الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الحمل وحكمه وتقاديره.
* حالاته من حيث الخروج، وحكم كل منها.
* شروط إرث الحمل، وضوابط التحقق من هذه الشروط، والعمل.
* الغرقى والهدمى ونحوهم.
* حالات الغرقى والهدمى، وحكم كل منها.
* الخاتمة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: (الْحَمْلِ)
وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ
…
فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَالأَقَلِّ
هنا التبويب لا يوجد في أكثر النسخ وإنما بوب تبويبًا للإرث بالتقدير والاحتياط كما ذكرنا سابقًا، ولذلك قال الشارح: لما أنهى المصنف الكلام على الإرث المحقق شرع في الإرث بالتقدير والاحتياط وهو أنواع، فبدأ بالخنثى المشكل وثَنَّى بالمفقود والحمل، ولذلك ذكر الحمل في الترجمة السابقة، حينئذٍ لا نحتاج إلى هذه الترجمة، وإنما يشرع في قوله:(وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ). الشك الحاصل في سبب الحمل هو الذي جعل المصنف رحمه الله تعالى كغيره من الفراضيين يؤخرون الكلام في الحمل على الخنثى المشكل والمفقود، إذ كل من هذه الأنواع الثلاثة فيها شك، الخنثى المشكل فيه شك، والمفقود فيه شك، وكذلك الحمل فيه شك، فالشك في الحمل في ثلاثة أشياء: في الوجود، والذكورة، والعدد. هذه كلها يكون الشك فيها، هل هو حيٌّ أو ميت؟ هل هو ذكر أم أنثى؟ هل هو واحد أو متعدد؟ إذًا أوجه شك اختلفت تعددت، أما الخنثى هل هو ذكر أو أنثى فقط؟ في الذكورية والأنوثة، وأما المفقود هل هو حيٌّ أو ميت؟ أيهما أكثر شكًّا؟ الحمل، ولذلك أخره عن الخنثى المشكل والمفقود، باب الحمل (وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ) الحمل في اللغة يقال حملت المرأة حملاً حبلت فهي حامل فسره بعضهم بالثقل، وأما في الاصطلاح فهو معلوم لا يحتاج إلى تعريف، لكن عرفوه بقولهم: ما في بطن الآدمية من جنين. الآدمية احتراز عن غيرها من بهيمة أنه ثَمَّ حملاً لكن ليس مرادًا هنا، إنما المراد من يرث، وما كان في بطن البهيمة لا يرث، ما في بطن الآدمية من جنين، قال المصنف رحمه الله تعالى:(وَهَكَذاَ) الواو عاطفة جملة على جملة،
…
(وَهَكَذاَ) أي مثل ذا المشار إليه كلامه في المفقود، أي وحكم المفقود ومن معه من الورثة من معاملتهم بالأضر الأقل في حقه، (حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ)(ذَوَاتِ الْحَمْلِ) يعني صاحبات الحمل، هل المراد أن الذي يرث هو المرأة الحامل أو ما في بطنها؟ الثاني، إذًا لا بد من التقدير، وهكذا حكم حمل ذوات الحمل كما قدره الشارح، فلا بد من تقدير مضاف لأن ظاهر كلام الناظم أن الموقوف له صواحبات الحمل لا نفس الحمل، وهذا ليس بمراد، بل هذه إما أن تكون أمًّا فترث إمّا الثلث وإمّا السدس، وإمّا أن تكون زوجةً فلها الربع أو الثمن، (وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ)، إذًا لا بد من التقدير، حكم حمل ذوات، أي صاحبات، ذوات جمع ذات بمعنى صاحبة، حينئذٍ يكون الكلام هنا حكم ذوات، أي: صاحبات، الحمل الذي يرث، ليس كل حملٍ، لأن الحمل منه ما يرث ومنه ما لا يرث، أو يحجب ولو ببعض التقادير، قوله: الحمل الذي يرث أو يحجب.
خرج به الحمل الذي لا يرث ولا يحجب، بكل تقدير، يعني: مهما قدر سواء كان حيًّا، ذكرًا أو أنثى، أو ذكر وأنثى، أو أنثيين أو ذكرين، لأن التقادير ستة في بعض الأنواع الحمل مهما قدر له لا يرث، ومهما قدر له لا يحجب، هنا قال: خرج به الحمل الذي لا يرث ولا يحجب بكل تقدير، كحمل أم الميت مع وجود ابن له فإنه لا يرث ولا يحجب بكل تقدير، لماذا؟ لأنه أخ، وإذا كان أخ مع وجود الابن فهو محجوب مطلقًا، إذًا حمل أم الميت مع وجود ابن له، هلك هالك عن أمٍّ وهي حامل مع وجود ابنٍ له للميت، حينئذٍ لا يرث هذا الحمل مطلقًا، قَدِّرْهُ ذكرًا قَدِّرْهُ أنثى متعدد واحد إلى آخره بكل تقدير لا يرث، لماذا؟ لوجود الابن، فالابن يعتبر حاجبًا له مطلقًا، أو يحجب ولو ببعض التقادير، يعني: في بعض التقادير إذا قدرته ذكرًا مثلاً لا يحجب، وإذا قدرته أنثى يرث، إذًا في بعض الأحوال يرث، وفي بعض الأحوال لا يرث، أي: سواء كان أرثه أو حجبه بكل التقادير أو ببعض التقادير، فمثال الأول بكلّ التقادير، وحمل زوجة الميت بالنسبة للإخوة للأم، فإنه يرث ويحجب بكل التقادير، يعني في هذا المثال مهما قدرت الحمل ذكرًا، أو أنثى، أو أنثيين، أو ذكرين، أو ذكرًا وأنثى، فهو وارث، ويختلف أرثه من مسألة لأخرى، ومثال الثاني الذي يرث ببعض التقادير دون بعض حمل زوجة أبي الميت مع زوجٍ وأم وأخوة لأم، فإن قدر ذكرًا أسقط لاستغراق الفروض التركة، لأنه عاصم، وإذا كان عاصم حينئذٍ استغرقت فروض التركة كما سبق ليس له شيءٌ البتة مع كونه أخًا لأب، وإن قدر أنثى أخت لأب حينئذٍ أعيل لها بالنصف فاختلف هنا، اختلف في بعض التقادير إن قدر ذكرًا لا يرث، لأنه استغرقت الفروض التركة فسقط، لأنه عاصم، وإن قد أنثى أخت لأب حينئذٍ يرث، لأن لها النصف أعيل له بالنصف، وحمل زوجة الميت بالنسبة للعم مثلاً، فإن قدر ذكرًا حجب العم، وإن قدر أنثى لم يحجب، إنما ترث النصف مثلاً فيكون الباقي للعم. قال الشارح هنا: فيعامل الورثة الموجودون بالأضر من وجوده وعدمه.
يعني يقدر مولود حيًّا ويقدر ميتًا، وذكورته وأنوثته، هذا فيما إذا لم يكن متعددًا، وانفراده وتعدده، وهذا بهذه الافتراضات صارت التقادير ستة، ميتًا، ذكرًا، أنثى، ثم تَعدد إما ذكرين، إما أنثيين، إما ذكر وأنثى، صارت التقادير ستة، ويوقف المشكوك فيه إلى الوضع للحمل كله حيًّا حياةً مستقرةً أو بيان الحال، يعني بعد ما يأخذ نصيبه كل وارثٍ من الورثة ويعامل بالأقل كما سيأتي تفسيره حينئذٍ ما بقي من الجامعة جامعة الحمل يوقف كما أوقف في المفقود، لأن الحكم هنا كالحكم في المفقود، يعطى الأَبَرّ في جميع الورثة من اتحد أرثه أخذه كاملاً، ومن ورث في بعض التقادير دون بعض لم يرد شيئًا، من ورث في الجميع ولكنها متفاوتة عمل بالأقل، وهذا الشأن في باب الحمل كالشأن في المفقود، هنا قال: يوقف المشكوك فيه إلى الوضع يعني لم ترث للحمل كله، لا بد أن يكون الذي يخرج من بطن المرأة أن يكون كاملاً بحيث يوصف بكونه حيًّا حياةً مستقرة على جهة التمام، يعني لو وضعته كاملاً، وأما إن وضعت بعضه في أثناء البعض حيًّا ثم خرج ميتًا فهنا لا يرث على قول الجمهور، وبعضهم يرى أنه يرث، والصحيح أنه لا يرث، لأن العبرة بأن يخرج من بطن أمه وهو حيٌّ حياةٌ مستقرة، بمعنى أنه يخرج كاملاً حيًّا، ثم يبقى بقاءً يدل على أن حياته مستقرة ثابتة ليست طارئة وليست عارضة، حينئذٍ يثبت له الأرث، لذلك قال هنا: إلى الوضع للحمل كله، فلو انفصل بعضه لم يكن، فلو مات بعد انفصال بعضه لم يرث على قول الجمهور، وورثه بعضهم، لكن الصواب الذي عليه جماهير أهل العلم أنه لو انفصل ميتًا وكونه قد خرج بعضه حيًّا أنه لا يرث، حيًّا حياةً مستقرة، فلو انفصل حيًّا حياةً غير مستقرة لم يرث كما سيأتي معنى الحياة المستقرة، فلو خرج ميتًا من بابٍ أولى، لأن الحمل له ثلاثة أحوال: إما أن يخرج ميت ابتداءً هذا باتفاق أنه لا يرث، يقابله أنه يخرج حيًّا من أوله إلى آخره هذا يرث بشرط أن يبقى حياةً مستقرة، أن يتبعر يخرج حيًّا ثم يتم خروجه ميتًا. هذه محل خلاف بين أهل العلم هل يرث أو لا يرث؟ وجماهير أهل العلم على أنه لا يرث، أو بيان الحال، يعني: ظهور أن لا حمل إنما هو انتفاخ، هذا قد يكون تظن المرأة أنها حامل وتنتفخ بطنها لكن لا يكون ثَمَّ حمل فيتضح الحال، فلو ظهر أن لا حمل، أو ظهر ميتًا، أو انفصل بعضه وهو حيٌّ فمات قبل تمام انفصاله، أو انفصل كلُّهُ حيًّا حياةً غير مستقرة لم يرث شيئًا في جميع هذه الصور ووجوده كعدمه وجوده كعدمه، إذًا هكذا حكم ذوات الحمل، النساء الحوامل حملهن حكمه حكم المفقود فيوقف نصيب الحمل حتى يظهر حاله، (فَابْنِ) الفاء هذه للاستئناف أو عاطفة يحتمل هذا وذاك، بَنَى الشيء بناءً وبنيانًا أقام جداره ونحوه، والبناء هنا عقلي ليس ذاتي ليس حسي، (فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَالأَقَلِّ) سبق أن الأقل هو اليقين، وأن اليقين هو الأقل، وقوله:(فَابْنِ).
