الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* تتمة أصحاب السدس وشروطهم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
لا زال الحديث في قوله أو في باب من يرث السدس، وقد ذكرنا أن هذا الباب هو الباب الأخير من أصحاب الفروض، وقد ذكر الناظم هنا أنهم سبعة وهذا محل إجماع.
بابُ من يرث السدس، ذُكر السدس في القرآن في ثلاثة مواضع، وأصحابه سبعة بالإجماع، جمع الناظم في البيتين الأولين الْعِدة فقال:
وَالسُّدْسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ مِنَ الْعَدَدْ
…
أَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ بِنْتِ ابْنٍ وَجَدّْ
وَالأُخْتُ بِنْتُ الأَبِ ثُمَّ الْجَدَّةْ
…
وَوَلَدُ الأُمِّ تَمَامُ الْعِدَّةْ
فهذان البيتان اشتملا على السبعة، ثم شرع في بيان كل واحدٍ من هؤلاء السبعة وما يشترط في شأنه أو ما يستحق به السدس، فقال:
فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ مَعَ الْوَلَدْ
…
وَهَكَذَا الأُمُّ بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ
ذكر في هذا البيت الأول والثاني وهما: الأب، والأم.
(فَالأَبُ) الفاء هذه كما ذكرنا فاء الصيحة، (فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ)، يعني: يستحق السدس بشرطٍ واحد، وهو: شرط الوجود، (مَعَ الْوَلَدْ)، يعني مع وجود الولد، ولد الصلب الابن، الصلب أو البنت الصلب، أو ولد الولد، لأنه داخل فيه من جهة اللغة كما ذكرنا أو من باب القياس، وعلى هذا وذاك هو مجمعٌ عليه، فالأب يستحق السدس مع الولد، ولد الصلب وكذلك ولده، يعني: الابن وابنه، وكذلك البنت وابنها، (فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ)، يعني: يستحق السدس بشرط واحد قال: (مَعَ الْوَلَدْ). (مَعَ) هذا ظرف متعلق بمحذوف حال كونه مع الولد، يعني: مع وجود الفرع الوارث واحدًا كان أو أكثر، ذكرًا كان أو أنثى، قريبًا كان أو بعيدًا، ولذلك أطلقه الناظم قال:(مَعَ الْوَلَدْ). فيعم الواحد والاثنين، ويعم الذكر والأنثى، لكن مع الذكر يرث الأب السدس فقط، يعني: بالفرض، وأما مع الأنثى فإن فَضُلَ شيء بعد السدس حينئذٍ أخذه تعصيبًا، فيرث مع الذكر بجهة واحدة بنوعٍ واحد من نوعي الإرث وهو بالفرض فحسب، وأما مع الأنثى فحينئذٍ إذا بقي شيء بعد الأخذ الفروض إذا بقي شيء يرثه الأب بالتعصيب فيجمع بين الفرض وهو السدس وما زاد على ذلك وهو بالتعصيب.
(وَهَكَذَا الأُمُّ) هذا النوع الثاني وهو الأم، يعني: أم الميت، (وَهَكَذَا)، أي: والأم مثل هذا، هكذَا هكذا هذا خبر مقدم، والأم مبتدأ مؤخر، يعني: والأم مثل هذا، مثل الأب، فتستحق السدس بشرطٍ وهو: وجود الفرع الوارث، ويقال هنا ما قيل هناك، (وَهَكَذَا الأُمُّ)، يعني: تستحق السدس مع الولد، بشرطٍ واحد وهو وجود الفرع الوارث، أو وجود العدد من الإخوة، يعني: الجمع من الإخوة كما سيذكره فيما يأتي.
قال: (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ). يعني: السدس يستحقه الأب، وتستحقه الأم مع الولد وولد الولد، متى؟ (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) بمعنى أنه جاء في القرآن ما ينص على ذلك، وهو قوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]. وهذا شرط وله مفهوم، {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} حينئذٍ لأبويه، أبويه مَنْ؟ الأب والأم، إذًا لأبويه يشتركان في السدس، أو كل واحد له سدس مستقل عن الآخر؟ كل واحد له سدس مستقل عن الآخر، ولذلك لما كان هذا موهمًا في قوله:{وَلِأَبَوَيْهِ} . قال: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} . لأنه لو قال ولأبويه السدس، حينئذٍ يظن الظان أنهما اشتركا في سدس واحد، وليس الأمر كذلك، بل الأب له سدس خاص مستقل به، والأم كذلك لها سدس خاص واستقلت به، ولذلك قال:{لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} . إذًا {وَلِأَبَوَيْهِ} كما ذكرنا خبر مقدم، و {السُّدُسُ} هذا مبتدأ مؤخر، {لِكُلِّ وَاحِدٍ} هذا جار ومجرور بدل من الجار والمجرور السابق، {مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} هذا الشرط، إن كان له ولد لأبويه السدس، فإن لم يكن ولد فلهما حكم آخر، وهنا شرط منصوص يعني قوله:(مَعَ الْوَلَدْ)، (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ). في النوعيين الأب والأم منصوص عليه في القرآن، ولذلك قال:(بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ). إذًا نص الرب جل وعلا على استحقاق الأبوين للسدس، ونص على الشرط الذي يستحق به كل منهما السدس، (وَهَكَذَا الأُمُّ بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) لما كان قوله:(مَعَ الْوَلَدْ). يوهم أن ولد الولد ليس كالولد، قد يوهم ذلك نص الناظم كغيره على ولد الابن، ولذلك قال:
وَهَكَذَا مَعْ وَلَدِ الاِبْنِ الَّذِي
…
مَا زَالَ يَقْفُوا إِثْرَهُ وَيَحْتَذِي
يعني الابن يقفوا إثر أبيه إرثًا وحجبًا، فيرث متى ما ورث أبوه، ويحجب من حجبه أبوه، حينئذٍ يرث، إذا كان يحجب الأم من الثلث إلى السدس وجود الولد حينئذٍ الابن كذلك، وهذا محل إجماع، وإنما الخلاف في وجه دخول ابن الابن في الابن فقط، هل بطريق اللغة الحقيقة أو أنه مجاز أو بالقياس؟ الظاهر والله أعلم أنه داخل من جهة اللغة فيعمه، الولد يعم الذكر والأنثى ويعم كذلك ولديهما، (وَهَكَذَا) أي وحال الأب والأم مع ولد الابن مثل حالهما مع الولد في استحقاق السدس، (مَعْ وَلَدِ الإِبْنِ) قلنا: بالهمزة هنا همزة القطع، يعني تقطع الهمزة من أجل الوزن (الَّذِي) يعني هذا الابن، ابنُ الابنِ (الَّذِي ** مَا زَالَ يَقْفُوا) يعني يتّبع (إِثْرَهُ) إثرَ أبيه، أي حكمه، (وَيَحْتَذِي) ويقتدي به في الإرث والحجب. ثم قال:
وَهْوَ لَهَا أَيْضًا مَعَ الاثْنَيْنِ
…
مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ فَقِسْ هَذَيْنِ
(وَهْوَ) أي السدس، (لَهَا) أي للأم، (أَيْضًا) أَضَ يَئِيضُ أَيْضًا، أي كما هو لها مع الولد، وولد الابن مع الاثنين أي: حالة كونها مع الاثنين، فمع هذا ظرف متعلق بمحذوف حال، (وَهْوَ)، أي: السدس، (لَهَا) للأم، (مَعَ الاثْنَيْنِ)، أي: حالة كونها مع الاثنين، ممن؟ (مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ)، هذا شرط أو قيد آخر داخل في الشرط، هو شرط واحد إما وجود الولد، أو ولده، أو جمع من الإخوة، يعني: من إخوة الميت، حينئذٍ تستحق ماذا؟ تستحق السدس، إما هذا وإما ذاك، على البدلية إما هذا وإما ذاك فلا يشترطان معًا، فإما أن يكون ثَمَّ ولدٌ للميت، أو أن لا يكون ولد وإنما يكون إخوة جمعٌ من الإخوة، أقل الجمع في باب الفرائض اثنان فأكثر، ولذلك نص الناظم هنا فقال:(مَعَ الاثْنَيْنِ ** مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ). ميْت بالتخفيف، (وَهْوَ لَهَا أَيْضًا) كما هو مع الولد وولد الابن مع الاثنين (مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ) وإخوة هنا يشمل الأخوات ففيه تغليب، تغليب الذكور على الإناث، لأن إخوة هذا جمع أخ وليس جمع أخت، لأن جمع أخت إنما هو أخوات، ويطلق الجمع ويراد به التذكير والتأنيث من باب التغليب كما قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43]. ما قال وأقمن الصلاة خطاب يكون من باب تغليب الذكور على الإناث، لو قال قائل: هنا الخطاب ليس للإناث المرأة جاءت في سورة {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ} [الأحزاب: 33]. هذا الخطاب خاص، لكن في سائر القرآن لم يأتِ إلا {وَأَقِيمُواْ} ، {وَآتُواْ} .. إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذا خطاب للرجال، ويشمل الإناث من جهة ماذا؟ من جهة الإلحاق الشرعي، أما في اللغة فلا {وَأَقِيمُواْ} الواو هنا واو الجماعة تدل على الفاعل وهو خاص بالذكور، وهذا محل وفاق، فشموله للإناث من باب تعميم الحكم الشرعي لا من باب اللغة، وأما هنا (مِنْ إِخْوَةِ) هذا جمع وهو خاص بالذكور، حينئذٍ نقول: يشمل الأخوات ففيه تغليب، (مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ) بالتخفيف وهو فرع المشدد، وهما بمعنى واحد، قوله:(مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ). سبق هناك (مَعَ الْوَلَدْ) قلنا: ولد الولد كأبيه، وهنا قال:(مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ). هل ابنُ الأخِ كأبيه؟ الجواب: لا، هناك عممنا وهنا خصصنا، هناك نعمم للنص، وهنا نخصص لعدم النص، يعني: لعدم النص نص إلحاق الابن بأبيه، فابن الأخ ليس كالأخ، إذًا بنو الإخوة هل هم [مثل أبيهم] مثل آبائهم؟ الجواب: لا، وهنا خرج بالإخوة بنوه، فلا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، فإن قيل لم حجبها ولد الابن كأبيه ولم يحجبها ابن الأخ كأبيه لماذا فرقنا؟ قلنا هناك:(وَهَكَذَا مَعْ وَلَدِ الاِبْنِ الَّذِي).
