الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* أسباب الميراث.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (بَابُ أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) أي: هذا باب بيان أسباب، أي وموانعه كما ذكرناه سابقًا بأن هذه التراجم الظاهر أن المصنف والناظم لم يضعها، وإنما وُضعت له تبويبًا ترجمةً لما ذكره، لأنه متجزئة بنفسها هي متجزئة بنفسها، ذكر بيتين في أسباب الميراث، ثم بيتين في موانع الميراث، هذا جزءٌ وهذا نوع، وهذا كذلك نوعٌ آخر، (أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) عرفنا هذه ثلاث كلمات، وباب له معنى لغوي ومعنى اصطلاحي، و (أَسْبَابِ) كذلك جمع سبب وله معنى لغوي وهو ما يُتوصل به إلى غيره حسًّا كان أو معنى، وله معنى اصطلاحي عند أرباب الأصول وهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدمُ لذاته، وعرَّفه الآمدي: كل وصف ظاهر منضبط معرف لحكم شرعي. وهذا الثاني تعريف الآمدي هذا مرجحٌ عند صاحب جمع الجوامع لأنه مختص بالسبب الشرعي، وأما المشهور الذي ذكره صاحب الشرح هنا: ما يلزم وجوده ومن عدمه العدم لذاته، هذا عام يشمل العقلي ويشمل الشرعي ويشمل كذلك العادي.
الأسباب ثلاثة: سببٌ عقلي، وسببٌ شرعي، وسبب عادي.
والمراد هنا بالأسباب (بَابُ أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) يعني السبب الذي رتبه الشارع ليس عندنا سبب عقلي، فالإرث لا يكون إلا بجهة الشرع، لا من جهة الشرع فعلم الفرائض ابتداءً وانتهاءً وضعه الله عز وجل، وليس للبشر فيه مدخلٌ إلا في مسائل جاءت الأدلة من حيث الاختلاف والترجيح والتقديم والتأخير ونحو ذلك. إذًا المراد بالسبب هنا السبب الشرعي.
(أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) هذه الكلمة الثالثة، وقلنا: الميراث له إطلاقان: ميراث هذا مصدر أصلهما ميوْراث مثل ميقات ميوْقات وميزان، لأنه مأخوذ من الوزن ميوْزان سكنت الواو وكسر ما قبلها، وقيل: ميقات، ميراث وأصلها مِوْراث سكنت الواو وانكسر ما قبلها والقاعدة أنها إذا سكنت الواو وانكسر ما قبلها وجب قلب الواو ياءً فقيل ميراث وميزان وميقات.
والميراث له إطلاقان:
إطلاقٌ مصدري.
وإطلاقْ اسمي.
والمصدري يطلق بمعنى الإرث وهو المقصود هنا (بَابُ أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) أي باب أسباب الإرث، إرث والميراث هنا مصدر، والإرث كذلك مصدر، وعلى هذا المعنى ميراث بمعنى الإرث يعرّف في اللغة بالبقاء وانتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين، وسبق شرح هذا الحدّ، وكذلك يطلق بمعنى اسمي، وإذا كان كذلك حينئذٍ يصير مصدرًا بمعنى اسم المفعول، والمصادر بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول هذا استعمال شرعي كان بعضهم يدَّعِي أنه مجاز لكنه لكثرته قد لا يقال بأنه مجاز، ويُطلق بمعنى الموروث فهو من إطلاق المصدر إرادة اسم المفعول، ويعرف في اللغة بأنه الأصل والبقية، ولذلك جاء في خبر مسلم "" اثبتوا على مشاعركم إنكم على إرث أبيكم إبراهيم ". أي أصله وبقيته منه، حينئذٍ يكون الإرث هنا أو الموروث [بمعنى البقاء] بمعنى البقية، وشرعًا - وهو الذي وقفنا عنده - بأنه يعرّف: حقُّ قابل للتجزي يثبت للمستحق بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها. هذا تعريف الميراث بمعنى الموروث، حقٌ إذًا شيء ثابتٌ يوصف بكونه حقًّا، والحق ضده الباطل، وهنا الأحقية جاءت من جهة الشرع الذي حكم بهذا هو الشرع، ولذلك ثبت أنه حق، والإرث كما هو معلوم تمليك قهري ليس اختياريًّا، فقد تمتلك الشيء باختيارك تذهب وتشتري .. إلى آخره، وأما الإرث فلا، لأنه يكون بموت صاحبه حينئذٍ ينتقل مباشرة قهرًا ولو لم يرض. إذًا هو حق جاء من جهة الشرع، وحق كلمة حق لا تختص بالمال، وإنما تتناول المال وغيره كالقصاص مثلاً، وهذا يورث والشفعة كذلك تورث، والخيار خيار العيب وخيار الشرط، هذه على خلاف بين الفقهاء تُورَث أم لا؟ إذًا الحق لا يختص بالمال، بل يشمل المال وغيره. إذًا قوله: حق جنس يتناول المال وغيره، كالخيار والشفعة والقصاص، قابلٍ للتجزي يعني أن يفرز ويقسم، لأن بعض الحقوق قد تنتقل لكنها لا تقبل التجزيء، والولاية في النكاح تنتقل لكنها ليست قابلة للتجزيء، إما العمّ وإما الابن .. إلى آخر، ولا يقول: هذا وذاك يشتركان في ولاية النكاح، بل هي شيء واحد ولا تقبل التجزي. إذًا قابل للتجزي خرج الولاء والولاية على النكاح إذْ ينتقلان بالموت لمن له حق في العصوبة ولو بعيدًا، وكذلك لا يقبل الفرز والقسمة، لمستحق يثبت لمستحق.
قال في شرح الترتيب: وخرج بقوله: يثبتُ لمستحقه أو مستحق ما إذا أغتاب شخصًا وتعذر استحلاله لموته، فلا يكفي استحلالُ وارثه بل يستغفر الله له، إذا اغتاب شخصًا حينئذٍ ثبت الحق لذلك الذي اغتيب، إذا مات في حال الحياة الأصل على قول أنه لا بد من استحلاله، وإن كان هذا ليس بلازم، والصواب أنه يستغفر له ويذكره في المجلس الذي ذكره بسوء بألقاب حسنة، يعني يمدحه في ذلك المجلس الذي اغتابه فيه، هذا هو الأصل، ولا يُلزم بالذهاب والاستحلال لأنه يترتب عليه مفاسد عظيمة، حينئذٍ فيه نوع مشقة، وعلى هذا القول أنه لابد من الاستحلال إذًا صار صاحب حق، كيف يستحل بعد الموت؟ هل ينتقل الحق إلى الورثة؟ الجواب: لا، لا ينتقل الحق إلى الورثة، صاحب الحق الذي اغتيب هو الذي يُسْتَحَل، هو الذي يُطلب منه الاستحلال إذا مات حينئذٍ لا نذهب إلى الورثة ونقول: استغفروا لنا أو سامحونا ونحو ذلك، لماذا؟ لكون صاحب الحق مات، وانقطع الحق بموته، إذًا لو ادَّعَى الورثة أنهم أصحاب حق في ذلك، نقول: هذا لا يَثْبُتُ لمستحق لا يثبت لمدعيه. بعد موت من كان له ذلك، يعني خرج به الحقوق الثابتة بالشراء ونحوه، فإنها تكون ماذا؟ فإنها حقوق ثابتة لصاحبها لكن قبل الموت، فالشراء والبيع وما يترتب عليهما هذا حق ثابت لكنه في حال الحياة لا بعد الموت، لقرابة بينهما خرجت الوصية على القول بأنها تملك بالموت لأنها لا يشترط فيها أن تكون لقريب، فقد تكون لأجنبي، وأما الإرث لا يكون لأجنبي البتة وإنما يكون لقرابة ونحوها، أو نحوها نحو القرابة ما هو؟ النكاح والولاء يعني لأسباب أسباب الميراث أو نحوها المراد به أسباب الميراث البقية عن القرابة، والقرابة تمثل النسب ونحوها تمثل الولاء والنكاح، هذا المراد بالميراث بمعنى الموروث حق قابل للتجزي يثبت لمستحقٍ بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها.
