المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كان وأخواتها ترفع كان المبتدا اسما والخبر … تنصبه ككان سيدا - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ١

[ابن عقيل]

الفصل: ‌ ‌كان وأخواتها ترفع كان المبتدا اسما والخبر … تنصبه ككان سيدا

‌كان وأخواتها

ترفع كان المبتدا اسما والخبر

تنصبه ككان سيدا عمر (1)

ككان ظل بات أضحى أصبحا

أمسى وصار ليس زال برحا (2)

فتىء وانفك وهذي الأربعة

لشبه نفي أو لنفي متبعه (3)

ومثل كان دام مسبوقا بما

كأعط ما دمت مصيبا درهما (4)

(1)" ترفع " فعل مضارع " كان " قصد لفظه: فاعل ترفع " المبتدا " مفعول به لترفع " اسما " حال من قوله المبتدأ " والخبر " الواو عاطفة، الخبر مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: وتنصب الخبر " تنصبه " تنصب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " كان "، والضمير البارز المتصل مفعول به، والجملة من تنصب وفاعله ومفعوله لا محل لها تفسيرية " ككان " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك، كان: فعل ماض ناقص " سيدا " خبر كان مقدم " عمر " اسمها مؤخر، مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن للوقف.

(2)

" ككان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و" كان " هنا قصد لفظه " ظل " قصد لفظه أيضا: مبتدأ مؤخر " بات، أضحى، أصبحا، أمسى، وصار ليس، زال، برحا " كلهن معطوفات على ظل بإسقاط حرف العطف مما عدا الخامس.

(3)

" فتئ، وانفك " معطوفان أيضا على " ظل " بإسقاط حرف العطف في الاول " وهذي " الواو للاستئناف، ها: حرف تنبيه، مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وذي: اسم إشارة مبتدأ " الاربعة " بدل من اسم الاشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له، " لشبه " جار ومجرور متعلق بقوله " متبعة " الآتي، وشبه

مضاف، و" نفي " مضاف إليه " أو " حرف عطف " لنفي " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق " متبعه " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة.

(4)

" ومثل " خبر مقدم، ومثل مضاف و" كان " قصد لفظه: مضاف إليه " دام " قصد لفظه أيضا: مبتدأ مؤخر " مسبوقا " حال من دام " بما " الباء حرف جر، وما =

ص: 261

لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء وهي قسمان أفعال وحروف فالأفعال كان وأخواتها وأفعال المقاربة وظن وأخواتها والحروف ما وأخواتها ولا التي لنفي الجنس وإن وأخواتها.

فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها وكلها أفعال اتفاقا إلا ليس فذهب الجمهور إلى أنها فعل وذهب الفارسي في أحد قوليه وأبو بكر بن شقير - في أحد قوليه - إلى أنها حرف. (1)

= قصد لفظه مجرور محلا بالباء، والجار والمجرور متعلق بمسبوقا " كأعط " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا، أعط: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله الاول محذوف، والتقدير " أعط المحتاج " مثلا " ما " مصدرية ظرفية " دمت " دام: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسم دام " مصيبا " خبر دام " درهما " مفعول ثان لاعط، وتلخيص البيت: ودام مثل كان - في العمل الذي هو رفع الاسم ونصب الخبر - لكن في حالة معينة، وهي حالة ما إذا سبقت دام بما المصدرية الظرفية الواقعة في نحو قولك " أعط المحتاج درهما ما دمت مصيبا " أي مدة دوامك مصيبا، والمراد ما دمت تحب أن تكون مصيبا.

(1)

أول من ذهب من النحاة إلى أن ليس حرف، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو علي الفارسي في " الحلبيات " وأبو بكر بن شقير، وجماعة.

واستدلوا على ذلك بدليلين:

الدليل الاول، أن " ليس " أشبه الحرف من وجهين: الوجه الاول: أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف، وذلك لانه يدل على النفي الذي يدل عليه " ما " وغيرها من حروف النفي.

الوجه الثاني: أنه جامد لا يتصرف، كما أن الحرف جامد لا يتصرف.

والدليل الثاني: أنه خالف سنن الافعال عامة، وبيان ذلك أن الافعال بوجه عام مشتقة من المصدر للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما في عامة الافعال، فإن عامة الافعال الماضية تدل على الزمان الذي انقضى، وهذه الكلمة تدل على نفي =

ص: 262

وهي ترفع المبتدأ وتنصب خبره ويسمى المرفوع بها اسما لها والمنصوب بها خبرا لها.

وهذه الأفعال قسمان منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط: وهي كان وظل وبات وأضحى وأصبح وأمسى وصار وليس.

ومنها: ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان:

أحدهما: ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظا أو تقديرا أو شبه نفي وهو أربعة زال وبرح وفتىء وانفك فمثال النفي لفظا ما زال زيد قائما ومثاله تقديرا قوله تعالى: {قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تفتؤ ولا يحذف النافي معها إلا بعد القسم كالآية الكريمة وقد شذ الحذف بدون القسم كقول الشاعر:

= الحدث الذي دل عليه خبرها في الزمان الحاضر، إلى أن تقوم قرينة تصرفه إلى الماضي أو المستقبل، فإذا قلت:" ليس خلق الله مثله " فليس أداة نفي، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة الفعل الماضي - وهو خلق - وفاعله في محل نصب خبرها.

وفي هذا المثال قرينة - وهي كون الخبر ماضيا - على أن المراد نفي الخلق في الماضي،

وقوله تعالى: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) يشتمل على قرينة تدل على أن المراد نفي صرفه عنهم فيما يستقبل من الزمان، ومن أجل ذلك كله قالوا: هي حرف.

ويرد ذلك عليهم قبولها علامات الفعل، ألا ترى أن تاء التأنيث الساكنة تدخل عليها، فتقول: ليست هند مفلحة، وأن تاء الفاعل تدخل عليها، فتقول: لست، ولست، ولستما، ولستم، ولستن.

وأما عدم دلالتها على الحدث كسائر الافعال فإنه منازع فيه، لان المحقق الرضي ذهب إلى أن " ليس " دالة على حدث - وهو الانتفاء - ولئن سلمنا أنها لا تدل على حدث - كما هو الراجح، بل الصحيح عند الجمهور - فإنا نقول: إن عدم دلالتها على حدث - ليس هو بأصل الوضع، ولكنه طارئ عليها وعارض لها بسبب دلالتها على النفي، والمعتبر إنما هو الدلالة بحسب الوضع وأصل اللغة، وهي من هذه الجهة دالة عليه، فلا يضرها أن يطرأ عليها ذلك الطارئ فيمنعها.

=

ص: 263

60 -

وأبرح ما أدام الله قومي

بحمد الله منتطقا مجيدا

60 - البيت لخداش بن زهير.

اللغة: " منتطقا " قد فسره الشارح العلامة تفسيرا، ويقال: جاء فلان منتطقا فرسه، إذا جنبه - أي جعله إلى جانبه ولم يركبه - وقال ابن فارس: هذا البيت يحتمل أنه أراد أنه لا يزال يجنب فرسا جوادا، ويحتمل أنه أراد أنه يقول قولا مستجاذا في الثناء على قومه، أي: ناطقا " مجيدا " بضم الميم: يجري على المعنيين اللذين ذكرناهما في قوله " منتطقا "، وهو وصف للفرس على الاول، ووصف لنفسه على الثاني.

المعنى: يريد أنه سيبقى مدى حياته فارسا، أو ناطقا بماثر قومه، ذاكرا ممادحهم، لانها كثيرة لا تفنى، وسيكون جيد الحديث عنهم، بارع الثناء عليهم، لان صفاتهم الكريمة تنطق الالسنة بذكرهم.

الاعراب: " أبرح " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ما " مصدرية ظرفية " أدام " فعل ماض " الله " فاعل أدام " قومي " قوم: مفعول به لادام، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بحمد " جار ومجرور متعلق بقوله " أبرح " أو هو متعلق بفعل محذوف، والتقدير " أحمد بحمد " وحمد مضاف، و" الله " مضاف إليه " منتطقا " اسم فاعل فعله انتطق، وهو خبر " أبرح " السابق، وفاعله ضمير مستتر فيه " مجيدا " مفعول به لمنتطق على المعنى الاول، وأصله صفة لموصوف محذوف، فلما حذف الموصوف أقيمت الصفة مقامه، وأصل الكلام: لا أبرح جانبا فرسا مجيدا، وهو خبر بعد خبر على المعنى الثاني، وكأنه قال: لا أبرح ناطقا بمحامد قومي مجيدا في ذلك، لان مآثر قومي تنطق الالسنة بجيد المدح.

الشاهد فيه: قوله " أبرح " حيث استعمله بدون نفي أو شبه نفي، مع كونه غير مسبوق بالقسم، قال ابن عصفور: وهذا البيت فيه خلاف بين النحويين، فمنهم من قال: إن أداة النفي مرادة، فكأنه قال " لا أبرح " ومنهم من قال: إن " أبرح " غير منفي، لا في اللفظ ولا في التقدير، والمعنى عنده: أزول بحمد الله عن أن أكون منتطقا مجيدا، أي: صاحب نطاق وجواد لان قومي يكفونني هذا، فعلى الوجه الاخير في كلام ابن عصفور لا استشهاد فيه.

ومثل هذا البيت قول خليفة بن براز: =

ص: 264

أي لا أبرح منتطقا مجيدا أي صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي وعنى بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقي له قومه وهذا أحسن ما حمل عليه البيت.

ومثال شبه النفي والمراد به النهي كقولك لا تزل قائما ومنه قوله:

61 -

صاح شمر ولا تزل ذاكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين

والدعاء كقولك لا يزال الله محسنا إليك وقول الشاعر:

62 -

تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه واعلم أن شروط جواز حذف حرف النفي مطلقا ثلاثة: الاول: أن يكون هذا الحرف " لا " دون سائر أخواته من حروف النفي.

