الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* موانع الإرث.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قد وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: (وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ).
وسبق تبويب العام، (بَابُ أَسْبَابِ الْمِيْرَاث) وقلنا: باب بيان أسباب الميراث وكذلك الموانع يعني بوّب لشيءُ واحدٍ وذكر شيئين، وهذا يكون من باب الاكتفاء يعني ذكر شيئًا في الترجمة وسكت عن الثاني، (أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَةْ) يعني مجمعٌ عليها كلٌّ أو كلّ واحدٍ من هذه الأسباب الثلاثة يفيد صاحبه المتصف به الوراثة، يعني الإرث
وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ
…
مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ
يعني ليس بعد هذه الثلاثة سببٌ مجمعٌ عليه، وكل ما قيل من الأسباب الأخرى وهي وصلت إلى أربعة بيت المال والالتقاط والمعاهدة والولاء، ومن أسلم على يديه هذه أربعة والصواب أنها لا تكون سببًا للميراث، يعني لا يكون واحدٌ من هذه الأربعة موجبًا أو مستوجبًا لاتصاف صحابه بالإرث.
ثم ننتقل إلى بيان الموانع، الموانع جمع مانع مأخوذٌ من المنع اسم الفاعل وهو في اللغة الحائل بين الشيئين، ومنه قولهم: هذا مانع بين كذا وكذا، أي حائلٌ بينهما. وأما في الاصطلاح: فله تعريفٌ مشهور، وله تعريفٌ غيرُ مشهور، وغيرُ المشهور هو الأضبط وهو ما عرفه الآمدي رحمه الله تعالى بقوله: الوصف الوجودي المنضبط المعرّف نقيض الحكم.
الوصف الوجودي، وصف وجودي يعني ليس عدميًا، منضبط لأن الوصف نوعان:
- وصف يصلح أن يكون ضابطًا.
- ووصفٌ منتشر لا ينضبط به الشيء.
ولذلك في البيع هناك قلنا من شروط البيع: أن يكون مبيعٌ معلوم برؤية أو بصفة، وهذه الصفة يشترط فيها أن تكون منضبطة. إذًا الوصف من حيثُ هو في كل موضح قد يكون منضبطًا يعني يحصل به اتصاف الشيء تعينهُ بهذه الصفة، وقد لا يكون كذلك، هنا الوصف الوجودي لا العدمي المنضبط الْمُعَرِّفُ نقيض الحكم، كالرِّقّ فإنه وصف وجودي منضبط معرّف نقيض الحكم، معرف نقيض الحكم الذي هو: الإرث، ونقيضه عدم الإرث، معرف نقيض الحكم، نقيض الحكم ما هو؟
عدم الإرث، والحكم هو معرف نقيض المحكم الذي هو الإرث، نقيضه عدم الإرث.
وأما الحدّ المشهور هو ما عرفه الشارح بقوله: ما يلزمُ من وجوده العدم، ولا يلزمُ من عدمه وجودٌ ولا عدمٌ لذاته.
(ما) يعني وصفٌ يلزمُ من وجود هذا الوصف العدم، يعني عدم الحكم كالرق المثال المذكور يلزم من وجود الرق عدم الإرث، ولا يلزم من عدمه عدم الرق وجودٌ ولا عدمٌ، يعني قد لا يكون رقيقًا ولا يرث، إما لانتفاء شرط أو لانتفاء سبب.
(ما يلزم من وجوده العدم) ما يلزم من وجوده يعني وجود الرق عدم الإرث، ولا يلزم من عدمه وجود الإرث لاحتمال ألا يكون رقيقًا ولا يرث لفقد شرطٍ، ولا يلزم من عدمه أيضًا عدمُ إرث، لاحتمال ألا يكون رقيقًا، ويرث لوجود الشرط فالمانع إنما يؤثر بطرف واحد يعني من حيث الوجود فحسب، أما عدم المانع فلا تأثير له بخلاف السبب، السبب يؤثر وجودًا وعدمًا، يؤثر بطرفيه، وأما المانع فيؤثر بطرف واحد وهو الوجود، إن وجد عدم الحكم إن لم يوجدْ لا، لا يكون مطّردًا، المانع إنما يؤثر بطرف الوجود بخلاف السبب، فإنه يؤثر بالطرفين الوجود والعدم، بخلاف الشرط فإنما يؤثر بطرف العدم لا الوجود.
إذًا عندنا ثلاثة أشياء: سببٌ، وشرطٌ، ومانعٌ.
كلٌ منهما ملاحظٌ من حيث الوجود والعدم، لكن هل التأثير في هذه الثلاثة الأشياء مطلقًا وجودًا وعدمًا؟
نقول: تفصيل السبب يؤثر وجودًا وعدمًا، وجوده يؤثر وعدمه كذلك يؤثر، وأما المانع فيؤثر من حيث الوجود ولا يؤثر من حيث العدم، والشرط يؤثر من حيث العدم ولا يؤثر من حيث الوجود. يوجد الوضوء ولا يلزم منه وجود الصلاة. إذًا ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجودٌ ولا عدمٌ لذاته. وقوله: لذاته. فيه كلام طويل يحتاج إلى وقفة لكن لها مقدمات.
وموانع الإرث ذكر المصنف منها ثلاثة وهي المجمعُ عليها، وأما المختلف فيه وهذا عَدَلَ عنه لأن هذا مختصر ويكاد أن يكون ذكر ما اتفق عليه أهل العلم، وهذا شأن المختصرات كما ذكرناه مرارًا، كـ ((الورقات))، و ((الآجرومية)) ونحوها تذكر الأمور التي اتفق عليها بين أهل ذلك الفن.
قال الناظم:
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ
…
وَاحِدَةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلَاثِ
رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِيْنِ
…
فَافْهَمْ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَالْيَقِيْنِ
(وَيَمْنَعُ) إذًا الكلامُ في المانع لأنه قال يمنع، ويمنع هذا فعل مضارع، والفعل المضارع والوصف الذي هو المانع الذي سبق حدّه لأن الموانع قلنا: جمع مانع، مأخوذ ماذا؟ من المنع، ويمنع كذلك مأخوذ من المنع، إذًا كل منهما المضارع والوصف مشتق من المصدر وهو المنع فالدلالة واحدة، لا يشترط أن يصرَّح بالمانع اسم فاعل، إنما يمنع الشخص أطلق الشخص هنا وأراد به الذي قام به سبب الإرث، لأن المنع إذا قيل بأن هذا الشيء يمنع من كذا يُشترط في الممنوع أو من قام به المانع أن يكون قد قام به سبب الإرث ووجد الشرط، فهذا الشخص المعين هو الذي يصح أن يقال مُنِعَ من كذا، مُنع من الإرث، أما إذا لم يقم به سبب الإرث نكاح ولا نسب لا يتصف بكونه مانعًا، لو وُجد مثلاً شخص بعيدًا عن الميت قتله لا نقول هذا قاتلٌ وقد قام به القتلُ وهو مانعٌ من الإرث، نقول: لا هو أصلاً لو لم يقتل ما ورث، أليس كذلك؟ لو كان أجنبيًّا منفكًا عنه لم يُوجد فيه لا نكاح ولا ولاء ولا نسب، فإذا قتل حينئذٍ نقول: لا يرث من المقتول لا لكونه قاتل قام به سبب أم قام به المانع، وإنما لكونه لم يوجد فيه سبب الإرث، فحينئذٍ يكون المنعُ على جهةٍ معينة على شخص معين ليس مطلق الشخص، وإنما الشخص الذي هو أهلٌ بأن يرث، بأن يكون وجد فيه واحدٌ من الأسباب الثلاثة، حينئذٍ إذا اتصف بشيء من هذه الموانع الثلاثة نقول: مانع الإرث. وأما إذا لم يكن قد قام به سبب من أسباب الإرث ولو وجد فيه واحد من هذه الموانع الرق والقتل واختلاف الدين، لا نقول: بأنه مانع، لأن حديثنا عن شخص معين يرث أو لا يرث، هذا المرادُ هنا. إذًا (وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ) أطلق الشخص وأرد به شخصٌ معين وهو الذي قام به سبب الإرث، ويمكن أن نجعل (أل) هنا للعهد الذهني والذي يوقف على ذلك هو الموقّف. تحتمل هذا، (وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ) يعني الشخص الذي قام به سبب الإرث حينئذٍ المراد بالمانع هنا: ما يجامع السبب والشرط، ولذلك يقدم الكلام على الأسباب والشروط، ثم تذكر الموانع، هكذا جرى أهل الفرائض، يتكلمون عن الأسباب، ثم عن الشروط، ثم الموانع. لماذا أخروا المانع؟
ليكون الترتيب مقصودًا بأن يكون قد قام بالشخص أسباب الإرث، أو سبب من أسباب الإرث وتحقق الشرط، حينئذٍ إذًا اتصف بواحدٍ من هذه الأوصاف الثلاث نقول: أنت ممنوع، لولا هذا المانع لكنت وارثًا، إذًا المراد بالمانع هنا: ما يجامع السبب والشرط. يعني يتحقق السبب فيه في هذا الشخص المعين وكذلك يتحقق الشرط، فحينئذٍ إذا اتصف بواحد من هذه الموانع الثلاث قلنا: وُجد السبب وتحقق الشرط ولم يؤثر السبب ولم يؤثر الشرط لا لذات كلٍّ منهما، وإنما لقيام مانع من تأثير كلٍّ منهما. إذًا
…
(يَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ) من الإرث، ميراث سبق أنه مِوْراث هذا الأصل، وهو مصدر أطلق وأريد به المعنى المصدري.
