الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* باب الجد والأخوة.
* أحوال الجد مع الأخوة.
* حال الأخوة بعد مقاسمة الجد.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى:
(بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) بعد ما أنهى ما تعلق بأصحاب الفروض، وكذلك التعصيب، ثم أتبعه بالحجب، ثم أتبعه بالمشرِّكة أو المشرَّكة عقد بابًا فيما يتعلق بالجد والإخوة.
وقد ذكر بعضهم أن هذا الباب متعلق بالحجب، وإنما لكثرة مسائله أفرده الفرضيون بباب خاص به.
قال رحمه الله تعالى: (بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) أي بابُ بيان أحكامهما مجتمعين، أحكام الجد والإخوة مجتمعين، وأما على جهة الإنفراد فهذا سبق بحثه في
…
، أما بالنسبة للإخوة فسبق في باب الثلث، وسبق كذلك في باب السدس فيما إذا انفرد، وأما الجد فهذا سبق كذلك في باب السدس وفي باب التعصيب.
(بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) أي باب بيان أحكامهما مجتمعين، والجد هنا إذا أُطلق فينصرف إلى الجد الصحيح، يعني احترازًا عن الجد الفاسد، الجد الصحيح وهذا كما سبق الذي يُطلق في باب الفرائض لأنه هو الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية وهو الجد الصحيح، وأما الجد الفاسد فهو كالجدة الفاسدة ليست بداخلة في الأحكام. حينئذٍ لما قال الناظم:(الجدّ) علمنا أن المراد به الجد الصحيح وإن علا، وهو حقيقة في الجد الأدنى الذي هو أبو الأب، ومجازًا في غيره أبو أبي الأب فهذا يعتبر مجازًا فيه، فإن قيل بالحقيقة فهذا هو الأصل، إن قيل بأنه حقيقة في الجد الذي هو أبو الأب وإن علا فنقول: هذا هو الأصل، ودعوى المجاز هذه تحتاج إلى قرينة واضحة بيِّنة ولم يكن ثمَّ قرينة صارفة، والْجَدُّ في الأصل من جَدَدّتُ الشيء إذا قطعته، ومأخذه كما قال بعضهم: أن الأب كان طرفًا للنسب فلما وُلِدَ لابنه ولدٌ خرج أبوه عن أن يكون طرفًا وصار هو الطرف فلما قُطِعَ عن ذلك سُميَ جَدًّا، بمعنى مجدودًا. هكذا قال البيجوري في الحاشية، والإخوة بكسر الهمزة الإخوة جمع أخٍ وهو جمع تكسير، والمشهور فيه كسر الهمزة، وحكى في ((شرح الفصيح)) بالضم أُخوة، والمشهورُ هو الكسر. إذًا الجد المراد به هنا هو الجدّ الصحيح وهو الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى، مثل أبي الأب.
والجد الفاسد هو ما كان في نسبته للميت أنثى، كأبي الأم، وأبي أم الأب فهذا جدٌّ يعتبر من ذوي الأرحام وليس من أرباب الفرائض. فالقاعدة كما سبق معنا مرارًا أنه متى دخل بين الذكور أنثى حينئذٍ يصير الجد فاسدًا، ومتى إذا لم تدخل أنثى فحينئذٍ يعتبر جدًّا صحيحًا مهما علت درجته وإن سمي مجازًا فيما هو أعلى، لكن الظاهر حقيقة كما ذكرناه كأبي أبي الأب، وأبي أبي أبي الأب إلى آدم عليه السلام كما قال بعضهم، هذا يُعتبر جدًّا لكنه يسمى جدًّا مجازًا لا حقيقة، وإنما الحقيقة ينصرف إلى أبي الأب.
قوله: (وَالإِخْوَة). أطلق الناظم هنا الإخوة ويشمل الثلاثة أنواع: الأشقاء، والإخوة لأب، والإخوة لأم. ولكن لما جَرَى العرف عند الفرضيين في هذا الباب بأن الإخوة لأم محجوبون بالجدِّ اتفاقًا حينئذٍ ينصرف إلى ما وُضع له هذا اللفظ في هذا المحل، والإخوة حينئذٍ لا يصدق إلا على الإخوة الأشقاء، أو من الأب فقط، لا من الأم، لأن الإخوة من الأم محجوبون بالجدّ اتفاقًا لا خلاف بين الفرضيين في أن الإخوة من الأم ذكورًا كانوا أو إناثًا متعددين أو واحدًا أنهم محجوبون بالجد كما أنهم محجوبون بالأب.
قوله: (وَالإِخْوَة). هذا يدخلُ فيه الإناث حينئذٍ يكون قد أطلق الجمع هنا جمع التكسير وأراد به التغليب، فيدخل فيه الإناث من باب التغليب.
(بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) الواو هنا للمعية كما ذكرناه أن المراد به باب الجدّ والإخوة في حال اجتماعها معًا، يعني في مسألة واحدة، وأما إذا وُجد الجدّ فقط في مسألة دون الإخوة، أو بالعكس، فلا إشكال أنه يطبق ما مضى من القواعد وليست المسألة داخلة فيما هو في بحثنا.
(بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) أي من الأبوين أو من الأب فقط، سواء كان أحد الصنفين يعني الأبوين أو من الأب فقط منهما منفردًا عن الآخر أو كانا مجتمعين يعني قد يكون مع الجد إخوة أشقاء فقط، وقد يكون مع الجد إخوة لأب فقط، وقد يكون مع الجد إخوة من الجنسين من الصنفين أشقاء ولأب، وهذا مُتصوَّرٌ ولكن له أحكام خاصة فإذا انفرد أحد نوعي أو صنفي الإخوة مع الجد فله حكم، وإذا اجتمعوا الأشقاء ولأب فهذا في الحقيقة أن الأشقاء يحجبون الإخوة لأب، لكن يشركونهم كما سيأتي في المعادة، ثم يرجعون عليهم بالحجب. ولذلك قال هنا منفردًا عن الآخر أو كانا مجتمعين، والمراد الواحد فأكثر حينئذٍ الإخوة (أل) تكون للجنس الصادق بالواحد والمتعدّي، والمراد بالواحد فأكثر من الذكور أو من الإناث أو منهما، والمراد أيضًا حكمه معهم وحكمهم معهم مجتمعين، كما قال فيما سبق:
وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي
…
مُكَمَّلَ الْبَيَانِ في الْحَالَاتِ
أما حكمه منفردًا عنهم وحكمهم منفردين عنه فقد تقدم في باب الثلث وباب السدس. ومسألة الجد والإخوة هذه مما - كما قال الشارح هنا - في حال كونهما مجتمعين لم يرد فيه شيء من كتاب ولا من سنة، يعني لم يرد نص تنصيص على أن الجد يرث مع الإخوة، أو أنه لا يرث، وإنما من أثبت أو نفى فالنظر يكون في الكتاب والسنة من حيث الاستنباط لا من حيث النص، لأنه كما سبق معنا أن دلالة النص على الحكم قد يكون بالتنصيص على الشيء نصًّا، وقد يكون بالظاهر، وقد يكون بالمنطوق، وقد يكون بالمفهوم. هل في مسألة الجد والإخوة المجتمعين نص بمعنى تعيين في الحكم الشرعي بأنهم يرثون أو لا يرثون؟ في الظاهر لا، وإنما يُنظر في النصوص على أصولها، إما أنها قواعد عامة فتعمم فتدخل هذه المسألة تحتها، وإما أنها استنباطات أو اجتهادات قد تخالف النصوص الواردة في الكتاب والسنة كما هو شأن القول الآخر، ولذلك قال الشارح كغيره من أهل العلم في هذا الموضع: وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة رضي الله تعالى عنهم. حينئذٍ افترقوا إلى فريقين فمذهب الإمام أبي بكر الصديق الخليفة الراشد أمير المؤمنين، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجماعة من الصحابة والتابعين كابن الزبير من الصحابة وعبادة بن الصامت وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وكشريح وعطاء وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وطاووس إلى غير ذلك من جماهير السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ذهبوا أن الجد كالأب فهو نازلٌ مُنَزَّلَته وكما أن الأب يحجب الإخوة كذلك الجد فيحجب الإخوة مطلقًا، الأب كما سبق أنه يحجب الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو وكانوا لأب أو كانوا لأم، وهذا محل وفاق، أن الأب يحجب الإخوة مطلقًا دون تفصيل، وهذا القول الأول المنسوب لأبي بكر رضي الله تعالى عنه تبعه سائر الصحابة أن الجد كالأب حينئذٍ يحجب الجد الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم كما يحجبهم الأب، وعليه سقط هذا الباب من أصله فلا نظر فيه. فيحجب الإخوة مطلقًا وهذا هو المُفتى به عند الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أخذ بها بعض أصحابه كابن تيمية وابن القيم، ابن القيم أطال في إعلام الموقعين في ترجيح هذا القول في أكثر من عشرين وجهًا. قال صاحب ((الفروع)): وهو أظهر. يعني هذه الرواية أظهر. أو هذا القول أظهر يعني من حيث الدليل ومن حيث النظر، وصوّبه في ((الإنصاف)) وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعليه الفتوى عند أحفاده، وكذلك اختيار الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمةُ الله تعالى على الجميع.
