المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة. * المبادئ العشرة. * الحقوق المتعلقة بالتركة.   الحمد - شرح الرحبية للحازمي - جـ ٣

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة. * المبادئ العشرة. * الحقوق المتعلقة بالتركة.   الحمد

‌عناصر الدرس

* تتمة شرح المقدمة.

* المبادئ العشرة.

* الحقوق المتعلقة بالتركة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

وقفنا عند قول الناظم رحمة الله تعالى:

وأنّ زيدًا خُصَّ لا مَحَالةْ

بما حَبَاهُ خاتَمُ الرِّسَالَةْ

مِنْ قَوْلِهِ في فَضْلِهِ منَبِّهَا

أَفْرَضُكُمْ زيدٌ وناهِيْكَ بِهَا

أراد بهذين البيتين يُبين أن زيد بن ثابت الصحابي الجليل هو أولى بالإتباع من غيره من الصحابة حيثُ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاهُ تزكية وشهادة حيث قال عليه الصلاة والسلام: «أفرضكم زيد» . فأعلمكم بالفرائض والمواريث هو زيد، لكن كما ذكرنا الحديث فيه نظر فيه ضعف، ثم لو ثبت حينئذٍ يكون الْمَرَدّ إلى الدليل فما قاله زيد يُنظرُ في دليلِهِ فإن وافق الدليل فحينئذٍ أُخِذَ به، وإن خالف حينئذٍ قد يكون القولَ مع غيرِه، لذلك حصل نزاع في بعض المسائل الفرضية، زيد وابن عباس وعلي بن أبي طالب وغيرهم، حينئذٍ الخلاف إذا وقع بين الصحابة مطلقًا في الفرائض وفي غيرها حينئذٍ يكون المردُّ إلى الدليل، ولا يصِيرُ قولُ واحدٍ منهم حجةً على آخر، وكذلك لا يصِيرُ حجةً على من بعده، لأن الخلاف في حجيّة قول الصحابي إنما هي إذا لم يكن له مخالف، حينئذٍ إذا وُجِدَ المخالف رجعنا إلى الدليل، وهذا عِلْمٌ شرعي كما ذكرنا فيما سبق قد قسّم الله عز وجل المواريث حينئذٍ فما كان ظاهرًا في القرآن هو معمولُ به، وإن وُجِدَ سنة مبيّنة، أو موضحة، أو مُقَيِّدة، أو زائدة على ما ورد في القرآن حينئذٍ أُخِذَ بها، وما وُجِدَ إجماعُه من الصحابة فهو المعمولُ به، وما وُجِدَ الخلاف فحينئذٍ تجري عليه قاعدة الخلاف وهو النظر في أدلة أقوالهم، فمن وافق الدليل أُخِذَ بِهِ ومن لم يوافق الدليل حينئذٍ يُتركُ قوله، وهذه قاعدة عامة.

ص: 1

فزيدُ بن ثابت إن صحّ أنه أفرض الصحابة حينئذٍ يكون النظرُ فيه كالنظر في غيره من الصحابة وخاصةً إذا اختلفوا، (مِنْ قَوْلِهِ)، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسالة، (في فَضْلِهِ) في بيان فضله على غيره من الصحابة، (مُنَبِّهَا)، يعني: موقظًا أيقظ بهذا القول أذهان العلماء بأن يتجهوا إلى هذا الذي زكاهُ النبي صلى الله عليه وسلم وبين في شهادته أنه أولى بالإتباع، (أَفْرَضكُمْ زَيْدٌ) أفرضكم بفتح الضاد هذا مقولُ القول، (مِنْ قَوْلِهِ)(أَفْرَضكُمْ زَيْدٌ) أي أعلمكم في الفرائض زيد بن ثابت الخزرجي كما مرّ معنا في ترجمته (وَنَاهِيْكَ بِهَا)، يعني حسبُك بهذه الشهادة مرتبة ومنقبة لزيدٍ، وهذا لا شك إذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلمُ الصحابة بالفرائض حينئذٍ هو الأولى بالإتباع، لكن كما ذكرنا هذا الحديث رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وحسنه ابن الصلاح وضعفه شيخُ الإسلام ابن تيمية، ابن صلاح حسنهُ، ابن الصلاح يُغلقُ باب الاجتهاد في الحكم على الحديث بالصحة أو عدمها، وينقل العلماء عنه التحسين، وهذا محل النزاع بينهم، ما مراده إذا قيل حسنه، ثم قال تحسينه لأنه مقلّدٌ في هذا الباب، حسنه ابن الصلاح، يعني: نقل تحسينهُ، وقيل: لا، المراد أنه أغلق باب الاجتهاد في التصحيح أما في التحسين فلا. هذان قولان في تخريج ما يقالُ فيه حسَّنه ابن الصلاح، لأنه لا يرى أن الاجتهاد أو أهل عصره أهلٌ لـ أو أهلاً للنظر في الأسانيد ونحو ذلك فيحكمون على الحديث بكونه صحيحًا، أو ضعيفًا، أو حسنًا، وإذا نقل عنهم حينئذٍ كيف؟ هو حكم بأنهم ليسوا أهلاً وهو من ذلك العصر، حينئذٍ على نفسه من باب أولى، فكيف يحسنُ الحديث؟ قالوا: نَقَلَ تحسينهُ عن غيرِهِ، وأُجيب أيضًا بجواب آخر أنه مَنَعَ التصحيح، وأما التحسين فهذا محل اجتهاد، والصواب في المسألتين تصحيح وتحسين أنه الباب مفتوح ما زال، ما زال البابُ مفتوحًا لمن كان أهلاً للنظر في الأسانيد والصحة والحُسْن والضعف ونحوِ ذلك، إذًا حسنه ابن الصلاح وضعفه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو ضعيف كذلك، ولو صح حينئذٍ لا يكون أفرضكم زيد بكونه حجةً على غيره، يعني: يُحمل على هذا (أَفْرَضُكُمْ)، يعني: أعلمكم وأكثركم اهتمامًا بهذا الفن، وليس لازم أن يكون حجةً على المخالف، حينئذٍ يكون المرد إلى النص وخاصةً إذا وقع النزاع بين الصحابة.

(وَنَاهِيْكَ بِهَا) قلنا: ناهيك بها، ناهيكَ ناهي هذا اسم فاعل من النهي ناهيك بها يحتمل أن ناهيك مبتدأ والضمير بها ها الضمير هنا خبر زِيدَتْ فيه الياء، الباء زائدة تُزاد في الخبر، ولكنها ليست قياسية هنا ليست قياسية، وإنما تزاد في خبر ماذا؟ خبر ما النافية وما ألحق بها، وأما في حال الإثبات فليس بقياس، والمعنى الذي نهاك عن أن تطلب غيرهُ في بيان فضل زيد هذه الشهادة، أو بالعكس، والمعنى: هذه الشهادة تنهاك أن تطلب غيرها، ويحتمل أن الضمير فاعل الوصفِ، الوصف ما هو الوصف؟ ناهي، على حدِّ قول ابن مالك:

فائزٌ أولو الرشد

ص: 2

وتكون الباء زائدة في الفاعل ناهيك بها وفسرها هنا الشارح بقوله: أي بهذه الشهادة من سيد البشر خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، أي: حسبك بها، حسبُ بمعنى كافي، حسبُ فيها كلام طويل ذكرناه في شرح الألفية لكن المراد هنا بمعنى كافي، كافيك حسبك بها، أي: كافيتُك هذه الشهادة، فالباء زائدة كذلك حسبُك بها، ويحتمل أن حسب هنا بمعنى الكفاية والباء متعلقة بمحذوف والمعنى كفايتُهُ حاصلةٌ بها، لأنها غايةٌ تنهاك عن أن تطلب غيرها فهي تكفيك.

فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي

لاسيِّمَا وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي

(فَكَانَ) الفاء للسببية، إذًا إذا علمنا أن أفرضَكم زيد حينئذٍ [نعم نعم](منبهًا ** أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ) بالنصب (منبهًا) النبي صلى الله عليه وسلم (أفرضَكم زيد) فيكون بالنصب على أنه مفعول به لـ (منبهًا) وإذا أُريدَ الحكاية أفرضُكم يجوزُ فيه الوجهان، (فَكَانَ أولَى) الفاء هذه سببية، يعني: فتسبب عمّا سبق من كونِ زيد أفرضَ الصحابة وأعلمهم بالمواريث والفرائض، حينئذٍ لا شك أنه إذا كان كذلك هو أولى بالإتّباع لمن أراد أن يقلِّد ولمن أراد أن يتبع حتى في الاستدلال، التقليد في الاستدلال حينئذٍ الصحابي الجليل زيد بن ثابت أولى، (فَكَانَ)، أي: فتسبب على هذه الشهادة كون زيدٍ أحقَّ من غيره بما ذكره المصنف وهو قولُهُ: (بإتَّبَاعِ التَّابِعِي). أي: بأن يتبعهُ من أراد أن يتبع واحدًا من الصحابة مثلاً، فإذا أردت أن تَتَّبِعَ شخصًا واحدًا من الصحابة فزيدٌ أولى، لماذا؟ لوجودِ هذه الشهادة والمنقبة والمرتبة من النبي صلى الله عليه وسلم بكون زيدٍ أفرضَ الصحابة وأعلمهم بعلمِ المواريث، (فَكَانَ أولَى) فكان هو، الضمير هنا اسم كان يعود على زيد، فكان زيد بن ثابت أولى، هذا خبْر، خبرُ كانَ، أوْلى من غيرِهِ حذف متعلق، من غيره من الصحابة فضلاً عن غيره، الذي أراد أن يقلّد شخصًا فزيدٌ أفضل وأولى من غيره من الصحابة فضلاً عن غيرهم فبدلاً من أن تقلد أبا حنيفة أو مالكًا، أو الشافعي، أو أحمد، فزيدٌ هذا أولى لاشك، لأن هؤلاء أئمة ولا شك ولكنهم لم ينالوا منقبةً كزيد من جهة كونه صحابيًّا أولى أولاً، ومن جهة وجود هذه التزكية وهذه الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم، (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي).