قوله: (الشَّخْصَ) بالنصب على أنه مفعول مقدم، وقوله:(وَاحِدَةٌ) نعت وصفة لموصوف محذوف علةٌ واحدةٌ.
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ
…
وَاحِدَةٌ ...............
(وَاحِدَةٌ) فاعل، الإعراب الاصطلاحي نقول: فاعل، لكن عند الفحص والتحقيق نقول: صفة لموصوف محذوف، والمحذوف في الأصل ذاك هو الفاعل، مثل أن تقول: رأيت صالحًا. ليس رجلاً صالحًا، يعني: رأيت صالحًا، صالحًا ليس مفعولاً به لأن صالح هذا وصف في الأصل، فحينئذٍ تقول: صالح هذا نعت لمنعوت محذوف تقديره رأت رجلاً صالحًا. وهكذا، هذا هو الأصل، هذا عند الفحص وإلا فالنحاة يمشون على الظاهر، يقولون: مفعول به .. إلى آخره (وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ) من الإرث
…
(وَاحِدَةٌ) يعني علّة واحدةٌ (مِنْ عِلَلٍ ثَلَاثِ) من ثلاث علل، وعلل جمع علة وهي في اللغة: المرض. العلة المرض، رجل عليل يعني مريض، وتطلق على كل حدث شاغل. تسمى علة.
واصطلاحًا يعني في هذا المحل، علل المانع من الصرف لها معنى خاص عند النحاة، العلل هناك عند الصرفيين لها معنًى خاص. هنا العلة في هذا المقام: ما يُورِثُ في الشخص الحرمان من الإرث بعد تحقق سببه. (ما) اسم موصول بمعنى الذي يصدق على وصف لأن التي سيذكرها كلها أوصاف، لذلك تعريف الآمدي للمانع بأنه وصف، الرق وصف، اختلاف الدين وصف، القتل وصف، كل منها وصف. إذًا ما وصفٌ يورث في الشخص الحرمان من الإرث بعد تحقق السبب، ولا يكون مانعًا إلا بعد وجود السبب، وأما إذا لم يكن خرج من مصطلح الفرضيين.
(وَاحِدَةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلَاثِ) يعني من ثلاث علل، (رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) وهذه مجمعٌ عليها، وثَمَّ ثلاثة مختلفٌ فيها والصحيح أنها لا تمنع، وأما الردة فهي داخلة في قوله:(وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) كما سيأتي. (رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) أولها:
(رِقٌّ) هذا خبر لمبتدإٍ محذوف لأنه رفعه، لو قال: رقٍّ. لجعلناه بدلاً مفصل من مجمل (عِلَلٍ ثَلَاثِ) لكن لما رُفع جعلناه خبرًا لمبتدأٍ محذوف أولها (رِقٌّ).
(وَقَتْلٌ) هذا عطف جملة على جملة، وثانيها قتلٌ خبر لمبتدأٍ محذوف وليس معطوفًا على رق.
(وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) كذلك عطف جملة على جملة، يعني وثالثها، ثالث الموانع اختلاف دين، هذا لأنه رفع، ويجوز الخفظ على البدلية، فيكون بدل مفصل من مجمل.
..................
…
........... مِنْ عِلَلٍ ثَلَاثِ
رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِيْنِ
…
..........................
إذًا أحدها أو أولها:
(رِقٌّ) الرق له معنى لغوي وله معنى اصطلاحي شرعي. وهو في اللغة: العبودية، العبودية هو الرق، والرق هو العبودية، حينئذٍ له معنى في اللغة وهو الذي يطلق عليه بأنه عبدٌ. (رِقٌّ) إذًا الرق في اللغة العبودية، وهذه العبودية ليست العبودية التي تكون من شأن المخلوق والخالق، لا، إنما المراد بها وصف خاص.
وأما في الشرع: فالرق: عجز حكمي يقوم بالإنسان بسببِ الكفر، بسببٍ هو الكفر. عجز العجز ضد القدرة، والعجز قد يكون عجزًا حسيًّا، كأن يكون عاجزًا عن البصر لا يرى، أو عاجزًا عن المشي، أو عاجزًا عن الكلام، هذا عجزٌ حسيّ، وهو عدم للقدرة إما بالكلية أو بعضها، وقد لا يكون كذلك، لا من حيث البدن ومن حيث الحس قوي، لكن ثَمَّ عجز من حيث نفوذ تصرفاته، فنظر الشارع إلى شيء معنوي [لا] إلى شيء حسي، ولذلك قال: عجز حكمي، يعني شيء محكوم به هو عاجز. إذًا العجز ضد القدرة ولما العجز على نوعين حسي ومعنوي الذي هو الحكمي حينئذٍ احتجنا إلى إخراج الحسيّ، فقال: حكمي. يعني في حكم الشرع لا حسيّ إن للعبد قدرة على التصرف حسًّا لكن الشرع منعه منه وحكم بعدم نفوذه، يعني لا يملك أهم شيء في العبد أنه لا يملك المال، فإذا أكتسب ذهب واشتغل و .. إلى آخره وحصل مالاً الذي في يده هو عاجز عنه، لا يملكه، وكذلك لا يملك أن يشتري، ولا يملك أن يبيع، وإذا أُهْدِيَ إليه شيء ليس له مِلك، وإذا وُهِبَ شيئًا ليس له مِلك، وإذا أُعْطِيَ عطيةً ليس له مِلك. إذًا هنا هو عاجزٌ لكن هذا العجز يعتبر عجزًا حكميًا مصدر الشرع، هو الذي حكم بكون هذه التصرفات لا تَنْفُذ، حينئذٍ لو باع أو اشترى لا ينفذ في الجملة، وكذلك لو وُهِبَ إليه أو وَهب هو نقول: هذه كله تصرفات غير نافذة. إذًا عجزٌ حكمي يعني في حكم الشرع لا حسي، إذ للعبد قدرة على التصرف حسًّا، حِسًّا يعني يمشي ويذهب ويأتي لكن الشرع منعه منه وحكم بعدم نفوذه، يقوم بالإنسان، يقوم: يعني قيام الصفة بالموصوف ليس القيام الحسي يقوم يقف، لا، ليس هذا المراد، إنما المراد: أنه قيام الصفة في الموصوف كما أنك جالس الآن أنت جالس؟ نعم جالس. الصفة قامت بك، ما نراها لكن نرى الهيئة على ما أنت عليه. (يقوم بالإنسان) يقوم هذا العجز الحكمي بالإنسان أي يتصف به الإنسان ذكرًا كان أو أنثى.