إذًا القول الأول أن الجد كالأب حينئذٍ لا إشكال في كونه يحجب الإخوة مطلقًا، فلا فرق في كون الجد يحجب الإخوة لأم، وأما الإخوة الأشقاء أو لأب فيرثون معهم.
والمذهب الثاني: وهو مذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما أنهم يرثون معه، يعني الجد لا يحجب الإخوة الأشقاء ولا الإخوة لأب، وذكر المصنف هنا ثلاثة وهم من مشاهير من ورَّث الجد مع الإخوة، أو الإخوة مع الجد ولكن لكل واحدٍ منهم مذهب خاص يختلف عن الآخر، فعليٌّ رضي الله تعالى عنه ورّث الإخوة مع الجد ولكن له طريقة خاصة في كيفية التوريث، وزيد بن ثابت رضي الله عنه كذلك ورّث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب مع الجد ولكن له كيفية خاصة وهي المشهورة عند الفقهاء، وابن مسعود كذلك له طريقة خاصة في توريث الإخوة مع الجد وهي مخالفة لطريقة علي وطريقة زيد بن ثابت، هذا الاختلاف وإن كان مبناه على الاجتهاد إلا أنه يدل على ضعف هذا القول. إذ لو كان الإخوة يرثون مع الجد حينئذٍ لما اختلفت الكيفية لأن مرده إلى الشرع من حيث الاستنباط، والشرع لا يختلف حيث يورّث على طريقة في مذهب معيّن، ثم بعد ذلك يناقض تلك الطريقة في مذهب آخر نقول: الحق واحد ولا يتعدد، إما مذهب زيد، وإما مذهب علي، وإما مذهب ابن مسعود وحينئذٍ لابد من النظر والترجيح.
إذًا هؤلاء الأئمة الثلاثة ذهبوا إلى توريث الإخوة مع الجد، وهو مذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة كما سبق أن القول الأول مذهب المفتى به عند الحنيفة، بقي المالكية والشافعية والحنابلة وهم على توريث الإخوة مع الجد، يعني ذهبوا إلى أن الراجح من هذين القولين في هذه المسألة أن الإخوة يرثون مع الجد، وأن الجد لا يحجب الإخوة، ولهم أدلة ولا يكاد أن يذكر فيها إلا وجوه استنباط فحسب، التشبيه بالنهر
…
إلى آخره سنعرض عنها ونرجئها فيما يأتي. وأصح القولين والله أعلم أن الجد يحجب الإخوة مطلقًا دون تفصيل فلا استثناء للإخوة الأشقاء ولا لأب بأدلة منها:
أولاً: أن الله تعالى قد سمى الجد أبًا في قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]. فسماه أبًا وهو جد قطعًا وجدٌّ أعلى، وحينئذٍ نقول: الأصل في الإطلاق الحقيقة، ولا ندعي المجاز إلا بقرينة واضحة وليس ثَمَّ هنا قرينة واضحة فلا مجاز، ويبقى الأصل على ظاهره فالجد يسمى أبًا كذلك قال يوسف عليه السلام {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] كذلك أطلق على جده أو أجداده بأنهم آباء، والأصل في الإطلاق الحقيقة فلا ينصرف إلى المجاز إلا بقرينة ولا قرينة، وكذلك جاء «هذا أبوك آدم» . كما جاء في حديث المعراج سماه أبًّا وهو جدّ قطعًا وجد أعلى أيضًا، بل هو أعلى جد لا بعده من الجدود البتة، حينئذٍ سماه أبًا والأصل في الإطلاق هو الحقيقة. إذًا سمى الله عز وجل الجد أبًّا حينئذٍ كل ما عُلِّق الحكم على لفظ الأب دخل فيه الجد، ولا انفصال إلا بدليل واضح بيِّن، حينئذٍ يحجب الإخوة كالأب الحقيقي المباشر.
ثانيًا: مما يدل على ترجيح مذهب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأن الجد يحجب الإخوة مطلقًا قوله صلى الله عليه وسلم وهو حديث أصلٌ في هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجُلٍ ذكر» . قلنا: هذا أصلٌ في باب التعصيب كما سبق معنا. والجد أولى من الأخ معنًى وحكمًا، فأما المعنى فإن له قرابة ميلاد بعضية كالأب هو بعضٌ منه، وأما حكمًا فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ، الفروض إذا ازدحمت الأخ حينئذٍ يسقط ولا شيء له، وأما الجد إذا ازدحمت الفروض هل يسقط الجد؟ الجواب: لا، يفرض له السدس حينئذٍ تعول المسألة. إذًا من حيث الحكم فرّق الرب جل وعلا وكذلك الشرع بين توريث الأخ والجد عند ازدحام الفروض، إذا ازدحمت الفروض سقط الأخ ولا تعول المسألة لأنه ليس بصاحب فرض، وأما الجد فله أحوال ثلاثة منها أنها يرث بالفرض فقط وهو السدس، حينئذٍ إذا ازدحمت الفروض يفرض له السدس وتعول المسألة. وأما حكمًا فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ بخلاف الجدّ فإنه لا يسقط عند ذلك بل يفرض له السدس. إذًا فرقٌ بين الجد والإخوة فلا يُشَرَّكُ الإخوة معه.
ثالثًا: أن ابن الابن بمنزلة الأب - ابنه الأب يعني - ابن الابن بمنزلة أبيه الابن، فيكون الجد بمنزلة الأب إذ لا فارق بينهما، ابن الابن بمنزلة الابن يعني بمنزلة أبيه فيكون الجد حينئذٍ بمنزلة الأب إذ لا فرق بينهما.
رابعًا: جمهور الصحابة موافقون للصديق رضي الله تعالى عنه في أن الجد كالأب يحجب الإخوة، وهو مروي عن بضعة عشرة من الصحابة. هكذا قال ابن تيمية وكذلك قال ابن باز في رسالته في الفرائض: مروي عن بضعة عشرة من الصحابة. قال البخاري في صحيحه: ولم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكرٍ في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون. وهذه حجة قاطعة في محل نزاع، ولم يذكر أن أحدًا مخالف أبا بكر في زمانه، خالف في قول أبي بكر بأن الجد يحجب الإخوة مطلقًا، فلا يرث معهم ولا يرثون معه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون فلم يخالفوه إلا بعد ذهاب أبي بكر رضي الله عنه.
خامسًا: سلامة هذا القول من التناقض عند التطبيق، فهو قول مضبط لا تناقض فيه ولا غموض ولا إشكال، وأما من ورّث الإخوة مع الجد فعندهم اضطراب لا يعلمه إلا الله، سيأتي معنا وخاصة في باب المعادّة أنهم يفرضون أشياء للجد من حيث الثلث الباقي ولم يأت نص بثلث الباقي أو الثلث كاملاً أو أنه بالمقاسمة أو أن الإخوة لأب يُوَرِّثُون الأشقاء معهم أو بالعكس الإخوة الأشقاء يورثون الإخوة لأب معهم ثم يرجعون إليهم، فيقول: أنتم محجوبون كما سيأتي في المعادة، على كلٍّ: كل باب الجدّ والإخوة فيه اضطراب وفيه غموض وفيه إشكالات لا جواب عليها البتة إلا من حيث التعليلات وأكثرها تعليلات واهية لأن مبناها على الاستنباط. إذًا سلامته من التناقض عند التطبيق فهو قول مضبط لا تناقض فيه ولا غموض ولا إشكال، ولا يُشكل على هذا أن المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة على هذا، العبرة بماذا؟ العبرة بأي شيء؟ بالدليل، وإذا كان جمهور الصحابة على هذا لا يكون في قلبك شيء، وهذه تجعلها مع مسألة حكم تارك الصلاة، إذا كان جمهور الصحابة كما قال البخاري: لم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكر والصحابة متوافرون فحدث خلافًا بعد أبي بكر وبعد إجماع الصحابة، حينئذٍ هذا الخلاف لا عبرة به، ولو كان الأئمة الثلاثة وجماهير، بل لو كان الأئمة الأربعة وجمهورهم يعني أتباعهم على قول وهو مخالف لما صح عن الصحابة وقاومه الدليل أو وافقه الدليل حينئذٍ لا تأخذ بنفسك شيء البتة، وما يدعيه بعض المتأخرين بأن هذا مذهب جمهور الصحابة بأن توريث الإخوة مع الجد هذه دعوى لا يلتفت إليها.