قال المصنف الناظم رحمه الله تعالى:
أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ
…
كُلٌّ يُفِيْدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَةْ
وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ
…
مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ
(أَسْبَابُ) هذا مبتدأ جمع سبب، وعرفنا السبب في اللغة والاصطلاح، والمراد به السبب الشرعي، خرج به السبب العادي، والسبب العقلي فلا مدخل له في هذا العلم لأنه علم شرعي، فليس للعقل فيه مجال وليس للطبيعة أو العادة له مجال.
(أَسْبَابُ مِيْرَاثِ) ميراث عرفنا أنه مصدر، ويطلق المصدر ويراد به الإرث المعنى المصدري، يطلق ويراد به الشيء الموروث، وأي المعنيين المراد هنا؟
الأول، ولذلك قلنا المراد بقوله:(أَسْبَابُ مِيْرَاثِ). أسباب الإرث، يعني متى يثبتُ الإرث لزيد؟ هل إذا مات الشخص وترك تركة كل واحد يدعي أنه يرثه أم ثَمَّ ضوابط؟
ثَمَّ ضوابط، والسبب حينئذٍ في اللغة قلنا ما هو؟ ما يوصل للشيء، ما يُتَوصل به إلى غيره. ما هو السبب الذي يتوصل به إلى الإرث؟ لا بد من شيء يكون معينًا من جهة الشرع وليس هكذا يكون من جهة العقل أو العادة. إذًا (أَسْبَابُ) نقول: هذا مبتدأ وهو مضاف وميراث مصدر بمعنى الإرث، وهو مصدر بمعنى مصدرًا آخر، والإرث حينئذٍ يعرف بما ذكرناه سابقًا أنه في اللغة البقاء وانتقال الشيء من قومٍ إلى قومٍ آخرين، والانتقال قد يكون معنىً وقد يكون حسًّا. (مِيْرَاثِ الْوَرَى) كذلك ميراث مضاف و (الْوَرَى) مضاف إليه، والمراد بـ (الْوَرَى) هنا الآدميين، لأن بحثنا في ماذا؟ في ما يقسمه الآدميون، وأما هل يشمل وإن كان (الْوَرَى) يقصد به الخلق هذا الأصل فيدخل فيه الملائكة والجن، وهل هو مراد أم لا؟ الجواب: لا، وبعضهم يرى أن الجن يدخلون هنا، نعم الجن مكلفون بما كُلِّفَ به الإنس، لكن هل هو جهة التفصيل بما كلف به الإنس أم لا؟ الله أعلم، النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إلى الجن كما بعث إلى الإنس، وجاء بشريعة للإنس وهل هي عينها شريعة الجن؟ نقول: الله أعلم، لا ندري. حينئذٍ لو هلك هالك الجن وترك ولدين [ها ها] 11.36 كيف نقسم؟ نقول: الله أعلم، إذًا قوله:(الْوَرَى). المراد به الآدميين، أما غير الآدميين فلا توارث بينهم كالملائكة والدواب هكذا قال البيجوري لعدم تكليفهم، أما الملائكة لعدم تكليفهم فيه نظر، وأما لجن فهم كالآدميين، وإن كان الورى في الأصل يطلق بمعنى الخلق يعني المخلوقين، فهو مصدر مراد به اسم المفعول وهنا عام أريد به الخاص، والمراد به الآدميون. قال: والجن. نقول: الجن فيه نظر. لأنه ثبت في القرآن أنه المخاطب به هو الإنس حينئذٍ إدخال الجن يحتاج إلى نص خاص. إذًا (أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى)، (الْوَرَى) بمعنى الخلق ويشمل الملائكة والدواب والجن، لكن المراد به هنا الآدميون على جهة الخصوص، فهو من إطلاق العام وإرادة الخاص. (ثَلَاثَةْ) هذا خبر المبتدأ (أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ) مبتدأ وخبر، ثلاثة يعني معدودة بثلاثة، وهل هذا حصرٌ في الثلاثة أم لا؟ نقول: الأسباب على نوعين أسبابٌ مجمعٌ عليها وهي ثلاثة، وأسبابٌ مختلفٌ فيها وهي أربعة، حينئذٍ مراد المصنف هنا الأسباب المجمع عليها الأسباب المتفق عليها. (كُلٌّ يُفِيْدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَةْ)، (كُلٌّ) أي كل سبب، سبق معنا البارحة أن كلّ لفظٌ قد يحذفُ هو ملازم للإضافة، قد يحذف المضاف إليه لفظًا لا معنى، حينئذٍ وجب تقديره {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]
…
الآية {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل 87]، إذًا كلٌّ التنوين هذا تنوين عوضٍ عن كلمة، وهو المضاف إليه. هنا الشارح قال: كل من الأسباب الثلاثة.
ما قدر المضاف، كلٌّ من الأسباب، نقول: لا، كلُّ سببٍ من الأسباب الثلاثة (يُفِيْدُ رَبَّهُ) يعني صاحبه (يُفِيْدُ) يقال: فادت لفلان فائدة فَيْدًا حصلت، فادت لفلان فائدة فيدًا يعني مصدر حصلت، وأفاد فلان علمًا أو مالاً أكتسبه، والفائدة من حيث هي ما يستفاد من علم أو عمل أو مال أو غيره كالجاه مثلاً، ويعتبر فائدة، الفائدة لفظٌ عام جنس يدخل تحته أنواع من ما يكتسب، (كُلٌّ يُفِيْدُ) أي كل واحدٍ أو كل سبب من الأسباب الثلاثة يفيدُ يعني يحصلُ لصاحبه المتصف به الوراثة، والوراثة هنا مصدر كما سبق أن ورث الشيء وراثة وميراثًا وإرثًا مصادر، فالميراث في قوله:(أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ) مصدر، وكذلك (يُفِيْدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَةْ) كذلك مصدر ويراد به الإرث، يراد به ما يراد المصدر الأول (كُلٌّ يُفِيْدُ رَبَّهُ)، (رَبَّهُ) الضمير هنا يعود على السبب، يعني رب السبب، ومراده به المتصف به، من اتصف بالنكاح عقد الزوجية الصحيح الزوج أو الزوجة، من اتصف بالولاء، من اتصف بالنسب، فالمراد بالرب وإن كان الأصل فيه بمعنى الصاحب إلا أن صاحب الشيء قد لا يتصف بالشيء، صاحب الدار تكون الدار صفة له، لا تكون الدار حالّةً فيه هو قائمٌ بالدار، لا، لا يكون كذلك، وإنما كنى هنا عن المتصف بالشيء بلفظ الرب، وإن كان الأصل في الرب بمعنى الصاحب، إذًا كلٌّ كل سبب من هذه الأسباب الثلاثة المتفق عليها يفيد ويحصل ربه يعني رب السبب المتصف بالسبب الوراثة يعني الإرث، حينئذٍ لا إرث إلا بواحدٍ من هذه الأسباب الثلاثة، إما نكاح، وإما ولاء، وإما نسب، (كُلٌّ يُفِيْدُ) قال الشارح هنا: كلٌ من الأسباب الثلاثة يفيدُ ربه أي صاحبه، والمراد المتصف به. الوراثة أي الإرث كالزوجين مثلاً الزوجين، لأن كل واحد يرث من الآخر ما لم يمنع منه مانع، زوج يرث من زوجته، والزوجة ترثُ من زوجها، لماذا ورث الزوج من زوجته؟ لقيام واتصاف هذا الزوج بسبب من أسباب الإرث وهو الزوجية نكاح، لماذا ترث الزوجة زوجها؟ لقيامها واتصافها بسبب من أسباب الإرث الشرعي وهو النكاح، لأن كل واحد يرث من الآخر ما لم يمنع مانع كالقتل ونحوه، وكذا الإرث بالقرابة، أما الولاء فالعتيق لا يرث من المعتق، يعني: السيد لو مات وترك عبدًا هل يرثه العبد؟ لا، لا يرثه، لو مات العبد وترك سيدًا هل يرثُهُ؟ نعم، يرثه بالولاء، إذًا ليس من الجانبين بخلاف النكاح والقرابة، قد يكون القرابة من الجانبين، تارة يكون من الجانبين وتارة يكون من جانب واحد، والنكاح يكون من جانبين، وأما الولاء لا يكون إلا من جانب واحد، فعليه كلّ في كلامه المرادُ بها الكل المجموع لا الجميع، يعني لا يصدق بكل واحد من هذه الأسباب أن يرث به الطرفان، كل منهما يرث للآخر، وإنما هذا يكون في بعضها في الجملة وهو النكاح والنسب، وأما الولاء فلا يرث إلى من طرف واحد.