هل هذا القيد لبيان الواقع أو للاحتراز؟
لماذا البيان الواقع؟
هل عندنا عبد رقيق وليس بإنسان؟
ليس عندنا، إذًا إذا لم يكن عندنا رقيق ليس بإنسان صار هذا الوصف أو هذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز، إذا قلت للاحتراز معناه أخرجنا البهيمة، نقول: لا، البهيمة لا تتصف بكونها رقيقًا. إذًا يقوم بالإنسان هذا لبيان الواقع ومحل هذا العجز، عجزٌ حكمي يقوم بالإنسان قيام الصفة بموصوفها، يقوم بسببِ الكفر، بسببٍ هو الكفر، بسبب الكفر يعني بسببٍ هو الكفر، الإضافة هذه بيانية، وضابطها أن يصح أن يخبر بالمضاف إليه عن المضاف، يعني يجعل المضاف مبتدأ ويجعل المضاف إليه خبرًا، بسبب هو الكفر، أي بسبب هو الكفر فالإضافة للبيان، فخرج بذلك العجز الحكمي الذي يقوم بالإنسان لا بسبب الكفر، صبي عاجز أو لا؟ سبق معنا في البيع لا بد أن يكون جائز التصرف، إذًا خرج به الصبي فهو عاجز الحكم فهو عجز حكمي، حينئذٍ هل هذا العجز الحكمي بسبب الكفر؟ لا، المجنون طلّق اشترى باع تزوج .. إلى آخره، هل تثبت تصرفاته؟ [إيش فيكم] تَنْفُذ أو لا؟
لا، إذًا هو عاجز حكمًا، هذا عجزٌ حكمي لكنه هل بسبب الكفر؟
لا، ليس بسبب الكفر. إذًا ليس هذا الوصف وهو العجز الحكمي بماذا؟ خاصًا بالرقيق، فخرج بذلك العجز الحكمي الذي يقوم بالإنسان لا بسبب الكفر، بل بسبب عدم حسن التصرف كما في الصبي والمجنون، الصبي والمجنون عجز كل واحد منهما وهذا العجز مصدره الشرع يعني هو الذي حكم، وهذا ليس بأمر حسيّ وليس بسبب الكفر. إذًا اختص هذا الحد بالرقيق.
إذًا المراد بالرق هنا عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر، هذا حدٌّ واضح بيّن.
عرفه بعضهم بأنه وصف يكون به الإنسان مملوكًا، يباع ويوهب ويتصرف فيه، ولا يتصرف تصرفًا مستقلاً، وهذا لا إشكال فيه، واضح بيّن. وصف لأن الرق وصف، بل هذه الموانع كلها أوصاف يكون به الإنسان مملوكًا،، هذا بيان للرقيق، بأن يكون مملوكًا يعني يباع ويشترى، كما تملك الساعة التي في يدك تبيعها وتشتري، كذلك هذا الإنسان يباعُ ويشترى، ويتصرف فيه تَهديه هدية لغيرك، أليس كذلك؟ تعطيه عطية ولا يتصرف تصرفًا مستقلاً، هو لا يتصرف تصرفًا مستقلاً يعني لو تصرف من عند نفسه دون إذن سيده نقول: هذا التصرف ليس معتبرًا، ولو إذن له سيدهُ نقول: هذا التصرف معتبرًا. إذًا تصرف المقيد وإذا كان كذلك حينئذٍ صار هذا الوصف قاصرًا.
(رِقٌّ) هذا هو المانع الأول، وهو مانع من الجانبين، فلا يرث الرقيق بجميع أنواعه، سواءٌ كان قِنًّا، أو مُدَبَّرًا، أو مُكَاتَبًا، أو مُعَلَّقًا عتقه بصفة، أو مُوصَا بعتقه أو أم ولدٍ، والْمُبَعَّض، هذا أنواع الرقيق.
العبد لا يخرج عن هذه الأنواع، كلها لا يرث إلا الْمُبَعَّض على المذهب كما سيأتي.
قِنًّا كان أو مُدَبّرًا، القِنْ: هو العبدُ المملوك بكليته، كُلُّهُ غير مجزأ غير مبعض، هو العبد المملوك بكليته وليس واحدًا ممن ذكر بعده، يعني ليس مكاتبًا ولا ما بعده.
والْمُدَبّر: مأخوذ من دُبر الشيء: هو الذي عُلِّق عتقه على موت سيِّده، يعني قال سيده: إن مت فأنت حر. إذًا لو عاش مائة سنة فهو عبد، إن مات سيده تحرّر العبد، هذا يسمى ماذا؟ يسمى مدبرًا. العبد الذي عُلِّقَ عتقه بموت سيده.
والْمُكَاتَب: هو الذي تعاقد مع سيده على أقساط من المال إذا أدّاها أصبح حرًا، يعني يشتري نفسه بأقساط، يقول له: كل شهر أعطيك مائة ريال. وحينئذٍ نهاية السنة يكون اشترى نفسه بألف ومائتين، هذا يسمى المكاتبة لأنه اشترى نفسه من سيده على أقساطٍ.
والْمُعَلّق عتقه بصفة: كما إذا قال سيدهُ: إن جاء شهر رمضان فأنت حر. هذا معلق على صفة ليس على الموت. إذًا إن عُلق على موته فهو المدبر، وإن علق على وصف ليس هو الموت سمي مُعَلَّقًا بصفة.
وأم الولد: هي المملوكة التي وطئها سيدها وأتت بولدٍ، فيمتنع عليه هبتها أو بيعها لأحد، فإذا مات سيدها صارت حرة، أم الولد إذا وطئها السيد حينئذٍ ولدت مدت بقائها هي رقيقة، إذا مات صارت حرة بموت سيدها.
والْمُبَعَّض: كاسمه، بعضه حرّ وبعضه رقيق، يعني اشترك شخصان في اشتريا عبد أنا وأنت اشتركنا في شراء عبد، أنا قلت - طبعًا لي النصف مثلاً - قلت: هذا العبد حرّ. إذًا أطلقت سراحه وأنت أبقيته، إذًا صار مجزءًا مبعضًا هو حرّ وعبدٌ، حرّ باعتبار نصيبي، وعبد باعتبار نصيبك أنت. هذا المبعض، هذا يرث على المذهب.
إذًا المبعض من كان بعضه حرًّا وبعضه الآخر مملوكًا مجزء، فالرق مانع بجميع أنواعه إلا المبعض على المذهب، فلا يرث الرقيق بجميع أنواعه لأنه لو ورث لكان لسيده وهو أجنبي من الميت، يعني لو ورث هذا الرقيق من أبيه مثلاً أين يذهب هذا المال؟ لسيده، إذًا كأن السيد هو الذي ورث ذلك الأب وهو أجنبي عنه، لم يوجد فيه سبب من أسباب الإرث، فلما كان في الحقيقة ونفس الأمر أن الملك هذا المال الذي حصله الرقيق بموت أبيه ينتقل إلى سيده مباشرة، لأن تصرفه غير نافذ ولا يملك، حينئذٍ كأنه قد ورث ذلك الأجنبي من ذلك الأب، ولذلك منع أهل العلم أن يكون الرقيق وارثًا لمورثه، حينئذٍ صار هذا الوصف مانعًا، لماذا؟ لئلا يرث الأجنبي بغير سبب من أسباب الإرث، لأنه لو ملكه لو ورث العبد لكان لسيده وهو أجنبي من الميت، ولا يورث هو لأنه لا ملك له، يعني لو مات عبدوا عنده ابن حرّ مثلاً هل يرث ذلك الابن أباه الرقيق؟
الجواب: لا، لماذا؟ للعلة السابقة لأنه لا يملك شيئًا، ولا يورث لأنه لا ملك له، لو ملّكه سيده، لو قال له سيده: هذا المال لك فلا يملكه في نفي الأمر، بل هو عائد إلى سيده، لكن المبعّض هذا في المذهب يَرِث ويُورَث ويحجب على حسب ما فيه من الحرية عند الحنابلة، وهو الصحيح، أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، ويُمنع بقدر ما فيه من الرق، فيعامل جزءه الحر بحكم الأحرار، وجزءه الرقيق بحكم الأرقاء، فيرث بقدر جزءه الحر ويورث عنه ما وَرثه بذلك الجزء، وهذا هو الذي يناسب الأصول السابقة.