ص: 3

(التَّابِعِي) من هو التابعي؟ هو من اجتمع بالصحابي وأخذ عنه، (أولَى بإتَّبَاعِ)، يعني: بمتابعة، (التَّابِعِي)، (التَّابِعِي) من هو؟ إما أن نجعله التابعي الخاص المصطلح عليه عند أرباب الحديث المصطلح بأنه من اجتمع بالصحابي وأخذ عنه، وإما أن نجعل أل هنا للجنس حينئذٍ تَعُمُّ كل من أراد أن يتبع شخصًا فيكون زيد أولى بالإتباع، واضح هذا؟ (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) التابعي وتقليد المقلَّد، حينئذٍ من أراد أن يقلّد إمّا أن يقلّد صحابيًّا أو غيره، قال لك: الأولى أن تقلّد زيد بن ثابت، وهل أنت من التابعي؟ نعم لأنك أردت أن تتبع غيرك فيصدق عليك أن تابعيٌّ، إذًا خلاصة قوله:(بإتَّبَاعِ التَّابِعِي). (التَّابِعِي) إما أن يراد به المصطلح الخاص عند أهل الحديث، وهو: من أدرك الصحابي وأخذ عنه، أو اجتمع بالصحابي وأخذ عنه، وإما أن يراد به جنس التابعي، فيشمل التابعي بالمعنى الخاص وغيره، لأن المراتب هكذا صحابيٌ، ثم تابعي، ثم تابع التابعي، ثم أتباع أتبَاع الأتباع وهلمَّ جرّا.

(فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) قال بعضهم: ما لم يكن الدليل على خلافه. هذا واضح بيِّن، وهم من يريدوا أنهم يقلّدوا خاصة الأئمة الكبار أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، هؤلاء عندهم المتابعة بالدليل، وليست المتابعة بالمعنى الأخص عند المتأخرين التي هي أخذُ القول دون نظرٍ في دليل، لا التقليد عند المتأخرين ليس هو كسابِقِهِ.

أولاً: كان يؤخذ القول تحريم تحليل، يرث لا يرث

إلى آخره مع النظر في دليله، وهذا هو الإتباع، وأما النظر والأخذ بالقول فحسب، يعني: بالحكم دون النظر في الدليل هذا يسمى ماذا؟ يسمى تقليدًا، والأصل في التقليد التحريم، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يقلّد غيره في أخذ الأحكام الشرعية إلا لضرورةٍ، وكونه ليس أهلاً للنظر في الأدلة الشرعية يعتبرُ ضرورةً، لأن العوام حكمهم، العوام ما حكمهم؟ التقليد، حكمهم يجبُ أن يقلد، ويحرم عليه أن ينظر في الكتاب والسنة الأدلة مباشرةً، كيف نقول: يحرم التقليد؟ ثم نقول: يحرم عليه النظر في الكتاب والسنة والاستنباط؟ نقول: نعم، النظر في الكتاب والسنة واجبٌ بشرطه كالدخول في الصلاة، صلاة الظهر واجبة بشرطها وهو الطهارة مثلاً وسائر الشروط، كذلك النظر في الأدلة الكتاب والسنة جائز واجبٌ لكنه بشرطه وهو تحصيل الأهلية أن يكون أهلاً للنظر بأن يستجمع شرائط النظر في الكتاب والسنة، ليست المسألة هكذا عقلية ينظُر يفتح القرآن ويستنبط ما شاء، لا، لا بد أن يكون أهلاً للنظر بأن يكون عنده من لسان العرب ما يكفيه ومعرفة الخلاف والإجماعات ونحو ذلك مما يذكرُ في الأبواب المتأخرة في أصول الفقه، حينئذٍ نقول:(أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي). فالأئمة الأربعة كونهم إذا قلّدوا غيرهم من الصحابة مرادهم به الإتباع، يعني: الأخذُ بالقول مع النظر في الدليل، وقوله:(لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي). الشافعي ليس مقلدًا لزيد بن ثابت، وإنما هو ناظرٌ في أقواله معتمدًا أدلتَهُ، يعني: يكون ثَمَّ نظران.

نظرٌ في القول كونه حكم بالتوريث أو لا.

ونظر آخر فيما أعتمد عليه زيد.

ص: 4

أي لا تحفظ أقواله هكذا تكون مُرسَلَة مطلقة دون اعتمادٍ على دليل لا، لا بد أن يكون له دليل وإلا يعتبرُ حُجةً إلا إذا أعتضد بشيءٍ آخر وهو كونه لم يخالفه صحابي آخر، حينئذٍ يكون الترجيح إذا اعتبرناه إجماعًا سكوتيًّا يكون الترجيح لا بالنظر إلى قولِ زيد فحسب، وإنما لكون ماذا؟ لكون عدمِ وجودِ مخالفٍ له، حينئذٍ الحجة لا تكون بذاتِ القول، وإنما لشيء مركب.

أولاً: وجود قوله.

وثانيًا: عدمُ المخالف بالنظر إلى هذين الشيئين المركب حينئذٍ حكمنا بحجية هذا القول.

فالقول الذي أثر عن زيد لا يعتبر حجةً في نفسه إلا إذا صاحبه عدم وجود مخالف من الصحابة، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وهو محل خلافٍ عند الأصوليين هل هو حجة أو لا؟ هل هو قطعي أو ظني؟ إلى آخرِ ما يذكرُ هناك، (فَكَانَ) زيد بن ثابت، (أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) ما لم يكن الدليل على خلافه لا نطلق هكذا القاعدة (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) مطلقًا ولو وُجِدَ دليل يخالفُ زيد؟ لا، ليس هذا المراد.

قال في الشرح هنا: لماذا الأولوية؟ علّلها بأمرين هذه الأحاديث لوجودِ هذا النظر، قال: أقواهما هذه الأحاديث الواردة في فضل زيد «أفرضكم زيد» . وإذا قلنا بأنها ضعيفة انتهينا سقط هذا المرجّح، وهذا المقوي.

ص: 5

ثانيًا: أنه ما تكلم أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفرائض إلا وقد وجد له قولٌ في بعض المسائل قد هجره الناس بالاتِّفاق إلا زيد، فإنه لم يقل قولاً مهجورًا بالاتّفاق، وذلك يقتضي الترجيح كما قال القفّار رحمه الله، وذلك لا يقتضي الترجيح، بل الصواب أنه لا يقتضي الترجيح، كونُهُ لم يهجر قوله مطلقًا أو [ما من مسألة إلا] ما من رجلٍ تكلم من الصحابة في الفرائض إلا وقد هُجِرَت بعضُ أقواله إلا زيد، هل هذا مُرجّح؟ نقول: لا ليس مرجّح. لماذا؟ لأن الترجيح إنما يكون بالنظر في الكتاب والسنة وما اعتمد عليه قوله، وكونه قد هُجِرَ بعض أقول الصحابة ممن تكلموا في الفرائض ولم يهجر قولٌ لزيد لا يدلُّ على الترجيح، لماذا؟ لأنه حينئذٍ يكون الترجيح بغير مرجح صحيح فليس كل باب التراجيح الذي يذكر في الأصول يكون معتمدًا لا، لا بد من أن يكون الترجيح قد دل على اعتماد هذه الطريقة إما نص وإما استنباط من كتابٍ أو سنة، على كلٍّ هذين الأمرين الذين ذكرهما الشارح لا يلتفت إليهما، والقاعدة ما ذكرناه سابقًا أن زيدًا كغيره، وإن كان ثبت إن صحّ هذا الحديث حينئذٍ يكون أكثرهم اهتمامًا بعلم الفرائض، ولا شك أنه إذا اهتم شخص بعلمٍ ما حينئذٍ يكون قد فهم أصوله وفروعه ومتمِّماتَهُ فيكون قوله أقرب لا لذاته وإنما لكونه أقرب للفن، وكلما كان الطالب أو من يتكلم في الفن أقرب إلى الفن كان أكثر صوابًا، فالذي يمارس الفقه صباح مساء لا شك أنه أكثر من الذي لا يمارسه، والذي يمارس التصحيح والتضعيف أكثر حينئذٍ يكون أقرب إلى الصواب من غيره وهلمّ جرّا، إذًا لا لذات الشخص، وإنما لكونه قد تلبس بالفن أكثر من غيره وهذا الذي يُعنى عند المتأخرين وأهل العلم بالتخصص لأن قوله في فنِّه حينئذٍ يكون أقوى، لا لذاته وإنما لكثرة اتصاله بالفن، ولذلك قال ابن حجر: إذا تكلم الرجل في غير فنِّه أتى بالعجائب. يعني: إذا تكلّم في شيء ليس من أهله، يعني: ليس موطِّنًا نفسه على الفن أتى بالعجائب، الله المستعان.

