المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تابع أنواع العصبة وأحوال إرثهن. * تعداد العصبة بالنفس - شرح الرحبية للحازمي - جـ ١٢

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تابع أنواع العصبة وأحوال إرثهن. * تعداد العصبة بالنفس

‌عناصر الدرس

* تابع أنواع العصبة وأحوال إرثهن.

* تعداد العصبة بالنفس وأحكامهن.

* حكم اجتماع عاصبين فأكثر.

* جهات العصبة بالنفس.

* العصبة بالغير وعددهن.

* العصبة مع الغير وعددهن.

* العصبة مع النساء.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

شرحنا الدرس الماضي في التعصيب وعرفنا أنه النوع الثاني من أنواع الإرث، ويرث الوارث إما من جهة الفرض، وقد سبق بيان أصحاب الفروض وشروط مستحقيها، ونحو ذلك. وشرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان النوع الثاني من أنواع الإرث وهو التعصيب:

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الإِرْثَ نَوْعَانِ هُمَا

فَرْضٌ وَتَعْصِيبٌ عَلَى مَا قُسِّمَا

(بَابُ التَّعْصِيب) عرفنا أنه مصدر .. إلى آخره

ثم قال الناظم:

وَحُقَّ أَنْ نَشْرَعَ في التَّعْصِيبِ

بِكُلِّ قَوْلٍ مُوجَزٍ مُصِيبِ

ثم عرف التعصيب بأنه.

فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ

مِنَ الْقَرَابَاتِ أَوِ الْمَوَالِي

أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ

فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَةْ

ذكرنا أن التعصيب عرفه في اللغة بأنه قرابة الرجل لأبيه، وعرفه بعضهم من يرث بلا تقدير وكلا التعريفين كغيرها من التعريف فهي منتقدة.

وليس يخلو حده من نقد

فينبغي تعريفه بالعدّ

وعليه نقول أقسام العصبة، العصبة تنقسم إلى قسمين:

- عصبة بنسب.

- عصبة بسبب. نوعان:

سبب هذا محصور فيه الولاء، يعني السيد المعتِق والمعتِقة.

وأما عصبة بنسب هذه هي التي يندرج تحتها الأنواع الثلاثة عند الفرضيين وهي:

- عصبة بالنفس.

- وعصبة بالغير.

- وعصبة مع الغير.

الناظم رحمه الله تعالى عرّف أو بدأ بالنوع الأول وهو العاصب بنفسه، يعني الذي لا يحتاج إلى واسطة، متى ما وجد حينئذٍ أخذ المال بالتعصيب، كالابن مثلاً حينئذٍ لا يفتقر إلى غيره، فلو هلك هالك عن ابن لا يوجد إلا ابن واحد فقط، حينئذٍ ليس له فرض وإنما يرث بالتعصيب، فكل المال يكون له وهذا الذي عناه بقوله:

فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ

مِنَ الْقَرَابَاتِ ..............

يعني كل من جمع المال إذا انفرد، يعني إذا لم يكن معه صاحب فرض، لأن أحوال العصبة نوعان:

- عصبة منفردة بأنه لا يوجد معه صاحب فرض البتة، فهذا يحرز كل المال إذا لم يكن معه صاحب فرض.

- النوع الثاني: أن يكون معه صاحب فرض. حينئذٍ له حالان: إما أن يبقى شيء بعد أصحاب الفروض حينئذٍ يكون له، وهو الذي عناه بقوله:(أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ).

الحالة الثاثلة من الحالة الثانية: أن ألا يبقى له شيء بعد الفروض. حينئذٍ يسقط ليس له شيء إلا الابن، الابن لا يسقط البتة وإنما يعصب غيره كما سيأتي. إذًا قوله:

(فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ). هذا مقيد بكونه عند الإنفراد، والمارد بكونه عند الإنفراد ألا يوجد معه صاحب فرض البتة، يعني لا يوجد من يرث بالنصف أو الثلث أو الثلثين ونحو ذلك فإن وجد حينئذٍ انتقل إلى الحالة الثانية وهي إن بقي له شيء أخذه وإلا سقط إلا الابن (مِنَ الْقَرَابَاتِ أَوِ الْمَوَالِي) عرفنا أن المراد بالقرابات هنا جمع قرابة، والمراد به الأقارب أو من الموالي جمع مولى وهذا يُعَصِّبُ بسبب ليس بنسب، فرق بين النسب والسبب، وسبق أن السيد المعتِق إنما يرث بسبب وهو الولاء:

ص: 1

أَسْبَابُ مِيرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ

كُلٌّ يُفِيْدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَةْ

وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ

...............................

هذه ثلاثة أسباب لا إرث.

وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ

مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ

يعني ما بعد هن من الأسباب المتفق عليها، وإلا ثَمّ أسباب مختلف فيها. إذًا (مِنَ الْقَرَابَاتِ أَوِ الْمَوَالِي) أشار إلى نوعين بنسب أو سبب وعرفنا دليله فيما سبق (أَوْ [كَانَ مَا] يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) هذا ما يتعلق بالعاصب بنفسه (أَوْ كَانَ) أو عطف على أحرز فالمعنى حينئذٍ أو لم يحرز كل المال بل (كَانَ مَا يَفْضُلُ) إما أن يحرز كل المال يجمع كل المال وذلك عند الإنفراد (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) يعني إن معه كان صاحب فرض وبقي شيء آخذه حينئذٍ يكون عاصبًا بنفسه، (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) يفضل يقال فضل الشيء فضلاً زاد على الحاجة وبقي يعني أو كان ما يبقى (بَعْدَ الْفَرْضِ) يعني بعد جنسه، والمراد بالفرض الفرائض لأنه قد يكون صاحب فرض، قد يكون اثنين، قد يكون متعددين، ولذلك قال الشارح: الشامل للواحد وما زاد عليه لأن (أل) هنا للجنس للجنسية حينئذٍ يصدق بالواحد وبالمتعدِّد (لَهْ) هذا يعود على من (فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ)، (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) يعني للعاصب بنفسه.

أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ

فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَةْ

(فَهْوَ) هذا راجع لكل، كل من أحرز (أَخُو الْعُصُوبَةِ) أي ملازمها والمتصف بها كما في قولهم أخو الحِلْم يعني صاحب الحِلْم والملازم والمتصف بالحلم، وكذلك شأن الأخ يصاحب أخاه ويلازمه. إذًا (فَهْوَ) نقول الضمير هنا راجع لقوله:(فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ). (فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ) يعني صاحبها صاحب العصوبة، أي نوع من العصبة؟ نقول: العصوبة بنفسه، العاصب بنفسه وفي اصطلاح الفرضيين العاصب إذا أطلق انصرف إلى العاصب بنفسه، ولا يدخل معه لا بالغير ولا مع الغير (فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ) بالنفس، والمراد بالبيت العصوبة بالنفس أي بنفسه لا بغيره ولا مع غيره لأن الحكم الأول وهو إحراز كل المال عند الإنفراد مخصوص بالعصبة بالنفس، لأنه يرد السؤال لماذا قلنا فهو أخو العصوبة يعني بنفسه؟ لماذا لا يكون بغيره ومعه؟ نقول الحكم الأول وهو قوله:(فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ). هذا لا يكون في العصبة بالغير ولا العصبة مع الغير، فدل على أن هذا الحكم خاص بالعصبة بالنفس، لأن الحكم الأول وهو إحراز كل المال عند الإنفراد مخصوص بالعصبة بالنفس، (أَخُو الْعُصُوبَةِ)، بالنفس (الْمُفَضَّلَةْ) مُفَضَّلَة مُفَعَّلَة أي التي فضّلها الفرضيون على غيرها من أنواع العصوبة أو المفضلة على الفرض لأن بعضهم يرى كما سبق أيهما أقوى هل الفرض أم التعصيب؟ ذكرنا الخلاف فيما سبق:

أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ

فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَةْ

ص: 2

إذًا عرّف لنا الناظم العاصب أو العصبة بالنفس بأنه ما اشتمل على حكمين أو من وجد فيه أمران، أولاً يعني ضابطه متى نحكم عليه بأنه عاصب بنفسه؟

إذا أحرز كل المال عند عدم وجود صاحب فرض. ثُمَّ إن وجد صاحب فرض وبقي شيء أخذه هذا العاصب، حينئذٍ يكون قد ذكر حكمين من أحكام العصبة بالنفس، بقي واحد سيأتي نصه.