الثاني: أن يكون المنفى به مضارعا كما في الآية، وكما في قول امرئ القيس: فقلت: يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي وقول عبد الله بن قيس الرقيات: والله أبرح في مقدمة أهدي الجيوش علي شكتيه حتى أفجعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهم بنسوتيه وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: تالله أنسى حبها حياتنا أو أقبرا وقول نصيب من مرثية له في أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان: تالله أنسى مصيبتي أبدا ما أسمعتني حنينها الابل الثالث: أن يكون ذلك في القسم كما في الآية الكريمة من سورة يوسف، وبيت امرئ القيس، وبيت عبد الله بن قيس الرقيات، وبيت عمر، وبيت نصيب، وشذ الحذف بدون القسم كما في بيت خداش، وبيت خليفة بن براز.

61 -

البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها.

=

ص: 265

ألا يا اسلمي يا درامي على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر

= المعنى: يا صاحبي اجتهد، واستعد للموت، ولا تنس ذكره، فإن نسيانه ضلال

ظاهر.

الاعراب: " صاح " مناد حذفت منه ياء النداء، وهو مرخم ترخيما غير قياسي، لانه نكرة، والقياس ألا برخم مما ليس آخره تاء إلا العلم " شمر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ولا " الواو عاطفة، لا: ناهية " تزل " فعل مضارع ناقص مجزوم بحرف النهي، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذاكر " خبر تزل، وذاكر مضاف، و" الموت " مضاف إليه " فنسيانه " الفاء حرف دال على التعليل، نسيان: مبتدأ، ونسيان مضاف والهاء العائدة إلى الموت مضاف إليه " ضلال " خبر المبتدأ " مبين " نعت لضلال.

الشاهد فيه: قوله " ولا تزل ذاكر الموت " حيث أجرى فيه مضارع " زال " مجرى " كان " في العمل، لكونها مسبوقة بحرف النهي، والنهي شبيه بالنفي.

62 -

البيت لذي الرمة غيلان بن عقبة يقوله في صاحبته مية.

اللغة: " البلى " من بلى الثوب يبلي على وزن رضى يرضي أي: خلق ورث " منهلا " منسكبا منصبا " جرعائك " الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئا " القطر " المطر.

المعنى: يدعو لدار حبيبته بأن تدوم لها السلامة على مر الزمان من طوارق الحدثان وأن يدوم نزول الامطار بساحتها، وكنى بنزول الامطار عن الخصب والنماء بما يستتبع من رفاهية أهلها، وإقامتهم في ربوعها، وعدم المهاجرة منها لانتجاع الغيث والكلا.

الاعراب: " ألا " أداة استفتاح وتنبيه " يا " حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير " يادارمية "" اسلمي " فعل أمر مقصود منه الدعاء، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل " يادار " يا: حرف نداء، ودار: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، ودار مضاف، و" مي " مضاف إليه " على البلى " جار ومجرور متعلق باسلمي " ولا " الواو حرف عطف، لا: حرف دعاء " زال " فعل ماض ناقص " منهلا " خبر زال مقدم

" بجرعائك " الجار والمجرور متعلق بقوله " منهلا " وجرعاء مضاف وضمير المخاطبة مضاف إليه " القطر " اسم زال مؤخر.

=

ص: 266

وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وهذي الأربعة إلى آخر البيت.

القسم الثاني: ما يشترط في عمله أن يسبقه ما المصدرية الظرفية وهو دام كقولك أعط ما دمت مصيبا درهما أي أعط مدة دوامك مصيبا درهما ومنه قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} أي مدة دوامي حيا

= الشاهد فيه: للنحاة في هذا البيت شاهدان، الاول: في قوله " يا اسلمي " حيث حذف المنادى قبل فعل الامر فاتصل حرف النداء بالفعل لفظا، ولكن التقدير على دخول " يا " على المنادى المقدر، ولا يحسن في مثل هذا البيت أن تجعل " يا " حرف تنبيه، لان " ألا " السابقة عليها حرف تنبيه، ومن قواعدهم المقررة أنه لا يتوالى حرفان بمعنى واحد لغير توكيد، ومثل هذا البيت في ما ذكرنا قول الشماخ.

يقولون لي: يا احلف، ولست بحالف أخادعهم عنها لكيما أنالها فقد أراد: يقولون لي يا هذا احلف، ومثله قول الاخطل: ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر ولا زال حيانا عدى آخر الدهر أراد: ألا يا هند اسلمي يا هند بني بكر، ومثله قول الآخر: ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد وذات الثنايا الغر والفاحم الجعد أراد: ألا يا ذات الدماليج اسلمي ذات الدماليج إلخ، ومثل الامر الدعاء كما في قول الفرزدق: يا أرغم الله أنفا أنت حامله يا ذا الخنى ومقال الزور والخطل

يريد: يا هذا أرغم الله أنفا إلخ، ومثله قول الآخر: يا لعنة الله والاقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار فيمن رواه برفع " لعنة الله ".

والشاهد الثاني في قوله " ولا زال إلخ " حيث أجرى " زال " مجرى " كان " في رفعها الاسم ونصب الخبر، لتقدم " لا " الدعائية عليها، والدعاء شبه النفي.

ص: 267

ومعنى ظل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا ومعنى بات اتصافه به ليلا وأضحى اتصافه به في الضحى وأصبح اتصافه به في الصباح وأمسى اتصافه به في المساء ومعنى صار التحول من صفة إلى صفة أخرى ومعنى ليس النفي وهي عند الإطلاق لنفي الحال نحو ليس زيد قائما أي الآن وعند التقييد بزمن على حسبه نحو ليس زيد قائما غدا ومعنى زال وأخواتها ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو ما زال زيد ضاحكا وما زال عمرو أزرق العينين ومعنى دام بقي واستمر.

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا (1)

هذه الأفعال على قسمين (2) : أحدهما: ما يتصرف، وهو ما عدا ليس ودام.

(1)" وغير " مبتدأ، وغير مضاف، و" ماض " مضاف إليه " مثله " مثل: حال مقدم على صاحبها، وصاحبها هو فاعل " عمل " الآتي، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه، ومثل من الالفاظ المتوغلة في الابهام فلا تفيدها الاضافة تعريفا، فلهذا وقعت حالا " قد " حرف تحقيق " عملا " عمل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضي، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " إن " شرطية " كان " فعل ماض ناقص، فعل الشرط " غير " اسم كان، وغير مضاف، و" الماضي "

مضاف إليه " منه " جار ومجرور متعلق باستعمل " استعملا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضي، والجملة في محل نصب خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إن كان غير الماضي مستعملا فإنه يعمل مشابها الماضي.

(2)

هي على قسمين إجمالا، ولكنها على ثلاثة أقسام تفصيلا (الاول) ما لا يتصرف أصلا فلم يأت منه إلا الماضي، وهو فعلان: ليس، ودام، فإن قلت: فإنه قد سمع: يدوم، ودم، ودائم، ودوام، قلت: هذه تصرفات دام التامة التي ترفع فاعلا فقط، والكلام =

ص: 268

والثاني: ما لا يتصرف، وهو ليس ودام فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي وذلك هو المضارع نحو يكون زيد قائما قال الله تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} والأمر نحو كونوا قوامين بالقسط وقال الله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} واسم الفاعل نحو زيد كائن أخاك وقال الشاعر:

63 -

وما كل من يبدي البشاشة كائنا

أخاك إذا لم تلفه لك منجدا

= إنما هو في دام الناقصة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر (الثاني) ما يتصرف تصرفا ناقصا، بأن يكون المستعمل منه الماضي والمضارع واسم الفاعل، وهو أربعة أفعال: زال، وفتئ، وبرح، وانفك (الثالث) ما يتصرف تصرفا تاما بأن تجئ منه أنواع الفعل الثلاثة: الماضي، والمضارع، والامر، ويجئ منه المصدر واسم الفاعل، وهو الباقي، وقد اختلف النحاة في مجئ اسم المفعول من القسم الثالث، فمنعه قوم منهم أبو علي الفارسي، فقد سأله تلميذه ابن جنى عن قول سيبويه " مكون فيه " فقال: ما كل داء يعالجه الطبيب!.

وأجازه غير أبي علي، فاحفظ ذلك.

63 -

البيت من الشواهد التي لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين.

اللغة: " يبدي " يظهر " البشاشة " طلاقة الوجه " تلفه " تجده " منجدا " مساعدا.

المعنى: ليس كل أحد يلقاك بوجه ضاحك أخاك الذي تركن إليه، وتعتمد في حاجتك عليه، ولكن أخوك هو الذي تجده عونا لك عند الحاجة.

الاعراب: " ما " نافية تعمل عمل ليس " كل " اسمها، وكل مضاف، و" من " اسم موصول مضاف إليه " يبدي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " من " والجملة لا محل لها صلة الموصول " البشاشة " مفعول به ليبدي " كائنا " خبر ما النافية، وهو اسم فاعل متصرف من كان الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل " أخاك " أخا: خبر كائن منصوب بالالف نيابة عن الفتحة لانه من الاسماء الستة، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " لم " حرف نفي وجزم " تلفه " تلف: فعل مضارع مجزوم بلم، =

ص: 269

والمصدر كذلك واختلف الناس في كان الناقصة هل لها مصدر أم لا؟ والصحيح أن لها مصدرا ومنه قوله:

64 -

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك إياه عليك يسير

= وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول لتلفى " لك " جار ومجرور متعلق بقوله منجدا الآتي " منجدا " مفعول ثان لتلفى، وقال العيني: هو حال وذلك مبني على أن " ظن " وأخواتها تنصب مفعولا واحدا، وهو رأي ضعيف لبعض النحاة.

الشاهد فيه: قوله " كائنا أخاك " فإن " كائنا " اسم فاعل من كان الناقصة وقد

عمل عملها، فرفع اسما ونصب خبرا: أما الاسم فهو ضمير مستتر فيه، وأما الخبر فهو قوله " أخاك " على ما بيناه في إعراب البيت.

64 -

وهذا البيت - أيضا - من الشواهد التي لم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة: " بذل " عطاء " ساد " من السيادة، وهي الرفعة وعظم الشأن.