وهنا ما قلنا مع ابن الأخ ففرق بين المسألتين، هناك عامٌ الولد وابنه، وهنا خاص بالإخوة ولا يشمل الابن، أُجيبَ بأن الأخ لا يطلق على ابنه لا يطلق في لسان العرب ولا كذلك في الشرع، يعني: الأخ المراد به الأخ، وأما الابن فهذا يطلق عليه ابن الأخ فلا يشمله لا لغةً ولا شرعًا، وأما الابن فلا، جاء إطلاق لفظ الابن على ابنه، والولد على ولد الولد، وهذا في لسان العرب وكذلك قلنا في الشرع فهو محل وِفاق، وأما الأخ فلا يطلق على ابنه بلفظ الأخ، وإنما نحتاج إلى دليل منفصل وليس عندنا دليل، أُجيبَ بأن الأخ لا يطلق على ابنه بخلاف الابن، فإنه يطلق على ابنه مجازًا شائعًا وقيل حقيقةً، إما من جهة المجاز وإما من جهة الحقيقة، وأيضًا أولاد الابن أقوى من أولاد الأخ، لا شك في هذا البنوّة كما سيأتي في باب التعصيب أقوى من جهة الميت باعتبار الأخوة، يعني: بمقابلة الأخوة، (وَهْوَ لَهَا أَيْضًا) السدس يعني، (لَهَا) للأم، (أَيْضًا مَعَ الاثْنَيْنِ ** مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ)، (مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ) قلنا: هذا يشمل الأخوات وكذلك هو شامل للاثنين فأكثر، ولذلك نص الناظم على ذلك بقوله:(مَعَ الاثْنَيْنِ). فأكثر من باب أولى وأحرى مطلقًا كما قال الشارح هنا، يعني: سواء كان الإخوة إخوة لأبٍ أو لأمٍ أو أشقاء، ولذلك أطلقه كذلك الناظم (مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ) فيشمل الأشقاء ويشمل الإخوة لأب والإخوة لأم، المراد جمعٌ من الإخوة بقطع النظر عن نوعهم، هل هم أشقاء؟ هل هم لأب؟ هل هم لأم؟ لو كان من كل واحدٍ وَاحدًا كفى في استحقاق الأم للسدس، وجود الجمع من الإخوة أو الأخوات أو منهما، والجمع اثنان فأكثر لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11].
{إِخْوَةٌ} أطلق هنا الشرع، وإذا قيل بأن الجمع أقله ثلاثة جاء هنا قول ابن عباس بأن الاثنين لا يحجبون الأم من ثلث إلى السدس، لكن محل إجماع صار إجماعًا ولم يراعَ الخلاف بأن الإخوة المراد بهم هنا الاثنان فأكثر، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} لا تشمل بحسب ظاهرها نحو الأختين، وإنما تشمل ذلك بعد حمل الجمع على ما فوق الواحد، الأخوين فأكثر، يعني: إذا نظرنا إلى لسان العرب ودائمًا نكرر بأن أقل الجمع ثلاثة فكيف نطبق هذا هنا؟ حينئذٍ نقول: المرَدُّ إلى الشرع، وهذا محل وفاق، لا تشمل بحسب ظاهرها، يعني: المعنى اللغوي إخوة لا يشمل إلا ثلاثة فأكثر، وهذا واضح بين، لكن في باب الفرائض استقر الاصطلاح الشرعي والعرفي عند الفرضيين بأن أقل الجمع اثنان، فيكون حينئذٍ هذه حقيقة عرفية وليست حقيقة لغوية، وإنما هي حقيقة عرفية وزد عليها كذلك حقيقة شرعية، لا تشمل بحسب ظاهرها نحو الأختين، وإنما تشمل بعد حمل الجمع على ما فوق الواحد الأخوين فأكثر، وهذا واضح بين، والأخ والأخت فأكثر إن راعينا التغلب فيكون نحو الأختين مقيسًا على نحو الأخوين، لأن كما ذكرنا إخوة هذا مذكر، والأختين الأخوات هذا من باب القياس، وأما اللفظ حينئذٍ نقول: لا يشمل الإناث، لأنه جمعٌ والجمع هنا جمع مفرده أخ وهو مذكر، حينئذٍ هذا الجمع جمع تكسير لمذكر، والأخوات هذا جمع لمؤنث، حينئذٍ لا يدخل هذا تحت ذاك كما في قوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]
…
إلى آخر، فكل جمع مستقل بمعناه، هذا هو الأصل، لكن هنا يستثنى من هذه قواعد فكل قاعدة لها استثناءات منها ما يذكر هنا في هذا المقام، إذًا {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} اثنان فأكثر والإخوة هنا مذكر من باب التغليب فيدخل فيه الأختان فأكثر، هذا تقرير هذه نهاية {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} إِخوة اثنان فأكثر ذكرين، أو أختين فأكثر فيكون حينئذٍ أطلق الجمع المذكر هنا فيشمل الإناث من باب التغليب أما باعتبار ظاهره دون نظرٍ إلى الفن أصول الفن نفس الفرائض ودون نظر إلى وسائل الأحكام الشرعية المتعلقة بالفرائض فالأصل أنه خاص بالمذكر وكذلك ثلاثة فأكثر، ولكن هذا لم يقل به إلا ابن عباس من حيث العدد اثنين فأكثر، قال هنا:(فَقِسْ هَذَيْنِ).
الفاء هذه فصيحة، يعني: إذا علمت هذا الحكم السابق أن الأم مع الاثنين ترث السدس، حينئذٍ إذا علمت هذا (فَقِسْ هَذَيْنِ) قس هذين، قس هذا فعل أمر، وهذين يحتمل أن يكون مفعول قِسْ، فيكون هو المقيس وأما المقيس عليه فهو محذوف، قسْ هذين، يعني: المذكورين الاثنين، حينئذٍ هو المقيس، والمقيس عليه يكون محذوفًا، والتقدير (فَقِسْ هَذَيْنِ)، أي: الاثنين على ما زاد عليهما كالثلاثة، قس الاثنين على الثلاثة مع أن النص جاء في ماذا؟ جاء في الثلاثة فأكثر، لأن الظاهر {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} ثلاثة فأكثر هذا ظاهر النص، قس هذين هو لم ينص على الاثنين، وإنما ذكر الثلاثة فأكثر، الأصل أن نقيس الاثنين على الثلاثة لكن هو يقول: لا، قس الاثنين هذين المقيس على المقيس عليه على اثنين نعم على ظاهره، قس هذين، أي: الاثنين على الثلاثة، لأن الثلاثة هو الذي جاء به النص، هذا واضح بين.
