ثم عبّرِ" أيها المحدث.

بما مضى في أولٍ مقيدا

. . . . . . . . .

الذي مضى في أول سمعت وحدثني وأخبرني هناك بالإطلاق، تقول من غير تقييد، وهنا تقوله مقيداً.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . ثم عبّرِ

بما مضى في أول مقيدا

قراءة عليه. . . . . . . . .

ص: 17

يعني مقيداً ذلك بما مضى في القسم الأول، مقيداً ذلك بقولك: قراءة عليه، فلك أن تقول: حدثنا أو حدثني، أو أخبرنا أو أخبرني قراءة عليه، أو بقراءتي عليه إذا كنت أنت القارئ، أو قراءة عليه وأنا أسمع إذا كان القارئ غيرك.

. . . . . . . . .

قراءة عليه حتى منشدا

فالذي يقرأ على الشيخ يقول: حدثنا وأخبرنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه، ومثله لو كان ذلك في الشعر،

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . حتى منشدا

منشداً نظماً لغيرك تقرأه عليه تقول: أنشدنا فلان قراءة عليه، يعني إذا سمعت النشيد من صاحبه، سمعت الشعر من قائله تقول: أنشدنا من غير تقييد، أما إذا سمعت النشيد بقراءة غيرك، أو قرأته على منشده تقول: أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه لا سمعت، يعني ما يمكن أن تقول: سمعت قراءة عليه، فاستثنيت سمعت، إي إلا سمعت فلا تجوز،

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . لكن بعضهم قد حللا

يعني بعض العلماء كالسفيانين ومالك قد حللا ذلك، أجازا أن يقال: سمعت في حال القراءة على الشيخ، أو ما يسمى بالعرض على الشيخ، أجازا أن يقال: سمعت، فإن كان القصد سمعت بقراءة غيرك سمعت قراءة غيرك على هذا الشيخ فيمكن، أما سمعت من لفظ الشيخ فلا يمكن، ويمكن حمله على ما قال بعضهم على ما إذا قال: سمعت على فلان، يعني ما هو بسمعت من فلان، سمعت من فلان لا يليق إلا بالطريق الأول من طرق السماع، أما سمعت على فلان فيصح أن يقال في الطريق الثاني من طرق التحمل، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظي، قال:

ومطلق التحديث والإخبارِ

منعه أحمد ذو المقدارِ

مطلق التحديث تقول: حدثنا وأخبرنا، وأنت لم تسمع من لفظه، وإنما بقراءتك أو بقراءة غيرك على الشيخ بالإطلاق بالنسبة لمن أخذ الحديث والرواية عرضاً، مطلق التحديث والإخبار يعني دون تقييد بقولك: بقراءة أو قراءة عليه وأنا أسمع، هذا منعه الإمام أحمد بن حنبل ذو المقدار الجليل "و -كذا- النسئي" المراد به أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، صاحب السنن "والتميمي يحيى" بن يحيى "و -عبد الله- بن المبارك الحميد سعيا".

ومطلق التحديث والإخبارِ

منعه أحمد ذو المقدارِ

ص: 18

والنسئي والتميمي يحيى

وابن المبارك الحميد سعيا

هؤلاء منعوا الإطلاق، فمن تحمل بطريق العرض والقراءة على الشيخ لا يجوز أن يقول: أخبرنا ولا حدثنا كما أنه لا يجوز أن يقول: سمعت.

وذهب الزهري والقطانُ

ومالك وبعده سفيانُ

ومعظم الكوفة والحجازِ

مع البخاري إلى الجوازِ

وذهب الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد القطان والثوري وأبو حنيفة في أحد قوليه، "وملك وبعده سفيانُ" ابن عيينة، وذهب الزهري ومن معه يحيى بن سعيد القطان والثوري أبو حنيفة ومالك في أحد قوليه وبعده سفيان بن عيينة حينما قال:

وذهب الزهري والقطانُ

ومالك وبعده سفيانُ

ص: 19

هذا يعين أن يكون المراد به ابن عيينة؛ لأنه قال: بعده بعد ملك؛ لأن الثوري قبله، وابن عيينة قبله، وإن كان قول الثوري مثل قول ابن عيينة، لكن لما قال: بعده تحدد المراد بسفيان، وإلا فهو مهمل يحتمل أن يكون سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة، لكن لما قال: بعده عرفنا أنه سفيان بن عيينة؛ لأنه بعد مالك بخلاف الثوري فإنه قبله "ومعظم الكوفة والحجاز" معظم أهل الكوفة وأهل الحجاز مع الإمام البخاري إلى الجواز قالوا: يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا من غير تفريق للطريق المروي به، سواء كان بطريق السماع أو بطريق العرض، وذلك لعدم الفرق بين الطريقين في صحة الأخذ بهما، فمنهم من يمنع مطلقاً الرواية بصيغة التحديث أو الإخبار، ومنهم من يجوز مطلقاً، ومنهم من يفرق بين الصيغتين، فيجوز أخبرنا ولا يجوز حدثنا، فيجعل أخبرنا خاصة بما تحمل بطريق العرض، بطريق القراءة على الشيخ، ويجعل حدثنا وسمعت لما تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، عندنا في المسألة ثلاثة أقوال في كيفية صيغة الأداء لمن روى بطريق العرض، عرفنا أن الأجود والأحوط أن يقول: قرأت أو قرئ وأنا أسمع، ويجوز أن يأتي بالألفاظ السابقة بالتقييد، لكن بالإطلاق يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا؟ خلاف، منهم من يمنع مطلقاً، ومنهم من يجوز مطلقاً ويسوي بين الصيغتين التحديث والإخبار، يعني منهم من يمنع الصيغتين، فلا يجوز إلا بالتقييد، ومنهم من يمنع الصيغتين إلا في طريق السماع، ومنهم من يجوز الصيغتين لعدم الفرق بين حدثنا وأخبرنا، ما في فرق، وهذا في مقابل ما استقر عليه الاصطلاح من التفريق بين حدثنا وأخبرنا، وهو القول الثالث فيجوزن أخبرنا لمن روى بطرق العرض، وحدثنا لمن روى بطريق السماع.

وابن جريج وكذا الأوزاعي

مع ابن وهب والإمام الشافعي

ومسلم وجل أهل الشرقِ

قد جوّزوا أخبرنا للفرقِ

ص: 20

جوزوا أخبرنا لمن روى بطريق العرض، ولم يجوزا حدثنا إلا لمن روى بطريق السماع للفرق بينهما، وهذا مجرد اصطلاح، وإلا فمن حيث اللغة لا فرق بينهما، إنما هو اصطلاح جروا عليه، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، وكذا الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وابن معين مع ابن وهب عبد الله بن وهب المصري، والإمام الشافعي ومسلم صاحب الصحيح، الإمام البخاري لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، ومسلم يفرق صاحب الصحيح،

. . . . . . . . . وجل أهل الشرقِ

قد جوزا أخبرنا للفرقِ

فيجوزون إطلاق أخبرنا دون تقييد، ولا يجوزون حدثنا للفرق بينهما، إذاً ما الفرق بينهما؟ قلنا: إنه من حيث الأصل في اللغة لا فرق، من حدثك فقد أخبرك إلا أنه هناك فرق من حيث العموم والخصوص، فالإخبار أعم وأوسع من التحديث؛ لأن الإخبار يحصل بالمشافهة، الإخبار يحصل بالمكاتبة، الإخبار يحصل بالإشارة المفهمة، والتحديث لا يحصل إلا بالمشافهة، وقلنا بالأمس: إن من قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر أنه لا يعتق إلا إذا شافهه بما أراد، وإذا قال: من أخبرني بكذا فهو حر أنه يعتق إذا شافهه، ويعتق إذا كتب له، ويعتق إذا أشار له بإشارة مفهمة، فهناك فرق من حيث العموم والخصوص، التحديث أخص، لكن من حيث الإجمال فيما يفيده التحديث والإخبار لا شك أنه من حيث التفريق بينهما من حيث اللغة فيه عسر، في صعوبة إلا أنه مجرد اصطلاح؛ ليخصوا كل طريق من طرق التحمل بصيغة مناسبة، فجعلوا التحديث خاص بالسماع من لفظ الشيخ، وجعلوا الإخبار خاص بمن قرأ على الشيخ أو قرئ الشيخ وهو يسمع.