سادسًا: سبق في التعصيب أن العصبة بالنفس إذا تعددت فيقدم جهة البنوة، ثم جهة الأبوة فيدخل فيها الجد، ثم جهة الإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء. فلا ينتقل الإرث إلى الجهة أخرى حتى تعدم الجهة التي قبلها، هذا كما سبق في بابه التعصيب، والحجة في الدليل الأول والثاني بأن الجد يسمى في الشرع أبًّا حقيقة فحينئذٍ ينزل منزلته في جميع الأحكام إرثًا وحجبًا، وثانيًا حديث «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر» . ولا شك أن الجدّ أولى من الأخ حينئذٍ يعطى المال.
إذًا حاصل المذهبين هو ترجيح المذهب الأول: وهو أن الإخوة لا يرثون مع الجد، وأن الجد يحجبهم، ولكن نمشي مع ما ذكره الناظم من أجل أمرين:
أولاً: تتميم الكتاب ولا نشطحُهُ.
ثانيًا: من أجل التأكد من ضعف هذا القول، لأنك ستجد أنه ثَمَّ حصر لبعض الصور وادّعاء تأصيل ليس عليه دليل، يعني يقولون الأصل كذا في هذه المسألة، والأصل كذا وضابط هذه الصور كذا .. إلى آخره، ما الدليل على هذا الضابط؟ نحتاج إلى قول من الرب جل وعلا أو قول النبي صلى الله عليه وسلم أو إجماع وليس ثَمَّ هذا ولا ذاك، ولذلك يتأكد من دراسة هذا الباب على ترجيح القول الأول وأن ما فيه من اضطراب يجعل في النفس من قبوله شيء.
قال هنا: ومذهب الإمام زيد رضي الله عنه هو مذهب الأئمة الثلاثة، وكونه كما ذكرنا زيد في أول الدروس أنه إذا صح الحديث:«أفرضكم زيد» . لا يلزم منه أن يُتابع في كل صغيرة وكبيرة بل يُتابع فيما ذكره زيدٌ بدليله، يعني إذا قال: هذا كذا ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وإذا اجتهد فلم يُخالف حينئذٍ تأتي مسألة الإجماع السكوتي حجة أو ليس بحجة، وأما إذا خُولف فحينئذٍ لا تقف مع كونه أفرض الصحابة، وهذا إن صح الحديث، وإنما ننظر في القول وما استند عليه القول فإن وافقه فعلى العين والرأس، وإن خالف فحينئذٍ نعتذر له ولا نوبخ ولا نعاتب.
هو مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، ووافقهم محمد بن يوسف والجمهور رحمهم الله، الجمهور هذا السياق كما يقول الشوكاني رحمه الله تعالى: فلا يهولنك سياط الجمهور. يعني لا يلسعك أحد بقول في مسألة من أجل أن تتابعه يقول: قول الجمهور كيف تخالف؟ نقول: لا الجمهور ليس بدليل، وإنما يستأنس به عند عدم الترجيح، يعني إذا لم يترجح إليك شيء في المسألة حينئذٍ لا بد من العمل، وإذا كنت مفتيًا لا بد من الفتوى فحينئذٍ تفتي بماذا؟ تفتي بما عليه الجمهور ولا شك لأن الأكثر وإن لم يكن مطردًا أقرب إلى الدليل من الإنفراد وليس بمطرد، لا، قد يكون الأقل معه الدليل وهو أسعد بالدليل لكن إذا لم يكن عندك ترجيح في مسألة وكنت أهلاً للنظر ولم تصل إلى شيء معين تطمئن نفسك إلى قول راجح حينئذٍ تفتي أو تأخذ أنت في نفسك بقول الجمهور، وأما أن يجعل سياطًا يُساط به طلاب العلم بأن هذا مخالف للجمهور وهذا مخالف للأئمة الثلاثة ونحو ذلك، نقول: هذه ليست جادة أهل العلم المحققين - إن صح التعبير - ولا الراسخين في العلم المتبعين للكتاب والسنة. وهو ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في بيان مذهب زيد قال رحمه الله:
وَنَبْتَدِي الآنَ بِمَا أَرَدْنَا
…
في الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ إِذْ وَعَدْنَا
فَأَلْقِ نَحْوَ مَا أَقُولُ السَّمْعَا
…
وَاجْمَعْ حَوَاشِي الْكَلِمَاتِ جَمْعَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ ذُو أَحْوَالِ
…
أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي
كلها مقدمة ولم يدخل بعد في التفصيل.
(وَنَبْتَدِي) أي نشرع، والأصل نبتدئ بالهمزة، ولكنها أسقطت تخفيفًا وهو لغة، يعني: قد يكون موافقًا للوزن لكنه لغة بإسقاط الهمزة تخفيفًا هو لغة (وَنَبْتَدِي) ونبتدئ لأنه من بدأ يبدأ أين الهمزة التي بدأ الهمزة هي لام الكلمة، هنا أُسقطت تخفيضًا (وَنَبْتَدِي الآنَ) ظرف متعلق بقوله:
…
(نَبْتَدِي). وعرفنا (نَبْتَدِي) بمعنى نشرع، (الآنَ) أي في هذا الوقت الحاضر يعني اسم زمان للوقت الحاضر، وقد يقع على قريب ماضٍ، والمستقبل تنزيلاً له منزلة الحاضر، (بِمَا أَرَدْنَا) بما نبتدي بالذي أردنا، الألف هذه للإطلاق في أردنا، و (ما) هذه اسم موصول يعني الذي واقعة على الأحكام، وهذا أظهر لكن يحتاج إلى تقدير مضاف، ويحتمل أنه يقع كما قال البيجوري على العبارات. يعني على الألفاظ، ولكن ليس بظاهر، لكن الأول هو الظاهر (بِمَا أَرَدْنَا) والذي أراده هو ماذا؟ هو بيان الأحكام، والأحكام إنما ذكرها بعباراته، حينئذٍ يكون ذكر العبارات تابعًا لذكر الأحكام، فالأصل هو الأحكام، لذلك يؤيد هذا قوله فيما سبق (وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي) إذًا وعد بماذا؟ وعد بذكر الأحكام لا بذكر العبارات، العبارات دالة على الأحكام. الحاصل أن قوله (ما) اسم موصول بمعنى الذي واقعة على الأحكام مع تقدير المضاف أي بالأحكام (وَنَبْتَدِي الآنَ) بالأحكام التي أردنا إيرادها أو إيراد دوالّها يعني العبارات، وجوّز البيجوري أن تكون (ما) هنا واقعة على العبارات، (وَنَبْتَدِي الآنَ) بالعبارات، وهذا بعيد فيه بُعد، أو بالعبارات التي أردنا إيرادها (بِمَا أَرَدْنَا) الألف هذه للإطلاق. قال الشارح: بما أردنا إيراده. يعني من ذكر الأحكام (في الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ) في الجدّ أي حال كون ذلك في بيان إرث الجد والإخوة، (في الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ) الواو هنا للمعية (وَالإِخْوَةِ) يعني لا من الأم لأنه صار مصطلح أو له حقيقة عرفية إذا أُطلق لفظ الإخوة في هذا الباب انصرف إلى الأشقاء أو الإخوة لأب فقط دون الإخوة لأم، ولذلك قال الشارح: لا من لأم فقط، لأنهم محجوبون بالإجماع، كما أنهم محجوبون بالأب كذلك محجوبون بالجد. (في الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ إِذْ وَعَدْنَا) إذ للتعليل كأنه قال: نبتدي لأننا وعدنا بذلك، ووَعَدَ يكون للخير وأَوْعَدَ للشر هذا في الغالب، وقد يستعمل كل منهما مقام الآخر:
وإني وإن أَوْعَدتُه أو وَعدتُهُ
…
لمخلف ميعادي ومنجزٌ موعدي
هذا كما سبق أنه أشار إليه بقوله:
وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي
…
مُكَمَّلَ الْبَيَانِ في الْحَالَاتِ
هنا وفّى بما قد وعد به، وبعض الشراح يقول: سيأتي ذكر هذه المسألة في موضعها، وقد لا يقول إن شاء الله كما صنع البهوتي في أول الروض، وإذا جاء في محلها لا يذكرها ولذلك هنا نص على هذا:
وَنَبْتَدِي الآنَ بِمَا أَرَدْنَا
…
في الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ إِذْ وَعَدْنَا
قد يقول قائل لماذا؟
لا، قد يكون بعض المؤلفين أو الشراح ونحوهم قد يعُد في أول الكتاب أو في موضع منه أنه سيذكر هذه المسألة في باب كذا، لكنه إذا جاء ينسها فلا يذكرها، لماذا؟ لأنه إنسان، قيل: ما سُمِّيَ الإنسان إنسانًا إلا لنسيانه. فإذا قال: إن شاء الله قد يكون وقد لا يكون، إذا لم يقل فالله أعلم.