هذا فعل أمر مفعوله محذوف، يعني: ابني عملك في القسمة بين الورثة الموجودين إن لم يصبروا، لأن لهم الصبر والانتظار حتى يخرج الحمل، فإن خرج حينئذٍ اتضح أمره وظهر شأنه فتقسم التركة على وضوح لا نحتاج إلى التقادير الست، وأما إذا طالب الورثة بالقسمة حينئذٍ وجب تلبية طلبهم، وقال بعض أهل العلم: بل لا يلبون وإنما يوقف وينتظر حتى يخرج الحمل. والصواب هو الأول أنه متى ما طلب الورثة كلهم أو بعضهم تقسيم التركة وجب تلبية طلبهم لأن فيه ضرر لا عليهم، وما دام أنه سيبقى ويحفظ حقهم فيما إذا لم يكن الحمل خرج حيًّا بل خرج ميتًا حينئذٍ لا إشكال، فيعطى بعضه لأنه قد ينتظر سنة سنتين الحمل قد يكون أربع سنين كما هو المذهب، حينئذٍ يتمتع ببعض المال ولو لم يأخذ المال كله، ولذلك قال هنا: إن لم يصبروا وطلبوا أو بعضهم. يعني: طلبوا كلهم تقسيم التركة، أو طلب بعضهم تقسيم التركة، وبعض أهل العلم يرى أنه لو طلبوا لا يلبى طلبهم البتة، والصواب هو الأول، (فَابْنِ) عملك في القسمة بين الورثة الموجودين، متى؟ إن لم يصبروا وطلبوا كلهم أو بعضهم القسمة قبل الوضع، (فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ) أي المتيقن الذي لا شك فيه، (وَالأَقَلِّ) وهذا تفسير من عطف الخاص على العام، فمن يُحجب ولو ببعض التقادير لا يُعطى شيئًا، كعمٍ مع حمل زوجة الميت كما سبق، عمّ مع حمل زوجة الميت، إن كان ذكرًا حجب العم، وإن كان أنثى ورثت والباقي للعم، إذًا [في بعض التقادير يرث، وفي بعض التقادير](1) في بعض التقادير يحجب، وفي بعضها لا، فمن يُحجب ولو ببعض التقادير لا يُعْطى شيئًا، فالعمّ هنا لا يُعطى شيئًا لأنه إن قدر الحمل ذكرًا حينئذٍ حجب العم، وإن قدر الحمل أنثى لها النصف والباقي للعم، ومن لا يختلف نصيبه دفع إليه إذا اتحدا حينئذٍ لا إشكال، يدفع إليه نصيبه كاملاً كالزوجة مع الفرع الوارث فإن لها الثمن على كل تقدير، ومن يختلف نصيبه فهو مقدر أعطي الأقل الأبر، يعني: يأخذ ببعض السهام في بعض التقادير خمسة مثلاً، وفي بعضها ست، حينئذٍ يعطى خمسة كما سبق في المفقود، كالأم الحامل فإنه إن كان الحمل متحدًا كان لها ثلث، وإن كان متعددًا كان لها السدس، يعني: إن كان واحدًا كان لها الثلث لأن هذا لا يحجبها، إنما يحجبها التعدد الجمع من الأخوة مثلاً، وإن كان غير مقدرٍ فلا يعطى شيئًا كما في آخر الحمل، ولذلك قال الشارح: فعلى هذا لا يُعطى أخو الحمل شيئًا، لأنه لا ضبط لعدد الحمل عندنا على الأصح، يعني قد يكون بالبطن اثنين، ثلاثة، أربعة، عشر، مائة، ولذلك يحكون أن بعض النساء حملت بأربعين، والله أعلم، قيل: مقدار الأصبع هكذا ذكره البيجوري، على كلٍّ الغالب والكثير هو اثنان، ولذلك تفرض المسألة على اثنين فقط أكثر ما يمكن أن يكون، إذًا و (حُكْمُ).
وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ
…
فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَالأَقَلِّ
(الْحَمْلِ) سيأتي له شروط وهما شرطان:
الأول: تحقق وجوده في الرحم حين موت المورث. قالوا: ولو نطفةً. يعني: لا بد من وجوده، وهذا الذي سبق معنا أنه يحكم بكونه حيًّا، هو ليس بحيّ، تحقق وجوده في الرحم حين موت المورث ولو نطفة.
(1) سبق.
الثاني: أن يوضع، يعني يولد ينفصل حيًّا حياةً مستقرة.
لا بد من تحقق هذين الشرطين، فإن انتفى شرط منهما فلا إرث، ومن بابٍ أولى إذا انتفي الشرطان، إذًا تحقق وجوده في الرحم حين موت المورث ولو نطفة، قيل: أو علقة. وإذا قيل: نطفة. دخلت فيه العلقة من بابٍ أولى.
الثاني: أن يوضع أن ينفصل حيًّا حياةً مستقرة.
الشرط الأول: وهو تحقق وجوده في الرحم كيف نعرفه؟ نعرفه بأمرين.
الأول: أن تضع من فيه حياةٌ مستقرة لدون ستة أشهر من موت مورثه مطلقًا، يعني: ولدت أقل من ستة أشهر بعد موت المورث، هذا قطعًا أنه ابنًا له، لماذا؟ لأن أقل الحمل ست، فإن وضعت أقل فلا إشكال فيه أنه منسوب إليه، كما سيأتي في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى، إذًا أن تضع من فيه حياةٌ مستقرة لدون ستة أشهر من موت مورثه مطلقًا.
الثاني: أن تضع من فيه حياةٌ مستقرة لأربع سنين فأقل، هذا بناء على أنه أكثر الحمل أربعة سنين وهو المذهب عند الحنابلة، ومن زاد ولو بيوم واحد لا يعتبر لاحقًا بالميت، أن تضع من فيه حياةٌ مستقرة لأربع سنين فأقل من موت مورثه بشرط أن لا توضع بعد وفاته، يعني: يموت وتبقي أربعة سنين لا تتزوج، وإذا كانت أمة كذلك لا تُمْلَك، حينئذٍ بقيت ووضعت حملت ووضعت لأربع سنين فأقل حُكِمَ بكونه للميت، وأما إذا تزوجت وَوُطِئَت اختلف الحكم بشرط أن لا تُوطأ بعد وفاته، فإن ولدته لأكثر من أربع سنين لم يرث مطلقًا على المذهب بناءً على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين. عند الظاهرية ابن حزم رحمه الله تعالى تسع أشهر فقط وما زاد فلا، والصحيح أن الواقع هنا محكوم به [العادة محكمة] وجد أربع سنين، بل وجد أكثر من ذلك، والصواب أنه يرث إذا لم توطأ بعد موت مورثه لأن مدة الحمل قد تزيد على أربع سنين، وعند التفصيل نقول: إذًا هذان شرطان، والشرط الأول يتحقق بما ذكرناه، وعند التفصيل نقول: أنه يتحقق وجوده في الرحم بأمور.
أولاً: أن تضعه لأقل من ستة أشهر من حين موت المورث سواء كان فراشًا أو غير فراش، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر بالإجماع. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأجمع كل من نحفظ عنه من العلم أن المرأة إذا جاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها الرجل فالولد غير لاحقٍ به. إذا تزوجها رجل وولدت لأقل من ستة أشهر ليس له بالإجماع، وهو#18.35 سابق، فإن جاءت به لستة أشهر من يوم نكحها فالولد له، إذًا أقل وقتٍ للحمل هو ستة أشهر، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر ليس لذلك الرجل، إذًا هذا الضابط الأول أن تضعه لأقل من ستة أشهر.
الثاني: أن تضعه لأكثر من ستة أشهرٍ من موت مورثه ودون أربع سنين وليست فراشًا لسيد أو زوج.
الثالث: أن تضعه كذلك وهي فراشٌ لسيدٍ أو زوج لا يطئان، يعني إذا هلك هالك وبقية زوجته أربع سنين وهي تحت زوجٍ ثم ادعت الحمل، هذا الزوج لا يطأ يكون عنين .. إلى آخره، حينئذٍ هذا الولد يعتبر لمن؟ قطعًا لا يكون للثاني ليس منه وإنما هو للأول، هنا دون أربع سنين وتزوجت لكن هذا الزوج لا يطأ، حينئذٍ يُلحق بالأول أن تضعه كذلك، يعني: لأربع سنين ودون وهي فراش لسيدٍ أو زوجٍ لا يطأن لقيام مانعٍ منهما كغيبة ونحوها، لو تزوج عقد ومشى مباشرةً أمام الناس خرج سافر وبقي سنة، حملت زوجته وهي مطلقة كان، لمن؟ هذا ما دخل بعد، حينئذٍ نقول: هذا تزوج وغاب غيبة طويلة، حينئذٍ كونه لم يدخل على زوجته وهذه الزوجة مطلقة أو متوفى عنها زوجها حينئذٍ ينسب للأول، هذا واضح بين.
وبقي صورتان يعتبر فيه الحمل غير متحقق الوجود، وهو من تضعه لأكثر من ستة أشهرٍ وهي فراش لسيد أو زوج، هذا واضح، يعني: إذا طُلِّقَت، أو مات عنها زوجها، ثم تزوجت ووضعت ابنًا بعد ستة أشهر، وهذا الزوج يطأ نقول: هذا فيه احتمال أن يكون من الأول فيه احتمال ضعيف، لكن لا يعتبر هذا لا يعتبر، نقول: هذا غير متحقق الوجود. وهي فراش لسيد أو زوجٍ يطئان لاحتمال أن يكون من وطءٍ جديد، نعم الاحتمال موجود لكن هذا هو الظاهر، فنحكم بالظاهر لا بما يكون عقلاً، العقل يحتمل أن هذا من ذاك، ولكن نقول: الظاهر أن الثاني هذا يطأ فحينئذٍ ينسب إليه، وهذا مجرد شيء عقلي.