قال الناظم: (وَهْيَ نِكَاحٌ)، (وَهْيَ) هذا مبتدأ، الواو عاطفة لما سبق، هي مبتدأ، وهي صادقة على الثلاثة الأسباب حينئذٍ صار معناها جمعًا، وهو ثلاثة، (نِكَاحٌ) وما عُطِفَ عليه خبر المبتدأ، (وَوَلَاءٌ) معطوف على نكاح والمعطوف على المرفوع مرفوع، ورفعه ضمة ظاهر على آخره، (وَنَسَبْ) معطوف على نكاح والمعطوف على المرفوع مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها سكون الضرب أو الوقف.
إذًا هي نكاح وولاء ونسب، وهي معلومة من جهة الاستقراء والتتبع، وهذه الأسباب الثلاثة متفق عليها، وما عداه فهو مختلف فيه، والصحيح أنها لا تُعَدّ أسبابًا، لا بيت المال، ولا الالتقاط ولا غيره كما سيأتي في موضعه.
(وَهْيَ نِكَاحٌ)، (وَهْيَ) أي الأسباب الثلاثة (نِكَاحٌ). قال الشارح: أولها (نِكَاحٌ). كأنه جعل نكاح خبرًا لمبتدأٍ محذوف، لامتناع أن يُخْبِرَ بـ (نِكَاحٌ) عن المبتدأ لعدم التطابق، لأنه يشترط في المبتدأ والخبر التطابق إفرادًا وتثنية وجمعًا، من حيثُ اللفظ ومن حيثُ المعنى هذا الأصل فيه، وهي هذا جمع من حيث المعنى، تصدق على الثلاثة الأسباب، نكاح واحد شيء واحد فكيف يُخْبِر عن المبتدأ بمفرد وهو جمع؟ هي ثلاثة نكاح مفرد واحد، فكيف يخبر عن المبتدأ وهو ثلاثة بشيء واحد، هل يصح أن يقال الزيدون - يصدق على ثلاثة، أقل الجمع ثلاثة - الزيدون قائمٌ يصح؟ لا يصح، هذا مثله هي نكاح مثله، لكن نقول: هي من حيث المعنى جمع، ولكن الخبر هنا رُوعِيَ فيه العطفُ قبل الحملِ، قبل الإخبار يعني، أو لك مخرج آخر كما صنعه الشارح هنا، أولوها نكاح، جعل نكاح فصله جعله خبرًا لمبتدأ محذوف، ثم المبتدأ المحذوف مع خبره الجملة في محل رفع خبر المبتدأ الملفوظ به وهو (وَهْيَ). هي أولها نكاح، ولا إشكال فيه، ولكن عدم التقدير في مثل هذا أولى، لأنه لا يتعلق به معنى لأن الكلام هنا من جهة الصناعة فحسب، هل ثَمَّ معنى يختلف؟ أولهما نكاحُ، وهي نكاح، لا يختلف، وإنما يُرَاعَى فيه القواعد فحسب، القواعد التي هي قواعد صناعية استنباطية، يعني لا علاقة له بالمعنى، والقاعدة التي ذكرناها البارحة - وهذا استدراك - القاعدة التي ذكرناها البارحة [أن التقدير ينظر فيه بحسب السياق وكذا إذا نُظِرَ إلى المعنى]، وأما إذا كان الكلام في القواعد النحوية فحينئذٍ نقول: عدم التقدير أولى من التقدير، ولا إشكال فيه.
وأما إذا ارتبط به معنى من المعاني فحينئذٍ نرجع إلى علم البيان، علم البيان فهو الحاكم في مثل هذه المواضع، وذلك نقول مثلاً: يحذف الخبر لكذا وكذا وكذَا، النحاة في الأصل ما يبحثون في هذه، وإنما يبحثون في حذف الخبر جائز واجب فحسب، ثُمَّ ما هي النكات التي يحذف لأجلها الخبر سواءً كان جوازًا أو على جهة الإيجاب، هذا مبحث البيانيين. إذًا وهي نكاحٌ هذا هو الأول. (نِكَاحٌ) النكاح في اللغة هو الضم والجمع يقال: تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض التفت بعضها حول بعض، يقال: تناكحت الأشجار إذا اتصلت بعضها ببعض، واضحٌ هذا، وأما في الشرع فهو عقد الزوجية الصحيح، يُزاد عليه من باب التأكيد والإيضاح وإن لم يحصل وطءٌ ولا خَلْوَة، هذا من باب التأكيد لأننا في مثل هذه الحدود الأصل فيها ألا يراعى طرائق المنطقيين، يعني الجنس والفصل .. إلى آخره، وإنما يذكر ما يوضح المقصود فحسب. إذًا عقد العقد لا يكون إلا بإيجاب وقبول لأن النكاح عقد والبيع عقد فما يقال هناك يقال هنا، إلا أن الحنابلة فرقوا بينهما من حيث اللفظ، قالوا: البيع يحصل بكل لفظ سواء كان الإيجاب أو القبول، وأما النكاح فلا، لا بد أن يأتي بلفظ نكحتُ زوجتُ .. ونحو ذلك مما يدل على اللفظ، لأنه في الشرع لم يرد إلا كذلك سواءٌ كان في الكتاب أو في السنة. إذًا إيجاب وقبول، زوجتك ابنتي قبلت «ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد». حينئذٍ نقول: زوجتُك ابنتي قبلتُ، حصل النكاح، لو قال بعتك ابنتي بثلاثين ألف مقدمًا وثلاثين مؤخرًا هذا فيه معنى النكاح يحصل؟ على المذهب لا يحصل، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى طرد الباب لم يفرق بين البيع والنكاح، قال: يحصل النكاح بكل ما يحصل به عرفًا، فما تعارف عليه الناس فلو قال: بعتك وهبتك أعطيتك ابنتي بثلاثين ألفًا - هذا المهر عندنا - حينئذٍ نقول: هذا نكاح وحصل، أما على المذهب فلا. إذًا عقدٌ فيه معنى الإيجاب والقبول على التفصيل الذي ذكرناه، خرج بالعقد وطء الشبهة والزنا، وطء الشبهة ليس بعقد، لماذا ليس بعقد؟ لأنه عقدٌ فاسد، وإذا كان كذلك فإذا فسد العقد رجعنا إلى أصله فيُفسخ من أصله فحينئذٍ يكون الإيجاب والقبول لا على محله شرعًا، وعقد وطء الشبهة هذا كما إذا عقد على امرأة يظنها أجنبية فبانت أخته بالرضاعة، فحينئذٍ هذا يُسمى وطء شبهة، ولا يسمى نكاحًا ويلحق به الأبناء وكذا ونحو ذلك للمصلحة العامة، عقد الزوجية، وأما الزنا فهذا واضحٌ بين، عقد الزوجية الصحيح هذه صفة للعقد، خرج به ما يقابل الصحيح وهو الفاسد، وهل يرث بالعقد عقد الزوجية الفاسد أو لا؟ نقول: العقد الفاسد نوعان:
- عقد فاسد مجمعٌ على فساده، كنكاح خامسةٍ فلو تزوج خامسة وعنده أربعة في ذمته الخامسة هذه عقدها فاسد، يعتبر زنى وليس وطء شبهة، لماذا؟ لحرمة الخامسة مع وجود الأربعة في ذمته، هذا العقد فاسدٌ بالإجماع، لو عقد عقدًا فاسدًا ثم مات هل ترثه زوجته؟ الجوابُ: لا. [وأما العقدُ].