إذًا الرقيق لا يرث ولا يورث إلا إذا كان مبعضًا وجزءه الحر حينئذٍ يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من باع عبدًا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» . هذا نص واضح بيّن بأن العبد لا يملك شيئًا «من باع عبدًا» . من: شخص، باع عبدًا له، له مال: يعني في يده مال في يد العبد مال لمن يكون؟ قال: فماله للبائع: لسيده إلا أن يشترطه المبتاع، من؟ المشتري إذا اشترطه فحينئذٍ المسلمون على شروطهم وإلا الأصل أن يكون للسيد، ولأن السيد أحق بكسبه ومنافعه في حياته وكذا بعد مماته.
والرّق حق لله تعالى ابتداءً يثبت جزاءً على الكفر به، ولذلك لا يثبت على المسلم ابتداءً، الرق سببه الكفر كما ذكرناه سابقًا، فابتداءه يكون بسبب الكفر. إذًا هل يكون المسلم رقيقًا؟ الجواب: لا، ولذلك الفقهاء يذكرون مسألة ـ لو أغتصب حرّ فيبيع على أنه عبد لا تثبت له الأحكام التي ثبتت للرقيق، لأنه باعتبار الأصل لا يكون المسلم رقيقًا، لماذا؟ لأن سبب الرق محصور في شيء واحد وهو الكفر، جعله الله تعالى ابتداءً على الكافر عقوبة له وجزاء، ثم صار حقًا للسيد بقاءً بمعنى أن الشارع جعله مِلكًا بغير نظر إلى معنى الجزاء والعقوبة، لأنه إذا أسلم العبد بقي الرق كما هو، هل نقول الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، لَمَّا كان كفرًا حينئذٍ سُبِيَ صار رقيقًا، ثم إذا أسلم زال الوصف؟ نقولُ: لا، وهذا للشرع أن يفعل ما شاء، أن يجعل الحكم مقيدًا بسبب، ثم يزول السبب ويبقى الحكم مشرعًا، وهذا له نظائر كثيرة في مسائل شرعية، حتى أنه يبقى رقيقًا وإن أسلم، هذا هو المانع الأول.
(القتلُ)، (رِقٌّ وَقَتْلٌ)، يعني: وثانيها القتل، والقتل هذا خبر لمبتدأٍ محذوف تقديره وثانيها قتلٌ، والقتل هو إزهاق الروح مباشرةً أو تسببًا، إزهاق الروح مباشرة يقتله مباشرة أو تسببًا أن يتسبب في موته حينئذٍ يكون قاتلاً كأن يضربه مثلاً بجديدة على رأسه فيبقى شهرًا مريضًا ثم يموت، نقول: هذا قاتل. يعني ما قتله مباشرة، مباشرة يعني في وقته مات، ضربه فمات مباشرة هذا يسمى قتلاً مباشرةً، تسبب في قتله كأن يكون ضربه ضربةً قاتلة ولكنه بقي بعده أيام ثم مات، موته بسبب تلك الضربة فهو قاتلٌ له، ولا فرق بين أن يكون القتل عمدًا أو خطأً يعني يكون القتل مانعًا سواءٌ كان القتل عمدًا أو خطأً عمدًا واضح، ولو قتل أباه استعجل، منعه من الإرث واضح، لكن إذا أخطأ؟ أراد أن يرمي شيء فأصاب والده فمات يرث؟ لا يرث لماذا؟ لكونه قاتلاً له ولو كان خطأ تعميمًا لسدِّ الذريعة، لأنه إذا قيل بأن الخاطئ والمخطئ، القتل الخطأ لا يكون مانعًا من الإرث كل يدَّعِي أنه أخطأ، ففتح الباب، ولا شك أن سد الباب هذا مقصد من مقاصد الشريعة، إذًا تعميمًا لسد الذريعة ولئلا يدَعِي العامل أنه قتل خطأً، ولذلك منع. إذًا رقٌ وقتلٌ: قتل عرفنا معناه: إزهاق الروح مباشرة أو تسببًا.
أطلق القتل فعمّ العمد وشبه العمد عندنا الحنابلة والخطأ، لماذا؟
تعليمًا لسدّ الذريعة ولئلا يدَّعَي من قتل عمدًا أنه قد أخطأ وهو مانع للقاتل فقط، لا المقتول، يعني من قتل مورثه يمنع القاتل من الإرث، والمقتول هل يمنع من كونه وارثًا لقاتله لكونه قتل؟ الجواب: لا، لماذا؟
لأن هذا الوصف إنما تعلق بالفاعل وذاك مفعول لم يقتل، يعني إذا قتل ابنٌ أباه ضربه ضربةً وهذا لا يتأتى المثال في المباشرة، فلو قتله مباشرة انتهى طلعت روحه لكن لو قتله تسبب بضربه ضربةً قاتلة، ثم بقي الأب أيامًا ثم مات قبل موت الأب مات الابن، يمكن أو لا؟ يمكن ضرب أباه ثم بعده بيوم وبقي أبوه بعده بثلاثة أيام نقول: الأب يرث الابن وهو مقتول، والقاتل الابن لا يرث أباه البتة واضحٌ؟
إذًا القتل يكون مانع من جانب واحد فقط، وهو جانب القاتل، وأما المقتول يرث قاتله، فقط يرث قاتله كما قال الشارح هنا.
المذهب عندنا أنه ليس كل قتل يكون مانعًا، وإنما القتل الذي يترب عليه الضمان، لأن القتل نوعان:
- قتلٌ بحق.
- وقتلٌ بغير حق.
الأول لا يترتب عليه الضمان، والثاني يترتب عليه الضمان، هل كل هذين النوعين يكون مانعًا أو لا؟ محل خلاف طويل عريض بين الفقهاء، والصحيح التفصيل الذي عليه المذهب. وهو أن القتل إن كان بحق حينئذٍ لا يمنع، يعني لو كان القاتل قصاص يقص يضرب بالسيف لو قتل أبوه شخصًا فأقيم عليه الحد قتلاً، فكان عند ابنه فضربه ضربةً بالسيف لكونه قاتلاً عمدًا عدوانًا، حينئذٍ يصدق عليه الوصف أو لا؟
هل يصدق عليه أنه قاتل أو لا؟ نعم يصدق.
هل هذا القتل مانع له من إرث أبيه أو لا؟ محل خلاف، والصحيح أنه لا يمنع فيقتله حدًّا وإقامةً لحكم الله عز وجل ويرثه، ولا يكون هذا القتل مانعًا له من الإرث، لماذا؟
لأن هذا القتل لا يترتب عليه الضمان، هل نقول للذي يقص: ائتي بالكفارة أو بالدية أو القوت؟ لا، لماذا؟ لكون هذا القتل بحق، فكل قتل كان بحق ولا يترتب عليه الضمان لا يكون مانعًا من الإرث، دفع الصائل لو اعتدى شخص على شخص وكان يرثه فحينئذٍ إذا ضربه ضبةً فتسبب في موته نقول: يرثه، لكون هذا القتل بحق ولا يترتب عليه ضمان.