المعنى: إن الرجل يسود في قومه وينبه ذكره في عشيرته ببذل المال والحلم، وهو يسير عليك إن أردت أن تكون ذلك الرجل.

الاعراب: " ببذل " جار ومجرور متعلق بساد، " وحلم " معطوف على بذل " ساد " فعل ماض " في قومه " الجار والمجرور متعلق أيضا بساد، وقوم مضاف والضمير مضاف إليه " الفتى " فاعل ساد " وكونك " كون: مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة، فمن حيث كونه مبتدأ يحتاج إلى خبر، وهو قوله " يسير " الآتي، ومن حيث كونه مصدر كان الناقصة يحتاج إلى اسم وخبر، فأما اسمه فالكاف المتصلة به، فلهذه الكاف محلان أحدهما جر بالاضافة، والثاني رفع على أنها الاسم، وأما خبرها فقوله " إيا " وقوله " عليك " جار ومجرور متعلق بيسير، وقوله " يسير " هو خبر المبتدأ، على ما تقدم ذكره.

الشاهد فيه: قوله " وكونك إياه " حيث استعمل مصدر كان الناقصة وأجراه مجراها في رفع الاسم ونصب الخبر، وقد بينت لك اسمه وخبره في إعراب البيت.

ص: 270

وما لا يتصرف منها وهو دام وليس (1) وما كان النفي أو شبهه شرطا فيه وهو زال وأخواتها لا يستعمل منه أمر ولا مصدر.

وفي جميعها توسط الخبر

أجز وكل سبقه دام حظر (2)

= فهذا الشاهد يدل على شيئين: أولهما أن " كان " الناقصة قد جاء لها مصدر في كلام العرب، فهو رد على من قال لا مصدر لها.

وثانيهما أن غير الماضي من هذه الافعال سواء أكان اسما، أم كان فعلا غير ماض يعمل العمل الذي يعمله الفعل الماضي، وهو رفع الاسم ونصب الخبر.

(1)

رجح العلامة (الصبان) ؟ أن الناقصة لها مصدر، ودليله على ذلك شيئان: الاول أنها تستعمل البتة صلة لما المصدرية الظرفية، ووجه الاستدلال بهذا الوجه أن ما المصدرية مع صلتها تستوجب التقدير بمصدر، فاستعمالهم هذا الفعل بعد ما يشير إلى أنهم يعتقدون أن لها مصدرا، والثاني أن العلماء جروا على تقدير ما دام في نحو قوله تعالى:(مادمت حيا) بقولهم: مدة دوامي حيا، ولو أننا التزمنا أن هذا مصدر لدام التامة، أو أن العلماء اخترعوا في هذا التقدير مصدرا لم يرد عن العرب، لكنا بذلك جائرين مسيئين بمن قام على العربية وحفظها الظن كل الاساءة، فلزم أن يكون هذا المصدر مصدر الناقصة فتتم الدعوى.

(2)

" وفي جميعها " الجار والمجرور متعلق بتوسط، وجميع مضاف، وها مضاف إليه " توسط " مفعول به لاجز مقدم عليه، وتوسط مضاف، و" الخبر " مضاف إليه " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كل " مبتدأ " سبقه " سبق: مفعول به مقدم على عامله وهو حظر، وسبق مضاف وضمير الغائب العائد إلى الخبر مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " دام " قصد لفظه مفعول به لسبق " حظر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو كل.

ص: 271

مرده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه يجوز توسطها بين الفعل والاسم (1) فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك كان في الدار صاحبها فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ومثال وجوب تأخير الخبر

عن الاسم

(2) حاصل القول في هذا الموضوع أن لخبر كان وأخواتها ستة أحوال: الاول: وجوب التأخير، وذلك في مسألتين، إحداهما: أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعا غير ظاهر، نحو: كان صديقي عدوي، وثانيتهما: أن يكون الخبر محصورا نحو قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.

الثاني: وجوب التوسط بين العامل واسمه، وذلك في نحو قولك: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يجوز في هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم، لئلا يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على أن المصدرية لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، فلم يبق إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا.

الثالث: وجوب التقدم على الفعل واسمه جميعا، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام، نحو " أين كان زيد "؟ الرابع: امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه أو التقدم عليهما، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر، ولم يكن ثمة مانع من التقدم على الفعل، نحو " كان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها " يجوز أن تقول ذلك، ويجوز أن تقول:" في الدار كان صاحبها، وغلام هند كان بعلها " - بنصب غلام - ولا يجوز في المثالين التأخير عن الاسم.

الخامس: امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعا، مع جواز توسطه بينهما أو تأخره عنهما جميعا، نحو " هل كان زيد صديقك "؟ ففي هذا المثال يجوز هذا، ويجوز " هل كان صديقك زيد " ولا يجوز تقديم الخبر على هل، لان لها صدر الكلام، ولا توسيطه بين هل والفعل، لان الفصل بينهما غير جائز.

السادس: جواز الامور الثلاثة، نحو " كان محمد صديقك " يجوز فيه ذلك كما يجوز أن تقول: صديقك كان محمد، وأن تقول: كان صديقك محمد، بنصب الصديق.

ص: 272

قولك كان أخي رفيقي فلا يجوز تقديم رفيقي على أنه خبر لأنه لا يعلم ذلك لعدم ظهور الإعراب ومثال ما توسط فيه الخبر قولك كان قائما زيد قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} .

وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور ونقل صاحب الإرشاد خلافا في جواز تقديم خبر ليس على اسمها والصواب جوازه قال الشاعر:

65 -

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

65 - البيت - من قصيدة للسموأل بن عادياء الغساني، المضروب به المثل في الوفاء ومطلع قصيدته التي منها بيت الشاهد قوله: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل اللغة: " يدنس " الدنس بفتح الدال المهملة والنون هو الوسخ والقذر، والاصل فيه أن يكون في الامور الحسية، والمراد ههنا الدنس المعنوي " اللؤم " اسم جامع للخصال الدنيئة ومقابح الصفات " رداء " هو في هذا الموضع مستعار للخصلة من الخصال: أي إذا نظف عرض المرء فلم يتصف بصفة من الصفات الدنيئة فإن له بعد ذلك أن يتصف بما يشاء، يريد أن له أن يختار من المكارم وخصال البر الخصلة التي يرغبها " ضيمها " الضيم: الظلم.

المعنى: يقول لمن يخاطبها: سلي الناس عنا وعمن تقارنينهم بنا إن لم تكوني عالمة بحالنا، مدركة للفرق العظيم الذي بيننا وبينهم لكي يتضح لك الحال، فإن العالم

بحقيقة الامر ليس كمن جهلها.

الاعراب: " سلي " فعل أمر، وياء المخاطبة فاعله " إن " شرطية " جهلت " فعل ماض فعل الشرط، وتاء المخاطبة فاعل، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله " عنا " جار ومجرور متعلق بقوله سلي " وعنهم " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور قبله " فليس " الفاء حرف دال على التعليل، وليس: فعل ماض ناقص " سواء " خبر ليس مقدم " عالم " اسم ليس مؤخر " وجهول " معطوف على عالم.

= (18 - شرح ابن عقيل 1)

ص: 273

وذكر ابن معط أن خبر دام لا يتقدم على اسمها فلا تقول لا أصاحبك ما دام قائما زيد والصواب جوازه قال الشاعر:

66 -

لا طيب للعيش ما دامت منغصة

لذاته بادكار الموت والهرم

= الشاهد فيه: قوله " فليس سواء عالم وجهول " حيث قدم خبر ليس وهو " سواء " على اسمها وهو " عالم " وذلك جائز سائغ في الشعر وغيره، خلافا لمن نقل المنع عنه صاحب الارشاد.

66 -

البيت من الشواهد التي لم يعين أحد ممن اطلعنا على كلامه قائلها.

اللغة: " طيب " المراد به اللذة وما ترتاح إلى النفس وتهفو نحوه " منغصة " اسم مفعول من التنغيص وهو التكدير " بادكار " تذكر وأصله " اذتكار " فقلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا، ثم أدغمت الدال في الدال، ويجوز فيه " اذكار " بالذال المعجمة، على أن تقلب المهملة معجمة بعكس الاول ثم تدغم، ويجوز فيه بقاء كل من المعجمة والمهملة على حاله فتقول " اذدكار " وبالوجه الاول ورد قوله تعالى:(فهل من مدكر) أصله مذتكر فقلبت التاء دالا ثم أدغمتا على ما ذكرناه أولا.

المعنى: لا يرتاح الانسان إلى الحياة ولا يستطيب العيش ما دام يتذكر الايام التي

تأتي عليه بأوجاعها وآلامها، وما دام لا ينسى أنه مقبل لا محالة على الشيخوخة والموت ومفارقة أحبائه وملاذه.

الاعراب: " لا " نافية للجنس " طيب " اسمها مبني على الفتح في محل نصب " للعيش " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، أو متعلق بطيب، وخبر لا حينئذ محذوف " ما " مصدرية ظرفية " دامت " دام: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " منغصة " خبر دام مقدم على اسمها " لذاته " لذات: اسم دام مؤخر، ولذات مضاف والهاء العائدة إلى العيش مضاف إليه " بادكار " جار ومجرور متعلق بقوله منغصة، وادكار مضاف، و" الموت " مضاف إليه " والهرم " معطوف بالواو على الموت.

الشاهد فيه: قوله " مادامت منغصة لذاته " حيث قدم خبر دام وهو قوله " منغصة " على اسمها وهو قوله " لذاته ".

ص: 274

وأشار بقوله وكل سبقه دام حظر إلى أن كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر دام عليها وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على ما المتصلة بها نحو لا أصحبك قائما ما دام زيد فمسلم وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على دام وحدها نحو لا أصحبك ما قائما دام زيد وعلى ذلك حمله ولده في شرحه - ففيه

نظر والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر

= هذا توجيه كلام الشارح العلامة كغيره من النحاة، ردا على ابن معط.