الصورة الثانية: التي يعتبر أنه غير متحقق أن تضعه لأكثر من أربع سنين في تحقق حدوثه حينئذٍ لأنها أقصى مدة الحمل عند الحنابلة وكذلك عند الشافعية، وعرفنا أن هذا لا يعول عليه، بل الصواب أنها قد تحمل أكثر من أربعة سنين، معرفة تحقق الشرط الثاني، يعني: يعلم استقرار حياته، متى نحكم عليه بكون حياته مستقرة؟ نقول: استهلاله صارخًا. يعني: إذا خرج وهو يصرخ يبكي يرفع صوته، نقول: هذا حياته حياةٌ مستقرة، وعطاسه عطس، ورضاعه، ومصه الثدي، وتثاؤبه، وتنفسه مع طول زمن التنفس، وحركة حركة طويلة، وكل شيءٍ يدل على أن حياته ثبتت موجودة، حينئذٍ نحكم عليه يكون حياته حياةً مستقرة، والأصل فيه في هذا الشرط الثاني حديث:«إذا استهل المولود صارخًا ورث، وإن لم يستهل صارخًا لم يرث» . هذا رواه أحمد، وأبو داود، وفيه محمد بن إسحاق، الحديث ضعيف لكن معتمد عند أهل الفرائض، ومعنى استهل بكى، وقيل: بكاءٌ، أو عُطاسٌ، أو حركةٌ. فأما الحركة اليسيرة كحركة المذبوح، والاضطراب، والتنفس اليسير الذي لا يدل عن الحياة المستقرة فلا عبرة به، لماذا؟ لاحتمال كونه كحركة المذبوح، المذبوح ذبحته تبقى فيه حركة وهو ميت تحكم عليه أنه ميت ومع ذلك فيه حركة، هذه الحركة إذا كانت في الحي وهو قد استهل أو خرج من بطن أمه لا نحكم عليه بأن حياته مستقرة، ففرق بين حياةٌ مستقرة، وحياةٌ عابرة، أو غير مستقرة، الأولى يُحكم عليه بأنه آدمي حيّ، والثاني لا، لأنها تُنزل هذه الحياة منزلة حركة المذبوح فلا عبرة بها، وكذلك إذ ظهر أكثره فاستهل ثم انفصل ميتًا، كما ذكرناه سابقًا، بمعنى أنه لا بد أن يخرج كاملاً حيًّا، أما إن خرج أوله وهو حي ثم بعد لك مات فهذا لا يعتبر حيًّا، ومتى شُك في وجود الحياة المستقرة لم يرث، إذا شك الشاك هل حياة هذه مستقرة أو لا؟ الأصل العدم لم يرث لأن الأصل عدمه، إذًا متى تحقق هذان الشرطان حينئذٍ صار للحمل إرث.
الأول: تحقق وجوده في الرحم قبل موت مورثه ولو نطفة.
ثانيًا: أن يخرج حيًّا حياة مستقرة.
للحمل ستة تقادير.
الأول: أن ينزل ميتًا كاملاً يعني أو بعضه.
ثانيًا: أن ينزل حيًّا ذكرًا، يعني: واحدًا غير متعدد ويكون ذكرًا.
ثالثًا: أن ينزل حيًّا أنثى، واحد فقط أنثى.
رابعًا: أن ينزل حيًّا ومتعدد لكنه مختلف ذكر وأنثى، متعدد هذا.
خامسًا: أن ينزل حيًّا ذكرين متعدد، ولكنهما ذكران.
سادسًا: أن ينزل حيًّا، ولكنهما أنثيان.
هذه ست تقادير على القول بأن التعدد لا يكون إلا باثنين، وإذا زيد تزد، وما عدا ذلك فهو نادر وقليل ولا عبرة به، يعني: إذا كان أكثر من اثنين ثلاث، أربع، خمس، ستة، عشر، هذا نادر، إن وجد حينئذٍ يحكم له بحالته.
كيفية العمل هنا إذا أردنا أن نُوَرِّث الحمل، نقول: إذا هلك عن ورثةٍ فيهم حملٌ فإنشاء تأجيل القسمة حتى يوضع الحمل فلا بأس، بل أوجبه بعضهم، فأنه لا بأس، لأن الحق لهم، وإن طلبوا أو بعضهم القسمة قبل الوضع فلهم ذلك، حينئذٍ يجب العمل بالأحوط في إرث الحمل وفي إرث من معه فلا يأخذون إلا المتيقن له، ويوقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين، أو أنثيين، فيعامل معاملة المفقود كما سبق بيانه بالأمثلة، فمن ورث شيئًا من الجميع في كل الأحوال نعطيه الأقل إن لم يتحد، فإن اتحد أخذ نصيبه كاملاً، وإن سقط في بعض التقادير، يعني: حجب بالحمل حينئذٍ لا شيء له حتى يظهر ويتبين شأن الحمل، حينئذٍ نجعل لكل تقدير من التقادير السابقة مسألة نجمعها في مسألة واحدة، تفرض مسألة أنه ميت تحل المسألة وتصححها، وتفرض أنه ذكر واحد وتحل المسألة وتصححها، وتفرض أنه أنثى وتصحح له مسألة، وذكرين، ومختلفين، وأنثيين، ثم تنظر بين مصحات المسائل كلها بالنسب الأربعة، فما خرج فهو جزء السهم تضربه في الأولى، حينئذٍ تكون جامعة الحمل، هذه الجامعة تأخذ النصيب المذكور في الناتج فتقسمه على كل ما صح من المسائل المذكورة السابقة، فما خرج فهو جزء السهم يُضرب في ما بيد كل وارثٍ فحينئذٍ تنظر بين الورثة كلهم في نصيبه في التقدير الأول والثاني والثالث تضع له في الجامعة الأقل، فإن حُجب في بعض المواضع لا تضع له شيئًا البتة، إن اتحدت السهام في الكل وضعته له كاملاً، ويبقى لك بقية كما هو الشأن في المفقود حينئذٍ يقال أو يعبر عنه بالموقوف لا يوزع حتى نتبين الحمل ما هو؟ ثم يأخذ كل مستحق مستحقه، المسألة واضحة؟ كما هو الشأن فيما سبق، إذًا نجعل لكل تقدير من تقادير الحمل الستة مسألة ثم تنظر بين مصحات المسائل بالنسب الأربع فما حصل فهو الجامعة، يعني مضروبًا في الأول، تقسمه على كل ما صح، وناتج القسمة تضعه فوق جزء سهمٍ فوق المصح المقسوم عليه، ثم تضرب الذي بيد كل وارثٍ من كل مسألةٍ فيما فوقها، يعني في جزء سهمها تعرف من ذلك نصيب كل وارث من كل مسألة، فمن لا يختلف نصيبه يعطاه كاملاً، ومن يختلف نصيبه يعطى الأقل لأنه المتيقن له، ومن يحجب في بعض التقادير لا يعطى شيئًا ويوقف الباقي من الجامعة بعد ذلك للحمل إلى حين ولادته، فإن استحقه أخذه وإلا رُد على مستحقيه، وهذا واضحٌ بين، إذًا
وَهَكَذاَ حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ
…
فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَالأَقَلِّ
إذًا ليس كل حملٍ يرث، وإنما يرث بعض أنواع الحمل بالشروط التي ذكرناها سابقًا.
ثم انتقل المصنف رحمه الله تعالى إلى النوع الأخير ممن يرث بالاحتياط والتقدير، وهو ما عنون له بالغرقى، بابُ الغرقى.
(بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى)
أي: هذا باب بيان إرثه، الميراث بمعنى الإرث، ونحوهم كما في بعض النسخ، وهذا أولى لأن الحكم ليس خاص بالغرقى، وإنما المراد جماعة يتوارث بعضهم من بعض وقد شملهم حادث واحد ماتوا معًا، ولا يعلم السابق واللاحق الترتيب أو دون ترتيب كما سيأتي، إذًا ليس خاصًّا بالغرقى، وإنما الغرق سبب يعم من حيث الحكم وغيره مثله (بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى) أي هذا باب بيان إرثهم، (وَالْهَدْمَى) ونحوهم كالحرقى والقتلى في معركةٍ قتال، وقد سبق أن المصنف رحمه الله تعالى بَيَّن أو أشار أن شروط الإرث سيأتي ذكرها في آخر الباب، ولو قدمها هناك لكان أولى، قد يعلم بعضها من ميراث الغرقى، وهو الثالث هنا الذي يُستحق حياة الوارث بعد موت المورث، وهذا سبب فيما ذكر المصنف هنا أن العلماء اختلفوا في الغرقى والهدمى والحرقى هل يرثون؟ يرث بعضهم من بعض أو لا؟ سبق أن من الشروط صحة الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث حقيقةً أو حكمًا، لا بد أن يكون الوارث ولو بلحظةٍ واحدة محكوم عليه بالحياة بعد موت المورث، وهنا جُهِل، حينئذٍ الأصل فيه عدم التوريث، وهذا أوان بيانها فنقول: اعلم أن شروط الإرث الآتي، وهذا سبق بيانها أحدها يختص بالقضاء العلم بالجهة المقتضية بالإرث القرابة أو النكاح الولاء يعني: السبب، وبالدرجة كالبنوة، والإخوة .. إلى آخره التي اجتمع فيها المورث والوارث تفصيلاً، يعني: حصل اجتماع وارتباط بين الوارث والمورث، ليس كل شخص يرث من شخصٍ آخر لا، لا بد أن يكون بينهما ارتباط، ما هو هذا الارتباط؟ بينه الشرع، إما نكاح، أو قرابة نسب، أو ولاء، وثَمَّ أسباب قد اختلف فيها أهل العلم كما سبق بيانه، وفي الدرجة التي اجتمع فيها المورث والوارث تفصيلاً، يعني: بيان قوتها ككون أخًا شقيقًا هذا قوي، كونه أخ لأب هذا ضعيف، فلو شهد شخص عند قاضٍ بأن هذا وارثه فلا يكفي ذلك حتى يبين سبب إرثه تفصيلاً، ومن هنا قال أهل العلم بأن المواريث هذه لا يستفتى عنها، لا تقل هلك هالك كذا كذا وأنت لوحدك السائل لا، لا بد أن ينظر فيها قاضٍ بأن يجمع من يثق فيهم، أو من يوثق فيهم، أو من يكون هم الناطق الرسمي، فيعلم من الذي بقي لا من الذي ورث، يعنى: أنت ما تسأل العامي عندما يسأل من يرث؟ هو ما يعرف من يرث، هذا حكم شرعي، وإنما من بقي من قرابته؟ فيبين لك كذا وكذا فتحكم بأن هذا وارث، وهذا ليس بوارث، فإذا كان السائل عامي لا يعرف من يرث ومن لا يرث، ولذلك من الخطأ البين أن يجاب في مثل هذه المسائل، وإلا الأصل لا ما يصح أن يجيب، هلك هالك عن كذا وكذا مات وترك وزع التركة لا ما يصلح هذا، لا بد أن ينظر المستفتي فيكون قاضيًا حينئذٍ، يكون قاضيًا بأن يجمع من قرابة الميت؟ يسأل عن هؤلاء من الذكور ومن الإناث، حينئذٍ [إذا جمع الورثة] إذا جمع القرابة عرف من يرث ومن لا يرث، وهذا ما يسمى الآن في المحاكم صك الورثة، لا بد من إظهار الصك، يعني يعرف هذا يرث أو لا يرث، فلو شهد شخص عند قاضٍ عامي يعني بأن هذا وارث نقول: لا أنت ما تعرف، بَيِّن لنا جهة قرابة ونحن نحكم بأنه وارث أو ليس بوارث، ولذلك قال هنا الشارح: فلا يكفي ذلك حتى يبين سبب إرثه تفصيلاً.
إن علم فهو عالم، إن علم سبب الأرث فهو عالم ولا إشكال فيه باختلاف العلماء في الورثة فربما ظن الشاهد من ليس بوارثٍ وارث، وهذا كما ذكرنا يختص بالقضاء، أي بالحكم لاستحقاق الوارث.
الشرط الثاني: تحقق موت المورث صاحب المال، لا بد أن نتحقق ونتيقن بأنه قد مات حقيقةً، أو حكمًا، أو تقديرًا، كما إذا شوهد ميتًا، هذا مثال لتحقق موته، أو إلحاقه بالأموات حكمًا، كما الشأن في المفقود، حكم القاضي بأنه مات قدر له مدة ولم يوجد حينئذٍ نقول: هذا قد مات توزع تركته. أو إلحاقه بالأموات تقديرًا، وذلك في الجنين الذي انفصل بالجناية على أمه توجب الغرة، يعني: خرج من بطن أمه ميتًا بسبب ضربةٍ، حينئذٍ نقول: هذه الجناية توجب الغرة خمس من الإبل، فيقدر أنه كان حيًّا ثم مات، هو لا نعلم نحن هل كان حيًّا أو لا؟ وخاصةً في الزمن السابق لا يعلم به، أما الآن فقد يكون مع التطور العلمي والطب إلى آخره يمكن العلم بأنه كان حيًّا فلا إشكال فيه ويؤخذ بهذا، ولكن في السابق لا يُعلم، حينئذٍ يقدر كونه حيًّا ثم مات بسبب هذه الضربة، هو خرج ميت ابتداء على ما سبق أنه لا يرث أنه لا يملك أصلاً، حينئذٍ لما جُني على أمه وانفصل ميتًا قدرنا كونه كان حيًّا ثم مات، ولا يورث عنه غيرها، يعني عن الجنين لا يورث عن الجنين إلا هذه الغرة، الغرة خمس من الإبل، من يرثها؟
ورثة الجنين، هو خرج ميتًا لا عبرة به، نقول: لا، نقدره كونه كان حيًّا ثم قد مات بسبب هذه الجناية.
الشرط الثالث: تحقق حياةُ الوارث. هذا الذي معنا تحقق حياة الوارث حقيقةً أو تقديرًا بعد موت المورث حياة مستقرة أو إلحاقه بالأحياء تقديرًا كحمل انفصل حيًّا حياةً مستقرة لوقتٍ يظهر وجوده عند الموت، يعني في الرحم ولو نطفة أو علقة. علقة هذا واضح لأنه داخل في النطفة، إذا تقرر ذلك يتفرع من الشرطين الأخيرين وهو تحقق موت الْمُوَرِّث وتحقق حياة الوارث الخلاف في هذه المسألة.
وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ
…
أَوْ حَادِثٍ عَمَّ الْجَمِيعُ كَالْحَرَقْ
وَلَمْ يَكُنْ يُعْلَمُ حَالُ السَّابِقِ
…
................................
هذا تعريف لما أراده المصنف رحمه الله تعالى بهذا الباب، جماعةٌ متوارثون يرث بعضهم من بعض أب وابن وزوجة .. إلى آخره ماتوا بحادثٍ كلهم، حينئذٍ من الذي يَرِث، ومن الذي يُوَرِّث النظر فيه يكون بماذا؟ بتحقق الشرطين، إذا ورثنا بعضهم من بعض لا بد أن نتحقق بأن واحدًا منهم مثلاً الأب أنه كان حيًّا، ثم أنه مات أولاً، ثم مات بعده ابنه، هذا لا إشكال فيه بالإجماع أنه يرث، إذا تحققنا علم موت واحدٍ منهم وكان ذا مالٍ، ثم بعده ذلك مات من بعده وهم ورثة له لا شك أن الثاني يرث من الأول، لكن يبقى الإشكال في ماذا؟ وهو سبب انعقاد هذا الباب لو لم يعلم القاضي من مات سابقًا حينئذٍ هل تحقق الشرط؟ أب وابن ماتوا في حادثٍ واحد ما تدري من الذي مات السابق هل هو الأب أو الابن، إن علمت بأنه الأب ورثت الابن من الأب، إن علمت أن السابق هو الابن ورثة الأب من ابنه لكن إذا لم تعلم حينئذٍ انتفى تحقق الشرطين، إن ورثت أحدهما من الآخر هكذا برأيك فهو تحكم، وإن ورثت الاثنين بعضهم من بعض فهو تناقض، لأنك تجعل الوارث مُوَرِّثًا والْمُوَرِّث وارثًا وهذا تناقض، ولذلك جماهير أهل العلم أنه في هذا الحال لا يرث بعضهم من بعض، وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وابن عباس وزيد بن ثابت والأئمة الثلاثة خلافًا لأحمد رحمه الله تعالى. (وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ) متوارثون من رجالٍ فقط أو نساءٍ فقط أو منهما، المراد بالقوم هنا ما يصدق على الجماعة يشمل الرجال فقط أو النساء فقط أو الرجال والنساء معًا، يعني قومٌ جماعةٌ يرث بعضهم من بعض بقطع النظر عن كونهم رجال خُلّص أو نساء خُلّص أو مشترك خليط بين النوعين، المراد ما يقع التوارث بينهم، هذا الذي يعنيه الفقهاء في هذا الموضع (وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ) متوارثون من رجالٍ فقط أو نساءٍ فقط أو منهما وهو في الأصل يعني القوم في الأصل اسم جنس اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو في الأصل اسم للرجال دون النساء، قوم يُطلق على الرجال دون النساء، ولذلك جاء في القرآن {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [الحجرات: 11] لما نص على النساء دل على أن النساء لسنَّ داخلات في القوم، والقوم الرجال دون النساء كما قال القرطبي، وربما دخل النساء فيه على وجه التبع، ومنه كقول: قوم نوح، وقوم لوط، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم .. إلى آخره، هذا يشمل الذكور والنساء، والمراد هنا كلام المصنف أعم من هذا ليس الرجال فقط وليس دخول النساء بالتبع، إنما المراد به جماعة فهو أعمّ مما ذكره القرطبي رحمه الله تعالى حينئذٍ يُفسر بماذا؟ رجالٌ فقط، نساءٌ فقط، رجلٌ ونساءٌ معًا، لأن في الصور العقلية هذه إما أن يكون الهدم أو الحريق أو الحادث شمل رجالاً فقط، كل منهم يرث الآخر، أو نساءً فقط كل منهنَّ ترث الأخرى، أو خليط رجال ونساء وكلّ منهم يرث الآخر.
(وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ بِهَدْمٍ) الباء هنا سببية يعني بسبب هدْمٍ بسكون الدال وهو الفعل، يقال هَدْمٍ وهَدَم، هَدْمٍ الفعل قولهم هَدَمْتُ البنيان هَدْمًا أسقطته، وبفتح الدال اسم البناء المهدوم. قال القرطبي: الْهَدَمُ بالتحريك ما تَهَدَّمَ من جوانب البئر وسقط فيها، لكن الذي ذكره المصنف أنه بفتح الدال اسم البناء المهدوم هذا أعم. أعمّ اسم البناء سواءٌ تَهَدّم من جوانب البئر أو من غيره، فكلام القرطبي هنا أخص مما ذكره المصنف، حينئذٍ استدل بالأخص على الأعم، والْهِدْمُ بالكسر يعني كسر الهاء وسكون الدال الثوب البالي، يعني جنس الثوب البالي يعني: الْخَلِق، إذًا الْهَدْمُ المراد به سقوط البنيان على من تحته، وهم جماعة متوارثون هذا المراد (أَوْ غَرَقْ) أو للتنويع يعني صورة أُخرى لاجتماع متوارثين وقد عمهم الموت (أَوْ غَرَقْ) يعني غرق في الماء، حقيقته لا تكون إلا في الماء، هذا الغرق غَرِقَ بكسر الراء في الماء والخير والشر، لكن استعماله في الخير والشر هذا استعمال مجازي، وأما الأول فهو استعمال حقيقي وهو المراد (أَوْ غَرَقْ) يعني في الماء، غرقوا في سفينة كلهم، حينئذٍ نقول: هذا كله الجماعة المتوارثون على التفصيل الذي يأتي.