- النوع الثاني: عقدٌ فاسدٌ مختلفٌ فيه، كالنكاح بلا ولي، هذا جوَّزه بعض وأنكره بعض، عندنا في المذهب عقد فاسد باطل ما يصح، لماذا؟ لفوات ركن من أركان النكاح وهو الولي، عند أبي حنيفة يجوز على تفصيل عنده الثيب والبكر ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: هذا العقد مختلفٌ فيه فاسدٌ عندنا، صحيح عند غيرنا، إن تحاكموا إلى قاضٍ يرى هذا الرأي لا إشكال أنه سيصحح الإرث، إن تحاكموا عندنا هذا محل خلاف هل يورثُ به أم لا؟ لكن الظاهر أنه لا يورثُ به. عقد الزوجية الصحيح قال: وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، النكاح والزوجية تثبت بمجرد العقد، إيجاب قبول حصل العقد وهو زوجة له وهو زوجٌ لها، لو مات أحدهما عن الآخر في تلك اللحظة بعد الإيجاب والقبول ولو لم يرها حينئذٍ نقول: حصل الإرث، لماذا حصل الإرث؟ لوجود عقد الزوجية الصحيح، لأنه لا يشترط الخلوة بها، إذ لو اشترطنا الخلوة حينئذٍ لا يصح عقد الزوجية إلا مع وجود الخلوة وهذا باطل، ولا يشترط الوطء إذ لو اشترطنا الوطء حينئذٍ لا يصح عقد الزوجية إلا مع وطءٍ، فإذا تزوج ولم يقع ليس بعقد زوجية، وهذا باطل، فلذلك نقول: هو عام. ولذلك جاءت النصوص عامة قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]. أزواجكم أزواج، هنا بمجرد العقد فدخل في قوله:{أَزْوَاجُكُمْ} الزوجة {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الزوجات يعني، أزواجكم هذا عام دخل فيه الزوجة التي خلا بها، والزوجة التي لم يخلو بها، والزوجة التي لم يطأها، والزوجة التي وطئها أربعة أنواع، لأنه قد يعقد ويطأ، يعقد ويخلو ولا يطأ، يعقد ولا يخلو، يعقد ويخلو ولا يطأ، هذه أربعة أقسام، قل ما شئت قدم وأخر، إذًا {أَزْوَاجُكُمْ} نقول: هذا عام، وجه العموم أن الرب جل وعلا أطلق الأزواج هنا أزواج جمع أضيفِ إلى الكاف فيهم يعمّ، يعمّ ماذا؟ يعم كل من صدق عليه أنه قد حصل منه إيجابٌ وقبول، بقطع النظر عن الخلو أو الوطء، فهو عام، وهو عقد الزوجية الصحيح خرج الفاسد، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، ويورث به من الجانبين، يرث الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها بمجرد العقد لعموم قوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ} . لكم، اللام هنا للتمليك فيملك، ولا يملك إلا بسبب صحيح {وَلَكُمْ} اللام هذه للْمِلْك تفيد التمليك، وهل وقد سبق أن هذه الأسباب ندرسها لماذا؟ لنستفيد المواضع التي رتب عليها الشرع انتقال الملكية القهرية من الميت إلى ورثته، هل كل من ادَّعَى أنه وارث يرث؟ الجواب: لا، وإنما بينه الشرع. تكفل الشارع ببيان من الذي يرث عن ذلك الميت، وذكر منهم الأزواج، وجاء اللفظ عامًا حينئذٍ يعمّ، فيرث به الزوج من زوجته والزوجة من زوجها بمجرد العقد لعموم قوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]. عرفتم وجه العموم، وكذلك قوله:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]. والمرأة تكون زوجة لمجرد العقد، ولا تكون زوجةً إلا بعقد صحيح، وأما العقد الفاسد سواء كان متفقًا على فساده أو مختلفًا في فساده، والصحيح أنه لا ترثُ به.
فلو تحاكم شخصان أو ادَّعَى من ادعى الوراثة بنكاح فاسد عندنا - معاشر الحنابلة - لا نورّثه، لو وقع نكاح بغير ولي نقول: هذا النكاح باطلٌ عندنا، لو تحاكموا إلى حنفي حينئذٍ هو وشأنه (إلا بعقدٍ صحيح).
روى الخمسة من حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قضى في امرأة تُوفِّي عنها زوجها ولم يكن دخل بها أنّ لها الميراث. ابن مسعود أُورد عليه قضية امرأة عقد عليها زوجها ولم يخلو بها، يعني انتفى الوطء ما خلا بها، ما في وطء، حينئذٍ ورَّثها ابن مسعود، لماذا؟ لأنها زوجة، ولماذا هي زوجة؟ لأن الزواج والعقد عقد النكاح يثبت بمجرد العقد وقد وقع، وأما الخلوة والوطء فليس بشرطين في صحة النكاح ولا التوريث. أنه قضى في امرأة تُوفِّيَ عنها زوجها ولم يكن دخل بها أنّ لها الميراث، فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بَرْوع بنت واشق بمثل ما قضى به. وصححه الترمذي يعني النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بذلك، حينئذٍ وافقت فتوى ابن مسعود فتوى النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمتد التوارث بين الزوجين إلى حصول البينونة بينهما بطلاق أو فسخ، لأن هذا السبب ليس كسبب القرابة، القرَابة النسب سبب أصل في الوجود، هكذا يولد وهو ابن متصف بهذا الوصف وذاك أبٌ قريبٌ لهذا الابن الهالك الميت كونه أبًا له. طيب هل وُجِدَ ولم يكن أبًا؟ لا يمكن ما يتصور هذا. إذًا بخروج الابن صار أبًا، لا يمكن أن يوجد الابن ولا يكون الذي أتى به أبًا له. إذًا هذا الوصف معه في أصل وجوده بخلاف النكاح، النكَاح طارئًا يتزوج عشرين، خمس وعشرين مائة إلى آخر، حينئذٍ نقول: هذا الوصف يعتبر طارئًا، ولذلك يثبت التوارث في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة لأن الرجعية لا تبين إلى بانقضاء عدتها، إذا عرفنا أن النكاح سبب للتوارث ويرثُ به طرفان، الزوج يرث الزوجة والعكس، طيب ما ضد النكاح بعد وقوعه وحصوله؟ الطلاق.
الطّلاق على نوعين:
- طلاق رجعي.
- طلاقٌ بائن. والفسح داخلٌ في البائن حكمه واحد.
الطلاق الرجعي إذا حصل وكانت المرأة في عدتها فحينئذٍ هي زوجة، وإذا كانت زوجة حينئذٍ تبقى على أصلها، وهذا محل إجماع إذا لم تنقض عدتها فهي زوجة، وإذا كانت كذلك إذا مات زوجها وهي في العدة ترثه بإجماع المسلمين، الأئمة الأربعة على ذلك.
