الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح ألفية الحافظ العراقي (32)
(صفة رواية الحديث وأدائه
- الرواية من الأصل - الرواية بالمعنى - الاقتصار على بعض الحديث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
صفة رواية الحديث وأدائه:
وَلْيَرْوِ مِنْ كِتَابِهِ وَإِْن عَرِي
…
مِنْ حِفْظِهِ فَجَائِزٌ لِلأَكْثَرِ
وَعَنْ أبي حَنِيْفَةَ الْمَنْعُ كَذَا
…
عَنْ مَالِكٍ وَالصَّيْدَلَانِيْ وَإِذَا
رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَعَنْ
…
نُعْمَانٍ الْمَنْعُ وَقالَ ابْنُ الْحَسَنْ
مَعْ أبي يُوْسُفَ ثُمَّ الشَّافِعِيْ
…
وَالأَكْثَرِيْنَ بِالْجَوَازِ الْوَاسِعِ
وَإِنْ يَغِبْ وَغَلَبَتْ سَلَامَتُهْ
…
جَازَتْ لَدَى جُمْهُوْرِهِم رِوَايَتُهْ
كَذَلِكَ الضَّرِيْرُ وَالأُمِّيُّ
…
لَا يَحْفَظَانِ يَضْبُطُ الْمَرْضِيُّ
مَا سَمِعَا وَالْخُلْفُ فِي الضَّرِيْرِ
…
أَقْوَى وَأَوْلَى مِنْهُ فِي الْبَصِيْرِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"صفة رواية الحديث وأدائه"
الرواية لها طرفان: طرف تحمل، وطرف أداء، والتحمل: هو تلقي الحديث من الشيخ، والأداء: هو تبليغ الحديث لطالبه، في حال التحمل التي تقدمت طرقه السماع من لفظ الشيخ، وهذه طرق التحمل، والقراءة على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والكتابة، والإعلام، والوصية، والوجادة، هذه تقدم الحديث فيها، تحملوا بها الخبر، منها ما هو جائزة بالاتفاق، ومنها ما هو مختلف فيه، والصحيح جوازه، ومنها ما هو مختلف فيه، والصحيح عدمه.
الأداء كيف يؤدي؟ الرواية لها شروط، الراوي اشترطوا فيه شروط تقدم تفصيلها، وهذه الشروط يطلبونها حال الأداء، أما حال التحمل لا يشترطون الشروط، بل صححوا تحمل الكافر، وتحمل الفاسق، وتحمل الصبي، في حال الأداء، حال التحمل، وأما بالنسبة للأداء فلا بد من توافر الشروط التي يجمعها العدالة والضبط، كيف يؤدي من تحمل الحديث؟ الأصل في الرواية السماع والحفظ، لكن بعد أن أجمع على جواز الكتابة صارت الرواية من الكتاب جائزة عند جمهور أهل العلم، والمنع من الرواية من الكتاب رواية أهل التشديد، كما قال ابن الصلاح وغيره، ولذا جعلوا الضبط نوعين: ضبط صدر وهو الأصل، وضبط كتاب، إذا لم يحفظ فإنه يؤدي من كتابه، وروايته صحيحة إلا ما نُقل عن أبي حنيفة ومالك على ما سيأتي، لا شك أن الحفظ هو الأصل، والذي لا يحفظ تقدم الكلام عن الحفظ والاعتماد على الكتب، لكن إذا خشي من حفظه أن يخونه في وقت الحاجة فلا بد من الكتاب.
علي بن المديني رحمه الله وهو من أئمة هذا الشأن لما قدم سامراء وضعوه على منبر، وهو من الأئمة الحفاظ الكبار، كما هو معروف من أئمة العلل، لما وضعوه على المنبر قال: لا يليق بمن يوضع في هذا المقام أن يحدث من كتاب، فحدث من حفظه فغلط في أول حديث، لذا نجد من يعيب على بعض الشيوخ أنه يعتمد على الكتاب أثناء الشرح لا وجه له، نعم إذا وجد حفظ متين لا يتزلزل ولا يتأثر بالصوارف هذا هو الأصل، لكن إذا خشي؛ لأن بعض الناس لو بيحرك الباب ضاع حفظه، صحيح، بعض الناس لو يسمع أدنى شيء يؤثر عليه، ومن الرواة من ذكر في ترجمته نهق حمار فاختلط، خلاص صار لا يميز، اختلط ما هو اختلط فيما بين يديه، اختلط انتهى، يعني الضبط كله ارتفع، وبعضهم سرق له مبلغ من المال فاختلط، وهذا مما يؤكد العناية بالكتاب، مع أن الحفظ هو الأصل، وإذا كانت الحافظة تسعف ولا تتأثر بالمؤثرات فلا يحسن لمثل هذا أن يعتمد على كتاب.
قال:
وليروِ من كتابه وإن عري
…
من حفظه. . . . . . . . .
إن عري من الحفظ يعني ما يحفظ شيء، إلا ما دونه في هذا الكتاب يروي من كتابه؛ لأن ضبط الكتاب أحد نوعي الضبط.
. . . . . . . . . وإن عري
…
من حفظه فجائز للأكثرِ
لأن منهم من يقول: لا يروي من كتابه إلا إذا كان يحفظ، يحفظ ويكتب يروي من الكتاب لا بأس، أما الرواية من الكتاب دون شيء من الحفظ فمثل هذا يمنع "فجائز للأكثر" يعني الاعتماد على الكتاب فقط، بل بعضهم جعل الرواية من الكتاب أضبط وأتقن من الحفظ، ما في شك أن الكتاب لا يتغير إلا إذا طرأ عليه التغيير، يعني إذا كُتب وقوبل على الأصل انتهى، إن طرأ عليه ما يغيره حينئذٍ يتطرق إليه الخلل كالحفظ، وأما الحفظ فقد يخون في أشد الحاجة إليه، أو في أحلك ما يحتاج إليه؛ لأن الإنسان عرضة، والإنسان محل للنسيان.
قال: "وعن أبي حنيفة المنع
…
" يعني يذكر عن أبي حنيفة المنع، وأنها لا تجوز الرواية من الكتاب.
. . . . . . . . . كذا
…
عن مالك والصيدلاني وإذا
يعني مالك نجم السنن، ومن أئمة هذا الشأن، ومن حفاظ الحديث، يعني لو منع الرواية من الكتاب مع أنه لا يمكن أن يحدث بنفسه، وإنما يُقرأ عليه، هذا المعروف عن الإمام مالك، لا يمكن أن يقرأ على أحد أو يحدث أحد، وإنما يُقرأ عليه بطريق العرض، لكن مثل أبي حنيفة يمنع الرواية من الكتاب، وكلام أهل العلم في حفظه
…
، هذا مسألة
…
نعم؟
طالب: مالك ما كان يعرض عليه عن ظهر قلب؟
المقصود أنه ما يقرأ على أحد، ولا يحدث أحد هو، وما في إشكال أن يشترط مثل هذا مالك؛ لأنه عُرف بالتحري والتشديد، أبو حنيفة قد يشترط هذا يعني على أهل الحديث، المسألة مسألة حكم شرعي، هل نقول مثل ما قيل في الأصوليين من الغزالي والرازي والآمدي والإسفرائيني وغيرهم أنهم لا مدخل لهم في هذا الفن؟ .... ما ذُكر رأي أبي حنيفة يعني ذُكر أبو حنيفة رحمه الله بسوء الحفظ، هل نقول: إنه كيف يمنع من الرواية من الكتاب وهذا وضعه؟ نقول: له أن يمنع؛ لأن المسألة مسألة حكم شرعي وهو من أهله، الإمام الأعظم يسمونه، يعني على مر التاريخ وأتباعه أكثر من أتباع غيره من الأئمة، المسألة مسألة حكم شرعي له أن يبدي رأيه في هذا الحكم، "وعن أبي حنيفة المنع كذا
…
عن مالك والصيدلاني -أبو بكر الصيدلاني- وإذا"
رأى سماعه ولم يذكر فعن
…
نعمانٍ المنع وقال ابن الحسن
مع أبي يوسف ثم الشافعي
…
والأكثرين بالجواز الواسعِ
إذا رأى سماعه في كتاب، كتابة التسميع التي سبقت، اطلع على كتاب لزميله فوجد اسمه مذكور في الطباق، أنه حضر قراءة هذا الكتاب على الشيخ، ودون اسمه ضمن الحاضرين، فتح الكتاب وجد اسمه من ضمن السامعين، رأى سماعه لكنه لم يذكر، نسي أنه حاضر شرح هذا الكتاب أو رواية هذا الكتاب، له أثر في الرواية وإلا ما له أثر؟ أو نقول: ما دام أثبت في من سمع هذا الكتاب على الشيخ يروي، قال:
. . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . وإذا
رأى سماعه ولم يذكر فعن
…
نعمان المنع. . . . . . . . .
نعمان أبو حنيفة، إذا كان يمنع الرواية من الكتاب المجزوم بروايته له فلئن يمنع مثل هذا من باب أولى.
"وقال ابن الحسن –صاحبه، محمد بن الحسن الشيباني- مع أبي يوسف -الصاحب الثاني لأبي حنيفة- ثم الشافعي
…
والأكثرين بالجواز
…
" يعني وهذا مما يختلف فيه أبو حنيفة مع صاحبيه محمد بن الحسن، وأبو يوسف والشافعي كلهم من طبقة واحدة، "والأكثرين" من أهل العلم "بالجواز الواسع" ما دام أثبت اسمه في الطباق فهو ممن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ الذي قرئ عليه الكتاب، أو قرأ الكتاب.
"بالجواز الواسع" يعني هل للإنسان أن يروي شيئاً لا يذكر منه شيئاً، يعني هذا كتاب كامل ما يدري هل هو رواه وإلا سمع وإلا حضر ما يذكر منه شيئاً، لكنه وجد اسمه من الحاضرين في القراءة، وممن سمع
…
هاه؟
طالب: خصوصاً إذا كان المسموع في أول الطلب، وتقدمت به العمر، ثم أراد تحديث الكتاب قد ينسى يا شيخ من سمع عليه من الشيوخ، لكن إذا كان يا شيخ
…
هذا ما حدث إلى الآن، هذا ما بعد حدث.
طالب: يضبط الحفظ لكنه ينسى أنه سمعه على فلان أو فلان من الناس، أو درسه على العالم الفلاني والعالم الفلاني.
يعني كما لو كان ضبطه في كتاب، قد ينسخ الكتاب بنفسه يقابل بنفسه ثم ينساه مع طول الوقت، فإذا أجيزت الرواية من الكتاب كما هو قول الجمهور تجوز مثل هذه الصورة؛ لأن الإنسان إذا كتب الكتاب الذي سمعه على هذا الشيخ، وقابله بالأصل ضمن الرواية، فإن حفظ فنور على نور، إن لم يحفظ الآن ضبط الكتاب موجود.
. . . . . . . . .
…
والأكثرين بالجواز الواسعِ
وإن يغب وغلبت سلامته
…
جازت لدى جمهورهم روايته
وإن يغب الكتاب عن صاحبه بإعارة أو سرقة، سرق منه، أو ضيعه، ولا يدري وين ضيعه؟ يقرأ فيه في المسجد ونسيه، رفعه على رف في المسجد ونسيه مدة طويلة ثم وجده.
وإن يغب وغلبت سلامته
…
. . . . . . . . .
يعني غلب على الظن أنه ما أدخل فيه شيء أو نقص أو حذف منه شيء، يعني ما زور في الكتاب؛ لأن بعض الرواة ابتلي بمن يدس في كتابه ما ليس منه، فإن ميز هذا يستمر على ضبطه وروايته مقبولة، فإن لم يميز الأصل من المدسوس من المزور من المزيد هذا يطعن فيه، هذا إذا غاب كتابه أعاره شخص وجلس عنده مدة طويلة أو ضيعه، وضعه في مكان ونسيه، بحيث تمتد إليه يد غيره، أما إذا ضيعه في مكان محفوظ ما يمكن يتطرق إليه خلل هذا ما فيه إشكال، لكن وضعه في مكان عام، يعني ينتظر في مكان عام ومعه الكتاب يطالع فيه فنسيه، ثم بحث عنه ما وجده إلا بعد مدة يتصفحه، فإن غالب على ظنه سلامته من الزيادة فإنه تجوز الرواية منه عند جمهور العلماء.
طالب: في حال عدم وجوده؟
وين؟
طالب: الكتاب ما رجع أو
…
؟
ما رجع وهو ما يحفظ؟
طالب: أو يحفظ شيء منه يجوز له الرواية؟
ضاع المروي، من يعتمد على الكتاب فضاع الكتاب واحترق الكتاب خلاص انتهى، من يعتمد على الكتابة انتهى ضبطه، لا ضبط حفظ ولا ضبط كتاب ويش يبقى؟ ما يبقى شيء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الذي قال.
. . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . وإذا
رأى سماعه ولم يذكر فعن
…
نعمانٍ المنع وقال ابن الحسن
مع أبي يوسف ثم الشافعي
…
والأكثرين بالجواز الواسعِ
حتى من يعتمد على الكتاب، ويحرر الكتاب بقلمه، ويذكر أنه يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ، وقابل النسخة بالأصل، قد لا يحفظ ولا حديث، قد لا يذكر معه ولا حديث.
طالب: فإن قال يا شيخ: إنه يروي عامة ما في هذا الكتاب إلا ما استثني منه فصل فيه
…
هو إذا ميز انتهى الإشكال، يعني إذا كانت الزيادة بقلم مغاير للقلم الأصلي، أو بخط مغاير للخط الأصلي وأمكن التمييز بدقة هذا لا إشكال، لكن بعض الناس يحاول جاهداً أن يقلد الكتاب، يقلد الخط، يقلد الحبر، يقلد كذا، فيزيد فيه ويمسح ويطمس، بعض الناس مغرم بمثل هذا، بالتزوير، وجاء في كتب الأدب أن شخصاً على شاطئ نهر في ليلة باردة، ويكتب فقيل له: ما الذي دعاك إلى أن تكتب في هذا المكان؟ يعني ما في مكان أدفأ من هذا المكان؟ فتبين أنه يزور خط مرتعش، يعني شخص مرتعش يريد يكتب مثله، بعض الناس فيما يعشقون مذاهب، يعني يتفننون، حتى أن بعضهم يحتال على بعض الأمور بحيلة قال ابن القيم عنها: إن إبليس ما كان يعرفها حتى سمعها أو رآها من هذا الشخص، ومع ذلك من الناس من يكتب بقلمه ما ينفعه، ومنهم من يكتب ما يضره.
فلا تكتب بكفك غير شيء
…
يسرك في القيامة أن تراه
"وإن يغب" كما قلنا: بإعارة أو إجارة أو ضياع أو سرقة ثم يعود بعد ذلك وغلبة السلامة، يعني تصفحه ما في شيء، على وضعه السابق.
. . . . . . . . .
…
جازت لدى جمهورهم روايته
كذلك الضرير والأمي
…
لا يحفظان يضبط المرضي
يعني الذي يروي من الكتاب، ينسخ الكتاب، يقابل الكتاب على الأصل هذا ما فيه إشكال، يعني تولاه بنفسه، فعنده ضبط الكتاب، لكن ماذا عن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومعه كتاب مكتوب بقلم غيره؟ وكذلك الضرير ما يحفظ لكن عنده كتاب، قال:
كذلك الضرير والأمي
…
لا يحفظان يضبط المرضي
يعني إذا كان الكاتب معروف وثقة، ومع ذلك صاحب الكتاب حفظه من أن يعتدي عليه أحد أو يتعرض لتحريف أو تغيير.
"يضبط المرضي
…
ما سمعا" يعني الكاتب المرضي يضبط ما سمعه من هذا الشيخ، تجوز روايته.