(أَوْ غَرَقْ) يعني في الماء غرقًا بفتحها فهو غَرِقٌ صفة مشبهة، وغَارِقٌ، غَرِق صفة مشبهة وغارق بصيغة اسم الفاعل ويقال: غَرِيق كذلك، غَرِيق فهو غَارِق، وغَرَّق بالتشديد فَعَّل في الماء غمسه فيه فهو مُغَرّق وغَرِيق، مُغَرّق هذا اسم مفعول، وغَرِيق اسم فاعل، المراد به اسم الفاعل، لكن ظاهر صنيع المصنف أن غَرِيق لا يكون مشددًا وليس كذلك، بل يكون من المخفف ومن الْمُشَدَّدِ غَرِيق يكون منهما (أَوْ حَادِثٍ) أو للتنويع أو أمرٍ حادثٍ، حادثٍ صفة لموصوف محذوف، أي غير ما سبق
…
#42.30 عليه بأو يعني نازلٍ (حَادِثٍ عَمَّ الْجَمِيْعُ) هذا تعميم، تعميم بعد تخصيص مثَّل لك أولاً الحادث بالهدم، وثانيًا بالغرق ثم عَمَّمَ، فالمراد هنا حادثٌ يعم الجميع بموت، كلهم يموتون في وقتٍ واحد الطاعون وغيره، (أَوْ حَادِثٍ) أو أمرٍ حادثٍ أي نازلٍ. قال القرطبي: حدث الشيء حدوثًا وحَدَثًا وحَدْثَانًا إذا نزل، وأحدث الرجل معروف يعني معناه معلوم، والحديث ضد القديم، هذا نعم يستعمل في اللغة الحديث ضد القديم، لكن يعنون به بعض الأشاعرة في كتب المصطلح إذا عَرَّفوا الحديث قالوا: ضد القديم، والحديث ضد القرآن، يعنون به مخزن عَقَدِي. وفي النهاية لابن أثير حديث المدينة:«من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا» . قال ابن أثير: الْحَدَث الأمر الحادث الْمُنْكَرُ الذي ليس بمعتاد، هذا كالتفسير لقولهم: منكر. ولا معروف هذا عطف تفسير في السنة، فهو شيءٌ حادثٌ بمعنى أنه غير معروف ولا معتادٌ في السنة، ولذلك عُبِّرَ عنه بالحدوث (عَمَّ الْجَمِيعُ) عمّ شَمِلَ، والضمير هنا يعود على الحادث عمّ الحادث الجميع، أي من القوم المذكورين، أو جميع القوم (عَمَّ الْجَمِيعُ) جميع القوم، فـ (أل) نائبة عن مضاف، ومثَّل لهذا الحادث الذي عمّ لمثال ثالث نازل بهم (كَالْحَرَقْ) الكاف هنا للتمثيل وليست استقصائية بدليل ما سبق بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ، (كَالْحَرَقْ) بفتح الحاء والراء. قال بدر الدين سبط المارديني: بكسر الحاء المهملة وفتح الراء. كالْحِرَق، حَرَق، هي ضبطان، يجوز الوجهان الْحَرَق حِرَق. النار يعني: الحرق هو النار، وعلى التفسير الآخر الحرق هو لهب النار وكل منهما له أثر في الموت فلا إشكال. ووجه الأول ما قاله ابن أثير يعني: الحرق في حديث الفتح مكة (دخل مكة وعليه عمامة سوداء حَرَقَانِيّة) بفتح الحار والراء وكسر النون وتشديد الياء. قال الزمخشري: حرقانية هي التي على لون ما أحرقته النار. يعني السواد، كأنها منسوبة بزيادة الألف والنون أي ليس القصد مثل حقيقته، كأنها منسوبة إلى الْحَرَق بفتح الحاء والراء. وقال - يعني الزمخشري -: يقال الْحرق بالنار والحرقُ معًا، حِرَق وحَرَق وقال: هي أيضًا - يعني في النهاية -: حَرَقُ النار بالتحريك لَهَبُهَا وقد يُسَكّن. إذًا حَرَق أو حِرَق سواء فُسِّرَ بلهب النار أو بالنار، والأمر واضحٌ.
قال الشارح هنا: (أي وإن مات متوارثان فأكثر) تفسير لما سبق بالأمثلة السابقة، (وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ) والمراد بالقوم هنا عام أريد به خاص، يعني: قوم متوارثون كما خصه الشارح، متوارثون يعني يرث بعضهم بعضًا، والمفاعلة هنا ليست على بابها، يعني لا يشترط فيه أن يكون كل منهما يرث من بعضهم وإلا فلا، لا قد يرث بعضهم من الآخر والآخر لا يرث من ذاك. إذًا (قَوْمٌ) المراد به هنا خاص. قال الشارح: أي وإن مات متوارثان فأكثر. قوله: متوارثان. أشار به إلى أن أقل ما يصدق عليه لفظ القوم في هذا المصطلح هنا اثنان وليس هو المراد من حيث المعنى اللغوي، لأنه اسم جمع لا واحد له من لفظه، واسم الجمع مدلوله مدلول الجمع، يعني: أقل ما يصدق عليه ثلاث على الصحيح، وأما هنا فالجمع عند الفرضيين يختلف عن الجمع عند أهل اللغة. فهو اصطلاح خاص، لا نقول: بأن مدلول اللغِة كذا، وإنما هذا اصطلاح في هذا الفن. وإن مات متوارثان فأكثر بانهدامِ شيءٍ عليهم، أو غرقهم، أو حرقهم في معركة قتال أو في أسرٍ أو في غربة أو في غير ذلك، مراد المعنى فقط، ولم يكن الواو، واو الحال، ولم يكن يُعلم حال السابق يعني عين السابق، ولم يكن يُعلم حال السابق، لم يكن قلنا: الواو واو الحال، والحال هنا حال السابق يعني الميت السابق، والمراد بالحال هنا عين السابق من القوم المذكورين، يكن الحال والشأن، فكان هنا شأنية، يكن مضارع كان الشأنية سبق أن كان الشأنية قد تكون ناقصة، فاسمها ضمير الحال والشأن، والجملة بعدها خبر، هذا على الصحيح كان الشأنية قد تكون ناقصة، فكان الناقصة على نوعين:
كان ناقص شأنية.
وكان ناقصة غير شأنية.
خلاف لما ذهب بعضهم أن كان الشأنية لا تكون ناقصةً البتة، هذا خلاف الصحيح، ولم يكن يعلم حال السابق منهم، أي ولم يُعْلَم عينه بأن عُلِمَ أن أحدهم مات قبل الآخر، ولم يكن يُعْلَم حال السابق منهم، أي ولم يُعْلَم عينه، بأن عُلِمَ أن أحدهم مات قبل الآخر، لكن لم يُعْلَم عينه، يعني إمّا أن تعلم أنهم أو أنهما ماتا دفعة واحدة، مرة واحدة، أو على الترتيب، واحد منهما قبل الآخر، وهذه لها حالان، لأن النظر هنا في السبق أو في السابق الذي عليه الحكم؟ في السابق، لا في السبق. يعني علمك بكون أحدهما مات قبل الآخر ولم تعلم عينه كجهلك بالترتيب، لا فائدة فيه البتة، لأنه إذا لم يكن الذي علمته بأنه سابق لم تعلم عينه، حينئذٍ جهلت كونه مُوَرِّثًا أو وَارِث، فانتفى ما يترتب عليه من الإرث. فالعلم بالسبق دون السابق لا أثر له، وإنما الأثر هنا يتحقق في ماذا؟ في علمك بالسابق، يعني الشخص من هو زيد أو عبيد .. إلى آخره، وأما مجرد السبق أنهما لم يموتا معًا وإنما على التدريج حينئذٍ نقول: لا بد أن يتعين من هو الذي سبق من أجل أن يكون مُوَرِّثًا، ومن هو المتأخر من أجل أن يكون وَارِثًا، وأما مجرد العلم بالسبق هذا لا أثر له، ولذلك قال هنا: في تصوير لم يكن يعلم حال سابقه يدخل فيه بأن عُلِمَ أن أحدهم مات قبل الآخر، لكن لم يعلم عينه وهذا لا تعارض فيه، لأن الأول علم السبق والذي انتفى هو العلم السابق العلم بالسابق من هو زيد أو عبيد، وكذا إن لم يعلم سبق ولا معية، جهل، أو عُلِم أنهم ماتوا معًا هذه صور ثلاث داخلةٌ في قول الناظم: ولم يكن يعلم حال السابق. يعني ولم يعلم عينه، فالذي يُشترط هنا في مثل هذا التركيب الذي هو غَرَقَ أو غيره أن يُعْلَمَ حال السابق بعينه، فإن عُلِمَ كما سيأتي حينئذٍ بالإجماع أن الأول مُوَرِّث والثاني وَارِث، إن لم يكن كذلك حينئذٍ لا إشكال في عدم التوريث.