ص: 6

(لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)، (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ) هذا تأكيد، يعني: كأنه زادك مرجَّحًا آخر، هُنا جاءت المذهبية، يعني: النصوص السابقة تؤكد أن زيد هو أولى بالإتباع، ثم مرجِّح ثالث على ما ذكره الشارح وهو كونُ الشافعي وأنت شافعيُّ المذهب قد نحا مذهب زيد، حينئذٍ تتبَّعُهُ لكونك متبعًا للشافعي، (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)(لاسيما) كلمةٌ تستعمل لترجيح ما بعدها على ما قبلها، وهل هي من أدوات الاستثناء أو لا؟ عند الكوفيين نعم من أدوات الاستثناء، والصواب أنها ليست من أدوات الاستثناء وهو مذهب سيبويه وجمهور البصريين أنها ليست من أدوات الاستثناء وهذا هو الصحيح، بل هي مضادة للاستثناء فإن الذي بعدها داخلٌ فيما دخل فيه ما قبلها (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) من ضمنهم الشافعي، أليس كذلك؟ دخل الشافعي في هذه أو لا؟ دخل (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي) تنصيصٌ بما دخل، تأكيد، ليس فيه الاستثناء، الاستثناء فيه إخراج، يعني: ما بعده ما بعد الأداة ليس داخلاً فيما قبله، جاء القومُ إلا زيدًا، زيدًا ليس من القوم هنا (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي) دخل فيهم الشافعي (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)، إذًا ترجيح لما بعدها عما قبلها، فيزيد حثًّا على متابعة زيد لكون الشافعي قد اختار مذهب زيد دون غيره من الصحابة، فإن الذي بعدها داخلٌ فيما دخل فيه ما قبلها ومشهودٌ له بأنه أحق بذلك من غيره، (لاسيما) يعني لا مثل هذه الشهادة، (لاسيما) بنصب سيَّ (لاسيما) بنصب سيّ، بلا النافية للجنس لأنه مضاف، لأنه مضافٌ ونكرة، فلا نافية للجنس، وسيَّ اسمها وما موصولة مضافٌ لها (لاسيما) سيَّ هذا نكرة وهو مضاف، مضاف نكرة، وما اسم موصول بمعنى الذي مثل: لا صَاحِبَ دَارٍ، لا صَاحِبَ عِلْمٍ مَمْقُوتٌ. ما حكمُ صاحب هنا؟ ما حكمه من حيثُ الإعراب؟

.

ما حكمه من حيث الإعراب؟ هذا نوعه، منصوب، الحكمُ من حيث الإعراب النصب (لاسيما)، إذًا سيَّ هذا منصوب، وهو نكرة منادى مضاف، وما اسم موصولٌ بمعنى الذي مضافٌ إليه، أو ما زائدة، ما تعتبر زائدة، أي: لا مثل لهذه الشهادة، فتكون تأكيدًا لها، أي: للشهادة، تكون تأكيدًا للشهادة، (لاسيما) قال:(وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي). (وَقَدْ نَحَاهُ) الواو هنا واو الحال، (وَقَدْ) للتحقيق، و (نَحَاهُ الشافِعِي) جملة فعلية، نحا فعلٌ ماضي، و (الشافِعِي) فاعل، والهاء الضمير هنا متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.

لاسيما زيدٌ، لاسيما زيدٍ، لاسيما رجلاً، يأتي بعدها اسمٌ مفرد وهنا جاء بعدها جملة، (لاسيما) ما جاء بعدها مفرد، جاء بعدها ماذا؟ جملة، وهل يصح أولا يصح؟ الصحيح صحة وقوع الجملةِ بعد سيَّما هذا هو الصحيح، وهذا ورادٌ في لسان العرب، الصحيح وقوع الجملة بعدها كما ذكره الناظم هنا (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي) والمعنى هنا خصوصًا، أي: أَخُص زيدًا الأولوية الإتباع خصوصًا، (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي) والمعنى هنا خصوصًا، أي: أخص زيدًا بأولوية الإتباع خصوصًا، والحالُ والشأنُ أنه قد نحاهُ الشافعي، فثَمَّ خصوصيتان لزيد:

خصه بما سبق من النصوص.

ص: 7

وخصَّه بزيادةٍ أخرى، وهي كون الشافعي الإمام المعروف قد نحاهُ.

يعني: مال إلى مذهبه، فصاحب الحال محذوف، [وإذا وقع بعدها] هذا إذا وقع بعد جملة، وإذا وقع بعدها اسمٌ مفرد لا سيما زيدٌ، لاسيما زيدٍ، لاسيَّما رجلاً، تأخُذَها؟ لا سيَّما زيدٍ إذا وقع بعدها اسمٌ جاز فيه الجرُّ بإضافة سيّ إليه فتكون ما زائدة، فتكون فاصلة بين المضاف والمضاف إليه، لاسيما زيدٍ، مثل: لا غلامَ زيدٍ، ففصلت ما الزائدة بين المضاف والمضاف إليه، لاسيَّ ما زيدٍ لاسيَّ زيدٍ هذا الأصل، لاسيّ زيدٍ، زيدت ما ففصلت بين المضاف والمضاف إليه، لاسيما زيدٍ، فتكون ما حينئذٍ مزيدة، ويجوز فيه الرفع، لاسيما زيدٌ هو زيدٌ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف، لاسيما زيدٌ خبر لمبتدأ محذوف والجملة صلة لما، إن كانت موصولة أو صفة؟ إن كانت نكرة أحسنت، لاسيما زيدٌ لاسيّما هو زيد، حينئذٍ ما هذه إما أن تكون موصولة فتحتاج إلى جملة الصلة، وجملة الصلة هي المبتدأ مع الخبر لاسيما هو زيدٌ، ويحتمل أنها نكرة، وإذا كانت نكرة الجُمَلْ بعد النكرات صفات لاسيما زيدٌ، طيب على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف والجملة صلةٌ لما على جعلها موصولة أو صفة لها على جعلها نكرة موصولة، وجاز فيه أيضًا إن كان نكرةً النصبُ على التمييز وما كافّة لاسيما رجلاً، أما لاسيّما زيدًا لا، إما جرّ وإما رفع، وأما إذا كان ما بعدها نكرة جاز فيه النصبُ على التمييز، وأما زيدًا لا يصح لأنه معرفة والتمييزُ لا يكونُ إلا نكرة، وما حينئذٍ تكون كافّة، وعلى كُلِّ الأحوال الثلاثة الخفض، والرفع، والنصب، فلا نافية للجنس وسيَّ اسمها منصوبٌ بفتحة ظاهرة على الوجهين الأولين الخفض والرفع، ومبنيٌ على الفتح في محل نصب على الوجه الأخير لاسيما رجلاً، لماذا؟ هنا مبني لاسيما رجلاً، لاسيما زيدٍ زيدٌ منصوب فتحة ظاهرة، لأنه مضاف ومضاف إليه، فالفتحة ظاهرة واضح بيّن لاسيّما زيدٌ، سيّما نقول: سيّ هنا فتحة ظاهرة منصوبة بفتحة ظاهرة، لاسيما زيدٌ فتحة ظاهرة كذلك، أما لاسيما رجلاً مثل قولك: لا رجل في الدارِ. لأن ما هذه كافّة، كفّت الأول عن إضافته للثاني، فنُصِبَ ما بعده، إذًا لا علاقة بسيَّ ورجل فصار ماذا؟ صار مفردًا، مثل لا رجلَ، ولا رجل هذا يكون الفتحة هذه نصب ظاهر أو محلي؟ [أنتم، ما أنتم معي] إلا رجلَ في الدارِ، رجُلَ اسمُ لا مبنيٌّ على الفتح في محل نصب، مثلها لاسيما رجلاً، مثلها لاسيما رجلاً سيَّ اسم لا مبنيٌ على الفتح في محل نصب، لماذا؟ لكونه نكرة، فالحالُ واحدٌ، لأنه غيرُ مضاف والخبر في الكُلِّ محذوف في هذه الثلاثة الأحوال محذوف، والتقدير على الوجه الأول لاسيَّ، أي: لا مثلَ، سيَّ بمعنى مثل، لا مثلَ زيدٍ، أو رجل موجودٌ، وعلى الثاني لاسيّ الذي، أو شيء هو زيد، أو رجلٌ موجودٌ، وعلى الثالث لاسيما رجلاً موجودٌ، (لاسيما وَقَدْ نَحَاهُ)(نَحَاهُ)، أي: مال إليه قصده، (نَحَاهُ) هل الضمير يعود على زيد أو مذهب زيد؟ يحتمل، إذا قلت: على زيد.

ص: 8

لا بد من التقدير، يعني: على مذهب زيد، نحا مذهب زيد، لأنه هو ما اختار زيد ذات زيد، وإنما اختار ماذا؟ أقواله، والأقوال هي المعبّر عنها بالمذهب، إذًا (وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)، أي: نحا وقصد ومال إلى مذهب زيد، (وَقَدْ نَحَاهُ) قصد مذهبه تقيدونه بعد النظر هكذا الشافعية لئلا يقول مقلِّد بعد النظر، وهو كذلك الشافعي رحمة الله تعالى ما يأخذ الأقوال هكذا، وإنما يُنْظرُ فيها بعد النظر في الدليل، (وَقَدْ نَحَاهُ)، يعني: قصد مذهبهُ بعد النظر، أو زيدًا على تقدير مضاف،

(نَحَاهُ)، يعني: نحا مذهب زيد، على تقدير مضاف، أي: مذهب زيد، (الشافِعِي)، يعني: الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافعي ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، ابن قصي الشافعي القرشي المُطلبي والحجازي المكي رضي الله تعالى عنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبدِ مناف.