وفيه خلل من جهة أنه ترتب عليه الفصل بين " منغصة " ومتعلقه وهو قوله " بادكار " بأجنبي عنهما وهو " لذاته ".

وفي البيت توجيه آخر، وهو أن يكون اسم " دام " ضميرا مستترا، وقوله " منغصة " خبرها، وقوله " لذاته " نائب فاعل لقوله " منغصة "، لانه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، وعلى هذا يخلو البيت من الشاهد، فلا يكون ردا على

ابن معط ومن يرى رأيه.

ومن الشواهد التي يستدل بها للرد على ابن معط قول الشاعر: مادام حافظ سري من وثقت به فهو الذي لست عنه راغبا أبدا فإن قوله " حافظ سري " خبر دام، وقوله " من وثقت به " اسمها، وقد تقدم الخبر على الاسم، ولا يرد عليه الاعتراض الذي ورد على البيت الشاهد، ولكنه يحتمل التأويل، إذ يجوز أن يكون اسم دام ضميرا مستترا يعود إلى " من وثقت به " ويكون خبرها هو " حافظ سري "، ويكون قوله " من وثقت به " فاعلا بحافظ، لانه اسم فاعل.

فإن قلت: فقد عاد الضمير على متأخر.

قلت: هو كذلك، ولكنه مغتفر ههنا، لان الكلام على هذا يصير من باب الاشتغال لتقدم عاملين وهما: دام، وحافظ سري وتأخر معمول واحد وهو " من وثقت به " فلما أعمل العامل الثاني أضمر في الاول المرفوع، وهو جائز عند البصريين كما ستعرفه في باب الاشتغال، إن شاء الله.

ص: 275

دام على دام وحدها فتقول لا أصحبك ما قائما دام زيد كما تقول لا أصحبك ما زيدا كلمت.

كذاك سبق خبر ما النافية

فجيء بها متلوة لا تاليه (1)

يعني أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على ما النافية ويدخل تحت هذا قسمان أحدهما ما كان النفي شرطا في عمله نحو ما زال وأخواتها فلا تقول قائما ما زال زيد وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس والثاني ما لم يكن النفي شرطا في عمله نحو ما كان زيد قائما فلا تقول قائما ما كان زيد وأجازه بعضهم (2) .

ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم فتقول قائما لم يزل زيد ومنطلقا لم يكن عمرو ومنعهما بعضهم. (3)

(1)" كذاك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " سبق " مبتدأ مؤخر، وسبق مضاف، و" خبر " مضاف إليه، وهو من جهة أخرى فاعل لسبق " ما " مفعول به لسبق " النافية " صفة لما " فجئ " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بها " جار ومجرور متعلق بجئ " متلوة " حال من الضمير المجرور محلا بالباء " لا " عاطفة " تالية " معطوف على متلوة.

(2)

أصل هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو: هل تستوجب " ما " النافية أن تكون في صدر الكلام؟ ذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تستوجب التصدير، وعلى هذا أجازوا أن يتقدم خبر الناسخ المنفى بها عليها مطلقا، ووافقهم ابنا كيسان والنحاس على جواز تقديم خبر الناسخ عليها إذا كان من النواسخ التي يشترط فيها النفي، لان نفيها حينئذ إيجاب فكأنه لم يكن، بخلاف النوع الثاني.

(3)

ذكر ابن مالك في شرح التسهيل أن الذي منع ذلك هو الفراء، وهذا المنع مردود بقول الشاعر: =

ص: 276

ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما نحو ما قائما زال زيد وما قائما كان زيد ومنعه بعضهم.

ومنع سبق خبر ليس اصطفى

وذو تمام ما برفع يكتفي (1)

وما سواه ناقص والنقص في

فتىء ليس زال دائما قفي (2)

اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها فذهب الكوفيون

= مه عاذلي فهائما لن أبرحا بمثل أو أحسن من شمس الضحى وقال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: إن ذلك جائز عند الجميع.

(1)

" ومنع " مبتدأ، ومنع مضاف، و" سبق " مضاف إليه، وسبق مضاف و" خبر " مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " ليس " قصد لفظه: مفعول به لسبق " اصطفى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " وذو " الواو للاستئناف، ذو: مبتدأ، وذو مضاف و" تمام " مضاف إليه " ما " اسم موصول خبر المبتدأ " برفع " جار ومجرور متعلق بيكتفي الآتي " يكتفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة، وجملة يكتفي وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.

(2)

" وما " اسم موصول مبتدأ " سواه " سوى: ظرف متعلق بمحذوف صلة ما، وسوى مضاف والهاء مضاف إليه " ناقص " خبر المبتدأ " والنقص " مبتدأ " في فتئ " جار ومجرور متعلق بقوله " قفى " الآتي " ليس، زال " معطوفان على " فتئ " بإسقاط حرف العطف " دائما " حال من الضمير المستتر في قوله " قفى " الآتي " قفى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على النقص، والجملة من قفى ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وهو " النقص ".

وتقدير البيت: وما سوى ذي التمام ناقص، والنقص قفى - أي اتبع - حال كونه مستمرا في فتئ وليس وزال.

ص: 277

والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ومنهم المصنف إلى المنع وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز فتقول قائما ليس زيد واختلف النقل عن سيبويه فنسب قوم إليه الجواز وقوم المنع ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها كقوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} وبهذا استدل من أجاز تقديم خبرها عليها وتقريره أن يوم يأتيهم معمول الخبر الذي هو مصروفا وقد تقدم على ليس قال ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل. (1)

(1) هذه القاعدة ليست مطردة تمام الاطراد، وإن كان العلماء قد اتخذوها دليلا في كثير من المواطن، وجعلوها كالشئ المسلم به الذي لا يتطرق إليه النقض، ونحن نذكر لك عدة مواضع أجازوا فيها تقديم المعمول، ولم يجيزوا فيها تقديم العامل: الموضع الاول: إذا كان خبر المبتدأ فعلا، لم يجز البصريون تقديمه على المبتدأ، لئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل، فلا يقولون " ضرب زيد " على أن يكون في ضرب ضمير مستتر، وجملته خبر مقدم، لكن أجازوا تقديم معمول هذا الخبر على مبتدئه في نحو " عمرو ضرب زيدا ".

فيقولون " زيدا عمرو ضرب ".

الموضع الثاني: خبر إن - إذا لم يكن ظرفا أو جارا ومجرورا - لم يجيزوا تقديمه على اسمها، فلا يقولون:" إن جالس زيدا "، وأجازوا تقديم معموله على الاسم، فيقولون:" إن عندك زيدا جالس ".

الموضع الثالث: الفعل المنفى بلم أو لن - نحو " لم أضرب، ولن أضرب " - لم يجيزوا تقديمه على النفي، وأجازوا تقديم معموله عليه، نحو " زيدا لن أضرب، وعمرا لم أصاحب ".

الموضع الرابع: الفعل الواقع بعد إما الشرطية، لم يجيزوا إيلاءه لاما، وأجازوا إيلاء معموله لها، نحو قوله تعالى:(فأما اليتيم فلا تقهر) .

=

ص: 278

وقوله وذو تمام إلى آخره معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين أحدهما: ما يكون تاما وناقصا والثاني: ما لا يكون إلا ناقصا والمراد بالتام: ما يكتفي بمرفوعه وبالناقص: ما لا يكتفي بمرفوعه بل يحتاج معه إلى منصوب.

وكل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا فتىء وزال التي مضارعها يزال لا التي مضارعها يزول فإنها تامة نحو زالت الشمس وليس فإنها لاتستعمل إلا ناقصة.

ومثال التام قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} أي إن وجد ذو عسرة وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} .

ولا يلي العامل معمول الخبر

إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر (1)

= والغرض من القاعدة التي أصلها هذا المستند: أن الغالب والكثير والاصل هو ألا يتقدم المعمول إلا حيث يجوز أن يتقدم العامل فيه، فلا يضر أن يجوز تقديم المعمول في بعض الابواب لنكتة خاصة به حيث لا يتقدم عامله، ولكل موضع من المواضع الاربعة نكتة لا تتسع هذه العجالة لشرحها.

(1)

" ولا " نافية " يلي " فعل مضارع " العامل " مفعول به ليلي مقدم على الفاعل " معمول " فاعل يلي، ومعمول مضاف و" الخبر " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ظرفا " حال مقدم على صاحبه، وهو الضمير المستتر في أتى " أتى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " معمول الخبر " السابق " أو " حرف عطف " حرف " معطوف على قوله " ظرفا " وحرف مضاف و" جر " مضاف إليه، وجملة =

ص: 279

يعني أنه لا يجوز أن يلي كان وأخواتها معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور وهذا يشمل حالين: أحدهما: أن يتقدم معمول الخبر وحده على الاسم ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم نحو كان طعامك زيد آكلا وهذه ممتنعة عند البصريين وأجازها الكوفيون.

الثاني: أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم ويتقدم المعمول على الخبر نحو كان طعامك آكلا زيد وهي ممتنعة عند سيبويه وأجازها بعض البصريين ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة لأنه لم يل كان معمول خبرها فتقول كان آكلا طعامك زيد ولا يمنعها البصريون. فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز إيلاؤه كان عند البصريين والكوفيين نحو كان عندك زيد مقيما وكان فيك زيد راغبا.

ومضمر الشأن اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنه امتنع (1)

= " أتى " وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يفصح عنه الكلام، وتقديره: فإنه يليه، وهذه الجملة كلها في موضع الاستثناء من مستثنى منه محذوف، وهو عموم الاوقات، وكأنه قال: لا يلي معمول الخبر العامل في وقت ما من الاوقات إلا في وقت مجيئه ظرفا أو حرف جر.