إذًا (هَذَيْنِ) هو المقيس، وأما المقيس عليه فهو محذوف، والتقدير (فَقِسْ هَذَيْنِ)، أي: الاثنين على ما زاد عليهما كالثلاثة فأكثر، أربعة وخمسة إلى عشرة وأكثر، ووجه ذلك أن الثلاثة لم يختلف في أنها تحجبها بخلاف الاثنين، يعني: الثلاثة لا خلاف بين الفرضيين بين الفقهاء أنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس لا خلاف فيه، فقد قال ابن عباس بخلاف الاثنين فهذا فيه خلاف، فقد قال ابن عباس بعدم حجبها بهما لظاهر النص، لأن الله تعالى قال:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} . وقوفًا مع ظاهر النص ابن عباس قال: لا بد من الثلاثة، نحتاج إلى دليل واضح بين والفقهاء يحكون إجماعًا في هذه المسألة نحتاج إلى دليل واضح بين يصرف هذا الظاهر اللغوي إلى معنًى شرعي فيكون حينئذٍ لفظ إخوة من حيث اللغة ثلاثة فأقل، نريد أن نصرفه إلى اثنين فأكثر، ثلاثة فأكثر نريد أن نصرفه إلى اثنين فأكثر نحتاج إلى دليل قوي يخالف هذا الظاهر وإلا فلا، ولذلك ابن عباس جرى على ظاهر النص، بخلاف الاثنين فقد قال ابن عباس بعدم حجبها بهما، والجمهور يقيسون الاثنين على الثلاثة في حجبها، والله أعلم.
ويحتمل أن (هَذَيْنِ) منصوب بنزع الخافض، ومفعوله محذوف والتقدير فقس على هذين أي الاثنين الواقعين في نظمي ما زاد عليهما كالثلاثة، يعني قلب فجعل المقيس عليه هو الاثنين كأنه مسلَّمٌ به، والثلاثة هذا كأنه مختلفٌ فيه، يعني كأنه لا خلاف في الأمرين لا في الاثنين ولا في الثلاثة، بدليل أنه جعل الاثنين وهو مختلف فيه جعله أصلاً مقيسًا عليه، والأصل إنما يقاس على المتفق عليه لا على المختلف فيه، على كلٍّ هذا بقوة المسألة عنده جعل المختلف فيه كأنه أصل والمتفق عليه كأنه فرع فلا فرق بينهما البتة (فَقِسْ هَذَيْنِ) قال الشارح: أي عليهما في كلام ما زاد قس عليهم، يعني: اجعله في القول الأول، هو ذكر القولين، جعله في القول الأول على حذف حرف الجر، يعني: منصوب بنزع الخافض، فالمقيس عليه هو الاثنان، والمقيس هو ما زاد، والمراد أنهما مقيس في التصوير والذكر لا في الحكم لأنه ثابت بالنص، فالمصنف صرح بالاثنين ولم يصرح بما زاد على ذلك، فلذلك أمرك بأن تقيس على الاثنين ما زاد عليهما، أو فقس بعض أفراد الاثنين مما لم تشمله الآية على ما شملته منها، الذي لم تشمله الآية باعتبار ماذا؟ باعتبار ظاهرها اللغوي، لأن الاثنين لم تشملهما الآية، {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} في الظاهر هذا جمع وأقل الجمع ثلاثة، أما على قول مالك ونحوه أقل الجمع اثنين لا إشكال فيه، الإشكال فيما إذا صححنا أن أقل الجمع ثلاثة يرد الإشكال، قال هنا: أو فقس بعض أفراد الاثنين، يعني أو هذين مفعول على حذف مضافين، (فَقِسْ) بعض أفراد الاثنين، (هَذَيْنِ) مما لم تشمله الآية على ما شملته منها، كأنه يقول: أن الاثنين لم يرد بهما نص، وإنما ورد النص
…
{فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} في الثلاثة فأكثر وألحقنا الاثنين من باب القياس، على كلٍّ الاثنان فيهما خلاف بين أهل العلم ويحكى أنه إجماع وقول ابن عباس مشهور في أنه لا يحجبها من الثلث إلى السدس.
إذًا:
وَهْوَ لَهَا أَيْضًا مَعَ الاثْنَيْنِ
…
مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ فَقِسْ هَذَيْنِ
إذًا الأم هو النوع الثاني ممن يستحق السدس بشرط وهو وجود الفرع الوارث، أو وجود عددٍ جمع من الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو لأبٍ أو لأم اثنان فأكثر على قول الجمهور، وعلى قول ابن عباس لا بد من ثلاثة فأكثر، والله أعلم.
الثالث الجدُّ قال رحمه الله:
وَالْجَدُّ مِثْلُ الأَبِ عِنْدَ فَقْدِهِ
…
في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ وَمَدِّهْ
(وَالْجَدُّ) إذا أطلق الجد انصرف إلى الجد الوارث، يعني: الذي يرث، وهكذا عندهم الأخت الشقيقة، والأخت لأب، إنما إذا أطلق هذا اللفظ حينئذٍ ينصرف إلى من يرث، وأما من لا يرث وهذا لا إشكال فيه أنه لا يشمله الإطلاق، (وَالْجَدُّ) عند الإطلاق لا ينصرف إلا للوارث (وَالْجَدُّ) هو أبُ الأب قال:(مِثْلُ الأَبِ) هنا تشبيه، الجد مثل الأب، يعني يستحق السدس مثل الأب بشرط الولد، (عِنْدَ فَقْدِهِ) عند فقد الأب هذا شرط ثاني، كأنه قال لك: الجد يستحق السدس بشرطين:
الشرط الأول: وجود الفرع الوارث كالأب لأنه مقيس عليه.
الشرط الثاني: عدم الأب لأنه أدلى بالأب.
الجد أدلى بالأب، أليس كذلك؟ بابنه، حينئذٍ كل من أدلى بشيء إذا وُجد ذلك الشيء حجبه، هذا الأصل إلا الإخوة لأم كما سبق الاستثناء، فالجد يستحق السدس بشرطين.
الأول: وجود الفرع الوارث.
الثاني: عدم الأب.
ويأخذ السدس قياسًا على الأب في إرثه السدس مع الفرع الوارث فهو كالأب إلا في مسائل، ولذلك شبهه هنا قال:(مِثْلُ الأَبِ). والمثلية ليست تامة من كل وجه بل في الجملة، يعني: أنه يستحق السدس مع وجود الفرع الوارث، وعند فقد الأب، وليس كالأب مطلقًا في الإرث والحجب، بل ثَمَّ مسائل ذكر منها الناظم ثلاثة لا يكون الجد كالأب بل هو مخالفٌ له، (وَالْجَدُّ) الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى، هكذا فسره الشارح، بمعنى أنه يريد الجد الوارث، وأما إذا كان ثَمَّ أنثى بينهما حينئذٍ صار من ذوي الأرحام فلا يكون له فرض وهل يرث أو لا؟ مسألة أخرى، والجد الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى، وهذا أخذه من إطلاق الجد، لأن الجد إذا أُطلق انصرف إلى الوارث (مِثْلُ الأَبِ)، الجد مبتدأ وقوله:(مِثْلُ). هذا خبره وهو مضاف والأب مضاف إليه، يعني: مثله في أخذه للسدس بالشرط السابق، فالإحالة على ما سبق، ولما كان ثَمَّ شرط لم يذكر قال:(عِنْدَ فَقْدِهِ). يعني: فقد من؟ الضمير يعود على الأب، هذا شرطٌ ثاني (عِنْدَ فَقْدِهِ)، يعني: عند عدم الأب، عند عدمه، وأما عند وجوده فهو محجوب به، فلا يرث الجد مع وجود ابنه الأب وهو محجوب به كما سيأتي في باب الحجب، إذًا هذا له مفهوم (عِنْدَ فَقْدِهِ)، يعني: عند عدمه، فإن وجد حينئذٍ صار الجد ساقطًا ولا يرث مع وجود الأب.