المذهب عندنا أي الحنابلة وهو الصحيح: أن القتل المانع من الإرث هو القتل بغير حق، وهو المضمون بقود أودية أو كفارة، كالعمد وشبه العمد والخطأ، وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب، والقتل من الصبي والمجنون والنائم، هؤلاء تنزيلاً لأفعالهم منزّله العقلاء ودفعًا لسد الذريعة لئلا يُفتح الباب وهذا يسلّط ابنه وهذا يسلّط مجنونًا .. إلى آخره سدًّا لهذا الباب نزلت أفعال هؤلاء وإن كانوا في الأصل غير مكلفين منزلة العقلاء، حينئذٍ إذا قتل النائم فلا يرث، وإذا قتل المجنون لا يرث، وإذا قتل الصبي لا يرث، وأما القتل بحق وهو ما ليس بمضمون بشيء مما ذكر لا يمنع الميراث مطلقًا كالقتل قصاصًا أو حدًّا أو دفعًا عن نفسه، يعني لو فعل واحد يرث ممن أقيم عليه الحدّ قصاصًا، أو دفعًا لصائلٍ حينئذٍ لا يكون القتل مانعًا من الإرث. إذًا القتل المانع من الإرث هو الذي يترتب عليه الضمان من قَوَد وكفارة وديةٍ، وما لا يترتب عليه الضمان فلا يكون مانعًا من القتل، ولذلك قال هناك في الشرح: فالقتل المانع هو ما أوجب قصاصًا كالعمد المحض العدوان، أو دية كقتل الوالد ولده عمدًا عدوانًا فإنه يضمن بالدية، ولا كفارة لأنه عمدٌ، ولا قصاص فيه لحديث:«لا يقتل الوالد بالولد» . لكنه يمنعه، أو كفارة كمن رمى مسلمًا بين الصفين يظنه كافرًا، إذا رمى مسلم بين الصفين في القتال يظن أنه كافر نقول: هذا يوجب الكفارة لأنه خطأ، يمنع أو لا يمنع؟ يمنع، لماذا قلنا يمنع؟ لأنه ترتب عليه الضمان.
وعند الشافعية الحكم عام وهذا غريب. عند الشافعية الحكم عام، كل قتلٍ ولو كان بحق يكون مانعًا من القتل، والأصل في قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس للقاتل من الميراث شيء» . هذا الحديث فيه كلام في سنده ضعف، لكن الإجماع هو العمدة يعني المسألة مجمعٌ على أصلها في حملة كون القاتل مانعًا، وأما الحديث ففيه كلام.
والمعنى فيه تهمة الاستعجال في بعض الصور، بعض الصور واضحة، وبعضها ليس فيها استعجال، استعجَال على ماذا؟
يريد المال أن ينتظر حتى يموت ويصل إلى ثمانين تسعين سنة، مباشرة وهو صغير يأتي به عليه من أجل أن يرثه، بعض الصور يظهر فيها تهمة الاستعجال، وبعضها لا قد تخفى، ولكن سدًّا للباب ألحق هذا بذاك.
قال هنا: ولا مدخل للمفتي بالقتل وإن كان على معين لأنه ليس بملزم بخلاف القاضي، وهذا بناء على مذهب الشافعية، (وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) إذا عرفنا المانع الأول وهو الرق، والمانع الثاني وهو القتل، المانع الأول الرق قلنا: لا يتثنى منه إلا المبعض فقط جزءه الحر والثاني رق وأطلقه المصنف في الجملة مجمع عليه في كونه سببًا، لكن هل كل قتل؟ لا يستثنى منه ما كان بحق. إذًا رقٌّ إلا إذا كان جزء مبعض، فلا يكون ذلك الجزء مانع للمبعض أن يرث ويورث ببعضه الحر، يعني هو مجزأ جزأين، هل الرق يمنع تأثير الحرية الجزء الآخر؟ نقول: لا يمنع. قتلٌ نقيده بغير حق (وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) يعني ثالثها اختلاف دين، اختلف الشيئان لم يتفقا (وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) أي اختلاف الدين دين الوارث والميت، الوارث والمورث إذا لم يكونا على دين واحدٍ حينئذٍ يكون مانعًا، اختلاف الدين يكون مانعًا من الإرث، والكفر يسمى دينًا أو لا؟ قال:(وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) يعني بين الإسلام والكفر،
…
«لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر» . هل الكفر يسمى دينًا؟ نعم {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا} [آل عمران: 85] يبتغ دينًا غير الإسلام، إذًا سمى الكفر ماذا؟ دين، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: 19] معارض أو لا؟ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا} أطلق على غير الإسلام أنه دين، وقال في الآية الأخرى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} يعني: الدين الحق الذي إذا أُطلق ينصرف إلى الإسلام وأما التسمية اليهودية مثلاً دين، والنصرانية دين، والعلمانية دين وغير ذلك نقول: هذا وارد في النص.
(اخْتِلَافُ دِيْنِ) يعني بالإسلام والكفر، وهو أن يكون المورث على ملة والوارث على ملة أخرى، فلا توارث بينهما لانقطاع الصلة بينهما شرعًا، الصلة الحسيَّة موجودة، هذا أب وهذا ابن، موجودة، حسية أمر مدرك بالواقع حس الصلة موجودة، لكن لما كان اعتبار الدين هو أصل وهذه الصلة فرع، حينئذٍ الشرع لم يجعل لها محلاً، فلا توارث بينهما لانقطاع الصلة بينهما شرعًا، ولذلك قال لله تعالى لنوحٍ عن ابنه الكافر:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46]. هو من أهله وليس من أهله، من أهلك الصالحين المعتبرين الذين تكون لك صلة بهم، وأنه ليس من أهلك هذا على الذي ذكرناه.
إنه ليس من أهلك يعني من أهلك الصالحين وإن كان من أهله في نسب، لأنه ابنه وهذا أبوه من أين جاء، ينسب لأي شيء ينسب لأبيه، والدليل على ذلك خبر الصحيحين «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» . لا يرث: هذه لا نافية وهي في معنى النهي، فلا يرث المسلمُ الكافر، المسلم هنا وارث والكافر مورِّث، ولا الكافرُ المسلمَ، الكافرُ وارث والمسلم مورِّث إذًا انقطعت الصلة كونه وارِثًا أو مورِّثًا كلٌ منهما لا يكون وارثًا ولا مورث للآخر، لماذا؟ لقيام المانع وهو اختلاف الدين، وهذا نصٌ واضحٌ وهو مجمعٌ عليه في الجملة، أما عدم إرث الكافر من المسلم فبالإجماع، لكن نقيد أطلقه المصنف المذهب عندنا أن الكافر إذا أسلم قبل قسم التركة يرث، يعني مات الأب وولده كافر نصراني أو يهودي على ظاهر النص لا يرث، قسمت التركة أو لا، لكن على المذهب ترغيبًا له في الإسلام وهو مما استثني كما سيأتي ترغيبًا له في الإسلام يُعطى شيئًا من التركة، فيورَّث مع كونه كافرًا والعبرة بوقت موت المورِّث، ولكن استثني هذا وليس فيه دليل كما سيأتي بل هو ضعيف.
إذًا عدم إرث الكافر من المسلم إذا دام على كفره حتى قسمت التركة بالإجماع، ليس كما ذكره الشارح هنا، متى يكون مجمعًا عليه؟ إذا قسمت التركة لا يرث والكافر المسلم، وأما عكسه وهو أن يرث المسلم الكافر فهذا عند الجمهور خلافًا لمعاذ ومعاوية ومن وافقهما كما سيأتي.
واستثنى الحنابلة من ذلك مسألتين - المذهب عندنا -:
الأولى: الإرث بالولاء، فلا يمنعه اختلاف الدين، بل يرث الْمُولى ممن له عليه ولاء وإن كان مخالفًا له في دينه لحديث «لا يرث المسلمُ النصراني إلا أن يكون عبدهُ أو أمته» . يعني لا يشترط بين المعتق وعتيقه اتفاق الدين، [بل لو كان كل منهما مخالف، نعم] لو كان صاحب الولاء مسلمًا وعبده أو أمته ليس على ملته فالولاء جاري فلا يكون اختلاف الملة هنا مانعًا من الإرث، وهذا الحديث ضعيف والأصل البقاء على ظاهر النص السابق.