وأما الطلاق البائن هذا فيه تفصيل، والطلاق الرجعي معروف أنه يُوقع طلقةً واحدة في طهرٍ لم يجامعها فيه، وعدتها ثلاثة قروء، إذا انقضت الثلاثة حينئذٍ صارت بائنة بينونة صغرى، وإذا لم تتنقض حينئذٍ هي زوجة، على التفصيل المذكور عند الفقهاء.
إذًا النكاح هو عقد الزوجية الصحيح، فإذا حل هذا العقد إما أنه يُحلَّهُ كاملاً وهو الطلاق البائن، أو يحله حلاً ناقصًا وهو الطلاق الرجعي، الطلاق البائن إذا وقع حينئذٍ انتفى الإرث في الجملة لأنه إذا عدم السبب عدم المسبب هذا الأصل فيه، لا يوجد المسبب وهو الإرث عن عدم السبب وهو النكاح، وهنا قد حل النكاح، العقد عقدٌ إيجابٌ وقبول له حلٌّ من جهة الشرع، حينئذٍ إذا حله حلاً كاملاً فهو الطلاق البائن أو الفسخ، حينئذٍ انقطع السبب، وأما إذا كان الحل حل العقد غير كامل وهو الطلاق الرجعي، فإن التوارث بينهما باقٍ بكل حال ما دام في العدة.
إذًا على هذا نقول: المطلقات ثلاثة أنواع في الجملة، المراد هنا ما يخدمنا في باب الميراث:
- المطلقة الرجعية سواء طلقت في حال صحة المطلق أو مرضه، هذه ترث بالإجماع.
- النوع الثاني: المطلقة البائن بينونة كبرى في حال صحة المطلق.
- النوع الثالث: المطلقة البائن حال مرض موت المطلق. يعني المرض المخوف الذي يظن فيه الموت.
أما النوع الأول وهي الرجعية هذه ترث وفاقًا يعني بإجماع الأئمة الأربعة بل هو جماع المسلمين لا خلاف فيه، إذا مات مطلقها وهي في العدة لأنها زوجة.
وأما النوع الثاني وهي البائن في حال صحة المطلق. فلا ترث بالإجماع صحيح يعني قبل وفاته طلقها خلافًا بائنًا بينونة كبرى لا ترث بالإجماع، لأنه أوقع الطلاق في حال غير متهمٍ فيه، وهو حال الصحة. متى يكون متهمًا؟ إذا كانت في مرضٍ ونحوه، فلا ترث إجماعًا لانقطاع الزوجية من غير تهمة تلحق المُطلِّقَ بذلك.
وأما النوع الثالث وهو البائن في حال مرض الموت يعني مرض موت المطلق هذا يقال فيه أن المرض على نوعين:
- مرض مَخُوف.
- ومرض غير مخوف. مرض غير مخوف ملحق بحال الصحة، وأما المرض المخوف فهو الذي فيه خلاف بين أهل العلم.
إذًا النوع الثالث: البائن في حال مرض موت المطلق، وهذه نوعان:
المطلقة البائن في مرض الموت وهو غير متهم بقصد حرمانها من الميراث، هذه لا ترثه، وليس فيها خلاف بين أهل العلم، يعني طلقها طلاقًا بائنًا وهو في مرض الموت ولم تأت قرينة تدل على أنه إنما قصد بطلاقها حرمانها من الإرث، هذا طلاق واقع أو لا؟
واقع، ولا إشكال فيه، وإنما الكلام في الإرث وعدمه هل ترث؟ الجواب: لا، لماذا لا ترث؟ لانتفاء التهمة.
والمطلق البائن في مرض المخوف وهو متهم بقصد حرمانها من الميراث فيها خلاف بين الأئمة الأربعة، يعني طلَّق زوجته في مرض الموت يعني خلاص حس بالموت قال: ما أبغاها تأخذ شيء. يحرمها فطلقها طلاقًا بائنًا، حينئذٍ وقع النزاع بين أهل العلم، لماذا؟ لأنه قصد بهذا الطلاق حرمانها من الإرث، فلما انتفت هذه التهمة في النوع السابق قالوا: لا ترث وفاقًا. فهذه فيها خلافٌ بين أهل العلم، والمذهب عند الحنابلة، قد ذكرنا أننا نذكر مذهب الحنابلة فحسب، ومذهب الحنابلة أنها ترث سواء تُوفِّيَ في العدة أو بعدها، ترثُ مطلقًا ولو خرجت عدتها هذا مذهب الحنابلة، لماذا؟ معاملةً له بنقيض قصده، ولذلك لو طلقها وماتت هي قبله ما يرثها، لماذا؟ لأنها بانت منه، يعني هذا الأمر منه جعله على نصفين صنف نعتبره ونصف نلغيه، نلغيه باعتبارها هي فطلاقه مردود وترث منه، وهو إذا ماتت قبلها بعد طلاقها لا يرث منها لأنها بانت منه. ومذهبنا أنها ترث سواءٌ تُوفي في العدة أو بعدها ما لم تتزوج بآخر أو ترتد، لأنها إذا تزوجت بآخر امتنع أن ترث من زوجين، الزوج الأول والزوج الثاني، المرأة ليس لها زوجان زوجٌ واحد إما هذا وإما ذاك، فحينئذٍ إذا تزوجت خرجت من عهدة الأول بالكلية فلا ترثه البتة، كذلك إذا ارتدت وُجد مانع وهو اختلاف الدين، لأن سبب توريثها فراره من ميراثها، وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة معاملة له بنقيض قصده، وأما هو فلا يرثها لو ماتت بسبب البينونة منه، إذًا النظر يكون في الإرث وعدمه لا في الطلاق، وأما البينونة فهي واقعة، وأما الإرث فهي ترث منه سواءٌ تُوفي عنها في عدتها أم لا، معاملة له بنقيض قصده. حينئذٍ نقول: إذا طلقها في مرض موته المخوف متهمًا بقصد حرمانها فترثه على المذهب ما لم تتزوج أو ترتد، فإن ارتدت أو تزوجت سقط إرثها سواءٌ عادت إلى الإسلام أو لا، وسواءٌ فارقها الزوج الثاني أم لا مطلقًا، وقد تكون التهمة من الزوجة، التهمة من الزوج واضحة، لو طلبت منه أن يطلقها طلاقًا رجعيًا فطلقها طلاقً بائنًا، قالوا: هذه قرينة تدل على أنه قصد حرمانها أو غير ذلك مما تكون من ما يختلف باختلاف الأشخاص، وأما التهمة من الزوجة قد هي التي تُتَّهم بأنها أرادت ألا يرثها زوجها، مثلوا لها بصورة خيالية قد توجد الله أعلم: كأن تفعل الزوجة في مرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحًا، يعني ترتكب شيء يفسخ النكاح ماذا تفعل؟ ترضعه فإذا أرضعته صارت أمه انفسخ النكاح.
إذًا ليست عندنا علاقة، النكاح انفسخ، كأن تفعل الزوجة في مرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها من زوجها متهمة بقصد حرمانه مثل أن يُعقدُ عليها لطفل صغير لو قيل أنه إذا أرضعت الكبير صح الرضاع لا إشكال فيه، لكن على المرجح والله أعلم أنه لا يصح إلا في زمن محدود، حينئذٍ يمثل بالصبي الصغير، زوجوها بصبي صغير وعندها ملايين، قالت: هذا يرثني ترضعه، فسخ النكاح [ها ها] مثل أن يعقد عليها لطفل فترضعه رضاعًا تثبت به الأمومة فالنكاح ينفسخ، ويرث منها لو ماتت ولا ترثه، يرث هو منها لأنها زوجته، ولا ترث منه لأنه ليس بزوج لها، كل ذلك مراعاةً للمصالح العامة التي تكون بين الناس، هذا قد يقع عند الناس لكن الأصل إذا جاء النص الدليل الشرعي هو محكَّم، وما عداه الاجتهادات هذه تختلف من مذهب إلى مذهب آخر، (وَهْيَ نِكَاحٌ) إذًا النكاح المراد به عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة ويورثُ به من الجانبين، الزوجة ترث الزوج، والزوج يرث الزوجة.