الدليل على ذلك قوله: صلى الله عليه وسلم «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» . وهذا مجمع عليه، ولذلك قال الشارح إجماعًا لقوله، دليل الحكم المستفاد مما تقدم وهو كونه يحرز كل المال عند الإنفراد أو كونه يأخذ ما فضل بعد الفروض، وسنده قوله صلى الله عليه وسلم:«ألحقوا» . هذا أمر والأمر للوجوب «ألحقوا الفرائض» . يعني جنس الفرائض السدس والنصف والثلث والثلثين «بأهلها» . يعني بأصحابها مع استيفاء الشروط السابقة «فما بقي» . يعني بعد الفرض إن زاد شيء «فهو لأولى رجل ذكر» . لأولى يعني لأقرب رجل حينئذٍ التقسيم هنا «فما بقي فهو» . هذا دليل على أن القسمة ثنائية صاحب فرض، ثم من يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض، وهذا النوع الثاني هو التعصيب «فهو لأولى رجل». أي لأقرب رجل فالمراد بالأولى الأقرب لا الأحق لأنه لو قال:«فهو لأولى رجل» . يعني: أحق رجل من الذي يحدد؟ أحق قد يصدق على البعيد قد يصدق على القريب من الذي يميز؟ ولم يأت شيء من الشرع ولذلك يفسر قوله: «فهو لأولى» . يعني لأقرب وهذا متميز إذا اجتمع قريب وبعيد حينئذٍ النص دل على أنه يعطى القريب، فالمراد «بالأولى» . الأقرب لا الأحق إذ لو كان بمعنى الأحق لخلا من الفائدة أو عن الفائدة، لأنا لا ندري من هو الأحق بخلاف الأقرب فإنه معروف، والتقييد بالرجل هنا للأغلب وإلا فالمعتِقة عصبة:

وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرًّا عَصَبَهْ

إِلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ

ص: 3

إذًا يوجد التعصيب في النساء وهو خاص بالمعتقة، إذًا قوله صلى الله عليه وسلم:«رجل» . أخرج المرأة، والمعتِقة؟ نقول: هنا ذكر من باب الأغلب، فحينئذٍ ما ذُكر من باب الأغلب لا حكم له لا مفهوم له ليس له مفهوم، فليس تعليق الحكم بالرجل هنا للإخراج فالأنثى حينئذٍ لا تكون معصبة البتة، نقول: الأنثى تكون معصبة بالإجماع كالمعتِقة، بل هو خاص بالمعتقة وحينئذٍ يكون قوله:«رجل» . هنا لا مفهوم له، فالتقييد بالرجل للأغلب وإلا فالمعتقة عصبة. قوله:«فهو لأولى رجل ذكر» . ذكر هذا بدل من قوله رجل، لماذا ذكره؟ لأن الرجل في الأصل إنما يكون في مقابلة المرأة البالغة أو يطلق على الذكر البالغ من بني آدم، حينئذٍ أيهما أخص وأيهما أعم؟ رجل أمر ذكر؟ الذكر أعم لأنه يشمل البالغ ومن هو دونه، لو قال:«فهو لأولى رجل» . أختص الحكم بماذا؟ بالبالغ دون من هو دونه، لكن لما فهم أو قد يفهم ويتوهم هذا الحكم بأن الحكم خاصٍ بالبالغ حينئذٍ أردفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«ذكر» . حينئذٍ يكون عامًا (فَهْوَ أَخُو الْعُصُوبَةِ) بالنفس (الْمُفَضَّلَةْ) على غيرها من أنواع العصوبة وعلى الفرض كما اختار هو. قال الشارح: وهذا تعريف للعاصب بالحكم، والتعريف بالحكم دوريٌ كما هو معلوم عند العقلاء. يعني قوله:(مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ). (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) هذا حكمٌ حكم العاصب وليس هو العاصب، ونحن نريد معرفة العاصب، والتعريف بالحكم يلزم منه الدور كما يقول هناك النحاة الفاعل هو الاسم المرفوع، ما هو الاسم المرفوع؟ هو الفاعل نقول: حينئذٍ إذا إدخال للحكم في الحد:

وعندهم من جملة المردود

أن تدخل الأحكام في الحدود

على كلٍّ هذا المقام مقام تعريف للشرع حينئذٍ لا تنطبق الحدود التي يذكرها المنطقيون على مثل هذه المواضع، فكل ما يسّر وذكر فيه أحكام وفُهِم منه المراد بأن العاصب هو كذا وكذا حينئذٍ استوفى الحد ولا تقف مع هذه التنطعات، وهذا تعريف للعاصب بالحكم والعاصب إذا أطلق كما ذكرنا المراد به العاصب بنفسه. بالحكم الذي هو إحراز كل المال عند الإنفراد وكون ما يفضل بعد الفرض له والتعريف بالحكم دوري كما هو معلوم عند العقلاء، يعني: المناطقة.

وأجيب بأنه تعريف لفظي فهو لمن يعرف الحكم ويجهل التسمية بلفظ عاصب يعرف الحكم ولكن يجهل التسمية بكونه عاصب يعني يعرف أن زيد ابن وإذا لم يكن معه فرض فحينئذٍ أخذ كل المال، يعرف الحكم لكن ما يدري أنه يرث بالتعصيب وأن هذا عاصب، على كلٍّ فيه بعد، وأحكام العاصب بنفسه ثلاثًا ذكر الناظم منها اثنين:

الأول: أنه إذا انفرد حاز جميع المال.

والثاني: إذا اجتمع مع أصحاب الفروض أخذ ما أبقت الفروض.

وترك الثالث وهو أنه إذا لم يبق شيء سقط وهذا معلوم من قوله: (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ). يعني: له ما يفضل بعد الفرض إذا لم يبق شيء ليس له شيء، إذًا الحكم الثالث داخل في الحكم الثاني فهو معلوم منه.

ص: 4

والحكم الثالث وهو أنه إذا استغرقت الفروض التركة سقطت إلا الإخوة الأشقاء في المشركة وهذا استثناء بحسب الظاهر وإلا فالأشقاء في المشركة كما سيأتي انتقلوا للفرض فليسوا حينئذٍ عصبة، وإلا لأخت في الأكدرية، والأكدرية هذه ستأتي إن شاء الله بعد باب الجد والإخوة وكذلك ليست هي عاصبة بالنفس وإنما هي عاصبة بالغير، لأن الجد يكون معها. وهاتان المسألتان ستأتيان. وإنما ترك المصنف هذا الثالث للعلم به من الثاني ما هو الثاني؟ يعني من مفهومه قوله:(أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ). إذًا ترك الحكم الثالث لأنه مفهوم من الحكم الثاني أي من مفهومه فإنه قال:

(أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ). ويفهم منه أنه إذا لم يفضل بعد الفرض شيء سقط وهذا واضح بين، والعاصب بغيره النوع الثاني، والعاصب مع غيره في النوع الثالث من العصبة كالعاصب بالنفس في هذه الأحكام، يعني إذا انفرد أخذ كل المال، وإذا بقي شيء مع أصحاب الفرائض أخذ الباقي، وإذا لم يبق شيء سقط هكذا يقول. ومع غيره كالعاصب بالنفس في هذه الأحكام.

استثنى الحكم الأول وهو أنه إذا انفرد أخذ كل المال لماذا؟

لأن العاصب بالغير لا بد من التعدّد، عاصب بالغير، عاصب مع الغير إذًا لابد من التعدد، لا يتصور فيه الإنفراد، وأما العاصب بالنفس فهذا يتصور فيه الإنفراد، كالجد لوحده، والابن لوحده، والأخ الشقيق وابن الأخ الشقيق لوحده، حينئذٍ يتصور فيه الإنفراد، وأما العاصب بالغير الباء للإلصاق والعاصب مع الغير مع هنا للمعية فلا بد من وجود شخص آخر يعصبه، ولذلك قال هنا: كالعاصب بالنفس في هذه الأحكام إلا الحكم الأول. قال زكريا الأنصاري: وفي كون الحكم الثاني يشترك فيه أقسام العصبة نظر، لأن العاصب بغيره لا يأخذ الباقي وحده لأنه يقول:(أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) يعني يأخذ أصحاب الفرائض حقوقهم، وما بقي آخذه، هل العاصب بالغير يأخذ الباقي كله أو جزء الباقي؟

جزء الباقي، وكذلك العاصب مع الغير هل يأخذ كل الباقي أو جزء الباقي؟ جزء الباقي.

إذًا كيف يقال بأنه يأخذ كل الباقي، وهذا فيه تأويل يعني من باب إطلاق الكل مرادًا به الجزء. واعترضه زكريا الأنصاري كما أورده البيجوري هنا وفي كون الحكم الثاني يشترك فيه أقسام العصبة نظر لأن العاصب بغيره لا يأخذ الباقي وحده، بل مع العاصب بنفسه، ويمكن تصحيح ذلك بتأويل، يعني لا بد من التأويل. قال الباجوري: أي بأن يقال المراد أنه يأخذ الباقي وحده ولو في الجملة، فإن العاصب بغيره يأخذ جزاءً من الباقي. على كلٍّ هما مشتركان في الباقي، والمراد الباقي الذي له حق فيه، حينئذٍ سواء كله أو كان جزءًا منه. كلا العبارتين متقاربتان. ثم شرع الناظم رحمه الله تعالى في تعداد العصبة بالنفس، والعصبة بالنفس لا يكون إلا من الذكور كما أن الشأن في العصبة بالغير والعصبة مع الغير لا يكنّ إلا إناثًا، إذًا عرفنا أن العصبة بالنسب ثلاثة أقسام:

- عصبة بالنفس.

- وعصبة بالغير.

- وعصبة مع الغير.

ص: 5

العصبة بالنفس تعدادهم أولى من التعريف، وإنما نعددهم نقول: هو الابن، وابنه .. إلى آخره، ثم نقول: وأحكام العاصب بالنفس ثلاثًا. وهذا أولى ما يقال في هذا المقام، لأن كما ذكرنا المقام مقام بيان أحكام الشرعية، وأما التعريف وما ينتقد به من التعريفات السابقة فهذا شأنه الطرح، العصبة بالنفس مَنْ هُم؟

هم المجمع على إرثهم من الرجال إلا الزوج والأخ من الأم، الزوج صاحب فرض، والأخ من الأم صاحب فرض. إذًا لا يكون الزوج معصبًا، ولا يكون الأخ من الأم معصبًا. إذًا من عداهم قد يكون صاحب فرض ويكون معصبًا، وقد لا يكون إلا معصبًا، وقد سبق معنا أقسام الورثة باعتبار التعصيب وعدمه، قلنا: أربعة:

- منهم من قد ينفرد بالفرض ولا يكون معصبًا.

- ومنهم من يكون معصبًا دون فرض.

- ومنهم من يكون تارة يرث بالفرض وتارة بالتعصيب ويجمع بينهما، كالأب والجد، وتارة لا يجمع بينهما، فالأقسام حينئذٍ تكون أربعة، خرج الزوج والأخ من الأم بقي ماذا؟ بقي ثلاثة عشر، أليس كذلك؟

وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةْ

أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مُشْتَهِرَةْ

قلنا: أسماؤهم عشرة بالإجمال، وخمسة عشر بالبسط، أخرج الزوج والأخ للأم، بقي ثلاثة عشر وهم: الابن: وابن الابن وإن نزلا، والأب، والجد من قبل الأب وإن علا والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وإن نزل، وابن الأخ لأب وإن نزل، والعم الشقيق، والعم لأب وإن علو، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب وإن نزل، وذو الولاء. فجملة الذكور هؤلاء.

أحكام العصبة بالنفس ثلاثة:

الأول: على ما ذكرناه سابقًا، أن من انفرد منهم حاز جميع المال لقوله تعالى:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. فورَّث في هذه الآية الأخ جمع مال الأخت {وَهُوَ} أي الأخ {يَرِثُهَا} يعني الأخت ورثه كل المال، {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} والابن وابنه والأب والجد أولى من الأخ لقربهم، وقيس عليه بنو الأخوة والأعمام وبنوهم والموالي بجامع التعصيب.

- على كلٍّ هؤلاء الثلاثة عشر مجمع على أنهم معصبون بالنفس، والحديث السابق «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» . قال فلأقرب رجل، فالمراد بالأولى الأقرب، والتقييد بالرجل للأغلب وإلا فالمعتقة عصبة، وقوله:«ذكر» . بدل من رجل، وفائدته أن الرجل يطلق في مقابلة المرأة وفي مقابلة الصبي، قيل «ذكر» . إشارة إلى أنه في مقابلة المرأة فالمراد به الذكر لا البالغ، إذًا «رجل» . ليس له مفهوم فهو مبين للمراد، وظاهر الحديث اشتراط الذكورة في العصبة المستحقة للباقي يعني قوله:«فهو لأولى رجل ذكر» . والمرأة نقول: ليست بداخلة. والصواب أنه لا مفهوم له، قيل كما أجاب البيجوري هناك: أن عموم هذا المفهوم مخصوص بالنص والإجماع الدالين على أن العصبة بالغير ومع الغير تستحق الباقي، فحينئذٍ لا يكون خاصًا بالمعتٍق كما ذكرت بل داخل فيه العصبة بالغير والعصبة مع الغير.

الحكم الثالث: أنه إذا استغرق الفروض يعني أصحاب الفروض التركة سقط إلا الأخوة الأشقاء في الْمُشَرَّكة وإلا الأخت الواحدة لغير أم في الأكدرية.

شرع الناظم في عدّهم ولكن لم يستوف ما ذكر لأنه أراد التمثيل، قال:

ص: 6

كَالأَبِ وَالْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ

وَالاِبْنِ عِنْدَ قُرْبِهِ وَالْبُعْدِ

(كَالأَبِ) الكاف التمثيل لأنه لم يستوف لم يستقص، بل ذكر بعضًا وترك آخرين، (كَالأَبِ) واضح أنه مُعَصّب هو يرث بالفرض ويرث بالتعصيب، (وَالْجَدِّ) أب الأب وجد الأب، يعني أبي أبي الأب، وجد الجد وهو أبو أبي أبي الأب وإن علا (وَالاِبْنِ) كذلك ابنه لأنه قال:(عِنْدَ قُرْبِهِ) يعني بلا واسطة، وهو الابن الصلب الابن فقط (وَالْبُعْدِ) يعني وعند بعده يعني وإن نزل ابن ابن الابن حينئذٍ يكون معصِّبًا، فالابن وإن نزل فهو من العصبات، (وَالاِبْنِ عِنْدَ قُرْبِهِ) الابن أخره هنا عن الأب والجد مع كونه أقوى سيأتي في الجهات أن البنوة مقدمة على الأبوة، وهنا أخر الابن لماذا؟ لأنه قيل: بأنه ليس بعصبة، يعني مختلف فيه، وهذا الخلاف ضعيف لا يلتفت إليه، (وَالاِبْنِ) وأخره عن الأب والجد مع أنه أقوى منهما لأنه قيل إنه ليس بعاصب. (عِنْدَ قُرْبِهِ) يعني من الميت، يعني قرب الابن من الميت وهو الابن الصلب يعني الابن فقط ابن الميت، (وَالْبُعْدِ) وهو ابن الابن بعده يعني بعده عن الميت، وهو ابن الابن وإن سفل بمحض الذكور فخرج ابن بنت الابن كما تقدم.

قال هنا:

كَالأَبِ وَالْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ

وَالاِبْنِ عِنْدَ قُرْبِهِ وَالْبُعْدِ

ثم قال:

وَالأَخِ وَابْنِ الأَخِ وَالأَعْمَامِ

وَالسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ ذِي الإِنْعَامِ

ص: 7

(وَالأَخِ) أطلقه الناظم فحينئذٍ هل يشمل الأخ لأم؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه مقيد بما سبق، لأنه ذكر الأخ لأم من الورثة للسدس، أليس كذلك؟ (وَوَلَدُ الأُمِّ يَنَالُ السُّدْسَا) إذًا هو من أصحاب الفروض، وهنا ذكر أصحاب العصبات يعني الذين يعصبون بأنفسهم إذًا يكون ذاك مقيدًا لما ذكر هنا، فحينئذٍ يختص الأخ هنا بالأخ الشقيق، والأخ لأب دون الأخ لأم، (وَالأَخِ) أطلقه الناظم لكن أراد به الأخ الشقيق أو لأب بقرينة ذكره الأخ لأم في أصحاب الفروض. (وَابْنِ الأَخِ) كذلك أطلقه الناظم لكنه مقيد بما ذكره سابقًا كذلك فابن الأخ حينئذٍ يقيد بالأخ الشقيق والأخ لأب. ابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب، (وَالأَعْمَامِ) وأما ابن الأخ لأم فهو من ذوي الأرحام [أحسنت](وَالأَعْمَامِ) يقال فيه ما تقدم يعني أطلقه لكنه مقيد بالأعمام لأبوين أو لأب، لا لأم لأن الأعمام لأم وهم إخوة أبيه هؤلاء من ذوي الأرحام [نعم أحسنت]. قال: وكأعمام الميت أعمام أبيه وأعمام جده (وَالسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ) المراد به ما يشمل السيدة المعتقة (وَالسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ ذِي الإِنْعَامِ) يعني صاحب الإنعام، المراد بالإنعام هنا العتق. ولذلك ذكرناه فيما سبق (وَهَكَذَا بَنُوْهُمُ جَمِيعَا) أي ومثل هذا المذكور السابق في كون من ذُكِر من العصبات بالنفس (بَنُوْهُمُ) بإشباع الميم (جَمِيعَا) أي حال كون بنيهم جميعًا، فهو حال في اللفظ لكنه توكيد في المعنى، كأنه قال: بنوهم أجمعون. ولا يستدعي أن يكون المراد مجتمعين بنوهم أجمعون [بالرفع] حينئذٍ لا بد أن يكونوا مجتمعين؟ أو يشمل النوعين مجتمعين ومنفردين؟ لا، لا يستدعي أن يكون المراد مجتمعين، لأن كل واحد عصبة عند انفراده وكذا عند اجتماعه مع غيره ولو حجب به، لأن كلامنا في مجرد تسمية العصبة.

إذًا قوله: (بَنُوْهُمُ جَمِيعَا). أي: أجمعون، هل يستدعي ذلك أن يكونوا مجتمعين من أجل أن يكونوا عصبة أو لو كانوا منفردين؟ ولو كانوا منفردين.

إذًا قوله: (جَمِيعَا). هذا حال لكنه في معنى التوكيد (فَكُنْ لِمَا أَذْكُرُهُ سَمِيعَا)، (فَكُنْ) الفاء فاء الفصيحة يعني إذا علمت ما ذكرته لك (فَكُنْ لِمَا أَذْكُرُهُ) من الأحكام السابقة (سَمِيعَا) سميعًا فعيل بمعنى فاعل أي سامعًا لكن السمع هنا مقيد ليس مجرد وصول المعلومة إلى الأذن فحسب. وإنما لا بد أن يكون سمع تفهم وإذعان وقبول.

إذًا ذكر في هذه الأبيات الثلاثة بعضًا مما يكون عصبة بالنفس، ولا يعترض عليه بأنه ترك شيئًا لأنه أراد التمثيل، وإن كان الأولى للاستيعاب، لكن من تركه حينئذٍ هو داخل في قوله:(فَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ)

إلى قوله: (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ). فينطبق عليه الحد أو الضابط السابق، فحينئذٍ يكون عصبة بنفسه، فإما أن يعرف بالحد أو الحكم، وإما أن يعرف بعده وذكر بنفسه وهذا واضح بَيِّن.

ص: 8

قال هنا: (وَهَكَذَا بَنُوهُمُ جَمِيعَا) أي بنو الأعمام وبنو المعتِقين وإن نزلوا بمحض الذكور. قال المرديني في شرح ((المنظومة)): وفيه نوع تصور حيث اقتصر على ابن المعتِق وسكت عن باقي عصبته المتعصبين بأنفسهم. إذا قال: (وَهَكَذَا بَنُوهُمُ). أي: ما ذكر السابق وذكر سيد المعتق، إذًا ابن المعتق، طيب عصبته المعصبون بأنفسهم؟ هل هم داخلون أم هو خاص بابن المعتق فقط؟ قال فيه: الظاهر أنه خاص بابن المعتق. وليس لأمر كذلك ففيه قصور. قلنا: لا، ليس فيه قصور، لماذا؟ لأن المصنف لم يقصد الاستيعاب، وإنما ذكر بعضًا وترك آخرين، حينئذٍ لا اعتراض. قال الشارح: ويمكن الجواب عنه بأنهم دخلوا في قوله سابقًا (أَوِ الْمَوَالِي). نعم قد يقال، لكن الأولى من هذا أن يقال بأن الكاف في قوله:(كَالأَبِ). للتمثيل ليس استقصائية وإنما هي تمثيلية فلا اعتراض على الناظم رحمه الله تعالى.

ثم قال:

وَمَا لِذِي الْبُعْدَى مَعَ الْقَرِيبِ

في الإِرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلَا نَصِيبِ

إذًا عرفنا العصبة بالنفس وعرفنا أحكامهم الثلاثة، قال هنا: ثم أعلم أنه إذا اجتمع عاصبان فأكثر فتارة يستويان، إذا لم يكن إلا عاصب واحد واضح حكمه واضح، إما أنه يأخذ كل المال، أو يأخذ ما بقي بعد الفروض، ولكن الإشكال يبقى متى؟ يبقى إذا اجتمع عندنا عاصبان فأكثر، ثم أعلم أنه إذا اجتمع عاصبان فأكثر فتارة يستويا أو يستوون إذا كانوا جماعة ثلاثة فأكثر في الجهة والدرجة والقوة، الجهة جهات العصبة بالنفس عند الحنابلة ست جهات:

الأولى: البنوة على الترتيب، يعني المقدم يُسقط الذي يليه، البنوة أولاً، ثم الأبوة، ثم الجدودة مع الإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، المتقدم يُسقط ما بعده، فلو وجد ابن مع أب الابن يحجب الأب على الأصل وسيأتي، لو وجد أب مع جدٍّ حجبه، كذلك إخوة مع بني الإخوة، بنو الإخوة مع العم، العم مع ذي الولاء، حينئذٍ كل متقدم يحجب ما بعده، فتحفظ هذه الجهات لأنها تفيد في الإسقاط، وباب الحجب مبني على هذه الجهات، هذا عند الحنابلة ست فقط، وعند المالكية والشافعية سبع جهات هي ما سبق نفسها لكن يزيدون السابعة بيت المال، وعند أبي حنيفة خمس جهات فقط البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة، ثم العمومة، ثم الولاء. بإدخال الجد وإن علا في الأبوة، وإدخال بني الأخوة وإن نزلوا بمحض الذكور في الأخوة. إذًا على مذهب الحنابلة الجهات ست بإسقاط بيت المال فلا اعتبار له. قال: إذا اجتمع عاصبان فأكثر فتارة يستويان أو يستوون في جهة كل منهما ابن، أو كلِّ مهما جد، أو كل إخوة .. إلى آخره.

والدرجة المراد بالدرجة القرب من الميت، والقوة المراد بالقوة هنا ما كان ذا قرابتين يعني من جهتين كالأخ الشقيق فهو أقوى من الأخ لأب لأن الأخ لأب هذا قريب للميت لكنه من جهة واحدة فهو أضعف، وكذلك الأخ الشقيق من جهتين فهو أقوى، إذًا علاقة هذا الوارث العاصب بالميت من كونه من جهة واحدة أو من جهتين هو المراد بالقوة، فيشتركان أو يشتركون في المال إذا كانوا مستوين في هذه الجهات في الجهة والدرجة والقوة حينئذٍ استووا في المال، فلو هلك هالك عن ثلاثة أبناء كلهم استووا في المال، لماذا؟

ص: 9

أولاً: لكونهم عصبة بالنفس، ثم تعددوا، ثم لم يختلفوا بل استووا في الدرجة والجهة والقوة، فكل منهم ابن، إذًا داخل في الجهة الأولى البنوة الدرجة واحدة يعني لم يوجد ابن وابن ابن، لو وجد ابن وابن ابن ابن الابن هذا محجوب بالأول، كذلك بالقوة كل منهما صلتهم واحدة بالميت، إذًا لو وجد ثلاثة أبناء حينئذٍ ورثوا المال بالتساوي، ولذلك قال: فيشتركان أو يشتركون في المال، وهذا معلوم أنه إذا لم يكن ثَمَّ صاحب فرض، أما إن وجد صاحب فرض حينئذٍ ما بقي بعد الفرض، أو ما أبقت الفروض. وتارة يختلفون في شيء من ذلك إما في الجهة وإما في الدرجة وإما في القوة، يحصل خلاف إذًا إذا أنفقوا في الجهة والدرجة والقوة اشتركوا في المال مناصفة ن يعني إذا كانوا ثلاثة أبناء لكل واحد منهما الثلث، وإذا اختلفوا مثال الاختلاف في الجهة ما لو اجتمع ابن وأخ هذا اختلاف في ماذا؟ في الجهة، لأن البنوة مقدمة على الأخوة، أليس كذلك؟ ابن وأخ هلك هالك وترك ابنًا وأخًا شقيقًا مثلاً أو أخ لأب حينئذٍ نقول: يشتركان في المال؟ لا، نقول: الابن يحجب الأخ. لماذا؟ لأنه مقدم عليه في الجهة، إذ جهة البنوة مقدمة على الأخوة، ومعنى هذا أنه يحجبه يعني يسقطه ليس له شيء البتة، هذا مثال في اختلاف الجهة.

مثال الاختلاف في الدرجة، ما لو اجتمع ابن وابن ابن، هلك هالك وترك ابنًا ومعه ابنه حينئذٍ اجتمع عندنا اثنان في جهة واحدة استويا في الجهة بمعنى أن كلاً منهما داخل في القسم الأول وهو البنوة لأن الابن وإن نزل، لكن اختلفا في الدرجة يعني الواسطة بينهم وبين الميت إن تعددت الواسطة حينئذٍ ما تعددت الواسطة فيه فهو مؤخر عما لم تعدد الواسطة فالابن الابن الصلب هذا مباشر وابن ابنه هذا بينهما واسطة، إذًا يسقط الثاني، لماذا؟ مع كونهم اشتركا في الجهة إلا أنهم اختلفا في الدرجة، فالابن مقدم على ابن الابن فيحجبه يسقطه يعني ليس له شيء. ومثال الاختلاف في القوة مثل ماذا؟ أنتم [أحسنتم] الأخ الشقيق مع الأخ لأب، هلك هالك وترك أخوين أحدهما أخ شقيق والثاني أخ لأب لأخ لأب كم له؟ ليس له شيء يسقط، لماذا؟ هل استويا في الجهة؟ نعم، هل استويا في الدرجة؟ نعم، أخ، أخ، هل استويا في القوة؟ لا، هذا ذو قرابتين شقيق أقوى من جهتين، وهذاك شطر النسب - كما سيأتي - حينئذٍ يسقط طيب إذا اختلفوا ما الحكم؟

قال: وتارة يختلفون في شيء من ذلك فيحجب بعضهم بعضًا - فما كان مقدمًا في الجهة حجب من بعده، ومن كان مقدمًا في الدرجة حجب من بعد، والأقوى يحجب الضعيف - فيحجب بعضهم بعضًا وذلك مبني على قاعدة عند الفرضيين يكاد أن يكون ثم إجماع عليها وهي ما جمعه الناظم بقوله:

فبالجهة التقديم ثم بقربه

وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا

(فبالجهة التقديم) يعني التقديم بالجهة، فالتقديم بالجهة يعني أول ما يُراعى في المنع وعدمه الجهة تنظر إلى الجهة، (فبالجهة التقديم) أي فالتقديم في الإرث بالجهة عند الاختلاف فيها، إذا اختلفوا في الجهة حينئذٍ تقدم ما حقه التقديم وتسقط ما حقه التأخير، واضح هذا؟

ص: 10

(فبالجهة التقديم) عند الاختلاف في الجهة المقدم يُسقط ما بعد، أي فالتقديم في الأرث بالجهة عند الاختلاف فيها (ثم) - للترتيب هذه مراده - ثم إن حصل اتفاق في الجهة (بقربه) يعني بقرب العاصب - الضمير هنا معلوم من المقام - (بقربه) أي ثم التقديم بقرب العاصب في الدرجة عند الاختلاف فيها، فإن استووا حينئذٍ نأتي إلى الحالة الثالثة (وبعدهما) يعني بعد الجهة والقرب (اجعلن التقديم بالقوة) عند الاختلاف فيها التقديم هذا مفعول ويش إعرابه؟ (اجعلن التقديم) مفعول لأجله؟ تنصب مفعولين، اين الأول وأين الثاني؟ اجعل أنت هذا فاعل، .. نون التوكيد نعم .. اجعلن التقديم بالقوة، بالقوة هو المفعول الثاني متعلق بمحذوف، والتقديم هو المفعول الأول، (اجعلن التقديم بالقوة) يعني عند الاختلاف فيها.

وحاصل القاعدة: أنه عند الاختلاف في الجهة كما لو اجتمع ابن وأخ يقدم بالجهة، وعند الاتحاد فيها مع الاختلاف في الدرجة كما لو اجتمع ابن وابنه يقدم بقرب الدرجة، وعند الاتحاد في الجهة والدرجة مع الاختلاف في القوة كما لو اجتمع أخ شقيق وأخ لأب يقدم بالقوة على ما ذكرناه سابقًا.

فبالجهة التقديم ثم بقربه

وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا

الناظم رحمه الله تعالى أشار إلى هذه المراتب الثلاثة بالجهة أولاً، ثم القرب، ثم القوة، لكن الشارح لم يرض بأنه أتى بالأحوال الثلاثة أو المراتب الثلاث، قال: وذكر المصنف بعضها الذي هو التقديم بالدرجة، وهذا بناءً على خلافهم في هذا البيت، هل المراد به الدرجة فقط أو الدرجة والجهة. من قال بأن المراد بهذا البيت الدرجة فقط كالشارح حينئذٍ ترك الجهة، ومن حمله على الجهة والدرجة حينئذٍ لم يترك شيئًا من الأحوال الثلاثة. على كلٍّ اختلاف لفظي:

وَمَا لِذِي الْبُعْدَى مَعَ الْقَرِيبِ

في الإِرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلَا نَصِيبِ

(وَمَا لِذِي) وما هذه نافية ملغاة، يعني لا تعمل عمل ليس هي ملغاة، لأن الخبر تقدم على اسمها، وقوله:(مِنْ حَظٍّ). وما حظ من هذه زائدة، و (حَظٍّ) بالجر هذا مبتدأ، أليس كذلك؟

مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهروها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائدة، و (مِنْ) هذه للتنصيص تنصيص في العموم، والعموم مفهوم من كون النكرة في سياق النفي، زيدت من لتنصيص على العموم، كقوله تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]. خالق هذا مبتدأ، لكنه مجرور في اللفظ ومن هذه زائدة، سمها صله سمها توكيد .. إلى آخر ما نذكره دائمًا. إذًا (ما) هذه نافية ملغاة لأن الخبر هنا تقدم على اسمها حينئذٍ تكون ملغاة، (وَمَا الذِي الْبُعْدَى) يعني (وَمَا الذِي الْبُعْدَى) وما لدرجة البعدى مع الدرجة القريبة في الإرث من حظ ولا نصيب، واضج؟

ص: 11

وما لذي الجهة البعدى من الجهة القريبة في الإرث من حظ ولا نصيب، إذًا الجهة القريبة تُسقط الجهة البعيدة، والدرجة القريبة تُسقط الدرجة البعيدة، وهذا الذي عناه بهذا البيت كما ذكرناه (وَمَا الذِي) يعني لصاحب الدرجة البعدى وإن كانا في الدرجة البعدى قوية فلا ينظر حينئذٍ للقوة، يعني لا ينظر إلى ما بعده مع الوارث القريب، مع هذا حال متعلق بمحذوف حال، حال كونه مع القريب - يعني مع الوارث القريب فهو صفة لموصوف محذوف - (الْقَرِيبِ) درجة أو جهة، يحتمل النوعين، والبعدى يحتمل الجهة والدرجة، و (في الإِرْثِ) يعني في الموروث (مِنْ حَظٍّ) عرفنا إعرابه (وَلا نَصِيبِ)، النصيب هو الحظ والعطف هنا عطف تفسير. إذًا مراده بهذا البيت أنه يُقدم بالجهة القربى على ما كان في الجهة البعدى، وكذلك الدرجة القربى مقدمة على الدرجة البعدى، على ما ذكرناه في البيت السابق. (وَمَا الذِي) الدرجة (وَمَا الذِي) قلنا: هذا خبر مقدم، والأولى جعله شاملاً للجهة أيضًا لأن الشارح هنا قيده بالدرجة، (وَمَا الذِي) الدرجة (الْبُعْدَى) مع الدرجة الوارث القريب في الإرث من حظ ولا نصيب. إذًا أسقط الجهة والأولى جعله شاملاً للجهة أيضًا وقصره الشارح على الدرجة لأن القربى والبعدى في الاصطلاح إنما يقال في درجات جهة واحدة، نعم هو هذا، البعدى والقريب والقربى هذا الوصف إنما يتعلق بالدرجات في اصطلاح الفرضيين، إما أن ننظر إلى الاصطلاح، وإما أن ننظر إلى المعنى اللغوي، إذا نظرنا إلى الاصطلاح حينئذٍ خصصنا البيت بالدرجة، وإذا نظرنا إلى المعنى اللغوي عممنا حينئذٍ من أجل تعميم الفائدة هنا ننظر إلى المعنى اللغوي فنقول:(وَمَا الذِي الْبُعْدَى) جهة أو درجة (مَعَ الْقَرِيبِ) درجة أو جهة (في الإِرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلَا نَصِيبِ) لحجبه بالأقرب منه درجة، وإن كان الأقرب درجة ضعيفًا، مثل ماذا؟ ابن أخ لأب، وابن وابن أخ شقيق الجهة متحدة، أليس كذلك؟ والقوة مختلفة، لكن أيهما أقرب درجة؟ ابن أخ لأب أقرب درجة من ابن ابن أخ شقيق يحجبه أو لا؟ يحجبه، ولو كان الثاني أقوى من الأول؟ ولو كان الثاني أقوى من الأول، لماذا؟ لأن المراعاة هنا للجهة أولاً، ثم للدرجة، ثم للقوة.

ص: 12

فمن كان أقرب درجة من الميت حجب من بعده ولو كان المحجوب أقوى من الأول، كالمثال الذي ذكره الشارح ابن أخ لأب مع ابن ابن أخ شقيق استويا في الجهة، فالجهة واحدة، إذًا اتحدت جمعتهم ننتقل إلى الثاني وهو الدرجة، بقطع النظر عن القوة، فنقول: درجة ابن أخ لأب أقرب من درجة ابن ابن أخ شقيق، حينئذٍ الثاني ليس له شيء ولو كان أقوى إجماعًا، وهذا محل إجماع، لكونه أبعد منه درجة وإن كان أقوى من الأول، وكابن وابن ابن، الأول يحجب الثاني، اشتركا في الجهة واختلفا في الدرجة، وأيهما أقوى؟ الابن أقوى من ابن الابن، وإن لم يدل به، وكأب وجدّ، الأب يحجب الجد، لأنه أقرب من الجد، وكابن أخ شقيق وابن ابن أخ شقيق أو لأب، ابن أخ شقيق وابن ابن أخ شقيق استويا في الجهة وفي القوة واختلفا في الدرجة، إذًا يقدم الأقرب على الأبعد، وكعم شقيق أو لأب وابن عم شقيق أو لأب، العلم الشقيق مقدم على ابن العم سواء كان شقيقًا أو غيره، لو عندنا عم لأب وابن عم شقيق أيها أقوى؟ الثاني ابن عم شقيق هذا أقوى من الأول لكن يحجبه؟ لا، فعم لأب يحجب ابن العم الشقيق ولو كان الثاني المحجوب أقوى من الأول، فلا شيء للثاني مع الأول في جميع الصور.