(في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ وَمَدِّهْ)(في حَوْزِ) يقال: حاز فلان الشيء حيازةً ضمّه وملكَهُ، (في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ)(يُصِيبُهُ) الذي أصابه السدس المال، (في حَوْزِ) يعني: في جمع ما يصيبه، (في حَوْزِ) يقال: حاز فلان الشيء حيازةً ضمه وملكه، (في حَوْزِ مَا)، أي: الذي، (يُصِيبُهُ) صاب السهم من باب باع لغةٌ في أصاب، ولذلك قال: يُصِيبُ. بضم الياء دل على أنه أخذه من أصاب، (وَمَدِّهْ)، (في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ) قال الشارح: من السدس مع الفرع الوارث، جامعًا بينه وبين التعصيب أو غير جامع، هذا يأتي في موضعه في باب الجد مع الإخوة، (في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ) يعني ما يأخذه، (وَمَدِّهْ) وفي مدّه، قدره الشارح على حذف في، على تقدير في، (وَمَدِّهْ) هذا مصدر بمعنى ممدود، بمعنى اسم المفعول، أطلق المصدر وأراد به اسم المفعول، أي: ممدوده، أي: رزقه الموسع من قوله: مد الله في رزقه. أي: وسِّعَهُ، حينئذٍ يكون تأكيدًا لقوله:(في حَوْزِ مَا يُصِيبُهُ). لأن الذي أصابه رزق وهو السدس، (وَمَدِّهْ) هو الرزق كذلك، إذًا يكون من باب التوكيد، حينئذٍ يُسلط العامل (حَوْزِ) على الأول ويسلط على الثاني كأنه قال: في حوز ما يصيبه وحوز مده. فهو معطوف على قوله: (مَا يُصِيبُهُ). ويسلط عليه حوز، فالتقدير وحوز مده، أي: ممدوده، أي: رزقه الموسّع، ويصح أن يكون المراد بقوله:(وَمَدِّهْ). أي: حجبه، من قولهم: رجل مديد القامة. طويل، أي: طويل الباع، فكأن الحاجب لقوته مديد القامة، الحاجب نقول: الأب يحجب الجد، كأنه يحجبه حسًّا، عندما يكون الرجل طويل ما ترى الذي واره حجبه، هذا مثله شبهه به، (وَمَدِّهْ)، أي: حجبه، من قولهم: رجل مديد القامة. يعني: طويل القامة، أي: طويل الباع، فكأن الحاجب معنًى هنا ليس حسًّا كأن الحاجب معنًى لقوته مديد القامة طويل الباع، ففيه استعارة تصريحية فهو معطوف على حوز، وتسلط عليه في، لفظ في يعني تقدير، فالتقدير وفي مده، أي: حجبه، حينئذٍ لا يكون معطوفًا على ما سبق من حيث العامل، يعني: لا يكون معطوفًا على (حَوْزِ)، وإنما يقدر له حرف جر، وهو في، أي: في مده، أي: حجبه، فتقدير الشارح في يناسب الحل الثاني، والمناسب الحل الأول تقدير (حَوْزِ)، إذًا المراد هنا أن الجد مثل الأب فيما يصيبه فيما يناله من السدس ونحو ذلك، والسدس لا شك أنه رزق موسع، (إِلا إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِخْوَةْ)، ثَمَّ استثناءات لأن قوله:(مِثْلُ الأَبِ). هذا يُفهم منه أن الجد والأب مستويان مطلقًا في جميع الأحكام إرثًا وحجبًا، وليس الأمر كذلك، بل ثَمَّ مسائل يكون الجد ليس مساويًا للأب مخالف له، ذكر الناظم منها ثلاث مسائل، (إِلا) هذا استثناء، والمستثنى منه قول:(مِثْلُ الأَبِ).
لأن المثلية هناك إذا نظرنا إليها أنها مثلية تامة استوى من جميع الوجوه، وليس الأمر كذلك، بل الجد يخالف الأب في بعض المسائل، (إِلا إِذَا كَانَ هُنَاكَ) مع الجد (إِخْوَةْ)، الأب سيأتي أنه يحجب الإخوة مطلقًا لا يرث أخ لا شقيق ولا لأب ولا أم مع الأب أبدًا، هل الجد مثل الأب في أنه يحجب الإخوة أو لا؟ سيأتي باب كبير عويص (بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) ثَمَّ مسائل سيأتي أنه يرث الجد مع الإخوة، إذًا خالف الجد الأب في كونه لم يحجب الإخوة الأشقاء أو لأب، أما الأم فيحجبه كالأب، أما الأشقاء أو لأب فالجد يرث معهم على قول، (إِلا إِذَا كَانَ هُنَاكَ) مع الجد (إِخْوَةٌ)، (إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِخْوَةٌ)(إِخْوَةً) يجوز الوجهان، (إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِخْوَةٌ) حال، إذا وُجد هناك إخوةً حال، أو وُجد إخوةٌ هناك يكون ظرف، أشقاء أو لأب، فليس الجد كالأب في ذلك، (لِكَوْنِهِمْ في الْقُرْبِ وَهْوَ أُسْوَةْ)، (لِكَوْنِهِمْ) هذا علة للاستثناء اللام هنا للتعليل، لماذا استثنينا هذه المسألة وهي كون الأب يحجب الإخوة؟ قلنا: الجد مثل الأب، وأما هذه المسألة فهي مستثناه، لماذا؟ قال:(لِكَوْنِهِمْ). يعني: لكون الإخوة (في الْقُرْبِ وَهْوَ أُسْوَةْ)، يعني: مع الجد، (أُسْوَةْ) كل منهما في درجة واحدة باعتبار الميت، (لِكَوْنِهِمْ) قلنا اللام هنا للتعليل وهو علة الاستثناء، (لِكَوْنِهِمْ)، أي: الإخوة، (في الْقُرْبِ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله:(أُسْوَةْ). (وَهْوَ)، يعني: الجد، (أُسْوَةْ)، أي: مستوي، يعني: سواءٌ في جهة واحدة كل منهما يُدْلِي إلى الميت بجهة واحدة، قوله:(لِكَوْنِهِمْ). هنا الضمير يعود على الإخوة، فهو في محل رفع باعتبار، وفي محل خفض باعتبار، في محل رفع باعتبار ماذا؟ باعتبار أنه اسمٌ للكون، وفي محل خفض باعتبار أنه مضاف إليه، (لِكَوْنِهِمْ) وكونك إياه عليك يسير مثله، (لِكَوْنِهِمْ) يعني لكون الإخوة، والإخوة هنا اسمُ الكون، حينئذٍ له إعرابان، الخفض من حيث كونه مضاف إليه، كون مضاف والهاء مضاف إليه، وله معنى آخر هو اعتبار آخر وهو أنه مرفوع لأنه اسم للكون، ينبني على هذا قول:(وَهْوَ). (وَهْوَ) ضمير رفع لا شك فيه معطوف على الضمير باعتبار الرفع، (وَهْوَ) نقول: أين مرجع الضمير؟ (وَهْوَ) هذا معطوف على (لِكَوْنِهِمْ) الهاء المضاف إليه، كيف هو مرفوع وهذا مضاف إليه؟ نقول: نعم عُطف عليه باعتبار الرفع، لأن الضمير هنا له محلان رفع لأنه اسم الكون وخفض لأنه مضاف إليه، إذًا عرفنا قوله:(وَهْوَ). لماذا رفعه.
(لِكَوْنِهِمْ في الْقُرْبِ)(في الْقُرْبِ) قلنا: جار ومجرور متعلق بقوله: (أُسْوَةْ). (لِكَوْنِهِمْ)(وَهْوَ)، يعني: الجد أسوة في القرب، وقوله:(أُسْوَةْ). هذا خبر الكون (وَهْوَ)[نعم] هذا المعطوف على الضمير (أُسْوَةً) أو (أُسْوَةٌ)؟ بالرفع أو بالنصب؟ بالنصب، لأن كون مثل كان ترفع الاسم وتنصب الخبر، قلنا: الاسم هو الضمير، أين خبرها؟ أسوةً، إذًا بالنصب يكون، (وَهْوَ أُسْوَةٌ) لا يكون هذا، لماذا؟ لأنك تجعل هو مبتدأ وأسوةٌ خبره وليس الأمر كذلك، بل المراد لكونهم وهو، لكونهم والجد أسوةً بالنصب على أنه خبر لكون، إذًا (لِكَوْنِهِمْ) الضمير اسم الكون وقوله:(أُسْوَةً). هذا بالنصب يقف عليه من أجل الوزن، (وَهْوَ) هذا عطف على الضمير باعتبار الرفع، (في الْقُرْبِ) إلى الميت، (وَهْوَ)، أي: الجد، (أُسْوَةْ)، أي: سواء في جهة واحدة فهو بمعنى مستوي، لأنه فرع الأب والجد أصله، وهذا واضح، فيرثون معه على تفصيل سيأتي في بابه، ولذلك أحال عليه الناظم قال:(وَحُكْمُهُمْ سَيَأتِي ** مُكَمَّلَ الْبَيَانِ في الْحَالَاتِ). يعني حكم الجد مع حكم الإخوة كله سيأتي في باب خاص يعنون له بباب الجد والإخوة، وليته قدم هذا البيت بعد البيت السابق.