(1)

" مضمر " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " انو " الآتي، ومضمر مضاف و" الشأن " مضاف إليه " اسما " حال من مضمر " انو " فعل أمر، وفاعله

ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " وقع " فعل ماض فعل الشرط، =

ص: 280

يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي كان وأخواتها معمول خبرها فأوله على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وذلك نحو قوله:

67 -

قنافذ هداجون حول بيوتهم

بما كان إياهم عطية عودا

= مبني على الفتح في محل جزم، وسكن للوقف " موهم " فاعل وقع، وموهم مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " استبان " فعل ماض " أنه " أن: حرف توكيد ونصب، والهاء ضمير الغائب اسمها مبني على الضم في محل نصب " امتنع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر أن، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر فاعل لاستبان، وتقديره: استبان امتناعه، وجملة " استبان " وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.

وتقدير البيت: وانو مضمر الشأن حال كونه اسما لكان إن وقع في بعض الكلام ما يوهم الامر الذي وضح امتناعه، وهو إيلاء كان معمول خبرها.

67 -

البيت للفرزدق، من كلمة يهجو فيها جريرا وعبد القيس، وهي من النقائض بين جرير والفرزدق، وأولها قوله: رأى عبد قيس خفقة شورت بها يدا قابس ألوى بها ثم أخمدا اللغة: " قنافذ " جمع قنفذ، وهو بضمتين بينهما سكون، أو بضم القاف وسكون النون وفتح الفاء، وآخره ذال معجمة أو دال مهملة حيوان يضرب به المثل في السرى، فيقال: هو أسرى من القنفذ، وقالوا أيضا " أسرى من أنقد "

وأنقد: اسم للقنفذ، ولا ينصرف ولا تدخله الالف واللام، كقولهم للاسد: أسامة، وللذئب: ذؤالة، قاله الميداني (1 / 239 الخيرية) ثم قال:" والقنفذ لا ينام الليل، بل يجول ليله أجمع " اه، ويقال في مثل آخر " بات فلا بليل أنقد " وفي مثل آخر " اجعلوا ليلكم ليل أنقد " وذكر مثله العسكري في جمهرة الامثال (بهامش الميداني 2 / 7)" هداجون " جمع هداج وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان، والهدجان بفتحات - ومثله الهدج - بفتح فسكون - مشية الشيخ، أو مشية فيها =

ص: 281

_________

= ارتعاش، وباب فعله ضرب، ويروى " قنافذ دراجون " والدراج: صيغة مبالغة أيضا من " درج الصبي والشيخ " - من باب دخل - إذا سار سيرا متقارب الخطو " عطية " هو أبو جرير.

المعنى: يريد وصفهم بأنهم خونة فجار، يشبهون القنافذ حيث يسيرون بالليل طلبا للسرقة أو للدعارة والفحشاء، وإنما السبب في ذلك تعويد أبيهم إياهم ذلك.

الاعراب: " قنافذ " خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم قنافذ، وأصله هم كالقنافذ، فحذف حرف التشبيه مبالغة " هداجون " صفة لقنافذ، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لانه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد " حول " ظرف مكان متعلق بهداجون، وحول مضاف، وبيوت من " بيوتهم " مضاف إليه، وبيوت مضاف والضمير مضاف إليه " بما " الباء حرف جر، وما: يحتمل أن تكون موصولا اسميا، والاحسن أن تكون موصولا حرفيا " كان " فعل ماض ناقص " إياهم " إيا: مفعول مقدم على عامله، وهو عود، وستعرف ما فيه، وقوله " عطية " اسم كان " عودا " فعل ماض، مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عطية، وجملة الفعل والفاعل في محل نصبخبر " كان ".

وهذا الاعراب إنما هو بحسب الظاهر، وهو الذي يعرب الكوفيون البيت عليه ويستدلون به، وهو إعراب غير مرضي عند جمهرة علماء النحو من البصريين، وستعرف الاعراب المقبول عندهم عند بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه: قوله " بما كان إياهم عطية عودا " حيث إن ظاهره يوهم أن الشاعر قد قدم معمول خبر كان وهو " إياهم " على اسمها وهو " عطية " مع تأخير الخبر وهو جملة " عود " عن الاسم أيضا، فلزم أن يقع معمول الخبر بعد الفعل ويليه، هذا هو ظاهر البيت، والقول بجواز هذا الظاهر هو مذهب الكوفيين، وهم يعربون البيت على الوجه غير المرضي الذي ذكرناه في الاعراب، والبصريون يأبون ذلك ويمنعون أن يكون " عطية " اسم كان، ولهم في البيت ثلاثة توجيهات: أحدها: وهو الذي ذكره الشارح العلامة تبعا للمصنف، أن اسم كان ضمير الشأن وقوله " عطية " مبتدأ، وجملة " عودا " في محل رفع خبر المبتدأ، وإياهم: =

ص: 282

فهذا ظاهره أنه مثل كان طعامك زيد آكلا ويتخرج على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وهو اسم كان

= مفعول به لعود، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب خبر كان، فلم يتقدم معمول الخبر على الاسم لان اسم كان مضمر يلي العامل.

والتوجيه الثاني: أن " كان " في البيت زائدة، و" عطية عود " مبتدأ وخبر، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وهو " ما "، أي بالذي عطية عود هموه.

والثالث: أن اسم " كان " ضمير مستتر يعود على " ما " الموصولة، وجملة عطية عود من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر كان، وجملة كان ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.

والعائد - على هذا التوجيه والذي قبله محذوف تقديره هنا: بما كان عطية عود هموه ومنهم من يقول: هذا البيت من الضرورات التي تباح للشاعر، ولا يجوز لاحد من المتكلمين أن يقيس في كلامه عليها.

قال المحققون من العلماء: والقول بالضرورة متعين في قول الشاعر، ولم نقف على اسمه: باتت فؤادي ذات الخال سالبة فا لعيش إن حم لي عيش من العجب فذات الخال: اسم بات، وسالبة: خبره، وفيه ضمير مستتر هو فاعله يعود على ذات الخال، وفؤادي: مفعول به مقدم على عامله الذي هو قوله سالبة، وزعموا أنه لا يمكن في هذا البيت أن يجري على إحدى التوجيهات السابقة، ومثله قول الآخر: لئن كان سلمى الشيب بالصد مغريا لقد هون السلوان عنها التحلم فالشيب: اسم كان، ومغريا خبره، وفيه ضمير مستتر يعود على الشيب هو فاعله وسلمى مفعول به لمغريا تقدم على اسم كان، ولا تتأتى فيه التوجيهات السابقة.

ومن العلماء من خرج هذين البيتين تخريجا عجيبا، فزعم أن " فؤادي " منادى بحرف نداء محذوف، وكذلك " سلمى " وكأن الشاعر قد قال: باتت يا فؤادي ذات الخال سالبة إياك، ولئن كان يا سلمى الشيب مغريا إياك بالصد، وجملة النداء في البيتين لا محل لها معترضة بين العامل ومعموليه.

ص: 283

ومما ظاهره أنه مثل كان طعامك آكلا زيد قوله:

68 -

فأصبحوا والنوى عالي معرسهم

وليس كل النوى تلقي المساكين

68 - البيت لحميد الارقط، وكان بخيلا، فنزل به أضياف، فقدم لهم تمرا، والبيت من شواهد كتاب سيبويه (ج 1 ص 35) وقبله قوله:

باتوا وجلتنا الصهباء بينهم كأن أظفارهم فيها السكاكين اللغة: " جلتنا " بضم الجيم وتشديد اللام مفتوحة - وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيه، وجمعه جلل - بوزن غرفة وغرف - ويجمع أيضا على جلال، وهي عربية معروفة " الصهباء " يريد أن لونها الصهبة، قال الاعلم في شرح شواهد سيبويه: الجلة قفة التمر تتخذ من سعف النخل وليفه، فلذلك وصفها بالصهبة، اه، " فأصبحوا " دخلوا في الصباح " معرسهم " اسم كان من " عرس بالمكان " - بتشديد الراء مفتوحة - أي نزل به ليلا.

المعنى: يصف أضيافا نزلوا به فقراهم تمرا، يقول: لما أصبحوا ظهر على مكان نزولهم نوى التمر كومة مرتفعة، مع أنهم لم يكونوا يرمون كل نواة يأكلون تمرتها، بل كانوا يلقون بعض النوى ويبلعون بعضا، إشارة إلى كثرة ما قدم لهم منه، وكثرة ما أكلوا، ووصفهم بالشره.

الاعراب: " فأصبحوا " فعل وفاعل " و" حالية " النوى " مبتدأ " عالي " خبره، وعالي مضاف ومعرس من " معرسهم " مضاف إليه، ومعرس مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من الواو في أصبحوا " ليس " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير الشأن " كل " مفعول به مقدم لقوله " تلقي " وكل مضاف، و" النوى " مضاف إليه " تلقي " فعل مضارع " المساكين " فاعل تلقي، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، وهذا الاعراب جار على الذي اختاره العلماء كما ستعرف.

الشاهد فيه: قوله " وليس كل النوى تلقي المساكين " ولكي يتضح أمر الاستشهاد بهذا البيت تمام الاتضاح نبين لك أولا أنه يروى برفع كل وبنصبه، ويروى " يلقي المساكين " بياء المضارعة كما يروى " تلقي المساكين " بالتاء، فهذه أربع روايات.

=

ص: 284

_________

= أما رواية رفع " كل " - سواء أكانت " وليس كل النوى يلقي المساكين " - أم كانت " وليس كل النوى تلقي المساكين " فليس فعل ماض ناقص، وكل: اسم ليس، وكل مضاف، والنوى: مضاف إليه، ويلقي أو تلقي: فعل مضارع، والمساكين: فاعله، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، ولا شاهد في هذا البيت على هاتين الروايتين لما نحن فيه، وليس فيه إيهام لامر غير جائز، غير أن الكلام يحتاج إلى تقدير ضمير يربط جملة خبر ليس باسمها، وأصل الكلام: وليس كل النوى يلقيه المساكين، أو تلقيه المساكين.

فإن قلت: كيف جاز أن يروى " تلقيه المساكين " بتأنيث الفعل مع أن فاعله مذكر، إذ المساكين جمع مسكين.