وابن جريج وكذا الأوزاعي

مع ابن وهب والإمام الشافعي

ومسلم وجل أهل الشرقِ

قد جوّزوا أخبرنا للفرقِ

يعني جوزوا إطلاق أخبرنا دون إطلاق حدثنا؛ للفرق بينهما، الذي ذكرناه.

"وقد عزاه" يعني الفرق بينهما "وقد عزاه" الضمير يعود إلى الفرق المذكور في أخر البيت السابق "وقد عزاه محمد بن الحسن التميمي الجوهري صاحب: الإنصاف فيما بين الأئمة في حدثنا وأنبأنا من الاختلاف، كتاب اسمه: الإنصاف فيما بين حدثنا وأنبأنا يعني ما بين صيغ الأداء من الاختلاف.

وقد عزاه صاحب الإنصافِ

للنسئي. . . . . . . . .

ص: 21

وهو عصريه، يعني معاصر للإمام النسائي.

. . . . . . . . .

للنسئي من غير ما خلافِ

يعني عنه، والخلاف عنه قد تقدم؛ لأنه ذكر في البيت رقم ثلاثمائة وثمانية وثمانين أنه ممن يرى القول الأول، وهو المنع مطلقاً، عزاه صاحب الإنصاف للإمام النسائي من غير ما خلاف عنه، وفيه الخلاف المذكور عنه، وقد تقدم، عزاه للنسئي "والأكثرين" يعني عزاه التميمي للأكثرين أيضاً،

. . . . . . . . . وهو الذي اشتهر

مصطلحاً لأهله أهل الأثر

ص: 22

يعني اشتهر وشاع بين علماء أهل الحديث اشتهر التفريق اصطلاحاً بين التحديث والإخبار، فخصوا التحديث بالسماع، والإخبار بالعرض، والأكثرين فيما عزاه لهم التميمي صاحب الإنصاف، وهو الذي اشتهر وشاع مصطلحاً مصطلحاً لأهله أهل الأثر، ففرقوا بين اللفظين، هذا اصطلاح، وأهل العلم يطلقون عبارة لا مشاحة في الاصطلاح، فهل يشاحح من رأى الفرق؟ أو يشاحح من سوى بينهما؟ أو يشاحح من منع بالإطلاق؟ أو من جوز بالإطلاق؟ هذا لا مشاحة في الاصطلاح، هنا كل واحد يصطلح لنفسه ما شاء، وهل هذه العبارة على إطلاقها كل من اصطلح شيئاً يقال: لا مشاحة في الاصطلاح؟ هم يطلقونها يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هناك من الاصطلاحات ما لا مشاحاة فيه، ومن الاصطلاحات ما يشاحح فيه إذا اقتضى مخالفة حكم تقرر في علم من أي علم من العلوم، يعني لو في الفرائض مثلاً قال شخص: أنا اسمي العم خال، العم أخا الأب أسميه خالاً، وأخ الأم اسميه عماً وهذا اصطلاح، وأنا أبين في المقدمة، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح لماذا؟ لأن الحكم يختلف، إرث العلم يختلف إرث الخال، لكن لو قال: والله أنا أسمي والد الزوجة والد زوجتي أسميه عم، أو أسميه خال، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ ما يشحح، ما يترتب عليه حكم شرعي، نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، يعني لو قال: أنا باصطلاح لنفسي أن ما كان على جهة يمين الكعبة جنوب بدل ما هو بشمال، نقول: الشام جنوب الكعبة، واليمن شمال الكعبة، ومصر شرق الكعبة، هذا يؤلف في الجغرافيا، ونجد وما والاها يقول: غرب الكعبة، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح؛ لأن هذا يترتب عليه أحكام شرعية، ((ولكن شرقوا أو غربوا)) ما نصنع بهذه الأحاديث؟ نعم؟ لكن لو رسم الخارطة وبدلاً من أن الجغرافيين يضعون الشمال في الخارطة فوق، قال: اعكس الخارطة أجعل الجنوب فوق، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ ما يشاحح؛ لأن ما يترتب عليه شيء، كل شيء في مكانه، ما في مشاحة؛ لأنه لا يغير من الواقع شيئاً، لو قال: أنا الجهات الست أنا با أتصرف لا مشاحة في الاصطلاح، اجعل السماء تحت، والأرض فوق، ويش المانع؟! نقول: لا، تشاحح في هذا الاصطلاح، فليست هذه الكلمة على إطلاقها، هم يطلقون لا مشاحة في الاصطلاح، لكنه لا