(وَوَلَاءٌ) وولاءٌ وثانيها ولاءٌ يعني النوع أو السبب الثاني من أسباب الميراث المتفق عليها بين العلماء الولاء، وَلاء بفتح الواو ممدود ولاء بالهمزة يعني، والمراد ولاء العَتاقة بفتح العين أي العتق بمعنى العتق، ولاءٌ سببه العَتاقة بالإضافة السبب إلى المسبب، ولاءٌ سببه العَتاقة احترز به عن ولاء الموالاة والمحالفة الذي كانت في الجاهلية، وهذا مختلفٌ فيه هل يرث به أو لا، (هدمي هدمُك دمي دمُك إرثي ترثني وأرثك) كان في الجاهلية هكذا، يأتي بأي شخص صاحبه ويأتون بهذه المحالفة والموالاة ثم يرثه و .. إلى آخره، هذه هدمها الإسلام، وهل يرث بها أو لا؟ محل خلاف والصحيح أنه لا يرث بها.
إذًا قوله: (وَوَلَاءٌ). أطلق الولاء فهذا يحتمل أنه ولاء المختلف فيه، والولاء المتفق عليه، لكن بسياق ما أراده المصنف أنه حكاية للأسباب المتفق عليها جعلناه قرينة. إذًا قوله:(وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ). أي: ولاءُ العَتاقة، ولا يشمل الولاء المختلف فيه، لو قال قائل نعمم وهو أولى، نقول: لا، عدم التعميم هو مراد الناظم رحمه الله تعالى، لأنه قال:(أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ). حدد ثلاثة، فحينئذٍ الثلاثة هذه هي المتفق عليها نجعلها قرينة لتقيد قوله: ولاء بأنه المراد به ولاء العَتاقة. ولاءٌ قلنا: المراد به ولاء العَتاقة، أي ولاء سببه العتاَقة، والعَتاقة بمعنى العتق، والولاء في اللغة هو السلطة والنصرة، ويُطلق على القرابة يسمى ولاء، قال الجوهري: يقال بينهما ولاءٌ أي قرابة.
وأما في اصطلاح أهل الشرع الفقهاء فهو عصوبة سببها نعمة العتق على رقيق، عُصُوبة فُعُولة سببها، سببُ هذه العصوبة نعمة العتق على رقيق، عندنا مُنْعِم ومُنْعَمٌ عليه، الْمُنْعِم هو السيِّد، والْمَنْعَم عليه هو العبد والرقيق. الولاء هنا هو وصف للسيد متى؟ إذا أعتَق حينئذٍ بعتقه لذلك العبد صار هذا العتق سببًا في ماذا؟ في ثبوت الإرث بينهما، ولذلك قال: عُصُوبة. والعصوبة المراد بها ارتباط بين الْمُعْتِق والعَتِيق. المعتِق بكسر التاء السيد، والعتيق فَعِيل بمعنى مَعْتُوق وهو العبد. فإذا قيل: المعتق، فالمراد به السيد، وإذا قيل العتيق فالمراد به العبد، إذًا عُصُوبةٌ يقال تعصب القوم عليهم تجمعوا فثَمَّ ارتباطٌ واجتماع بين المعتق والعتيق، كالارتباط بين الوالد وولده، عُصوبة بين الوالد وولده، وهذه العصوبة بين الوالد وولده كذلك سببها نعمة، وهي كون الوالد سببًا في وجود الولد هذا من العدم إلى الوجود، كذلك السيد سبب في وجود العتيق لأنه قبل إعتاقه كان كالمعدوم، لا يملك، لا يرث، لا يورث، لا يهب، لا يكتسب .. إلى آخره، فليس له تصرف البتة. حينئذٍ هو شبه المعدوم، فلما أعتقه صار حرًّا، فيرث، ويورث، ويكتسب، ويهب ويُوهب .. إلى آخره، حينئذٍ وجدت أو وُجِدَ سبب الإنعام من المعتِق على عتيقه، هنا قال: كالارتباط بين الوالد وولده، سبب تلك العصوبة إنعام المعتِق على رقيقه بالإعتاق، وهو حلّ الملكية فيه سواء كان عتقًا مُنًجَّزًا أو معلقًا، منجزًا الآن أنت حرّ، معلقًا إذا جاء شهر رمضان فأنت حرّ هذا معلّق، تطوعًا أو واجبًا كفارة ونحوها، والتطوع واضح، فجميع وجوه العتق يثبت بها الولاء. إذًا عصوبةٌ سببها سبب هذه العصوبة [نعمة المعتِق نعم] نعمة العتق على رقيقه، سُمِّي ذلك ولاءً قالوا: لانتساب العتيق إلى معتقه كانتساب الولد لوالده. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الولاءُ لمن أعتق» . هذا ليس لبيان كون الولاء سببًا من أسباب الميراث، وإنما لقوله سببها نعمة العتق، ولذلك قال هنا في الحديث:«إنما الولاء لمن أعتق» . أي لا لغيره، لأن إنما هذه تفيدُ الحصر، إثبات الحكم في المذكور ونفيه عمّن عداه، فالولاء يكون لمن أعتق، ومن أعتق صلة وموصوله، والصلة والموصول في قوة المشتق، وهنا علق الحكم على المشتق، حينئذٍ يدور الحكم من علته وجودًا وعدمًا. إذًا هذا الاستدلال هنا من المصنف مرادٌ به التأكيد على قوله: سببها نعمة المعتق. ووجه الاستدلال كذا قال البيجوري: أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلِّيَّةِ ما منه الاشتقاق، القاعدة، والموصولُ وصلته في قوة المشتق، أين الموصول؟ لمن أعتق، يعني للذي أعتق، الموصول مع صلة في قوة المشتق، يعني يمكنك أن تُزيل من أعتق وتضع في مكانه مشتق اسم فاعل اسم مفعول ..
إلى آخره، كأنه قال للمعتق تعليق الحكم للمشتق يؤذن بعلِّيَّةِ ما منه الاشتقاق والموصول وصلته في المشتق، فكأنه قيل الولاء للمعتق لأجل إعتاقه، مثل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لسرقتهما {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] لزناهما، إذًا لتعليل هذا أُخِذَ من ماذا؟ من كون الحكم رُتِّب على مشتق، فيدور الحكم مع علته وجودًا وعدمًا، أي لأجل إعتاقه، فعلم من ذلك أن الإعتاق هو سبب الولاء «إنما الولاء لمن أعتق» . هذا حديث متفقٌ عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا الولاء يرث به المعتِق دون العتيق، يعني يرثُ به من جانب واحد، واختص به المعتق خاصةً دون العتيق لأن الإنعام من جهته فقط، فاختص الإرثُ به لأنه هو المنعم، قلنا: عندنا مُنْعِم ومُنْعَمٌ عليه، المنعَمُ عليه لم يقدم شيئًا، وإنما الذي قدّم هو الذي أنعم، فاختص الولاء به، ويرثُ به المعتق خاصةً لأن الإنعام من جهته فقط، فاختص الإرثُ به. والشارح يقول من حيث كونه معتِقًا، وهذا التقييد لا وجه له، يعني وجوه وعدمه سواء احترازًا هو أراد أن يحترز به من العتيق إذا ورث من صورةٍ، صورة يقول: لو اشترى ذمي إذًا ليس المسلم، ذمي اشترى عبدًا، ثم أعتق هذا العبد، ثم هذا السيد الذمي التحق بدار الحرب فاستُرِق حينئذٍ إذا اشتراه عتيقه فاعتقه يرث أو لا؟ يرث، يرث من ماذا؟ يرث من سيده قبل أن يذهب إلى دار الحرب، طيب يرث من أي جهة من جهة كونه عتيقًا أو من جهة كونه معتِقًا؟ الثاني إذًا لا داعي إلى هذا القيد.
إذًا يرث به المعتِق وعصبته المتعصبون بأنفسهم إذا لم يوجد عتيق سيد أعتق عبدًا، ثم مات السيد وعنده ابن مات العبد وله مال؟ يرثه سيده الذي أطلقه وأعتقه لكنه مات حينئذٍ ينتقل الإرث أو سبب الإرث الولاء من الأصل وهو السيد إلى العصبة، لكن يشترط في العصبة هنا أن يكونوا عصبةً بالنفس، سيأتي معنا أن العصبة أنواع:
عصبة بالنفس.
وعصبة بالغير.
وعصبة مع الغير.
الذي يرث بسبب الولاء السيد، فإن فُقِدَ العتيق الْمُعْتِق فإن فقد حينئذٍ عصبتهُ المتعصبون بأنفسهم، وهذا سيأتي بحثه في باب التعصيب، كابن المعتق ابنه لو مات المعتق العبد من يرثه؟ ابنه أو أبوه أبو المعتق أو جدّه واحد منهم المتعصبون بأنفسهم، لا المتعصبون بالغير كبنات المعتِق مع بنيه فإنهن عصبات بالغير، وكذلك يحترز به عن أخوات المعتِق مع بناته فإنهن عصباتٌ مع الغير فلا إرث لهن بالولاء.
إذًا الذي يرث بالولاء هو المعتِق الذي عتق باشر العتق العِتَاق ثم إذا لم يكون فعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بالغير ولا مع الغير، وهذا تفهمونه بما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: «الولاء لحمةٌ كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب» . هذا دليلُ اعتبار الولاء سبب من أسباب الميراث وليس الأول، الأول الحديث دل على ماذا «إنما الولاء لمن أعتق» . من الذي يوصف بالولاء ولا العتاقة؟ الذي أعتق هذا لا يدل على أنه يرث، لا يدل على أنه يورث به، ليس سببًا، ولكن الدليل الذي يدل على أن الولاء من أسباب الميراث هو النص هذا الذي ذكره الشارح:«الولاء» أي الولاء؟ ولاء العتاقة يثبت لمن؟ لمن أعتق أو عصبته المتعصبون بأنفسهم، «لحمة كلحمة النسب» . شَبَّهَ النبي صلى الله عليه وسلم ولاء العتاق بالنسب، والنسب يورث به وهو مُشَبَّهٌ به فكذلك الْمُشَبّه يورث به، واضح؟ لُحمه لَحمه بالوجهين بالضم والفتح يجوز فيها الوجهان، «الولاء لحمةٌ» أي عُلْقَةٌ وارتباط كعُلْقَةِ وارتباط النسب، فيثْبُتُ للمُشَبّه ما ثبت للمُشَبَّهِ به، المشبّه هنا الولاء، والمشبّه به النسب، يثبت للمشبه ما ثبت للمشتبه به وهو الإرث، فيثبت للمشبه ما ثبت للمشبه به وقد ثبت للمشبه به الإرث فيثبت للمشبه، لكن المشبه هنا لا يُعْطَى حكم المشبه به من كل وجه لأن النسب يورث به من الطرفين، وأما الولاء فيورث به من طرفٍ واحدٍ، فلا يقال التشبيه يقتضي أنه يورث به من الجانبين كما في النسب، مع أنه لا يُورث به إلا من جانب واحد، وهذا محل إجماع بين أهل العلم. «كلحمة النسب» لا يُباع أو لا يُوهبُ، لا يباع يعني لا يجوز بيعه، ولا يُوهب يعني لا يجوز هبته أعطاه هبه. رواه الشافعي رحمه الله تعالى من حديث .. ، صححه بن حبان والحاكم، وفي الحديث اختلاف، لكن محل إجماع المسألة محل إجماع في الجملة.
إذًا السبب الثاني الذي يورث به هو الولاء، والمراد به ولاء العتاقة، ويورث به من جانب واحد وهو أن المعتِق هو الذي يَرِثُ العتيق من غير عكس، العتِيق لا يرث الْمُعْتِق إلا إذا أعتقه على المثال الذي ذكرناه فيرث حينئذٍ من حيث كونه معتِقًا، وكذلك عصبته المتعصبون بأنفسهم.
(وَنَسَبْ) هذا هو الثالث، والنسب المراد به: القرابة، القرابة بين الوارِث والمورِّث، لا بد من سبب يربط بينهما، ما يُتوصل به إلى غيره، لا نصل إلى الإرث إلا من طريق شرعي: إما نكاح، وإما ولاء، وإما نسب.
والنسب أي القرابة والمراد بها الرحم، وعُرِّفَتْ عند أرباب الفرائض بأنها الاتصال بين إنسَانَيْنِ بولادة قريبة أو بعيدة، اتصال بين إنسَانَيْنِ تثنية إنسان، بولادة يعني بجمعهما بطن، إما قريبة وإما بعيدة، قريبة كالابن مع الأب وأمه، بعيدة كالجد أو جد الجد ونحو ذلك، فيجمعهما أصلٌ واحد وإن بُعدَ. إذًا اتصال أي ارتباط واجتماع بين إنسانين سواء كان ذكرًا وأنثى، أو أنثى وأنثى، أو ذكر وذكر بولادة يعني بسبب ولادة قريبة أو بعيدة، ولذلك قال بعضهم: الرحم إنما سُمِّيَتْ رحم لاشتقاقها من الرحم، يعني كل منهما يخرج من رحم واحد، فهو الأصل، لقوله تعالى:{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75]. والرحم لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة قربت أو بعدت، كانت من جهة الأب أو من جهة الأم، وهي مؤنثة الرحم مؤنثة، والمراد بها: الأبوة، والبنوة، والإدلاء بأحدهما، فيرث بها الأقارب، يعني يورث بها من الجانبين تارة، ويورث بها من أحد الجانبين أخرى، يعني الأصل فيها ألا تقتصر على أحد الجانبين دون الآخر، هذا هو الأصل فيها، فالأب يرث من ابنه، والابن كذلك يرث من أبيه، البنت ترث من أمها، والأم ترث من ابنتها، .. وهكذا.
قال هنا: وهم الأصول والفروع والحواشي، يقسم الفرضيون القرابة إلى ثلاثة أنواع:
- الأصول جمع أصل.
- والفروع جمع فرع.
- والحواشي جمع حاشية.
ما المراد بكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة ومن الذي يرث منهم؟
إذ ليس كل أصلٍ يرث، وليس كل فرع يرث، وليس كل حاشية ترث.
أصول، وفروع، وحواشي.
فالأصول من لهم ولادة على الشخص كالأم والأب وإن عَلَو، الجد له ولادة على الشخص، كذلك جَدّ الْجَدّ، والْجَدّة وجَدَّة الْجَدّة .. وهلم جرا، وإن علو، والوارث منهم ليس كل أصل يرث إذ هما قسمان وارثٌ ورحمٌ، الذي يرث هو من؟
كل ذكرٍ ليس بينه وبين الميت أنثى، هذا ضابطه، كل ذكرٍ ليس بينه وبين الميت أنثى، يعني أب، أبُ الأب، أبُ أبي الأب، هذا متصل كلهم ذكور إلى الميت، هَلَكَ هَالِك ولد وترك أبًا، هذا متصل، ترك أبا أبٍ ترك أبا أبٍ أَبٍ نقول: هذا متصل بمحض الذكور وليس بينهما أنثى، كالأب وأبيه وإن علا بمحض الذكور.
فإن كان بينه وبين الميت أنثى فهو من ذوي الأرحام كأبي الأم، أبو الأم هل يرث في الابن؟ نقول: هذا من ذوي الأرحام ليس له لا تعصيب ولا فرع.
إذًا النوع الأول من الوارثين من الأصول: كل ذكرٍ ليس بينه وبين الميت أنثى، فإن وقعت الأنثى بينه وبين الميت فهو من ذوي الأرحام، والمذهب يورثهم على تفصيل يأتي في محله. الثاني ممن يرث من الأصول - الأول باعتبار الذكر - وأما الأنثى كل أنثى ليس بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى، هذه ضوابط - سيأتي باب الوارثين من الرجال وباب الوارثين من النساء على التفصيل وهي واضحة بينة - لكن من حيث الضوابط العامة التي لا تُشْكِل على الشخص يحفظ هذه القواعد، كل أنثى ليس بينها وبين الميت ذكرٌ قبله أنثى، فإن وجد قبله أنثى فحينئذٍ لا يرث.
إذًا الذي يرث وهو من النوع الثاني من الأصول: كل أنثى بينها وبين الميت ذكرٌ قبله أنثى، كالأم وأمها، أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وإن عَلَوْنَ بمحض الإناث، فإن كان بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى فهي من ذوي الأرحام كأم أبي الأم، إذًا وقع بينهما ماذا؟ ذكرٌ قبله أثنى، لأنها مدليةً بمن هو من ذوي الأرحام، وبعضهم يضبطها إذا أدلت بوارثٍ ترثُ، وإذا أدلت بذوي رحمٍ لا ترث. يعني الضابط في هذا النوع الثاني إذا أدلت بوارث ترث، وأما إذا أدلت بغير وارث ذوي أرحام فإنها لا ترث، لكن هذا الضابط فيه شيء من النظر، ولذلك اختلفوا في الجدة المدلية بذكر وارث فوق الأب كأم الجدّ وأبيه وإن عَلَت. هذا سيأتي بحثه في باب الجدات والصحيح أنها ترث.
والفروع إذًا الأصول من هم؟ من لهم ولادة على الشخص، وهذا إما أن يكون ذكرًا، وإما أن يكون أثنى، وسيأتي التفضيل في بابه من الذي يرث من الذكور، من الذي يرث من الإناث.
وأما الفروع وهم كل من للشخص عليهم ولادة، كالأولاد وأولادهم وإن نزلوا، ذاك باعتبار الأصل كأصله، وهذا فرع، والوارث منهم كل من ليس بينه وبين الميت أنثى كالأولاد وأولاد الأبناء، فأما من بينه وبين الميت أثنى كأولاء البنات فمن ذوي الأرحام، ولد البنت هذا من ذوي الأرحام.
وأما الحواشي فهم فروع الأصول كالأخوة والأعمام وأبنائهم وإن نزلوا، والوارث منهم ثلاثة أنواع:
الأول: الأخوات مطلقًا، فأما غير هن من إناث الحواشي فمن ذوي الأرحام كالعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت العم .. ونحوهم. هؤلاء من يعتبرن من ذوي الأرحام. إذًا الأخوات مطلقًا.
الثاني: الإخوة من الأم دون فروعهم، الإخوة من الأم وهم لأصحاب فروع، كما سيأتي.
الثالث: كل ذكرٍ أدلى بذكرٍ، كالأخوة والأعمام لغير أم، وأبنائهم، فأما المدلي بأنثى كالخال والعم لأم وابن الأخت .. ونحوهم فمن ذوي الأرحام، والمذهب يورث ذوي الأرحام لكن بعد عدم وجود صاحب فرض أو تعصيب.
إذًا وثالثها: (نَسَبْ) أي قرابة وهم الأصول والفروع والحواشي على التفصيل الذي ذكرناه من حيث القواعد، وأما من حيث الأسماء والأوصاف الخاصة فسيعقد المصنف بابين، بابًا للوارثين من الرجال وهم عشرة في الجملة وخسة عشر عند التفصيل، والوارثات من النساء سبعُ كذلك جملة وعشرة عند التفضيل، وسيأتي في محله.
وثالثها: (نَسَبْ). وإذًا نسب يورث به من الجانبين تارة كالابن مع أبيه، والأخ مع أخيه، ومن أحد الجانبين أخرى كالجدة أم الأم مع ابن ابنتها، وأخّر هنا المصنف قال:(وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ). أي هذه الثلاث أقوى من حيث الارتباط؟
لا شك أنه النسب، ويكفي فيه أنه سابق يعني قبل النكاح، يعني النكاح طارئ، وكذلك الولاء طارئٌ وأما القرابة فهذه سابقةٌ، وأخّر النسب وإن كانت أقوى الأسباب لأنها من أصل الوجود كالأب والابن بخلاف النكاح والولاء فإنها يطرآن، وأيضًا هي لا تزول، القرابة لا تزول، والنكاح قد يزول، وأيضًا يورث بها بالفرض والتعصيب القرابة يورث بها بنوعي الإرث فرض والتعصيب، والنكاح يورث بالفرض فقط لا تعصيب فيه، والولاء يورث به بالتعصيب فقط ولا فرض فيه. إذًا ما جمع النوعين أقوى مما كان فرضًا فقط، أو كان تعصيبًا فقط.
وأيضًا يحجب نكاح نقصانًا، والولاء حرمانًا، وهما لا يحجبانه. يفهم بما سيأتي في باب الحجب، بهذه الأمور الثلاثة النسب أقوى من النكاح والولاء، وأخره المصنف هنا لماذا؟ لأجل النظم فحسب، لأجل استقامة النظم. قال الشارح: ولطول الكلام عليها، لأن أكثر الأحكام الآتية فيها - يحتمل هذا - يحتمل أنها أكثر الأحكام الآتية من التبويبات خاصة بالقرابة، أو أن أكثر من يكون من أصحابها هم القرابة.
(مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ) ليس سببٌ بعدهن بعد هذه الثلاثة، (مَا) هنا بمعنى نافية بمعنى ليس، وسببٌ اسمها، وبعدهن هذا متعلق بمحذوف خبر مقدم، (مَا بَعْدَهُنَّ) أي بعد هذه الأسباب الثلاثة المتفق عليها للمواريث جمع ميراث بمعنى الإرث سببٌ أي متفقٌ عليه، ويحتمل (مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ) صحيح، فحينئذٍ يكون الناظم هنا قد رجح في الأسباب الأربعة المختلف فيها ليست بأسباب، لكن هذا قد لا يقال به لأن المصنف شافعي، والشافعية عندهم شرطٌ وعندهم سببٌ رابعٌ وهو بيت المال إن انتظم، حينئذٍ يكون مما يَحْصُلُ به التوارث، (مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ) يعني للإرث (سَبَبْ) أي متفقٌ عليه، وإلا هناك سبب رابع مختلفٌ فيه وهو جهة الإسلام، يعني جهةٌ هي الإسلام، فيرث به بيت المال إن كان منظمًا عندهم عن الشافعية، وأما عند الحنابلة لا، لا يرث به البتة وهو الصحيح، وإن كان ثم أسباب كذلك مختلفٌ فيها وهي الالتقاط، والمعاهدة، والولاء، ومن أسلم على يده هذه ثلاثة مع بيت المال أربعة هذه كلها مختلفٌ فيها، والصحيح في المذهب وترجيحًا أنه لا يورث بها البتة، وإنما الأسباب المتفق عليها هي هذه الثلاثة النكاح والولاء ولاء العتاقة والنسب، (مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ) متفقٌ عليه، ولا على جهة الترجيح، حينئذٍ لا إرث لا ببيت المال ولا بالالتقاط، ولا بمن أسلم على يديه، ولا بالمعاهدة والولاء هذه كلها أسبابٌ ضعيفة، والراجح فيها انه لا يورث بها. وإن ذكر شيخ الإسلام في بعضها أنه يصح بها الإرث، لكنه منازعٌ من جهة الدليل.
ثم شرع في ما يتعلق بالموانع وهي مرتبطة بهذا الباب، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.