المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تكملة شرح مقدمة الناظم.   الحمد لله رب العالمين، والصلاة - شرح الرحبية للحازمي - جـ ٢

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تكملة شرح مقدمة الناظم.   الحمد لله رب العالمين، والصلاة

‌عناصر الدرس

* تكملة شرح مقدمة الناظم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

وقفنا عند قولِ الناظم رحمه الله تعالى:

مُحَمَّدٍ خَاتِمِ رُسْلِ رَبِّه

#

وَآلهِ مْنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهِ

#

هذا تابعٌ لما سبق من قوله:

ثمَّ الصّلاةُ بعدُ والسلامُ

على نبيٍّ دينُهُ الإسلامُ

محمَّدٍ ..................

..........................

قلنا: (محمَّدٍ) هذا بالجرِّ بدل أو عطف بيان من قوله: (نبيٍّ). (خاتَمِ رسْلِ ربهِ) كذلك يعتبرُ صفة لمحمدٍ، (وآله) وقفنا على قوله:(وآله). يعني: ثُمَّ الصّلاةُ بعدُ والسلامُ على نبيٍّ وعلى آله، والضمير يعودُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والآل المراد به في مقام الدعاء أتباعُهُ على دينِهْ، فيشمل حينئذٍ كُل من كان مؤمنًا بالنبي صلى الله عليه وسلم سواءً كان من أقاربه أو لا، وهذا من حيث الدعاء، وأمَّا في مُقام الزكاة فله شأنٌ آخر، وهنا حيثُ الصلاة على الآل نقول: أتباعُهُ على دينه. (من بعدِهِ) هذا حال وثَنَّى بالصلاةِ والسلام على الآل للنص قدّم حق النبي على الله عليه وآله وسلم ثمَّ بعد ذلك ما جاء فيه النص حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: «اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد» . فدل على أنّ الآل يصلى عليهم بالتبع، وجاء فيه النص، (وآله من بعده) هذا جار ومجرور، متعلق بمحذوف حال، أي حال كونِ آله من بعده في الصلاة والسلام، لأنه لا يمكن أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ما كانت لهما الخيرة ولا الشرف إلا بمتابعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك سبق أن النبي قيل أنه مأخوذٌ من النّبْوَة يعني الرفعة فهو نبي فعيل رافعٌ لمن اتبعَهُ، كذلك هو مرفوعٌ عليه الصلاة والسلام بالوحي رُفِعَ بالوحي على غيره من الخلق، وهو رافعٌ لمن اتبعهُ لكونه مؤمنًا حينئذٍ يترتبُ عليه الثواب المقدم للمؤمنين في الدنيا وفي الآخرة.

(وآله من بعده وصحبه) أي من بعده كذلك، فحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، (وآله من بعده وصحبه) كذلك من بعده، وثلَّث بالصحب هنا الصلاة والسلام وإن لم يرد فيه نص إلا أنه من باب القياس، قال أهلُ العلم: الصحابة لشرفهم في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لحملهم للشريعة الغراء وكُلّ من بعدَهم فهم عالةً عليهم في فهم الشريعة وفي نقل الشريعة، حينئذٍ كان موجبًا للصلاة والسلام عليهم، فهو مجردُ قياس، ولكن لا يصلي عليهم على جهة الاستقلال وإنما على جهة التبع، يقال: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد وصحبه. ولا يقال: اللهم صلِّ على صحب محمد. هكذا ابتداءً، وهذا أمرٌ عام يعني هل يقال فيما لم يرد فيه النص، ورد النص في جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وورد النص في جهة الآل، طيِّب ما عدا النبي عليه الصلاة والسلام وعدا الآل هل يصلى عليهم؟

ص: 1

الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يصلى عليهم تبعًا لا استقلالاً، ثمَّ هل يُصْلَى عليهم ابتداءً دون أن يكون تبعًا للنبي صلى الله عليه وسلم والآل؟ الجواب: نعم، لكن لا على جهة الشعار، يعني لا يكون شعارًا فيقال: اللهم صلِّ على أبي بكرٍ وسلِّم، اللهم صلِّ وسلِّم على عمر مثلاً، فلا بأس به، اللهم صلِّ وسلِّم على الإمام أحمد، لكن لا يكون شعارًا له بحيثُ كلما ذُكر هذا الاسم الإمام أحمد مثلاً ذُكرت معه الصلاة كما يقوله البعض عليٌّ عليه السلام، وهذا جُعل شعارًا عليه وهذا ممنوع، أما كونه يقعُ فترة في وقتٍ دون وقت، ومرةً دون مرة هذا لا بأس به، وأما أن يُجْعَل شعارًا له دون غيره من الصحابة فهذا يعتبرُ ممنوع.

إذًا (وآله من بعده وصحبه) أي من بعده ففيه حذفُ من الثاني لدلالةِ الأول عليه، إذًا صلى في هذا البيت على نوعين في الشطر الثاني وهم الآل والصحب، (آله) قلنا المراد به أَتْبَاعُهُ على دينه في مقام الدعاء، وكل مؤمن فهو داخلٌ في هذا النص، وأما في مقام منع الزكاة فهو خاص ببني هاشم وعبد المطلب عند الجمهور، عند جمهور أهل العلم خاصٌ ببني هاشم وعبدِ المطلب و (من بعده) أي تبعًا له، (من بعده) قلنا: هذا حال جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، (وصحبه) أي أصحابه، صحب اسم جمعٍ لصاحب، أصحابه اسم جمعٍ لصاحب وليس جمعًا، لأن صاحب فاعل لا يجمع على فَعْل، فهو اسم جمعٍ لصاحبٍ بمعنى الصحابي.

والمرادُ بالصحابي: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك، وزاد ابن حجر: ولو تخللت ردته في الأصح. يعني في القول الأصحّ، فكل من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع به وهو مؤمنٌ به بالنبي صلى الله عليه وسلم لا بغيره من الأنبياء، ومات على ذلك على الإيمان حينئذٍ نقول: هو صحابي. سواءٌ طالت لقياه بالنبي صلى الله عليه وسلم يعني طال اجتماعهُ أو لا، سمع منه أو لا، هذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لشرفه ومكانته كُلُّ من رآه ولو من بُعدٍ ثبت له حقُّ الصحبة، وأما غيره فلا، إذِ الصحبة مأخوذةٌ في لسان العرب من الملازمة يعني لا يكون صاحبٌ لك إلا إذا لازمته، فلولاك شخصٌ من على بُعد فهل هو صاحبٌ لك؟ لا، ليس بصاحبٍ لماذا؟ لأنه لابد أن يكون ثمّ ملازمة لك، وهذا خاصٌ بالصحابة الذي ذكرنا الأمر في شأنهم.

وقيل: من طالت صحبته له وكثرت مجالسته له والأخذ عنه وقيل غير ذلك، في تفسير الصحابي خلاف بين أهل العلم خاصةً أهل الحديث لأنه ينبني عليه مسائل من جهة الحديث المتصل وعدمه لكن ما ذكرناه هو المشهور.

حدُّ الصحابي مسلمًا لاقى الرسول

وإن بلا روايةٍ عنه وقُول

هذا المرجح عند أهل الحديث ولما حَمِدَ الله تعالى وصلى على نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال:

ونسأل الله لنا الإعانَةْ

فيما تَوَخَّيْنَا مِنَ الإبانَةْ

(ونسألُ) السؤال هو الطلب، أي: نطلبُ من الله تعالى الإعانة يعني العون القوة على ما نأتيه، وهذا كما ذكرناه سابقًا من قول ابن مالك:

ص: 2

واستعينُ الله في ألفية. إذًا لا بُدّ من تحقيق معنى الاستعانة في العلم في التعليم، وفي التعلُّم في التعليم ونحو ذلك لكن هنا قال:(نسألُ). أتى بالنون الدالة على العظمة، والأصل في السؤال أن يكون بخضوع وذُلّ لا يكون فيه شيءٌ من العظمة، أتى بالنون نون العظمة إمّا من باب التحدث بالنعمة لأنه فيه إشارة أراد أن يصنف، وهذا لا يمكن أن يصل إلى هذا المقام إلا بعد أن يكون له قدم راسخةٌ في العلم، ففيه اعترافٌ بنعمة ولا شك في ذلك لأنه أراد يُبَيِّن مذهب زيد الإمام زيد بن ثابت في شأنِ الفرائض وهذا أراد به تصنيفًا تأليفًا، وهذا لا يكون إلا لمن له قدمٌ راسخة في العلم في نفس العلم، حينئذٍ هذه نعمة وأراد أن يُبَيِّن في ابتداء الأمر أنه ممن أوتي علمًا في هذا الفن بحيث تأهل أن يصنف فيه، حيثُ صار أهلاً بأن يصنف فيه، إذًا أتى بنون العظمة إما من باب التحدث بالنعمة، أو أراد بها نفسه وغيره من المجتهدين في بيان ما ذهب إليه الإمام زيدُ بن ثابت في الفرائض، يعني يحتملُ أنه أراد نفسه، حينئذٍ تكون النون على بابها، إذا قيل: نقول هذا واحدٌ متكلم، وإذا قيل: نضرب هذا يحتمل أنه هو ومعه غيره، وهنا