(أَوْ) هذه المسألة الثانية مما خالف فيها الجد الأب، يعني: ليس مثله، هذا البيت الذي يليه في مسألة العُمَريتين سبق هنا زوج وأم وأب، حينئذٍ الأم ترث الثلث ثلث الباقي، ليس هو الثلث حقيقةً، وإنما هو ثلث الباقي وهو سدس لأن المسالة أو مع زوجة وهو الربع، حينئذٍ نقول: هل إذا كان بدل الأب الجد أم وجد وزوج، هل هي مثل أب وأم وزوج؟ هي العمرية الثانية، هل هذا مثلها؟ الجواب: لا، حينئذٍ الأم ترث الثلث كاملاً، إذًا قوله:(وَالْجَدُّ مِثْلُ الأَبِ). ليس مطلقًا، لأن الأب في العمريتين يحجب الأم تكون آخذةً للثلث الباقي وليس لثلث التركة كاملاً، وهل الجد مثل الأب؟ نقول: لا. ولذلك قال: (أَوْ أَبَوَانِ مَعْهُمَا زَوْجٌ وَرِثْ). (أَوْ) بمعنى الواو هنا، (أَبَوَانِ)، يعني: أب وأم، (مَعْهُمَا زَوْجٌ وَرِثْ)، ما الجديد في هذا الشطر؟ ليس فيه جديد، هذا حكى لك العمرية وهي زوج وأبوان، فالأم للثلث مع الجد ترث، ترث الثلث كاملاً وليس هو الشأن كشأن الأب، حينئذٍ لا يكون حاجبًا لها، إذًا هذه المسألة خالف الجد الأب، حينئذٍ ترث الأم معه في العمريتين الثلث كاملاً ولا ينقص من حقها شيء البتة، لأنه ثَمَّ فرق بين الجد والأب، (أَوْ أَبَوَانِ) أم وأب (مَعْهُمَا زَوْجٌ)، يعني: زوج معهما، (وَرِثْ) هذه صفة لزوج، (فَالأُمُّ لِلثُّلْثِ) فالأم ترث للثلث، (لِلثُّلْثِ) اللام هذه زائدة للتقوية، (تَرِثْ) هذا فعل ما نوعه؟ وَرِثَ تَرِثُ يَرِثُ فعل مضارع متعدٍّ يتعدى بنفسه، هذا الأصل، يعني: ينصب مفعول به بنفسه دون واسطة، لكن ثَمَّ قاعدة أنه إذا تقدم المعمول المفعول به على الفعل المتعدي جاز أن يُعدا إليه بحرف، وهو اللام التي ذكرها هنا وهي تسمي لام التقوية، حينئذٍ قوله:(لِلثُّلْثِ). أصله فالأم مع الجد ترث الثلثَ بالنصب مفعول به، لو أخره لما جاز دخول اللام على المفعول به، لكن لما قدمه ضعف العامل من تسلطه على المعمول حينئذٍ احتاج إلى تقوية {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] تعبرون الرؤيا تعدى بنفسه، لكن لما تقدم المعمول المفعول به حينئذٍ ضعف العامل، فهو يعمل فيما بعده لا يعمل فيما قبله هذا الأصل، ولكن لما تقدم لنكته حينئذٍ تسلط أو توصل إليه بحرف، على كلٍّ قوله:(لِلثُّلْثِ). هذا ليست اللام هنا حرف جر، هي حرف جر من حيث هي، لكن من حيث العمل (لِلثُّلْثِ) نقول: الثلث مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهو زائد هنا لتقوية العامل، (فَالأُمُّ) لأن الأم، الفاء هذه للتعليل، لأن الأم فهو علة للاستثناء، (لِلثُّلْثِ) بسكون اللام، ولام الجر فيه للتقوية، لأن العامل ضعف بالتأخير، (مَعَ الْجَدِّ تَرِثْ)(تَرِثْ) هذا عامل متعدٍّ وهو العامل في الثلث لكنه ضَعُفَ بالتأخير فعدي باللام للتقوية، إذًا لا يستثنى الجد مع الأم والزوج، وكذلك مع الزوج، قال هنا الشارح:(أَوْ) بمعنى الواو، أي: وإلا إذا كان هناك أبوان.
هنا لم يجعلها على بابها (أَوْ)، لئلا يتوهم أن المستثنى إحدى الصورتين مع أن كلاً منهما مستثنى، لأنك إذا قلت ماذا؟ (إِلا إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِخْوَةْ)(أَوْ أَبَوَانِ) إما هذا أو ذاك هذا الظاهر، لكن ليس الأمر كذلك بل الثانية بعد (أَوْ)، (أَوْ) هنا بمعنى الواو، ويصح جعلها بمعنى أو على بابها وتكون للتنويع، حينئذٍ نوّع لك المسائل، لكن الشارح ذهب أنها بمعنى الواو لئلا يتوهم أنها مترددة بين المستثنى السابق وهذه، (أَبَوَانِ)، أي: أب وأم، (مَعْهُمَا)، أي: الأب والأم (زَوْجٌ وَرِثْ) فليس الجد كالأب في ذلك، فإن للأم مع الأب ثلث الباقي كما تقدم، ومع الجد لو كان بدل ثلث جمع المال كما صرح به في قوله:(فَالأُمُّ لِلثُّلْثِ مَعَ الْجَدِّ). لو كان بدل الأب (تَرِثْ)، وتكون المسألة زوجًا وأمًا وجدًّا هكذا، لا تقل: هذه عمرية. ليست عمرية، عمرية تكون الأم أخذت ثلث الباقي، وهذه أخذت الثلث كاملاً، إذًا ليست عمرية، زوجًا وأمًا وجدًّا فهذه تكون من ستة، فللزوج النصف ثلاثة، وللأم الثلث كاملاً اثنان من ستة، وللجد الباقي واحد، وهذا لا يضر، لأن الشرط متى؟ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} عند استوائهم في درجة، والأم ليس بدرجتها الجد، وإنما بدرجتها الأب وهي أقرب إلى الميت منه، حينئذٍ اختلفا فتأخذ حقها كاملاً ولا ينقصها الجد شيئًا، ولم ننظر إلى كونها تأخذ أكثر منه، لأنها أقرب منه بخلافها مع الأب لأنهما في درجة واحدة، والمسألة الثالثة التي لا يكون الجد مثل الأب أشار إليه بقوله:
وَهَكَذَا لَيْسَ شَبِيهًا بِالأَبِ
…
في زَوْجَةِ الْمَيْتِ وَأُمٍّ وَأَبِ
المسألة الثانية عمرية، يعني أب، وأم، وزوجة. الزوجة تأخذ نصيبها، الأم حينئذٍ لها ثلث الباقي، إذا جاء بدل الأب الجد حينئذٍ أخذت الأم الثلث الكامل وتأخذ الثلث ثلث الباقي، (وَهَكَذَا لَيْسَ شَبِيْهًا) وهكذا ليس الجد شبيهًا، أي وليس الجد شبيهًا بالأب في هذه المسألة، مثل هذا، أي مثل ما سبق من المسألتين، فهذه المسألة مثلها في الاستثناء، وليس (وَهَكَذَا لَيْسَ) الجد (شَبِيْهًا)، الشبيه هو المثل، (بِالأَبِ ** في زَوْجَةِ الْمَيْتِ وَأُمٍّ وَأَبِ)، يعني: مثل هذه المسألة، كالمسألة السابقة، [نعم] فإن لها مع الأب ثلث الباقي كما تقدم، ولو كان الجد بدل الأب كانت المسألة زوجةً وأمًّا وجدًّا، يعني: تكون من ثنتي عشر، فيكون للأم الثلث كامل، ثلث الثنتي عشر كم؟ أربعة، وللزوجة الربع ثلاثة، والباقي للجد خمسة، لأن الجد وإن لم يفضل عليها التفضيل المعهود {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إلا أنه لا محظور في ذلك لكونها أقرب منهم بخلافها مع الأب، إذًا في هذه المسائل الثلاث زادوا عليها لكن الذي ذكره الناظم نقف معه، هذه المسائل الثلاث هي التي تستثنى من قوله:(وَالْجَدُّ مِثْلُ الأَبِ). لأن فيه إيهامًا أن الجدة مع الأب في جميع الأحكام إرثًا وحجبًا، وليس الأمر كذلك، بل هو هذا الأصل ويستثنى منه ماذا؟ يستثنى منه مسائل ذكر الناظم منها ثلاثة مسائل يمكن حصرها في ثنتين:
أولاً: الجد مع الإخوة ليس كالأب مع الإخوة، الأب مع الإخوة يحجبهم مطلقًا، والجد مع الإخوة يحجب الإخوة لأم فقط، وأما الإخوة لأب وأشقاء فيرثون معه، وسيأتي تفصله على خلافٍ، وبعضهم يرى أنه كالأب في مثل هذه المسألة.