ومناقبه شهيرة وفضائله كثيرة وصنف الأئمة في مناقبه قديمًا وحديثًا.

ولد رحمه الله تعالى سنة خمسين ومائة، خمسين ومائة، مائة وخمسين في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة رحمة الله تعالى، مائة وخمسين هذا يموت وهذا يولد، والذي عليه الجمهور أنه وُلد بغزة، قيل: بعسقلان، قيل: باليمن، قيل: بالخيف بمنى، ثم حُمِلَ إلى مكة وهو ابن سنتين وتوفي بمصر ليلة الجمعة بعد الغروب آخر يومٍ من رجب سنة أربعٍ ومائتين وهو ابن أربعٍ وخمسين سنة، هذا الإمام الشافعي قد اختار مذهب زيد دون غيره من المذهب، (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي ** لاسيما) لا مثل هذه الشهادة السابقة ليس لها مثل، (وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)(نَحَاهُ)، أي: قصد مذهبه الإمام الشافعي، وهو أولى بالإتباع كما هو ظاهرُ كلامه.

يقول الشارح: ومعنى كون الشافعي رحمه الله نحا مذهب زيد أنه قصده ومال إليه موافقةً له في الاجتهاد، هذا الظنّ به رحمه الله تعالى، لأنه يرى أن القياس كالميتة، فمن باب أولى القياس دليلٌ شرعي، هو أعلى حُجِّيَةً ومرتبة من قولِ زيد، لأن قول زيد قول صحابي وهو مختلفٌ في حجيته، وأما القياس فهو مجمعٌ على حجيته لا إشكال فيه، ويقول في القياس أنه كالميتة، يعني: لا يُلجأ ويلتجأ إليه إلا عند الضرورة كما أن الميتة الأصل فيها التحريم لأنها نجسة ولا يُلجأُ إليها إلا عند الضرورة وهي المخمصة كذلك القياس، حينئذٍ من باب أولى أن الشافعي الإمام المعروف صاحب كتاب ((الرسالة)) وأول من صنف في أصول الفقه أنه لا يقلد صحابيًّا البتة، وإنما يُنظرُ في قوله مع دليله، فإن وافق الدليل أُخذَ به وإلا تُركْ.

فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ عَنْ إيجَازِ

مُبَرَّأً عن وصْمَةِ الألغَازِ

ص: 9

(فَهَاكَ) الفاء فاء الفصيحة، يعني: أفصحت عن جواب شرطٍ محذوف، أي: إذا أردت بيان مذهب زيد، (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ) هاك ها هَا لوحدها اسمُ فعل أمر، بمعنى خذ، (فَهَاكَ) أصول الفقه لفظ اللقب، هاك أي: خُذ، (فَهَاكَ) اسمُ فعل أمر، والكاف حرفُ خطاب، ثَمَّ خلاف هل الكاف داخلة في مسمى الفعل أو لا؟ لكن التحقيق والصواب أنها ليست داخلةً في مسمى الفعل، والتحقيق أن اسم الفعل ها فقط، وأما الكاف فهي حرف خطاب مفتوحة مع المذكر هاكَ، ومكسورة مع المؤنث هاكِ، وتثنى وتجمع هَاكُمَا هَاكُمْ، هَاكُمَا هذا للمثنى، هَاكُمْ هذا للجمع، وقد تبدل الكاف همزة ومنه:{هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، {هَاؤُمُ} هاؤمْ ؤمْ الهمزة هذه منقلبه عن الكاف، أصلها هَاكُم اقرءوا كتابيه، خذوا اقرءوا كتابيه، {هَاؤُمُ} نقول: الهمزة هذه مبدلة عن الكاف، وهي لغة ثابتة صحيحة وقد جاءت في القرآن، (فَهَاكَ) خذ، (فِيهِ) ضمير إما أنه يعود على علم الفرائض، وإما أنه يعود على مذهب زيد، وإما على مذهب الإمام الشافعي، لأنه أراد أن يؤلف هذه المنظومة على سنن أقوال الشافعي رحمه الله تعالى، فيحتمل هذا ويحتمل ذاك (فَهَاكَ فِيهِ)، أي: في فن الفرائض لأنه أراد أن يؤلف هذا النظم فيه، (فَهَاكَ فِيهِ)، أي: في مذهب الإمام الشافعي، لأن المصنف الناظم شافعي أراد أن يصنف على مذهب إمامه، (فَهَاكَ فِيهِ) في مذهب زيد، لكن هذا الثالث ليس بظاهر، لأن المصنف متأخر، ومذهب زيد ليس قائمًا بنفسه حتى يحتاجُ إلى تصنيف، فإما أن يعادُ الضمير على علم الفرائض، أو على مذهب الإمام الشافعي، لأنه هو المعتبر، المذاهب أربعة وما عداها فهي مندثرة، مذهب الإمام أحمد، أو أبو حنيفة رحمه الله تعالى، مذهب الإمام مالك، مذهب الإمام الشافعي، مذهب إمام أحمد. أربعة مذاهب مخدومة أقوال أصحابها محفوظة ومقررة بأدلتها، وما عداه فهو ماذا؟ فهو مدثور يعني: صار نسيًّا منسيًّا، وهذا الذي أراده ابن رجب إن صحت الرسالة إليه في إتباع المذاهب الأربعة، ابن رجب لاشك أنه من أهل الحديث لا يرى وجوب التقليد، يرى أنه لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، فإذا مرَّ بك قول قال الزهري وقال الليث وقال

إلى آخره، هذه قد يحتج بها البعض ويكون احتجاجه فيه نظر، لماذا؟ وهذا أشار إليه ابن رجب رحمه الله تعالى في تلك الرسالة، وإن كان بعضهم يشكك في صحة نسبته إليه، لكن الذي أرادهُ ليس هو عدمُ جواز الخروج عن المذاهب الأربعة لذات المذاهب، ولو وُجِدَ مذهب خامس أو سادس محفوظ مخدوم بالأقوال ما أراد هذا ابن رجب أبدًا، إنما أراد ماذا؟ يقول أقوال الزهري وأقوال الليث وأقوال غيره هذه مبتورة ونُقِلَ التحريم عن الزهري، طيب الزهر يحتج بماذا؟ هل يمكن أن يأتي شخص يقول: الراجح قول الزهري؟ إذا ما نُقِل تخريج لهذا القول حينئذٍ صار هذا القول ملغي، نحنُ لا ننظرُ إلى أقوال أشخاص نحن نريدُ ماذا؟ الوصول إلى حكم شرعي، والحكم الشرعي يكون الأساس فيه والمتكأ والمعتمد هو الكتاب والسنة، فينطلق الفقيه من النظر في الكتاب والسنة، فإذا قيل: وقال به الزهري و .. و .. و ..

ص: 10

إلى آخره، أو ذهب إلى التحريم، أو للكراهة، أو للوجوب لا بد من نقل مع قول الزهري دليله لننظر فيه هل يُسلّمُ له أو لا؟ يحتمل أنه قال بالوجوب اعتمد على حديث ضعيف فسقط القول، ويحتمل أنه قال بالوجوب ولم يلتفت أو لم يصل إليه القرينة الصارفة التي تصرف الوجوب إلى الندب، أو قال بالتحريم وعندنا قرينة صارفة للكراهة، أو قال بالكراهة وليس ثَمَّ قرينة واضحة بينة تصرفهُ إلى الكراهة بل هو على التحريم، فإذا نقل قول لواحد من الأئمة غير الأربعة الذين خُدِمت أقوالهم وبين وجه الاستدلال بالكتاب والسنة من حيث هذه الأقوال حينئذٍ لا يعتمد ولا يعتبر مذهب، فلا يقال مذهب الزهري كذا أو كذا إلى آخره، لا بد من نظر في الدليل، وعليه نقول: لا ينبغي الخروج عن المذاهب الأربعة. هذا تقييد كلام ابن رجب، لا ينبغي الخروج عن المذاهب الأربعة، لأن هذه الأقوال حُفِظَتْ، محفوظة ونُظِرَ في مدى استناد هذه الأقوال إلى الأدلة، بل وحفظت الأصول التي استنبطوا بها الأحكام الشرعية لهؤلاء الأئمة الأربعة، وأما من عداهم فلا، نحن ليس عندنا مثلاً أقوال الزهري محفوظة من حيث التأصيل، أصول الإمام أحمد، أصول الإمام الشافعي محفوظة نعرف ما الذي متى يقول بالوجوب متى لا يقول، الإمام أحمد ترتيب الأدلة عنده كلها محفوظة هذه، أما الزهري والليث وغيره نقول: هذه ليست محفوظة، وعليه لا يخرج إليها مع ترك المذاهب الأربعة، هذا مراد ابن رجب رحمه الله تعالى وله حظ من النظر، يعني: إذا وُجِدَ قول محفوظ لغير الأئمة الأربعة ولم يُنقل معه دليله ووجه الاستدلال أو .. أو .. إلى آخره مما يعتمده الفقيه لا يلتفت إلى هذه القول، لأن أقوال مجردة هكذا هذا ممكن يفرحُ به المقلَّدة، وأما من أراد الدليل فلا، التحريم حرام واجب إلى آخره نقول: لا، ولذلك إذا مرت معك مثل هذه الأشياء في الموسوعات الفقهية لا تشوش عليك، خاصةً إذا لم ينقل عن صحابي يقول بهذا القول، لأنه لو وُجِدَ قول صحابيٌ ممكن وصحَّ ممكن نحن نجتهد في ماذا؟ في بيان ما استند إليه الصحابي، وهذا كثير موجود حتى عند الأئمة الأربعة، ينقل قول ثم قد لا يُبيَّن مدى استناد هذا القول إلى نصٍّ من كتابٍ أو سنة، بفهمنا لطريقة الإمام نستطيع أن نجعل لهذا القول دليلاً شرعيًّا، وهذا لا إشكال فيه، لأن الأئمة لهم طرق ليست الأمور عندهم فوضى هكذا يرجح صباح مساء ويختلف إلى آخره، ليست الترجيح أو الترجيحات عندهم بالعشوائية، لا لهم منهج ولهم طريق، حينئذٍ يمكن أن تستدل لقولٍ لم ينقل دليله عن الإمام أحمد ببيان طريقته التي اعتمدها في التفقه، وهذا واضح بين ولا إشكال فيه ولا يعترض على هذا.