ونسأل الله لنا الإعانَةْ

فيما تَوَخَّيْنَا مِنَ الإبانَةْ

هذا يحتمل أنه نزّل المجتهدين مُنَزَّلَةَ المتكلِّمِ الواحد فكأنه سأل لنفسه ولغيره، إذًا هذان مأخذان في مجيئِهِ بالنون، والسؤال هو طلبُ (ونسأل الله لنا) نحنُ (الإعانة) مصدر أعان يعين إعانة، فهو من باب الإكرام، أعان أصلهُ أعْوَنَ أَفْعَلَ، حينئذٍ نُقِلت حركت الواو إلى ما قبلها فنقول: تحركت الواو بحسب الأصل وانفتح ما قبلها بحسب [الآن] .... # 9.45 فقلبت الواو وألفًا، حينئذٍ المصدر يكون على وزنِ الإفعال، وتبقى الألف كما هي منقلبة وجي بألف المصدر فالتقى ألفان وحذفت إحدى الألِفَين والمرجح أنها ألف الأصلية التي هي عينُ الكلمة، لأن الألف التي جِئت أو جِئ بها للمصدرية جئ بها لمعنى، حينئذٍ كان بقاؤها أولى من حذف هذه الألف ودعوى أنّ الذي حُذف هو الألف المصدرية وإبقاء عين الكلمة لكونها أصلية نقول: هذا يفوّتُ معنى المصدرية. مثل ما قيل: تَلَظَّى تَتَلَظَّى فالشأن في كالشأن في هذه الألف (ونسأل الله لنا الإعانة)، أي: نسأل الله لنا إعطاء الإعانة الذي هو القوّة العون والقوة، وبين الإعانة والإبانة، إعانة إبانة، إبَانة إعانة ما الفرق بينهما؟

ص: 3

نونٌ وتاء خاتمة. الفرقُ بينهما في العين والباء فقط إعا إبا، نة عانة الفرق بينهما في العين والباء، هذا يسمى بين الإعانة والإبانة جناسٌ أو جناسًا لاحقًا، يسمى الجناس اللاحق وضابطه أن تختلف الكلمتان في حرفين متباعدي المخرج، تختلف الكلمتان في حرفي متباعدي المخرج وهما العين والباء، با، أع أبّ، هذا حلقي وهذا شفوي، أبّ شفتين، أَعْ هذا من أقصى الحلق، حينئذٍ نقول هو حلقي حينئذٍ نقول: بين الحرفين تباعدٌ في المخرج مع استواء بقية الحروف إعانة إبانة يسمّىَ جناسًا لاحقًا، وأصلُ إعانة وإبانة إعوان وإبيان وتصريفهما واحد إلا أن الأول واوي إعوان، والثاني يائي وهو إبيان. إذًا لأنه مأخوذٌ من بان يبين، وذاك من عان يعونُ من العونِ لأن المصدر واوي، وهذا مما يدلُ على أن الألف المنقلبة في إعان أصلية لأنها منقلبة عن واو، والأصل أن تكون الألف المنقلبة في فعلٍ ثلاثي عانَ أعانَ أو رباعي زِيدَ فيه أوله حينئذٍ الأصلُ في هذه الألف أن تكون منقلبة عن أصلٍ سواءً كان هذا الأصل واوًا أو كان ياءً، و (نسأل الله لنا الإعانة) يعني الإقدار على الذي نطلبه وتيسيره (فيما توخينا) في هنا بمعنى على، لأن الإعانة والعون والاستعانة كما سبق بالأمس أنه يتعدَّى بماذا؟ يتعدَّى بعلى {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4]، {وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، إذًا العون وهذه المادة ومشتقاتها تتعدّى بعلى، حينئذٍ القول هنا كما قلنا هنا (واستعين الله في ألفية) يعني أستعين الله على نظم ألفية، هنا (فيما) يعني ونسأل الله لنا الإعانة فيما على الذي ففي بمعنى على، و (ما) هنا موصولة بمعنى الذي (وتوخّينا) بتشديد الخاء هذا الجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، توخّينا والضمير العائد محذوف توخيناه يعني قصدناه أو اجتهدنا في تحصيله، (وتوخّينا) أي تحرينا وقصدنا، وهنا جُمع بين المعنيين، والتوخي قد يطلق ويُرادُ به التحري والاجتهاد، وقد يطلق ويراد له القصد، يطلق ويراد به التحري والاجتهاد، ويطلق ويراد به القصد، وهل المراد هنا بالمعنيين أو المراد به التحري والاجتهاد؟

الظاهر الأول أنه مرادٌ به التحري والاجتهاد، وليس المرادُ به القصد فحسب إلا إذا عُمِّمَ ما أراد به القولين كما ذهب الشارح إليه، ويُقالُ فلانٌ يتوخى الحقَّ ويتأخّاه أي يقصده ويتحراه، ويقال تأخيت الشيء تحريته، جاء بمعنى القصد، وجاء بمعنى التحري، التحري طلب الأحرى، وكثيرًا ما يستعمله الفقهاء بمعنى الاجتهاد، والألفاظ الثلاثة متقاربة التي هي التحري والقصد والاجتهاد هذه كلها متقاربة.

ص: 4

قال الشيخ زكريا رحمه الله تعالى: الاجتهادُ والتحري والتأخي بذلُ المجهودِ في طلبِ المقصود. إذًا إذا لم يبذل مجهود لا يقالُ أنه توخى، ولذلك يقال: اجتهد. وهذا يذكره الأصوليون اجتهد في حمل الصخرة، زلا يقال: اجتهد في حمل نواة، صحيح؟ اجتهد في حمل الصخرة لأنه بذل مجهود تعب وشقِّ عليه، أما النواة هذه لا يقال فيها اجتهد، وإنما يقال: حَمَلَ النواة، إذًا يقال: اجتهد. في حمل الصخرة ولا يقال: اجتهد. في حمل نواةِ وذكر أبو عبيد أن التآخي لا يكون إلا في الخير. ولعل هذا سببٌ في تخصيص الناظم التوخي بالذكرِ هنا دون التحري، وقيل: التوخي هنا الاجتهادُ لا القصدُ فقط، يعني إما أن يعمَّمَ بمعنى القصدِ والاجتهاد، أو يقال الاجتهادُ فقط، أما أن يجعل بمعنى القصد فليس الأمر كذلك، فإن التوخي بمعنى الاجتهاد لا يقال إلا في الأمرِ المهم الجليل من الخير بخلاف التوخي بمعنى القصد فإنه يقال لِمَا هو أعمُّ من ذلك، إذا التوخي بمعنى القصد عام يقالُ في الأمرِ المهم الجلل وفيم هو دونه، وأما التوخي بمعنى الاجتهاد فهو خاصٌ بالأمرِ الجلل كما ذكرناه، اجتهد في حمل الصخرة ولا يقال اجتهد في حمل النواة.

إذًا قوله: (فيما توخينا) أي على الذي توخيناهُ، جئنا بعلى مكان في للدلالة على أن في هنا ليست على بابها وإنما هي بمعنى على، والذي دلنا على ذلك أنّ في متعلق بقوله الإعانة، يعني معمولٌ له، والإعانة مادةٌ من العون لأنه مصدر، حينئذٍ هذا في استعمال كلام العرب والنظر فيه إنما يتعدّى بعلى ولا يتعدى بفي، حينئذٍ لا بدّ من القول بتضمين الحرف معنى حرفٍ آخر، ففي بمعنى على لأن الإعانة تتعدى بعلى، و (ما) اسم موصول بمعنى الذي والعائدُ محذوف. (فيما توخينا من الإبانة) الإبانة، يقال في تصريفه ما قيل في الإعانة يعني مصدر أبان يُبِينُ إبانةً أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، مثل أَقَامَ يُقِيمُ إِقَامَةً، والخلافُ مذكور في كتب الصرف، والإبانة المرادُ به هنا الإظهار لأنه مأخوذُ من بأن يبين إذا أظهر الشيء وكشفهُ وبين حقيقته، يقال فيه: إبانة. وهذا واضحٌ بيِّن إذِ الذي أراد أن يصنف فيه وهو علمُ الفرائض هذا يحتاج إلى كشف ويحتاج إلى إظهار ويحتاج إلى إبانة (من الإبانة) هذا متعلق بمحذوف بيانٌ لِمَا فيما الذي يصدق على ماذا؟ ما الذي توخّاهُ واجتهد فيه وقصد بيانه ما هو؟

(الإبانة). ما الذي توخاهُ؟ نقول: هو الإبانة حينئذٍ تكون مِنْ هذه بيانية والمبين هو

ص: 5

(ما) الاسم الموصول الذي دخل عليه الحرف في، لماذا؟ لكون الاسم الموصول مبهم، وإذا كان مبهمًا حينئذٍ لا بد من مفسرٍ يزيل ويكشفُ هذا الإبهام. وقوله (من الإبانة) متعلق بمحذوف بيانٌ لما الموصولة لأنه من المبهمات. إذًا قوله من (الإبانة) بيان لما توخيناه (عن مذهب الإمام) جار ومجرور متعلق بقوله:(الإبانة)، هذا يسمى تضمين عندهم وهو عيب، الأصل في البيت أن يكون مستقلاً بفائدة ولا يتعلق ما بعده بما قبله، وما قبله لا يتعلق بما بعده، كُل بيت ينتظم فائدة أو ينتظم مسألة مستقلة هذا الأصلُ فيه، فإذا جعله مرتبطًا بما بعده وحينئذٍ يسمى تضمينًا، وهذا تساهل فيه المتأخرون وخاصةً في الأراجيز، لأنهم قصدوا منها القائدة ولم يقصدوا منها أن يكون منضبطين على قواعد العروضيين وأهل القوافي من أجل حصول الفائدة التامة التي تترتب على هذا النظم. إذًا (عن مذهب) جار ومجرور متعلق بقوله:(الإبانة). وتعلق به لكونه مصدرًا، والمصدر يعتبرُ من العوامل، (عن مذهب) مذهب على وزن مَفْعَل، ومفعل كما هو معلوم يصلح أن يكون مصدرًا ميميًّا، ويصلح أن يكون اسم زمان، ويصلحُ أن يكون اسم مكان، هذه الثلاثة. والمراد هنا الأول وهو كونه مصدرًا ميميًّا، فحينئذٍ يفسرُ بالذهاب، يعني ما ذهب إليه زيدٌ الفرائض رضي الله تعالى عنه، ولكن المرادُ به المذهبُ هنا ليس المعنى اللغوي يعني الأرجح من هذه المحاميل الثلاثة التي هي المصدر الميمي واسم الزمان واسم المكان أن يكون بمعنى المصدر، ثم المراد به المذهب الاصطلاحي، وهو: ما قاله المجتهدُ بدليلٍ ومات قائلاً به. يسمى هذا مذهبًا له، بشرط أن يكون قاله بدليل، يعني بنظر في الأدلة، وأما إذا قاله تبعًا لغيره يعني مقلدًا فلا يقال فيه أنه مذهبٌ له، لأنه مقلِّد وإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ لا ينسب إليه القول، المقلِّد لا يُنسبُ إليه قول كما يقال: الساكت لا ينسب إليه قول. المقلد كذلك لأنه تابعٌ لغيره مأخوذٌ من القلادة، كأنما جُرَّ بـ

.

(عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ) إذًا مذهب مَفْعَل يَصْلُح للمصدر والمكان والزمان، بمعنى الذهاب المرادُ به المرور، أو محل الذهاب، أو زمان الذهاب، وبعضهم يحملها على المعاني الثلاثة هذا من حيثُ اللغة، وأما في الاصطلاح: فهو ما قاله المجتهدُ بدليلٍ ومات قائلاً به.

ص: 6

بهذا شرط فإن قاله بدليل ثم رجح إلى قولٍ آخر، قاله بدليلٍ ومات على الثاني فالأول لا يعتبرُ مذهبًا له، وهذا ما يعبرُ عنه المذهب الشخصي بخلاف ما سلكه أرباب المذاهب الأربعة، فإنهم لا يعتبرون هذا لأنه هو الذي ينبغي أن يكون أصلاً أنه ما ثبت أن الإمام رجع عن هذا القول وقال بقولٍ آخر بدليل ومات قائلاً بالقول الثاني وجب أن يكون القول الثاني هو المذهب له، والأول لا ينسب إليه، هذا الأصل، حينئذٍ إذا نُظِرَ في هذا التعليل وهذه الكيفية لتحقيق معنى المذهب حينئذٍ لا يُنسب لأبي حنيفة مثلاً أبو مالك أو الشافعي أو أحمد قولاً قد ثبت أنه رجع عنه، وهذا المراد به المذهب الشخصي، وأما المذهب الاصطلاحي هو أشبه ما يكون شيء تعلق به المتأخرون من أجل تنظيم المذهب السابق الذي يعتبر مذهبًا شخصيًّا للإمام نفسه، يعني ينظر في القولين ومن أن يقال بأنه رجع إلى القول الثاني أو لا، مجرد حكاية قولين أو ثلاثة أو أربعة عن الإمام، ينظرون فيها بالقواعد التي أخذوها من طريقة ومنهج الإمام نفسه، حينئذٍ قد يرجحون المذهب الذي قد ثبت أنه رجع عنه ويجعلونه مذهبًا يُفتى به، ولذلك نسمية مذهب اصطلاحيًّا لا شخصيًّا، وفرق بين النوعين، إذا يحل أن نقول الإمام أحمد يقول كذا وهو قد رجع عنه، تكذب عليه أنت، لكن إذا قيل المراد به المذهب الاصطلاحي فلا إشكال، إذًا (عَنْ مَذْهَبِ) المذهب المرادُ به ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلاً به. قاله قول، مجتهد لا بد أن يكون من أهل الاجتهاد والنظر، أما العامي ونحوه لا، بدليل فإن قاله لا بدليل لا يدخلُ معنا، ومات قائلاً به، هذا احتراز إذا هذه كلها قيود. (عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ) مذهب مضاف الإمام مضاف إليه [نعم] (الإمام) نقول: يجمع على أئمة، (مَذْهَبِ) مضاف و (الإِمَامِ) مضاف إليه، و (الإمام) يجمع على أئمة، ويقال أيِمة بالتخفيف، والأصل أئمة بتحقيق الهمزتين، وعلى إمام يعني له جمعان، إمامٌ وهو مفرد وإمامٌ وهو جمع، وإمامٌ مفرد وأئمة هذا جمع ولا إشكال في النوعين، ويستعمل مفردًا وجمعًا ومنه {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فإمام يراد به المفرد ويراد به الجمع، وحينئذٍ القرينة والسياق هي التي تعين المراد وهل المراد هنا الجمع أو المفرد؟ المفرد لأنه أراد أن يبين مذهب زيد الْفَرَضِي، (عن مذهب الإمام) الإمام فِعَالْ بمعنى مفعول، والمرادُ به هنا المؤتمُّ به والمقتدى به، ولذلك صَلُحَ أن يكون إمامًا لأنه لا يُطلق لفظُ الإمام إلا لمن كان أهلاً للاقتداء كان أهلاً للاهتداء.

فالإمام أي الذي يقتدى به، وقيل المقدم على غيره، والقدوة والمؤتمُّ به كلها معانٍ متقاربة والمعنى واضحٌ بيِّن.

ص: 7

(زيدِ الْفَرَضِي) عن مذهب الإمام زيد، زيدِ بلا تنوين الأصل زيدٍ على أنه بدل من إمام أو عطف بيان، لكن للوزن حذف التنوين إذًا هنا ممنوع من الصرفِ لماذا؟ للوزن، أما هو في نفسه فليس ممنوعًا من الصرفِ، ليس فهي علّة من العلل التي توجب المنع من الصرف، إنما حذف تنوينه ومنعه من الصرف الذي هو التنوين من أجل الوزن (عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ زيدِ) المراد به زيد بن ثابت بن الضحاك بن سعد بن خارجة الصحابي أنصاري خزرجي من بني النجار يُكنى أبا سعيد، وقيل أبا عبد الرحمن، وقيل أبا خارجة، هذه يكثر الخلاف في كنية شخصٍ ولعله من السبب الذي يَكْثُر فيه الخلاف أنه لا بأس أن يُعَدِّدَ الشخص كنيته يُكنى بالابن الكبير ويكنى بالابن الصغير، أو يُكنى وليس عنده ولد على الصحيح أنه يجوز، وإذا تعددت الكُنى حينئذٍ كلٌ حكى ما سمعه، ولا بأس أو تتغير تتبدل في وقتٍ يكون أبا كذا ووقتٍ آخر يكون على كنية أخرى، ولذلك يحصل خلاف طويل عريض يكنى بكذا ويكنى بكذا، قد يكون ثمَّ خلافٌ في النقل بعضه يصح وبعض لا يصح هذا لا إشكال واضحٌ بين حيثُ السند، وأما إذا قويت كلها في نسبة فلان مثلاً إلى كنيةٍ معينة، وثبت النقل كذلك بكنيةٍ أخرى لا بأس أن يقال يكنى بكذا ويكنى وبكذا، ولا نجعلها قولين خلاف ولا بد من الترجيح، نقول: لا، يكنى بهذا ويكنى بهذا، لأنه لا بأس أن تتعدد الكُنى.

قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن خمس عشرة سنة، وتوفي بالمدينة سنة خمس وأربعين قاله الترمذي، وقيل غيرُ ذلك، ومناقبه شهيرة وفضائله كثيرة. روي أن ابن عمر رضي الله عنه قال يوم مات زيد: اليوم مات عالمُ المدينة. اليوم زيد بن ثابت مات عالمُ المدينة، وهذا فيه نوعُ تزكيةٌ له وليس فيه حصرُ العلمِ فيه، هو تزكيه له بأنه عالم المدينة لكن هذا وصفٌ وليس فيه حصر، صحيح؟ ليس فيه حصر، فمثل هذه الألفاظ حينئذٍ تحمل على ما أريد من معنى يناسب تلك الحال، عندما مات وفُقِدْ قد تطلق بعض العبارات كأنه لا يوجد عالم إلا هو، وقد لا يكون الأمر كذلك، حينئذٍ تفسر أو تحمل هذه الألفاظ قوله مات عالمُ المدينة أنه لا يلزم منه أن يكون هذا الوصف منحصرًا فيه، بل غيرُ عالم الصحابة وهو كذلك عالم المدينة. وخطب عمرُ رضي الله عنه بالجابيةُ فقال: من يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهذا واضحٌ بيِّنِ أنه كانت له مزية عناية بالفرائض، وهذا لا يلزم منه التخصص، وإنما يفسر بما سبق أنه عالم بالقرآن، وعالم بمواقع القرآن، وأسباب النزول، والفقه والحلال والحرام وعالم بالفرائض، إلا أنه اعتنى بالفرائض أكثر من غيره وهذا لا إشكال فيه، وكذلك الحديث الذي يستدل به «أفرضكم زيد» . كما سيأتي «وأعلم بالحلال معاذ» .. إلى آخره.

أولاً: الحديث ضعيف.

ص: 8

ثانيًا: إن صحَّ فالوصف الخاص الذي ذكر في النص دليلٌ على أنه قد اعتنى بما ذكر به ولا يلزم منه أن يُنفى عنه غيره إذا قيل: «أفرضكم زيد» . معناه ماذا؟ أكثركم علمًا بالفرائض زيد لشدة العناية بها، ولا يلزم من ذلك أن يكون زيد ليس بفقيه وليس بمفسر

إلى آخره. قال مسروق: دخلتُ المدينة فوجدت فيها من الراسخين في العلم زيد بن ثابت. من الراسخين ليس هو وحده، إنما هو من الراسخين زيد بن ثابت رضي الله عنه. وقال الشعبي: علم زيد بن ثابت بخصلتين: بالقرآن والفرائض رضي الله عنه.

إذًا توفي سنة خمس وأربعين وله سبعٌ وخمسون سنة.

(عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ زَيدِ الْفَرَضِي)، إيش إعراب الفَرَضِي؟ نعت لزيد.

ص: 9

(الْفَرَضِي) قال الشارخ: بفتح الفاء والراء العالم بالفرائض، يقال له: فَارِضٌ على وزن فَاعِل وفَرِيض على وزن فَعِيل كعَالِم وعَلِيم، (الْفَرَضِي) هذا اسم، إذًا ليس هو بنسبة محضة وإنما فيه معنى العلمية هذا مرادهم، ولذلك قال الشارح: العالم بالفرائض نُسِبَ إلى هذا الفن أو هذا العلم الشرعي لكونه قد عَلِمَ أُصولَهُ وفروعهُ، حينئذٍ يقال له فَارِض كعَالِم، والعالِم من هو؟ من اتصف بصفة العلم، وعَلِيم كذلك فَعِيل صفة مشبهة لمن اتصف بصفة العلم، إذاَ كلٌ منهما فَرَضِي وفَارِض وفَرِيض يدل على ذاتٍ متصفة بهذه الصفة وهي العلم بالفرائض، وفِرَاض وفرْضِ بسكون الراء أيضًا وأجاز بن الهائم رحمه الله تعالى أن يقال فَرَائِضِي هذا محل النزاع، وبعضهم يُخَطِّئ هذه النسبة لماذا؟ لأن فَرَائِض جُمع فَرِيضَة، ومعلومٌ أن النسبة إنما تكون للمفرد لا للجمع، فحينئذٍ تقول: فَرَضِي لأن فَرِيضَة فَعِيلَة حينئذٍ تحذف الياء والتاء كتاءِ مكة وتحذف الياء من فَعِلية فيبقى ماذا معك؟ الفاء والراء والضاد، فتقول: فَرَضِيِّ فَعَِليٌّ كحنيفة تقول فيه حَنَفِيٌّ، صَحِيفَة صَحَفِيٌّ، تقول: صُحُفي جمع؟ لا، إنما صُحُف هذا جمع صحيفة إذا أردت النسبة أن زيد من الناس علمه عن طريق الصحف حينئذٍ تقول صَحَفِي فَعِيلَة، ولا تَقْل صُحُفِي، ومثله ما شاع الآن، يقل مطارٌ دُوَلي خَطَأٌ هذا، إنما هو دُوَلْ جمع دُوَل دَوَلةَ حينئذٍ يقال: مطارٌ دَوْلِيٌّ وليس دُوَلِيّ، نقول: هذا خطأ. إذًا فرائض نقول: هذا جمع فَرِيضة فالنسبة حينئذٍ تكون للمفرد لا للجمع إلا في حالة واحدة، إذا صار الْجَمْعُ كالعلم كالأنصاريّ أَنْصَار هذا جَمع، وقد نُسِبَ إليه فقيل أَنْصَارِيّ، لماذا؟ لأن الأنصار جُعل علمًا، أو استعمل استعمال العلم على فئةٍ وطائفةٍ معينة، حينئذٍ الْفَرَائِض لَمَّا كانت تُسْتَعْمَل استعمال العلم بهذا المعنى صح أن يقال: فَرَائِضِيّ ولذلك صوّبه الشارح، والأكثر على خلاف ما ذكرناه، لأن فَرَائِض جمع وفَرِيضَة هي الأصل فحينئذٍ يُنْسَبُ إليها فيقال: فَرَضِيُّ. والْفَرَائِض قال جلال المحلي: جمع فريضة بمعنى مَفْرُوضَة فَعِيلَة بمعنى اسم المفعول، أي مقدَّرة لِمَا فيها من السهام المقدَّرة، وسيأتي أن فيها بعض التعصب فغُلِّبَت على غيرها، أي فغلبت على التعصيب وجُعلت لقبًا لهذا العلم. إذًا قوله:(عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ زيد الْفَرَضِي). الْفَرَضِيّ هذا نعت لزيد، وهو نسب لواحد الْفَرَائِض وهو فريضة بوزن فَعِيلَة، وهو اسم للعلم بالْفَرَائِض أو للعالِم بالفرائض، إذ ذاك (إِذْ كَانَ ذَاكَ) من أهم ..

ص: 10

إذْ تعليلية، لِماذا أراد الإبانة عن مذهب الإمام زيد الفرضي على جهة الخصوص؟ إذ ذاك، إذ تعليل وهو حينئذٍ يكون منصوبًا على الظرفية متعلق بمحذوف، (إِذْ كَانَ ذَاكَ) ما هو المشارُ إليه؟ إما الإبانة وإما التَّوخِّي، حينئذٍ إذْ تعليلٌ إما لقوله:(فيما توخينا)، وإما لقوله:(مِنَ الإِبَانَهْ)، (ونسأل الله لنا الإعانة ** فيما توخينا)، (إذ كان ذاك)، أي التَّوخِّي من الإبانة، إذ كان ذاك من الإبانة حينئذٍ إما أن يعود اسم الإشارة إلى التَّوخِّي، وإما أن يعود إلى الإبانة، وإن أعيد إليهما معًا فلا إشكال، لكن لا بد من التأويل، ذا هذا مفرد مذكر، فإذا أُعِيد إلى التَّوخِّي وهو القصد أو الاجتهاد لا إشكال، إذا كان ذاك أي التَّوخِّي فلا إشكال، أما إذا أعيد وكان مرجعه الإبانة وقع إشكال، إذ كان ذاك الإبانة، لا بد أن يقول: تلك. حينئذٍ لا بُدَّ من تأويل الإبانة بالمذكور، إذ كان ذاك المذكور من الإبانة، فأعاد اسم الإشارة إلى الإبانة بتأويل، أعاد اسم الإشارة ذاك، ذا، إلى الإبانة بتأويل بالمذكر وهو المذكور، وهذا دائمًا اللفظ المذكور يأتي عند النحاة، أشبه ما يكون بالخيط الذي يُستمسك به، بدل من أن يغلَّط كيف عاد وكذا .. إلى آخره أوّلُهُ بالمذكور، قد يكون هو ما استحضر شيء من هذا، وقد يكون يريدُ ماذا؟ التعليل للتَّوخِّي لا للإبانة، لكن الشُرَّاح هكذا لا بد أن يشرح هكذا. (إِذْ كَانَ ذَاكَ) أي المذكور من الإبانة والتَّوخِّي (مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ)، (الْغَرَضِ) المراد به القصد، وأصلُ الغرض ما يرمي إليه الرماة، هذا الأصل الْغَرَض تضع الطائر هناك هذا لا يجوز لكن مثلاً، فتصيبهُ، تقول: هذا يُسَمَّى غَرَضًا، فلما كان قاصدًا لطريقة زِيْدٍ سُمِّيَ غَرَضًا قَاصِدًا كأنه نصب طريقة زيد وصوّب إليها فأرادها، فحينئذٍ سُمِّيَ غرضًا للمشابهة. قوله:(إِذْ كَانَ ذَاكَ).

(إِذْ) للتعليل و (ذَاكَ) أي: المذكور؛ لأن الإبانة مؤنثة. فيحتاج إلى اسم الإشارة المؤنث فلا بد من التأويل. قوله: (مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ) أي من أهم القصد، إِنْ فُسِّرَ اسم الإشارة بالتوخي، أو أهم المقصود إن فُسِّرَ اسم الإشارة بالمذكور من الإبانة فإنها مقصودة، التوخي القصد لا إشكال فيه، الغرض القصد إذا كان التوخي لأنه ذكره بالمصدر، وأما الإبانة فهي مصدر لكن الإبانة هنا مبيَّن أو المراد به المعنى المصدري الأول، حينئذٍ لا بد أن يكون المراد من أهم الغرض أي من أهم المقصود بالتأليف وهو الإبانة، حينئذٍ الإبانة حاصلةٌ وهي أثرٌ للتأليف، هذا هو الأصل فيها، حينئذٍ صارت مقصودة وليست قصدًا، القصد إنما يكون في التوخي، وأما الإبانة فهي مقصودة بالتأليف، أَلَّفَ وصَنَّفَ ونَظَمَ من أجل أن يُبَيِّنَ، فالبيان حاصلٌ بتأليفه، حينئذٍ لا بد أن يفسر الغرض بمعنى المقصود. (إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ) أهم (الْغَرَضِ). [ثم قال] قول الشارح هنا قال:(إذ كان ذاك) أي المذكور من الإبانة أو توخيها من أهم الغرض لمن يريد التصنيف في علم الفرائض فهو تعليلٌ لما ذُكر، إما التوخي وإما الإبانة.

ص: 11

قال العلامة سبط المارديني هذا له شرح على ((الرحبية)) وعليه حاشية كذلك: أي ونسأل الله تعالى لنا الإعانة فيما قصدنا من الإظهار والكشف عن مذهب الإمام زيد رضي الله عنه، لأن هذا من أهم القصد، فإنه لا يُخَيِّبُ من قصده. قال تعالى

{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] .. الآية. قال بعض العلماء: لَمْ يَأْمُر بالمسألة إلا لِيُعْطِي. انتهى. وقال الإمام تاج الدين بن عطاء الله - هذا له مصنّف في التصوّف - متى وفقك للطلب فاعلم أنه يُريدُ أن يُعطيك، متى وفقك للطلب يعني السؤال فاعلم أنه يريد أن يعطيك.