وَالأَخُ وَالْعَمُّ لأُمٍّ وَأَبِ

أَوْلَى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ

ص: 13

هذا الشروع في التقديم بالقوة مع الاتحاد في الجهة والدرجة، (وَالأَخُ) لأم وأب (وَالْعَمُّ) لأم وأب، فقوله:(لأُمٍّ وَأَبِ) قيد للاثنين (وَالأَخُ) لأم وأب يعني الشقيق (والعلم) الأم والأب (أَوْلَى) يعني أحق (مِنَ الْمُدْلِي) بالميت (بِشَطْرِ النَّسَبِ) يعني بنصف النسب من العصبات فلا يرد الأخ لأم، لأنه خرج بما سبق. إذًا العم الشقيق أوى من العم لأب مقدم عليه، والأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب باعتبار ماذا؟ باعتبار القوة لأن الأول أقوى من الثاني، والمارد بالقوة والضعف هنا من كان ذا قرابتين من جهتين أقوى ممن كان بشطر النسب، فالثاني الذي عبر عنه الناظم بشطر النسب المراد به نصف النسب، وهذا لا يرد الأم وإن كان ظاهر العبارة يرد الأخ لأم يصدق عليه بأنه مدلي بشطر النسب لأنه من جهة الأم، لكن هذا كما ذكرنا سابقًا خرج بقوله:(بَابُ التَّعْصِيب). والذي يُذكر هنا هم العصبة، كلام المصنف يقتضي أن المدلي بشطر النسب له حق وليس كذلك لأنه لا حق له بالكلية مع المدلي بالجهتين، ولذلك قيل أفعل التفضيل على غير بابها (أَوْلَى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ) إذًا يشتركان من باب زيد أعلم من عمرو، كلٌّ منهما عنده علم إلا أن هذا أكثر من هذا، فقوله:(أَوْلَى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ). إذا جعلنا أفعل التفضيل على بابها حينئذٍ يرث المدلي بشطر النسب وليس مراد، وهذا من التنطع في اللفظ فقط، لأنه لا حق له بالكلية مع المدلي بالجهتين، ولذلك قيل أفعل التفصيل على غير بابها، لكن يرد عليه قول من قال: إن أفعل التفضيل متى اقترن بمن لا يكون إلا على بابه. على كلٍّ من أدلى بشطر النسب إذا وُجِدَ مع من أدلى بالشطرين لاحظ له بالإجماع، وهذا من باب التدقيق كما ذكرناه. (وَالأَخُ وَالْعَمُّ لأُمٍّ وَأَبِ)، (أَوْلَى) يعني أحق (مِنَ الْمُدْلِي) للميت (بِشَطْرِ النَّسَبِ)، (وَالْعَمُّ لأُمٍّ وَأَبِ). قال الشارح: وابن الأخ لأم وأب، وابن العم لأم وأب بمعنى أن الحكم في الأخ الشقيق كذلك الحكم لابنه، والحكم في العم الشقيق كذلك الحكم لابنه، فإذا اجتمع ابن أخ شقيق مع ابن عم شقيق حينئذٍ الأول مقدم على الثاني، هكذا؟ ابن أخ الشقيق مع ابن أخ لأب، ابن الأخ الشقيق مقدم، طيب ابن عم شقيق مع ابن عم لأب الأول، أما ابن العم الشقيق مع ابن الأخ الشقيق حينئذٍ ابن الأخ مقدم لأن الأخوة مقدمة على العمومة فالجهة مقدمة هنا، (أَوْلَى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ) وهو الأخ لأب في الأولى، والعم لأب في الثانية .. إلى آخر ما ذكره. قال هنا تلخيصًا لما سبق: إذا علمت ذلك فإذا اجتمع عاصبان فمن كانت جهته مقدمة يعني عند الاختلاف في الجهة فهو مقدم وإن بعد، يعني فلا ينظر لقرب ولا بعد بل للجهة عند الاختلاف فيها، إن اتحدا في الجهة نظرنا إلى الدرجة والقوة، وأما إن حصل اختلاف في الجهة فالنظر حينئذٍ يكون للجهة لا نلتفت إلى درجة ولا إلى قوة، وإنما النظر يكون للجهة، إن اختلفا في الجهة فالحكم بالجهة، فمن كانت جهته مقدمة حجب من بعده.

ص: 14

ولذلك قال هنا: فإذا اجتمع عاصبان فمن كانت جهته مقدمة عند الاختلاف في الجهة فهو مقدم وإن بَعُدَ على من كانت جهته مؤخرة، فلا ينظر لقرب ولا بعد بل للجهة عند الاختلاف فيها، فابن ابن ابن أخ شقيق أو [لأب] مقدم على العم لأن جهة الأخوة مطلقًا والبنوة مقدمة على العمومة، فحينئذٍ كل اختلاف في الجهة أخ أو ابن أخ شقيق أو لأب مقدم على العم بجميع تفاصيله شقيق لأب ابن عم شقيق ابن عم لأب مقدم لماذا؟ لكون جهة الأخوة وبني الأخوة هذه مقدمة على العمومة وبنيها، فإن اتحدت جهتهما حينئذٍ نظرنا إلى الدرجة فالقريب درجة أي عند الاختلاف في الدرجة وإن كان ضعيفًا وإن كان القريب من جهة الدرجة ضعيفًا في القرابة كما ذكرناه مقدم على البعيد من جهة الدرجة وإن كان قويًّا، يعني لا يلتفت إلى القوة لو قال: من كان أقربهم درجة مقدم على البعيد مطلقًا سواء كان البعيد ضعيفًا أو قويًّا فلا نظر إلى القوة، فإن اتحدت درجتها أيضًا كما اتحدت جهتهما، فالقوي وهو ذو القرابتين كما الأخ الشقيق وابنه، مقدم على الضعيف وهو ذو القرابة الواحدة. سماه ضعيفًا لأنه لا يفعل شيء مع ذاك هو ضعيف، مقدم على الضعيف وهو ذو القرابة الواحدة كما سبق تمثيله، وذلك معنى قوله .. إلى آخره.

بعبارة أخرى وبقاعدة أخرى تضبط لك المسألة نقول: إذا اجتمع عاصبان فأكثر فلهما حالات:

- فتارة يستويان.

- أو يستوون في الجهة والدرجة والقوة. وحينئذٍ يشتركان أو يشتركون في المال أو فيما أبقت الفروض.

- وتارة يختلفان أو يختلفون في الجهة والدرجة والقوة فيُسقط بعضهم بعضًا، وذلك مبني على أصلين يعني كل ما سبق مبني على أصلين:

الأول: أن كل من أدلى إلى الميت بواسطة حجبته تلك الواسطة. فابن الأخ الشقيق أو لأب لا يرث مع الأخ الشقيق أو الأخ لأب، لماذا؟ لأن ابن الأخ الشقيق أدلى بالأخ الشقيق فلا يرث معه، وكذلك ابن الأخ لأب لا يرث مع الأخ لأب، ابن الأخ لأب لا يرث مع الأخ لأب، لماذا؟ لأنه أدلى به يعني هو الواسطة بينه وبين الميت، وابن الابن وإن نزل لا يرث مع الابن وهكذا .. كل من أدلى إلى الميت بواسطة حجبته تلك الواسطة إلا ولد الأم بالاتفاق وليس بوارد هنا لأن الكلام هنا في العصبات، والجدة لأب فإنها ترث عند الإمام أحمد مع الأب والجد أيضًا كما ذكرناه سابقًا.

الأصل الثاني: إذا اجتمع عاصبان فأكثر قُدِّمَ من كانت جهته مقدمة وإن تراخى على من كانت جهته مؤخرة، فابن الابن وإن نزل مثلاً مقدم على الأب، فلولا أن له فرضًا لسقط، هذا الذي ذكرناه. الابن مقدم على الأب يحجبه هذا الأصل، لكن الأب له فرض فإذا حجبه من جهة التعصيب رجع إلى الفرض فلا يسقط، لولا أن له فرضًا لسقط فإن كانوا أو كانا من جهة واحدة فالقريب وإن كان ضعيفًا مقدم على البعيد وإن كن قويًّا، فابن الأخ لأب مقدم على ابن ابن الأخ الشقيق لأنه أقرب درجة، وإن تساويا أو تساووا في القرب فالقوي مقدم على الضعيف، فالأخ الشقيق مقدم على الأخ من الأب، والقوي هو ذو القربتين، والضعيف هو ذو القرابة الواحدة كما ذكرناه في البيت الذي سبق.

ص: 15

ثم قال الناظم أو المصنف منبهًا لقاعدة هذه القاعدة هي في العصبات قد تأتي في أصحاب الفروض، يعني ليس خاصة بالعصبات، بل قد تأتي في أصحاب الفروض فقط، فحينئذٍ يقدم فيهم بالجهة، ثم بالقرب، ثم بالقوة. يعني على ما سبق فمثال التقديم فيهم بالجهة تقديم البنت أو بنت الابن على ولد الأم، هذا تقديم بالجهة، البنت أو بنت الابن على ولد الأم، ومثال التقديم فيه بالقرب تقديم البنتين على بنتي ابن لم يعصبا، ومثال التقديم فيه بالقوة تقديم الأختين الشقيقتين على الأختين لأب لم يعصبا، أما إذا عصبا حينئذٍ انتقل إلى النوع الثاني العصبة بالغير أو مع الغير. إذًا هذه القاعدة وهي التقديم بالجهة ثم بالدرجة بالقوة توجد بين العصبات، كذلك توجد بين أصحاب الفروض فقط، وفي أصحاب الفروض مع العصبات كذلك حينئذٍ تكون معه كما قال هنا: أي فيقدم فيهم بالجهة، ثم بالقرب، ثم بالقوة، فمثال التقديم بالجهة تقديم لأب أو الجد على الأخوة لأم، ومثال التقديم بالقرب تقديم الابن على بنت الابن، ومثال التقديم بالقوة تقديم الأخ الشقيق على الأخ لأب.

إذًا إذا تأملت هذه كلها لا تختلف عن المسائل السابقة وعليها - يعني على هذه القاعدة مع قاعدة أخرى ينبني باب الحجب - باب الحجب الآتي ينبني على هذه القاعدة يعني أصحاب الجهة مقدمة على الدرجة مقدمة على القوة أن كلّ من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة إلا ولد الأم، ينبني باب الحجب على هذه القاعدة مع القاعدة السابقة، كل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة إلا ولد الأم، أي كابن الابن مع الابن، وكأم الأم مع الأم فلا فرق بين أن يكون كل من المدلي والمدلى به عصبة أو صاحب فرض أو صاحب فرض مع عصبته. إذًا قواعد عامة هذه ليست خاصة بباب التعصيب هذا المراد، يعني تطبق في باب التعصيب وهي كذلك في باب الفروض، وهي كذلك في باب الحجب.

ثم قال: ولما أنهى الكلام عن القسم الأول من العصبة انتقل إلى النوع الثاني وهو العصبة بالغير. ثم قال:

وَالاِبْنُ وَالأَخُ مَعَ الإِنَاثِ

يُعَصِّبَانِهِنَّ في الْمِيرَاثِ

(وَالاِبْنُ) ومثله ابن الابن مع الإناث يعصبانهن في الميراث، (وَالأَخُ) مع الإناث يعصبانهن في الميراث، هذا النوع الثاني وهو المسمى العصبة بالغير، والعاصب بغيره كل أنثى عصبها ذكر، هكذا أضبطها الفرضيون كل أنثى عصبها ذكر. إذًا لا يتصور فيه الإنفراد، وهذا كما ضبطه بعضهم بأنه خاص بذوات النصف والثلثين.

ص: 16

والعصبة بالغير أربعة كما سيأتي (وَالاِبْنُ) ومثله ابن الابن هكذا قال الشارح، ومثله ابن الابن دليل على أنه لم يدخله فيه حقيقة، وقيل إنه يدخل فيه مجازًا، فالابن يشمل الابن الصلب ويشمل ابن ابنه كذلك، لكن دخوله فيه إما من جهة اللغة أو من جهة القياس، ومن جهة اللغة إما حقيقة أو مجازًا على خلاف ذكرناه فيما سبق. لكن ذاك الخلاف في الولد أليس كذلك؟ هل يشمل ولد الولد أو لا؟ أما الابن هنا هذا قال مثله ابن الابن، حمل الابن على الابن الحقيقي، ويحتمل أن المصنف أراد ما يشمل الابن المجازي وهو ابن الابن، والأخ شقيقًا كان أو لأب، لأن الأخ لأم لا يرد هنا (مَعَ الإِنَاثِ) حال كونهما الابن والأخ مع الإناث، يعني ابن مع أنثى، وأخ شقيق مع أنثى. وقوله:(الإِنَاثِ). (أل) هذه للجنس حينئذٍ تصدق بالواحدة والمتعددة (مَعَ الإِنَاثِ) الواحدة فأكثر المساوية أو المساويات للذكر في الدرجة والقوة والجهة أيضًا، يعني قد تكون هذه الأنثى مساوية للابن أو مختلفة معه، ولذلك قال: المساوية والمساويات للذكر في الدرجة والقوة والجهة أيضًا، إن وجد هذا القيد بكون هذا الأخ وهذا الابن مساوٍ للأنثى في هذه الأحوال الثلاثة الدرجة والجهة - واضحة - والقوة حينئذٍ يعصبها، فلا ترث بالنصف ولا ترث بالثلث، وإنما تحال إل النوع الثاني وهو التعصيب.

(يُعَصِّبَانِهِنَّ في الْمِيرَاثِ) فتكون الأنثى منهن مع الذكر المساوي لها عصبة بالغير. انظر هنا قول الشارح: أو المساويات للذكر. لم يقل للأخ لأن المعصب قد يكون غير أخ، المعصب قد يكون ابن الابن، ابن العم ولذلك قال: للذكر ولم يقل للأخ. إذًا العصبة بالغير أربعة أنواع، العصبة بالغير يعني بواسطة الغير ليس بالنفس، يعني ذاك الابن يعصب نفسه بنفسه يرث الباقي أو يرث كل المال ليس معه أحد، فلا يشترط لإرثه بالعصبة أن يكون معه غيره واضح هذا؟ العصبة بالنفس يعني بذاته دون اشتراط آخر يكون معه، وأما بالغير فلا بد عن غيره، وشرط في الغير أن يكون معينًا ليس على إطلاقه. إذًا العصبة بالغير أربعة:

ص: 17

ذوات النصف والثلثين، البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب. كل واحدة منهن مع أخيها يعني إن وجد بنت مع أخيها عصبها لا ترث النصف وإنما ترث بالتعصيب {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فالبنت بنت الصلب واحدة فأكثر تعصب بالابن واحد فأكثر لقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. حينئذٍ يرث بالتعصيب، إذًا البنت يعصبها أخوها الذي يكون في درجتها، وبنت الابن فأكثر يعني واحدة فأكثر بابن الابن فأكثر سواء كان أخاها وابن عمها المساوي لها في الدرجة أو النازل عنها إذا احتاجت إليه يعني لولا لسقطت كما سيأتي في الحجب، وذلك كما لو أخذت بنات الصلب الثلثين، فإن وجدت بنت الابن سقطت، لكن ولو وجد أخوها عَصَّبَهَا، يعني لو عندنا بنات الابن ثلاث فأكثر، ثنتين فأكثر على قول الجمهور حينئذٍ أخذن الثلثين، وبنت الابن تسقط ليس لها شيء، لأنها إنما ترث السدس تكملة للثلثين، وهذا إنما تأخذه مع البنت إذا أخذت النصف تأخذ السدس تكملة للثلثين، لكن لو وجد جمع وأخذن الثلثين سقطت إلا إذا وجد أخوها، ويسمى الأخ المبارك، يعني لولاه لسقطت فجاءه هو حظ ونصيب وكذلك من على أخته بحظ ونصيب من المال. إذًا بنت الابن هذه واحدة فأكثر بابن الابن فأكثر سواء كان أخها أو ابن عمها المساوي لها في درجة أو النازل عنها إذ احتاجت إليه، يعني لولاه لسقطت. والأخت الشقيقة فأكثر بالأخ الشقيق فأكثر. لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]. ولا يعصب الأخ من الأب الأخت الشقيقة يعني الأخت الشقيقة والأخ لأب كل منهما يعصب الآخر لكن الأخت الشقيقة لا يعصبها الأخ لأب إجماعًا لأنه لا يساويها في النسب لكونها أقوى منه، والأخت لأب فأكثر بالأخ لأب فأكثر للآية المتقدمة.

إذًا كل واحد من هذه الأنواع الأربعة البنت وهي صاحبة النصف، وبنت الابن كذلك، والأخت الشقيقة، والأخت لأب كل واحدة منهن مع أخيها إن وجد أخوها عصبها فلا ترث بالفرض، وإنما تنتقل إلى التعصب. إذًا العصبة بالغير أربعة أنواع:

البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب.

ص: 18

كل واحدة منهن مع أخيها الموازي المساوي لها في الدرجة، وتزيد بنت الابن عليهن يعني كونها يعصبها أخوها بأنه يعصبها ابن ابن في درجتها، والمراد بابن الابن هنا في كلام الشارح ابن عمها المراد به ابن العم، لأنها ماذا؟ بنت الابن ابن الابن أخوها، لو جعل على ظاهرة، ابن الابن وهي بنت ابن إذًا صار أخاها، وهو يقول: تزيد على البقية بأنه يعصبها مع كون أخيها يعصبها، حينئذٍ تزيد بابن الابن وهو ليس كذلك صار تكرارًا، وإنما مراده بابن الابن هنا ابن عمها فقوله: وتزيد بنت الابن عليهن في التعصيب بالغير بأنه يعصبها ابن ابن في درجتها بأن كان ابن عمها لأنه هو الذي تزيد بتعصيبه على الباقي، وأما إن كان أخاها فقد تقدم ولا تزيد به. مطلقًا سواء كان لها شيء من الثلثين أو لا، ويُعَصِّبُها ابن ابن أنزل منها بأن كانت عمته أو عمة أبيه أو جدة إذا لم يكن لها شيء من الثلثين، وتزيد الأخت الشقيقة يعني في التعصيب بالغير يعصبها أخوها الأخ الشقيق، وتزيد الأخت الشقيقة وكذلك الأخت لأب مع كون الشقيقة يُعَصِّبُها أخوها الشقيق والأخت لأب يعصبها أخوها الأخ الأب كذلك يعصب الثنتين الجدّ كما سيأتي في باب الجد والإخوة، لأنه بمنزلة الأخ في الإدلاء بالأب. وهذا سيأتي كذلك في .. .

قال الشارح: والأصل في ذلك، يعني الدليل على ذلك كله العصبة بالغير البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب كل واحدة منهن مع أخيها وتزيد بنت الابن بابن عمها وتزيد الأخت الشقيقة أو لأب بأن يعصبها الجد الدليل على ذلك كله قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . هذا دليل لتعصيب الابن فأكثر البنت فأكثر وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . هذا دليل لتعصيب الأخ فأكثر الأخت فأكثر، الأول الابن وبنت الابن، والثاني الأخت فأكثر الأخ فأكثر، وقياس أولاد الابن على أولاد الصلب هذا دليل لتعصيب ابن الابن فأكثر بنت الابن فأكثر. على كلٍّ المسألة هذه كلها مجمع عليها كلها محل وفاق.

ثم انتقل إلى بيان النوع الثالث وهو العصبة مع الغير. وقيل بأن هذا اصطلاح عصبة بغير وعصبة مع غير مجرد اصطلاح فقط للتفريق، وإلا يقال بأن العصبة بغير إناث ويعدون بالأربعة، وكذلك يقال العصبة مع الغير وهما صنفان كذلك من الإناث، وهذا من المزايا بين النوعين، العاصب بنفسه لا يكون إلا ذكرًا، والعاصب مع الغير أو بالغير لا يكون إلا أنثى.

ص: 19

والعاصب مع الغير ضبطوه كل أنثى تصير عصبة باجتماعها مع أخرى، وهذا نوعان العصبة مع الغير صنفان نوعان فقط، وهما الأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر، أخت شقيقة فأكثر يعني ثنتين فأكثر، والأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر. وهذا الذي عناه الناظم بقوله:(وَالأَخَوَاتُ). مطلقًا شقائق أو لأب (إِنْ تَكُنْ بَنَاتُ) إن وجد بنات فهن معهن مُعَصَّبَات، حينئذٍ لا ترث البنت النصف ولا ترث السدس، وكذلك الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقائق لا يأخذن النصف ولا يأخذن الثلثين بل ينتقلن إلى الإرث بالتعصيب. (وَالأَخَوَاتُ) هذا مبتدأ قوله:(إِنْ تَكُنْ). إن شرطية وتكن هذه تامة بمعنى توجد (بَنَاتُ) يعني جنس البنات ليس الجمع شرطًا هنا بل بنتًا واحدة فأكثر (فَهُنَّ) الفاء واقعة في جواب الشرط هن (مَعْهُنَّ) الضمير الأول يعود إلى الأخوات، والضمير الثاني معهن يعود على البنات (مُعَصَّبَاتُ) بفتح الصاد حينئذٍ يكون ذكر الأخوات أولاً ثم البنات ثم ذكر ضميرين أعاد الضمير الأول للأول والثاني للثاني، لف ونشر مرتب [نعم أحسنت] ويجوز أن يكون قوله:

(فَهُنَّ) أي البنات (مَعْهُنَّ) أي الأخوات (مُعَصَّبَاتُ) بالكسر حينئذٍ يكون فيه لف ونشر مشوش ليس مرتبًا.

ص: 20

إذًا قوله: والعصبة مع الغير وهو اثنان فقط يعني باعتبار كون الأخوات الشقيقات أو لأب وهو الذي عناه الناظر بقوله: (وَالأَخَوَاتُ) أي جنس الأخوات الصادق بالواحدة فأكثر وأطلق الناظم هنا الأخوات فشمل الشقيقات أو لأب، والمراد كما ذكرنا الواحدة فأكثر (إِنْ تَكُنْ) يعني توجد بالإسكان (بَنَاتُ) واحدة فأكثر، أو بنات ابن كذلك واحدة فأكثر (فَهُنَّ) أي الأخوات، (مَعْهُنَّ) أي البنات هكذا فسرها الشارح ويجوز العكس (مُعَصَّبَاتُ) بفتح الصاد وهذا معنى قول الفرضيين الأخوات مع البنات، فحينئذٍ لا فرض البتة. (وَالأَخَوَاتُ) أي جنس الأخوات الصادق بالواحدة مع جنس البنات الصادق بالواحدة عصبة والأصل في ذلك الدليل حديث ابن مسعود وهذا سبق معنا هناك رضي الله عنه السابق في باب السدس حيث قال:(وما بقي فلا أخت). فدل ذلك على أنها عصبة لأن الذي يرث الباقي هو العصبة (أَوْ كَانَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَهْ) قلنا: هذا حكم وبه يميز العاصب عن غيره، وأما الذي يرث بالتحديد سدس ثلث

الخ فهذا فرض، وأما إذا قيل: والباقي للأب. حينئذٍ ورث الأب بالتعصيب فما بقي فللأخت دل ذلك على أنها عصبة، وهذا بشرط ألا يكون مع الأخت أخوها إن كان معهم حينئذٍ انتقلت إلى العصبة بالغير. أخت شقيقة أخت أخ شقيق حينئذٍ يُعَصِّب الأخ الشقيق أخته {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا بشرط أن لا يكون مع الأخت أخوها، فإن كان معها أخوها فهو عصبة بالغير لا مع الغير، لأن الأخ أقوى من البنت فيعصب أخته. قال هنا تتمةَ: حيث صارت الأخت الشقيقة عصبة مع الغير بأن كانت مع البنت أو بنت الابن، متى تكون الأخت الشقيقة عصبة مع الغير؟ إذا اجتمعت في مسألة مع البنت أو مع بنت الابن، صارت كالأخ الشقيق يعني بمنزلته، فحينئذٍ الأخ الشقيق يحجب، وكذلك الأخت الشقيقة صارت بمنزلته فتحجب ما يحجب الأخ الشقيق، ولذلك قال هنا: فتحجب الإخوة لأب ذكورًا كانوا أو إناثًا، إذًا الأخت الشقيقة إذا ورثت تعصيبًا مع الغير بأن وجد معها بنت أو بنت ابن حينئذٍ حجبت الإخوة للأب ذكورًا كانوا أو إناثًا، لأنها بمنزلة الأخ الشقيق والأخ الشقيق يحجب الإخوة لأب. ومن بعدهم من العصبات كبني الإخوة والأعمام وبينهم يعني لأنه جهته مقدمة على جهة من بعده، وحيث صارت الأخت للأب عصبة مع الغير صارت كالأخ لأب، متى تكون عصبة مع الغير الأخت لأب؟ إذا كانت مع بنت أو بنت ابن صارت عصبة بالغير، كذلك تعامل معاملة الأخ .. لا، صارت بمنزلة الأخ للأب، نحن الآن نتحدث عن الأخت للأب، إذا ورثت بالتعصيب مع الغير بأن وجدت مع بنت أو بنت ابن حينئذٍ صارت بمنزلة الأخ لأب ليس الأخ الشقيق، فتحجب بني الإخوة ومن بعدهم من العصبات كالأعمام وبني الأعمام، هذا ما يتعلق بالنوع الثالث، وهو العصبة مع الغير، وهو صنفان: الأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت ابن فأكثر.

ثم قال:

وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرًّا عَصَبَهْ

إِلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ

ص: 21

يعني لما فهم مما سبق أن جميع الذكور عصبات إلا الزوج والأخ لأم، وهو لم يذكر الزوج وإنما ذكر المصنف بالتمثيل لم يذكر إلا ذكرًا، كالأب والجد وجد الجدّ والابن عند القرب والبعد، الخ لم يذكر إناثًا هل يفهم منه بكونه لم يذكر أنثى أن التعصيب مقصور على الذكور فقط؟

لا، لا يفهم منه، قد يفهم منه حينئذٍ احتاج على أن ينص على النساء قد يكن فيهن من ترث بالتعصيب، لما فهم مما سبق أن جميع الذكور بذكر المصنف لهم بالتمثيل للعاصب إلا الزوج والأخ لأم فليس عصبة لذكر المصنف لهما في أصحاب الفروض مع كونه لم يذكر الزوج في باب التعصيب وأن جميع النساء صاحبات فرض إلا المعتِقة فهي عصبة لذكر المصنف لهن في أصحاب الفروض مع كونه عد في التعصيب الذكور فقط يعني يفهم من عد الذكور فقط أن النساء كلهن أصحاب فروض، وليس الأمر كذلك لأن المعتقة صاحبة تعصيب صرح بذلك في النساء فقال:

(وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرًّا عَصَبَهْ ** - طُرًّا طَرًّا - إِلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ)

(وَلَيْسَ في النِّسَاءِ) النساء هذا اسم جمع لا واحد له من لفظه له واحد من معناه وهو امرأة و (في) هنا بمعنى من (وَلَيْسَ في النِّسَاءِ) ليس من النساء، كلهن (طُرًّا)، طَرًّا بفتح الطاء يكون مفعول مطلعًا عامله محذوف يقدر من المعنى لأن طَرًّا بمعنى قطعًا، أقطع قطعًا، حينئذٍ صار مفعولاً مطلقًا، والعامل محذوف يقدر من المعنى، أي أقطع بذلك قطعًا يعني بلا خلاف، وبضمها (طُرًّا) فهي حال في اللفظ توكيد في المعنى فكأنه قال في النساء: جميعهن طُرًّا بمعنى جميعًا (طَرًّا) بمعنى قطعًا ففرق بينهما، وبضمها أي جميعها، (وَلَيْسَ في النِّسَاءِ - طُرًّا، طرًّا عَصَبَهْ يعني بنفسها، أما مع الغير وبالغير فهو كما سبق (إِلا الَّتِي مَنَّتْ) إلا الأنثى (الَّتِي) التي صفة لموصوف محذوف، إلا الأنثى (الَّتِي مَنَّتْ) من المن وهو الإنعام، يعني أنعمت بعتق الرقبة، أي الذات ليست الرقبة فقط وإنما هو من إطلاق الجزء مرادًا به الكل، فهو مجاز مرسل علاقته الجزئية والكلية، (إِلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ)، أي: أنعمت بعتق الرقبة الرقيقة من ذكر أو أنثى، فهي عصبة للعتيق لثبوت الولاء عليه بالمباشرة، ولمن انتهى إليه بنسب أو ولاء على تفصيل مذكور في الولاء، وسيأتي بعضه في آخر الباب. نص الشارح هنا على أقسام الورثة الأربعة.

الورثة أربعة أقسام:

1 -

قسم يرث بالفرض وحده من الجهة التي ينتمي بها وهو سبعة: الأم، وولداها، والجدتان، والزوجان.

2 -

قسم يرث بالتعصيب وحده كذلك، وهم جميع العصبة بالنفس غير الأب والجد.

3 -

وقسم يرث بالفرض مرة، وبالتعصيب أخرى، ولا يجمع بينهما مرة، وهن ذوات النصف والثلثين. كما سلف.

4 -

وقسم يرث بالفرض مرة، وبالتعصيب مرة ويجمع بينهما مرة وهو الأب والجد. وقد سبق شرحه في أول أصحاب الفروض.

والله أعلم وصلِّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 22