فالجواب عن ذلك: أن المساكين جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز في فعله التذكير والتأنيث بإجماع النحاة بصريهم وكوفيهم، سواء أكان مفرد جمع التكسير مذكرا أم كان مفرده مؤنثا، ومن ورود فعله مؤنثا - مع أن مفرده مذكر - قول الله تعالى:(قالت الاعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا) فإن مفرد الاعراب أعرابي.

وأما رواية نصب كل والفعل " يلقي " بياء المضارعة، فليس: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير شأن محذوف، وكل مفعول مقدم ليلقي، وكل مضاف والنوى: مضاف إليه، ويلقي: فعل مضارع، والمساكين: فاعله، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، ولا يجوز في البيت على هذه الرواية غير هذا الوجه من الاعراب، نعني أنه لا يجوز أن يكون قوله المساكين اسم ليس مؤخرا، ويلقي فعلا مضارعا فاعله ضمير مستتر يعود إلى المساكين، وجملة يلقي وفاعله في محل نصب خبر ليس تقدم على اسمها.

فإن قلت: فلم لا يجوز أن يكون المضارع مسندا إلى ضمير مستتر يعود إلى المساكين إذا روى البيت " وليس كل النوى يلقي المساكين " بنصب كل؟ فالجواب أن ننبهك إلى أن الفعل المسند إلى ضمير يعود إلى جمع التكسير لا يجوز أن يكون كفعل الواحد المذكر، فأنت لا تقول: الاعراب قال، ولا تقول: المساكين يلقي، وإنما يجوز فيه حينئذ أن يكون ضمير الجماعة: فتقول: الاعراب قالوا، وتقول =

ص: 285

_________

المساكين يلقون، ويجوز فيه أن يكون مثل فعل الواحد المؤنث، فتقول: الاعراب قالت: أو تقول: المساكين ألقت أو تلقي، وكذا إذا تقدم الفعل وأسند إلى ضمير جمع التكسير المؤخر عنه يجب أن تقول: يلقون المساكين، أو تقول: تلقون المساكين، أو يقول تلقي المساكين، فلما لم يقل شيئا من ذلك علمنا أنه أسنده إلى الاسم الظاهر بعده.

وأما رواية نصب " كل " والفعل " تلقي " بالتاء الفوقية فالكوفيون يعربونها هكذا - كل: مفعول مقدم لتلقي، وكل مضاف والنوى: مضاف إليه، وتلقي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المساكين، والجملة من الفعل وفاعله المستتر فيه في محل نصب خبر ليس تقدم على اسمه، والمساكين: اسم ليس تأخر عن خبره، ويستدل الكوفيون بهذا البيت - على هذا الاعراب - على أنه يجوز أن يقع بعد ليس وأخواتها معمول خبرها إذا كان خبرها مقدما على اسمها، كما في البيت.

والبصريون يقولون: إن هذا الاعراب غير لازم في هذا البيت، وعلى هذا لا يكون البيت دليلا على ما زعمتم، والاعراب الذي نراه هو أن يكون ليس فعلا ناقصا، واسمه ضمير شأن محذوف، وكل: مفعول مقدم لتلقي، والنوى: مضاف إليه، وتلقي فعل مضارع، والمساكين: فاعله، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، والتقدير: وليس (هو: أي الحال والشأن) كل النوى تلقي المساكين، فلم يقع بعد

ليس معمول خبرها عند التحقيق، بل الواقع بعدها هو اسمها المحذوف وموضعه بعدها وإذا علمت هذا فاعلم أن ابن الناظم قد استشهد بهذا البيت لمذهب الكوفيين على الوجه الذي ذكرناه عنهم من الاعراب، فأنكر العيني عليه ذلك، وقال: وهذا وهم منه، لانه لو كان المساكين اسم ليس لقال " يلقون المساكين " كما تقول: قاموا الزيدون، على أن الجملة من الفعل وفاعله خبر مقدم، والاسم بعدها مبتدأ مؤخر، والبيت لم يرو إلا " يلقي المساكين " بالياء التحتية، واسم ليس في هذا البيت ضمير الشأن عند الكوفيين والبصريين، اه كلامه بحروفه.

والعبد الضعيف غفر الله له ولوالديه! - يرى أن في كلام العيني هذا تحاملا على ابن الناظم لا يقره الانصاف، وأن فيه خللا من عدة وجوه.

=

ص: 286

إذا قرئ بالتاء المثناة من فوق فيخرج البيتان على إضمار الشأن والتقدير في الأول بما كان هو أي الشأن فضمير الشأن اسم كان

= الاول: أن قوله " والبيت لم يرو إلا يلقي المساكين بالياء التحتية " غير صحيح، فقد علمت أنه يروى بالياء التحتية والتاء الفوقية، وهذه عبارة الشارح العلامة تنادي بأنه قد روى بالتاء، وأن الاستشهاد بالبيت لمذهب الكوفيين إنما يتجه على رواية التاء، فكان عليه أن يمسك عن تخطئته في الرواية، لان الرواية ترجع إلى الحفظ لا إلى العقل، ولا شك أنه اطلع على كلام شارحنا لانه شرح شواهده.

الثاني: في قوله " ولو كان المساكين اسم ليس لقال يلقون المساكين " ليس بصواب، إذ لا يلزم على كون المساكين اسم ليس أن يقول الشاعر: يلقون المساكين، بل يجوز له أن يقول ذلك، وأن يقول: تلقي المساكين، كما بينا لك، وقد قال العبارة الثانية على رواية الجماعة من أثبات العلماء.

الثالث: أن تنظيره بقوله " كما تقول قاموا الزيدون، على أن الجملة خبر مقدم

والاسم بعدها مبتدأ مؤخر " ليس تنظيرا صحيحا، لان الاسم في الكلام الذي نظر به جمع مذكر سالم، ومذهب البصريين أنه لا يجوز في فعله إلا التذكير، فلم يتم له التنظير، والله يغفر لنا وله! ! ومن مجموع ما قدمنا ذكره من الكلام على هذا البيت تتبين لك خمسة أمور: الاول: أن ثلاث روايات لا يجوز على كل رواية منها في البيت إلا وجه واحد من وجوه الاعراب.

الثاني: أنه لا شاهد في البيت لمذهب الكوفيين على كل رواية من هذه الروايات الثلاث.

الثالث: أن استشهاد الكوفيين بالبيت على ما ذهبوا إليه لا يجوز إلا على الرواية الرابعة، وهي " وليس كل النوى تلقي المساكين ".

الرابع: أن البيت يحتمل على الرواية الرابعة وجها من الاعراب غير ما أعربه عليه الكوفيون.

الخامس: أن استدلال الكوفيين بالبيت لم يتم، لان الدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، وأنت خبير أن الاستدلال والاستشهاد غير التمثيل.

ص: 287

وعطية مبتدأ وعود خبر وإياهم مفعول عود والجملة من المبتدأ وخبره خبر كان فلم يفصل بين كان واسمها معمول الخبر لأن اسمها مضمر قبل المعمول.

والتقدير في البيت الثاني وليس هو أي الشأن فضمير الشأن اسم ليس وكل النوى منصوب بتلقي وتلقي المساكين فعل وفاعل والمجموع خبر ليس هذا بعض ما قيل في البيتين.

وقد تزاد كان في حشو كما كان

أصح علم من تقدما (1)

كان على ثلاثة أقسام

أحدها: الناقصة

والثاني: التامة وقد تقدم ذكرهما

والثالث: الزائدة وهي المقصودة بهذا البيت وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين كالمبتدأ وخبره نحو زيد كان قائم والفعل ومرفوعه نحو لم يوجد كان مثلك والصلة والموصول نحو جاء الذي كان أكرمته والصفة والموصوف نحو مررت برجل كان قائم وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف وقد

تزاد كان في حشو وإنما تنقاس زيادتها بين ما

(1)" وقد " حرف تقليل " تزاد " فعل مضارع مبني للمجهول " كان " قصد لفظه: نائب فاعل تزاد " في حشو " جار ومجرور متعلق بتزاد " كما " الكاف جارة لقول محذوف " ما " تعجبية، وهي نكرة تامة مبتدأ، وسوغ الابتداء بها ما فيها من معنى التعجب " كان " زائدة " أصح " فعل ماض فعل تعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على ما التعجبية " علم " مفعول به لاصح، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر المبتدأ، وعلم مضاف و" من " اسم موصول مضاف إليه " تقدما " فعل ماض، والالف للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة، والجملة من تقدم وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.

ص: 288

وفعل التعجب نحو ما كان أصح علم من تقدما (1) ولا تزاد في غيره إلا سماعا.

وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه كقولهم (2) :

ولدت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم وقد سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله:

فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

(1) مما ورد من زيادتها بين " ما " التعجبية وفعل التعجب قول الشاعر: لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل ونظيره قول الحماسي (انظر شرح التبريزي 3 / 22 بتحقيقنا) : أبا خالد ما كان أوهى مصيبة أصابت معدا يوم أصبحت ثاويا وقول امرئ القيس بين حجر الكندي (وهو الشاهد رقم 249 الآتي في هذا الكتاب) : أرى أم عمر ودمعها قد تحدرا بكاء على عمرو، وما كان أصبرا إذا قدرت الكلام وما كان أصبرها، وقول عروة ابن أذينة: ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا غضا، وأطيب في آصالك الاصلا (2) قائل هذا الكلام هو قيس بن غالب، في فاطمة بنت الخرشب، من بني أنمار ابن بغيض بن ريث بن غطفان، وأولادها هم: أنس الفوارس، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ وربيع الكامل، وأبوهم زياد العبسي، وكان كل واحد منهم نادرة أقرانه شجاعة وبسالة ورفعة شأن.

69 -

البيت للفرزدق، من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عبد الملك - وقيل: يمدح سليمان بن عبد الملك - وقد أنشده سيبويه (ج 1 ص 189) ببعض تغيير.

الاعراب: " كيف " اسم استفهام أشرب معنى التعجب، وهو مبني على الفتح في =

ص: 289

_________

= محل نصب حال من فاعل هو ضمير مستتر في فعل محذوف، وتقدير الكلام: كيف أكون، مثلا " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " مررت " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " بدار " جار ومجرور متعلق بمررت، ودار مضاف و" قوم " مضاف إليه " وجيران " معطوف على دار قوم " لنا " جار ومجرور متعلق

بمحذوف صفة لجيران " كانوا " زائدة وستعرف ما فيه " كرام " صفة لجيران مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.