المسألة الثانية: أنه لا يكون كالأب في العمريتين، فترث الأم معه الثلث كاملاً هاتان الصورتان.
وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي
…
مُكَمَّلَ الْبَيَانِ في الْحَالَاتِ
يعني لما ذكر أن الجد مخالف الأب في مشاركته، يعني الإخوة، وكان الكلام في تفاصيل أحوال ذلك مما يطول أخر حكمهم، يعني الجد والإخوة إلى أن يعقد لهم باب يخصهم، ولذلك وعد أنه سيأتي ذلك (وَحُكْمُهُ)، يعني حكم الجد (وَحُكْمُهُمْ) مجتمعين، وأما منفردين فَكُلاً يؤخذ من موطنه، فالإخوة إذا انفردوا يؤخذ حكمهم من الأبواب السابقة مثل هذا الباب، وكذلك الجد إذا انفرد حكمه مأخوذ من هذا الموضع، وأما مجتمعين فهذا الذي أحال عليه في الباب الآتي، ولذلك لو قدم هذا البيت على قوله:(أَوْ أَبَوَانِ). لكان أنسب لأنه متعلق به.
إِلا إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِخْوَةْ
…
لِكَوْنِهِمْ في الْقُرْبِ وَهْوَ أُسْوَةْ
وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي
…
...........................
هذا طيب، يعني: سيأتي في موضعه، (مُكَمَّلَ الْبَيَانِ في الْحَالَاتِ)، البيان أبان الشيء أظهره ووضحه (مُكَمَّلَ) أي: حال كونه مكمل البيان، أي حال، ولذلك نصبه، أي حال كونه مكمل البيان، كَمَلَ الشَّيْءُ كُمُولاً تمت أجزاؤه أو صفاته، ويقال: كَمَلَ الشهر تم دوره فهو كامل، وَكَمَّلَ الشيء أكمله، وَأَكْمَلَ الشيء أتمه، يعني: سيأتي تامًا في محله، (في الْحَالَاتِ)، حالات يعني في جميع الحالات، فهو جمع حالة، وهي الحال أو من حال الشيء، أي: صفته، وحال الإنسان ما يختص به من أموره المتغيرة الحسية والمعنوية، وهذا سيأتي في موضعه.
الرابع ممن يرث السدس، إذًا عرفنا الأب والأم والجد، هؤلاء ثلاثة.
الرابع ممن يرث السدس: بنت الابن، وقد ذكرها بقوله:
وَبِنْتُ الابْنِ تَأْخُذُ السُّدْسَ إِذَا
…
كَانَتْ مَعَ الْبِنْتِ مِثَالاً يُحْتَذَى
يعني هذا شرط إذا كانت مع البنت، (وَبِنْتُ الابْنِ) قال الشارح: أو بنات الابن، وعليه تكون الإضافة للجنس، قوله:(وَبِنْتُ الابْنِ). أو بنات الابن الشرَّاح دائمًا يشيرون بالإشارات ولا يصرحون، أو بنات الابن، لماذا قال أو بنات هو قال:(وَبِنْتُ الابْنِ). إذا نظرنا إلى الظاهر واحدة، إذًا يشترط أن تكون واحدة؟ لا ليس الشرط أن تكون واحدة، بل بنت الابن واحدةً فأكثر، من أين أخذنا فأكثر؟ تقول: إضافة للجنس، وإذا كانت الإضافة للجنس حينئذٍ تصدق بالواحد والاثنين والمائة والألف.
(وَبِنْتُ الابْنِ) أو بنات الابن الإضافة للجنس، قال: المتحاذيات. يعني المتساويات في الدرجة، متساويات في الدرجة، الدرجة ونحوها هذا يأتي بحثه في التعصيب، (تَأْخُذُ السُّدْسَ) تأخذ أو يأخذن إذا كُنَّ جمعًا (تَأْخُذُ السُّدْسَ) متى؟ إذا كانت أو كُنَّ مع البنت الواحدة، بنت ليس عندنا إضافة، حينئذٍ تبقى على ظاهرها، إذا كانت مع البنت، لأنه تكملة للثلثين، لو كانوا بنات أخذوا ثلثين وسقطت بنت الابن، وإنما تأخذ السدس هنا إذا كان ثَمَّ من هو فرعٌ أعلى منها يحتاج إلى تكملة الثلثين، والبنت هنا تأخذ النصف حينئذٍ تكملها بنات الابن بالسدس، فيكون ثلثين، (إِذَا ** كَانَتْ مَعَ الْبِنْتِ) يعني الواحدة تكملة الثلثين للإجماع والنص الآتي في ذكر قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، إذًا بنت الابن ممن يأخذ السدس وتستحقه بشرطين:
الأول: عدم المُعَصِّب وهو ابن الابن المساوي لها في الدرجة سواء كان أخًا أو ابن عمٍّ، وهذا يأتي شرحه في التعصيب، المراد هنا أن لا يكون معها معصب، بنت الابن إن وُجد ابن الابن قضى عليها، حينئذٍ يأخذ ماذا؟ معها تعصيب، لا تأخذ فرضًا تأخذ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، إذًا تستحق السدس عند عدم وجود المعصب، لأنه إن وجد المعصب حينئذٍ انتقلت من الفرض إلى التعصيب {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} .
عدم المعصب وهو ابن الابن مساوٍ لها في الدرجة، سواء كان أخًا أو ابن عم.
الثاني: عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف الذي نص عليه الناظم هنا، من بنت الصلب أو بنت ابنٍ أعلى منها، فإنها لا تأخذ السدس إلا معها، يعني: يشترط عدم الفرع الوارث إلا البنت، وهي لا تأخذ السدس بنت الابن إلا مع وجود البنت، البنت لها النصف من أصحاب النصف كما سبق، حينئذٍ بنت الابن واحدة كانت أو ثنتين أو أكثر تأخذ السدس، سدس ونصف حينئذٍ كَمَّلَتْ الثلثين، لو كان البنت عدد سقطت بنت الابن، لماذا؟ لأنها إنما أخذت تكملة للثلثين، فإذا استوفى البنات الثلثين حينئذٍ سقطت بنت الابن.
قال هنا: للإجماع، ولقول ابن مسعود. إذًا ثَمَّ نص وإجماع، ولا شك أن النص سابق على الإجماع إذ هو دليله ومستنده، للإجماع، يعني: أجمع الفقهاء على أن بنت الابن تأخذ السدس مع البنت الصلب تكملةً للثلثين، دليلٌ ثاني لقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في بنت، يعني: في مسألة عرضت عليه، وهي بنت وبنت ابن وأخت قال فيها: لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم. إذًا هذا رفع، رفع الحكم الشرعي، فهو حديث مرفوع، لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين. هكذا قال ابن مسعود، وما بقي فللأخت. رواه البخاري، وقس على ذلك كل بنت ابن نازلة فأكثر مع بنت ابن واحدة أعلى منها، شرط أن يكون ماذا؟ بنت واحدة ترث النصف، ثم بنت الابن واحدة فأكثر وإن نزلن، وإن نزلن من باب القياس، كذلك هذا القياس مجمع عليه، الذي لا بد من تحققه أن يكون الذي أخذ من الفرع الوارث أعلى من [بنت البنت]، من بنت الابن أن تكون صاحبة نصف، فإن كُن جمعًا أسقطن بنات الابن، وبنات الابن المراد به وإِن وإن نزلن كما قال هنا الشارح.