(إِذْ وَعَدْنَا) في باب الفروض باب السدس حيث قال:
(وَحُكْمُهُ وَحُكْمُهُمْ سَيَاتِي)
(فَأَلْقِ نَحْوَ) يعني إذا أردت ذلك الفاء هنا فاء الفصيحة (فَأَلْقِ) هذا بقطع الهمزة من ألقى، يقال ألقى فلان السمع، وإلى فلان السمع يعني يتعدّى بنفسه ويتعدّى بـ إلى، استمع وأصغى {أَلْقَى السَّمْعَ} [ق: 37] استمع وأصغى، (فَأَلْقِ نَحْوَ) يعني جهة والنحو يأتي بمعاني في اللغة أوصله بعضهم إلى ثمانية عشر، والمشهور منها ستة والمراد هنا الجهة، نحو صليت نحو الكعبة، يعني جهة الكعبة (فَأَلْقِ نَحْوَ مَا) نحو مضاف وما اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه، (أَقُولُ) هذا صلة الموصول والعائد محذوف والسمع مفعول به لقول ألق، لا لأقول، و (السَّمْعَا) الألف هذه للإطلاق هو مفعول به والعامل فيه ألقِ. أَلقِ (السَّمْعَا) نحو ما أقوله، أقوله حذف هكذا نقدر (وَاجْمَعْ حَوَاشِي الْكَلِمَاتِ جَمْعَا) (وَاجْمَعْ) قال بعضهم: يفسر بأحضر والأصل في جمع التفرّق جمعًا ضم بعضه إلى بعض والظاهر الثاني أقرب (وَاجْمَعْ حَوَاشِي) حواشيَ هذا الأصل لأنه مفعول به لقوله: اجمع ولكن للوزن سكنهُ حينئذٍ التسكين هنا للضرورة ضرورة الوزن وإلا فالأصل هو مفعول به منصوب ونصبه فتحة ظاهرة تظهر وإن كان ياءً، جمع حاشية والمراد بها الحاشية الطرف والمراد بها هنا في هذا الموضع الكلام بتمامه، (اجْمَعْ حَوَاشِي) أي يعني أطراف، والمراد بها الكلام بتمامه، وإنما خص الحواشي الأطراف التي هي الأطراف بالذكر لأن أول الكلام يأتي في غفلة وآخره في سآمة فالشأن أن كل منهما لا يُحفظ، أول الكلام لا يُحفظ - انتبه ما .. لطلاب العلم هذا [ها ها]- أول الكلام لا يحفظ لأن الإنسان ما تبرمج مع الإلقاء فحينئذٍ يكون في غفلة يذهب عنه شيء، في الأثناء قد يكون واصل شيئًا قليلاً، في النهاية سئم فلا الأخير ولا الأول [ها ها] إذًا ماذا بقي؟ بقي الأثناء فقط، لكن لا ينبغي أن يكون هذا شأن طلاب العلم تُذكر فقط هنا.
(وَاجْمَعْ حَوَاشِي الْكَلِمَاتِ) الحواشي المراد بها الأطراف، وخصعها لأن أول الكلمات يأتي في غفلة وآخره في سآمة فالشأن أن كلاً منهما لا يُحفظ، (وَاجْمَعْ حَوَاشِي الْكَلِمَاتِ) حواشي مضاف وكلمات مضاف إليه جمع كلمة، وهنا فسرها بماذا؟ بالقول المفرد، لو قال: كلمات بمعنى الكلمة على حد قول ابن مالك:
وكِلْمةٌ بِهَا كَلامٌ قَدْ يُؤَمّ
لا إشكال فيه يعني كلمات جمع جُمل، وأما الكلمة بمعنى القول المفرد فليست المرادة هنا والله أعلم، ليس مرادًا بها هنا المراد به الكلام، وليس المراد به جزء الكلام (جَمْعَا) منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله:
…
(اجْمَعْ) يعني جمع التفرق لأن يضُمّ بعضه إلى بعض أو أحضر.
فَأَلْقِ نَحْوَ مَا أَقُولُ السَّمْعَا
…
وَاجْمَعْ حَوَاشِي الْكَلِمَاتِ جَمْعَا
مصدر موكد، والمراد قال الشارح هنا: لماذا أتى بهذا البيت؟ يعني كل ما سبق يحتاج إلى جمع ويحتاج إلى إلقاء السمع، لماذا أتى به هنا خصصه. قال:(فَأَلْقِ نَحْوَ مَا أَقُولُ السَّمْعَا) يعني سماع تفهم وإذعان لا سماع إنكار ولا جهل ونحو ذلك، قال: المراد أنك تصفي لما يورده في العبارات من الجد والإخوة وتجمع أول الكلام وآخره وتفصيله وإجماله ومنطوقه ومفهومه، وتهتم بذلك اهتمامًا زائدًا عسى أن تظفر ببعض المراد، وإنما قدم هذا الكلام لأن باب الجد والإخوة خطرٌ صعب المرام، صعب هذا تفسير لما قبله، ولقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتوقون الكلام فيه جدًّا عن علي رضي الله عنه أنه قال: من سرَّه أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. هذا فيه ترهيب لمن أراد أن يقدم على الفتوى بين الجد والإخوة. هذا إذا لم يظهر له شيء، وأما لما استقرت المذاهب وعُلم دليل كل قول حينئذٍ ينظر الناظر في القول وفي دليله، وثَمَّ قواعد وأصول يسير عليها من حيث الترجيح فحينئذٍ يفتي أو يختار ما يراه أقرب إلى الأدلة ولا يخاف في ذلك. ومثل هذه العبارات قد تكون في أول الأمر لم تتضح الصورة ولم يستقر المذهب من حيث يحجب أو لا يحجب
…
إلى آخره.
(من سرّه) يعني أفرحه (أن يقتحم جراثيم جهنم) الاقتحام هو الدخول، والجراثيم أصول جهم ومعظمها جمع جرثومة بمعنى الأصل والمعظم
…
(فليقض بين الجد والإخوة) والمراد التنفير من التكلم في الجد والإخوة، وإلا فلا يفرح أحد بدخول أصول جهنم هكذا قاله البيجوري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه كذلك جملة فيها نوع ترهيب لمن أراد أن يقبل على فتوى في مثل هذا المقام:(سلونا عن عُضلكم) يعني عن مشكلاتكم الأمور المشكلة العظام اسألوا عنها ولا إشكال في ذلك (سلونا عن عُضَلِكُم) يعني عن مشكلات أموركم، جمع عضلة كغرفة وغرف عُضُل (واتركونا من الجدِّ) يعني لا تسألونا عن مسائل الجد، ليس مطلقًا الجد إنما إذا كان مجتمعًا مع الإخوة، أما لكونه منفردًا هذا لا إشكال فيه، بل محل إجماع كما سبق (اتركونا من الجدِّ لا حيّاه ولا بيّاه) لا ملّكه ولا اعتمده بالتحية. يقال حيّاك الله أي ملكك من التحية وهي المُلك أو المِلك، ومنه التحيات لله. يعني المُلك لله، وبياك الله: اعتمدك. وكذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه لما طعنه أبو لؤلؤة وحضرته الوفاة قال: أحفظوا عني ثلاثة: لا أقول في الجد شيئًا يعني في إرث الجد مع الإخوة (لا أقول فيه شيئًا - يوثق فيه - وإلا له قول في هذه المسألة، وقد رُوِيَ عنه أقوال (ولا أقول في كلالة شيئًا، ولا أُوَلِّي عليكم أحدًا). إذًا هذه الأقوال مأثورة عن السلف ومحلها قبل استقرار المذاهب ومعرفة الأدلة والنظر فيها، يعني كانت السنن متفرقة قد يكون ذاك الذي لم يكن حاضرًا قد يحفظ بعض السنن والمرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكن عالمًا بها من يفتي، حينئذٍ احتياطًا أن يقف حتى يتضح الأمر وتظهر المسألة، لكن بعد جمع السنن وبيانها والحكم عليها ومعرفة الأقوال وأدلتها وما من مسألة إلا وقد مُحصت وفحصت إلى آخره فينظر الناظر ولا يهاب ولا تحجبه هذه الأقوال وإنما لها وقتها ولها زمنها. يعني لا يستدل بها في مثل هذه الأوضاع، وكذلك بعض الجمل عن السلف قد تكون لها حالٌ يختص بذلك الزمان أو بذلك المكان المعين حينئذٍ لا تستعمل في كل زمان وفي كل مكان فلينتبه لهذا.