ص: 23

بد من المشاحة إذا ترتب على هذا الاصطلاح الذي يخالف فيه تغير في حكم تقرر في أي علم من العلوم، يعني يخالف أهل العلم قاطبة فيه هذا لا، لكن في الأمور المحتملة لا بأس.

وقد عزاه صاحب الإنصافِ

للنسئي من غير ما خلافِ

والأكثرين وهو الذي اشتهر

مصطلحاً لأهله أهل الأثر

ابن وهب وهو ممن يقول بالتفريق يقول أهل العلم: إنه من أول من أحدث التفريق على ضوء هذا الاصطلاح في مصر، هو أول من أحدث هذا التفريق بين اللفظين تبعاً للاصطلاح بمصر، يعني الإمام البخاري تبعاً لقوله، وأنه لا فرق بين اللفظين تجدون أحياناً يقول: حدثنا، وأحياناً يقول: أخبرنا، ما في فرق عندهم، واللفظان بمعنى واحد، ولا يفرق هل روي الحديث بطريق السماع أو بطريق العرض؟ ما في إشكال عنده، لكن مسلم يفرق بدقة، فكثيراً ما يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، يفرق بين هذه الأمور، مما جعل بعض طلاب العلم أو بعض أهل العلم أهل الصنعة يعتنون بمسلم أكثر من عنايتهم بالبخاري، لماذا؟ لأنه يفرق هذه التفريقات الدقيقة، ويفرق بين ألفاظ الشيوخ، فتجد الإمام مسلم يذكر الفرق ولو كان حرفاً واحداً، والبخاري لا يهتم بمثل هذا، إنما يعنيه نظافة الأسانيد، وسلامة الألفاظ، بينما الإمام مسلم يفرق بين ألفاظ الشيوخ، ويقول: زاد فلان، ونقص فلان، ولو حرف واحد، فيجعل مدار ومحور البحث على صحيح مسلم، ثم يأخذ عليه زوائد البخاري، مع أن أهل العلم قاطبة إلا من ندر على ما تقدم يفضلون صحيح البخاري على مسلم، وهو أصح منه في قول جماهير أهل العلم، فالذي ينبغي أن يكون المحور محور البحث صحيح البخاري، وتنقل زوائد مسلم، ويستفاد من زوائد مسلم على البخاري، إذا كان مسلم بهذه الدقة في التفريق بين صيغ الأداء، والتفريق بين ألفاظ الشيوخ فلماذا لا يقدم على البخاري؟ يعني هل لمن قدم صحيح مسلم من هذه الحيثية هل له وجه أو ليس له وجه؟ يعني يقول القائل:

تشاجر قوم في البخاري ومسلمُ

لدي وقالوا: أي ذين تقدمُ؟

فقلت: لقد فاق البخاري صحة

كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ

ص: 24

يعني إذا استنصحك شخصك يقول: هل أعتني بصحيح مسلم أو بصحيح البخاري؟ هو بيعتني بالجميع، لكن ما الذي يقدم؟ فيجعل المركز مركز البحث، ومحور البحث أحدهما، كان بعض الإخوان الذين يعتنون بالحفظ يقدمون مسلم، فيأخذون صحيح مسلم من غير تكرار، ويحذفون أسانيد متون مسلم، ثم يأخذون زوائد البخاري، لكن الذي ينبغي هو العكس، لا شك أن تدريب الطالب على صحيح البخاري، تمرينه على صحيح البخاري أولى؛ ليتخرج الطالب جامعاً بين الفقه والحديث، وكون الإمام مسلم يُعنى بهذه الدقائق لا يعني أنه حتى في الألفاظ أدق من البخاري، لا يعني هذا؛ لأن الجميع يستوون ويجتمعون ويتفقون على جواز الرواية بالمعنى، وما دام الرواية بالمعنى جائزة فما معنى أنني أعتني بلفظ شيخي دون من فوقه، وهذا صنيع مسلم، هو يعتني بصيغ الأداء حسب ما روّاه شيوخه، لكن ماذا عمن فوقه؟ يعتني بالألفاظ الدقيقة حسب ما روّاه شيوخه، لكن ماذا عن أربع طبقات قبل شيوخه؟ الرواية بالمعنى جائزة عند البخاري وعند مسلم، إذاً ما سوينا شيء، يصير هناك فرق؟ ما يصير في فرق إلا في ألفاظ الشيوخ شيوخ مسلم فقط، البخاري لا يدقق في ألفاظ الشيوخ، مسلم يدقق في ألفاظ الشيوخ، لكن ماذا عن لفظ شيخ الشيخ؟ هل يعتني به مسلم؟ ما سمعه من أجل أن يعتني به، هو سمع هذا اللفظ من شيخه فقط، وسمعه من شيخ آخر، وصار بينهما فرق بيّن هذا الفرق، وماذا عن شيخ الشيخ، والشيخ الذي قبله، والشيخ الذي قبله؟ ويتفق مع البخاري في جواز الرواية بالمعنى، وحينئذٍ يكون المنهج واحد ما في اختلاف، كون مسلم يعنى بالبيان في طبقة واحدة، طبقة شيوخه فماذا عن بقية السند؟ مع قول جماهير أهل العلم أن صحيح البخاري أنظف في الأسانيد والمتون، والأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم، وفي صحيح البخاري من دقائق العلوم من فقه الإمام البخاري الذي هو فقه أهل الحديث، ومن الآثار الموقوفة، ومن أقوال الصحابة والتابعين من الدرر الغوالي والنفائس العوالي ما لا يوجد نظيره في مسلم.

ص: 25

فعلى طالب العلم أن يعنى بالبخاري بطريقة بيناها وشرحناها مراراً، ولا مانع من أن نشير إليها إشارة، يعني يأتي إلى صحيح البخاري فيبدأ بالحديث الأول، يبدأ بحديث: الأعمال بالنيات، ويجمع أطرافه من الصحيح نفسه، فيجد البخاري خرج الحديث في سبعة مواضع، ينظر في الموضع الأول وبما ترجم الإمام البخاري عليه في الموضع الأول، ثم ينتقل إلى الثاني وينظر في الفرق بين متن هذا الحديث في هذا الموضع والموضع الثاني، والفرق بين الإسناد في الموضع الأول والثاني؛ لأن البخاري لا يكرر حديث في موضعين بإسناده ومتنه إلا في نحو عشرين موضعاً فقط، كرر الحديث بإسناده ومتنه في نحو عشرين موضعاً من أكثر من سبعة آلاف موضع، هذه نادرة وقليلة، ومع ذلك كرره لما اشتمل عليه من حكم شرعي ترجم به البخاري غير ما ترجم به في الموضع الأول والثاني أو الثالث والرابع، فينظر في الموضع الأول فإذا ضبطه وأتقنه وربط بين الحديث والترجمة، ورأى فقه البخاري في الموضع الثاني، ينظر إليه في الموضع الثاني كذلك، ويقرن بين الترجمة والحديث، ويقرن بين ألفاظ المتن هنا وهناك، والاختلاف بين الإسنادين وبين الترجمتين ثم ينتقل إلى الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع وهكذا، ثم ينظر من وافق البخاري من الأئمة فيجد مسلماً وافقه على رواية الحديث، فينظر في مسلم مثلما نظر إلى البخاري، ويدون هذا في موضع واحد عنده في كتاب يؤلفه لنفسه، يجمع فيه الكتب الستة، ثم بعد ذلك ينظر في أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وهكذا، في الحديث الأول يجد الكتب السبعة كلها اتفقت على رواية هذا الحديث، ثم بعد ذلك ينظر في الحديث الثاني من صحيح البخاري على هذه الطريقة إلى أن ينتهي من الكتب، وفي الأخير إذا انتهى من صحيح البخاري يكون قد درس من صحيح مسلم مقدار النصف، يكون الباقي زوائد على البخاري، يعتني بها، ويقرنها بالسنن الأربعة، بما يتفق فيه مسلم مع السنن الأربعة، ثم بعد ذلك إذا انتهى من مسلم يكون قد درس أكثر أحاديث سنن أبي داود، فيعنى بالزوائد ويقارنها بالكتب البقية من السنن، ثم ينتقل إلى الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، وكفيل لطالب العلم الذي يعتمد هذه الطريقة ويصبر

