الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (2)
موطأ مالك - إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي - مسند الإمام أحمد - الكتب الخمسة وغيرها
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فصورها الشيخ وأدخل معها متن البخاري، هذه الطبعة السلفية الثانية التي صورت فسموها ثالثة، وانتشرت باسم الريان وغير الريان، موجودة في الأسواق الآن، صور عنها الشيخ، فالشيخ لا علاقة له بفتح الباري مع أن الشيخ -حفظه الله- أغفل تعليقات للشيخ عبد العزيز رحمه الله فلم يذكر منها شيئاً، تعليقات الشيخ رحمه الله محررة ومتقنة وفي مواضعها مختصرة ما تثقل الكتاب، وعذر الشيخ أنه طلب الإذن من أبناء الشيخ فما جاءه الجواب فطبع الكتاب، صور الكتاب.
على كل حال هذا اجتهاده، وأولى من تصوير السلفية الأولى لو صور بولاق، ووضع المتن في الحاشية، وهذا أمره سهل؛ لأن المتن مطبوع بحاشية الطبعة الأولى التي هي بولاق، يلصق ملصقات على المتن وينتهي الإشكال، كما فعل في تصويره لفتح الباري السلفية الثانية، على كل حال هذا كنز الذي عثر عليه الشيخ، ويؤجر -إن شاء الله- على ذلك، لكن لو طبع البخاري مفرد بهذه الرواية بتمامها مفرد من غير شرح كان أولى وأخف في الحمل؛ لأن اقتناء الكتاب مرة ثانية من أجل المتن هذا أيضاً يثقل الكاهل، بقي أن نشير إلى أن أجود طبعات الصحيح هي طبعة بولاق سنة 1313هـ، وهي التي اعتنى بها الحافظ البوليني رحمه الله، قرأ البخاري مراراً على ابن مالك، الإمام النحوي المشهور، قرأ عليه اختلاف الروايات واختار له ما يجعله في صلب الكتاب، وما يشير إليه في الحاشية، ورمز إلى ذلك برموز، تعب على الكتاب تعب، الله يكافئه عليه.
هذا يقول: هل الحديث الحسن الصحيح عند الترمذي أقل أو أعلى من درجة الصحيح؟
هذه مسألة تأتي -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما رأيكم بطبعة كتاب الباعث مع تعليقات الألباني وهي التي بأيدي الطلبة؟
طبعة جيدة، طبع المرة الأولى في مطبعة العاصمة، وطبعة طيبة، طيبة في الجملة، لكن حجمها كبر شوي وإلا هي طبعة طيبة.
يقول: في مسألة الزيادات على الصحيحين اعتراض ابن كثير في قوله: "فيه نظر" موافقةً للأخرم، أو أنه يعترض على تمثيل ابن الصلاح في مستدرك الحاكم؟
يأتي -إن شاء الله تعالى-.
يقول: طالب العلم لا يستطيع أن يحيط بكل الكتب والمتون في كل فن، ما هو أفضل كتاب ومتن يحتاجه طالب علم حتى يلم بمباحث علم المصطلح، خاصةً غير المتخصصين؟
على كل حال الكتب مثل ما أشار السائل كثيرة جداً، والإحاطة بها متعذرة، وأشد من ذلك الإحاطة بالطبعات، لمن أراد أن يقتني أكثر من طبعة ليصحح الأخطاء مثلاً، فالإحاطة سواء في الجمع –جمع الكتب- أو الطبعات كل هذا شبه متعذر؛ لأن السبل تيسرت -ولله الحمد- الآن لإخراج هذه الكتب، والمطابع أقول: تدفع إلى الأسواق بكمياتٍ هائلة حتى لا يتمكن الطالب من المفاضلة بينها فضلاً عن أن يقتنيها، وكل علم له أهله، يمكن أن يستشير أهل الاختصاص في كل علم، أما بالنسبة للمصطلح الذي أشار إليه، الطالب غير المتخصص الذي أشار إليه السائل، يقتصر مثلاً على النخبة وتوضيحها مع الأشرطة التي توجد عليها في الأسواق، وإن اعتنى بكتاب الحافظ ابن كثير فهو أيضاً طيب.
أما ما يشير به كثير من الإخوان، البيقونية فالبيقونية مجرد فهرس، ليس فيها شيء يذكر من علم الحديث، أربعة وثلاثين بيت، ما يختص في علم الحديث، خمسة وستين نوع من أنواع علوم الحديث، نظم النخبة في مائتي بيت وبيت أو بضعة أبيات على اختلاف النسخ لا بأس به، وهو مشروح، وعليه أشرطة، ولله الحمد، ومتيسر، فليعتنى به.