الشاهد فيه: قوله " وجيران لنا كانوا كرام " حيث زيدت " كانوا " بين الصفة وهي قوله " كرام " والموصوف وهو قوله " جيران ".

هذا مقتضى كلام الشارح العلامة، وهو ما ذهب إليه إمام النحاة سيبويه، لكن قال ابن هشام في توضيحه: إن شرط زيادة " كان " أن تكون وحدها، فلا تزاد مع اسمها، وأنكر زيادتها في هذا البيت، وهو تابع في هذا الكلام لابي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنه منع زيادة كان في هذا البيت، على زعمه أنها إنما تزاد مفردة لا اسم لها ولا خبر، وخرج هذا البيت على أن قوله " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان مقدم عليها، والواو المتصلة بها اسمها، وغاية ما في الباب أن الشاعر فصل بين الصفة وموصوفها بجملة كاملة من كان واسمها وخبرها، وقدم خبر كان على اسمها، وتقدير الكلام - على هذا - وجيران كرام كانوا لنا.

والذي ذهب إليه سيبويه أولى بالرعاية، لان اتصالها باسمها لا يمنع من زيادتها، ألا ترى أنهم يلغون " ظننت " متأخرة ومتوسطة، ولا يمنعهم إسنادها إلى اسمها من إلغائها، ثم المصير إلى تقديم خبر " كان " عليها والفصل بين الصفة وموصوفها عدول عما هو أصل إلى شئ غيره.

قال سيبويه: " وقال الخليل: إن من أفضلهم كان زيدا، على إلغاء كان، وشبهه بقوله الشاعر: وجيران لنا كانوا كرام " اه وقال الاعلم: " الشاهد فيه إلغاء كان وزيادتها توكيدا وتبيينا لمعنى المضي، والتقدير وجيران لنا كرام كانوا كذلك " اهـ.

=

ص: 290

وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله:

70 -

سراة بني أبي بكر تسامى

على كان المسومة العراب

= هذا، ومن شواهد زيادة " كان " بين الصفة وموصوفها - من غير أن تكون متصلة باسمها - قول جابر الكلابي (وانظر معجم البلدان مادة كتيفة) : وماؤكما العذب الذي لو شربته شفاء لنفس كان طال اعتلالها فإن جملة " طال اعتلالها " في محل جر صفة لنفس، وقد زاد بينهما " كان ".

70 -

أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل، ولم يعرف العلماء له قائلا، ويروى المصراع الاول منه: جياد بني أبي بكر تسامى اللغة: " سراة " جمع سرى، وهو جمع عزيز، فإنه يندر جمع فعيل على فعلة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس النفيس " تسامى " أصله تتسامى - بتاءين - فحذف إحداهما تخفيفا " المسومة " الخيل التي جعلت لها علامة ثم تركت في المرعى " العراب " هي خلاف البراذين والبخاتي، ويروى: على كان المطهمة الصلاب والمطهمة: البارعة التامة في كل شئ، والصلاب: جمع صلب، وهو القوي الشديد.

المعنى: من رواه " سراة بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن سادات بني أبي بكر يركبون الخيول العربية التي جعلت لها علامة تتميز بها عما عداها من الخيول.

ومن رواه " جياد بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن خيول بني أبي بكر لتسمو قيمتها ويرتفع شأنها على جميع ما عداها من الخيول العربية، يريد أن جيادهم أفضل الجياد وأعلاها.

الاعراب: " جياد " مبتدأ، وجياد مضاف، و" بني " مضاف إليه، وبني

مضاف و" أبي " مضاف إليه، وأبي مضاف، و" بكر " مضاف إليه " تسامى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى جياد، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " على " حرف جر " كان " زائدة " المسومة " مجرور بعلى " العراب " نعت للمسومة، والجار والمجرور متعلق بقوله تسامى.

=

ص: 291

وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل ابن أبي طالب:

71 -

أنت تكون ماجد نبيل

إذا تهب شمأل بليل

= الشاهد فيه: قوله " على كان المسومة " حيث زاد " كان " بين الجار والمجرور، ودليل زيادتها أن حذفها لا يخل بالمعنى.

71 -

البيت - كما قال الشارح - لام عقيل بن أبي طالب، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي زوج أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقوله وهي ترقص ابنها عقيلا، ويروى بيت الشاهد مع ما قبله هكذا: إن عقيلا كاسمه عقيل وبيبي الملفف المحمول أنت تكون السيد النبيل إذا تهب شمأل بليل يعطي رجال الحي أو ينيل اللغة: " ماجد " كريم " نبيل " فاضل شريف " تهب " مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا، إذا هاجت " شمأل " هي ريح تهب من ناحية القطب " بليل " رطبة ندية.

الاعراب: " أنت " ضمير منفصل مبتدأ " تكون " زائدة " ماجد " خبر

المبتدأ " نبيل " صفة لماجد " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " تهب " فعل مضارع " شمأل " فاعل تهب " بليل " نعت لشمأل، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل حينئذ.

الشاهد فيه: قولها " أنت تكون ماجد " حيث زادت المضارع من " كان " بين المبتدأ وخبره، والثابت زيادته إنما هو الماضي دون المضارع، لان الماضي لما كان مبنيا أشبه الحرف، وقد علمنا أن الحروف تقع زائدة، كالباء، وقد زيدت الباء في المبتدأ في نحو " بحسبك درهم " وزيدت في خبر ليس في نحو قوله تعالى (أليس الله =

ص: 292

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر (1)

تحذف كان مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن كقوله:

= بكاف عبده) ونحو ذلك، فأما المضارع فهو معرب، فلم يشبه الحرف، بل أشبه الاسم، فتحصن بذلك عن أن يزاد، كما أن الاسماء لا تزاد إلا شذوذا، وهذا إيضاح كلام الشارح وتخريج كلامه وتعليله.

والقول بزيادة " تكون " شذوذا في هذا البيت قول ابن الناظم وابن هشام وتبعهما من جاء بعدهما من شراح الالفية، وهما تابعان في ذلك لابن السيد وأبي البقاء.

ومما استدل به على زيادة " تكون " بلفظ المضارع قول حسان بن ثابت: كأنه سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء روياه برفع " مزاجها عسل وماء " على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لسبيئة وزعما أن " يكون " زائدة.

والرد على ذلك أن الرواية بنصب " مزاجها " على أنه خبر يكون مقدما، ورفع

" عسل وماء " على أنه اسم يكون مؤخر، ولئن سلمنا رواية رفعهما فليس يلزم عليها زيادة يكون، بل هي عاملة، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب خبرها.

وكذلك بيت الشاهد، ليست " تكون " فيه زائدة، بل هي عاملة، واسمها ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وخبرها محذوف، والجملة لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره، والتقدير: أنت ماجد نبيل تكونه.

(1)

" يحذفونها " فعل مضارع، وواو الجماعة فاعله، وها العائد على كان مفعول به " ويبقون " الواو حرف عطف، يبقون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعله " الخبر " مفعول به ليبقون " وبعد " ظرف متعلق بقوله اشتهر الآتي، وبعد مضاف و" إن " قصد لفظه مضاف إليه " ولو " معطوف على إن " كثيرا " حال من الضمير المستتر في اشتهر " ذا " اسم إشارة مبتدأ " اشتهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " ذا " الواقع مبتدأ، والجملة من اشتهر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.

ص: 293

72 -

قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟

72 - البيت للنعمان بن المنذر ملك العرب في الحيرة، من أبيات يقولها في الربيع ابن زياد العبسي، وهو من شواهد سيبويه (1 / 131) ونسب في الكتاب لشاعر يقوله للنعمان، ولم يتعرض الاعلم في شرح شواهده إلى نسبته بشئ، والمشهور ما ذكرنا أولا من أن قائله هو النعمان بن المنذر نفسه في قصة مشهورة تذكر في أخبار لبيد.

الاعراب: " قد " حرف تحقيق " قيل " فعل ماض مبني للمجهول " ما " اسم

موصول نائب فاعل " قيل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " إن " شرطية " صدقا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " إن كان المقول صدقا "" وإن كذبا " مثل قوله " إن صدقا " وكان المحذوفة في الموضعين فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف في الموضعين لدلالة سابق الكلام عليه " فما " اسم الاستفهام مبتدأ " اعتذارك " اعتذار: خبر المبتدأ، واعتذار مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه " من قول " جار ومجرور متعلق باعتذار " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قيلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قول، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب " إذا " محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقديره: إذا قيل قول فما اعتذارك منه.

الشاهد فيه: قوله " إن صدقا، وإن كذبا " حيث حذف " كان " مع اسمها وأبقى خبرها بعد " إن " الشرطية، وذلك كثير شائع مستساغ، ومثله قول ليلى الاخيلية (انظره في أمالي القالي 1 / 248 ثم انظر اعتراضا عليه في التنبيه 88) : لا تقربن الدهر آل مطرف إن ظالما - أبدا - وإن مظلوما وقول النابغة الذبياني: حدبت علي بطون ضنة كلها إن ظالما فيهم وإن مظلوما وقول ابن همام السلولي: وأحضرت عذري عليه الشهود إن عاذرا لي وإن تاركا =

ص: 294

التقدير: إن كان المقول صدقا وإن كان المقول كذبا.

وبعد لو (1) كقولك ائتني بدابة ولو حمارا أي ولو كان المأتي به حمارا وقد شذ حذفها بعد لدن كقوله:

من لد شولا فإلى إتلائها

التقدير من لد أن كانت شولا.

= وكذا يكثر حذفها مع اسمها بعد " لو " كما قرره الشارح العلامة، وعليه قول الشاعر: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا جنوده ضاق عنها السهل والجبل (1) ومن ذلك ما ورد في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " التمس ولو خاتما من حديد " التقدير: ولو كان ملتمسك خاتما من حديد، والبيت الذي أنشدناه في آخر شرح الشاهد رقم 72.