ص: 26

عليها تحتاج إلى صبر ومعاناة، قد يأخذ الطالب في هذه الطريقة يمكن خمس سنوات، لكن ليس بكثير أن ينفق على الكتب الستة فيفهمها رواية ودراية وفقهاً واستنباطاً وفهماً؛ لأن الروايات يوضح بعضها بعضاً، يأتي فيها من الجمل المجملة في البخاري تجدها مبينة في سنن النسائي مثلاً، فما ينتهي من الكتب الستة بهذه الطريقة إلا وقد وعى ما فيها، وعقله وفهمه وفهم فقه السلف، فقه أهل الحديث مع عنايته بفقه الأئمة، فقه علم فقهاء الأمصار يعتني به، لكن هذا لا شك أنه لو عمل هذه الطريقة ولو استمر فيها خمس سنوات فإنها ليست بكثير على الكتب الستة أن ينفق فيها خمس سنوات، ويكون عمله بيده أفضل من عمل غيره له؛ لأن بعض الناس يقول: ليش أعمل وجمع الأصول موجود؟ وقد جمع الكتب الخمسة أو الستة الخمسة مع الموطأ، لماذا أتعب وأنا بإمكاني أقرأ جامع الأصول بشهرين؟ نقول: لا يا أخي كونك تعاني، كونك تتعب على هذا العلم هو الذي يرسخه في ذهنك ويكون البداءة بصحيح البخاري، والذي جرنا إلى الكلام في هذه المسألة هو أن بعض طلاب العلم وبعض من ينتسب إلى هذا العلم يوصي بصحيح مسلم ثم يقول: زوائد البخاري تأخذ منه على مسلم، وأنا أقول: العكس، يعتني بصحيح البخاري وتأخذ زوائد مسلم، ثم زوائد أبي داود على الصحيحين، ثم زوائد الترمذي على الثلاثة، ثم زوائد النسائي على الأربعة وهكذا.

يقول:

وبعض من قال بذا أعادا

. . . . . . . . .

يعني من فرق بين الصيغتين فجعل حدثنا للسماع من لفظ الشيخ، وأخبرنا للقراءة على الشيخ، وبعض من قال بذا أي بهذا التفريق، وهو أبو حاتم محمد بن يعقوب الهروي.

وبعض من قال بذا أعادا

قراءة الصحيح. . . . . . . . .

صحيح البخاري "حتى عادا".

في كل متن قائلاً: أخبركا

إذ كان قال أولاً: حدثكا

ص: 27

محمد بن يعقوب الهروي قرأ صحيح البخاري على شيخه قائلاً فيه حدثك فلان، أو حدثك الفربري عن البخاري قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا .. إلى آخره إلى أن انتهى من صحيح البخاري بهذه الطريقة حدثك الفربري عن البخاري قال: حدثنا فلان .. إلى آخر الإسناد، حدثك الفربري قال: حدثنا .. إلى آخره، إلى أن انتهى من الكتاب وهو بهذه الطريقة، ظناً منه أن شيخه قد سمع البخاري من لفظ الفربري، ولذلك قال: حدثك والتحديث مناسب للسماع، فلما علم أنه أخذ الصحيح عن الفربري بطريق العرض، بطريق القراءة عليه أعاد الصحيح من أوله إلى أخره، مغيراً حدثك بأخبرك، هذه مبالغة في التفريق بين اللفظين.