إذًا هذه مسألة استثناها الحنابلة وهي ضعيفة.
الثانية: إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فيرث من قريبه المسلم ترغيبًا له في الإسلام، وهذا الاستثناء ضعيفة في المسألتين، والصحيح البقاء على ظاهر النص، وهو واضحٌ بيّن. «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» . والحديث في الصحيحين وتلك الأحاديث المحتج بها فيها ضعف.
إذًا سواء أسلم الكافر قبل قسمة التركة أم لا، وسواء كان بالولاء أو لا، مطلقًا يعني لا توارث بين كافر ومسلم مطلقًا، واضحٌ هذا؟
(فَافْهَمْ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَالْيَقِيْنِ) فافهم يعني لما كان التعبير بالفهم يقتضي سبق شيء يفهم قال: (فَافْهَمْ). هذه الفاء فيها معنى التفريع (افهم) ليس المراد به مطلقُ الإدراك، افهم أيها الطالب ما قلته لك أي اعلمه علمًا جازمًا بدليل قوله:(فَلَيْسَ الشَّكُّ). فليس الفاء هذه تعليل الأمر بالفهم، افهم لماذا؟ لأن المسائل لا بد أن تكون على يقين يعني غلبة ظن على يقين (فَلَيْسَ الشَّكُّ) وهو التردد بين حكمين لا مَزَيَّة لأحدهما على الآخر، وهذا عند الأصوليين، الأصوليون يعرفون الشك بما ذُكر: ترد لا بين حكمين لا مزية لأحدهما على الآخر استويا استواء الطرفين. هذا يُسمى شكًّا قائم، ليس بقائم، زيدٌ قائم، ليس بقائم أنت في شك متردد لم ترجح أحد الطرفين، هذا يسمى شكًّا وأما عند الفقهاء فهو مطلق التردد الشامل للظن والوهم، يعني الراجح أو الطرف المرجوح هذا عند من؟ عند الفقهاء، هل هو مطلق في كل أبواب الفقه؟ لا، في بعضها دون بعض، وهو الأنسب هنا لمقابلته باليقين، يعني فسره الشارح بالشك عند الأصوليين، والظاهر أنه يفسره بالشك عند الفقهاء لأنه قابله باليقين (فَلَيْسَ الشَّكُّ كَالْيَقِيْنِ) يعني مثل اليقين، فلما قابله باليقين علمنا أن الشك دخل فيه الظن، واليقين هو الحكم الجازم، يعني إدراك الجازم صاحبه.
هنا قال فائدة هل الكفرة ملة واحدة أم ملل؟
يعني عرفنا أن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم، لكن لو تحاكم كفار إلى المسلمين، مسألة مفروضة فيما إذا اتجه نصراني أراد أن يرث من يهودي، أو يهودي يرث من نصراني فتحاكما إلى مسلمين.
هل نقول لا توارث بين أصحاب ملتين كما أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكفر والحكم عام، أم نجعل هؤلاء بأنهم يتوارثون؟ وهذا مبني على أصل، وهو هل الكفر ملة واحدة أو ملتين؟
حكم توارث الكفار بعضهم من بعض؟
إن كانوا على دين واحد كالنصارى يعني الوارث والمورث كل منهما نصراني، أو الوارث والمورث كل منهما يهودي أو مجوسي ونحو ذلك، لا خلاف بين أهل العم أنهم يرثون من بعضهم، وهذا الحكم ليس لهم هم وإنما إذا تحاكموا عندنا، واضح؟ إذا تحاكموا إلى محكمة ويحكم فيها أهل الإسلام قاضي مسلم، حينئذٍ إذا ادَّعى مدَّعٍ وقام سبب الإرث وما يتعلق به، فكل من الوارث والمورث على ملة واحدة وهي النصرانية أو اليهودية التوارث معقود، التوارث حاصل. إذًا إن كانوا على دين واحد كالنصارى مثلاً فيرث بعضهم من بعض من غير خلاف، بدليل الحديث السابق «لا يرث المسلم الكافر» . مفهومه أن المسلم يرث المسلم وهذا واضح، وأن الكافر يرث الكافر هذا بالمفهوم «لا يرث المسلم الكافر» . مفهومه أن الكفار يرث بعضهم بعضًا.
كذلك حديث: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» . رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
دل الحديث على أن هل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضًا بالمفهوم كذلك، أهل الملتين شتى إذًا إذا كانوا أهل ملة واحدة حينئذٍ يرث بعضهم بعضًا، وملة يصدق على ملة الإسلام ويصدق على غيرها، وأما إذا اختلفت أديانهم كاليهودي مع النصارى مثلاً، فقد اختلف العلماء في توريثهم من بعض. إذًا إذا اتحدا دينهم الوارث والمورث ولو كانوا على كفرٍ يرث بعضهم بعضًا بلا خلاف، وإذا اختلفا كاليهودية مع النصرانية حينئذٍ وقع نزاع بن العلماء، وهذا الخلاف مبني على أصل مختلف فيه كذلك، وهو اختلف في الكفر، هل الكفر شيء واحد ملة واحدة أو ملل؟
هل هو ملة واحدة أو ملل؟ يعني أديان أم دين واحد؟
وهذا فيه خلاف بين أهل العلم، مذهب جمهور العلماء وهو رواية في المذهب عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى والأصح عند الشافعية ومذهب الحنفية أن الكفر بجميع نحله ملةُ واحدة، وعلى هذا القول هل يرث اليهودي من النصراني أو لا؟ يرث.
لأنها وإن اختلفا في النوع فالجنس واحد، الجنس واحد وهو الكفر، ولكن النوع يعني السبب الكفر، هذا مختلف بينهم حينئذٍ لما اتحدت الملة وهو الجنس جنس الكفر حينئذٍ ورث اليهودي من النصراني والعكس بالعكس، وعلى هذا القول يتوارث الكفار فيما بينهم دون نظر إلى اختلافهم في الملة لعموم النصوص، فلا يترك العموم إلا فيما استثناه الشرع لأنه قال «لا يرث المسلم الكافر» أل هنا للعموم فيدخل فيه ماذا؟
كل من كفر وإن اختلف سببه، مفهومه الكافر يرث من الكافر هذا مفهوم المخالفة، حينئذٍ يبقى هذا العموم على أصله وأن كل كافر يرث من كافر دون تفصيل بين اختلاف أديانهم، وعلى هذا لعموم النصوص فلا يترك العموم إلا فيما استثناء الشرع، ولقوله جل وعلا:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]. هذا عام في جميعه، وهذا قول وهو أن الكفر ملة واحدة فيتوارث الكفار فيما بينهم.
القول الثاني: أن الكفر مللٌ. وهذا مذهب الحنابلة - المذهب عندنا - فالنصارى ملة واليهود ملة وما عداهما ملة، إذًا لا يرث من كانت ملته اليهودية ممن كانت ملته النصرانية، لماذا؟ لاختلاف الدين للنص الذي سبق أنه ماذا؟ «لا يتوارث أهل ملتين» ، واليهودية ملة والنصرانية ملة، إذًا لا توارث بينهما لحديث «لا يتوارث أهل ملتين شتى» . والمخالف أصحاب القول الأول ماذا جعلوا أهل الملتين «لا يتوارث أهل ملتين شتى» . جعلوا الإسلام ملة ومقابله كله ملة واحدة، وهذا هو الظاهر، والمخالف حمله على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر ليكون مساويًا لحديث:«لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» . لأن مفهومه مفهوم المخالفة وهو عام أن الكافر يرث من الكفر دون تفصيل، أثبت النبي صلى الله عليه وسلم بمفهوم هذا النص أن الكافر يرث من الكافر، واليهودي كافر والنصراني كافر والمجوسي كافر إذًا كل منهما يرث من الآخر، لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17]. جعلهم مللاً لا ملةً واحدة، لكن قد يقال بأنه قد ذكر الأسباب والكلام في الجنس، إذًا هل يرث الكفار بعضهم من بعض؟
قلنا على التفصيل السابق، المذهب عند الحنابلة أن الكفر مللٌ فلا توارث بين يهودي ولا نصراني، وظاهر النصوص والله أعلم أنه ملة واحدة، فيرث اليهودي النصراني والعكس، وكما ذكرت هذا يكون ماذا؟ يكون فيما إذا تحاكموا إلى أهل الإسلام.