73 -

هذا كلام تقوله العرب، ويجري بينها مجرى المثل، وهو يوافق بيتا من مشطور الرجز، وهو من شواهد سيبويه (1 / 134) ولم يتعرض أحد من شراحه إلى نسبته لقائله بشئ.

اللغة: " شولا " قيل: هو مصدر " شالت الناقة بذنبها " أي رفعته للضراب، وقيل: هو اسم جمع لشائلة - على غير قياس - والشائلة: الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها " إتلائها " مصدر " أتلت الناقة " إذا تبعها ولدها، الاعراب:" من لد " جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: ربيتها من لد - مثلا " شولا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " من لد أن كانت الناقة شولا "" فإلى " الفاء حرف عطف، وإلى: حرف جر " إتلائها " إتلاء: مجرور بإلى، وإتلاء مضاف وها مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف بالفاء على متعلق الجار والمجرور الاول، وتقدير الكلام: رببت هذه الناقة من لد كانت شولا فاستمر ذلك إلى إتلائها.

=

ص: 295

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب

كمثل أما أنت برا فاقترب (1)

ذكر في هذا البيت أن كان تحذف بعد أن المصدرية ويعوض عنها ما ويبقى اسمها وخبرها نحو أما أنت برا فاقترب والأصل أن كنت برا فاقترب فحذفت كان فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء فصار أن أنت برا ثم أتى ب ما عوضا عن كان فصار

= الشاهد فيه: قوله " من لد شولا " حيث حذف " كان " واسمها وأبقى خبرها وهو " شولا " بعد لد، وهذا شاذ، لانه إنما يكثر هذا الحذف بعد " إن، ولو " كما سبق، هذا بيان كلام الشارح العلامة وأكثر النحويين، وهو المستفاد من ظاهر كلام سيبويه.

وفي الكلام توجيه آخر، وهو أن يكون قولهم " شولا " مفعولا مطلقا لفعل محذوف، والتقدير " من لد شالت الناقة شولا " وبعض النحويين يذكر فيه إعرابا ثالثا وهو أن يكون نصب " شولا " على التمييز أو التشبيه بالمفعول به، كما ينتصب لفظ " غدوة " بعد " لدن " وعلى هذين التوجيهين لا يكون في الكلام شاهد لما نحن فيه، وراجع هذه المسألة وشرح هذا الشاهد في شرحنا على شرح أبي الحسن الاشموني في (ج 1 ص 386 الشاهد رقم 206) تظفر ببحث ضاف واف.

(1)

" وبعد " ظرف متعلق بقوله " ارتكب " الآتي، وبعد مضاف، و" أن " قصد لفظه: مضاف إليه " تعويض " مبتدأ، وتعويض مضاف، و" ما " قصد لفظه: مضاف إليه " عنها " جار ومجرور متعلق بتعويض " ارتكب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض، والجملة من ارتكب ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، " كمثل " الكاف زائدة، مثل: خبر

لمبتدأ محذوف " أما " هي أن المصدرية المدغمة في ما الزائدة المعوض بها عن كان المحذوفة " أنت " اسم كان المحذوفة " برا " خبر كان المحذوفة " فاقترب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

ص: 296

أن ما أنت برا

ثم أدغمت النون في الميم فصار أما أنت برا ومثله قول الشاعر:

74 -

أبا خراشة أما أنت ذا نفر

فإن قومي لم تأكلهم الضبع

74 - البيت للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة أبا خراشة، وهو من شواهد سيبويه (ج 1 ص 148) وخفاف - بزنة غراب - شاعر مشهور، وقارس مذكور، من فرسان قيس، وهو ابن عم صخر ومعاوية وأختهما الخنساء الشاعرة المشهورة، وندبة - بضم النون أو فتحها - أمه، واسم أبيه عمير.

اللغة: " ذا نفر " يريد ذا قوم تعتز بهم وجماعة تمتلئ بهم فخرا " الضبع " أصله الحيوان المعروف، ثم استعملوه في السنة الشديدة المجدبة، قال حمزة الاصفهاني: إن الضبع إذا وقعت في غنم عاثت، ولم تكتف من الفساد بما يكتفي به الذئب، ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارت العرب اسمها للسنة المجدبة، فقالوا: أكلتنا الضبع.

المعنى: يا أبا خراشة، إن كنت كثير القوم، وكنت تعتز بجماعتك فإن قومي موفورون كثيرو العدد لم تأكلهم السنة الشديدة المجدبة، ولم يضعفهم الحرب ولم تنل منهم الازمات الاعراب:" أبا " منادى حذفت منه ياء النداء، وأبا مضاف، و" خراشة " مضاف إليه " أما " هي عبارة عن أن المصدرية المدغمة في " ما " الزائدة النائبة عن " كان " المحذوفة " أنت " اسم لكان المحذوفة، " ذا " خبر كان المحذوفة، وذا مضاف و" نفر " مضاف إليه " فإن " الفاء تعليلية، إن حرف توكيد ونصب " قومي " قوم اسم إن، وقوم مضاف والياء ضمير المتكلم مضاف إليه " لم " حرف نفي وجزم وقلب

" تأكلهم " تأكل: فعل مضارع مجزوم بلم والضمير مفعول به لتأكل " الضبع " فاعل تأكل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر " إن ".

الشاهد فيه: قوله " أما أنت ذا نفر " حيث حذف " كان " التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وعوض عنها " ما " الزائدة وأدغمها في نون أن المصدرية وأبقى اسم " كان " وهو الضمير البارز المنفصل، وخبرها وهو قوله " ذا نفر ".

وأصل الكلام عند البصريين: فخرت على لان كنت ذا نفر، فحذفت لام التعليل ومتعلقها، فصار الكلام: أن كنت ذا نفر، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال قصدا إلى التخفيف، فانفصل الضمير الذي كان متصلا بكان لانه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير =

ص: 297

فأن مصدرية وما زائدة عوضا عن كان وأنت اسم كان المحذوفة وذا نفر خبرها ولا يجوز الجمع بين كان وما لكون ما عوضا عنها ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض وأجاز ذلك المبرد فيقول أما كنت منطلقا انطلقت (1) .

ولم يسمع من لسان العرب حذف كان وتعويض ما عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو أما أنا منطلقا انطلقت والأصل أن كنت منطلقا ولا مع الظاهر نحو أما زيد ذاهبا انطلقت والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب والأصل أن كان زيد ذاهبا انطلقت وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه ب أما زيد ذاهبا.

ومن مضارع لكان منجزم

تحذف نون وهو حذف ما التزم (2)

= ثم عوض من كان بما الزائدة، فالتقى حرفان متقاربان - وهما نون أن المصدرية وميم

ما الزائدة - فأدغمهما، فصار الكلام: أما أنت ذا نفر.

هذا، وقد روى ابن دريد وأبو حنيفة الدينوري في مكان هذه العبارة " إما كنت ذا نفر " وعلى روايتهما لا يكون في البيت شاهد لما نحن فيه الآن.

ومن شواهد المسألة قول الشاعر: إما أقمت وأما أنت مرتحلا فالله يكلا ما تأتي وما تذر (1) ادعاء أنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه لا يتم على الاطلاق، بل قد جمعوا بينهما في بعض الاحايين، فهذا الحكم أغلبي، ولهذا أجاز المبرد أن يقال " إما كنت منطلقا انطلقت ".

(2)

" ومن مضارع " جار ومجرور متعلق بقوله " تحذف " الآتي " لكان " =

ص: 298

إذا جزم الفعل المضارع من كان قيل لم يكن والأصل يكون فحذف الجازم الضمة التي على النون فالتقى ساكنان الواو والنون فحذف الواو لالتقاء الساكنين (1) فصار اللفظ لم يكن والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال (2) فقالوا لم يك وهو حذف جائز لا لازم ومذهب سيبويه ومن تابعه

أن هذه النون لا تحذف عنه ملاقاة ساكن فلا تقول لم يك الرجل قائما وأجاز ذلك يونس (1) وقد قرئ شاذا لم يك الذين

= جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع " منجزم " صفة ثانية لمضارع " تحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " نون " نائب فاعل تحذف " وهو " مبتدأ " حذف " خبر المبتدأ " ما " نافية " التزم " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من التزم ونائب الفاعل في محل رفع صفة لحذف، وتقدير البيت: وتحذف نون من مضارع منجزم آت من مصدر كان

وهو حذف لم تلتزمه العرب، يريد أنه جائز لا واجب.

(1)

قد جاء هذا الحذف كثيرا جدا في كلام العرب نثره ونظمه، فمن أمثالهم " إن لم يك لحم فنفش " والنفش: الصوف، ويروى " إن لم يكن " وهذه الرواية تدل على أن الحذف جائز لا واجب، ومن شواهد ذلك قول علقمة الفحل: ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يك حقا كل هذا التجنب وقول عروة بن الورد العبسي: ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا يغرر ويطرح نفسه كل مطرح وقول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليب بن ربيعة: فإن يك بالذنائب طال ليلي فقد أبكي من الليل القصير وقول عميرة بن طارق اليربوعي: وإن أك في نجد - سقى الله أهله بمنانة منه! - فقلبي على قرب وقول الحطيئة العبسي: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء

ص: 299

كفروا وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا أولا فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد إن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله (2) فلا يجوز حذف النون فلا تقول إن يكه والإيكه وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما.

وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كان الناقصة والتامة وقد قرئ وإن تك حسنة يضاعفها برفع حسنة وحذف النون وهذه هي التامة.

(1) روى هذا الحديث بهذه الالفاظ الامام مسلم بن الحجاج في باب ذكر ابن صياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه، ورواه الامام البخاري في باب كيف يعرض الاسلام على الصبي من كتاب الجهاد من صحيحه، ورواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده (رقم 636) بلفظ " إن يكن هو، وإن لا يكن هو ".

ص: 300