وبعض من قال بذا أعادا

قراءة الصحيح حتى عادا

في كل متن قائلاً. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

حال "أخبرك" الفربري "إذ كان قال" يعني لظنه أنه سمعه أو تلقاه عنه بطريق السماع

. . . . . . . . .

إذ كان قال أولاً: حدثك

الفربري ثم تبين له أنه تلقاه عنه في طريق العرض، فأعاد البخاري من أوله إلى آخره، وفي كل حديث يقول: أخبرك الفربري "قلت" الحافظ العراقي:

. . . . . . . . . وذا رأي الذين اشترطوا

إعادة الإسناد وهو شططُ

الذين اشترطوا في الرواية إعادة الإسناد في كل حديث، اشترطوا إعادة الإسناد في كل حديث، يعني الآن وأنت تقرأ على شيخ من الشيوخ تقرأ عليه إسناده تقول: حدثك فلان إذا كان رواه بطريق السماع، أو تقول: أخبرك فلان عن فلان عن فلان عن فلان إلى أن يصل إلى البخاري قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان .. إلى آخره، ثم في الحديث الثاني ما يعيد الإسناد مرة ثانية، بعضهم اشترط إعادة الإسناد في كل حديث، يعني لو يفترض أن شخص من المعاصرين بينه وبين البخاري خمسة عشر راوٍ أو أكثر، هل يشترط في كل حديث تقرأه على هذا الشيخ من أحاديث صحيح البخاري لترويه عنه بطريق العرض أن تقرأ إسناد هذا الشيخ المتأخر المعاصر من أوله إلى البخاري أو تقرأه مرة واحدة والباقي مثله؟ بعضهم اشترط أن يقرأ الإسناد من أوله إلى آخره، وهذا كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:"وهو شططُ" مجاوز للحد، إفراط، ولا قيمة له، يعني هذا التكرار لا قيمة له.

ص: 28

قلت: وذا رأي الذين اشترطوا

إعادة الإسناد. . . . . . . . .

يعني في كل حديث من الكتاب أو النسخة مع اتحاد السند، السند متحد، ما يختلف، مع اتحاد السند وإلا لكان يكفيه أن يقول: أخبركم الفربري بجميع صحيح البخاري وينتهي الإشكال، من غير إعادة قراءة جميع الكتاب، ولا تكرير الصيغة في كل حديث، أخبرك فلان، أخبرك الفربري عن البخاري "وهو" يعني الاشتراط اشتراط الإعادة في كل حديث شطط تشديد، وعنت مجاوز للحد، يعني قراءة الإسناد وفيه أكثر من عشرين راوٍ بين المعاصر أو ما يقرب من عشرين راوٍ بين المعاصر وبين البخاري قراءة البخاري كله أسهل من قراءة هذه الأسانيد، تكرار هذه الأسانيد سبعة آلاف مرة، لا شك أن هذا شطط، بدلاً من أن تعنى بهذا وتكرر سبعة آلاف مرة، تقرأ الكتب الستة كلها، لكن إذا قرأت على شيخ مسند بطريق العرض تقرأ إسناده مرة واحدة فتقول: أخبرك إن كان رواه بطريق العرض، أو أنبأك إن كان بطريق الإجازة، أو أجازك، أو تروي عنه إجازة عن فلان عن فلان عن فلان .. إلى آخر الإسناد مرة واحدة تكفي.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه تقول: هل يمكن إعادة تلخيص الأقوال الثلاثة في كيفية صيغ الأداء لمن تحمل بالعرض؟

أولاً: كما ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- الأجود والأسلم أن يأتي بصيغة تبين المراد، توضح الحال بدقة، قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع، قرأت على فلان، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أما إطلاق حدثنا وأخبرنا فمن أهل العلم من يجوز ذلك بناء على أنها طريقة مجمع على صحة التحمل بها، فلا فرق بينها وبين السماع من لفظ الشيخ، إلا أنهم يتوقفون في إطلاق سمعت، ومنهم من يقول: لا يطلق حدثنا وأخبرنا إلا مقيداً، حديثنا قراءة، أخبرنا قراءة عليه، أو فيما قرئ عليه وأنا أسمع، ومنهم من يفرق بين التحديث والإخبار، فيجعل التحديث خاص بما تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، والإخبار بما تحمل بطريق العرض والقراءة على الشيخ، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح، وسيأتي في درس اليوم ودرس الغد -إن شاء الله تعالى- بيان مزيد وتفصيل لصيغ الأداء -إن شاء الله تعالى-.

ص: 29

وهذا أيضاً يقول: كثيراً ما نقرأ في تراجم السلف والخلف حرصهم على مذاكرة العلم والحفظ في جوف الليل، والسهر من أجله، فكيف يرى أن هذا فعل حسن يمدح عليه، وهو في الظاهر يخالف قول الله تعالى:

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [(10 - 11) سورة النبأ] لأن نتيجة سهر الليل النوم في النهار المعد للمعاش؟

ص: 30

لا شك أن مجاراة السنة الإلهية في كون الليل لباس، ومقتضاه النوم والراحة فيه للاستعداد لاستقبال النهار الذي هو وقت المعاش، هذا هو الأولى، لكن خلافه ثبت بالسنة ما يدل عليه، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب السمر في العلم، والسمر هو السهر، وتتابع خيار الأمة على ذلك، وإن كان التوجيه إلى أن أفضل القيام قيام داود عليه السلام، ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، وحينئذٍ لا يحتاج إلى نوم بالنهار إلا قيلولة، إلا القيلولة، لكن لو حصل أن الإنسان سهر بالليل وتعب بالنهار ونام، سهر بالليل على خير، إما في قيام، أو في تعلم أو تعليم، أو تأليف كل هذا جادة مسلوكة عند أهل العلم، والنبي عليه الصلاة والسلام سهر للعبادة، لا سيما في الأوقات الفاضلة، فإذا دخلت العشر شد مئزره، وأسهر ليله، وفي بعض الروايات:"طوى فراشه" فدل على أن مخالفة السنة الإلهية لمصلحة راجحة عمل شرعي لا إشكال فيه، فإذا كان الإنسان يستفيد من ليله أكثر من فائدته من نهاره والوقت هو الوقت، لكن إذا رجحت فائدة الليل بالنسبة للعلم والتعليم والعبادة فلا شك أن استغلال الليل أفضل؛ لأن المسالة مسألة تحقيق مصلحة، تحقيق فضل جاءت به الشريعة، فكل ما يعين على تحقيق هذا الهدف فهو شرعي، كل ما يعين على تحقيق هذا الهدف شرعي، فلا يقال: إن السهر من أجل طلب العلم أو السهر للعبادة أو السهر للتأليف لا إشكال فيه، والنبي عليه الصلاة والسلام سهر من أجل العبادة، وأحيا الليل، والعلم أفضل من نوافل العبادة، فإذا سهر الإنسان من أجله كان مأجوراً مشكوراً، وأما إذا سهر بالقيل والقال، وأضاع الليل بدون فائدة، وتربت على ذلك ضياع الأوقات بالليل والنهار، هذا الذي يلام عليه، ويذم عليه، أما إذا خالف هذه السنة الإلهية من أجل تحقيق مصلحة راجحة فلا إشكال في مثل هذا، ليس فيه أدنى إشكال، نعم لو سهر بالليل، وترتب على سهره النوم بالنهار، الذي يعوق دون تحصيل معاشه الذي أمر بطلبه تحقيقاً للهدف الذي من أجله خلق، وهو العبودية لله -جل وعلا-، ولا تقوم هذه العبودية إلا بامتثال:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] فإذا ترتب على ذلك

ص: 31