ص: 11

(فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ)(القَوْلَ)، أي: خذ القول، (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ)(فِيهِ) هذا جار ومجرور صفةً للقول بعده، فهاك القول فيه، جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للقول بعده، والتقدير فخذ القول الكائن فيه، أي: في مذهب زيد مثلاً، ويكون من ظرفية الدال في المدلول، هذا محتمل أن يكون الجار والمجرور صفة، وإذا أعربته حال حينئذٍ لا إشكال فيه، لأن النكرة إذا تقدمت صفتها صارت حالاً، وهذا لو تأخر عُرِبَ حالاً القول فيه، (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ)، فهاك القول فيه، فيه جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، أليس كذلك؟ كائنًا فيه على كلٍّ، (فَهَاكَ فِيهِ) الأظهر تعلقه بمحذوف صفة من قوله: بعد #38.53. هكذا قال البيجوري، والتقدير فخذ القول الكائن فيه، أي: في مذهب زيد، ويكون من ظرفية الدال في المدلول، (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ)، (القَوْلَ) هذا مفعول به لاسم الفعل فعل الأمر لأنه ينصب يعمل عمل الفعل، وإن لم يكن فعلاً (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ عَنْ إيجَازِ)، يعني: بإيجاز، (عَنْ) هنا بمعنى الباء، أي: خذ القول ملتبسًا، ولك أن تجعل (عَنْ) بمعنى مع، أو الباء تجعل الباء بمعنى الملابسة أو بمعنى المصاحبة، فعن هنا بمعنى الباء، ثم تفسر الباء بمعنى الملابسة، أو بمعنى المصاحبة، أي: خُذِ القول ملتبسًا، أو مصاحبًا للإيجاز، وإنما قال بعن ولم يأتِ بالباء للوزن، ويجوز جعل عن على بابها، يعني: تكون للمجاوزة، أي: حالة كونه ناشئًا عن إيجاز (فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ عَنْ إيجَازِ) حالة كونه ناشئًا عن إيجاز، والإيجاز هذا إِفْعَال مصدر أَوْجَزَ يُوجِزُ إِيجَازًا، والمرادُ به الاختصار على المشهور، الكلام الموجز والكلام المختصر بمعنى واحد، وبعضهم يفرق بينهما والمشهور الأول (عَنْ إيجَازِ)، أي: اختصار، والمختصر ما قل لفظُهُ وكثُر معناه، يعني: شيءٌ قليل اللفظ، لكنه من حيث المعنى كثير، وهذا شأن المختصرات وهو أراد أن يختصر في هذا النظم مذهب الإمام الشافعي، أو علم الفرائض، حينئذٍ لا بد أن يأتي به على ألفاظٍ قليلة لكنها من حيث المعنى فهي كثرة، ما قل لفظهُ وكثر معناهُ.

(مُبَرَّأً عن وصْمَةِ الألغَازِ)(مُبَرَّأً) هذا اسم مفعول، (مُبَرَّأً)، أي: منزهًا، {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ} [الأحزاب: 69]، أي: نزَّهَهُ، فالتبرئة بمعنى التنزيه، (مُبَرَّأً) هذا حال، حال كون القول المذكور (مُبَرَّأً) منزهًا (عن وصْمَةِ الألغَازِ)(وصْمَةِ الألغَازِ)(وصْمَةِ)

ص: 12

واحدٌ الوصم، والوصمُ اسم جنس جمعي، بمعنى العيب فهو مبرأ منزه (عن وصْمَةِ) عيب (الألغَازِ)، يعني: المراد به أنه واضح جدًّا وهو كذلك، الرحبية من المتون الواضحة جدًّا التي لا تحتاج إلى شرح (الألغَازِ) جمع لُغْز بضم اللام وسكون الغين، لُغْز أَلْغَاز أَفْعَال، أو فتحها لُغَز، أو ضمها لُغُز، فيها ثلاثة أوجُه مع ضم اللام لُغْز، لُغَز، لُغُز، ثلاثة أوجه، أو بفتح اللام مع سكونِ العين أو فتحها لَغْزْ، لَغَزْ، لَغْز بفتح اللام وإسكان الغين، أو لَغَز، هذا المشهور وزاد بعضهم بعض اللغات، والمراد باللُّغز لُغَز رطَب وهو الكلام المُعَمَّى الذي قد يفهم منه خلافُ ما قُصد به، وهذا يعتبرُ عيبًا في الكلام نقص، إذا كان الإنسان يتكلم فيفهم منه شيءٌ غير ما أراده، نقول: هذا عيبٌ في الكلام إلا إذا كل خلل من الذي يفهم، الكلم واضح وثَمَّ خلل عنده هذا راجع إليه، ليس كلما فُهِمَ شيء من متكلم خلاف ما أراد معناه الخلل فيه، لا قد يكون في نفس الذي فهم، إذًا اللُّغْز هذا شيءٌ قد يكون وصفًا للكلام يخرجه عن كونه واضحًا بينًا، فيفهم منه خلاف المراد، يقال: أَلْغَزَ في كلامه عمَّى وشبه فيه، عمّى على غيره تعمية وشبه فيه.

فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ عَنْ إيجَازِ

مُبَرَّأً عن وصْمَةِ الألغَازِ

وصمةٍ هي الألغاز، والإضافة حينئذٍ تكون بيانية وصمة هي الألغاز فالإضافة للبيان، وهنا (وصْمَةِ الألغَازِ) أقل الجمع ثلاثة، إذًا ليس منزهًا عن لغز ولغزين، بل هو منزهٌ عن (وصْمَةِ الألغَازِ) كثير جمع، أَلْغَاز أَفْعَال، وأقل الجمع ثلاثة، نقول: أل هنا للجنس، فتصدق حينئذٍ بالواحد،

(عن وصْمَةِ الألغَازِ) ولو كان لغزًا واحدًا، ومعنى البيت وخذ القول في علم الفرائض على مذهب زيدٍ جمع بينهما بن ثابت رضي الله تعالى عنه قولاً مختصرًا واضحًا كثير المعنى منزهًا عن عيب الخفاء، إذًا هذا ما يتعلق بـ أواخر بيتٍ بمقدمة الناظم رحمه الله تعالى، وهذا ما يسمى بمقدمة الكتاب، وهي أن يذكر المصنف ما الذي أراده في هذا الكتاب فيأتي بالحمدلة والبسملة والشهادتين والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبين ماذا أراد، في أي شيء يؤلف، وينظم، ويكتب، ويشرح، ونحو ذلك، فإن كانت له مصطلحات خاصة بَيَّنَهَا في المقدمة، وإن لم يكن فحينئذٍ لا إشكال.

وبقي علينا مقدمة العلم التي هي: الحد، والموضوع، والحكم، والاستمداد، ونحو ذلك.

مبادئ كل فنٍّ عشرة

الحدُّ والموضوعُ ثم الثمرة

وفضلُهُ ونسبة والواضع

والاسم الاستمدادُ حكمُ الشارع

مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ اكتفى

ومن درى الجميع حاز الشرفا

ما هو علمُ المواريث؟ العلم الذي أراد أن ينظم فيه المصنف هو علمُ المواريث، لذلك يسمى علم المواريث، ويسمى علم الفرائض، وهو: العلمُ بقسمة المواريث، هكذا عرّفه في الزاد، العلمُ بقسمة المواريث، وقيل: هو فقه المواريث، والفقه والعلم متقاربان، والمواريث جمع ميراث، وهو: المال المخلّف عن ميَّتٍ، فكلُّ ما خلّفه الميِّت يسمى ميراثًا، وشرعًا يسمى بمعنى التركة، شرعًا بمعنى التركة، فيطلق عليه أنه ميراث، ويطلق عليه أنه تَرِكةَ.