هذه ثلاث موانع (رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِيْنِ) مجمع عليها في الجملة، وأما من حيث التفصيل فبعضها فيه خلاف، زاد بعضهم الردة، والمرتد يعني هل يرث أو لا؟ هل الردة مانع أم لا؟ المرتد لغة الراجع، ومنه قوله تعالى:{وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]. ولا ترتدوا يعني لا ترجعوا.
وشرعًا: هو من كفر بعد إسلامه.
حكمه: أنه لا يرث ولا يُورث، مرتد يعني لا يرث من مسلم ولا يورث، لاختلاف الدين.
اتفقت الأئمة الأربعة على أن المرتد لا يرث أحدًا إلا على ما استثناه الحنابلة في المسألة الأولى أنه لو أسلم قبل قسمة التركة يرث ترغيبًا له في الإسلام، هذا مستثنى، وما عداه فهو متفق عليه بين الأئمة الأربعة أن المرتد لا يرث أحدًا إلا عند الحنابلة لو أسلم قبل قسمة التركة فإنه يورَّث ترغيبًا له في الإسلام.
إذًا لا يرث ولا يُورث، وقلنا: الصواب أنه لا يستثنى، فحكمه حكم غيره من الكفار، وماله حينئذٍ يكون فيئًا لبيت مال المسلمين، ماله يكون ماذا؟ يكون فيئًا لبيت مال المسلمين، لأنه ليس بمسلم حتى يرثه المسلمون، ولا يقر على ارتاده حتى يرثه أهل الملة التي ارتد إليها، يعني لو تنصر مسلم حينئذٍ لا يرثه أهل الإسلام لاختلاف الملتين، طيب النصراني مع النصراني هل يرثه تنطبق عليه المسألة السابقة؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه لا يجوز إقراره، لا بد من قتله "" من بدل دينه فاقتلوه ". إذًا لكونه لا يُقَرّ على دينه فحينئذٍ لا يرث النصراني من هذا الذي تنصر.
إذًا الصواب أن الردة داخلة في اختلاف الدين، وذكرنا أن حكمه لا يرث ولا يُورث وماله فيء لبيت مال المسلمين لأنه ليس بمسلم حتى يرثه المسلمون، ليس بمسلم فانتفى أو وجد المانع، ولا يقر على ارتداده حتى يرثه أهل الملة التي ارتد إليها، وقد جعله بعضهم سببًا أو مانعًا مستقلاً والصواب أنه داخل فيما سبق.
إذًا هذه ثلاثة موانع وهي مجمعٌ عليها في الجملة.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال)
هذا شروعٌ فيما ذكرناه سابقًا في باب النسب أنه المراد به القرابة، وهل كل قريب يرث؟ قلنا: لا، ثَمَّ قواعد وأصول ذكرناها فيما سبق هذا تفصيلها في هذا الباب.
(بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال) أي والنساء لأنه بوب بشيء واحد وذكر الوارثين من الرجال ومن النساء، وهذا الباب معقودًا لمن يرث إجماعًا لأن الورثة منهم من هو متفق على توريثه، ومنهم من هو مختلف في توريثه، وأظهر ما يكون الاختلاف في ذوي الأرحام هل يرثون أم لا؟ المذهب عند الحنابلة نعم يرثون، وسيأتي في آخر المنظومة، وأما من عداهم فبالجملة مجمع على توريثهم وهي الأصناف التي ذكر الناظم رحمه الله تعالى.
(بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال) الوارثين فيه تغليب يعني تغليب الذكور على الإناث لأنه ترجم للوارثين من الرجال دون الإناث الوارثات من النساء، وهو قد ذكره مثل ما ذكر في السابق باب أسباب الإرث الميراث ولم يذكر الموانع مع كونه ذكر الموانع تحت الباب، وهنا كذلك. قال (بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال) وذكر النساء ولم يذكر النساء في الترجمة، حينئذٍ نقول ذكر الرجال من باب التغليب للمذكر على المؤنث لشرفه أو يقال إنه من باب الاكتفاء، كأنه قال باب الوارثين من الرجال أي ومن النساء، فيكون ذكر بعضًا وترك بعضًا، وهذا له أصل ففيه اكتفاء، وفي بعض النسخ إفراد كلٍّ بترجمة باب الوارثين من الرجال، وفي بعض النسخ كذلك لما جاء إلى النساء والوارثات من النساء سبعُ كذلك ترجم خاصة بهنّ وعلى كلٍّ التراجم هذه ليست من ضيع الناظم رحمه الله تعالى، بل ترجمت له. (بَابٌ: الْوَارِثِينَ) باب الوارثين إجماعًا من الرجال احترازًا مما وقع الخلاف فيه لأنه لم يذكرهم والشافعية لا يورثون ذوي الأرحام، ولذلك لا يحتاج إلى ذكرهم. (بَابٌ: الْوَارِثِينَ) إجماعًا بالأسباب الثلاثة السابقة لأنه كما سبق قلنا: لا يمكن أن يتصف الشخص بكونه وارثًا إلا إذا تحقق السبب فيه يعني وجد السبب، فإن لم يكن السبب موجودًا أفلا يقال بأنه وارث أو ليس بوارث، هذا الباب يكون مبنيًا على معرفة أسباب الإرث وهي نكاح وولاءٌ ونسب، نسب قرابة إذًا لابد أن يكون قريبًا.
قال رحمه الله تعالى:
وَالْوَارِثُوْنَ من الرِّجَالِ عَشَرَهْ
…
أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوْفَةٌ مُشْتَهِرَةْ
الوارثون جمع وراث وهو مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه الواو نيابة عن إيش؟ عن الضمة لماذا؟ لأنه جمع مذكر سالم، والوارثون جمع وارث وهو إذا اتصف بكونه أهلاً لأن يرث وذلك لا يكون إلا بعد تحقق السبب المقتضي للإرث (وَالْوَارِثُوْنَ من) من قالوا: بسكون الميم للوزن، وفي بعض النسخ في بدل من (والوارثون في الرجال) قوله:(الرِّجَالِ). هذا له مفهوم أم لا؟ جمع رجل، وحقيقة الرجل الذكر البالغ من بني آدم، إذًا من دون الرجال لا يرث وليس الأمر كذلك لأن الصبي يرث بل الحمل يرث بل النطفة إذا تحقق وجودها قبل موت المورث قلنا: إذا وُجد يرث، أليس كذلك؟ والنطفة لا تسمى رجلاً والصبي لا يسمى رجلاً، حينئذٍ ما المراد بالرجال؟ المراد بالرجال هنا الذكور، الذكر حينئذٍ يعم الذكر حقيقةً والذكر حُكمًا فيما إذا كان حملاً أو نطفة، إذا والوارثون من الرجال المراد بالرجال هنا جمع رجل والمراد به الذكر، وحينئذٍ يتعين حمله على ما يقابل النساء من أجل تعميمه فيشمل الصبيان، لأن الرجل في الأصل في لسان العرب: الذكر البالغ، وكل من لم يكن بالغًا لا يطلق عليه بأنه رجل، وهل هذا وصف للاحتراز؟ نقول: لا، ليس المراد، لكنه لَمِّا قسم الورثة إلى ذكور وإناث عَبَّر بما يقابل الإناث بالرجال. إذًا قوله:(مِنَ الرِّجَالِ) المراد ما قابل النساء، وهم الذكور فيشمل الصبيان، وسيأتي قوله في آخر الباب:(فَجُمْلَةُ الذُّكُوْرِ هَؤُلَاء ِ) إذا أراد بالرجال هنا الذكور، زد عليها حقيقةً أو حكمًا ليشمل الحمل، لأنهم ما كانوا يدرون هذا الحمل ذكر أو أنثى فهو داخل فيه، فعبر المصنف بالرجال ثم أشار بتفسيره في آخر الأبيات كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل ثم فسره بالذكر «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر» . قال رجل ثم قال ذكر، أولاً خصّ ثم عمّ فسر المراد بالرجل (وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَهْ) هذا خبر للمبتدأ، (عَشَرَهْ) إجمالاً باختصار لأن الطريق في عدِّ الورثة سواء كان من الرجال أو من الإناث إما على جهة الإجمال وهم عشرة، وإما على جهة التفصيل وهم خمس عشرة ذكرًا كما سيأتي بيانه (عَشَرَهْ ** أَسْمَاؤُهُمْ) أي أسماء هؤلاء الورثة من الرجال معروفة أي معلومة، (مُشْتَهِرَةْ) أي مشتِهرة أي مشهورة يعني معلومة عند الفرضيين وهي مشهورة، لماذا؟ لأنه مجمعٌ عليها، والشيء المجمع عليه يكون واضح بيِّن، فالأصل يعلمه العامي فضلاً عن الخواص، ولكن بعض المتواتر يكون خاصًا عند أهل العلم وبعضه يكون عامًا مشتركًا بين أهل العلم والعامة.
