المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرواية من الأصل: - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الرواية من الأصل:

يقول: "والخلف في الضرير" الضرير: الأعمى، وإن كان الأصل أنه فعيل بمعنى مفعول، كل من به ضر يقال له: ضرير، لكن العرف خصه عندهم بالأعمى، وعندنا في العرف العوام أن الضرير القاصر، يعني ليس بتام العقل، "والخلف -يعني الاختلاف- في الضرير أقوى" أقوى من الأمي المبصر؛ لأن الضرير ولا يحفظ يعني لو جاب له أي كتاب قال: هذا كتابك ما يميزه عن غيره، لا يقرأ ولا يرى، لكن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب لكنه يبصر إذا رأى الكتاب في أول الأمر خلاص يميزه عن غيره.

يقول:

. . . . . . . . . والخلف في الضريرِ

أقوى وأولى منه في البصيرِ

يعني الخلاف في الضرير أقوى، يعني بالنسبة لعدم الجواز، وأولى منه في البصير يعني القول بالعدم.

سم.

‌الرواية من الأصل:

وَلْيَرْوِ مِنْ أَصْلٍ أَوِ الْمُقَابَلِ

بِهِ وَلَا يَجُوْزُ بِالتَّسَاهُلِ

مِمَّا بِهِ اسْمُ شَيْخِهِ أَوْ أُخِذَا

عَنْهُ لَدَى الْجُمْهُوْرِ وَأَجَازَ ذَا

أَيُّوْبُ وَالبُرْسَانِ قَدْ أَجَازَهْ

وَرَخَّصَ الشَّيْخُ مَعَ الإِجَازَهْ

وَإِنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتَابَهْ

وَلَيْسَ مِنْهُ فَرَأَوْا صَوَابَهْ:

الْحِفْظَ مَعْ تَيَقُّنٍ وَالأَحْسَنُ

الجَمْعُ كَالْخِلَافِ مِمَّنْ يُتْقِنُ

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"الرواية من الأصل"

عرفنا أن الراوي ينسخ الكتاب ويقابله بالأصل، فيكون بالنسبة له هذا أصل، وبالنسبة لكتاب شيخه فرع، "وليروِ من أصل" أو المقابل به، يعني الأصل الذي هو كتاب الشيخ، أو من الفرع المقابل به، وعرفنا ما قاله القسطلاني عن الأصل اليونينية ثم الفرع أنه أولاً قابل على الفرع، ثم وجد الأصل بعد مدة طويلة.

وعرفنا أن الكتاب إذا قوبل بيد حاذق نبيه فإنه يكون له حكم الأصل.

وليروِ من أصل أو المقابلِ

به ولا يجوز بالتساهلِ

ص: 7

لا يجوز الرواية بالتساهل، يعني في عصرنا ما ينبغي لطالب علم -هم يعبرون بعدم الجواز- لا يجوز التساهل؛ لأن حمل هذا العلم أمانة، فإذا روى لا من أصل ولا من فرع مقابل عليه، وقل مثل هذا في عصرنا بالنسبة للمطابع، إذا روى من كتاب مطبوع بمطبعة لا يوثق بها، أو ما عرفت بالإتقان والعناية هذا تساهل، لكن عليه أن يروي من نسخة موثقة سواءً كان المخطوطة أو المطبوعة.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . ولا يجوز بالتساهلِ

مما به اسم شيخه. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

الذي يروي عنه، يكون اسم الشيخ موجود في هذه النسخة.

مما به اسمه شيخه أو أُخذا

عنه. . . . . . . . .

يعني نسخ منه وقوبل عليه

. . . . . . . . .