ص: 13

فقه المواريث قلنا: مواريث جمعُ ميراثُ، والمراد به المال المخلّف عن ميّت شرعًا بمعنى التركة، ويقال له: التراث. تراث وأصل التاء فيه واو، أصل التاء منقلبة عن واو هنا مثل التقوى، والميراث مصدر وَرِثَ الشيء وِراثةً وَمِيرَاثًا وَإِرْثًا، ميراث إذًا هو مصدر، وَرِثَ الشيء وِراثةً وَمِيرَاثًا وَإِرْثًا، والإرثُ هو المال المخلّف عن الميّت، فالميراث والإرث بمعنى واحد، إذًا فقهُ المواريث، أو العلمُ بقسمة المواريث، فقه المواريث، المواريث عرفنا أنه المراد به المال الذي يخلّفهُ الميِّت، فحينئذٍ أيهما أولى معلّق بعلم الفرائض، هل هو فقه المال الذي خلّفه الميت أو العلم بقسمة المال الذي خلّفهُ الميِّت؟ الثاني، والثاني أولى بالاعتبار، فيقالُ: علمُ الفرائض، أو علمُ المواريث هو: العلمُ، والعلم المراد به مُطلق الإدراك، ولكن المرادُ به هنا التصديق، لأنّ التصديق والتصوّر داخلان في مفهوم العلم، والمراد به هنا التصديقات، العلمُ بقسمة المواريث، وهل علم الحساب داخلٌ فيها أو لا؟ علم الحساب هل هو داخل في مفهوم الفرائض والمواريث أو لا؟ من حيث كونُهُ علمًا لاشك أنه داخل، لأنك إذا قلت: العلم بقسمة المواريث، للأم الثلث، وللبنتين الثلثين، والجدة السدس، إذا ما يعرف إيش معنى السدس ولا يفرق بينه وبين الثمن، كيف حينئذٍ يفهم المواريث؟ كيف يفهم؟ ما يمكن، إذًا لا يمكن استيعاب هذا العلم إلا بمعرفة الحساب، والمراد بالحساب هنا ليست المتراجحات مُثلث قُطرب .. إلى آخره، نقول: لا، المراد به ما يحتاجه الْفَرَضِي من الضرب والجمع والطرح ونحو ذلك والقسمة كذلك داخلةٌ في مفهوم ما ذُكر، إذًا العلمُ بقسمة المواريث وعلمُ الحساب [الموصِلِ أو] الموصِلُ وعلم الحساب الموصِلُ إلى قسمتها بين مستحقيها، لأن هذه القسمة موقوفة على علم الحساب، لا يمكن أن تقسم قسمة صحيحة معتبره شرعًا إلا إذا عرفت أن تمييز بين الضرب والطرح، وأما إذا كنت تخلط بين هذا وذاك، نقول: حينئذٍ لا يمكن أن توصل الحقوق إلى أصحابها، هذا مُحال، إذًا العلمُ بقسمة المواريث وعلمُ الحساب الموصلُ إلى قسمتها بين مستحقيها، أو علم الحساب الموصل لمعرفة ما يخص كل ذي حقٍّ من التركة والمراد به إيصالُ الحق إلى أصحابه.

موضوع علم الفرائض: التركات، التركة الذي هو المال الذي خلّفه الميِّت، في أي شيء يبحث علم الفرائض؟ هل نبحث عن الحساب؟ لا، قد قال بعضهم لإدخال الحساب في الموضوع كما أدخل في الحد، وليس الأمرُ كذلك، فرقٌ بين فقه الفن نفسه وبين فقه موضوع الفن، فإذا أردنا أن نعرف ما الذي يبحث عنه الفرضي؟ يبحث في المال الذي خلّفه الميّت التركة فقط، هل تعلَّق بها حق الورثة أو لا؟ حينئذٍ نظره في هذه المسألة يكون من هذه الجهة، وأما الحسابُ والطرح ونحو ذلك فهذا لا دخل له في موضوع الفرائض، وموضوعه التركات لا العدد خلافًا لمن زعم ذلك.

وثمرتُهُ: إيصال الحقوق إلى أصحابها.

ص: 14

والواضع: هو الله عز وجل، ليس كسائر العلوم إنما هي مردّها إلى الربّ جل وعلا، هو الذي قسّم المواريث وبين من هم أصحاب الأنصبة، وبين نصيب كل شخص الثمن، والسدس، والربع، هذه ليست محل اجتهاد ولا يدخلها القياس البتة، وإنما أصحابها مخصصون ومبينون ومُحدَّدُون من سابع سماء، نقول: إذًا الواضع هو الله عز وجل، وثلاث آيات في القرآن في سورة النساء جمعت هذه الأحكام.

استمداده: الكتاب والسنة والإجماع

، لا قياس هنا، لا قياس، ولذلك سيأتي أن باب الجد والإخوة أنهم لا يرثون الصحيح لا يُنَزَّل مُنَزَّلة الأب.

حكمه: فرض كفاية، إذا علمه البعض سقط عن الباقين، فهو من فروض الكفاية، وليس فرض عين إلا إذا لم يوجد في البلد من يقسم المواريث بين أصحابها حينئذٍ تعين على الكل، فلا بد من نَصْبِ إمام أو قاضي يقسم بين الناس على قدر ما يحتاجونه، فإن كانوا يحتاجون إلى اثنين حينئذٍ لزمهم الاثنان، إن كانوا يحتاجون إلى عشرة لزمهم العشرة، إن كانوا لا يحتاجون إلا واحد بلد صغير واحد يكفيهم، ما يموت كل ساعة شخص يحتاج إلى .. قد يكون هذا لكن التركة قد لا تكون موجودة، فحينئذٍ نحتاج إلى واحد إذا لم تكن ثَمَّ حاجة.

الاسم: علم المواريث، وعلم الفرائض، الفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، أي: مقدرة فهي نصيب مقدر شرعًا لمستحقه، وسيأتي الكلام في التعصيب أنه فرضٌ حكمًا.

مسائلهُ: ما يُبحثُ في الفنِّ من قسمة التركات ونحوها، في كل باب سيذكر التقسيم ونحو ذلك.

فضلُهُ: كما سبق ما ورد فيه من الآيات، وكون هذا العلم قد تبنى الله عز وجل قسمته من سابع سماء.

ص: 15

هذا ما يسمى بمقدمة العلم، ثَمَّ مسألة كذلك تذكر وهي تُقدم عند أصحاب الفرائض وممن كتب في هذا الفن ما يذكرونه من أركان أَركان الإرث، وشروط الإرث، وأسباب الإرث، وموانع الإرث، يذكرون قبلها الحقوق المتعلقة بالتركة، لأنه ثَمَّ حقوق غير الإرث الذي هو الميراث الذي يوزع بين أصحابه بين الورثة ثَمَّ حقوق قد لا يبقى لهم شيء إذا قلنا: الميراث هو المال الذي خلّفه الميت، مات هلك هالك وترك خمسين ألفًا، مباشرة هذه توزع على الابن والزوجة وكذا؟ لا، قبل ذلك هل عليه حقوق ديون لله عز وجل أو ديون للخلق حينئذٍ تستوفى ولو لم يبقَ شيء ثم بعد ذلك يُنظر في حال الورثة إن بقي لهم شيء أعطيناهُم، وإن استوفت هذه الحقوق جميع الخمسين نقول: ما بقي شيء. إذًا هل كل مالٍ يُخَلِّفُهُ الميت يكون إرثًا توزع؟ لا، ثَمَّ حقوق لا بد من معرفتها، وهذه مجمعٌ عليها خمسة حقوق، لكن ثَمّ خلاف في ترتيب الأول والثاني فقط عند الحنابلة والأئمة الثلاث، إذًا الحقوق المتعلقة بعين التركة وترتيبها، التَّرِكة بفتح التاء وكسر الراء تَرِ، تَرِكة بفتح التاء وكسر الراء مصدر بمعنى الْمَفْعُول، أي: متروكة، تركة فهي متروكة، متروكة نعم تركها ومشى نقول: هذه تركة لأنه مال بقي بعد الميت مالٌ خلفهُ الميت، والمال هنا كالمال الذي يصح أن يقع عليه العقد، يعني: قد يكون منفعة، وقد يكون عينًا، المال نفسه الحكم واحد قد يكون ماذا؟ قد يكون عينًا وقد يكون منفعةً، إذًا مصدر بمعنى المفعول، أي: متروكة وهي ما يخلفه الميت من مالٍ - هذا واضع عين - ترك مال نقود، أو ترك عمارة عقار، أو ترك أرضًا، هذا واضح بيِّن، أو ديةٍ تؤخذُ من قاتلِهِ لدخولها في ملكه تقديرًا، هلَكَ هالِك مات بفعل فاعل حينئذٍ رُتبت الدية هو مات والدية متى وجدت؟ بسبب موته، إذًا استحقها بسبب موته، هل هي تركة أو لا؟ نقول: تركة. خلفه الميت أو لا؟ نعم خلفه الميت فهو داخلٌ، إذًا الدية هذه داخلةٌ في مفهوم التركة، أو دية تؤخذ من قاتله لدخولها في ملكه تقديرًا، يعني: كأنه قد استلمها وهو حي ثم بعد ذلك خلّفها، وهذا لا خلاف بين أهل العلم أن الدية تعتبر داخلةً في ملك الميت وأنها تركة، حينئذٍ لو لم يكن عنده إلا هذه الدية يُنظر فيها من هذه النظر هل عنده ديون أو لا؟ أو حقٍّ كخيار وشفعةٍ وقِصاصٍ وحدِّ قذفٍ أو اختصاصٍ كالسرجي، هذه يأتي شرحها في باب البيع، الخيار هل يورث أو لا؟ خيار المجلس، خيار العيب .. إلى آخره، المراد هنا أن التركة ليست خاصة بشيء اسمه مال من نقدٍ أو غيره، بل يشمل ما هو دية ويشمل ما هو حقٌ كخيارٍ وشفعةٍ وقصاص مطالبة بقصاص مثلاً مطالبة بالشفعة هذه كله تورث وفيها خلاف بين أهل العلم، هل هذه تورث أو لا؟ فإذا كان للميت تركة فأكثر ما يتعلقُ بها حقوقٌ خمسة مرتبة على النحو التالي.