إذا تقرر ذلك قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ ذُو أَحْوَالِ
…
أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي
(وَاعْلَمْ) اجزم، ولذلك عدّاه بالباء والعلم بعد التصور لا بد أن يكون مسبوقًا بتصور لأن المراد هنا إدراك التصديقات لا مطلق العلم الشامل للتصورات، إذًا (وَاعْلَمْ) أي اجزم وضمن اعلم بمعنى اجزم فعداه بالباء أو نقول هو بنفسه يتعدّى، والغريب أن كثيرًا ممن يذكر هذه المسألة وهم جهابذة في مثل هذه المواضع والبيجوري كذلك يذكر أنه لا يتعدى بنفسه إلا إذا ضُمن بمعنى أجزم بكذا مع أنه في القرآن {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يعني لم يضمن هناك وإنما تعدّى بنفسه، ولذلك نقول: العلم قد يتعدّى بنفسه {يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]، وقد يتعدّى بالباء، وهذا كثير أن يوجد اللفظ الواحد يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف آخر، ولذلك كما سبق ألقى فلان السمع، وألقى إلى فلان السمع. (وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ ذُو أَحْوَالِ) ليس الجد مطلقًا إنما نقيده بكونه مع الإخوة لا وحده، (وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ) مع الإخوة لا وحده (ذُو أَحْوَالِ) ذوي يعني صاحب، وذو هنا وقع خبر لأن، ذو أحوالي يعني ذو أحوال، وأحوال هذا أفعال جمع حالٍ والمراد به الصفة يعني هو صفات، صفة يرث بها مع الإخوة أحد الصنفي ويكون له إما المقاسمة وإما ثلث المال، وقد يكون معهم صاحب فرض حينئذٍ يخير بين ثلاثة مسائل سيأتي ذكرها هنا فيما بعد.
(أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ) أُنبيك بضم الهمزة من أنبأ على المشهور، المشهُور أن أنبأ أُنبيء هذا رباعي، فإذا كان كذلك أنبأ رباعي الفعل المضارع يكون بضم حرف المضارعة سواء كانت ياء أو نون أو همزة على المشهور، ويجوز فتحها من نَبَأَ، فإن الجوهريّ جعل الفعل منها ثلاثيًّا ورباعيًّا هكذا جوّزه البيجوري هناك، وأبدلت همزته ياء بعد تسكينها تخفيفًا أنبي أُنبيك أُنبأك هذا الأصل، أُنبيء بالهمزة أُبدلت الهمزة ياءً بعد تسكينها تخفيفًا أُنبيك يعني أخبرك (عَنْهُنَّ) يعني عنها عن هذه الأحوال (عَنْهُنَّ) أَتَى بنون الإناث هل له مرجع نون الإناث هنا؟ أين مرجعه؟ أحوال؟ [ها] صاحب أحوال أُنبيك عنهن يعني عن هذه الأحوال هذا الظاهر، ولكن البيجوري هناك ذهب ذهنه أن الأصل أن يقول أنبيك عنهم. قال: أتى بنون النسوة لضيق النظم. والصواب أنه يعود للأحوال أنبيك عن هذه الأحوال.
(عَلَى التَّوَالِي) يعني على التتابع. إذًا قوله: (وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ) هنا ليس مطلقًا (ذُو أَحْوَالِ) يعني صاحب أحوال، وأحوال جمع حال يُذَكّر ويُؤنث، ولذلك عاد عليه الضمير بالتأنيث. (أَحْوَالِ) باعتبارات فباعتبار أن أهل الفرض معهم وجودًا وعدمًا حالان: يعني الجد والإخوة قد يكون معهم صاحب فرض وقد لا يكون، أليس كذلك؟
أصحاب الفروض الآن مسائل الجد والإخوة، قلنا: يرث، أو يرث الإخوة مع الجد، هذا له من حيث ارتباطه بأصحاب الفروض له حالان، قد تكون في المسألة جد وإخوة فقط وليس معهم صاحب فرض، وقد يكون جد وإخوة ومعهم صاحب فرض، إذًا هذان حالان أو لا؟ هذان حالان باعتبار، ماذا؟ باعتبار وجود أصحاب الفروض أو باعتبار أصحاب بالفروض معهم وجودًا وعدمًا. إذًا هذان حالان، ولذلك قال هنا: فباعتبار أن أهل الفرض معهم .. يعني مع الجد والإخوة وجودًا وعدمًا من جهة وجودهم وعدمهم حالان، لكل منهما حال، وباعتبار ماله من المقاسمة مقاسمة الإخوة والثلث، إما الثلث جميع المال، أو ثلث الباقي وهما حالان سيأتيان، وغيرهما من السدس وثلث الباقي خمسة أحوال، لأنه إن لم يكن معه صاحب فرض فله حالان، الجد إن لم يكن معه صاحب فرض فله حالان:
- إما المقاسمة.
- وإما ثلث المال جميع المال.
يُعطى خير النوعين، يعني إذا كانت المقاسمة له خير أخذ المقاسمة هذا إذا كانت زائدة على الثلث، وإن كان الثلث خير له من المقاسمة، بأن كانت المقاسمة أدنى من ثلث جميع المال حينئذٍ انتقل إلى الثلث، إذًا يخير بين الأمرين ولا يقل عن الثلث في جميع المال، إذًا إن لم يكن معه صاحب فرض فله حالان، وإن كان معه صاحب فرض فحينئذٍ له ثلاثة أحوال:
- إما المقاسمة.
- وإما الثلث الباقي.
- وإما سدس جميع المال ولا يقل عن السدس.
هذه ثلاث مع الاثنين خمسة. إذًا من حيث الأصل الجد والإخوة باعتبار أصحاب الفروض وعدمهم حالان:
- معه صاحب فرض.
- ليس معه صاحب فرض.
طيب إذا لم يكن معه صاحب فرض حينئذٍ له حالان على التفصيل:
- إما مقاسمة.
- وإما ثلث جميع المال. ولا يقل عن ثلث جميع المال.
وإن كان معه صاحب فرض حينئذٍ هو مخير بين ثلاثة أشياء:
- المقاسمة.
- وثلث الباقي.
- وسدس جميع المال.
وهذه ستأتي مفصلة.
(أُنْبِيكَ) أي أخبرك (عَنْهُنَّ) أي عن تلك الأحوال، إما تصريحًا وإما ضمنًا من تفاريع الكلام، فإن المسائل التي سيذكرها الناظم هنا إما بطريق المنطوق، وإما بطريق المفهوم، يعني قد يذكر بيتًا واحدًا ينص بالمنطوق على مسألة، بالمفهوم يؤخذ منه مسألتان. (عَلَى التَّوَالِي) أي ولاء بحسب الحاجة.
يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ فِيْهِنَ إِذَا
…
لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بِالأَذَى
(يُقَاسِمُ) بفتح القاف هذا شروع منه في تفصيل الأحوال، فذكر أولها المقاسمة سواء كان معه صاحب فرض أم لا، وهذا كما ذكرنا أنه يريد أن يقرر مذهب من من الصحابة؟ مذهب زيد بن ثابت، وهذا الذي عليه جمهور الأئمة المتأخرين، وحاصل مذهب زيد قبل أن نشرع في هذا أن الإخوة إذا اجتمعوا مع الجد، فإما أن يكونوا:
- من أبوين فقط.
- أو من أب فقط.
- أو من مجموع الصنفين.
يعني إذا اجتمع الإخوة مع الجد لهم ثلاثة أحوال أو لهم حالان، الأحسن أن نقول لهم حالان:
- إما أن يكون من صنف واحد.
- أو من الصنفين.
إما أن يكونوا من صنف واحد إما إخوة أشقاء فقط، وإما إخوة لأب.
النوع الثاني والحالة الثانية أن يكون معه خليط يعني مجموع من الأشقاء، ومن الإخوة لأب، هذه ستأتي المعنى التي تسمى بالمعادة، هذه المعادة فيها أضحوكة يعني الأصل أن الأشقاء كما سبق معنا يحجبون الإخوة لأب، أليس كذلك؟ لأنهم بقربه حينئذٍ الأقرب ما كان ذا جهتين مقدم على ما كان على جهة واحدة، القوي مقدم على الضعيف، حينئذٍ الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب، لكان من أجل المضارة بالجد أن يضروه بالمقاسمة، قالوا لهم: تعالوا معنا. فيحسبون على الجد، فإذا أخذوا نصيبهم وأضرّوا الجد قالوا لهم: سلامٌ عليكم. أنتم ما ترثون معنا أنتم محجوبون [ها ها] وهذا ما يسمى بالمعادّة، وهذا أمر عجيب يعني لا تأتي به شريعة، أن يصلحك عليهم أولاً فيعدون ويجعلون ورثة، ثم بعد ذلك ينفى عنهم الإرث، كيف هذا يجمع بكونهم يرثون لا يرثون في مسألة واحدة، هذا تناقض هذا أشد ما يؤخذ في هذا الباب، وهو إذا اجتمع الصنفان الأصل أن الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب هذا الأصل، فحينئذٍ لا يتصور في هذا المقام إلا إما أن يكون إخوة أشقاء، وإما إخوة لأب، أما أن يجتمعوا فلا يتصور إذا ورثنا على الأصول السابقة من حيث الحجب وعدمه، حينئذٍ الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب، أما أن يعدو معهم من أجل المضار بالجد ثم إذا أخذوا نصيبهم قالوا للإخوة لأب أنتم محجوبون؟ هذا ما يصلح هذا، إذًا إما أن يكونوا من أبوين فقط، أو من الأب فقط، أو من مجموع الصنفين.
فإذا كان معه أحد الصنفين وهذا الذي سنبحثه أولاً أن يكون معه أحد الصنفين: إما أشقاء فقط ليس عندنا إلا إخوة أشقاء، إما ذكور وإما إناث، أو ليس عندنا مع الجد إلا إخوة لأب إما ذكور وإما إناث، فالمسائل التي سنذكرها متعلقة بصنف واحد، فإذا كان معه أحد صنفين فقط فله معهم حالتان:
الحالة الأولى: ألا يكون معهم صاحب فرضٍ. يعني أن ينفرد الجد والإخوة وليس معهم صاحب فرض من الفروض السابقة، وسيأتي أنه لا يتصور أن يكون معهم إلا سبعة أنواع فقط، ألا يكون معهم صاحب فرض فله حينئذٍ معهم ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون المقاسمة أحظّ له من ثلث المال.
الحالة الثانية: أن يكون ثلث المال أحظَّ له من المقاسمة.
الحالة الثالثة: استواء المقاسمة وثلث المال.
هذه الحالة هي التي بدأ بها الناظم.
ولذلك قال:
يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ فِيْهِنَ إِذَا
…
لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بِالأَذَى
فَتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كَامِلَا
…
..........................
(يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ) من الذي يقاسم؟ الجدّ (الإِخْوَةَ) مطلقًا أو نقيده؟
إذا كان معه أحد الصنفين يقاسم الإخوة يعني يقاسم الجد الإخوة (فِيْهِنَ) في بمعنى من، يعني في حال كون المقاسمة معدودة منهن فهو متعلق بمحذوف حال، ولذلك فسره الشارح بقوله فسر الضمير بقوله:(في تلك الأحوال). والمراد أن المقاسمة في تعدد تلك الأحوال بمعنى أن المقاسمة هذه معدودة في أحوال الجدّ، والمراد بالمقاسمة هنا أن يُنَزّل أو يُجعل الجد بمنزلة الأخ الشقيق، حينئذٍ إذا كان إخوة فقط ذكور يكون الجد رأسًا معهم فيحسب بخمسة فيتقاسمون المال بينهم على أسهم لكل واحد سهمه الخاص، وإذا كان الجد مع أخت شقيقة مثلاً فيحسب الجد بسهمين لماذا؟ لأن لو كان محله أخٌ شقيق لكان للذكر مثل حظ الأنثيين كذلك الجد مثله، إذًا المقاسمة المراد بها أن نعتبر الجد كأنه أخٌ شقيق يأخذ نصيب الأخ الشقيق ويعامل معاملته مع بقية الإخوة والأخوات، أي أنه يأخذ مع وجود الشقيقة سهمين لأنه كالأخ الشقيق مع الشقيقة حيث يأخذ الذكر ضعف الأنثى، متى هذا؟ قال:(إِذَا ** لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بِالأَذَى) تكون للجد المقاسمة مع الإخوة إذا لم يحصل بله ضرر، ومتى يتضرَّرَ في هذا المقام في هذا المحل؟ يتضرر الجد إذا نقصت المقاسمة عن الثلث، إذا قيل هيا اقتسموا المال بينكم فحينئذٍ إذا كان نصيب الجد أقل من الثلث نقول: المقاسمة هذه لا تصح له، وإنما ينتقل إلى الثلث ثلث جميع المال، لماذا؟ لكون المقاسمة ليست على شرطها ولذلك قال: إذا لم يعد القسم (إِذَا) هذا ظرف لقوله: (يُقَاسِمُ) يقاسم إذا، إذا لم يكن كذلك فلا يقاسم فله مفهوم (إِذَا) ظرف لقوله:(يُقَاسِمُ). (لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ) يعد أصله يعود، هذا فعل مضارع دخلت عليه لم فحينئذٍ سكنت الدال التقى ساكنان حذفت الواو أليس كذلك؟ ثم الدال الساكنة جاء بعدها ساكن قسم فكُسر الأول على أصل بابه يعني من باب التخلص من التقاء الساكنين، وأصل (يَعُدِ) يعودُ، فلما دخل عليه الجازم حذف الضمة فالتقى ساكنان فحذفت الواو، على الأصل للتلخص من التقاء الساكنين، وحركت الدال بالكسر تخلصًا من التقاء الساكنين الذي بعد الدال ليس الذي قبلها، الذي قبلها حُذف (إِذَا ** لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ)، (الْقَسْمُ) بالفتح أنا عندي بالكسر، القسمِ بالكسر هذا الجزء من الشيء وليس المراد هنا، المراد به القسمة واقتسام الشيء، قسمُ قِسمة المراد به المصدر وهو اقتسام الشيء (لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ) قسَمَ قِسْمًا (إِذَا ** لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ) يعني على الجد (بِالأَذَى) يعني بالضرر، وقوله (بِالأَذَى) متعلق بقوله:(يَعُدِ). والأذي مصدر أذى أو أَذِيَ كتَعِبَ مصدر أَذِيَ كتعب وهذا صادق بماذا؟ إذا لم يعد القسم عليه بالأذى؟ صادق بأن تكون المقاسمة خيرًا له من الثلث أو السدس أو الثلث الباقي، وبأن تكون مساوية لما ذكر، ومفهومه أنه إذا عاد عليه القسم بالأذى لا يقاسم.
إذًا أراد بهذا البيت أن يبين لك أن الجد مع الإخوة قد يقاسم الإخوة لكن بشرط ألا تكون هذه المقاسمة فيها ضررٌ عليه، إن كان في هذا الباب الذي معنا ألا يقَل نصيبه بالمقاسمة عن ثلث المال كاملاً، وإن كان في المسائل الآتية بأن لا يقل نصيبه عن السدس سدس جميع المال. قال هنا الشارح: يقاسم الإخوة فيهن. أي في تلك الأحوال، والمراد أن المقاسمة في تعدد تلك الأحوال ومن جملتها المقاسمة المذكورة يعني ليس المراد أنه يقاسم الإخوة مطلقًا في كل الأحوال كما هو ظاهر كلام النظم، بل المراد أن المقاسمة من ضمن تلك الأحوال لأنه قال:(ذُو أَحْوَالِ). منها المقاسمة (إِذَا ** لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بِالأَذَى) أي بالضرر الحاصل بالنقص عما سيذكره أما الثلث أو السدس. فهذا البيت ذكر إجمال الأحوال وما بعده تفصيلٌ له. قال: وبيان ذلك الشارح بيان ذلك:
- إما ألا يكون مع الجد والإخوة صاحب فرض.
- وإما ألا يكون معهم صاحب فرض.
وانتبه أن المراد هنا في الحديث الأول في المنظومة المراد به صنف واحد يعني إما أشقاء فقط، وإما إخوة لأب فقط، وأما كونهما مجتمعين هذا يأتي في آخر النظم، وبيان ذلك أنه إما ألا يكون مع الجد والإخوة صاحب فرض، وإما أن يكون معهم صاحب فرض، فإن لم يكن معهم صاحب فرض فله خير الأمرين من المقاسمة ومن ثلث جميع المال، وهذا الذي عناه بقوله:
إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذُو سِهَامِ
…
فَاقْنَعْ بِإِيْضَاحِي عَنِ اسْتِفْهَامِ
إذًا يقاسم الإخوة فيهن إذا لم يعد القسم عليه بالأذى (فَتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كَامِلَا) هذا متى؟ (إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذُو سِهَامِ)، إذًا إذا لم يكن معه صاحب فرضٍ حينئذٍ هو بخير الأمرين:
إما مقاسمة، وإما ثلث جميع المال. حينئذٍ تأتي الصور ثلاثة:
- إما أن يكون الأحظ له المقاسمة لأنها قد تكون المقاسمة ثلثي المال ليست ثلث المال، حينئذٍ يأخذ بالمقاسمة.
- وإما أن يكون ثلث المال خيرًا له من المقاسمة، وذلك فيما إذا كانت المقاسمة مثلاً فيما إذا كانت المقاسمة الربع مثلاً فحينئذٍ صار أقل من الثلث فالثلث خير له من المقاسمة.
- وإما أنه لو قاسم لكانت المقاسمة هي عين ثلث جميع المال حينئذٍ استويا، فالأحوال عند التفصيل ثلاثة أحوال، وهذا كما ذكرنا إن لم يكن معهم صاحب فرض، وكان معه صنف واحد إما إخوة أشقاء أو إخوة لأب، ولذلك تقعيد الشارح هنا تقعيد مؤصل وهو كلام مختصر ومفيد ويحفظ. بيان ذلك [إما أن أنه] إما ألا يكون مع الجد والإخوة صاحب فرض، وإما أن يكون معهم صاحب فرض، فإن لم يكن معهم صاحب فرض فله خير الأمرين من المقاسمة ومن ثلث جميع المال، أي وإن كان معه صاحب فرض له خير الأمور الثلاثة: المقاسمة، والثلث الباقي وسدس جميع المال وهذا سيأتي في محله.
(فَتَارَةً) يعني حالةً (يَأْخُذُ) الجد (ثُلْثًا كَامِلَا ** إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا)، (فَتَارَةً) الفاء هنا فصيحة يعني إذا أردت بيان الأحوال فتارة، فالفاء فاء الفصيحة، فتارة يأخذ الجد (ثُلْثًا) بسكون اللام للوزن لغة للوزن كذلك (كَامِلَا) يعني تامًا ولا ينزل عنه البتة، بل هو في هذا المقام لا يمكن أن يأخذ أقل من ثلث جميع المال، وظاهر النظم أنه يأخذ الثلث في هذه الحالة فرضًا لأنه قال ثلثًا كاملاً، ومعلوم أنه إذا أطلقت هذه الأعداد انصرف إلى الفرض أرباب السدس وأرباب الربع والنصف .. إلى آخره، إنما يقال في شأن أصحاب الفروض حينئذٍ ظاهر كلام النظم أنه يأخذه فرضًا، وقيل تعصيبًا، قول آخر. على كلٍّ هم يختلفون في هذا (فَتَارَةً يَأْخُذُ)، (فَتَارَةً) أي حالةً ظرف ليأخذ، يأخذ الجد ثلثًا كاملاً، متى؟ (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا)، (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ) بالمقاسمة (عَنْهُ) عن الثلث (نَازِلَا) إن نزل عن الثلث بالمقاسمة حينئذٍ رجع إلى الثلث. إذًا مفهومه مفهوم مخالفة دل على المسألتين الأخرتين لأن هذه المسألة لها ثلاثة حالات:
- إما أن تكون المقاسمة له أحظ.
- وإما أن يكون الثلث له أحظ.
- وإما أن يستويان. نص على ماذا؟
(فَتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كَامِلَا) بقيد، قيده (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا) إن نزل عن الثلث بالمقاسمة حينئذٍ لجأ إلى الثلث، مفهوم المخالفة بقوله:(إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا) إن لم يكن نازلاً عنها بأن كانت المقاسمة أحظ له من الثلث حينئذٍ يأخذ بالمقاسمة بـ (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ) عن الثلث نازلاً مفهومه مفهوم الخالفة إن كانت بالمقاسمة له أكثر من الثلث والحظ له مع المقاسمة حينئذٍ أخذ بالمقاسمة. قال: وذلك في صورٍ غير منحصرة. يعني أنه يأخذ ثلثًا كاملاً (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا)، وهذه المسألة هنا فيه نوع تشويش نبسطها بما نذكره الآن، فإذا كان معه أحد صنفين فقط فله معهم حالتان كما ذكرنا سابقًا:
الحالة الأولى: ألا يكون معهم صاحب فرض. فله حينئذٍ معهم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون القاسمة أحظ له من ثلث المال. يعني أن تكون المقاسمة أكثر من الثلث، وضابطها ضابط هذه الصورة عندهم أن يكون الإخوة أقل من مثليهم يعني عدد الإخوة أقل من مثليه الجد مرتين أقل من مثليه جد وأخ، حينئذٍ نقول الجد هنا ضعف الأخ لأنه باثنين، والأخ هذا واحد. إذًا ضابط هذه الصورة التي يأخذ فيها الجد بالمقاسمة إذا كانت أحظ له من ثلث المال أن يكون الإخوة أقل من مثليه، بأن يكون مثلاً ونصفًا فما دون ذلك، وذلك منحصر في خمس صور فقط هي التي يحكم عليها بكون الجد يأخذ بالمقاسمة لأنه أحظ له من الثلث كاملاً.
الصورة الأولى: جد وأخت، وهذه يذكرونها بأصولها وانكسارها وعولها، لكن نحن ما أخذنا هذا، وإنما نذكر نتيجته فحسب جد وأخت فله في هذه الصورة الثلثان، الجد له في هذه الصورة الثلثان ولا شك أن الثلثين أكثر من الثلث فيأخذ بالمقاسمة.
الصورة الثانية: جد وأخ فلهم في هذه الصورة نصف المال، والنصف أكثر من الثلث.
الصورة الثالثة: جد وأختان فلهم في هذه الصورة النصف كالتي قبلها وهو أكثر من الثلث.
الرابعة: جد وثلاث أخوات. فله في هذه الصورة [الخمسان] والخمسين، لماذا؟ لأنهم ثلاث أخوات والجد يحسب باثنين لأنه كأخ شقيق {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إذًا ثلاثة رؤوس والجد اثنين خمسة، أليس كذلك؟ خمسة فله في هذه الصورة الخمسان وهما أكثر من الثلث، لأن العدد الجامع للكسرين خمسة عشر فثلثه خمسة، وخمساه ستة وهي أكثر من الواحد يعني أكثر من الخمسة بواحد.
الصورة الخامسة: جد وأخ وأخت، فله في هذه الصورة مثل ما لَهُ في التي قبله.
خمس صور يُحكم بكون الجد يأخذ بالمقاسمة لأنها أحظ له من ثلث جميع المال.
الحالة الثانية أن تستوي له المقاسمة وثلث المال يعني يستويان، تكون بالمقاسمة هي ثلث جميع المال، ولو قلت ثلث جميع المال هي نفسها المقاسمة، وضابطها أن يكون الإخوة مثليه وهذه محصورة في ثلاث صور:
- الصورة الأولى: جد وأخوان.
- والصورة الثانية: جد وأخ وأختان.
- الصورة الثالثة: جد وأربع أخوات.
في هذه كلها يأخذ بماذا؟
ثلث جميع المال سواء سمي مقاسمه، أو سمي ثلث جميع المال، فيستوي له المقاسمة والثلث في تلك الصور.
فإن قاسم أخذ ثلثًا وإن لم يقاسم كذلك أخذ ثلثًا.
واختلف في التعبير في هذه الحالة هل يعبر بالمقاسمة؟ هل يعبر بالثلث؟ هل يعبر بالتخيير؟ وينبني عليه أنه لو عبر بالمقاسمة حينئذٍ يكون إرثًا بالتعصيب، وإذا عُبرِّ بالثلث يكون إرثه بالفرض وقيل بالتخيير، وعلى كل هذا أو ذاك والصحيح في هذه المسائل كلها أن الجد يحجب الإخوة، إن كان لوحده ولم يكن صاحب فرض حينئذٍ أخذ المال كله فهذه الصور الخمس الذي يترجح فيها المقاسمة على الثلث والصحيح أن الجد يحجب الإخوة فله كل المال، وكذلك في الصور الثلاث الأخرى الصحيح أن الجد يحجب الإخوة وله كل المال. إذًا هذه ثمان صور في خمس منها تكون له المقاسمة أحظ من ثلث المال، وفي ثلاث صور يكون ثلث جميع المال أحظ من المقاسمة.
الحالة الثالثة أن يكون ثلث المال أحظ من المقاسمة فيأخذه فرضًا وهي التي قدمها المصنف وهي ما عدا هذه الصور الثمانية، فلذلك تذكر الصور التي يترجح فيها المقاسمة ثم الصور التي تستوي فيها المقاسمة والثلث، ثم يقال ما عدا هذه الصور الثمانية فيكون له ثلث جميع المال لأنها لا تنحصر.
الصورة الثالثة أن يكون ثلث المال أحظ من المقاسمة فيأخذه فرضًا. وضابطها أن يكونوا أكثر من مثليه. هذه ضوابط تحتاج إلى نصوص يعني الضابط أن يكون أقل من مثليه، أن يكون مثليه، أن يكون أكثر
…
إلى آخره. نقول: ما الدليل على هذا؟ هذه نظروا في المسائل ثم بعد ذكروا الضوابط، وإلا لا أصل لها من حيث الشرع، ولا تنحصر صور هذه الحالة كما انحصرت صورة الحالتين السابقتين، فأقلها جد وأخوان وأخت، أو جد وخمس أخوات، أو جد وأخ وثلاث أخوات إلى ما فوق، والصحيح في هذه المسائل كذلك أن الجد يحجب الإخوة فيأخذ المال كله. إذًا قوله:
فَتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كَامِلَا
…
إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلَا
هذا أشار إلى الصورة الأخيرة، وهي أن يكون ثلث المال أحظ له من المقاسمة، وهذه لا حصر لها، وهي التي قدمها، ولذلك قال الشارح: وذلك في صور غير منحصرة، وضابطها عندهم أن تزيد الإخوة على مثليه، يعني مثلي الجد، منها جد وأخوان وأخت، فإن لم يكن عنه نازلاً عنه بأن كانت المقاسمة أحظ، وهذا مأخوذ من المفهوم، إن كانت القسمة عنه نازلة، فإن لم يكن عنه نازلاً فحينئذٍ أخذ بالمقاسمة، بأن كانت المقاسمة أحظ
، وذلك منحصر في خمس صور كما ذكرناه سابقًا، أو كانت المقاسمة والثلث سيَّيْنِ فلا يكون نازلاً عن الثلث وذلك منحصر في ثلاث صور كما ذكرناه سابقًا.
ثم قال هنا الشارح: فظاهر الكلام اختيار التعبير بالمقاسمة حيث استوى الأمران [نعم] لأنه قال: (إِنْ كَانَ بِالْقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلا). هذا يصدق على ما إذا كانت المقاسمة أحظ وفيما إذا كانت المقاسمة مستوية مع الثلث، فعبر بالمقاسمة إذًا عبر بالمقاسمة قلنا فيها ثلاثة أقوال عندهم وينبني على التعبير هل أخذ بالتعصيب أو أخذ بالفرض، هذه الحالة كما ذكرنا هي الحالة الأولى وهي الجد مع أحد الصنفين إخوة أشقاء أو إخوة لأب ولم يكن معهم صاحب فرض حينئذٍ له الخيار بين آمرين المقاسمة أو ثلث جميع المال بشرط أن لا يكون معه صاحب فرض، ولذلك قال:
إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذُو سِهَامِ
…
فَاقْنَعْ بِإِيْضَاحِي عَنِ اسْتِفْهَامِ
(إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) أي مع الجد والإخوة في قوله: (يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ فِيْهِنَ إِذَا). ثم قال: (فَتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كَامِلَا). إذا لم يكن هناك معه في المسألة ذو سهامي يعني أصحاب فروضٍ، إن لم يكن هناك مع الجد والإخوة ذو سهام، ذو بالإفراد صاحب سهامٍ. وهناك البيجوري لا يرى هذا، يرى أنه لا يستقيم به الوزن وأن النسخة الأخرى [ذُووا سِهَامِ] ذووا بالجمع وهذا يشير إليه الشارح هنا حيث قال: أي أصحاب فروض. وبالنسخة الحجرية ذووا بواوين وهو جمع ذو وإن كان شاذًّا إلا أن المراد به هذا أصحاب الفروض. إذًا بصيغة الجمع وأما (ذُو سِهَامِ) لا يستقيم الوزن عليه كما قال البيجوري هناك.
(فَاقْنَعْ) يعني فارضه (فَاقْنَعْ بِإِيْضَاحِي) يعني بتوضيحي (عَنِ اسْتِفْهَامِ) السين هنا للطلب يعني عن طلب الفهم مني بطلب زيادة الإيضاح فإني قد أوضحتها الإيضاح المحتاج إليه، (اسْتِفْهَامِي) تكتب الياء إن كان كثير يحذفونها (اسْتِفْهَامِي) إما أن تكون الياء هذه للإشباع عن الكسرة، وإما أن تكون ياء المتكلم وعليه يكون من باب إضافة مصدر على مفعولها، على كل لا بد من كتابة الياء، ثم ينظر فيها هل هي إشباع يا إطلاق وهي التي يعبر عنها بالإشباع أو ياء المتكلم ويكون من إضافة المصدر لمفعوله.
(إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) مع الجد والإخوة (ذُو سِهَامِ) ذوو سهام أي أصحاب فروض من الزوجين والأم والجدتين والبنت وبنت الابن، هذا ما يتصور إرثه مع الجد، لا يوجد مع الجد صاحب فرض إذا كان ثَمَّ صاحب فرض إلا واحد من هؤلاء السبعة وهم: الزوجان اثنان، والأم ثلاثة، والجدتان خمسة، والبنت ستة، وبنت الابن. هؤلاء سبعة كلهم لا يتصور وجود صاحب فرض مع الجد والإخوة إلا وهو واحد من هؤلاء السبعة (فَاقْنَعْ بِإِيْضَاحِي) لك الأحكام عن الاستفهام عن طلب الفهم مني، وقال: سيأتي بيان معنى القناعة (فَاقْنَعْ) هذا مأخوذ من فعل الأمر يعني ارض فاقنع من القناعة والرضا باليسير من العطاء من قولهم: قَنِعَ بكسر قنوعًا قناعةً أي إذا ارضي. قال هنا الشارح: تنبيه ما ذكر من المقاسمة والثلث حالان من الأحوال الخمسة: قلنا من الأحوال الخمسة لماذا؟ لأن الجد إن لم يكن معه صاحب فرض فله حالان المقاسمة ثلث، إن كان معه صاحب فرض فله ثلاثة حالات أو ثلاثة أحوال، كم هذه؟ خمسة ذكر الناظم منها كم؟ حالين، وهما: المقاسمة والثلث. وما ذكر من المقاسمة والثلث يعني ثلث جميع المال حالان من الأحوال الخمسة التي هي المقاسمة أو ثلث المال إن لم يكن هناك صاحب فرض أو المقاسمة أو الثلث الباقي أو سدس جميع المال إن هناك صاحب فرض.
تبقى ثلاثة أحوال تذكر فيما إذا كان معهم صاحب فرض سيذكرها فيما بعد.
قال: (ويرجع الحالان) حالان بالنون وهما المقاسمة وثلث المال، لا زال الحديث في النوع الأول: ويرجع الحالان كما تقدم إلى ثلاثة أحوال، ما هي الثلاثة الأحوال؟ نزيد على سابق ماذا؟ حالة واحدة، وهي استواء المقاسمة وثلث المال فصارت ثلاثة، ولذلك قال: (ويرجع الحالان عند التفصيل إلى ثلاثة أحوالٍ من عشرة. هذه منها سبعة إذا كان معه صاحب فرضٍ، سبعة أحوال ستأتي ومع الثلاثة صارت عشرة، إذًا كلها عشرة. يبقى سبعة ستأتي إن شاء الله تعالى فيما إذا كان معه صاحب فرض في ثلاثة أحوال وهي المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال، وهي مكملة الأحوال خمسة لقوله:
(وتارة يأخذ ثلث الباقي بعد ذوي الفروض والأرزاق).
إذًا هذه خلاصة ما ذكره الصنف الأول أو الحال الأولى مع صنف أو أحد صنفي الإخوة إن لم يكن معهم صاحب فرض حينئذٍ هو مخير بين أمرين على جهة الإجمال المقاسمة أو ثلث جميع المال، وعند التفصيل نزيد عليه حالة وهي استواء المقاسمة مع ثلث جميع المال، والله أعلم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.