عنه لدى الجمهور وأجاز ذا

أيوب والبرسان قد أجازه** ورخص الشيخ مع الإجازه

ص: 8

يعني هذا التساهل الذي لا يجوز في حال الرواية لا من أصل، أو فرع مقابل على الأصل، وإنما الرواية من نفس الكتاب لكنه ليس بأصل ولا فرع مقابل على الأصل، يعني عندك إجازة في صحيح البخاري، يعني تنظر في سند شيخك ومن ينتهي إليه من رواة الصحيح، فتذهب للبحث عن نسخة رويت بهذه الرواية سواءً كانت مخطوطة أو مطبوعة، لكن كونك تتساهل وتأخذ أي نسخة ذهبت إلى المكتبة وقلت: أنا والله أروي البخاري أريد نسخة من البخاري، عرضوا عليك عشر طبعات، تصفحت هذه الطبعات، قلت: لا والله هذه أوضح حروف، يعني بغض النظر عن كونها موافقة لرواية شيخك أو غير موافقة، هذا تساهل، هذا التساهل بالنسبة لاختلاف الروايات كم تشكل نسبته؟ يعني تقول: واحد بالمائة، هذا تساهل، إما بزيادة حرف أو كلمة أو نقص حديث أو ما أشبه ذلك، إذا لم توافق الرواية، الرواية لا من الأصل ولا من الفرع المقابل عليه هذا تساهل، لكن يبقى أن نسبة هذا التساهل يعني يمكن واحد بالمائة، يعني لو قابلت رواية المستملي مع رواية السرخسي وجدت الفرق ما هو كبير، أو رواية ابن العبد مع ابن داسه بالنسبة لأبي داود وجدت الفرق يعني الخلاف فيه واحد بالمائة، يقولون: مثل هذا الخلل يجبر بالإجازة، يعني تروي من الشيخ فتجبره بالإجازة، يجبر هذا الخلل بالإجازة، لكن يبقى أنه هل تتناول رواية الشيخ هذا الخلل أو لا تتناوله؟ فإذا كانت لا تتناوله، هذا في شيخ متصور أنه يروي البخاري بجميع رواياته، وأنت رويت عنه رواية أبي ذر، فذهبت وأخذت لك نسخة من السوق تباع وجدته وإذا هي برواية غير أبي ذر، إذا كان الشيخ يروي بجميع الروايات، أو كان من رواياته هذه الرواية التي وجدتها في السوق لكنك لا ترويها عن الشيخ يجبر مثل هذا بالإجازة، ولذا قال:

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . وأجاز ذا

أيوب والبرسان قد أجازه

ورخص الشيخ مع الإجازه

الشيخ من؟ ابن الصلاح، مع الإجازة؛ لأن الإجازة تجبر الخلل، لذلك في الرواية في حال التساهل في الأخذ من الشيوخ، إذا كان يكتب أو ينعس، أو الشيخ ضعيف الصوت فيفوت بعض الكلمات على بعض الرواة الأصل الرواية بالسماع، ثم ما يفوت من هذا الشيء اليسير يجبر بالإجازة.

ص: 9

وإن يخالف حفظه كتابه

وليس منه فرأوا صوابه

الحفظ مع تيقن. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

يعني أنت تروي عن الشيخ، كتبت نسخة فرعية عن نسخة الشيخ، وقابلتها بنسخة الشيخ، ثم حفظت الكتاب، يعني بعدما نسخته وحفظته، ثم اختلف الحفظ الذي في صدرك عما يوجد في الكتاب، فالعبرة بالحفظ أو بالكتاب؟ إن كان حفظه من الكتاب نفسه من نفس النسخة فالعبرة بالكتاب، وإن كان حفظه من نسخة أخرى فالمعول على الحفظ؛ لأنه هو الأصل.

هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

أو كذلك، تكون الكتابة سابقة للحفظ.

على كل حال السابق منهما هو الأصل.

وإن يُخالف حفظه كتابه

وليس منه فرأوا صوابه

الحفظ مع تيقن. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ما هو مع شك أو تردد.

. . . . . . . . . والأحسن

الجمع كالخلاف ممن يُتقنُ

الأحسن أن يقول عند روايته للحديث: "الذي في حفظي كذا، والذي في كتابي كذا" وقل مثل هذا لو اختلف مع بعض أهل الحفظ والإتقان، روى الحديث من حفظه، ثم قال بعض الرواة الحفاظ المتقنين:"الصواب كذا"، فيقول:"الذي في حفظي كذا، والذي عند فلان كذا"، يبين، "والأحسن الجمع" يعني بين ما في حفظه وما في كتابه، وبين ما في حفظه ومع ما يخالفه من الرواة الثقات الضابطين المتقنين.

سم.