وخرج بذلك ما إذا عُلِمَ حال السابق فتارة يستمر علمه وتارة لا يستمر، إذا عُلِمَ حال السابق عينه فتارة يستمر علمه، وهذا تفصيل عند الشافعية خاصة وتارة لا يستمر، بل ينسى، بل يعلم أن هذا تأخر وهذا تقدم، ثم قد يبقى لأن التركات قد تأخذ سنين في تقسيمها، قد يبقى العلم بالسابق وقد يُنْسَى، [إن علم] إن بقي العلم بالسابق فلا إشكال وهو واضح، وإن نُسِيَ فحينئذٍ عند الشافعية يوقف المال حتى يتذكر، حينئذٍ إذا علم بالسابق فإما أن يستمر علمه أو لا، عند الشافعية هذه يرث وعلى خلاف ما سبق، فتارة يستمر علمه وتارة لا يستمر، بل يُنسى. فالمفهوم تحته صورتان، يعني قوله: ولم يكن يعلم حال السابق. فإن عُلِمَ فالحكم يختلف، فإن علم حال السابق فهذا واضح بين أنه يرث، لكن الصواب أنه يرث فيما إذا بقي علمه، وأما إذا نُسِي فلا، تلحق بما إذا ماتوا جميعًا أو غيرهم كما سيأتي. فالمفهوم تحته صورتان، ويرث من مات بعده في الصورتين - هذا عند الشافعية، والناظم هنا شافعي - فيعطى لورثة من مات بعده نصيب مورثه من السابق في الصورة الأولى، ويوقف المال كله في الصورة الثانية إلى تذكر عين السابق لأن ذلك غير ميئوس من تذكره، يعني محتمل كونه يتذكر هذا ممكن يعطيه سنة سنتين ثلاث قد يتذكر، وإذا كان كذلك حينئذٍ يبقى المال على حاله. إذًا ولم يكن يعلم حالُ سابقه يعني: ولم يعلم عينه بأن علم أن أحدهم مات قبل الآخر لكن لم يُعلم عينه. قال هنا كالبيجوري: هذه صورة المنطوق وهي ما إذا علم السبق، لكن لم يعلم عين السابق. فرقتم بين النوعين، إذا علم السّبْق ولم يعلم عين السابق، وبقي صورتان وهما ما إذا لم يعلم سبقٌ ولا معية، جُهِلَ الأمر من أصله أو عُلِمَ أنهم ماتوا معًا، وهاتان صورتان مأخوذتان من كلام المصنف، لأن النفي هنا ولم يكن يصدق بعدم السبق جزمًا أو احتمالاً، لأن الثالثة التي تصدق بنفي الموضوع وعليه فالمنطوق تحته ثلاثة صور، والمفهوم تحته صورتان فتكون الجملة خمسة، الأحوال أحوال الغرقى ونحوهم مما شملهم حادثٌ عام الصور خمسة، لهم خمس حالات:
الحالة الأولى: أن يتأخر موت أحد المتوارثين ولو بوقتٍ يسير. هنا يرث المتأخر إجماعًا وليس داخل معنا، بل هو ملحق بما سبق، أن يتأخر موت أحد المتوارثين ولو بوقتٍ يسير وهنا يرث المتأخر إجماعًا، لأننا علمنا المتأخر منهم بعينه أليس كذلك؟ فيرث من المتقدم ولا عكس.
الثاني: أن يتحقق موتهما معًا في آنٍ واحد. تعلم يقينًا تراهم بعينك أنهما قد ماتا ولفظا أنفاسهما في وقتٍ واحدٍ، وهنا نعلم أن موتهم وقع دفعةً واحدة فلا توارث بينهم إجماعًا، بالإجماع فالصورة هذه ليست داخلة معنا، لماذا؟ لانتفاء الشرط، وهو تحقق حياة كلّ من الْمُوَرِّث والوارِث، وهنا لم يتحقق.
ثالثًا: الصورة الثالثة، والرابع، والخامسة: هي التي فيها كلامٌ.
الصورة الثالثة: أن نجهل الحالة، كيف وقع الموت هل كان مرتبًا أو دفعة واحدة، ما تدري هل ماتوا على الترتيب، أو مرة واحدة هذا يسمى جَهْلاً بالحال.
الصورة الرابعة: أن نعلم أن موتهم مرتب نعلم السبق، ولكن لا نعلم عين المتأخر.
الصورة الخامسة: أن نعلم المتأخر ثم ننساه لطول مدةٍ ونحو ذلك. هذه الصورتان الأوليان قلنا بالإجماع يرث، لا يرث. الصورة الثالثة، والرابع، والخامسة هذه كما ذكرنا مذهب أبي بكر الصديق وابن عباس وزيد بن ثابت ومذهب الأئمة الثلاثة خلافًا لأحمد وهو المرجح أنه لا توارث بينهم البتة لعدم تحقق الشرط.
إذًا هذه صور خمسة واحدة منها يقال بالتوارث بالإجماع، والأربعة ثلاثة منها لا توارث على الصحيح، وواحد لا توارث بالإجماع. وأما المشهور من مذهب أحمد في الأحوال الثلاثة الأخيرة أنه لا يخلو الحال من أمرين تفصيل:
الأول: أن يَدَّعِي ورثة كل ميت تأخر مُوَرِّثهم بالموت، ولم تكن هناك بينة، أو هناك بينة ولكنها تعارضت مع بينة أخرى. هل يكون ثَمَّ دعوى، إن وجد دعوى من أحد الطرفين فمذهب الإمام أحمد وهو المترجح عند المتأخرين أنه لا توارث. إن وقع الخلاف وافق الإمام أحمد الأئمة الثلاثة، وإن لم يقع خلاف حينئذٍ ورث بما سيذكره.
إذًا الصورة الأولى الحالة الأولى أن يَدَّعِي ورثة كل ميتٍ تأخر مُوَرِّثِه بالموت ولم تكن هناك بينة دليل واضح، أو هناك بينة لكنها تعارضت فسقطت مع بينةٍ أخرى، والحكم هنا أن يتحالفوا على ذلك ولا توارث، حينئذٍ بين الأموات بل يرث كل واحدٍ ورثته الأحياء فقط، ويتحالفون يمين من أجل البينات فقط، لكن لا توارث بينهم لعدم المرجح.
الصورة الثانية: وهي التي يكون فيها التوريث أن لا يحصل بينهم اختلاف، ولا يُدَّعَى ذلك والحكم حينئذٍ أن يرث كل واحدٍ من مال صاحبه الذي مات وهو يملكه، يعني كل منهما الاثنين إذا ماتا كل منهما يرث مما لصاحبه الذي مات عنه، الذي مات عنه يُسمى التلاد، وأما المال الجديد الذي يكون نصيب الميت الثاني من الأول الذي يسمى طريف لا يرث منه الأول البتة، وهذا تناقض لماذا؟ لأن كل واحد منهما جُعِلَ وَارِثًا ومُوَرِّثًا، فالحكم حينئذٍ أن يرث كل واحدٍ من مال صاحبه الذي مات وهو يملكه، ويسمى تلادًا قديمًا، وأن لا يرث من المتجدد له مما ورثه من الميت الذي مات معه على اعتبار تأخره بالموت ويسمى طريفًا جديدًا، بل إن الطريف لا يقسم إلا على ورثة الأحياء لكل واحد، كل منهما يقدر هذا مات أولاً ثم يجعله مُوَرِّثًا، والثاني وارِث منه، واضح؟ ثم نأتي مسألة ثانية فنقدر أن الثاني هو المتقدم، فنورث منه الأول، انظر
…
#58.11 كل منهما جعل وارثًا ومورثًا، حينئذٍ المال الذي وَزِّعَ على الأول باعتبار أنه هو السابق نصيب الثاني الذي مات معه لا يرث منه الأول إذا قسمنا نصيب الثاني، واضح هذا؟ المال القديم الذي يوزع على الأول يعني: عندك زيد وعبيد كل منهما مات معًا [إذا لم يحصل] إذا لم يعلم على الأحوال الثلاث التي ذكره حينئذٍ نقدر أن زيد هو مات أولاً فنقسم التركة ويرث منه عبيد الذي مات معه، ثم نصيب عبيد هذا نقسمه على الورثة من الأول ورثته هو دون الذي مات أولاً، المال هذا الثاني يسمى طريفًا جديدًا والمال السابق يسمى تلادًا يعني: قديمًا، لكن كما ذكرنا الصواب عند الأئمة الثلاث هو أنه لا توارث، وحتى أن ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني اختار هذا القول، أنه لا توارث، وهو اختيار ابن تيمية كذلك وابن القيم وابن باز وابن عثيمين رحمه الله تعالى، لأن من شروط الإرث حياة الوارث بعد موت حقيقةً أو حكمًا ولا يحصل ذلك مع الجهل، وأما كيفية العمل فيعاملون معاملة المناسخة من حيث الحال الثالثة.
قال هنا: (فَلَا تُوَرِّثْ زَاهِقًا مِنْ زَاهِقِ) على الصحيح يعني مذهب الذي اختاره للرحبية هو مذهب الشافعي (فَلَا تُوَرِّثْ زَاهِقًا مِنْ زَاهِقِ)، (زَاهِقًا) يعني ذاهبًا، فلا تورث أنت، من المخاطب هنا؟ إما القاضي، وإما المفتي. لكن إذا صار المفتي قاضيًا وأمّا العامي فلا. (فَلَا تُوَرِّثْ) أي فلا تحكم أيها القاضي أو لا تفتي بإرثٍ لشخصٍ زاهق من القوم المذكورين من شخصٍ زاهقٍ آخر، فالمخاطب بذلك القاضي أو المفتي، فلا تورث أنت يعني لا تحكم بالإرث (زَاهِقًا) منهم (مِنْ زَاهِقِ) آخر منهم، والزاهق هو الذاهب يقال: زهق روحه إذا خرجت، وَزَهِقَتْ النفس بكسر الهاء لغة، يعني زَهَقَ فَعَلَ وَفَعِلَ، لكن الأول أشهر، أي فلا تورث ميتًا منهم من آخر إجماعًا فيما إذا عُلِمَا معًا يعني موتهما، وأما إذا لم يعلم أماتا معًا أو مرتبًا فعند زيد بن ثابت كذلك أبو بكر الصديق، وابن عباس وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة الأئمة الثلاثة، وذُكِرَ أن عليًّا ورث بعضهم من بعض، وأما إذا لم يعلم أين الجواب؟
أين الجواب؟
معكم الكتاب؟
وأما إذا لم يعلم أماتا معًا أو مرتبًا
عندك
…
صحيح النسخة عندي سيئة جدًا، فلا توارث هذا الجواب سقط، لكن موجود في الطبعة هذه، عندي طبعة حجرية محكمة أجود من هذه، فلا توارث، إذًا لم يعلم أماتا معًا أو مرتبًا فعند زيد بن ثابت وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة رحمهم الله، فلا توارث هذا الجواب، وذكر أن عليًّا ورَّث بعضهم من بعض، كلٌ منهما يرث من الآخر، من تلاد أموالهم القديم دون طريفها جديد يعني، وبه قال أحمد، وإنما لم يرث من الطريف لأنه لو ورَّثَه منه لأدى أن الشخص يرث من نفسه، وهذا غريب هو ماله أخذه من الأول، ثم لا يرث منه مرةً أخرى. إذًا نقول: الضابط في هذا توريث أحدهما من الآخر دون العكس هذا تحكم، إذا ورَّثت واحدًا دون الآخر حينئذٍ نقول: هذا تحكم، يعني إعمالٌ للرأي تحتاج إلى دليل، وكذلك توريث كلٍّ منهم من الآخر تناقض، إذ كونه وارثًا أنه متأخر، وكونه مورِّثًا أنه متقدم، وهو نحن لا نعلمه هنا، الصورة المضمر #1.02.36 مفروضةٌ في ماذا؟ إذا لم نعلم السابق من هو، حينئذٍ كيف نجعل الأول مورِّث ثم نأتي نجعله وارِثًا، ثم نأتي بالثاني نجعله وارثًا، ثم نجعله مورثًا، نقول: هذا يعتبر تناقضًا.
