الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* باب الأكدرية.
* بيان ما هي الأكدرية.
* كيف يفرض للأكدرية، وبيان فرضها.
* باب الحساب.
* أهمية الحساب.
* التأصيل والتصحيح والقسمة.
* عدد الأصول، وبيان ما يعول منها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال الناظم رحمه الله تعالى: (بَابُ الأَكْدَرِيَّة)
لما كان من الأحكام السابقة في الجدّ أنه حيث بقي بعد الفروض قَدْرُ السدس أخذه الجد، وسقطت الإخوة إلا الأخت في الأكدريّة، هذا أصل، ومنها من هذه الأصول السابقة أنه لا يُفرض للأخت مع الجد في غير مسائل المعادّة إلا الأخت في الأكدرية، وكان من أحكام العاصب والجد من العاصب أنه إذا استغرق أصحاب الفروض التركة حينئذٍ سقط العاصب إلا الأخت في الأكدرية حينئذٍ ناسب أن يذكر هذا الباب بعد باب الجد والإخوة، وإلا هي مسألة داخلة فيما سبق، يعني: مرّ معنا في ثلاث مواضع استثناء الأخت في الأكدرية، ما هي هذه الأكدرية؟ هي التي عنون لها بهذا الباب، (بَابُ الأَكْدَرِيَّة) أي باب بيان المسألة المسماة أو المعنونة بالأكدرية وسيأتي لماذا سميت بالأكدرية، حيث قال:(تُعْرَفُ يَا صَاحِ بِالأَكْدَرِيَّةْ).
قال رحمه الله تعالى:
وَالأُخْتُ لا فَرْضَ مَعَ الْجَدِّ لَهَا
…
فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً كَمَّلَهَا
زَوْجٌ وَأُمٌّ وَهُمَا تَمَامُهَا
…
فَاعْلَمْ فَخَيْرُ أُمَّةٍ عَلَاّمُهَا
تُعْرَفُ يَا صَاحِ بِالأَكْدَرِيَّةْ
…
وَهْيَ بِأَنْ تَعْرِفَهَا حَرِيَّةْ
(وَالأُخْتُ لا فَرْضَ مَعَ الْجَدِّ لَهَا) الأخت مبتدأ، و (لَا) نافية للجنس، واسم (لَا فَرْضَ)، وقوله:(لَهَا) متعلق بمحذوف خبر لا النافية للجنس، ولا النافية للجنس مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ، وهو الأخت، وقوله:(مَعَ الْجَدِّ). هذا ظرف متعلق بمحذوف حال، يعني الأخت لا فرض لها، قَدِّم الجار مع الجد، يعني حال كونها مع الجد، والأخت لا فرض لها حال كونها مع الجد، هنا الناظم أطلق الأخت حينئذٍ يشمل الأخت الشقيقة والأخت لأب والأخت لأم، صحيح؟ يشمل ماذا؟ الشقيقة والتي لأب، إذًا التي لأم لا دخول لها معنا البتة، لماذا؟ لأنها تسقط باتفاق، إنما الخلاف وهو (بَابُ الْجَدِّ وَالإِخْوَة) يعني الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، أما الإخوة لأم هؤلاء يسقطون بالإجماع لأنهم يسقطون بالأب والجد قائم مقام الأب، أسقطوا الإخوة لأم بالجد لكونه قام مقام الأب الساقط للإخوة، وليتهم عمموا فقالوا: كما أن الأب يسقط الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، كذلك الجد قام مقامه ويسقطه.
أما التفصيل بين الإخوة يسقط الجد الإخوة لأم لكونه قام مقام الأب ولا يسقط الجد الإخوة الأشقاء والإخوة لأب مع كونه قائم مقام الأب الذي يسقط الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، هذا التفريق بين المتماثلين لا جواب له إلا بما أوردوه من الأدلة وفيه نظر كما سبق، إذًا قوله:(وَالأُخْتُ). هذا أطلقها الناظم، فيشمل الأخت في هذا الباب، وهو الشقيقة، أو لأب، لا فرض لها مع الجد، لا فرض لها حال كونها مع الجد، يعني: في غير مسائل المعادة، كما قال الشارح، (فِيمَا عَدَا) لا فرض لها هذا الأصل فيه، الأصل أن الأخت لأب أو الأخت للشقيقة لا يفرض لها مع الجد لِمَا سبق في استفاء الأخت الشقيقة أو لأب نصف أو السدس بشرط عدم الأصل الوارث، والأصل الوارث يشمل الأب وإن علا فيدخل فيه الجد، إذًا الأصل مطرد عند الفرضيين أن الجد لا يفرض للأخت معه البتة، وهذا أصل مطّرد، لماذا؟ لأننا أخذنا فيما سبق من شروط استيفاء الأخت الشقيقة أو الأخت لأب الفرض أيًّا كان نوعه عدم وجود الأصل الوارث من الذكور، وهذا مطرد هذا الأصل، قال:(فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً). استثناء، إذًا يفرض لها، الأصل أنه لا يفرض لها، ويستثنى من هذا العام أو من هذا العموم
..................
…
فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً كَمَّلَهَا
زَوْجٌ وَأُمٌّ ...............
…
........................
وهذا خصوص المسألة التي سيذكرها، كأنه قال لك: والأخت لا فرض مع الجد لها إلا في مسألة واحدة فقط فيفرض للأخت مع الجد. حينئذٍ نحتاج إلى دليل يدل على استثناء هذا الخاص وإلا بقينا على الأصل، فمن استثنى صورةً وأخرجها من هذه القاعدة الأخت لا فرض لها مع الجد، حينئذٍ يحتاج إلى دليل خاص، فإن أتى به فعلى العين والرأس، وإلا أبقينا العموم على أصله، ولذلك نقول: العموم باقٍ على أصله وليس معهم دليل صالح لأن يستثنى هذه الصورة من هذا العموم. إذًا (فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً) نقول: الصحيح أنه لا يستثنى، (فِيمَا) ما مصدرية، و (عَدَا) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا يعود على المفهوم مما سبق (مَسْأَلَةً) هذا مفعول به، وهذه من صيغ الاستثناء عند الأصوليين، وكذلك تُسمى عند النحاة، وإلا لا يعرب مسألة هذا لا يُعرب مستثنى وإنما يُعرب مفعولاً به على الأصل، جَاءَ الْقَوْمُ لا يَكُونُ زَيْدًا، زَيْدًا خبر يكون، كذلك هنا
…
(فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً)، (مَسْأَلَةً) هذا منصوب، والناصب له (عَدَا) وهو فعل، وتعينت الفعلية هنا لتقدم ما المصدرية عليها لأنها لا تدخل إلا على الفعل، فعينت أنها فعل، (فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةٍ) وهي الأكدرية، هذه المسألة اجتمع فيها الأخت سواء كانت شقيقة، أو أخت لأب، والجد كملها كمل هذه المسألة، (كَمَّلَهَا) كَمَّلَ الشَّيْء أَكْمَلَهُ، أي: أتمه، كَمَّلَ وأَكْمَلَ بمعنى واحد، (كَمَّلَهَا)، يعني: كَمَّل أركانها، والضمير هنا يعود على المسألة على حذف مضاف، كَمَّلَ المسألة، يعني: كمل أركان المسألة، لأن كل مسألة لها أركان، المسألة الصيغة العامة زوج وأم وجدة وأخت مثلاً، أو جد وأخت، الصورة هذه كلها تسمى مسألة، أليس كذلك؟ أركانها أربعة، الرؤوس الذين أو من يكون وارثًا يعبر عنه بأنه ركن في المسألة، إذا قيل: مسألة زوج وابن، زوج وابن كلٌّ منهما يسمى مسألة، الزوج ركن في المسألة، والابن ركن في المسألة، إذا قيل: ما أركان المسألة؟ لا تقول: زوج وأم .. إلى آخره، تقول: الأول، الركن الأول: الزوج، والركن الثاني: هو الابن، إذًا (كَمَّلَهَا) الضمير يعود على المسألة، لكن على تقدير مضاف، أي: كمَّل أركانها، (زَوْجٌ) هذا فاعل كمَّل، (وَأُمٌّ) معطوف عليه، إذًا أخت وجد وزوج وأم في هذه الصورة، (فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةٍ) استثنيت مسألة واحدة، وهي: فيما إذا اجتمع جد وأخت شقيقة، أو أخت لأب مع زوج ومع أم، قال:(وَهُمَا تَمَامُهَا). قلنا: الزوج هذا فاعل كمل، (وَأُمٌّ) معطوف عليه، (وَهُمَا تَمَامُهَا)(وَهُمَا) الضمير في الأصل يعود إلى أقرب مذكور، (وَهُمَا)، أي: الزوج والأم، (تَمَامُهَا)، يعني: تمام أركان المسألة، الضمير يعود على المسألة لكن على تقدير مضاف، تمام المسألة (زَوْجٌ وَأُمٌّ وَهُمَا تَمَامُهَا)، إذًا الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهذا هو الأولى، يرد عليه أنه كرر لأنه قال:
(
…
كَمَّلَهَا
زَوْجٌ وَأُمٌّ وَهُمَا تَمَامُهَا)
هنا كَمَّل الشيء يعني أتمه، إذًا فيه تكرار وهو مغتفر لأنه يريد زيادة الإيضاح فقط، وإلا في الأصل أنه بعيدٌ في المختصرات، وهذه ((الرحبية)) مختصر، حينئذٍ الأصل أن لا يأتي بمثل هذا الحشو، إذًا (وَهُمَا تَمَامُهَا) الضمير يعود على الزوج والأم، (وَهُمَا) مبتدأ، و (تَمَامُهَا) خبر، والضمير يعود للمسألة على تقدير مضاف، أي: تمام أركانها أو هما، أي الجد والأخت، تمامها مع الزوج والأم، لكن إذا قيل بهذا بأن الضمير يعود على الجد والأخت حينئذٍ يكون فيه شيء من التناقض لأنه قال في الأول:
وَالأُخْتُ لا فَرْضَ مَعَ الْجَدِّ لَهَا
…
فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةً كَمَّلَهَا
يعني: زيادة على الجد والأخت زوج وأم، ثم يقول:(وَهُمَا). أي الأخت والجد (تَمَامُهَا) وصف الزوج والأم بأنهما تمام المسألة، أليس كذلك؟ ثم قال:(وَهُمَا) أي الجد والأخت، (تَمَامُهَا) هذا فيه نوع تعارض تناقض، لكن نجيب بأن هذا أمر اعتباري فكل منهما تمامها مع الآخر، إذًا كل منهما مكمل للآخر على كلٍّ قوله:(وَهُمَا تَمَامُهَا). هذا حشو من الناظم رحمه الله تعالى أراد به تتميم الشطر الأول، (فَاعْلَمْ) الفاء هذه استئنافية، (فَاعْلَمْ) هذا أمرٌ من العلم، يعني حصل العلم بالأكدرية وبغيرها، كما قال الشارح وغيره، بالأكدرية وبغيرها لأنه أطلق وحذف المعمول، اعلم ماذا؟ حذفه، اعلم هذه المسألة وغيرها، وحذف المعمول يوزن بالعموم حينئذٍ يعم (فَاعْلَمْ) هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم، لماذا نعمم؟ لأنه قال:(فَخَيْرُ أُمَّةٍ عَلَاّمُهَا). علامها ليس بالأكدرية فحسب، خير أمة خير جماعة أفضل جماعة (عَلَاّمُهَا) يعني عالمها، حينئذٍ هذا يستقيم مع تقييد العلم بالأكدرية أو أنه يعم؟ يعم لا شك، (فَخَيْرُ أُمَّةٍ عَلَاّمُهَا) الذي يعلم الشريعة كلها هذا الأصل، وما يحتاجه الناس، وأما الأكدرية فقط ثم يقال بأنه عالم رجعنا إلى التَّخَصُّص، (فَاعْلَمْ فَخَيْرُ) خير هذا أفعل التفضيل، أصلها أخير، حذفت الهمزة منه تخفيفًا، أي: أكمل، (أُمَّةٍ)، أي: جماعة، (عَلَاّمُهَا)، يعني: علام تلك الأمة، وعلام هذا صيغة مبالغة تزاد فيه التاء كثيرًا لتأكيد المبالغة، هنا قال الشارح: أي عالمها. صرف وَأَوَّل الظاهر إلى شيء لا مبالغة فيه، (فَاعْلَمْ فَخَيْرُ أُمَّةٍ عَلَاّمُهَا)، أي: عالمها، وأتى بصيغة المبالغة لمزيد الاهتمام بالعلم، يعني: لطلب الاهتمام الزائد بالعلم، إذًا صرف الشارح ظاهر العبارة إلى شيء لا مبالغة فيه، وهذا يسمى تأويل بما ليس فيه مبالغة للإشارة إلى أنه لا يتوقف حصول فضل العلم على كثرته، بل يحصل لمن كان عنده أصل العلم ولو على غير وجه المبالغة لكنه يتفاوت الفضل بتفاوت أصحابه، إذًا (فَخَيْرُ أُمَّةٍ عَلَاّمُهَا) الخيرية هذا فضل، هل هو ثابت لمن كان كثيرًا العلم فقط أم يشمل من كان كثير العلم ويشمل ما هو دون ذلك ممن معه أصل العلم؟ لا شك أنه الثاني، حينئذٍ نحتاج إلى التأويل، وفضل العالم والعلم مشهور، وتقدم الشيء مما يدل على فضل العلم والعلماء في شرح المقدمة.
تُعْرَفُ يَا صَاحِ بِالأَكْدَرِيَّةْ
…
وَهْيَ بِأَنْ تَعْرِفَهَا حَرِيَّةْ
(تُعْرَفُ) هذه المسألة، وهذا الفعل مضارع مغير الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المسألة السابقة، ولذا أنّثه واجب لأنه متقدم عليه، إذا عاد الضمير على مؤنث مجازي وجب تأنيث الفعل أو ضمير، (تُعْرَفُ يَا صَاحِ)(يَا صَاحِ) هذا نداء، والأصل يا صاحبي، أو يا صاحب بدون الإضافة يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وهذا يسمى ترخيمًا حذفت الباء هنا ويسمى ترخيمًا، والترخيم حذف الآخر للنداء، لكنه هنا في هذا المقام شاذ لأنه ليس بعلم ولا للتأنيث إنما يكون قياسًا فيما إذا كان علمًا أو كان ذا تأنيثًا، قال:(يَا صَاحِ). بالترخيم فهو شاذ هنا لما ذكرناه، بالكسر للحاء أو بالضم يجوز فيه الوجهان، يعني: يا صاحِ، يا صاحُ. يجوز فيه الوجهان، (يَا صَاحِ) بالكسر على لغة من ينتظر، يعني: ينتظر الحرف الآتي، يبقى حركة الحرف قبل المحذوف على حالة، يا منصُ .. يا طلحة .. يبقى كما هو، وبالضم على لغة من لا ينتظر، يعني صار الحرف المحذوف نسيًا منسيًّا، وصار الحرف الذي أوقف عليه كأنه هو الذي آخر الكلمة، إذًا يا صاحِ يا صاحُ، يا صاحِ بالكسر على لغة من ينتظر، وبالضم على لغة من لا ينتظر، أي: يا صاحب، وهذا مع كثرته في لسان العرب، يعني:(يَا صَاحِ)، إلا أنه شاذ يحكم بشذوذه، (بِالأَكْدَرِيَّةْ) جار ومجرور متعلق بقوله:(تُعْرَفُ). أي: تعرف هذه المسألة التي قصدها بقوله:
(
…
فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةٍ كَمَّلَهَا
زَوْجٌ وَأُمٌّ)
هذه المسألة تعرف بالأكدرية، يعني: بهذا الاسم، فهذا الاسم عنوان وعلم على مسمى زوج جد وأخت وزوج وأم، إذا أطلقت الأكدرية انصرفت إلى هذا النوع من المسائل.
وسبب التسمية قيل لأنها كَدَّرَت على زيد رضي الله عنه مذهبه، المذهب أنها ما ترث، لأن الجد هنا استغرق السدس لم يبقَ إلا السدس، حينئذٍ إذا لم يبقَ إلا السدس قلنا: الأحوال أربعة متى يرث الإخوة الأشقاء أو لأب أو أحدهما مع الجد؟ إذا بقي السدس وزيادة، في هذه الحالة تأتي مسالة الإرث السابق، وأما إذا لم يبق شيء، أو بقي دون السدس، أو بقي السدس فقط، فأصل زيد بن ثابت المطرد أن الإخوة يسقطون في هذه الحالة، ولكن في هذه المسألة وَرَّثَهَا كدرت عليه أصوله، يعني: عكرت عليه أصوله، كونها كدرت على زيد رضي الله عنه مذهبه، وتعرف بالغرّاء أيضًا لظهورها حتى صارت كالكوكب الأغرّ، إذ ليس في مسائل الجد مسألة يفرض فيه للأخت في غير مسائل المعادّة سواها، إذًا (تُعْرَفُ يَا صَاحِ بِالأَكْدَرِيَّةْ) لأنها كدرت على زيد رضي الله تعالى عنه مذهبه، لأن زيدًا لا يفرض للأخوات مع الجد شيئًا، ولا يعيل، بل يسقط الإخوة معه إذا لم يبق لهم شيء، أو بقي أقل من السدس، أو لم يبقَ إلا السدس، فيسقطهم في هذه الأحوال الثلاثة، وإذا بقي زيادة على السدس حينئذٍ يرد السؤال في كيفية توريث الإخوة مع الجد، وأما إذا لم يبقَ إلا السدس فحينئذٍ تسقط الإخوة الشقيقة ومن عداها، والأصل في هذا المقام أنها تسقط ولكنه ورثها، (وَهْيَ بِأَنْ تَعْرِفَهَا حَرِيَّةْ)(وَهْيَ) أي هذه المسألة مبتدأ، و (حَرِيَّةْ) خبره (وَهْيَ) أي هذه المسألة، (بِأَنْ تَعْرِفَهَا) تعلمها تعرف أركانها وكونها مستثناه، لأن الذي خرج عن الأصل لا بد من التنصيص عليه، وأما ما دخل تحت أصل عام لا نحتاج إلى التنصيص على كل فرد من أفراده، صحيح؟ إذا كان عندنا أصل عام يدخل تحته ما لا ينحصر من المسائل تحتاج إلى مثال أو مثالين لتحقيق هذا الأصل، وأما الذي خرج عن الأصل لا بد من التنصيص عليه، إذ لا يعرف إلا بذكره لأنه شيء خاص، والعلم بالخاص لا بد أن يُخَصّ، وأما ما دخل تحت أفراد تحت لفظ عام أو أصل عام لا نحتاج إلى التنصيص، فلذلك قال:(وَهْيَ). أي: هذه المسألة الأكدرية، (بِأَنْ تَعْرِفَهَا) جار ومجرور متعلق بقوله:(حَرِيَّةْ).