بالنسبة للزيادات على الصحيحين بدأنا بها بالأمس، عرفنا قول ابن الأخرم وهو قوله:"قلما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة" لكنه قول مردود على ما تقدم، يقول:"وقد ناقشه ابن الصلاح في ذلك فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير، قلت: في هذا نظر" يعني في هذا الاستدراك نظر، في هذا الاستدراك من الحاكم نظر، والسبب؟ يقول:"فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما لضعف رواته عندهما" لأن الحاكم في خطبة الكتاب قال: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقاة احتج بمثلها الشيخان" نقول: هذه المثلية غير متحققة لوجود الضعيف وهو كثير في المستدرك، والموضوع أيضاً موجود، المقصود أن الاستدراك من الحاكم لا يلزم الشيخان، وإن كان كتاب الحاكم نافع، وفيه أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة، لكن هو يريد أن يصف الكتاب في مصاف الصحيحين، لا، لا نسبة بينهما، ابن حبان أمثل منه بكثير، أمثل منه بكثير، ابن خزيمة أمثل من ابن حبان أيضاً، ومع ذلك فيه الضعيف.
يقول: "قلت: في هذا نظر، فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما لضعف رواتها عندهما" وإن كان الحاكم يرى أن الرواة ثقاة على الخلاف في مراده بالمثلية، احتج في مثلها الشيخان، هل هي المثلية الحقيقية التي تقتضي أن الرواة غير الرواة، رواة المستدرك غير رواة الصحيحين، وإنما هم مثلهم؛ لأن مثل الشيء ليس الشيء نفسه، أو أن المراد بالمثلية على ما يقول الحافظ ابن حجر وغيره: استعمال المثلية في أعم من الحقيقة والمجاز فتكون المثلية على حقيقتها حينما يخرج الحديث عن غير رواة الصحيحين، بل عن مثلهم، أو تكون من غير حقيقة إذا خرج عنهم أنفسهم.
على كل حال الكلام في هذا يطول، ومستدرك الحاكم عليه استدراك كبير، وللحافظ الذهبي عليه أيضاً تعليقات نفيسة، وكلام الحافظ الذهبي عليه استدراك، ابن الملقن، وكلام ابن الملقن عليه استدراك، وما يسلم أحد، والله المستعان.
المستخرجات التي بدأنا بالكلام عليها عرفنا الاستخراج: أن يعمد حافظ إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، والمستخرجات كثيرة ذكر منها صحيح أبي عوانة، وهو مستخرج عن صحيح مسلم، أبو بكر الإسماعيلي، البرقاني، أبو نعيم الأصبهاني على البخاري وعليهما.
واستخرجوا على الصحيحِ
…
كأبي عوانةٍ ونحوه فاجتنب
عزوك ألفاظ المتون لهما
…
إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما
فائدة المستخرجات: الزيادة في قدر الصحيح؛ لأن فيها ألفاظ زائدة على ما في الصحيح فتؤخذ من هذه المستخرجات، لذا قال:
وما تزيد فاحكمن بصحته
…
فهو مع العلو من فائدته
وليس القول بصحة ما زاده صاحب المستخرج على إطلاقه، بل فيها ما هو غير صحيح من الحسن والضعيف، فهو مع العلو من فوائد المستخرجات العلو؛ لأن الصحيح قد يخرج من طريق النازل فيخرجه المستخرج من طريق أعلى، ومن فوائده -وهو من أهم الفوائد- تصريح المدلسين بالسماع والتحديث، وأخبارهم في الصحيحين بالعنعنة مثلاً، ومن فوائدها: تمييز المهمل من الرواة، قد يقول البخاري: حدثنا محمد فينسب في المستخرج، وهكذا، إلى فوائد أوصلها السخاوي في نكته على الألفية وشرحها إلى عشرين، عشرين فائدة، لكن هذه النكت مفقودة، وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة وابن حبان البستي وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتون بلا شك.