................
…
فَلَا تُوَرِّثْ زَاهِقًا مِنْ زَاهِقِ
وَعُدَّهُمْ كَأَنَّهُمْ أَجَانِبُ
…
..........................
وَعُدَّهُمْ كَأَنَّهُمْ أَجَانِبُ) يعني (وَعُدَّهُمْ) أي الموتى بغرقٍ ونحوه كالحرق والهدم أي اجعلهم، وعد الموت بالغرق ونحوه (كَأَنَّهُمْ) أنهم تنزيلاً لهم منزلة الأجانب (أَجَانِبُ) انظروا الكلمة قديمة ليست حادثة (أَجَانِبُ) سيغضب البعض من هذه الكلمة، ولا بأس بها من حيث اللغة لا بأس بها، حسب الشرع (كَأَنَّهُمْ أَجَانِبُ) أي لا قرابة بينهم، ولا غيرها من ما يقتضي الإرث، يعني انتفى سبب الإرث، لا نكاح، ولا ولاء، ولا نسب، وهم في الأصل أنهم وجد فيهم سبب الإرث، لكن لما لم يعلم السابق من اللاحق بعينه حينئذٍ نُزِّلَ ذلك مُنَزّلة العدم كأنه لا قرابة بينهم
.... كَأَنَّهُمْ أَجَانِبُ
…
فَهَكَذَا الْقَوْلُ السَّدِيدُ الصَّائِبُ
(فَهَكَذَا) أي مثل ما قلناه من عدم التوريث (الْقَوْلُ السَّدِيْدُ الصَّائِبُ) الصواب يعني، يقال: سد الشيء سدادًا إذا كان صوابًا، وأَسَدَّ الرجل جاء بالصوابِ، الصواب بمعنى المصيب، يعني الموافق للواقع، وأسد الرجل جاء بالصواب في قولٍ أو فعلٍ يعني يوصف القول بالصواب، ويوصف الفعل بالصواب، ورجل مُسَدَّد يعني موفقٌ للصواب. فقوله:(الصَّائِبُ) أي المصيب، صائب مصيب، فَسَّرَ اسم الفاعل باسم الفاعل، وإنما ذكر مصيب مع الصائب لاشتهار الثاني وأكثريته والأول مثله، لكنه ماذا؟ قليل، فسَّرَ الصائب الذي هو اسم فاعل صَاب بالمصيب الذي هو اسم فاعل أَصَاب لأشهريته وأكثريته، أي: المصيب غير مخطئ، عطف تفسير، هكذا قال: عطف تفسير. وهو ممكن، ممكن عطف تفسير يقصد به عطف بيان، والمحشي يقول: ليس بكلام الناظم عطف وإنما هي صفةٌ موضحة، وهذا الأصل أنها صفة موضحة لكن عطف تفسير لا إشكال فيه يمكن حمله، لا يُخَطّأ نَحْوِيًّا. (فَهَكَذَا الْقَوْلُ السَّدِيدُ الصَّائِبُ).
قوله: (الْقَوْلُ السَّدِيدُ الصَّائِبُ). فيه حسن ختام، وإشارة إلى جميع ما ذكره في هذا الكتاب هو القول السديد الصواب، لأنه ختم النظم.
قال هنا: فائدة: إذا علم موت أحدِ المتوارثين بالغرق ونحوه بعد الآخر معينًا ولم ينس فالأمر واضح أن المتأخر يرث المتقدم إجماعًا، وإن علم موتهما مرتبًا، وعين السابق ثم نسي وقف الأمر إلى البيان والصلح، وبهاتين الحالتين تحت أحوال الغرق خمسة أحوال، والصواب في الحالة الثانية أنه لا توارث، إذا نسي لا توارث، لأنه لا بد من العلم بتحقق حياة الوارث بعد موت المورث، وهنا لم يكن.
ثم قال المصنف هنا: لما أنهى المصنف رحمه الله تعالى الكلام على ما أراد أن يورد في هذه المنظومة ختمها بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء كما ابتدأها بذلك رجاء قبول ما بينهما فقال: الحمد لله، في بعض النسخ قبل هذا البيت:
فقد أتى القول على ما شئنا
…
من قسمة الميراث إذ بينا
على طريق الرمز والإشارة
…
ملخصًا بأوجز العبارة
هذا في المشهور أكثر النسخ على هذا، وإن أسقطها الناظم رحمه الله تعالى.
قال: (وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ) قد للتحقيق (وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ عَلَى مَا شِئْنَا) وأردنا (مِنْ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ) يعني أراد أن يبين قسمة الميراث (إِذْ بَيَّنَا) تعليل (بَيَّنَا) الألف هذه للإطلاق وكذلك في (شِئْنَا)، (عَلَى طَرِيقِ الرَّمْزِ) هذا متعلق بقوله:(بَيَّنَا)، (وَالإِشَارَةْ) هذا عطف تفسير (الرَّمْزِ) بمعنى الإشارة (مُلَخَّصًا) حال كونه قول (مُلَخَّصًا بِأَوْجَزِ الْعِبَارَةْ) يعني بالعبارة الموجزة أي أتى المؤلف رحمه الله تعالى بعبارة موجزة قليلة الألفاظ كثيرة المعاني متضمنة لأحكام المواريث وقسمتها وما يتعلق بها في تلك الأبيات بأحسن تركيب وأبين توضيح.
(وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى التَّمَامِ) وعلى النسخة السابقة، فالحمد لله بالفاء، (وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى التَّمَامِ) الحمد معلوم كما سبق مرارًا في أول الكتاب وفي غيره، (عَلَى التَّمَامِ)، (عَلَى) هنا تعليلية يعني لأجل التمام (التَّمَامِ) وأل في (التَّمَامِ) عوض عن المضاف إليه، يعني التمام في ماذا؟ تمام الكتاب، فتم شيء معين حذف المضاف إليه وأقام (أل) مقامه على مذهب الكوفيين، (وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى التَّمَامِ) أي تمام الكتاب، أي كماله، فالتمام هنا بمعنى الإتمام وهو الإكمال، يكون الحمد على الفعل ولو ألقيناه على ظاهره لكان الحمد على الأثر، والحمد على الفعل أكمل من الحمد على الأثر، لأن الأثر يلاحظ فيه مصلحة العبد، وأما الأول فيلاحظ فيه الصفة صفة الرب جل وعلا.
وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى التَّمَامِ
…
حَمْدًا كَثِيرًا تَمَّ في الدَّوَامِ
(حَمْدًا كَثِيرًا) مفعول مطلق نوعي (حَمْدًا كَثِيرًا تَمَّ) تم حمدًا كثيرًا تم (حَمْدًا كَثِيرًا) يعني كمًا من حيث الكمية، وتم من حيث الكيف كيف، فتغايرا حينئذٍ فرقٌ بين التمام وبين الكثير، فالكثرة ترجع إلى العدد، والتمام يرجع للقَدْرِ (في الدَّوَامِ)، (في) هنا بمعنى مع يعني مع الدوام، و (الدَّوَامِ) بمعنى البقاء، أي حمدًا كثيرًا دائمًا، والحمد على النعمة هو الشكر في اللغة كما سبق فعلٌ ينبئ عند عظيم منعم يستوي كونه منعمًا على شاكر وغيره.
أَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِ التَّقْصِيرِ
…
وَخَيْرَ مَا نَأْمَلُ في الْمَصِيرِ
(أَسْأَلُهُ) لما كان قوله: (حَمْدًا كَثِيرًا تَمَّ في الدَّوَامِ) فيه إيهام لأن الناظم قد قام بحق النعمة دفعه بقوله: (أَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِ التَّقْصِيرِ) إذًا السابق الذي قد يُوهم بأنه أدى ما عليه هذا منتقضٌ بما ذكره بعده (أَسْأَلُهُ) يعني أطلبه هنا السؤال يكون باللسان على الأصل (أَسْأَلُهُ الْعَفْوَ) أي ترك المؤاخذة صفحًا وكرمًا، يعني بصفحه عني وكرمه عليَّ، (عَنِ التَّقْصِيرِ) هذا مصدر قَصَّرَ يُقَصِّرُ تَقْصِيرًا والمراد به التواني في الأمور المطلوبة شرعًا. (وَخَيْرَ مَا نَأْمَلُ) خيرَ بالنصب أي وأسأله جعل وعلا خير ما نأمل، يعني بفتح النون وضم الميم المراد بالأمل الرجاء يعني ما نرجو، (وَخَيْرَ) على بابه لأنه أفعل تفضيل (في الْمَصِيرِ) أي المرجع (في الْمَصِيرِ) هذا متعلق بمحذوف أي حال كونه واقعًا في المصير، في المرجع أي يوم القيامة يعني، وليس متعلقًا بـ (نَأْمَلُ) لأن الأمل يكون في الدنيا ليس في الآخرة، والمرجوء هنا إنما يكون في الآخرة، لا بد من تعليقه بمحذوف في الأصل يجوز (نَأْمَلُ) يجوز أن يتعلق به قوله:(في الْمَصِيرِ) لكن المعنى الأكمل أن يتعلق بمحذوف، (نَأْمَلُ في الْمَصِيرِ) الأمل أين يكون في الدنيا، والمأمول إنما يكون في الآخرة. إذًا (في الْمَصِيرِ) متعلق بمحذوف أي حال كونه واقعًا في المصير، وليس متعلقًا بـ (نَأْمَلُ) لأن الأمل حاصلٌ في الدنيا والمأمول يقع في الآخرة. (في الْمَصِيرِ) أي المرجع، والمراد به يوم القيامة يوم يرجع فيه الخلق إلى الله تعالى. قال تعالى:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4](وَغَفْرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنُوْبِ)، (وَغَفْرَ) بإسكان الفاء ليس بالفتح فأسأله غفرًا معطوف على العفو، وأسأله غفر أي سَتْرًا، فسره [الناظم هنا] الشارح بالستر، والستر لا يلزم منه محو الذنب، يعني مراده هنا تغطية الذنب فقط، والغفر المراد به على الصحيح الستر مع المحو، سترٌ ومحوٌ معًا يعني من الصحيفة بالكلية، وأما تفسره بالستر فقط وإن كان هو المأخوذ من المِغْفَر لستره الرأس لكن فيه ثم زيادةٌ وهو المحو. (وَغَفْرَ مَا كَانَ) يعني الذي كان (مِنَ الذُّنُوْبِ) بيان لـ (مَا) ما كان من الذنوب فلا يُظهرها بالعتاب عليها و (الذُّنُوْبِ) جمع ذنبٍ وهو الْجُرْم بضم الجيم وإسكان الراء، وهو ما فيه عقابٌ (وَسَتْرَ مَا شَانَ مِنَ العُيُوبِ) ستر يعني تغطية بحيث لا يظهر ذلك للناس، لأن تحصل الفضيحة (مَا شَانَ) يعني الذي شان وقَبُحَ من الشين وهو الْقُبْحُ، أو من ما فيه لَوْم فقط فيكون مغايرًا لما قبله، أو من ما فيه لومه أو عقاب فيكون أعم من ما قبله. من العيوب جمع عيب وهو النقص إذًا
وَغَفْرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنُوبِ
…
وَسَتْرَ مَا شَانَ مِنَ العُيُوبِ
وهذا البيت السابق يدل على تواضع المصنف رحمه الله تعالى واعترافه بالذنب، وهذا ينافي الغرور الذي قد يقع عند البعض (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ ** عَلَى النَّبِيِّ) جمع بينهما لأنهما أكمل أن يصلي ويسلِّم وهم امتثال للآية {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] {صَلُّوا} ، {وَسَلِّمُوا} قال: جمع بينهما، لكن لا نقول بالكراهة إذا أُفْرِدَ أحدهما عن الآخر، لأن الدلالة هنا دلالة اقتران. (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ ** عَلَى النَّبِيِّ) أي علاها وأكملها كائنٌ على النبي، (الْمُصْطَفَى) هذا فيه إشارة إلى حديث «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل» وفيه «فاصطفاني من بني هاشم فأنا خيارٌ من خيارٍ من خيار» بقي خيار رابع، لكن العرب لا تزيد أكثر من ثلاثة. و (الْمُصْطَفَى) المراد به المختار من الخلق وهو مأخوذٌ من الصفوة أصله مُصْتَفَوٌ أبدلت واوه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأبدلت تاء الافتعال طاءً، و (الْمُصْطَفَى) مأخوذٌ من الصفوة وهي الخلوص من الكدر.
(الْكَرِيمِ) هذا عطف بيان أو بدل، بفتح الكاف على المشهور، وحكى سبط الماريني أنه الأفصح ويجوز كسرها، وهو نقيض اللئيم، الكرم واللؤم نقيضان والمراد به الجواد يعني كثير الجود، والجامع بأنواع الخير والشرف والفضائل أو الصفوح عن الزلات (مُحَمَّدٍ) بالجر عطف بيان على كون النبي من هو النبي مع كون النبي صلى الله عليه وسلم إذا أطلقه في هذه الأمة انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن عبد الله حينئذٍ صار (أل) هنا عهدية (مُحَمَّدٍ) هذا بدل أو عطف بيان أو محمدٌ يعني: هو محمد خبر مبتدأٍ محذوف، وجوز بعضهم النصب على لغة ربعية، لكن هذا لا يستقيم لأن لغة ربيعة في الوقف لا في الوصل، (مُحَمَّدٍ خَيْرِ الأَنَامِ) يعني الخلق و (أل) هنا للاستغراق فيَعُمّ الكل (مُحَمَّدٍ خَيْرِ الأَنَامِ).
وأفضل الخلق على الإطلاق
…
نبينا فمل عن الشقاق
(الْعَاقِبِ) أي الذي لا نبي بعده. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى في
…
((النهاية)) في مبحث أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: العاقب وهو آخر الأنبياء، والعاقب والعقوب الذي يخلف من كان قبله (وَآلِهِ) يعنيك وعلى آله، وهم أتباعه على دينه، (الْغُرِّ) جمع أغر غُرْ بضم الغين المعجمة جمع أغر وصفوا بذلك لاشتهارهم كالكوكب الأغر المراد به الأشراف (ذَوِي الْمَنَاقِبِ)، (ذَوِي) جمع ذو يدل على صاحب أي على أصحاب، (الْمَنَاقِبِ) يعني الفاخرة صفة كاشفة جمع منقبة وهي ضد المثلبة العيب والنقص، وجمعها مثالب يعني المثلبة جمعها مثالب والمثالب العيوب. إذًا الشيء بضده يتبين ويعرف معناه، فإذا كانت المثالب جمع مناقض للمناقب والمثالب هي العيوب حينئذٍ المناقب هي الكمال.
وَصَحْبِهِ الأَفَاضِلِ الأَبْرَارِ - أو الأماجد - الأَبْرَارِ
الصَّفْوَة - الأكامل - الأَخْيَارِ الأَكَابِرْ الأَمَاجِدِ
صحبه هذا أي وعلى صحبه، وهذا بالقياس يعني أفضل الصلاة والتسليم على النبي، وأفضل الصلاة والتسليم على آله، والصلاة والسلام على الآل ثابتة بالنص «اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد» . ثابت بالنص، وأما الصحابة فهذه بالقياس على الآل (وَصَحْبِهِ) ولذلك لا يُفْرَدُون بالصلاة وإنما تكون تبعًا، كذلك الآل لم يرد إلا على جهة التبع، وجاء على جهة العموم لم يرد على جهة الخصوص يعني: لا يقال علي صلى الله عليه وسلم وإنما يقول آل النبي إذا أفردناهم نُعَمِّم نقول آل النبي صلى الله عليه وسلم، أو إذا عطفنا ذلك على النبي حينئذٍ نأتي به، أما على جهة الخصوص لم يثبت يعني بعينه زيد من الناس، (وَصَحْبِهِ)، (الأَمَاجِدِ) هذا جمع ماجدٍ وهو الكامل في الشرف، كقولهم مَجُدَ الرجل مَجْدًا شَرُفَ بكرم الأفعال. في بعض النسخ (الأَفَاضِلِ) من فَضُلَ الرجل فَضْلٍ وفَضِيلةٍ ضد النقص، (الأَبْرَارِ) جمع برٍّ أي محسن، يقال: بَرِرتُ فلانًا بالكسر أَبَرُّه بفتح الباء وضم الراء بِرًّا فأنا بَرٌّ به وبارٌّ به. وقال ابن الأثير في ((النهاية)): يقال بر به فهو بارٌ وجمعه بررةٌ، وجمع البررة أبرار، وهو كثيرًا ما يختص بالأولياء والزهاد والعباد. (وَصَحْبِهِ الأَمَاجِدِ) أو (الأفاضل)(الأَبْرَارِ ** الصَّفْوَة) عرفنا معنى الصفوة، والمراد به الخالص من الشيء فهو كما سبق (الأَكَابِرْ) يعني الشرفاء والعظماء جمع كابر فهو الكبير لذلك يقال: وَرِثْتُ المجد كابرًا عن كابرٍ. أو ورثته عن آبائي وأجدادي كبيرًا عن كبيرٍ، (الأَكَابِرْ الأَخْيَارِ)، (الأَخْيَارِ) جمع خيِّر يُشَدّد ويخفف، جمع خَيْر وَخَيِّر من الخير يعني مصدر خَار فخير هو مصدر مأخوذٌ منهما يشدد وغيره، جمع خير يشدد ويخفف من الخير يعني كلٌ منهما مأخوذٌ من الخير ضد الشر، والأخيار خلاف الأشرار، إذا كان قولهم من الخير أي مصدر خار فخير الوصف مأخوذ من خير المصدر فلم يتحد على التخفيف المأخوذ والمأخوذ منه، فرق بين خَيْرٌ وصف، وخَيْر مصدر فرق بينهما، والأخيار خلاف الأشرار، والْخَيِّر هو الفاضل من كل شيء، في بعض النسخ (السادة الأخيار)(الصفوة السادة الأخيار)
وصحبه الأماجد الأبرار
…
الصفوة الأكابر الأخيار
هذه نسخة
وَصَحْبِهِ الأَفَاضِلِ الأَبْرَارِ
…
الصَّفْوَة الأَكَابِرْ الأَخْيَار
نسخة
وصحبه الأفاضل الأبرار
…
الصفوة والسادة الأخيار
هذه نسخة، وهذه التي شرح عليها المصنف هنا، جمع سيد أي شريفٌ من قولهم ساد القوم سيادةً شَرُفَ عليهم فهو سَيّدٌ والجمع سادة.
وبهذا نأتي على شرح هذه المنظومة كما قال الشارح هنا: وهذا آخر ما شرحنا بتناول المؤلف رحمه الله تعالى.
بقي بعض المباحث في الرد وذوي الأرحام وقسمة التركة، هذه سنجعل لها إن شاء الله ملحق إما بعد رمضان أو في الصيف، نكثف أسبوع واحد نأخذ فيها متممة للرحبية، وإلا فنقف على هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والله أعلم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.