ص: 16

الأول عند الحنابلة: مُؤَن التجهيز، تجهيز الميت إذا مات يحتاج إلى مُغَسِّل، وقد لا يوجد مغسل متبرع إلا بمال، يحتاج إلى شراء كفن، يحتاج إلى حَفْرِ قبر، قد لا يوجد متبرع لا بد بمال، قد يحتاج إلى حَمَّال يحمله سيارة نقل يحملونه من المسجد إلى المقبرة، قد لا يكون هذا موجودًا على جهة التبرع والاحتساب، حينئذٍ أول ما يُخرج من التركة مُؤَنُ التجهيز، فكل ما يتعلق بتجهيزه فهو مقدم على غيره عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى، الأول عند الحنابلة مُؤَنُ التجهيز من كفن، وأجرة مغسل، وحَمَّال، وحفر قبرٍ، ونحوه بمعروفٍ لمثله، يعني: بما يستحقه، فإذا كان ثَمَّ عرف بين الناس بأن من حفر القبر له مثلاً خمسون لا يأتي يُعطى مائة مثلاً لا يُتبرع له، لماذا؟ لكون هذا المال قد تعلقت به عِدَّتُ حقوق، فحق مُؤنُ التجهيز يعطى لمن أراد المال بمعروفٍ لمثله، يعني: بما تعارف عليه الناس، فإذا تعارف الناس أنه يحمله بالسيارة بعشرين ريال مثلاً ما يعطيه خمسين فإن أعطاه وزاده ثلاثين يضمنها من أعطاه يردها إلى التركة، لماذا؟ لكون ثَمَّ حقوقًا أخر تعلقت بهذا، كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه، ولباسُ المفلِسِ مقدمٌ على قضاء ديونه كذلك كفن الميت، يعني: من باب الاجتهاد، هذا من باب الاجتهاد، المفلس شخص عليه ديون فشكوه الناس إلى قاضي حينئذٍ ديونه كثيرة وعنده مائة ريال هذه المائة يا دوب تعشيه وتغديه وتفطره، هل نقول: أعطِ الناس هذه المائة قضاء الدين أو ما زاد على المائة؟ ما زاد، لأنه ماذا؟ نفقته هذه مقدمة على ديون غرمائه، فكما قُدِّمَ الحيُّ في ذلك فهو ميت من باب أولى وأحرى، فكما قُدم المفلس في كونه يحتاج إلى نفقة وهذه النفقة مقدمة على الديون التي تعلقت بماله حينئذٍ لو كان ميتًا الأمر كذلك، ولباس المفلس مقدم على قضاء ديونه، فكذلك كفن الميت، ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت، إذًا هذه حجةُ الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو المرجح في المذهب عند الحنابلة أن مُؤنُ التجهيز مقدمة على غيرها من الحقوق.

مسألة: وإن لم يخلِّف الميت تركة، ما عنده تركة حينئذٍ هذه الأمور مُؤن التجهيز كيف تكون كيف شأنها؟ إذا لم يكن عنده تركه لم يُخلف ولا فَلْسًا وهذه الكفن، والحفر .. إلى آخره بمال ماذا نصنع؟ فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقتُه في حال حياته، لأن ذلك يلزمه في حال حياته فكذلك بعد الموت، فمن تلزمه نفقته في حال الحياة هو الذي يتوجب عليه مؤن التجهيز فإن لم يكن له من تلزمه نفقته حينئذٍ مؤنة تجهيزه على بيت المال إن كان الميت مسلمًا، بيت المال، يعني: على جهة الدولة مثلاً الحكومة هي التي تتولى مؤن التجهيز، متى؟ إن كان مسلمًا، فإن لم يكن بيت مال ما عندنا بيت مال لا يوجد، فإن لم يكن بيت مال أو وُجد ولكن تعذر الأخذ منه فمؤنة تجهيزه على من علم بحاله من المسلمين.

ص: 17

إذًا الأول مؤن التجهيز عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى فهي مقدمة على غيرها من الحقوق، هذا إن وجدت عنده تركة، فإن لم توجد حينئذٍ نقول: على من تلزمه نفقته في حال الحياة، إن لم يوجد حينئذٍ على بيت مال المسلمين إن كان مسلمًا، فإن لم يوجد بيت مال أو تعذر الأخذ منه حينئذٍ يجب على من عَلِم بحاله الذي يعلم بحاله من المسلمين هو الذي يجب عليه، يعني: من عَرَف أن زيدًا مات حينئذٍ وجب عليهم كلهم أن يتبرعوا بحقوق أو مؤن التجهيز.

الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة: كالدين الذي به رهن، والأرش المتعلق برقبة العبد الجاني ونحوهما، الحقوق المتعلقة بعين التركة بذات التركة، وهذا مقدم كبيت مثلاً تعلق به الرهن رهنه جعل هذا البيت رهنًا، نقول: حينئذٍ هذا الدين المرسل تعلق بعين التركة بذاتها ليس بالذمة، بالذمة بأن يكون متعلقًا في رقبته بأي مال لم يتعين المال، وأما إذا جعل هذه الأرض مثلاً أو هذه العمارة رهنًا حينئذٍ نقول: تعلق بعين العمارة، بعين الأرض هذا يسمى ماذا؟ يسمى دينًا متعلقًا بعين التركة بذاتها هي التركة نفسها، لو رهن رجل عمارةً ثم مات وليس عنده إلا هذه العمارة حينئذٍ نقول: هذه العمارة قد تعلق بها حق بعينها بذاتها، نقول: هذا ماذا؟ دينٌ متعلق بعين التركة، ففرق بين الدين المتعلق بالذمة، ودين متعلق بعين التركة، يعني: التركة نفسها هي دين، هذا مقدم عند الأئمة الثلاثة على مؤن التجهيز، وعند الإمام أحمد متأخر، وهذا له حظ من النظر مذهب الأئمة الثلاثة له حظ من النظر، وإنما قدمت على ما بعدها لقوة تعلقها بالتركة حيث كانت متعلقة بعينها، وعند الأئمة الثلاثة تقدم هذه الحقوق المتعلقة بالتركة على مُؤن التجهيز، وهذا له حظ من النظر كما ذكرنا، لأن تعلقها بعين المال سابقٌ، أي: تعلقه بعين المال قبل أن يصير تركة، لأنه رهن الأرض، أو رهن العمارة مثلاً، ثم مات، ثم وجبت مُؤن التجهيز أيهما أسبق؟ الأول، لأن الرهن وهو حي، ومُؤن التجهيز وهو ميت، وأيهما أسبق؟ الحياة ولا شك أنه أسبق، إذًا لما تعلقت هذه الديون بعين التركة وهي أسبق كانت متقدمة من حيث الاستيفاء، وهذا تعليل واضح بين، ولذلك في الأول مُؤن التجهيز مقدمة ليس فيه إلا نظر واجتهاد لو كان ثَمَّ نص لا إشكال فيه، وإما هذا فحينئذٍ نقول: الأولى تقديمه على ما سبق. لأن تعلقه بعين المال سابقٌ، أي: تعلقه بعين المال قبل أن يصير تركة، والأصل أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة، الأصل الذي ينبغي اعتباره أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة، وعلى هذا فيقوم بمؤن التجهيز من تلزمه نفقة الميت إن وجد وإلا ففي بيت المال، يعني: إذا قيل بأن هذه التركة قد ذهبت لتعلق الدين بعين التركة راحت طيب مُؤن التجهيز على من؟ على من تلزمه نفقته قد يموت الابن حينئذٍ الأب يجب عليه النفقة فعلى الأب مُؤن التجهيز إن لم يوجد حينئذٍ بيت المال إن كان ثَمَّ بيتُ مال، إن لم يوجد بيت مال؟ على من علم بحاله من علم بحاله، على هذا الترتيب عند أهل العلم.

ص: 18

الثالث من الحقوق المتعلقة بعين التركية بالتركة بالتركة: الديون المرسلة، يعني: الدين المرسل، يعني: المطلق لزيدٍ عندي مالٌ، لم يعين، فرقٌ بين هذا وبين الثاني السابق، الأول دين متعلق بذات التركة، وهذا الثالث دينٌ متعلق بذمة الميت له عندي مائة ألف لم أعينها نقول: هذا يخرج من مجموع التركة، وأما ذاك الذي هو رهن لا تعلق بشيء معين ففرقٌ بينهما، الثالث الديون المرسلة وهي المطلقة التي لم تتعلق بعين التركة وإنما تعلقت بذمة الميت، ويتعلق بالتركة كلها الدين هذا يتعلق بمجموع التركة كلها ولا يقال بشيء دون شيء سواءٌ كانت لله هذه الديون المرسلة لله عز وجل كالزكاة رجلٌ مات وعليه زكاة، حينئذٍ نقول: يجب إخراج الزكاة من التركة، هل هي معنية من مالٍ معين؟ لا من مجموع لو كان موزع ماله راجحي أهلي .. إلى آخره نقول: من المجموع نخرج خمسين ألف مثلاً زكاة، فهذا دينٌ لله عز وجل تعلق بذمة الميت، والكفارة كذلك لو كان عليه كفارة عتق رقبة وسعرها عشرة آلاف وجب إخراجها من التركة من مطلق التركة، وكذلك الحج الواجب، أو كان لآدمي كان الدين لآدمي كالقرض والأجرة رجل اقترض فمات حينئذٍ نقول: يجب إخراج القرض الدين استيفاء الدين من مجموع التركة لا بذاته شيء معين، كذلك الأجرة وثمن المبيع ونحو ذلك، فإن زادت الديون على التركة ولم تفِ بدين الله ودين الآدمي هنا اختلف أهل العلم، قيل: حق الله عز وجل أو حق الآدمي مقدم على حق الله تعالى، لأن حق الله مبني على المسامحة العفو والمغفرة، وأما حق الآدمي لا ففيه مشاحة مطالبة فيه قضاء سيطالب إذًا لن يتنازل فهذا الأصل فيه، حينئذٍ قالوا: حق الآدمي مقدم على حق الله عز وجل. هذا المشهور عند بعض الفقهاء، والمذهب عندنا عند الحنابلة المحاصَّة أن يخرج لكل شخصٍ بقدر بنسبة بقدر ماله الذي تعلق بذمة الميت، وهذا سيأتي بحثه في المناسخات هناك، فالمذهب يتحاصون على نسبة ديونهم كما يتحاصون في مال المفلس في الحياة سواء كانت الديون لله أم لآدمي وسواء كان سابقًا أم لاحقًا، يعني: لا بد أن يجمع بين الأمرين، فيخرج بينهما بالنسبة، فالذي له مائة قد لا يخرج له إلا الثلاثون، والذي له مائتان قد يخرج له مائة وهو النصف، وهذا ما يسمى بالمحاصة ويأتي فيها كلام طويل، وإنما قُدِّمَ الدين على الوصية، الدين مقدم على الوصية هنا سواء كان الدين متعلق بعين التركة أو كان الدين مرسلاً، ثم يأتيك الثالث أو الرابع ما هو؟ الوصية، قُدِّمت الدين أو قُدِّم الدين بنوعيه على الوصية، لماذا؟ لما روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنكم تقرئون {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية. والآية فيها، الآية قُدِّمَت فيها الوصية على الدين، وإذا أردنا نحن أن نعمل نقدم الدين على الوصية، هل هذا مخالف؟ لا، ليس بمخالف، ولذلك قال عليّ: إنكم تقرئون {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (يُوصَى){يُوصِي} وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.

ص: 19

فالدين يخرج سواء كان لله أو لآدمي وسواء كان مطلقًا أو متعلقًا بعين التركة مقدم على الوصية، وهذا الحديث في إسناده مقال ولكن يعضده المعنى والإجماع، فأما المعنى فلأن الدين واجب على الميت والتبرع الوصية، هذا أمرٌ مستحب وأيهما أولى بالتقديم؟ الواجب مقدم على المستحب، فأما المعنى فلأن الدين واجبٌ على الميت والوصية تبرع منه والواجب مقدم على التبرع، وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على تقديم الدين على الوصية، فإن قيل في الآية قدمت الوصية على الدين ما الحكمة؟ ما العلة لا بد من حكمة، قيل: الجواب الحكمة في ذلك أن الدين واجبٌ والوصية تبرع، والتبرع في الغالب أنه يتساهل به، يتساهلون الناس في هذه الوصايا، والتبرع قد يتساهلُ فيه الورثة فلا يقومون بأدائه بخلاف الواجب، وأيضًا فالدين له من يطالب به بخلاف الوصية (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الدين سيأتي من يطالب، أما الوصية ما يدري قد لا يدري أنه أوصي له بكذا مثلاً، حينئذٍ قدم الرب جل وعلا الوصية على الدين للاهتمام بها وعدم التساهل فيها، وإن كان الدين من حيث الاستيفاء فهو المقدم على الوصية، هذا الحكمة في تقديم الوصية على الدين في النص القرآني الذي ذكرناه، وأما الإجماع نعم الإجماع سبق هذا ذكرناه.

ص: 20

الرابع من حقوق المتعلقة بالتركة [وهو الخامس نعم] الرابع من الحقوق الخمسة: الوصية بالثلث فأقل لأجنبي لغير وارث، الوصية بالثلث فأقل لأجنبي لغير وارث، لا بد من استيفاء هذا، بالثلث لا بزيادة، فأقل أقل من الثلث كالربع، لأجنبي لغير وارث، فإن تَخلف شرط من هذه الشروط بأن كان أكثر من الثلث أو كانت لوارث حينئذٍ الأصل فيه عدم الإجزاء عدم الصحة، ولا يجوز وهو محرم إلا إذا رضي الورثة، فأما الوصية للوارث فحرام غير صحيحة مطلقًا قليلةً كانت أو كثيرة، لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى حيث إن الله عز وجل قسم الفرائض وبين الأنصبة ثم قال:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ} [النساء: 13].

إلى قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14]. فالوصيةُ لوارثٍ من تعدي حدود الله {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} ، وهذا من تعدي حدود الله تعالى لأنها تتضمن ماذا؟ تتضمن زيادة بعض الورثة عما قسمه الله له وحدده له، الله أعطاه الثلث وأنت تزيده نقول: هذا فيه تعدّي لا شك في ذلك، وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه فلا وصية لوارث» . «فلا وصية» . لا هذه نافية، رواه الخمسة إلا النسائي والعمل عليه عند أهل العلم بالإجماع، لكن إن أجاز الورثة المرشدون الوصية لأحد من الورثة نفذت الوصية، حينئذٍ صارت معلقة بماذا؟ بإذن الورثة لأن الحق لهم المال سيأتي إليهم وهم أصحابه، حينئذٍ إن أذنوا وهم المرشدون الكبار العقلاء جاز لأن الحق لهم فإذا رضوا بإسقاطه سقط، ولحديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم:«لا تجوز وصية لوارثٍ إلا أن يشاء الورثة» . رواه الدارقطني وبعضهم يضعفه، وأما الوصية لغير وارث فإنها تجوز وتصح بالثلث فأقل ولا تصح بما زاد عليه، لأن الثلث كثير، كما جاء في حديث سعد «الثلث والثلث كثير». فيدخل ما زاد عليه بالمضارة إذا أعطاه النصف حينئذٍ ضار الناس أصحاب الورثة أصحاب الأنصبة تدخل عليهم المضرة فينقص فيدخل ما زاد عليه بالمضارة ولحديث ابن عباس أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير» . متفق عليه. فإن أجاز الورثة المرشدون الوصية بما زاد على الثلث صح ذلك لأن الحق لهم وسقط بإجازتهم لأن الحق متعلقٌ بعين التركة، واختلف العلماء متى تعتبر الإجازة؟ هل هو قبل الوفاة أم بعده؟ متى يجيز الورثة صحة الوصية؟ هل هو قبل الوفاة أم بعده؟ واختلف العلماء متى تعتبر إجازة الورثة وصية للوارث أو بما زاد على الثلث؟ مشهور المذهب عند الحنابلة أنها لا تعتبر إلا بعد الموت، فإن وجدت الإجازة في مرض الموت أو قبله حينئذٍ لهم الرجوع بعد الموت، فلو أوصى لشخص ما بزيادة على الثلث، أو أوصى لوارث وأجاز الورثة حينئذٍ نقول: هذه الإجازة غير معتبرة.

ص: 21

لماذا؟ لأنه قد يدخلها نوع الحياء والخجل، أليس كذلك؟ فالاحتمال موجود، حينئذٍ يكون الرضا عن الزيادة عن الثلث أو الوصية لوارث يكون مدخولاً لأن ثَمَّ أحوال عند الناس من خجل ونحو ذلك وحياء، أو خوف لطروء مشاكل فقد يجيزون ثم بعد الموت يرجعون، نقول: رجوعهم صحيح، رجوعهم بعد وفاة من أوصى يعتبر صحيحًا. المشهور عندنا أنها لا تعتبر إلا بعد الموت، وأما الإجازة قبل موت المورِّث فلا تصح ولهم الرجوع ولو أجازوا لهم أن يرجعوا بعد وفاة الميت نقول: نحن وافقنا على أنك تعطي أو على أن يأخذ زيد من الناس وهو وارث معنا ونحن الآن رجعنا. لهم الرجوع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أن الإجازة إن كانت في مرض موت المورِّث صحت وليس لهم الرجوع، وإن كانت في غير مرض موته لم تصح ولهم الرجوع، يعني التفصيل إن كانت الوصية لوارث في مرض الموت وأجازوا صحت، فإن رجعوا بعد الوفاة لم يصح، لماذا؟ لأن الاحتمال السابق غير موجود في مرض الموت.

الخامس من الحقوق: الإرث لقوله تعالى بعد قسمة المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 13]، فالإرث هذا بعد يُنظر أولاً في مُؤَنِ التجهيز، وفي الحقوق أو الديون المتعلقة بعين التركة، ثم الديون المرسلة المطلقة، ثم في الوصية، إن بقي شيء حينئذٍ يوزع بين الورثة هذا النصف، وإن ما بقي ليس لهم شيء، والله أعلم.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 22