علمًا بأنَّ العِلْمَ خيرُ ما سُعي

فيه وأولى ماَلهُ العَبْدُ دُعِيْ

(علمًا) إعرابه منصوبٌ على ماذا؟ مفعول لأجله، ولذلك قال الشارح: منصوب على أنه مفعولٌ لأجله. واستشكله البعض هذا المشهور في إعراب هذا البيت أنه مفعولٌ لأجله، واستشكله البعض لأن الشرط فيه أن يتحد مع عامله فاعلاً، يعني المفعول الفعل والفاعل [ها] الفاعل لفاعل الفعل العامل، والفاعل للمصدر، واحد، فالعلم هنا نقول: مفعولٌ لأجله، ما العاملُ فيه؟ هذا يحتمل، هذا يحتمل ولذلك قدره هنا وهو علةٌ لقوله:(إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ). أو علة لقوله: (تَوَخَّيْنَا). إما هذا، وإما ذاك، توخينا واضح، فاعلُ التَّوَخِّي القصد هو المصنف، وعلمًا لأجل العلم هذا كذلك حاصلٌ بفعل المصنف، اتّحدا، فاعل علم وفاعل التوخي واحد اتحدا، أما (عِلْمًا) كونه علةً لقوله:(إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ). هذا منفصلٌ لا بد من التأويل، واستشكله البعض بأن الشرط في أن يتحد مع عاملة فاعلاً، فالفاعل يكون واحدًا للمصدر وللعامل، وهنا ليس كذلك فإن مرفوع كان اسم إشارة (إِذْ كَانَ ذَاكَ) هذا مرفوع كان، وفاعلُ العلمِ المصنف وهذا على جعل (عِلْمًا) علة لقوله:(إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ). إذًا انفكت الجهة، وإذا كان كذلك لا يصلح أن يكون علمًا مفعولاً لأجله وعلةً لقوله:(إِذْ كَانَ ذَاكَ). وإنما يُحمل على الثاني، وأما على جعله علةً لتوخَّيْنَا فلا إشكال لأن فاعل التوخي والعلم واحد وهو المصنف. وأُجيب عن الأول بالتأويل (إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ) عندي (عِلْمًا) إذًا اتحدا، واضح؟ اتحدا، فثَمَّ تقدير في الأول من أجل أن يُجعل قولُه (إِذْ كَانَ ذَاكَ)، (ذَاكَ) هذا مرفوعٌ بكان، وليس العامل فيه هو عامل أو ما اتصف به المصنف، لأن الإشارة هنا لما سبق الإبانة أو التوخي، حينئذٍ انفكت الجهة، فكَوْن إذ كان ذاك عاملاً في (عِلْمًا) على أنه مفعولٌ لأجله فيه نظر لعدم اتحاد الفاعل، حينئذٍ لا بد من تقدير في الأول من أجل أن يتحد عامل الأول مع عامل الثاني في الفاعل، فقيل: إذ كان ذاك الغرض عندي (عِلْمًا) فاتحدا، هكذا قيل، وقيل: الاتحاد في الفعل موجود معنًى، فكأنه قال أعُدُّه من أهم الغرض عندي علمًا .. إلى آخره، قدَّره في الأول، لأن المراد (إذ كان ذاك من أهم الغرض) عندي.

على كلٍّ (عِلْمًا) مفعول لأجله، والأحسن جعله من التوخي لعدم الاحتياج إلى التقدير.

ص: 12

(علمًا بأن العلم)، (بأن العلم) جار ومجرور متعلق بقوله:(عِلْمًا) لأنه مصدر، (علمًا بأن العلم) أي علم، [ها] الفرائض أو العلم الشرعي؟ العلم الشرعي، مراده العلم الشرعي عام، سواء كان علم التفسير، أو علم الحديث أو علم الفقه، لأنه أراد أن يثني على العلم على جهة العموم، ثم يخصص فقال: وأن هذا العلم مخصوصٌ بما قد شاع. إذًا ذكر العلم أولاً على الجهة العموم، ثم خصَّ علم الفرائض على جهة الخصوص (عِلْمًا بَأَنَّ الْعِلْمَ) والعلم هو فسره الشارح وهذا بعيد أن يفسر العلم هنا بحكم الذهن الجازم المطابق للواقع، هذا للعلم من حيثُ هو إذا كان مقابلاً للظن والشك ونحو ذلك، وأما العلم المرادُ به هنا العلم الشرعي علم الكتاب والسنة (علمًا بأن العلم) فأل حينئذٍ تكون للعهد الذهني، إذ الذي خيرُ ما سعي له العبدُ ودعى العبدُ غيره للسعي في طلب العلم هو العلم الشرعي العلم، إذ العلم إذا أُطلق وأثني عليه من جهة الإطلاق انصرف إلى العلم الشرعي.

(عِلْمًا بَأَنَّ الْعِلْمَ خَيْرُ مَا سُعِيْ) ولذلك قال هنا والألف واللامُ فيه للاستغراق أو العهد الشرعي، وهذه أو مرة تمر علينا هذا اللفظ العهد الشرعي، أليس كذلك؟ العلم أل للعهد الذهني، ما هو المعهود؟ العلم الشرعي حينئذٍ قد يكون المعهود إمّا ثابتًا من جهة الحس، وإما ثابتًا من جهة العقل، وإما ثابتًا من جهة الشرع، وهذا يعتبر مثال للشرع. أو العهد الشرعي وهو علم التفسير والحديث الفقه، ويلحق ذلك ما كان آلةً له، فالعلم كما قال الناظم هنا (خيرُ ما سُعي ** فيه) خيرُ هذا خبر أنَّ، بأن العلم أن العلم، هذا اسمُ أنَّ، خبرها خيرُ، يعني أفضل، و (خَيْر) هذه أفعلْ تفضيل، فالخيرية ثابتةٌ للعلم الشرعي بإطلاق ليست من وجه دون وجه كما هو الشأن في العلوم الأخرى، العلوم الاصطناعية الدنيوية، حتى علوم الآلة هذه فيها خيرية من جهة دون جهة، كل ما أعان على فهم الكتاب والسنة فهو الذي يعتبر علمًا شرعيًّا، سواءً كان مقصودًا لذاته أو كان مقصودًا لغيره، فما زاد عن ذلك من العلم المقصود لغيره حينئذٍ لا تكون الخيرةُ ثابتة فيه بإطلاق، واضحٌ؟ إذًا (خيرُ ما سُعي) هنا أطلق الناظم الخيرية فدل على أنه المراد به العلم الشرعي، وما يخدمه يعني من علوم الآلة، (خيرُ) هذا خبر وهو مضاف و (ما) اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه، و (سعي) هذا مبني لِمَا لم يسمَّ فاعله، و (فيه) جار ومجرور متعلق بمحذوف، إيش إعراب (فيه)؟ (سُعِي)[نعم] يعتبر نائبُ فاعل والضمير في (فيه) عائدٌ على (ما)، وجملة (سُعي ** فيه) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. إذًا العلمُ خيرٌ وأفضلُ ما سعى فيه العبدُ، يعنى طرق الطريق من أجل الوصول إلى هذا العمل، فكل سَعْيٍ موصل للعلم فهو خيرٌ لأنه موصل لأصل وثبت فيه الخيرية المطلقة، [فالوسائل لها أحكام المقاصد].

ص: 13

(وَأَوْلَى مَا لَهُ الْعَبْدُ دُعِيْ)، وأولى هذا معطوف على (خَيْرُ)، فالمراد به الأحق والأجدر أولى الأحق والأجدر ما له الذي له لهذا العلم العبدُ أي الشخص فليس مراد العبدُ مقابل الحرّ المراد به الشخص، (دُعي) هذا مغير الصيغة مبني لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، وبين (دُعي) و (سُعي) هذا جناس يسمى ماذا؟ يسمى جناسًا.

قال هنا: فالعلمُ من خير ما سُعي فيه ومن أولى ما له العبدُ دُعي

قال اللهُ تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. هنا أطلق العلم وأثنى على أصحابه فدل على أنه يُثْنَى عليه مطلقًا بدون تخصيص وبدون تقييد، ولا يصرفُ هذا العلم من حيثُ الإطلاقِ إلا على علم الكتاب والسنة فحسب، وما عداه فلا، وإنما يكون له حكم المقاصد، يعني العلوم الدنيوية الحساب والطب والهندسة ونحوها هذه ليست محمودة لذاتها، وإنما هي مباحة في الأصل فإن أُريد بها بنية صاحبها خدمة الإسلام مثلاً وكفّ المسلمين بالنظرِ إلى غيرهم ونحو ذلك أُثيب على هذه النية، وأمّا العلم نفسه فلا ينقلبُ شرعيًّا يبقى كما هو كما ذكرناه في شأن ماذا؟ في شأن المباح. المباح لا ينقلبُ مستحبًا نفسُهُ، وإنما بنيته نقول: حينئذٍ لما نوى بنومه التقوى على الطاعة وعلى قيام الليل مثلاً يُثابُ على هذه النية، وإما النوم نفسه لا يكون عبادة، لأن العبادات توقيفية لا بد من دليل، أين الدليل في إثبات كون النوم أو الأكل أو الشرب أو نحو ذلك أنه عبادة في نفسه. نقول: لا، هو يبقى على ما هو مباح. وإنما أحتسب نومَي وقومَي وأكلتي وشربتي، نقول: هذه كلها المراد بها الثواب على النية. هكذا يفسر كلام الأصوليين أن المراد بأن المباح يبقى على كونه مباحًا ولا ينقلبُ المباح فيصيرُ طاعةً، النومُ مباح في الأصل ولا ينقلبُ عبادةً، وإنما العبادة في كونه يستعين به وحينئذٍ الاستعانة والنية تكون محلها القلب.

والأحاديث في فضائل العلم كثيرة شهيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ أتاهُ الله مالاً فسلطهُ على هلكتِهِ في الخير، ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها للناس» . والحكمة المراد بها هنا السنة، وهو العلم الشرعي على جهة العموم. رواه البخاري من حديث ابن مسعود.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» . انظر «من سلك» ، «من» شرطية وهي عامة، وهذا يدخل في حتى العوام وليس الحكم خاصًّا بطلاب العلم، لا، هذه الفضائل التي وردت في شأن العلم كُلّ من سأل أو كل من بذل أو سلك فهي عامة، حينئذٍ كلُّ شخصٍ وُجدَ منه شيء من هذا الوصف الذي رُتِّبَ عليه هذا الثواب حينئذٍ استحق هذا الثواب بحدِّهِ، حينئذٍ الثواب يتبعض كما أن ما توقف عليه الثواب يتبعض، العلم يتبعض، أليس كذلك؟ العلم يتبعض أو لا؟

لا إله إلا الله، يتبعض أو لا؟ يتجزأ أو لا؟

ص: 14

يتجزأ [نعم] تتعلم الفرائض، وتتعلم الفقه، وتتعلم التفسير، هذه متبعضة، تتعلم الفرائض المسألة الأولى الحقوق المتعلقة بالتركة هذه مسألة تضبطها من أصلها، وتجهل الحساب، وتجهل الحجب والتعصيب، لا بأس، تعلم هذه وتجهل هذه، إذًا هذا معنى التبعيض، حينئذٍ يتبعض، فكلما وُجد جزءٌ أو بعضًا منه ترتب عليه الثواب، إذًا «من سلك طريقًا يلتمس» ، «طريقًا» . هنا نكرة في سياق الشرط فيعُمْ، أدنى وأقل ما يُسمى طريقاً ولو سؤال بالهاتف نقول: دخل في النص، أليس كذلك؟ دخل في النص، لو ترفع سماعة تسأل مسألة حكم شرعي نقول: هذا يعتبرُ من طلب العلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] حينئذٍ اسألوا عمّا لا تعلموا، قد لا تعلم مسألة واحدة وأُمرتَ بالسؤال، فهو داخلٌ في هذا النص، إذًا طريقًا نقول: هذا نكرة في سياق الشرط فيعُم أدنى ما يُسمى طريقًا، والطرق مختلفة، والطرق والمناهج في طلب العلم مختلفة. «من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة». قال:

«يلتمسُ فيه علمًا» . علمًا هنا نكرة في سياق الإثبات، لأنها ليست داخلة على قول «سلك طريقًا» . الذي هو فعلُ الشرط، وإنما قال:«يلتمسُ فيه علمًا» يعني يطلبُ فيه علمًا، أدنى ما يسمى علم أدنى، فهي نكرة في سياق الإثبات «سهّلَ» هذا الجواب «سهل الله له طريقًا إلى الجنة» . رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال الشافعي في ((بيان فضل العلم)): طلب العلم أفضلُ من صلاة النافلة. انتبه طلب العلم أفضلُ من صلاة النافلة، وليس بعد الفريضة أفضل من طلب العلم. هذا عند التعارض، هذه تفهمُ عند الطلاب بفهمٍ سقيم، هذه العبارات نقول: تفهمها على ما قاله الإمام الشافعي، يعني هو يقولُ شيء وهو يعملُ به، فتنظر في سيرته كيف هو مع قيامه وقرآنه وصيامه ودعوته وتعلُّمِهِ وتعليمه، تفهم هذه العبارة، وأما أن تقف مع هذه العبارة ليس بعد الفريضة أفضل من العلم، ثم لا وتر [ها ها] ولا صلاة ولا قراءة قرآن بحُجّة ماذا؟ أن العلم أفضل من غيره، نقول: لا، ليس الأمر كذلك، إذ لو كان طالب العلم لا يقف إلا على الفرائض لماذا يتعلم؟ لماذا يتعلم ويحفظ السنن ويعرف المكروهات؟ لا، هذا مثل العوام، اعمل الفرائض واجتنب المحرومات والكبائر، وما بيْنَ بينْ حينئذٍ تكون كغيرك في تلك المسائل.

ص: 15

إذًا طلبُ العلم أفضلُ من صلاةِ النافلة إذا تعارضا، وأما الأصل لا، تعمل بكل سنة كُلّ سنة تعلمها قوليه أو فعلية أو تركية فالأصل - وخاصة طالب العلم فالأصل أن يكون سبّاقًا في تطبيقها - ثم إذا حصل تعارض بين المذاكرة بين الحفظ بين حضور الدرس مع بعض النوافل حينئذٍ لا بأس أن يقال: بأن هذا واجب فرض كفاية، وهذا نفل، ولا يمكن جمع بينهما فيقدم الفرض على النفل، هذا المراد، وليس المراد وأن يكون من سنن طالب العلم أن يهجر السنن ويهجر المستحبات ويفعل المكروهات بحجة ماذا؟ هذه العبارات، وليس بعد الفريضة أفضلُ من طلب العلم ولا شك في ذلك. وكفى بالعلم شرفًا أن كُل أحدٍ يدعيه وكفى بالجهل قبحًا أن كل أحدٍ ينكره. كُلّ واحد يظن أنه عالم، وإذا قيل له: يا جاهل. غضب مع كونه جاهلاً، فكل من انتسب إلى العلم ولو بالدعوى والكذب فَرِحَ وارتفع ونفح صدره، وإذا قيل له يا جاهل فهو محلّه [ها ها] حينئذٍ غضب (علمًا بأن العلم خيرُ ما سُعي) أي أفضل الأمرُ الذي سعى الإنسانُ فيه.

........ ما سُعي

فيه وأوْلَى ماله العبدُ دُعي

أي ومن أولى الأمر الذي طُلِبَ العبدُ له، يعني أمر العبد بتحصيله وهو العلم الشرعي، ولا يخفى التجنيس بين (سُعي) و (دُعي).

وأنَّ هَذا العِلْمَ مخصوصٌ بما

قَدْ شاعَ فِيهِ عِندَ كُلِّ العُلَمَا

بأنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفقَدُ

في الأرضِ حَتَّى لا يَكَادُ يُوجدُ

(وأنَّ) هذا معطوفٌ على ما سبق، (علمًا بأن العلم) وعلمًا بأن هذا العلم فهو معطوفٌ على ما سبق، فهو تعليلٌ للسابق، أن هذا العِلمَ هذا العلم الْمُحلَّى بأل إذا وقع بعد هذا وهو اسم إشارة حينئذٍ فسرت أل بالعهد الحضوري، أي العلم الحاضر الذي سيؤلفُ فيه وهو الفرائض، حينئذٍ قوله:(وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ) المرادُ به علمُ الفرائض علمُ المواريث، والذي خصّهُ وقوعه بعد هذا، وهذا اسمُ إشارة لأنها تدل على الشيء الحسي هذا الأصلُ فيها أن يكون المشار إليه محسوسًا، وإذا كان كذلك فما بعده لا بد أن يكون حاضرًا، لا يشيرُ إلى شيء غائب وإنما يشير إلى شيء حاضر، ولذلك تفسر أل بعده بماذا؟ بالعهد الحضوري. (وأن هذا العمل مخصوصٌ)،

(هذا) هذا اسم أنّ، والعلم بدل أو عطف بيان أو نعت، (مخصوصٌ) هذا خبر، (مخصوصٌ) يعتبر خبرًا عنه، يُقال اختص فلانٌ بكذا، انفرد والشيء اصطفاهُ واختاره، (وأن هذا العلم) قلنا: علم الفرائض مخصوصٌ يعني انفرد، (بِأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ).

ص: 16

وقوله: (بما ** قَدْ شَاعَ فِيْهِ عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَا). هذه يبدُل ما بعدها منها حينئذٍ يفسر ما قبله بما بعده (وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَخْصُوْصٌ بِمَا)، يعني بالذي جار ومجرور متعلق بقوله:(مَخْصُوْصٌ). (قد) هذه للتحقيق. (شاع) أي: فشا واشتهر، (فيه) أي في هذا العلم وهو علم الفرائض، (عند) هذا متعلق بـ (شاع)، وهو مضاف وكل مضاف إليه، وكُل مضاف و (الْعُلَمَا) بالقصر للوزن مضافٌ إليه، بما قد شاع واشتهر وفشا فيه في ذلك العلم (عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَا) جميع العلما، (بأنه أوّلُ علمٍ يفقدُ ** في الأرضِ) يعني من الأرض، أول علمٍ يُفقد هو علم الفرائض، وردت آثار في ذلك، ولذلك قال:(بأنه). هذا متعلق بقوله: (مَخْصُوْصٌ)، (وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَخْصُوْصٌ) ويصح أن يكون بدلاً من قوله:(بما ** قد شاع). ما هو الذي قد شاع؟ [ها]؟ (بأنه أول علمٍ يفقدُ)، لأن قوله:(بما ** قد شاع فيه عند كل العلما). نقول: كأن # 58.18 .. عن مذهب الإمام من هو؟ زيدٍ هنا، (بما ** قد شاع فيه عند كل العلما) ما هو؟ (بأنه أوّلُ علمٍ يفقدُ) حينئذٍ الجار والمجرور قد يبدلُ من الجار والمجرور، فيحتمل أن قوله:(بأنه). جار ومجرور بدلٌ من قوله: (بما قد شاع). (بأنه) أي علم الفرائض (أَوَّلُ) وأسبق علمٍ من علوم الشريعة (يفقدُ) أي يذهبُ ويزولُ، يقال فقد الشيء فقدًا فِقْدانًا ضاع منه والمال ونحوه عَدِمَهُ، والثاني مرادٌ. (في الأرض) في بمعنى من، من الأرض، لأن في الأرض دلت على الظرفية {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 11]، يعني: على الأرض وليس المراد سيروا في الأرض يعني في داخل الأرض، وإنما سيروا على الأرض (في الأرض) أي من الأرض (حَتَّى لَا يَكَادُ يُوْجَدُ) أي يُفقد في الأرض لفقدِ العلماء به، لا بانتزاعِهِ منهم لحديث:«إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور الرجال ولكن بموت العلماء» .

هنا قال الشارح: وعلمًا بأن هذا العلم هو علم الفرائض مخصوص بما قد شاع فيه عند كل الماء بأنه أول علمٍ يفقدُ في الأرض بالكلية، يعني قد يبقى منه شيء فلا يعارض ما ورد من الآثار، وإنما شاع عند العلماء أنه أول علمٍ يفقد لِمَا رواه ابن ماجه وابن المبارك والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«تعلموا الفرائض وعلموه، فإنه نصفُ العلمِ، وهو يُنسى وهو أول علمٍ ينتزع من أمتي» . رواه البيهقي في سننه، وقال: انفرد به حفص بن عمر وليس بقوي. حديث مضعّف عند أهل الحديث.

ولَمَّا كان علم الفرائض من يشتغلُ به قليل لتوقفه على علم الحساب وتشعب مسائله وارتباط بعضها ببعض كما في مسائل الجد والإخوة وغيره كان عرضة للنسيان، هذا عام في كل فن، فلأجل هذا حثّ صلى الله عليه وسلم على تعلُّمِهِ وتعليمه. ولَمّا كان علم الفرائض من يشتغلُ به قليل لتوقفه على علم الحساب وتشعُّب مسائله وارتباط بعضها ببعض كما في مسائل الجد والإخوة وغيره كان عرضةً للنسيان، فلأجل هذا حثَّ صلى الله عليه وسلم على تعلمه وتعليمه. قد يكون لأمرٍ ما - الله أعلمُ بحال هذا إن صحّ الحديث -. وأما قوله: فإنه نصف العلم فاختلف في معناه على أوجه أقربها أو المشهور أن للإنسان حالين:

ص: 17

- إما حيّ

- وإما ميت.

إما في حال حياة، وإما في حال موت، وهذا يتعلق بك متى؟ بعد موتك، إذًا هو نصف العلم. علم الشرع كله إما أن يتعلق بحياة الإنسان، وإما أن يتعلق بموته، هذا العلم متعلق بموت الإنسان لا بحال حياته، أقربها أن الإنسان حالتين حالة موت وحالة حياة، وفي الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت. وقال ابن عيينة لأنه يبتلى بها الناسُ كلهم. وقيل غير ذلك مما أضربنا عنه خوف الإطالة.

وقد ورد في علم الفرائض أيضًا من الأحاديث والآثار مما يدل على فضله وشرفه أشياء كثيرة فراجعها في المطولات.

إذًا (وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَخْصُوْصٌ)، قلنا: هذا العلم أي العلم الحاضر الآن، وقيل: أل هنا للعهد الذهني لقوله: (عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ زَيْدِ الْفَرَضِيْ). إذًا كنَّى هناك عن الفرائض بذكر زيد، لأنه زيد كلما ذُكر ذكرت الفرائض بناءً على ما ذُكر، حينئذٍ تكون أل للعهد الذهني لأنه ذكر الفرائض مكنيًّا عنها بزيد بن ثابت، وكونها للعهد الحضوري أولى.

ص: 18

وقوله: (مخصوصٌ بما ** قد شاع). أي مخصوصٌ بالذي قد فشا واشتهر فيه عنه جميع العلماء، وقوله:(بأنه أول علمٍ يفقدُ). هذا بدلٌ من قوله: (بما ** قد شاع فيه). وهذا أولى، ويجوز أن يكون متعلقًا بمخصوص. وقوله:(يفقدْ ** في الأرض). أي: من الأرض بفقد العلماء به لا بانتزاعه من صدور العلماء. وقوله: (حتى لا يكادُ). حتى للغاية إن لوحظ فيها التدريج، يعني بأن يفقد شيئًا فشيئًا، وهذا شأن العلوم، شأن العلوم إذا فُقِدَت لا تفقدُ دَفْعَةً واحدة فإنما تفقدُ شيئًا فشيئًا، ولذلك نص بعضهم على أن العلم قد جاء العموم ليس الفرائض فحسب أنه يُنتزع بموت العلماء، إنما يُبدأ فيه في انتزاع الطرائق المؤدية إلى العلم، وهذا شأنه واقعٌ وحاصل، لأن العلم إدراكه وكونه من العلماء له طريقة، إذا حصل خلطٌ في هذه الطريقة الموصلة إلى العلم لأن الطريقة واحدة متحدة عند أهل العلم لم تصل إلا من هذا الطريق، فإذا حصل خلطٌ في الطريق حينئذٍ أدَّى إلى عدم وجود علماء، وإذا لم يكن كذلك فحينئذٍ ذهب شيءٌ من العلم لأنَّ من يطلب العلم قد يطلب العلم ويطلب، ويطلب ويظن أنه على طلب صحيح وليس الأمرُ كذلك، إذًا أول ما يؤتى شأنه من جهة قبض العلم هو ذهاب الطرائق المشهورة عند أهل العلم، وهذه إذا تأملت الآن موجودة وراسخة. إذًا (حتى لا يكادُ) حتى للغاية إن لوحظ التدريج بأن يفقد شيئًا فشيئًا، وتفريعية إن لوحظ الفقد دفعة واحدة، وهذا لا يكون، والأولى حمله على السابق، (لَا يَكَادُ يُوْجَدُ)، كاد هل هي كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات، أم أنها بالعكس نفيها إثبات وإثباتها نفي، هذا محل نزاع بين النحاة، وعليه نقول: قيل: كاد كغيرها فنفيها نفيٌ وإثباتها إثبات، فإذا قلت: كاد زيدٌ أن يقوم، كاد أي قَرُبَ زيدٌ أن يقوم حينئذٍ هنا فيه إثبات وفيه نفي، القيام منفي، والقرب هذا مثبت، لأن كاد هنا لم يسبقها حرف نفي، مثل قام، قام زيدٌ هنا فيه إثبات القيام، لو قلت: ما قام زيدٌ فيه نفيٌ للقيام، كاد مثلها (لا يكادُ)، (يكادُ) إذًا نفيها نفي وإثباتها إثبات، هذا قولٌ لبعض أهل العلم، والمشهور خلافه، فإذا قلت: كاد زيدٌ أن يقوم فالمعنى قَرُبَ زيدٌ من القيام.

ص: 19

فالقَربُ من القيام ثابت لأن كاد فعلٌ ولم يدخل عليها نافي، حينئذٍ كاد أي قرُبَ من الفعل والقَرب موجود والفعل الذي هو القيام غير موجود، وهذا واضحٌ بيّن، فالقُرب من القيام ثابتٌ، لكن القيام نفسه غير ثابت، وإذا قلت بالنفي لا يكادُ زيدٌ يقوم حينئذٍ نفيت القُرب مع نفي القيام من بابٍ أولى، نفيت القُرب لا يكاد لا يقرب إذًا المنفي ليس بثابت كالأول، لا يكاد زيدٌ يقوم فالمعنى لا يقرب زيدٌ من القيام، فالقُرب من القيام منفيٌ وكذا القيامُ بالأولى ولذلك كان قوله تعالى:{لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]. أبلغ من أن يقال لم يَرَهَا {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} هذا نفيٌ للقربان للقُرب، وأما لم يرها هذا نفيٌ مباشر وذاك أولى، وهذا كقوله أيضًا:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء: 32]. فإنه نهى عن القربان، أليس كذلك؟ فهو دليلٌ على أن الزنا من باب أولى وأحرى، أليس كذلك؟ إذا حرّمَ الوسيلة الموصلة إلى الزنا فتحريم الزنا من أولى وأحرى هذا واضح. وقوله:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} . أبلغ من قوله لا تزنوا مثلاً، لأن ذاك نص في نفي الفعل والنهي عنه وهذا نص فيه، وفيه زيادة وهو النهي عند قربانه وهذا دليلٌ على أنه محرمٌ من باب أولى، والمشهور عن النحاة أن إثباتها نفيٌ ونفيها إثبات على عكس غيرها، وكلام المصنف حينئذٍ يحملُ على أي القولين

(حتى لا يكادُ يوجدُ) على أي القولين؟

على الأول. فنفيٌ للقُرب من الوجود. لو قيل: لا يكادُ نفيُ كاد إثبات هذا مخالفٌ للنصوص، أليس كذلك؟ لأن نفيها إثبات، وجاء أنه ينتزع ويُنْسى حينئذٍ كيف يقال لا يكادُ يوجد ونفي كان إثبات، حينئذٍ يكون موجودًا في الأرض على عكس ما ورد في الآثار، وليس هذا مراد الناظم حينئذٍ يحمل قوله:(لا يكادُ يوجدُ). على القول الذي ذكره البيجوري وغيره بأن كاد كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات، وأما لو حملناه على المشهور عند النحاة حينئذٍ صار فيه مضاد لِمَا اشتهر من أن علم الفرائض لا يوجد بمعنى أنه يُنْتَزَع ويُنسى من الأرض. وكلام المصنف على القول الأول لأنه يقتضي على القول الثاني أنه يوجد، لأن كاد للنفي وقد دخل عليها النفي، ونفي النفي إثبات، وهذا فيه معارضةٌ لما سبق.

بأنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفقَدُ

في الأرضِ حَتَّى لا يَكَادُ يُوجدُ

فقوله: لا يكادُ يوجدُ، أي يقربُ من عدم الوجود، لأن كان من أفعال المقاربة، وظواهر الأحاديث أنه يفقد حقيقةً، وهذا القول بناءً على أن لا النافية داخلةٌ على يكاد.

ثمَّ قول آخر من توجيه قول الناظم هو أن (لا) هنا ليست داخلة على كاد، وإنما دخلت على يوجد (حَتَّى لَا يَكَادُ يُوْجَدُ) حتى يكاد بدون لا، لا يوجدُ حينئذٍ لا هنا مسلطة على ماذا؟ على كاد أو على خبرها؟ على الخبر، ولا إشكال لئلا يقع معارضة بين هذا النص مع ما اشتهر.

إذًا أفادنا المصنف بأن علم الفرائض قد خُصَّ بالأمر الذي شاع عند أهل العلم بناءً على الحديث الذي ذكرناه - وفيه ضعف - لأنه أول وأسبق علمٍ في الأرض يُفْقَدُ يعني يفقد من الأرض حتى لا يكاد يوجد، لا يقرب وجوده البتة، وهذا نفيٌ له حقيقة.

وأنّ زيدًا خُصَّ لا مَحَالَةْ

بما حباهُ خاتَمُ الرسالةْ

ص: 20

(وأن زيدًا) هذا معطوفٌ على قوله: (أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ) كلٌّ معطوف على ما سبق (وأن زيدًا) يعني الإمام المذكور زيدًا الفرضي.

(وأن زيدًا خصّ)، (خصّ) أي خصه الله تعالى وميزه عن بقية الصحابة (بما حباه) يعني: بالذي حباهُ، (حباهُ) يعني أعطاهُ، (خاتمُ الرسالة) وهو النبي صلى الله عليه وسلم خاتمُ الرسالة، والنبوة من قوله:(في فضله منبها ** أفرضكم زيدٌ). إذًا خُص بقوله: (أفرضُكُم زيدٌ). فأثبت له أنه أعلم الصحابة بعلم الفرائض والمواريث، ولكن هذا ذكرنا أنه إذا صح الأثر وإلا فيه ضعفٌ. (وأن زيدًا خُصَّ) من بين الصحابة رضي الله عنهم (بما) جار ومجرور متعلق بقوله:(خُصَّ) وهي اسم موصول بمعنى الذي، والباء هنا داخلة على [الموصول] كما هو الكثير في شأن مثل هذه التراكيب، (حباهُ) أعطاهُ والضمير هنا يعود على ما الاسم الموصول والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، (خَاتمُ الرِّسَالَهْ) هذا فاعل، وخاتمُ الرسالة مضاف ومضاف إليه، وفيه اكتفاء أي والنبوة (خاتمُ الرسالة) والنبوة لماذا؟ لأنه كما سبق النبوة أعمّ من الرسالة، فإذا ختم الرسالة لا يلزم منه ختمُ النبوة، وإذا ختم النبوة حينئذٍ يلزم منه ختم الرسالة، إذ نفيُ الأعم يستلزم نفي الأخص، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، حينئذٍ لا بد من قولنا بأن ثمَّ اكتفاءً في كلام الناظم. (خاتمُ الرسالة) والنبوة، (خاتم الرسالة) أي ذويها وهم المرسلون، والنبوة أي ذويها وهم الأنبياء، وفي الكلام مضاف محذوف.

ص: 21

قوله: (لا محالة). قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية: أي لا حَيْلَة - حَيْلة على وزن فَعْلَة فَيْلَة فَعْلَة فالياء هنا أصلية حَيْلَة فعلة بفتح الحاء - لا حيلة ويجوز أن يكونَ محالةً من الحول والقوة، يعني حيلة ومحالة مشتق من الحول، والمراد بالحول القوة، فقوله من الحول والقوة ليس المراد أنه مشتق منهما، لا، كيف يشتق من الحول ومن القوة، وهو فيه الحاء والياء واللام والتاء، فالمادة موجودة في الحول، لكن القوة هذا العطف عطف تفسير على ما سبق، فالحول يفسر بالقوة، لا حول ولا قوة إلا بالله. إذًا لا حيلة ويجوز أن يكون محالةً من الحول والقوة، يعني مأخوذٌ من الحول، والمعنى على هذا أن تخصيص زيد بما ذكر لا حيلة له فيه ولا قدرة عليه، يعني هبة عطية من الله عز وجل محضة ليست لكسبه ولا من فعله ولا برضاه، وإنما الله عز وجل جعله هكذا (لا محالة) يعني لا حيلة له فيه لا قوة، حينئذٍ هذا الذي جاءه العلم من عند الله عز وجل عطية ليس من كسبه ولا باختياره. أو وهذا لخلاف تفسير الحيلة أو الحركة يعني لا حركة له فيه، (لا محالة) لا حركة له فيه، وهو موافقٌ لما سبق يعني لم يتحرك ويتسبب من أجل أن يصل إلى إتقان هذا الفن. والمحالة كما قال هنا:(لا محالة). وزنها مَفْعَلَة على وزن مفعلة، منهما من الحيلة والحول فيقال: مَحِيلَة ومَحُولَة، الأول يائي والثاني واوي، وأكثر ما تستعمل بمعنى اليقين يعني كلمة لا محالة هكذا مركبة بمعنى اليقين، فقوله:(وأن زيدًا خص) يقينًا (بما حباهُ) أو بمعنى الحقيقة (وأن زيدًا خص لا محالة)، يعني حقيقة بما حباهُ، أو بمعنى لا بُد، لا بُد يعني لا فرار ولا مناص (وَأَنَّ زَيْدَاً خُصَّ لَا مَحَالَه) لا فرارَ ولا مناص عما خصه الله عز وجل (بما حباه خاتمُ الرسالة) والميمُ زائدة فيكونُ المعنى كما قال الشارح هنا:(وأن زيدًا خص). حقيقة أو يقينًا أو لا بُدّ وهذا التنويع ماذا؟ تنويع للخلاف بتفسير قوله: لا محالة. إذًا هي مشتقة من الحول وأصلها ذا حيلة، وخاتم الرسالة والنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. (من قوله) هذا بيان لما حباهُ، ما هو الذي حباهُ؟ يعني الذي أعطاهُ؟ [ها] ما الذي أعطاه هذه تزكية شهادة (أفرضكم زيد) هذه مثل الشهادة الآن [ها] أفرضكم زيد مبتدأ وخبر، والجملة محكية من قوله:(أفرضكم زيد). هذا مقول القول في محل نصب لأنه معمول لقوله، من قوله عليه الصلاة والسلام وهذا يعود على خاتم الرسالة هنا في فضله يعني في بيان فضله، وهو زيد بن ثابت (مُنَبِّهَا) هذا حال من الضمير المضاف إليه فضل وهو مصدر، (فَضْلِهِ مُنَبِّهَا) حال من الضمير، وشرطه موجود وهو كون المضاف مما يجوز عمله وهو مصدر هنا إلا إذا اقتضى المضاف عملاً، وهذا مما يقتضي المضاف العمل فيما بعده، حينئذٍ فضله نقول الضمير هنا في محل نصب.

ص: 22

(مُنَبِّهَ) التنبيه لغة الإيقاظ يقال: نبهته بمعنى أيقظته (أفرضكم زيدٌ) أي أعلمكم بالفرائض والخطاب للصحابة فلمن بعدهم من بابٍ أولى، أفرضكم زيدٌ، وناهيك بها، حسبك بها هذه الشهادة، ناهيك بها، ناهيك مبتدأ وخبر، يعني: ناهيك بها مرتبة ومنقبةً، يحتمل أن ناهيك مبتدأ والضمير خبر، زيدت فيه الباء ناهيك بها، والمعنى الذي نهاك عن أن تطلب غيره في بيان فضل زيدٍ هذه الشهادة، لا تطلب غير زيد من الصحابة في كونك تتبعه في فن الفرائض، لماذا؟ لأن هذه الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم نهتك عن أن تطلب هذا الطلب، أو بالعكس والمعنى هذه الشهادة تنهاك عن أن تطلب غيرها، ويحتمل أن الضمير فاعل الوصف على حدِّ فائزِ أُولو الرشد

ناهي هذا اسم فاعل، (ناهيك بها) والضمير يحتمل أنه فاعل، والباء هذه زائدة. إذًا (ناهيك) مبتدأ والها فاعل وهذا جائزٌ على غرر ما ذهب إليه ابن مالك:

فائزٌ أولو الرشد

وتكون الباء زائدة في الفاعل. إذًا (من قوله) هذا متعلق بقوله: (حباه). أو بيان، بيان لقوله:(بما حباه). وحباه معناهُ أعطاهُ، والحبوة العطية الشيء المعطى، والحِباء أو الحَبَاء نفس الفعل العطاء، ولذلك يقال: حبا فلان وحبوةً أعطاه، والْحِباء ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به، والحبوةُ العطية. قوله هنا:(مُنَبِّهَا) على فضله وشرفه (أفرضكم زيدٌ) وذكر ابن الصلاح أن الترمذي والنسائي وابن ماجه رووه بإسنادٍ جيد، وقال: هو حديثٌ حسن. الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه ابن الصلاح وضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية. (أفرضكم زيدٌ) هذا الحديث ذكر فيه مجموعة من الصحابة وميَّز بعض الصحابة ببعض العلوم، لكن الشيخ الإسلام بن تيمية ضعفه كما ذكرناه. وروى الترمذي في جامعه بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه بلفظ:«أعلمُ أمتي بالفرائض زيدُ بن ثابت» . وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم. قال ابن الهائم نقلاً عن الماوردي رحمه الله تعالى قال: للعلماء في ذلك خمسة أوجه وعدّها إلى أن قال: الخامس أنه قال ذلك لأنه كان أصحهم حسابًا وأسرعهم جوابًا. يعني علم الفرائض مبني على الحساب والضعيف في الحساب ضعيف في الفرائض، الذي لا يعرف الضرب والقسمة إلى آخره هذا ضعيف في الفرائض، حينئذٍ لما كان زيد بن ثابت أسرعهم في معرفة الحساب صار أعلمهم بهذا الفن، وهذا حقٌ يعني من كان كذلك حينئذٍ يكون فقيهًا في الفرائض. ثم قال الماوردي: من أجل هذه لم يأخذ الشافعي رضي الله عنه إلا بقوله رضي الله عنه.

والله أعلم وصلَّى لله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 23