و (حَرِيَّةْ)، يعني: حقيقة بذلك، يقال: حَرَى به حرًا، خَلُقَ به وَجَذُرَ فهو حريٌّ وهي حرية، فحينئذٍ على الأصل الزوج والأم والجد، نقول: الزوج له النصف، الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الزوج له النصف، والأم لها الثلث، حينئذٍ نصف وثلث، مسألة من ستة حينئذٍ [سدس الستة] نعم النصف، نصف الستة ثلاثة، فالزوج له ثلاثة، والأم اثنان، كم؟ خمسة، بقي واحد، وهو: السدس التركة يكون للجد، إذًا ماذا بقي؟ بقي السدس فقط، الأخت الشقيقة أو لأب حينئذٍ الأصل لا شيء لها، على القول الراجح وهو مذهب أبي بكر الصديق وغيره كما ذكرناه سابقًا، حينئذٍ المسألة تكون هكذا الزوج له النصف ثلاثة من ستة، والأم لها الثلث اثنين من ست، يبقى واحد وهو السدس حينئذٍ يكون للجد، والأخت الشقيقة والأب لا شيء لها، وهذا هو الصحيح، ولكن ذهب زيد رضي الله تعالى عنه مذهبًا آخر، ففرض للأخت الشقيقة النصف، والزوج له السدس، وعالت المسألة، ثم سيأتيكم بقية القصة، (وَهْيَ بِأَنْ تَعْرِفَهَا حَرِيَّةْ) فللزوج النصف، وللأم الثلث، فأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللأم اثنتان، ويبقى واحد وهو قَدْر السدس فيأخذه الجد، هذا الأصل، وهذا المقتضى القواعد السابقة بأن تسقط الأخت لأنه لم يبقَ إلا السدس، وهو مذهب الحنفية، وهو الصحيح، وأما المذهب عند الحنابلة لأنهم يورثون الإخوة مع الجد، وهو المختار عندهم مذهب زيد بن ثابت، وكذلك المالكية، والشافعية، وعليه الرحبي هنا قال:(فَيُفْرَضُ النِّصْفُ لَهَا وَالسُّدْسُ لَهْ). إذًا لم يعملوا بما ذهبت إليه الأصول العامة وهو المرجح عند الحنفية، يعني: قلبوا الأصول ونظروا نظرًا آخر، قالوا: نفرض لهذه الأخت النصف، والسدس للجد، حينئذٍ تعول المسألة، لأنك إذا قلت نصف للشقيقة، والسدس للجد ما زالت المسألة من ستة، أليس كذلك؟ النصف للزوج ثلاثة، الثلث للأم اثنان، النصف للأخت الشقيقة، ثلاثة ستة سبعة ثمانية، السدس للجد تسعة، إذًا عالت إلى تسعة وهو الزيادة في عدد الأسهم، (حَتَّى تَعُولا) إلى أن تعول (بِالْفُرُوْضِ) بسبب الفروض، يعني: بزيادة الفروض لأنهم زادوا نِصْفًا وسدسًا، وأما في الأول الباقي وهو السدس صار للجد، حينئذٍ فرضوا للأخت الشقيقة النصف، وفرضوا للجد السدس، فحينئذٍ عالت المسألة إلى تسعة (حَتَّى تَعُولا) والعول زيادة في السهام، ويلزمه النقص في الأنصبة، (حَتَّى تَعُولا بِالْفُرُوْضِ) يعني بسببها (الْمُجْمَلَةْ) اسم مفعول أُجْمِلَ والمراد بها الْمُجْتَمَعَة أو الْمُجْتَمِعَة، نعم المجتمَعة الفروض المجتَمَعة، يقال: جَمَلَ الشَّيْءُ جَمْلاً جمعه عن تفرّقٍ، وَأَجْمَلَ الشيء جمعه عن تفرق، إذًا أَجْمَلَ وَجَمَلَ بمعنًى واحد، مُجْمَلة هنا اسم مفعول من أُجمِلَ، وهو بمعنى جَمَلَ، إذًا على مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة القائلين بأن الجد لا يحجب الإخوة قالوا:(فَيُفْرَضُ).
الفاء للتفصيل، وهو فعل مضارع مُغَيَّر الصيغة، (النِّصْفُ) نائب فاعل، (لَهَا) للأخت الشقيقة أو لأب، والفرض هنا ليس مطلقًا وإنما ابتداءً، يعني: أول الأمر يفرض للأخت النصف، يعني: مثل معادّة الإخوة لأب مع الأشقاء، يعدّونهم أولاً ليس على جهة الاستمرار، وإنما في أول المسألة ثم يتغير الحكم فيما سيأتي، هنا يفرض للأخت لأب أو الشقيقة النصف، نقول: ابتداءً، لا استمرارًا وثبوتًا، لأنه سيسلب منها بعد ذلك، (فَيُفْرَضُ النِّصْفُ لَهَا) ابتداءً لقوله فيما سيأتي:(ثُمَّ يَعُوْدَانِ إِلَى الْمُقَاسَمَةْ). ومعلوم أن المقاسمة تعصيب، وهنا قال: يفرض. والتعصيب والفرض في شيء واحد في محل واحد في وقت واحد هذا في الأب والجد وارد فيما سبق أنه يرث في مسألة واحدة بالتعصيب والفرض، يعني يأخذ السدس وما زاد من جهة ثانية، أما أن يُفرض له في أول المسألة فرضًا ثم يسلب هذا الفرض وفي نهاية المسألة يرث بالتعصيب، هذا لا نظير له، يعني كون وارث واحد يرث بالفرض في أول المسألة، ثم يصل إلى ختام قسمة التركة ويرث بالتعصيب، هذا لا وجود له، بل هو تناقض ومنافٍ لمقصود الشرع فيما سبق تقريره من كون الرب جل وعلا قد قَسَمَ هذه المواريث فكًّا ورفعًا للنزاع بين الورثة، (فَيُفْرَضُ النِّصْفُ لَهَا) ابتداءً لا استمرارًا، لقوله فيما سيأتي:(ثُمَّ يَعُوْدَانِ إِلَى الْمُقَاسَمَةْ). (وَالسُّدْسُ لَهْ)، يعني: للجد، وإذا فرض النصف لها عالت المسألة، يعني: زادت السهام، ويلزم منه حينئذٍ النقص في الأنصبة، (حَتَّى تَعُولا) المسألة (بِالْفُرُوْضِ الْمُجْمَلَةْ)، أي: المجتمعة إلى تسعة، للزوج ثلاثة، وللأم اثنان، وللجد واحد، وللأخت ثلاثة، لكن إذا أعطينا الأخت ثلاثة وهي نصف الستة والباقي واحد للجد حينئذٍ أخذت الأخت أكثر من الجد، [وسبق أن مراعاة الأخ نعم](1) سبق أن المقاسمة مقاسمة الإخوة للجد والجد للإخوة إنما تنزل منزلة التعصيب، فيجعل الجد كالأخ الشقيق، حينئذٍ يعامل معاملة الأخ الشقيق، ومعلوم هناك من القاعدة أن الأخ الشقيق لا تأخذ أخته أكثر منه بل هو يأخذ أكثر منها، إذًا خالف قضية المقاسمة، ولذلك قال الشارح هنا: لكن استدراكًا لما سبق لما كانت الأخت لو استقلت بما فرض لها نصف وهو الثلاثة لزادت على الجد، وما المانع؟ قالوا: المانع لأن الجد ينزل مع الإخوة منزلة الأخ الشقيق، قد قال الله تعالى:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. حينئذٍ لا بد أن يأخذ الجد ضعف الأخت الشقيقة لأنه منزل منزلة الأخ الشقيق، إذًا هذا عكس قضية أخرى، فنظروا إلى أصل آخر، فأرادوا أن يقلبوا الإرث فيجعلوا للجد ضعف ما للأخت الشقيقة، ففرضوا لها ابتداءً النصف، وللجد السدس، صارت أربعة [ثلاثة] صارت أربعة حينئذٍ قالوا: نجمع بينكما فترثون بالتعصيب، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، فيكون الجد أخذ ضعف ما للأخت للشقيقة، إذًا يفرض لها أولاً النصف ثلاثة من ستة، والجد له السدس واحد المجموع أربعة، ثم بعد نهاية المسألة يأخذ الزوج نصيبه والأم نصيبها، يقال للأخت الشقيقة وللجد: أنتِ في هذه المسألة أخذت ضعف ما للجد.
(1) سبق.
وهذا منكر لا بد أن نقلب عليك الأمر، فَيُسْلَبُ منها النصف، انتهى ابتداءً فقط، ثم إذا أخذوا الثلاثة والأربعة قالوا: المسألة من أربعة على ثلاثة. ثلاثة ما هما؟ الجد باثنين، والأخت الشقية واحد، إذًا أربعة على ثلاثة حينئذٍ تحتاج إلى تصحيح، ولذلك قال هنا: لكن لما كانت الأخت لو استقلت بما فُرض لها وهو النصف ثلاثة من ستة لزادت على الجد، رُدت بعد الفرض إلى التعصيب بالجد، بعد هكذا الشرح عندكم فيه خلل، رُدّت بعد الفرض إلى التعصيب بالجد، إذًا في أول الأمر ترث بالفرض، وفي نهاية المسألة ترث بالتعصيب، وهذا تناقض، فيضم حصته لحصتها ويقتسمان الأربعة بينهما أَثْلاثًا، لكنها لا تنقسم أَثْلاثًا صحيحة، حينئذٍ نضرب الثلاثة في المسألة تعول .. كما سيأتي في التصحيح {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ولذلك قال الناظم:(ثُمَّ). ثم للترتيب، يعني بعد أن نعطي الأخت الشقيقة النصف ثلاثة من ستة، ونعطي السدس للجد واحد من ستة صار المجموع أربعة، (ثُمَّ يَعُوْدَانِ)، أي: الجد والأخت، (إِلَى الْمُقَاسَمَةْ) بينهما {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ،فينتقل الإرث من الفرض إلى التعصيب، (كَمَا مَضَى)، أي: مثل ما مضى، والذي مضى ما هو؟ المقاسمة، المقاسمة التي مضت (يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ فِيْهِنَ)، ثم قال:
وَهْوَ مَعَ الإِنَاثِ عِنْدَ الْقَسْمِ
…
مِثْلُ أَخٍ في سَهْمِهِ وَالْحُكْمِ
(مِثْلُ أَخٍ) يعني أخ شقيق أو الأب (في سَهْمِهِ) في نصيبه (وَالْحُكْمِ) المعهود أو على التعميم، حينئذٍ يعود الجد مع الأخت إلى المقاسمة، (ثُمَّ يَعُوْدَانِ إِلَى الْمُقَاسَمَةْ ** كَمَا مَضَى) أي مثل المقاسمة التي مضت من أنه يقاسم كأخٍ شقيق، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، (فَاحْفَظْهُ) إذا علمت ذلك (فَاحْفَظْهُ)، الفاء هذه فاء الفصيحة، (فَاحْفَظْهُ) بقلبك، أي: ما ذكرته لك كما سبق، فكل حافظ إمام، (وَاشْكُرْ نَاظِمَهْ)، يعني: ناظم ما ذكر، هذه المسألة وغيرها، تشكره بماذا؟ قال: بالدعاء له، أو بذكره بالجميل، أو بغير ذلك، لأنه قد صنع لك معروفًا بنظمه لك الأحكام وبيانها، رحمه الله رحمة واسعة، وقد روى الترمذي وغيره عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من صَنع إليه» . أو «من صُنع إليه معروفًا فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا. فقد أبلغ في الثناء» . قال الترمذي رحمه الله: حديث حسن غريب. وروى البيهقي رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صُنع إليه معروفًا فليكافئه، فإن لم يستطع فليذكره، فمن ذكره فقد شكره» .
إذا أفادك إنسان بفائدة
…
من العلوم فلازم شكره أبدا
فقل فلانٌ جزاه الله صالحةً
…
أفادينها وألقِ الكبر والحسدا
هكذا قيل، إذًا هذه المسألة صورتها زوج وأم وجد وأخت، على الصحيح الزوج له النصف، والأم لها الثلث، والجد الباقي السدس، سواء كان تعصيبًا أو فرضًا، المسألة من ستة حينئذٍ اكتفينا تسقط الأخت الشقيقة أو أخت لأب، على المذهب وعليه الجمهور أنه يُفرض للأخت الشقيقة النصف، والجد له السدس، المسألة حينئذٍ تعول، هي من ستة تعول إلى تسع، إذا أخذت الأخت الشقيقة نصيبها ثلاثة من ستة وهو النصف، والجد واحد من ستة وهو السدس، حينئذٍ صار المجموع أربعة، (يَعُوْدَانِ إِلَى الْمُقَاسَمَةْ)، بمعنى أنه ينتقل من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، وهذا فيه خلل، المسألة هذه كلها خلل من أصلها، ولذلك أورد الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عليها في شرحه على ((الرحبية)) قال: فيها ما يأتي:
أولاً: إنقاص حق الزوج يعوّل المسألة عليه، لأن ثلاثة من ستة ليس كثلاثة من تسعة أقل، فأنقصوا حق الزوج مع أن الله عز وجل فرض له النصف نصف الثلاثة، إذا عالت المسألة فرق بأن يقال لك: ثلاث من ست، وثلاث من تسع. فرق بينهما، إنقاص حق الزوج يعول المسألة عليه، هذا أولاً.
ثانيًا: إنقاص الأم من حقها وليس هناك من ينقصها لا ولد ولا جمع من الإخوة، هذا خلل ثاني.
ثالثًا: فرضوا للأخت مع الجد، ولا فرض لها مع الأصل لوارث، خالفوا الأصل، والأصل هذا مطرد، يحتاج في الاستثناء إلى دليل ولا دليل.
رابعًا: أنقصوا حق الجد عن السدس، نعم، وليس هناك موجب ما ينقصه عنه فاجتمعت هكذا قال رحمه الله، فاجتمعت هذه الأخطاء على هذا القول، وهذا ما يبين بطلان القول بتوريث الإخوة مع الجد، وتناقض القائلين بذلك، لا تشهد له الأصول ولا تعضده آية ولا حديث، والصواب في ذلك إسقاط الإخوة بالجد، وعلى هذا تكون المسألة زوج وأم وجد وشقيقة، المسألة من ستة وتسقط الأخت الشقيقة على ما ذكرناه سابقًا، انظر تعبير العلماء هنا عن هذا القول بأنه باطل، ولا يقال بأن الخلاف هنا معتبر وله أدلته
…
إلى آخره، لأنه خلاف ضعيف، وهذا مما يؤكد لك أن الجمهور قد لا يكون عندهم مستند، ليس مطردًا هذا لكن قد يكون قول الجمهور قول باطل لا أصل له، ويكون مخالف للقواعد العامة والأصول العامة بل نصوص الوحيين ونحو ذلك، وهذه المسألة واضحة بينة، من قال بإسقاط الإخوة مع الجد له ظاهر الكتاب والسنة، إن لم نقل نصوص الكتاب والسنة، ومن اجتهد ليس معه إلا الرأي المحض، حينئذٍ نقول: لا اجتهاد مع النص، فإن اجتهد فقوله ضعيف لا يعول عليه، ولا نقول هذا من الخلاف السائغ في مثل هذه المسائل، ولا يُعَكِّر عليك أنه قول الجمهور.
قال رحمه الله تعالى: (بَابُ الْحِسَاب)
لما انتهى مما يتعلق بالجزء الأول من أجزاء أو من جزئي علم الفرائض وهو فقه المواريث نحتاج إلى معرفة ما يتعلق بقسمة المواريث.
فالأول يتعلق بالفتوى والنظر في الحكم الشرعي.
والثاني يتعلق بكيفية تقسيم التركة.
ولذلك نحتاج إلى معرفة الحساب، وثَمَّ حساب خاص عند الفرضيين، وليس هذه الكلمة مطلقة فيستوي الحساب ما عند الفرضيين وما عند غيرهم لا، بل ثَمَّ حساب خاص له قواعده الخاصة عندهم، ولذلك أل هنا للعهد الذهني، يعني الحساب المعهود عند الفرضيين.
(بَابُ الْحِسَاب)، أي: هذا باب بيان الحساب، بمعنى المسائل المتعلقة بتأصيل المسائل وتصحيحها، وهو الجزء الثاني من علم الفرائض كما ذكرناه، العلم بقسمة المواريث، وهذا لا يكون إلا بعد فقه المواريث، يعني: ما يكون من قسمي الإرث فرض وتعصيب ومعرفة أصحاب الفروض ومستحقيها ونحو ذلك، حينئذٍ كيف نوزع هذه الفرائض على أصحابها، العلم بقسمة المواريث، وأل في الحساب للعهد، والمعهود حساب الفرائض، أو أنها عِوَضٌ عن المضاف إليه، ولذلك قال الشارح: باب الحساب، أي: حساب الفرائض، وهو تأصيل المسألة وتصحيحها، لا علم الحساب المعروف. قوله: حساب الفرائض وهو تأصيل المسألة. يعني تحصيل، يعني إيجاد تأصيل المسألة، وأما تأصيل المسألة بأنه هو الحساب هذا تعريف له بالمعنى المصدري كما ذكره البيجوري، وهو بهذا المعنى ليس هو الجزء الثاني من علم الفرائض، نحتاج إلى التأويل، يعني: وهو، أي: حساب الفرائض تحصيل، كيف نوجد أصل المسألة؟ هنا المراد، ثم أصل المسألة قد يكون صحيحًا فلا إشكال، وقد يكون منكسرًا حينئذٍ نحتاج إلى التصحيح ونحتاج إلى ركن ثالث وهو قسمة المواريث، لا علم الحساب المعروف، وهو علم بأصول يتوصل بها لاستخراج المجهولات العددية، وهذا عام يشمل الحساب حساب الفرائض ويشمل غيرها، مع أنه لا بد من معرفته لمن يريد إتقان علم الفرائض، نعم الذي يريد إتقان علم الفرائض ويعطي كل ذي حق حقه لا بد أن يعرف الجمع والطرح والقسمة ونحو ذلك، ويفرق بين البسط والمقام وكل ما يتعلق بهذه المسائل، وإلا كيف يصل إلى النتيجة؟ مع أنه لا بد من معرفته لمن يريد إتقان علم الفرائض، كما قال الشيخ بدر الدين سبط المارديني رحمه الله تعالى في شرحه على الكتاب.
وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ
…
لِتَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ
وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا
…
وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا
فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ
…
وَلَا تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ
(وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ)، أي: وإن ترد معرفة، (مَعْرِفَةَ) بمعنى العلم على المشهور عند أهل اللغة، لأن العلم والمعرفة مترادفانً، لأن المعرفة والعلم مترادفان، وهذا في حق المخلوق، يعني: إذا قيل بهذه المسألة لا تأتي تعمم هل يُطلق لفظ المعرفة على الله عز وجل؟ وأنه مسبوق بجهل، وأنه إدراك
…
إلى آخره، نقول: هذه الإرادات لا ترد، وإنما المراد به في شأن المخلوقين، فالعلم والمعرفة مترادفان، ويفسر كل منهما بالإدراك، ثم الإدراك باعتبار متعلقه إن كان مفردًا فهو تصوّر، وقد خصه بعضهم بالمعرفة، وإن كان مركبًا فهو العلم، فهو تصديق، حينئذٍ العلم علمان: علم تصوّر، وعلم تصديق. بعضهم خص علم التصور بالمعرفة، قال: هو معرفة. فالمعرفة إدراك المفردات، والعلم إدراك المركبات، وخاصة إذا كانت هذه المركبات قضايا عامة كلية فلا يتعلق بها المعرفة فلا يقال، لكن هنا المصنف أورده بماذا؟ أورده بمعنى العلم، لأن الحساب المراد به هنا القضايا الكلية المتعلقة بتأصيل المسائل وتصحيحها، هذا المراد به، المسائل الكلية مثل القواعد العامة، مطلق الأمر للوجوب مثلاً، مطلق الأمر للفور، الأمر يفيد التكرار، أو لا يفيد .. كلها قواعد عامة هذه، هنا كذلك، حينئذٍ هذه القواعد العامة إدراكها يسمى علمًا ويسمى معرفةً، ولذلك بعضهم يعرف الفقه بأنه العلم بالأحكام، معرفة الأحكام، ويرد الاعتراض والإجابة عليه هناك، إذًا (وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ)، يعني: وإن ترد معرفة القضايا الكلية المتعلقة بتأصيل المسائل وتصحيحها، فالمعرفة هنا بمعنى العلم، وتفسر بالإدراك، ولما كان الحساب هنا أل للعهد العلمي أو الحضوري وكان المراد به المسائل الكلية والقواعد الكلية حينئذٍ نفسر المعرفة هنا بالتصديق، المراد بها التصديق، يعني: الإدراك المفرد، ليس عندنا مفرد هنا، (وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ)، أي: حساب الفرائض المعهود، فأل حينئذٍ جعلها الشارح هنا علمية للعهد العلمي علمًا على حد قولك: خَرَجَ الأَمِيرُ. إذا لم يكن في البلد إلا أميرٌ واحد، فحينئذٍ إذا ذُكر الحساب في هذا الفن لا ينصرف إلا للحساب المذكور وهو حساب الفرائض، (لِتَهْتَدِي)، (وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ) لماذا؟ قال:(لِتَهْتَدِي) فاللام هذه لام العلة، يقال: تهتدي. يقال: هَدَى فلانٌ الطريق. وله وإليه عرَّفَهُ وبينه له ولذلك قال: (لِتَهْتَدِي بِهِ إِلَى) عداه بـ إلى، وهذا مستقيم، لأن هَدَى هنا هَدَى فلانٌ الطريق تعدّى بنفسه ويتعدّى باللام له ّ بـ إلى فلا إشكال فيه، بمعنى عرفه وبينه لهم، (لِتَهْتَدِي بِهِ) في بعض النسخ: فيه. ولا إشكال، فبه، وفيه كل منهما للسببية، يعني: بسببه، وفي تأتي للسببية كما جاء في الحديث:«دخلت امرأة النار في هرة» . «في هرة» . يعني بسبب هرة، إذًا في تأتي للسببية، والباء واضح أنها للسببية، إذًا به، يعني بسببه، بسبب الحساب، أو معرفة الحساب، فالباء سببية، وفي نسخة: فيه. وهي سببية أيضًا، وهي التي شرع عليها البيجوري عندكم هناك، (إِلَى الصَّوَابِ) جار ومجرور متعلق بقوله: (تَهْتَدِي ..
إِلَى الصَّوَابِ) يعني: الصواب في علم الفرائض، لأن من لم يعرف الحساب على أصوله حينئذٍ لا بد وأن يقع في الخطأ الذي هو ضد الصواب، إذًا (إِلَى الصَّوَابِ) أي إلى الصواب في علم الفرائض ليس مطلقًا، والصواب ضد الخطأ وإن قال الشارح هنا خلاف الخطأ، الخلافان أعم، والصحيح أن الصواب والخطأ ضدان، يعني: لا يجتمعان في محل واحد وقد يرتفعان، ولذلك قال: وهو خلاف الخطأ. يعني: مطلق المنافي يعمم، (لِتَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ) والصواب هو الحكم المطابق للواقع، وهو ضد الخطأ الذي هو الحكم غير المطابق للواقع.
وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا
…
وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا
(وَتَعْرِفَ) هذا معطوف على مدخول لام العلة، يعني ولتعرف، لتهتدي إلى الصواب ولتعرف، حينئذٍ تعرف هذا معطوف على قوله:(لِتَهْتَدِي). ولذلك نصبه فهو معطوف على مدخول لام العلة، تعرف ماذا؟ تعرف القسمة والتفصيلا، (الْقِسْمَةَ) اقتسام الشيء قَسَمَ الشَّيء بين القوم، يعني أعطى كلاً نصيبه، وهذا واضح هنا يعني أعطى كل وارث نصيبه، فالمراد بالقسمة هنا قسمة التركات، (وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ) يعني للتركة (وَالتَّفْصِيلا) هذا مصدر، والألف هذه للإطلاق، تفصيلا فصَّل الشَّيء مصدر فَصَّلَ فَعَّل، فصَّل الشيء جعله فصولاً متميزةً مستقلة وهو بمعنى القسمة، تعرف القسمة والتفصيلا كل منهما متعلق بتمييز حظ كل وارث عن غيره، فحصل التفصيل وحصل إعطاء كل واحد لغيره، إذًا يكون قوله:(وَالتَّفْصِيلا)، و (الْقِسْمَةَ) من عطف التفسير، تفصيلا هذا معطوف على القسمة وهو بمعناه، ولذلك جمع بينهما الشارح فقال: وتعرف القسمة والتفصيلا للتركات.
إذًا التفصيل هنا بمعنى القسمة، قال: بين الورثة. هل قسمة التركة خاصة بالورثة؟ سؤال هل قسمة التركة خاصة بالورثة؟
..
[نعم أحسنت]، الحقوق الأخرى، رب الدين، والموصى له، فهو داخل، وإنما ذكر الورثة فقط هنا لأن المقام مقام تفصيل لما يأخذه ويعطاه كل وارث، وإلا ليست قسمة التركة خاصة بالورثة، فقوله: للتركات بين الورثة. كذلك والموصى له ورب الدين، لأن قد يكون الموصى له الثلث ثلث التركة، كيف يخرجه؟ يحتاج إلى إخراج، (وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا) تصحيح والتأصيل، التأصيل قبل التصحيح، يعني: تؤصل المسألة أولاً من ستة مثلاً، ثم إذا وُزِّعت السهام حينئذٍ قد يكون بعض السهام ينكسر على عدد الرؤوس، كما تقول: أربعة على سبعة. كيف توزع هذه؟ تحتاج إلى تصحيح، فالتأصيل سابقٌ والتصحيح لاحق، ويجاب بأن الواو هنا لا تقتضي ترتيبًا كأنه قال: وتعلم التأصيل والتصحيح. يعني: تأصيل المسألة وتصحيح المسألة التي وقع فيها انكسار، والألف في قوله:(وَالتَّأْصِيلَا). للإطلاق، التأصيل مقدم على التصحيح ويجاب بأن الواو لا تقتضي ترتيبًا، بل قوله:(وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا). هذا ثمرة لقوله: (وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا). قسمة التركة متى تكون؟ تؤصل أولاً وتصحح إن مر بك انكسار، ثم تعرف وتقسم التركة، إذًا البيت أو الشطر الأول ثمرة للشطر الثاني، حينئذٍ كيف نجيب؟ نجيب بأن الواو في قوله:(وَتَعْلَمَ). لا تقتضي ترتيبًا ولا تمنعه، يعني كأنه قال في المعنى: تعلم التأصيلا والتصحيح وتعرف القسمة والتفصيلا. قال المحشي هناك: كان ينبغي للناظم تقديم المعرفة المتعلقة بالتأصيل والتصحيح على المتعلقة بالقسمة والتفصيل، لأن الأولى مبنية على الثانية إلا أن يقال إنّ الواو لا تقتضي ترتيبًا فلا اعتراض على الناظم.
وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا
…
وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا
فالمراد حينئذٍ نقول هنا بالحساب القضايا الكلية المتعلقة بتأصيل المسائل وتصحيحها، وذلك غير التأصيل والتصحيح، فمعرفة الأول غير معرفة الثاني، لكن الأول سبب في الثانية، إذًا التصحيح والتأصيل الصواب تقديم التأصيل على التصحيح، ويجاب بأن الناظم هنا أتى بالواو وهي لا تقتضي ترتيبًا ثم يكون ثمرة ذلك قسمة التركة، قال هنا: وتعرف التصحيح والأصول. في الشرح، وهذا ليس موافقًا للطبعة الحجرية التي عندي، إنما هو علَّه من التصحيح، للمسائل فإن قسمة التركات تبنى على ذلك، إذًا ذكر في هذا البيت ثلاثة أشياء:
أولاً: تأصيل المسائل.
ثانيًا: تصحيح المسائل.
ثالثًا: قسمة التركة.
ولذلك نقول: بعد أن يعرف الفرضي الفتوى في الفرائض، يعني: متى يستحق هذا النصف؟ متى لا يستحق؟ متى يُمنع؟ متى يرث؟ متى يحجب؟ حجب حرمان، حجب نقصان، بعد ذلك لا بد وأن يعلم ثلاثة أشياء:
الأول: التأصيل.
والثاني: التصحيح.
والثالث: قسمة التركات.
ولما كان المقصود الأعظم من هذه الثلاثة هو الثالث قسمة التركات والأولان وسيلتان له، بذلك بدأ الناظم هنا في بيان ما يتعلق بماذا؟ استخراج الأصول، (فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ) لماذا بدأ بالتأصيل؟ لأنه وسيلة إلى قسمة التركة، وإن كان المقصود بالفرائض هو إيصال كل ذي حقٍّ حقه، يعني: يُعطى حقه، لما كان المقصود الأعظم منها الثالث وهو قسمة التركة والأولان وسيلتان له بدأ بهما، وهما: التأصيل، والتصحيح.
والتأصيل مصدر أَصَّلَ يُؤصِّلُ تَأْصِيلاً فعّل مصدر أَصَّلْتُ العدد إذا جعلته أصلاً، فالأصل هو ما بني عليه غيره، وفي الاصطلاح عند الفرضيين كما عرفه الشارح هنا أصلها، أي: تأصيلها مخرج فرضها أو فروضها، مخرج الفرض أو فروضها، يعني فروض أصحاب الفروض، وهو ما فوق الواحد، يعني: المراد بالجمع هنا ما فوق الواحد على القاعدة المطردة، فأقل عدد يصح منه فرضها أو فروضها هو تأصيل المسألة، عندما نقول: للزوج النصف، والأم الثلث، والجد السدس. نقول: المسألة من كذا. مراد المسألة من كذا، التعبير بهذا هو أصل المسألة، لأنك تأخذ السدس والنصف ممن ماذا؟ من أي شيء؟ من أصل المسألة، كيف تأتي بأصل المسألة؟ هو الذي نريد دراسته، هو الذي ينبغي معرفته، كيف نستخرج الأصل من أصحاب الفروض؟ هذا له نصف، وهذا له سدس، وهذا له ثلث
…
إلى آخره، إذا اجتمعت هذه الفروض، أو وُجد صاحب فرض مع غيره أو كلهم رؤوس عصبة، كيف نخرج أصل المسألة؟ فنقول: السدس من الستة واحد، النصف من الستة ثلاثة
…
إلى آخره، فأقل عدد يصح منه فرضها أو فروضها هو الأصل، والتصحيح تفعيل من صحة ضد السقم، ولما كان المراد هنا غالب الإزالة الكسر لأن التصحيح هذا خاص في المسائل التي يقع فيها انكسار، إزالة الكسر الذي وقع بين الفريق وسهامه من أصل المسألة وكان الكسر بمنزلة السقم، والفرضي بمنزلة الطيب لعلاج السهام المنكسرة، حينئذٍ سُمِّيَ ماذا؟ سُمِّيَ تصحيحًا، وهذا إنما يكون بضربٍ مخصوص ليزول سقم الانكسار، وتصحيح السهام سمي فعل ذلك تصحيحًا، إذًا التصحيح متعلقٌ ببعض المسائل ليس بكلها، وإنما هو فيما إذا كان نصيب ما يكون متعلقًا بالورثة لا ينقسم عليهم، فنقول: عدد الرؤوس أربع إخوة مثلاً {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، لهم الباقي وهو ثلاثة، ثلاثة لا ينقسم على أربعة إلا بوجود انكسار، حينئذٍ لا بد أن نصحح المسألة بحيث كل واحد يأخذ من هذا الثلاث يأخذ عددًا صحيحًا، ولا نحتاج إلى أن نقول: واحد وثلث، واحد وثلثين، واحد وخمس، لأن هذه تُشْكل فنحتاج إلى أن يقال بأن له واحد، أو له اثنان، أو له ثلاثة ونحو ذلك، هذا يسمى بماذا؟ يسمى بتصحيح المسائل.
وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا
…
وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا
قال الشارح:
فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ
…
وَلَا تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ
(فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ) أي أخرج، السين هنا ليست على بابها، أي أخرج الأصول في المسائل، يعني استخرج الأصول الكائنة في المسائل باعتبار الفروض الكائنة فيها، قلنا: المسألة اسم لما يذكر من الأركان وما يتعلق بهم، فتنظر إلى الفروض التي ذكرت في المسألة، المسألة ما هي؟ زوج وأم ولكل واحد منهما فرض، تنظر للفروض التي ذكرت في المسألة، هذا المراد بقوله:(في الْمَسَائِلِ). فاستخرج الأصول الكائنة في المسائل باعتبار الفروض الكائنة في المسألة نفسها، (وَلَا تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ) الواو هذه للاستئناف لا تكن أنت أيها الفرضي (عَنْ حِفْظِهَا) عن حفظ هذه الأصول ومعرفتها (بِذَاهِلِ)، لا تكن عن حفظها بذاهل، (بِذَاهِلِ) جار ومجرور متعلق بقوله:(حِفْظِهَا). أي: متناسٍ، أو متشاغل. يقال: ذهلت الشيء وعنه، يعني: يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر، وهو أكثر، الثاني أكثر، وبالفتح والكسر ذَهِلْتُ وذَهَلْتُ، والفتح أكثر، تناسيته أو شغلت عنه، هذه الأبيات الثلاثة بين لك أنك إذا أردت معرفة الحساب، وهذا متعلق بالإرادة ومحلها القلب، وفائدة هذه المعرفة أو ما يترتب عليها الهداية إلى الصواب في علم الفرائض، لأنه قد يقع الخطأ، والخطب عظيم، وتعرف كذلك بمعرفة الحساب قسمة التركات، وتعلم كذلك بمعرفة الحساب تأصيل المسائل وتصحيح المسائل، قال:(فَاسْتَخْرِجِ). يعني: إذا أردت ما ذكر (فَاسْتَخْرِجِ)، فالفاء هذه فصيحة.
فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ
…
وَلَا تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ
هل استفدنا من هذه الأبيات الثلاثة أحكام أو لا؟ هل فيه شيء جديد، في الفرائض؟ على كلٍّ ثلاثة أبيات ذكر سبط المارديني، قال: هذه الأبيات الثلاثة الأول كلها حشوٌ. لكن يمكن أن يقال بأن فيها بعض الفوائد مما ذكرناه، لأنه ذكر ماذا؟ القسمة وذكر التصحيح والتأصيل ثم عدم معرفة هذه المسائل يوقعك في الحرج ويوقعك في الخطأ، والخطب جلل، وحينئذٍ هذا فيه فوائد، لكن ما يتعلق بأصل الباب لا، وأما كمقدمة للباب وعظم الباب وأنه لا بد منه وأهميته لا بأس به، قد يقال بأنه أشار في هذه الأبيات الثلاثة إلى أهمية الباب، ما المانع من هذا؟ يقال بأنه أشار فيها إلى أهمية هذا الباب.
فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ
…
ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَد تَّعُولُ
إذًا عرفنا التأصيل هو تحصيل أقل عدد يستخرج منه فرض المسألة أو فروضها بلا كسر، أصل المسألة في استخراجه يختلف باختلاف المسائل، وما يكون فيه من ورثة، لأنهم الورثة باعتبار التعصيب والفرض لا يخرجون عن أربعة أحوال إما أن تكون المسألة مؤلفة من عصبة فقط، يعني: يكون الورثة كلهم عصبة، هلك هالك وترك خمسة أبناء حينئذٍ كيف نستخرج أصل المسألة؟ بعدد الرؤوس، فتقول: المسألة من خمسة. هلك هالك عن أخ شقيق وأختين كلهم عصبة، أليس كذلك؟ حينئذٍ المسألة من أربعة، أخ باثنين، والأختين باثنين، أربعة، إذًا المسألة من أربعة، إما أن يكون عصبة فقط، أو عصبة وصاحب فرض واحد، يعني: زوج وابن، الزوج له النصف أو الربع؟ له الربع، والابن له الباقي تعصيبًا، هنا المسألة من ماذا؟ من صاحب فرض ومن تعصيب، هذا المراد، أو أصحاب فروض وحدهم ولا يكون معهم معصب، أو صاحب عصبة، أو أصحاب فروض ومعهم عصبة، إذًا هذه أربعة أحوال للورثة إما أن يكون عصبة فقط، وهذا أسهلها، وإما أن يكون عصبة وصاحب فرض فقط واحد، وإما أن يكونوا أصحاب فروض فقط ولا يكون معهم عاصب، وإما أن يختلط الأمران أصحاب فروض متعددون ومعهم عصبة، قال الشارح هنا:[إن كان فيها فرض فأكثر] أما إذا تمحضت الورثة كلهم عصبات فعدد رؤوسهم أصل المسألة، عدد الرؤوس تعدهم إن كانوا كلهم ذكور عددت كل رأس بواحد، ترك خمس إخوة أشقاء حينئذٍ تقول: من خمسة. ترك خمسة أبناء من خمسة، وإن كان إخوة وأخوات حينئذٍ عندك القاعدة قاعدة التعصيب {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فتحسب الذكر باثنين والأنثى بواحد، وهذا واضح بيّن.
إذا تمحضت الورثة كلهم عصبات فعدد رؤوسهم أصل المسألة مع فرض كل ذكر بأنثيين إن كان فيهم أنثى، ومنه تصح أيضًا، منه يعني: من هذا العدد تصح أيضًا، يعني: كما هو أصلها فقد اجتمع التصحيح والتعصيب، وهذا في غير الولاء، يعني: كالنسب، وأما الولاء ففيه تفصيل هم عصبة لا شك هم عصبة، لكن فيه تفصيل ذكره هنا، أما فيه، يعني: في الولاء ففيه تفصيل إما أن يتساووا أو لا، فإن تساووا، يعني: أصحاب الولاء في الحصص، يعني: مات عتيق عن معتقين كلٌ منهما شراكته في العتيق النصف هذا استووا أو لا؟ استووا، مات عن ثلاثة، واحد له نصف، واحد له ثلث، واحد له ربع، اختلفوا أو لا؟ هذا المراد، يعني: إذا مات عتيق معتق وأصحابه شراكه فيه، فإما أن يكون لكل شريك مقدار ما لصاحبه، هذا ما يعبر عنه في الولاء بالمساواة، وإما أن يختلفا، يكون هذا له ثلث في العبد أو له نصف.
يعني: في الولاء قال: ففيه تفصيل، إن تساووا، يعني: أصحاب الولاء في الحصص فمعتقين لكل واحد منهما النصف فكذلك، يعني عدد رؤوسهم أصل المسألة، لكن مع جعل الذكر هنا كالأنثى، يعني الذكر كالأنثى، يعني: هلك عتيق عن معتقين، حينئذٍ نقول: الرأس يحسب بواحد كل منهما واحد، كما لو هلك هالك عن ابنين فأصل المسألة يكون من اثنين، طيب هلك هالك وهو عتيق عن معتق ومعتقة من اثنين نعم ولا تقل:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . حينئذٍ الأنثى في العتق هنا في الولاء كالذكر، كل منهما يحسب بواحد، الرأس بواحد، وأما في غير الولاء فيحسب الذكر بضعف ما للأنثى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وإلا فعل حسب الحصص، إن لم يتساووا فعلى حسب الحصص، أي: وتجعل المسألة من مخرج أقلهم نصيبًا ليخرج نصيب كل واحد منهم صحيحًا، فلو مات عتيق عن ثلاثة كلهم معتقون اشتركوا في عتيق واحد فاعتقوه، حينئذٍ أحدهم له نصف، والآخر له ثلثه، والثالث له السدس، المسألة من ستة، تنظر إلى الأقل، هذا له الثلث، وهذا له نصف، وهذا له السدس، الأقل هو السدس فتجعل المسألة من ستة، نظرًا للنصيب الأقل فالأول له ثلاثة الذي له النصف، وللثاني الذي له الثلث اثنان، وللثالث واحد ولا تفاوت في ذلك بين ذكور وأنوثة.
إذًا حاصل هذه المسألة ما يتعلق بالعصبة أن نقول: إذا كانت المسألة مركبة من ورثة كلهم عصبة حينئذٍ إما أن يكونوا في الولاء أو لا كالنسب، إن لم يكونوا في باب الولاء حينئذٍ ننظر إلى عدد رؤوسهم، وإذا كان ثَمَّ ذكر وأنثى يحسب الذكر باثنين والأنثى بواحد، فلو هلك هالك عن خمسة أبناء حينئذٍ نجعل المسألة من خمسة، لأن عددهم خمسة كل واحد بواحد، لو هلك هالك عن ابن وثلاث بنات المسألة من خمسة العدد الظاهر ابن واحد وثلاث بنات أربعة، ما تقول من أربعة المسألة، لأنك جعلت الابن له حظ الأنثى، وإنما تجعل الابن سهمين، فتقول:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . فتزيد الابن واحد فتحسبه باثنين، ثم الثلاثة الأخوات صاروا كم؟ خمسة، في باب الولاء النظر فيه إلى حصة المعتق، كم حصته مع شريكه؟ إن كانوا متساوين بعدد رؤوسهم لا فرق بين الذكر والأنثى، حينئذٍ لو هلك هالك وهو عتيق عن معتقين كل منهما له النصف فيه، فالمسألة من اثنين، لأن عدد الرؤوس هنا كعدد الرؤوس هناك، لو هلك هالك وهو عتيق عن معتق ومعتقةٍ المسألة من اثنين، إذا اختلفوا في الأنصبة، يعني: في حظهم من العتيق واحد له النصف، وواحد له الثلث، وواحد له السدس، تنظر إلى الأقل وتجعله أصل المسألة، قال هنا: فإن كانوا عصبة فقط فأصل المسألة من عدد رؤوسهم، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} كهالك عن ابن وبنت المسألة من ثلاثة، وإن كان في المسألة صاحب فرض وعصبة، يعني: واحد صاحب فرض، زوج وابن، هلك هالك ماتت الزوجة تركت زوجًا واحدًا وابن فقط، الزوج له الربع، والابن الباقي تعصيبًا، كم صاحب فرض عندنا؟ واحد، إذا انفرد صاحب فرض واحد في المسألة تأخذ المقام وتجعله أصل المسألة، ما هو المقام هنا؟ أربعة، الربع واحد على أربعة، (1⁄4) بسط مقام، تأخذ المقام تجعله أصل فيكون مخرجًا للمسألة.
وإن كان في المسألة صاحب فرض واحد وعصبة فأصلها من مخرج الفرض صاحب الفرض، كهالك عن أخ لأم وأخوين وأخت كلهم أشقاء، يعني: أخ لأم، وإخوة أشقاء، الأخ لأم، قال هنا: كهالك عن أخ لأم، وأخوين أشقاء، له السدس، والإخوة الأشقاء مع الأخت الشقيقة عصبة، إذًا المسألة من ستة، لماذا؟ لكون المسألة فيها عصبة وصاحب فرض واحد، وأما إذا تعددت الفروض فهذا سيأتي في النظم، قال هنا:
فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ
…
وَلَا تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ
فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ
…
ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَد تَّعُولُ
هذه الأصول معدودة عند الفرضيين، لأن الفروض كم؟
فَالْفَرْضُ في نَصِّ الْكِتَابِ سِتَّةْ
…
لا فَرْضَ في الإِرْثِ سِوَاهَا الْبَتَّةْ
نِصْفٌ وَرُبْعٌ ثُمَّ نِصْفُ الرُّبْعِ
…
وَالثُّلْثُ وَالسُّدْسُ بِنَصِّ الشَّرْعِ
وَالثُّلُثَانِ وَهُمَا التَّمَامُ
…
..............................
ستة، فلما كانت ستة حينئذٍ يمكن حصر الأصول التي يمكن استخراجها من هذه الفروض، (فَإِنَّهُنَّ) الفاء هذه للاستئناف، والضمير يعود إلى أصول المسائل، (سَبْعَةٌ) عدّها بالسبعة، فدل على أن مراده بالأصول المجمع عليها، لأنها بالمختلف فيه تسعة، ثَمَّ أصلان مختلف فيهما، وهما: ثمانية عشر، وستة وثلاثون. هذا والحمد لله في باب الجد والإخوة، فإذا سقط باب الجد والإخوة عندنا سقطت هذان الأصلان، ثمانية عشر وستة وثلاثون، اختلفوا القائلون بتوريث الإخوة مع الجد، هل هما أصلان أو مصحان؟ المرجح عندهم أنهما أصلان، وإذا قلنا الباب من أصله ساقط فلا إشكال عندنا والحمد لله.
(فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ)، إذًا لما قال:(سَبْعَةٌ). علمنا أن مراده هنا بعد الأصول المتفق عليها لقوله: (سَبْعَةٌ). ومع المختلف فيه تسعة، (سَبْعَةٌ أُصُولُ) (فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ) هذا بدل من سبعة للإيضاح وإلا فهو معلوم مما قبله من قوله:(فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ). لو سكت فقال: (فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ). علمنا أن المراد هنا الأصول لأنه قال: (فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ). فقوله: (أُصُولُ). بعد ذلك يكون من باب الإيضاح:
فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ
…
ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَد تَّعُولُ
مفهومه أنه أربعة منها لا تعول، يعني: هذه الأصول السبعة تنقسم إلى قسمين: منها ما قد يعول وما لا قد يعول، ومنها ما لا يعول أبدًا. يعني: لا يدخله العول أبدًا.
(ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَد تَّعُولُ) وقد لا تعول، فقد هنا للتقليل، وأربعة [لأن باقي الثلاثة كم؟](1) باقي السبعة أخذنا ثلاثة بقي أربعة، إذًا أربعة لا يدخلها العول البتة، (فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ) هذه السبعة قال الشارح هنا: وهن اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون. إذًا لا يوجد في مسائل الفرائض مسألة أصلها ليس مذكورًا في هذه السبعة، لا يمكن أن يوجد إلا وهو واحد من هذه السبعة، إما اثنان، وإما ثلاثة، وإما أربعة، وإما ستة، وإما ثمانية، وإما اثنا عشر، وإما أربعةٌ وعشرون، وأما الأصول المختلف فيها فهما ثمانية عشر وستة وثلاثون ولا يكونان إلا في باب الجد والإخوة، والراجح أنهما أصلان لا تصحيح، كما بينه الشارح في غير هذا الكتاب، والقاعدة عندهم في هذا الباب باب الجد والإخوة ما يكون فيه ثمانية عشر أو ستة وثلاثون كل مسألة فيها سدس وثلث ما بقي وما بقي تكون من ثمانية عشر، وكل مسألة فيها ربع وسدس وثلث ما بقي وما بقي تكون من ستة وثلاثين، وهذا عند القائلين بتوريث الإخوة مع الجد، لماذا انحصرت هذه الأصول في السبعة؟ قالوا هنا في التعليل وذكره في الحاشية عندكم: وإنما انحصرت في السبعة لأن للفروض حالة انفراد وحالة اجتماع، يعني: أصحاب الفروض لهم حالة انفراد لا يكون في المسألة إلا صاحب فرض كزوج وابن كما ذكرناه، وقد يكون فيه حالة اجتماع، ففي الانفراد يخرج عندنا خمسة أصول، لأن الفروض وإن كانت ستة لكن الثلث يغني عن الثلثين، يعني: لو وجد ثلث وثلثان حينئذٍ نقول: الثلث يغني عن الثلثين. لماذا؟ للتماثل، فنكتفي بواحد، بقي ماذا؟ بقي بقية الخمسة، فالثلثان والثلث بمعنى واحد، فكأن الفروض خمسة، فاستخلصنا من هذه الفروض فيما إذا وُجد فرض صاحب فرض واحد مع عصبة استخلصنا ماذا؟ خمسة أصول، وفي الاجتماع يخرج اثنان آخران، لأنه عند الاجتماع لا يخلو، لا يخلو الحال من تماثل، أو تداخل، أو تباين، أو توافق، وهذا سيأتي معنا، ففي الأول وهو التماثل يكتفى بأحد المتماثلين وفي الثاني التداخل يكتفى بماذا؟ بأكبر المتداخلين، وفي الأخيرين التباين والتوافق يحتاج إلى الضرب فيحصل إما اثنا عشر أو أربعة وعشرون، فإذا ضُم إلى الخمسة السابقة في حالة الإنفراد كانت الجملة سبعة، إذًا خمسة من الإنفراد واثنان من حالة الاجتماع، وهما: الإثنا عشر، والأربعة والعشرون.
(1) سبق.
(فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ)، وهي: اثنان، وثلاثة، وما ذكر، هذا من جهة البسط، وأما من جهة الاختصار فيقال: اثنان وضعفهما وضعف ضعفهما، وثلاثة وضعفها وضعف ضعفها وضعف ضعف ضعفها، هذا عند الاختصار، ثم قال الشارح: ثم هذه الأصول السبعة قسمان: قسم منها يعول وهو ثلاثة أصول، وقسم منها لا يعول وهو الأربعة الباقية. وقد ذكر الأول بقوله:(ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ). أي: الأصول المذكورة وهي ستة، والاثنا عشر، والأربعة والعشرون، (ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ)، أي: من هذه السبعة، وخصصها الشارح هنا بالستة والاثني عشر والأربعة والعشرين هذه هي التي يدخلها العول، وما عداها لا يدخلها العول البتة، يعني: الزيادة في الأنصبة، ولذلك قال: قد تعول، وقد لا تعول. يعني: ليس العول بلازم لها، قد تكون في بعض المسائل الستة عائلة، وقد تكون في بعض المسائل ليست عائلة، وكذلك الإثنا عشر قد تكون في بعض المسائل عائلة، وقد تكون في بعض المسائل غير عائلة، والكلام كذلك في الأربعة والعشرين، قد تعول وقد لا تعول، والعول زيادة في السهام، يعني: في عدد سهام أصل المسألة، ويلزمه النقص في الأنصبة، يعني: إذا قيل الثلاثة النصف للزوج من ستة، ليس كالشأن في جعل هذه الثلاثة من تسعة، حينئذٍ لا بد من النقص، والمصنف هنا لم يذكر أبياتًا تتعلق بالعول، ولكن سيأتي إن شاء الله بحثه فيما يأتي، وفي بعض النسخ بدل هذا البيت قوله:
وهي إذا فصل فيها القول
…
ثلاثة يدخل فيها العول
وهي، أي هذه الأصول، إذا فصل فيها القول بُيِّن ووُضِّح وشُرِح، ثلاثة يدخل فيها العول، ثلاثة من هذه السبعة يدخل فيها العول وقد لا يدخل كما ذكرناه سابقًا، وما وقع عليه الحل، يعني حل البيت أولى، ليس الجلُّ وإنما هو الحلُّ لتصريحه بأن جملة الأصول سبعة، ثم ذكر القسمة الثانية وهو الذي لا يعول لقوله: وبعدها. أي بعد هذه الثلاثة المذكورة، وهي الستة، والاثنا عشر، والأربعة والعشرين.
...... أَرْبَعَةٌ تَمَامُ
…
لَا عَوْلَ يَعْرُوْهَا وَلَا انْثِلَامُ
يعني لا يدخلها العول البتة، وهي الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والثمانية. الاثنان لا يمكن أن تكون المسألة التي يكون أصلها اثنين عائلة، وكذلك المسألة التي يكون أصلها من ثلاثة لا يمكن أن يدخلها العول البتة، وكذلك الأربعة والثمانية، (وَبَعْدَهَا) أي وبعد الثلاثة المذكورة، والمراد بقوله:
…
(وَبَعْدَهَا). هنا في الذكر لا في الرتبة إذا لا ترتيب بين القسمين أربعة بعدها، (وَبَعْدَهَا) هذا خبر مقدم، و (أَرْبَعَةٌ) هذا مبتدأ مؤخر، (تَمَامُ) أي: مُتَمِّمَةٌ للسبعة صفة لأربعة، (لا عَوْلَ يَعْرُوهَا)(لا عَوْلَ)، (لا) نافية للجنس، و (عَوْلَ) اسمها، و (يَعْرُوهَا) الجملة خبر (لا) مضارع عَرَى من باب غَزَى وأما عَرِيَ من باب عَلِمَ، فمعناه خلا وتجرد، فرق بين الاثنين، (يَعْرُوهَا) أي يعتريها، أي يغشاها، أو ينزل فيها، يقال: اعتراني الأمر غشيني ونزل بي. (وَلَا انْثِلَامُ) هذا تكميل للبيت، لأن المراد به العول فكمل به البيت لأجل القافية، (وَلَا انْثِلَامُ)، أي: كسر وخلل، وظاهره أنه يريد به العول، وعليه فالعطف من عطف المرادف، يقال: انْثَلَمَ الشيء انْثِلامًا إذا حصل فيه كسرٌ وخلل، ثَلَمَ الشَّيْءَ ثَلْمًا كسره، والثلم هو الخلل من الحائط وغيره، ولما كان العول لكونه يؤدي إلى نقص كل ذي فرض من فرضه جعله كالخلل الذي يدخل على المسائل ويعتريها، أي: ينزل بها، ثم بدأ بالمسائل التي تعول وأولها الستة ولها صور تشتمل على مسائل كثيرة منها ما ذكره في قوله: والسدس. أو (فَالسُّدْسُ) وسيأتي بحثه في محله، والله أعلم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.