الرواية بالمعنى:

وَلْيَرْوِ بِالأَلْفَاظِ مَنْ لَا يَعْلَمُ

مَدْلُوْلَهَا وَغَيْرُهُ فَالْمُعْظَمُ

أَجَازَ بِالْمَعْنَى وَقِيْلَ: لَا الْخَبَرْ

وَالشَّيْخُ فِي التَّصْنِيْفِ قَطْعَاً قَدْ حَظَرْ

وَلْيَقُلِ الرَّاوِي: بِمَعْنَىً أَوْ كَمَا

قالَ وَنَحْوُهُ كَشَكٍّ أُبْهِمَا

الرواية بالمعنى مسألة من المسائل الكبار عند أهل العلم، والخلاف فيها قديم ومتشعب، وبلغت الأقوال فيها إلى عشرة أو تزيد، فالذي مشى عليه الناظم تبعاً لابن الصلاح والجمهور أن الرواية بالمعنى لها شروط، فإذا توافرت هذه الشروط جازت عند الجمهور، وإذا اختل شرط منها فإنها لا تجوز، ومنهم من منع مطلقاً.

قال:

وليروِ بالألفاظ من لا يعلمُ

مدلولها. . . . . . . . .

ص: 10

هذا الذي لا يعرف مدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني، مثل هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى قولاً واحداً، هذا عليه أن يروي باللفظ؛ لأنه قد يغير اللفظ بلفظ آخر يتغير به المعنى، والمسألة مفترضة في الرواية بالمعنى، يعني مع اتحاد المعنى لا مع اختلافه، أما إذا اختلف المعنى فإنه حينئذٍ لا تجوز قولاً واحداً، فإذا كان الراوي المتصدي لأداء الخبر بغير لفظه لا يعرف مدلولات الألفاظ، ولا يعرف ما يحيل المعاني، فإن هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى، قولاًً واحداً.

وليروِ بالألفاظ من لا يعلمُ

مدلولها وغيره. . . . . . . . .

غير هذا القسم غير الذي لا يعلم من هو؟ الذي يعلم، "وغيره فالمعظم" يعني الذي يعرف مدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني "فالمعظم أجاز بالمعنى" يعني عامة أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى بهذا الشرط: أن يكون الراوي عارف بمدلولات الألفاظ وما يغير ويحيل المعاني، "فالمعظم أجاز بالمعنى" والدليل على ذلك أن القصة الواحدة يرويها الصحابة اثنان، ثلاثة، عشرة، كل منهم بلفظ يختلف عن لفظ الآخر، ويخرجها أهل الحديث مع اختلاف هذه الألفاظ بما في ذلك البخاري ومسلم، تجد الحديث واحد يخرج في البخاري في موضع في لفظ، وموضع بلفظ آخر، وقد يروى عن هذا الصحابي بلفظ، وعن ذاك الصحابي بلفظ آخر وهي قصة واحدة.

ص: 11

يعني الواقع يشهد بجواز الرواية بالمعنى؛ ولأنه لو كلف الناس الرواية باللفظ لتعطل كثير من السنن؛ لأن هذا قد يستحيل في حق كثير من الرواة، وإذا كان القرآن المضبوط المتقن المحفوظ تجوز قراءته على أحرف، سبعة أحرف في أول الأمر فلئن يروى الحديث بالمعنى من باب أولى، لكن لا يحرف المعنى، لا يحرف اللفظ؛ لأن بعض الناس يفهم من المعنى شيء ثم يعبر عنه على حسب فهمه، هذه رواية بالمعنى؟! هذا تحريف هذا، يعني قول القائل:"صلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى شاة" هذا راوي بالمعنى على حد زعمه؛ لأنه فهم أن العنزة العنز، يعني واحدة الغنم، "صلى إلى عنزة" رواه بالمعنى إلى شاة، ومنهم من فهمه فهماً آخر: أنه أراد بعنزة القبيلة، وقال:"نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني مثل هذا تسوغ له الرواية بالمعنى؟ لا يمكن، هذا لا يجوز بالإجماع.

أجاز بالمعنى وقيل: لا الخبر

. . . . . . . . .

يعني هذا قول ثالث، "لا الخبر" يجوز أن تروي بالمعنى كلام الناس العادي، ولا يجوز أن تروي بالمعنى الخبر المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه وحي، الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، يعني بمثابة القرآن، فلا يجوز أن يروى بالمعنى، ويجوز رواية ما عداه، ومنهم من عكس، قال: الخبر –الحديث- تجوز روايته بالمعنى، وغيره لا يجوز، لماذا؟ لشدة حاجة الناس إلى رواية الأحاديث، أما رواية كلام الناس إن ما ضبطته اتركه، وما يترتب عليه شيء، أما بالنسبة للحديث الذي الأمة بأمس الحاجة إلى روايته، ولو قلنا: بأنه لا يجوز إلا باللفظ تعطل كثير من السنن، إذن تجوز رواية الحديث بالمعنى، ويعود إلى القول السابق.

طالب:. . . . . . . . .

سيأتي كلام ابن الصلاح في المصنفات.

طالب:. . . . . . . . .

ويش هي؟

طالب:. . . . . . . . .

إي نعم هذا مما استدل به الجمهور على جواز الرواية بالمعنى، وأنه إذا جازت روايته بلغة أخرى جازت روايته بنفس اللغة مع اختلاف في اللفظ، هذا من الأدلة.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 12

إيه قالوا: هذا متعبد بلفظها، الأذكار قالوا: متعبد بلفظها، ومنهم من يقول: ليس كل الأذكار متعبد بلفظها، لكنه في هذا الموضع له دلالته، يعني دلالة النبي غير دلالة الرسول، ودلالة الرسول أخذت من "أرسلت"، فقولنا:"ورسولك الذي أرسلت" يفوت علينا الدلالة الزائدة المأخوذة من النبي، ولذلك رد عليه النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البراء.

"والشيخ في التصنيف -الشيخ ابن الصلاح- قطعاً قد حظر" الآن الرواية بالمعنى إنما أجيزت للحاجة، إجازتها إنما هي لأي شيء؟ للحاجة، يعني مع عدم الحاجة شخص يحفظ ويضبط الحديث بلفظه يقول: سأرويه بالمعنى! نقول: ما يجوز يا أخي، هذا خلاف الأصل، إنما جوازها لمن لا يستطيع الأداء بالحرف؛ لأن المغير مهما بلغ من الدقة لن يأتي بمثل اللفظ النبوي، مهما بلغ من البلاغة الفصاحة لن يأتي بمثله.

والمنع وحسم الباب بالكلية كما يقول ابن سيرين هذا لا شك أنه يقطع باب الرواية؛ لأن جل الناس لا يستطيع أن يستحضر اللفظ، "في التصنيف" هل هناك داعي لأن يروى الحديث بالمعنى؟ يعني في المؤلفات؟

ابن الصلاح "والشيخ في التصنيف قطعاً قد حظر" الآن حديث مروي مدون بحروفه في صحيح البخاري، في صحيح مسلم، في السنن، في المسند في غيرها، وأردنا أن ننقله، ننقله في مصنفاتنا أو نستدل به بالمعنى؟ ابن الصلاح يقول: لا، ما دام مصنف ومضبوط وموجود بين يديك في أي وقت تريده لا يجوز لك أن ترويه بالمعنى؛ لأن العلة ارتفعت، العلة مرتفعة.

ص: 13

ابن دقيق العيد يقول: فرق بين أن تنقل هذا المصنف أو تنقل منه، يقول: كونك تروي البخاري بالسند إلى مؤلفه لا يجوز أن تغير؛ لأن هذا مصنف، ولو غيرت أنت، ثم غير الراوي عنك، ثم غير الراوي عنه انمسخ الكتاب، وكونك أيضاً تنسخ الكتاب يجب عليك أن تنسخه حرفياً، لا يجوز أن تغير لا بالمعنى ولا بغيره، ما تبدل لفظة، تقول: لا والله هذه أفضل منها، يعني في رواية الكتاب أو في النقل منه لا يجوز، لكن إذا أردت أن تستدل بحديث بالبخاري والصحيح ليس بين يديك -هذا كلام ابن دقيق العيد- احتجت إلى حديث في صحيح البخاري وأنت لا تحفظه بحروفه، نقول: انتظر لا تحدث حتى تقرأ الحديث بحروفه؟ أو يكون حكمه حكم الصدر الأول قبل التصنيف، بس لا بد أن يكون الشرط قد توافر فيه، عارف بمدلولات الألفاظ، عارف بما يحيل المعاني، يعني ضابط اللفظ، لو مثلاً حدث

، مر علينا في الموطأ حديث معاوية في مسألة القصة -الكبة من الشعر- والمراد بها الوصل، فقام شخص واعظ وتكلم وقال: ابتلي الناس بهذه القصات، وهذا كذا، وهذا حديث معاوية يقول:"إنما أهلكت بنو إسرائيل حينما اتخذت نسائهم القصة" الآن هو أدى الحديث بلفظه، لكنه حرف معناه، لكن لو رجع إلى الأصل لوجد البخاري يترجم على الحديث: باب ما جاء في وصل الشعر، واستدل به المتحدث هذا على خلاف ما سيق من أجله، وما عرف من معناه.

النقل من الكتب سواءً كان في الحديث أو في غيره ابن الصلاح حسم الخلاف في هذا، وقال: إذا كان في المصنفات ما يجوز تغييره، وابن دقيق العيد وافقه في صورتين: إذا أراد أن يروي الكتاب بكماله، أو ينسخه، هذا لا يجوز التغيير فيه، أما إذا أراد أن يروي منه ما يحتاج إليه في الاستدلال، أو في العمل وفي الاحتجاج فحكمه حكم الرواية من غير كتاب.

ص: 14

إذا نقلنا عن كتاب، يعني لو مثلاً ونحن نشرح قلت: قال السخاوي كذا في معنى البيت، هل يلزم من هذا أن أنقل قول السخاوي بحروفه؟ أو نقول: إذا جازت الرواية بالمعنى في الحديث فلئن تجوز في كلام الناس من باب أولى، يعني إذا كان كلام السخاوي بين يدي وأريد أن أنقل كلامه في الدرس أو في مصنف آخر واللفظ متيسر لا يجوز أن أغير، لكن أنت افترض أنك في غير بلدك وبعيد عن كتبك وأردت أن تشرح متن من المتون وأنت تستحضر أقوال أهل العلم فيها، تقول مثلاً: قال ابن حجر في فتح الباري كذا، فإذا طبقنا ما نقلت إلى ما في الأصل يختلف، لكن المعنى واحد، الفكرة واحدة، وأنت عبرت عنها، هذا صنيع جمهور أهل العلم، يعني لو طبقنا النقول التي في فتح الباري على ما في الأصول المعزو إليها وجدت هناك فرق كبير من حيث الألفاظ، لكن المعنى واحد، الفكرة واحدة، الإشكال في التعبير عنه، وهذا في كلام أهل العلم بكثرة، يعني كونهم لا يتقيدون بالألفاظ، الآن الباحثون يتصرفون، لكن يذكرون أن هذا من الكتاب الفلاني بتصرف.

طالب: ما عهد عند أئمة السلف أنهم يقولون: بتصرف؟

ما يقولون شيئاً، ولا يقولون مثل هنا الذي عندنا إلا نادراً؛ لأنه قال:

وليقل الراوي: بمعنىً أو كما

قال. . . . . . . . .

يعني إذا نقلت بالمعنى، رويت بالمعنى تقول: بالمعنى، أو "كما قال"، في سنن أبي داود كثيراً ما يقول:"حدثنا فلان ابن فلان المعنى"، أو "حدثنا فلان وفلان المعنى"، تقديره: المعنى واحد، هنا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:"وليقل الراوي -يعني الذي يروي بالمعنى- بمعنىً" على شأن يخرج من العهدة، "أو كما قال" يعني إذا روى حديثاً يشك في لفظه هل هو مما ضبطه وأتقنه، أو زاد فيه ونقص شيئاً لا يؤثر بالمعنى يقول:"أو كما قال"، وهذه درج عليها كثير من أهل العلم، لكن وجودها في كلام السلف نادر، لكن الحاجة داعية إليها في رواية الخلف أكثر منها في رواية السلف؛ لأن رواية الخلف الضبط عندهم قل، والتصرف كثر، يعني ما تجد إنسان يستحضر النصوص، نادر هذا، ولذلك تجده مثل ما يقول العوام:"تخمط الجيلاني" مرة يقرب، ومرة يبعد، ومرة، فيحتاج إلى مثل هذا لينبه السامع إلى أن هذا ليس هو اللفظ الأصلي.

ص: 15

"ونحوه كشك أبهما" يعني مع إبهام بعض الحروف وبعض الألفاظ من الشيخ، يعني الشيخ قد يسرع، أو يكون الطالب في سمعه ثقل، فسمع كلمة لا يدري هل هي على هذا الوجه أو على هذا الوجه؟ لكن سياقها يرجح هذا اللفظ، فيقول:"أو كما قال".

طالب: لكنه قليل في. . . . . . . . .

ذكرنا أن هذا قليل في السلف.

طالب:. . . . . . . . .

والله الآية ما فيها خلاف أنه يجب تلاوتها بلفظها، وأنه لا يجوز تغيير ولا حرف فيها، يعني لو ذكر ما يدل عليها في الجملة من غير لفظها قد .... نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

على كل حال الأقوال لو رجعت إليها في كتب أهل العلم بلغت عشرة، لكن مردها إلى الأقوال الثلاثة التي ذكرناها، نعم.

أحسن الله إليك.

الاقتصار على بعض الحديث:

وَحَذْفَ بَعْضِ الْمَتْنِ فَامْنعَ أو أَجِزْ

أَوْ إِنْ أُتِمَّ أَوْ لِعَالِمٍ وَمِزْ

ذَا بِالصَّحِيْحِ إِنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهْ

مُنْفَصِلاً عَنِ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهْ

وَمَا لِذِي تُهْمَةٍ أَنْ يَفْعَلَهْ

فَإِنْ أَبَى فَجَازَ أَنْ لَا يُكْمِلَهْ

أَمَّا إِذَا قُطِّعَ فِي الأبوابِ

فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ

الحديث قد يكون طويلاً، ومن يرويه أو يستدل به لا يحتاج إلى الحديث بكماله، فيريد أن يقتصر على موضع الشاهد الذي يتحدث فيه، منهم من منع، قال: يسوق الحديث بكماله؛ لأنه قد يحذف شيئاً المذكور بأمس الحاجة إليه، ولا يتبين معناه إلا به، لكن المحرر عند أهل العلم، والمتقرر عندهم أنه إذا كان المذكور لا يحتاج إلى محذوف، كما لو كان المحذوف استثناء، لا يجوز حذفه، وصف مؤثر، حال، كل هذه لا يجوز حذفها؛ لأن المذكور المبقى يتأثر بالمحذوف.

وحذفَ بعض المتن فامنع أو أجز

أو إن أتم أو لعالم ومز

ص: 16

أربعة أقوال، فامنع يعني مطلقاً، اذكر الحديث بكماله ولا تختصر منه شيئاً، أو أجز، أو إن أٌتم يعني مرة رواه تاماً ومرة رواه ناقصاً؛ لأن روايته للحديث لا سيما إذا كان الحديث لا يوجد عند غيره يتعين عليه أداءه كاملاً، فإذا رواه كاملاً ثم أراد أن يرويه ناقصاً جاز، بالشرط المذكور عندهم، أو لعالم، يعني لا يجوز هذا إلا لعالم؛ لأنه هو الذي يعرف بما يتأثر وبما لا يتأثر.

القرآن قد تأتي الآية طويلة، وأنت بحاجة إلى أن تستدل بها، هل تسوق الآية كاملة أو تسوق موضع الشاهد؟ إذا أنت تتحدث عن الأمانة وقلت: قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] هل يلزم أن تكمل الآية؟ وإذا تحدثت عن الحكم وعن العدل {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] هل يلزمك أن تتحدث تأتي بأول الآية أو آخره؟ لا يلزم، والحديث في هذا من باب أولى، ولذا تجد الحديث مطول في كتاب، وتجده مختصر في كتاب آخر، تجده مطول في كتاب وتجده مختصراً في موضع آخر من الكتاب نفسه، وصحيفة همام بن منبه في مسند الإمام أحمد مشتملة على مائة وثلاثين جملة، قطعها البخاري، قطع ما يحتاج منها في مواضع كثيرة من صحيحة، وكذلك مسلم، ما التزموا أن يذكروا الصحيفة كاملة، وهذا كثير عند أهل العلم، وسيأتي في قوله في الباب الأخير:

أما إذا قطع في الأبوابِ

. . . . . . . . .

"وحذف بعض المتن فامنع"، لكن "أو أجز" يعني منهم من منع مطلقاً هذا القول الأول، والثاني: منهم من أجاز، لكن ما يتصور أن منهم من يجيز مطلقاً، بل لا بد أن يكون المحذوف لا يؤثر في المذكور، يعني إذا كان استثناء؟ يؤثر، إذا كان وصف له تأثيره بحيث يخرج ما عداه، فإن هذا لا يجوز البتة.

"فامنع أو أجز

أو إن أُتم" يعني مرة رواه تاماً وبرئت عهدته منه، ثم رواه ناقصاً، اقتصر على بعضه وحذف البعض، لا سيما إذا رواه عند من سمعه منه تاماً، "أو لعالم"، يعني العالم الذي يميز ما يحذف وما لا يحذف يجوز له هذا، وهو القول الرابع.

ص: 17

"ومز ذا بالصحيح" مز يعني ميز هذا القول الأخير، وسمه بالقول الصحيح، "مز ذا" يعني القول الأخير أنه لعالم "بالصحيح" يعني لا يصح إلا إذا كان الذي اختصر الحديث واقتصر على بعضه عالماً.

. . . . . . . . . إن يكن ما اختصره

منفصلاً عن الذي قد ذكره

تقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) وتسكت، ما يلزم أن تقول:((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لأن المعنى تم، مدلول الجملة الأولى كافي في الدلالة على المقصود، كما أن الجملة الثانية أيضاً لها دلالة، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) غير دلالة الجملة الأولى.

. . . . . . . . . إن يكن ما اختصره

منفصلاً عن الذي قد ذكره

وما لذي تهمة أن يفعله

. . . . . . . . .

ليس لمن لم ترتفع منزلته عن التهمة أن يفعله، لماذا؟ ولو رواه مرة تاماً ومرة ناقصاً؟ لأن الرجل متهم، إن رواه كاملاً قيل: زاد في الحديث ما ليس منه، وإن رواه ناقصاً قيل: نسي بعض الحديث، وقُدح به بسبب هذا النسيان، قال:

وما لذي تهمة أن يفعله

فإن أبى فجاز أن لا يكمله

يعني إن أبى إلا رواية الحديث يجوز له أن لا يكمله؛ لأن القدر الذي يذكره متيقن منه، لكن بالشرط السابق.

أما إذا قطع في الأبوابِ

فهو إلى الجواز ذو اقترابِ

الإمام البخاري عادته أن يقطع الحديث الواحد في الأبواب حسب ما تدل عليه كل جملة من جمله يترجم لها، ثم يسوق هذه الجملة للاستدلال على الحكم الذي ترجم به في هذا الموضع، وفي الموضع الثاني على الجملة الثانية، وفي الموضع الثالث إلى أن يصل إلى عشرين موضعاً أحياناً، الحديث الواحد يقطعه في عشرين موضع.

أما إذا قُطع في الأبوابِ

فهو إلى الجواز. . . . . . . . .

يعني هذا ما فيه إشكال فعله الأئمة.

. . . . . . . . .

فهو إلى الجواز ذو اقترابِ

لأن الإنسان ليس بمطالب أن يذكر الحديث كاملاً، والقصة كاملة في جميع المواضع الذي يريد سياقه فيها، يعني لو أن البخاري ساق صحيفة همام في الموضع الأول، ثم ساقها في الموضع الثاني كاملة، ثم ساقها في الموضع الثالث، ثم في العاشر، العشرين، ويش يصير طول الكتاب؟ وقس على هذا كل الأحاديث التي في الصحيح، يعني يحتاج إلى أضعاف أضعاف ما هو عليه من مجلدات.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك

ص: 18