وقد أشار إلى ذلك بقوله: (مِثَالاً يُحْتَذَى). (مِثَالاً) هذا مفعول ثاني لفعل محذوف، جُعل ذلك مثالاً، قدَّره الشارح اجعل ذلك مثالاً، (يُحْتَذَى) بالبناء للمفعول صفة لمثالاً، أي يقتدى به، يقتدى به في ماذا؟ في النزول، يعني بنت الابن وإن نزلن، هذا المراد به، لأن النص ورد نص ابن مسعود بنت وبنت ابن، طيب بنت بِنت بنت الابن إذا وُجدت مع البنت كذلك تأخذ السدس تكملةً للثلثين، ما جاء فيها النص، تقول: هذا من باب القياس. ولذلك أشار إليه الناظم بقوله: (مِثَالاً يُحْتَذَى) يعني يقتدى به.
الخامس ممن يرث السدس: الأخت للأب، قال الناظم:
وَهَكَذَا الأُخْتُ مَعَ الأُخْتِ الَّتِي
…
بِالأَبَوَيْنِ يَا أُخَيَّ أَدْلَتِ
(وَهَكَذَا الأُخْتُ) يعني أخت لأب فقط فأكثر، واحدة فأكثر (مَعَ الأُخْتِ) يعني تأخذ السدس (مَعَ الأُخْتِ) يعني الواحدة التي أدلت بالأبوين، يعني مع الشقيقة، سيأتي (وَوَلَدُ الأُمِّ يَنَالُ السُّدْسَا)، حينئذٍ (وَهَكَذَا الأُخْتُ) المراد بها الأخت لأب، (مَعَ الأُخْتِ الَّتِي ** بِالأَبَوَيْنِ .. أَدْلَتِ)، (الَّتِي) هذا نعت للأخت، وقوله:(بِالأَبَوَيْنِ). جار ومجرور متعلق بقوله: (أَدْلَتِ). وأدلت هنا صلة الموصول التي، وتقدم متعلق الصلة على الصلة، هذا فيه خلاف، لكن للضرورة هنا لا بأس به، الأصل التي أدلت بالأبوين، يعني: الشقيقة، بالأبوين أدلت هذا ممنوع لا يجوز عندهم كثير على منعه، لكن نقول: هنا في باب النظم يتوسع ما لا يتوسع في غيره، (وَهَكَذَا)، أي: ومثل هذا الأخت في كونها تأخذ السدس تكملة الثلثين، وهكذا الأخت التي أدلت بالأب فقط فأكثر تأخذ السدس مع الأخت الواحدة الشقيقة، إن كُنَّ شقائق أسقطن الأخت لأب، لأن العلة هنا في أخذ السدس لبنت الابن هي نفسها التي أو في هذا الموضع هي العلة التي سبقت، حينئذٍ لا بد أن يكون الأعلى الذي ألحق به أو كُمَّل لا بد وأن يكون صاحبة نصف، فإن أخذن الثلثين بأن كُنَّ جمعًا أسقطن الملحق، حينئذٍ لا ترث الأخت لأب السدس، لماذا؟ لأنها إنما ترث السدس تكملة للثلثين وقد ذهب الثلثان ليس لها شيء.
(وَهَكَذَا الأُخْتُ مَعَ الأُخْتِ الَّتِي ** بِالأَبَوَيْنِ .. أَدْلَتِ)
يعني: اتصلت بالميت بواسطة الأبوين وهي الشقيقة، إذًا الأخت للأب تأخذ السدس بشرطين:
الأول: أن تكون هذه إذا كانت مفردة أو يُكُنَّ مع أخت شقيقة واحدة، وارثة النصف فرضًا سيأتي أن الأخت الشقيقة قد ترث النصف لا فرضًا إنما هو تعصيبًا، ويشترط هنا أن تكون وارثة النصف فرضًا، فلو تعددت الشقيقات بأن كُنَّ اثنتين فأكثر أسقطن الأخت أو الأخوات من الأب عن الإرث، لو كُنَّ الشقيقات متعددات أخذن الثلثين فأسقطن الأخت لأب سواء كانت واحدة أو أكثر، لأنهن إنما أو لأنها أو أنهن أخذت أو أخذن السدس تكملةً للثلثين، فإذا استوفى الشقائق الثلثين حينئذٍ لا شيء لها، فلو تعددت الشقيقات بأن كُنَّ اثنتين فأكثر أسقطن الأخت أو الأخوات من الأب عن الإرث بالفرضية لاستكمالهن الثلثين، لأن الأخت من الأب فأكثر إنما تأخذ السدس مع الشقيقة لتكملة الثلثين كبنت الابن مع النبت، هذا كما سبق وقولهم: وارثة النصف فرضًا. يُخْرِجُ به أو يَخْرُجُ به ما لو أخذت الشقيقة النصف تعصيبًا مع الغير، قد تأخذه تعصيبًا مع الغير فلا شيء للأخت لأب كما في بنت وأخت شقيقة وأخت لأب، البنت تأخذ النصف فرضًا، الأخت الشقيقة كما سيأتي في محله تأخذ النصف تعصيبًا لا فرضًا سقطت الأخت لأب لا ترث السدس، لماذا؟ لأن الشرط أن ترث مع صاحبة نصف فرضًا لا تعصيبًا، فإن أخذته تعصيبًا حينئذٍ سقطت، وهذا سيأتي مزيد بحث فيه، الشرط الثاني. إذًا الشرط الأول أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضًا واحدة، فإن تعددت الشقائق أسقطن الأخت لأب سواء كانت واحدة أو جمعًا.
الثاني: عدم المعصب لها
وهو أخوها، الأخت لأب لو وُجد الأخ لأب عَصَّبها، وسيأتي الأخ المشئوم والأخ المبارك في محله، عدم المعصب لها وهو أخوها، فإن كان معها أخوها فالباقي بعد الشقيقة لهما تعصيبًا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، (وَهَكَذَا الأُخْتُ مَعَ الأُخْتِ الَّتِي) الأخت الواحدة، (وَهَكَذَا الأُخْتُ) الواحدة فأكثر، (مَعَ الأُخْتِ) الشقيقة الواحدة فقط إن كُنَّ اثنين فأكثر أسقطن الأخت لأب، (يَا أُخَيَّ) هذه جملة معترضة أتى بها للاستعطاف، وأخ هنا تصغير، أُخَيَّ أصله أُخَيّوٌ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقبلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء هكذا قيل، يا أُخَيَّ ثم أضيف إلى ياء المتكلم مثل يا غلام زيد لذلك نصبه، قال هنا:(مَعَ الأُخْتِ الَّتِي ** بِالأَبَوَيْنِ يَا أُخَيَّ) تصغير أخ (أَدْلَتِ) تكملة الثلثين بالإجماع قياسًا على بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب.
السادس ممن يرث السدس: الجدة فأكثر، جدة واحدة انفردت بالسدس أو ثنتين فأكثر إلى آخره يشتركن في السدس على تفصيل فيما إذا تعددن، أما الواحدة فلا إشكال فيه تأخذ وتنفرد بالسدس، وأما إذا كُنَّ أكثر فهذا سيأتي تفصيله فيما يأتي، (وَالسُّدْسُ) بالسكون للوزن، (وَالسُّدْسُ) لغة ويتأكد أنه للوزن، (وَالسُّدْسُ) هذا مبتدأ، قوله:(فَرْضُ جَدَّةٍ). أي: مفروض لها كما سبق وهو خبر، فالفرض هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، والإضافة تكون لامية، (فَرْضُ جَدَّةٍ) قال: صحيحة. بمعنى أنها وارثة، لأن الجدة قسمان: جدة فاسدة لا ترث، وجدة صحيحة وهي التي تحقق فيها الشرط كما سيأتي. (وَالسُّدْسُ فَرْضُ جَدَّةٍ) وارثة (في النَّسَبِ)، (في) هنا للسببية، يعني: فرض جدة بسبب النسب، قال: لا ولاء. لأنه قد تكون الجدة بالولاء، وهذا واضح بين، إذًا في النسب هذا متعلق بقوله:(فَرْضُ). لأنه مصدر، والمصدر يتعلق به الجار والمجرور كما يتعلق به الظرف، وفي هنا للسببية، يعني: فرض جدة بسبب النسب لا في الولاء، (وَاحِدَةٍ) بالجر هذا صفة لجدة، (وَاحِدَةٍ كَانَتْ لأُمٍّ أو لأَبِ) واحدةٍ أو أكثر، لكن نص على الواحدة هنا لأن الأكثر سينص عليه، ولذلك قال:(وَإِنْ تَسَاوَى نَسَبُ الْجَدَّاتِ)
…
إلى آخره، دل على أن الجمع جمع الجدات فيه تفصيل، قد يرثن مع بعضهن، قد يشتركن في السدس، قد يتوزعن في السدس ونحو ذلك، (وَاحِدَةٍ) صفة لجدة، ومفهومه وهو الأكثر من الواحدة فيه تفصيل سيأتي، (كَانَتْ لأُمٍّ أو لأَبِ)، (لأُمٍّ)، يعني: جدة من جهة الأم، وجدة من جهة الأب، هذا مراده، من جهة الأم ومن جهة الأب، ولذلك قال هنا: اللام بمعنى من. اللام، يعني: من أم على حذف مضاف، يعني: من جهة الأم (أو لأَبِ) أو للتنويع، أو جدة من جهة الأب.
قال هنا: سواء كانت لأم أو كانت لأب. أي: من قبل الأم، فالكلام على حذف مضاف، أو من قبل الأب، انظر هنا الشارح صرف ظاهر النظم، ظاهر النظم تخصيص جدة لأم وجدة لأب، يعني: أم الأم وأم الأب فقط، وليس الأمر كذلك، لأن الجدات أكثر من هذا، قد يصلن إلى ثمانية، بعضهم أوصلهم إلى ستة عشر، حينئذٍ يختلف الحكم، إذًا قوله:(كَانَتْ لأُمٍّ). يعني أُم أم، (أو لأَبِ) يعني أم أب، هذا الظاهر، لكن ليس المراد، لا بد من صرفه، فنجعل اللام هنا بمعنى من، ثم من قِبل الأم، يعني: من جهة الأم، حينئذٍ أُم أم الأم دخلت معنا، والأول أم الأم فقط، حينئذٍ لا بد من توسيع العبارة من أجل إدخال ما لا يشمله الظاهر، لذلك قال هنا: أي من قِبل الأم. فالكلام على حذف مضاف، أو من قبل الأب، لأن ظاهر المتن لا يصدق إلا بالجدة للأم والجدة للأب دون أم الأم وأم لأب، والمراد جدة الميت من جهة الأم ومن جهة الأب وإن عَلَوْنَ، فجعلن الكلام بمعنى من وفي الكلام محذوفًا ليشمل من ذكر، وسواء كان معهما ولدٌ أو لا، وسواء كان له إخوة أو لم يكن لما ورد في ذلك، وهو قضاؤه صلى الله عليه وسلم للجدة جدة أم الأم السدس، هذا واضح، أم لأم مجمع عليها أنها ترث، وقضاء أبي بكر رضي الله تعالى عنه لها كذلك بالسدس أم الأم، وقضى عمر لأم الأب، أم الأم وأم الأب بالإجماع أنهما وارثات.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم تكن هناك أم للميت. يعني: الأم أم الأم، كالجد مع الأب عند فقده الجد لأم لا ترث عند وجود الأم، وكذلك الجدة لأب لا ترث عند عند وجود الأب، لأنها أدلت بالأب وتلك أدلت بالأم، والقاعدة أن من أدلى بشيء حجبه، واضح؟ ولذلك قال ابن المنذر: إذا لم تكن هناك أمٌّ للميت. وأجمعوا أنها تحجبها من جميع الجهات، يعني: الأم تحجب الأم من جميع الجهات، قال الشارح هنا: سواء كانت لأم أو كانت لأب. سواءٌ قدر سواء ليجعل قول الناظم: (كَانَتْ). خبرًا لمبتدأٍ محذوف، ليجعله ماذا؟ مبتدأ وخبره محذوف [نعم] سواء هو الخبر، وكانت هذه مُؤول مع الهمزة المحذوفة المقدرة همزة التسوية مثل قوله:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6]. هناك سواءٌ عليهم إنذارك وعدمه، هنا كذلك قدر سواء إشارة إلى أن قوله:(كَانَتْ). في تأويل مصدر مبتدأ محذوف الخبر وهو سواء، والتقدير سواءٌ كونها كذا وكذا، كونها كذا وكذا سواء، سواء كونها كذا وكذا، ولكن هذا فيه نظر لأن شرط همزة التسوية أن يكون بعدها أم وليست أو هذا أولاً، حينئذٍ التقدير هذا ليس في محله، كذلك همزة التسوية إنما يحذف الخبر إذا كان معلومًا، وأما إذا لم يكن معلومًا فلا يجوز حذفه، والظاهر أنها صفة لجدة.
إذًا (وَالسُّدْسُ فَرْضُ جَدَّةٍ) صحيحة وارثة (في النَّسَبِ)، يعني: بسبب النسب، (وَاحِدَةٍ كَانَتْ لأُمٍّ)، يعني: من قبل الأم، أو من قبل الأب، هذا ما يتعلق بالجدة، والجدة ليست كالأم فترث السدس مطلقًا بشرط عدم الأم، أو جدة أقرب منها، يعني: بشرط واحد عدمي أو نعم بشرط عدمي، وهو عدم الأم أو جدة أقرب منها، إن وُجد جدة أقرب منها حينئذٍ حجبتها على المذهب مطلقًا سواء كان من جهة الأم، أو من جهة الأب والشافعية على تفصيل عندهم.
السابع ممن يرث السدس: الواحد من ولد الأم.
وَوَلَدُ الأُمِّ يَنَالُ السُّدْسَا
…
وَالشَّرْطُ في إِفْرَادِهِ لَا يُنْسَى
(وَوَلَدُ الأُمِّ)، يعني: الأخ لأم، (وَوَلَدُ) يدخل فيه كذلك الأخت، إذًا شمل الاثنين الذكر والأنثى، ولذلك قال الشارح: ذكرًا كان أو أثنى. (وَوَلَدُ الأُمِّ) سواء كان أخًا لأم، أو أختًا لأم، (يَنَالُ) يعني يأخذ، نَالَ الشيء نَيْلاً أدركه وبلغه، ويقال: نَالَ الشيء فلانًا وصل إليه، إذًا (يَنَالُ) بمعنى يأخذ (السُّدْسَا) والألف هذه للإطلاق بشرط ذكر واحدًا الناظم
…
(وَالشَّرْطُ في إِفْرَادِهِ)، (وَالشَّرْطُ) لاستحقاق الولد ولد الأم السدس أن يكون واحدًا، فإن تعدد حينئذٍ ذهب إلى الثلث، ولذلك ولد الأم وارث بالفرض إما ثلث وإما سدس، إن كانوا جمعًا الثلث، وإن كان فردًا حينئذٍ أخذ السدس، (وَالشَّرْطُ في إِفْرَادِهِ لَا يُنْسَى)، يعني: لا ينبغي نسيانه، هذا الشرط الأول: أن يكون فردًا.
الشرط الثاني: عدم الفرع الوارث.
والشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارث.
لأن ولد الأم يحجبه الأب والجد، والدليل على ذلك أنه يأخذ السدس الإجماع في الشرح عندكم إجمالاً غلط، هذا ينال السدس [إجمالاً] إجماعًا، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12]. والمراد بالأخ والأخت للأم كما قُرِئَ في الشواذ، (وَالشَّرْطُ في إِفْرَادِهِ لَا يُنْسَى) للآية الكريمة المذكورة، إذًا محل إجماع، محل إجماع أنه إذا أُفرد مع الشرطين المذكورين أخذ السدس، كل واحد منهما السدس، وأما إذا كانوا متعددين فلهم الثلث {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} إذا لم يكن له أخ بل كان أخوات وإخوة حينئذٍ اختلف الحكم، في بعض النسخ بدل هذا البيت:
وولد الأم له إذا انفرد
…
سدس جميع المال نصًّا قد ورد
قد ورد نصًّا، يعني: بالنص منصوص عليه في القرآن، وهذا عام في كل ما ذُكر، قال: وهو بمعناه بل هو أصرح. لأن فيه تصريح بأن ذلك قد ورد بالنص، أي: في القرآن العزيز، وقوله:(وَالشَّرْطُ في إِفْرَادِهِ). (في) هنا من ظرفية العام في الخاص، أو تجعل في بمعنى من البيانية، فالمعنى والشرط الذي هو إفراده فلم يلزم ظرفية شيء في نفسه.
إذًا السادس والأخير أو السابع ممن يرث السدس وهو الأخير: الواحد من ولد الأم، بشرط أن يكون فردًا مع الشرطين المذكورين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.