وخذ زيادة الصحيح إذ تُنصُ
…
صحته أو من مصنف يخصُ
بجمعه نحو ابن حبان الزكي
…
وابن خزيمةٍ وكالمستدركِ
على تساهل وقال ما انفردْ
…
به فذاك حسن ما لم يردْ
أيضاً يوجد في السنن في مسند أحمد يصفو من ذلك الأحاديث الصحيحة الشيء الكثير، أيضاً في معجم الطبراني الكبير والأوسط، وأيضاً مسند أبي يعلى والبزار وغيرها من كتب الحديث من المعاجم والمشيخات والفوائد وغيرها يصفو منها حديث صحيح كثير؛ لكن على طالب العلم أن يعتني بالأهم؛ لأننا نرى بعض الطلاب مثلاً يعتني بالفوائد مثلاً، وهو لم يختم الصحيحين بعد، أو ختم الصحيحين لكنه لم يرقَ بعد ذلك إلى السنن مثلاً، بعضهم يهتم بالأجزاء ويترك الكتب المهمة مثل البيهقي، البيهقي يكاد يحيط بأحاديث الأحكام فعلينا أن نبدأ بالأهم فالأهم. بالمهم المهم ابدأ لتدركه، الشيخ الحافظ الحكمي رحمه الله:
وبالمهم الهم ابدأ لتدركهُ
…
وقدمّ النص والآراء فاتهمِ
العمر قصير والعلم طويل، العلم ما ينتهي، فلنبدأ بالأهم، مقدمين في ذلك كلام الله سبحانه وتعالى.
يقول: "ما يتمكن المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد".
يعني ينظر في رجاله من حيث العدالة والضبط، وأيضاً من حيث الاتصال والانقطاع، ويجوز له الإقدام على ذلك، يجوز للمتأهل أن يقدم على التصحيح والتضعيف، له أن يقدم على التصحيح والتضعيف، وباب الاجتهاد مفتوح في كل العلوم، مفتوح ولله الحمد، والأجر مرتب على العلم إنما ينال بالاجتهاد؛ لأن المقلد فيما قرره ابن عبد البر وغيره ليس من أهل العلم، فباب الاجتهاد في الاستنباط مفتوح للمتأهل، ونؤكد على هذا، وباب التصحيح والتضعيف مفتوح للمتأهل أيضاً؛ لئلا يتطاول صغار الطلبة، فيصححوا ويضعفوا وينتقدوا كبار الأئمة، وهم ليسوا بشيء، وإن لم ينص على صحته حافظ قبله موافقةً لأبي زكريا النووي، وخلافاً للشيخ أبي عمر الذي يرى انقطاع التصحيح والتضعيف في العصور المتأخرة.
وعنده التصحيح ليس يمكنُ
…
في عصرنا وقال يحيى ممكنُ
يحيى النووي، على كل حال هذا للمتأهل دون غيره، ولا يعني هذا أن غير المتأهل لا يزاول التصحيح والتضعيف للتمرين، بل عليه أن يخرج وعليه أن يدرس الأسانيد ويحكم ويعرض، ولا يبادر ولا يسرع في النشر للناس، لا، عليه أن يتأنى، يعني مرحلة التمرين شيء لا يمنع منه أحد، بل لا يمكن أن يتخرج طالب الحديث حتى يتمرن على التخريج ودراسة الأسانيد ويعرض على من يثق بعلمه فيسدده، هناك كتاب اسمه (المختار) للضياء المقدسي، وهو كتاب نفيس، وهو كتاب ناقص، طبع منه أكثر من عشرة مجلدات، حق عشرة أو اثني عشر.
يقول: "كان بعض الحفاظ من مشايخنا -وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بلا شك- يرجحه على مستدرك الحاكم" وهو أنظف أسانيد من مستدرك الحاكم، وقد تكلم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على مستدرك الحاكم، فقال:"وواسع الخطو في شرح الصحيح -أو في شرط الصحيح في بعض النسخ- متساهل بالقضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم يرد فيه تصحيحاً لغيره من الأئمة فإن لم يكن صحيحاً فهو حسن" هذا رأي ابن الصلاح في جميع الكتب ما عدا الصحيحين، الكتب المعتمدة عند أهل العلم، السنن مثلاً يتوسط في أمرها، ما الداعي إلى هذا التوسط؟ الداعي قفل باب الاجتهاد، سد باب الاجتهاد، نقول: ما دام الاجتهاد ما هو ممكن نترك الأحاديث، هذه الأحاديث التي لم ينص على صحتها نتركها، وإلا نتوسط في أمرها ونقول: هي أحاديث حسنة؟ هذا الكلام فيه ما فيه، فكم من حديث لم ينص الأئمة على تصحيحه يبلغ مرتبة الصحيح، وكم من حديث لم ينص الأئمة على ضعفه وهو ضعيف، بل ما سكت عنه أبو داوود مما قرر أهل العلم أنه صالح وحسن، كم من حديث مسكوت عنه وهو صحيح، وكم من حديث مسكوت عنه وهو ضعيف، بل شديد الضعف.
"قلت: في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة؛ فيه الصحيح المستدرك" يعني ما هو على شرط الشيخين، "وهو قليل، وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم أو أحدهما" وهذه غفلة من الحاكم؛ لأن الحاكم أراد أن يستدرك ما لم يخرج الشيخان، فذكر بعض الأحاديث التي أخرجها الشيخان، لم يعلم به الحاكم، وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيضاً، وفيه فضائل علي رضي الله عنه من الموضوعات شيء، يقول: أن الموضوعات تقارب المائة –مائة حديث- ولو قيل بأنها أكثر من مائة لما بعد، فالحاكم واسع الخطو في شرح الصحيح أو شرطه، نعم.
يقول: متى يتأهل طالب الحديث للحكم على الأحاديث، هل يكفي أن يكون متخرجاً في قسم السنة وعلومها في أي جامعة من الجامعات؟
لا، قد يتخرج الطالب وهو شبه عامي، نعم الدراسة النظامية تؤهل الطالب لأن يكون باحث يحسن التعامل مع الكتب ويرجع إلى المسائل التي يريدها؛ لكن قد يتخرج وهو لا يحسن شيء، لاعتماده مثلاً على مذكرات أو لضعف حافظته قرأ ليلة الامتحان ووفق ومشى، لكن ليس معنى هذا أنه تأهل، لا، إذا زاول المهنة، إذا صحح وضعف عدد كبير من الأحاديث وعرضها على أهل العلم، أهل الشأن وأجازوه، نعم إذا أجازوه فإنه حينئذٍ يكون متأهل للحكم على الأحاديث، ونصيحتي لكل طالب علم أن لا يجرؤ على التصحيح والتضعيف، ولا يبادر ولا يسارع به ولا بإخراج إنتاجه وعمله، لا مانع أن يصحح ويضعف ويدرس ويخرج، إلى أن يتخرج ويشهد له بالمعرفة ويطمئن إلى عمله، والله المستعان، كم من عمل في السوق وهو سبة في وجه صاحبه.
واحد من الإخوان يذكر أنه رأى تعليق على كتاب الأحاديث لابن عمر حينما طلق امرأته وهي حائض: ((مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) يقول: وهذا لما كانت العدة قبل الطلاق، ولا كلام إيش نقول؟ العوام ما يمكن يقولون مثل هذا الكلام، ما يمكن يقول العامي مثل هذا الكلام، العامي يعرف قدر نفسه، والله المستعان، ومثل هذا كثير في السوق، كل هذا سببه الجرأة، طالب العلم يحتاج إلى أن يدرس الأدب كيف يتأدب مع أهل العلم؟ وكيف يعرف قدر نفسه؟ وإن أسعف الوقت ووصلنا آداب طالب الحديث بسطنا الكلام في ذلك، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:
موطأ مالك "تنبيه": قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: "لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك"، إنما قاله قبل البخاري ومسلم، وقد كانت كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في السنن، لابن جريح، وابن إسحق -غير السيرة- ولأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنف عبد الرزاق بن همام، وغير ذلك، وكان كتاب مالك، وهو الموطأ، أجلها وأعظمها نفعاً، وإن كان بعضها أكبر حجماً منه وأكثر أحاديث، وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه إلى ذلك، وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وقال:"إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها".
وقد اعتنى الناس بكتابه الموطأ، وعلقوا عليه كتباً جمة، ومن أجود ذلك كتابا:(التمهيد – والاستذكار) للشيخ أبي عمر بن عبد البر النَّمَري القرطبي رحمه الله، هذا مع ما فيه من الأحاديث المتصلة الصحيحة والمرسلة والمنقطعة والبلاغات اللاتي لا تكاد توجد مسندة إلا على ندور.
لما تقدم الكلام على الصحيحين وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله ذكر المؤلف الحافظ رحمه الله قول الشافعي وأنه لا يعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك، قد يقول قائل: كيف تقولون: أن الصحيحين أصح الكتب والشافعي يقول كذا؟ مقالة الشافعي كانت قبل وجود الكتابين، هناك كتب مصنفة وهناك موطئآت، وهناك سنن، وهناك مصنفات لمن قبل الإمام مالك وعاصر من معاصريه، لكن لم يكتب لها من الشهرة ما كتب لموطأ الإمام مالك، كما أن من شيوخ الإمام مالك من لم يكتب له من الشهرة ما كتب للإمام مالك نجم السنن، فهذا العلم إنما يكتب له البقاء بالإخلاص، وكل ما كان الإخلاص فيه أكثر كان أبقى وأنفع؛ لأن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فكم استفاد من موطأ الإمام مالك من شخص من المالكية وغيرهم، وللإمام مالك مثل أجورهم، وهكذا بقية المصنفين.