وَالْوَارِثُوْنَ من الرِّجَالِ عَشَرَهْ
…
أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوْفَةٌ ......
(مَعْرُوْفَةٌ) عبَّر بالمعرفة والمراد به العلم لأنه ذكر كليات، والمشهور عندهم عند أرباب الشروحات والحواشي أن ثَمَّ فرقًا بين العلم والمعرفة:
العلم: ما يتعلق بالكليات.
والمعرفة: ما تعلق بالجزئيات.
يعني إدراك الكليات يسمى علمًا، وإدراك الجزئيات يسمى معرفة، وهنا قال:(أَسْمَاؤُهُمْ) وهو سيأتي بقاعدة بضابط يقول: (وَالأَخُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا) إذًا هذا كلي وليس بجزئي، فحينئذٍ الأصل أن يعبر بالمعرفة، ولكن الشرح ذكر هنا قال: معروفة أي معلومة للدلالة على ترجيح القول الثاني وهو أن المعرفة والعلم مترادفان، وهذا هو الأصح أن المعرفة والعلم مترادفان وهذا في شأن المخلوق، وأما في شأن الخالق جل وعلا لا يطلق أنه يعرف أو عارف لعدم وجود النص، لأنه وصف له وإنما يعبر بالعلم كما جاء في عشرات إن لم تكن مئات الآيات بالتنصيص على أن الله تعالى يعلم وعليم ونحو ذلك، فلا يوصف الرب جل وعلا بالمعرفة، لماذا؟ لعدم الوجود لا لكونه يتعلق بالكليات والتفصيلات التي نذكرها في شأن المخلوق، لا، وإنما نقول: الوصف هذا توقيفي أوصاف الرب جل وعلا أو صفاته توقيفية كأسمائه، حينئذٍ لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، فلا نقول: عارف أو يعرف، أما «تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك» . هذا من باب المقابلة والمشاكلة، وهو نوع مجاز عند كثيرين.
(وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَهْ ** أَسْمَاؤُهُمْ) هذه كليات (مَعْرُوْفَةٌ)، أي: معلومة لترادف المعرفة مع العلم (مُشْتَهِرَهْ).
(الاِبْنُ): هذا أولها أصله بَنَو كما هو مشهور، واوي اللام محذوفة وسكِّن أوله وجيء بهمزة وصل لتكون عوضًا عمَّا سقط وذلك لكثرة الاستعمال وجمعه أبناء كقلم وأقلام.
(الاِبْنُ) هذا ممن يرث للنص والإجماع، هؤلاء العشرة كلهم مجمع عليهم {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] أولاد، ومنهم الولد، الولد لا يختص بالذكر وإن كان عرف الناس الآن يختص بالذكر، الولد يشمل الذكر والأنثى يعني يدخل تحته الذكر والأنثى.
(الاِبْنُ) هذا خاص بالذكر (البنت خاص بالأنثى) الولد مشترك ولذلك قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. فدل على أن الولد يطلق ويشمل الذكر والأنثى، الابن والبنت. إذًا الابن من الورثة، وهو الأول من هذه الأصناف العشرة للنص والإجماع، أما النص {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} والإجماع واضح.
(وَابْنُ الاِبْنِ) هذا فيه وضع الظاهر موضع المضمر للوزن الأصل أن يقول الابن وابنه، (وَابْنُ الاِبْنِ) لكنه وضع الظاهر موضع المضمر، يعني الأصل أن يأتي بالضمير ولكنه لم يأت بالضمير من أجل الوزن، وقد يقال أنه من أجل الإيضاح، (وَابْنُ الاِبْنِ) دليل قياسًا على الابن أولاً قلنا: مجمع عليه لا إشكال فيه، ولقوله:{يَا بَنِي آدَمَ} . كل من كان ابنًا لآدم من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة فهو داخل في هذا اللفظ، أليس كذلك؟ وسماه ابنًا له. إذًا ابن الابن مهما نزل فهو راجع إلى الأصل، وقياسًا على الابن، وكذلك قال تعالى:{يَا بَنِي إِسْرائيلَ} . والإجماع (وَابْنُ الاِبْنِ مَهْمَا نَزَلا) يعني بدرجة أو درجات الابن، ابن الابن، ابن ابن الابن، ابن ابن ابن الابن .. إلى ما يشاء الله عز وجل هذا يعتبر من الورثة، ولذلك قال: بدرجة. على ما ذكره المصنف أو درجات ثنتين فأكثر، ابن ابن الابن .. وهلمّ جرّا (مَهْمَا نَزَلا) الألف هذه للإطلاق، أي في أي زمنٍ نزل ابن الابن فـ (مَهْمَا) ظرف زمان، أو أي زمن نزل ابن الابن فـ (مَهْمَا) نائبة عن المفعول المطلق، أو - وهو أرجح - مهما نزل ابن الابن فهو وارث، حينئذٍ تكون (مَهْمَا) شرطية، يحتمل أنها زمانية، ويحتمل أنها نائبة عن مفعول مطلق أيَّ، ويحتمل أنها شرطية وهو أظهر، وعليه يكون جواب الشرط محذوفًا (مَهْمَا نَزَلا) فهو وارث. إذًا المراد بالنزول هنا ضد العلو، والفقهاء كما نص البيجوري وغيره أنهم شبَّهوا عمود النسب بالشيء المدلي من علوٍ إلى سفلٍ، فأصل كل إنسان أعلى منه، فلذلك يقولون في الأصل: وإن علا، يعني وارتفع، الأب وأبو الأب أبو أبي الأب، وإن علا هذا أصل للإنسان، وفرعه يعني ابنه أسفل منه ولذلك يقولون في الفرع: وإن سفل، وإن نزل .. ونحو ذلك، فهو عكس الشجرة، الشّجرة أصلها أسفل وفروعها فوق، الإنسان لا العكس الأصل فوق وفروعه أسفل فهو عكس الشجرة وذلك لأن مرتبة الأصول أرفع من مرتبة الفروع في الشرف لا في الإرث، فتأدبوا مع الأصول بجعلهم في جهة العلو.
ثم قال: (وَالأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإِنْ عَلا). وهذا سيأتي بحثه، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمد، [وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين].