الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الوارثون من الرجال.
* الوارثات من النساء.
* الفروض المقدرة وأقسام الورثة باعتبار الإرث.
* طرق عد الفروض.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فوفقنا عند قول الناظم رحمه الله:
وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَهْ
…
أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوْفَةٌ مُشْتَهِرَةْ
الاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ مَهْمَا نَزَلا
…
وَالأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإِنْ عَلا
هذا شروع من الناظم رحمه الله في تعداد من يرث من الرجال، وسيذكرُ بابًا أو أنه مندرجٌ في هذا الباب من يرث من النساء، والوارث من الرجال أو من النساء نوعان:
- وارث مجمع على توريثه.
- ووارث مختلف في توريثه.
والناظم اعتاد كما هو الشأن أن يذكر ما أجمع عليه العلماء كما ذكر في الأسباب:
أَسْبَابُ مِيْرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَهْ
…
كُلٌّ يُفِيْدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَهْ
هذا ما أجمع عليه أهل العلم، وكذلك ويمنع الشخص من الميراث واحدة من عللٍ ثلاث. هذا أجمع عليه أهل العلم.
وهنا: (وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَهْ) على جهة الاختصار، وخمس عشرة على جهة التفصيل، وهل هذا فقط؟ لا، لأنه كما سيأتي أن الحنابلة يرون توريث ذوي الأرحام، وهذا مما اختلف فيه العلماء، وبعض المذاهب الثلاثة يخالفون والحنابلة يوّرثون ذوي الأرحام.
إذًا
وَالْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَهْ
…
أَسْمَاؤُهُمْ ....................
وهذه كليات لأنه سيذكر بعض الأشياء ويندرج تحتها اثنان أو ثلاثة، كقوله: الأخ والأخ (وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ أَبِيْهِ)، (وَالأَخُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا) هذه أسماء كلية ويندرج تحتها فردٌ أو فردان.
(مَعْرُوْفَةٌ مُشْتَهِرَةْ) يعني عند الفرضيين (الاِبْنُ) هذا الأصلُ الأول: الابنُ وهو مجمع عليه وكذلك جاء النص فيه {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11](وَابْنُ الاِبْنِ) هذا الثاني وأظهر في موضع الإضمار للوزن، والأصل أن يقول: الابنُ وابنهُ، يأتي بالضمير ولكن قال:(وَابْنُ الاِبْنِ). هو ابنه ابن السابق ولكنه أظهر في مقام الإضمار من أجل الوزن.
(وَابْنُ الاِبْنِ مَهْمَا نَزَلا) بدرجة أو درجات، (مَهْمَا نَزَلا) قلنا: مهما هذه إما أنها تكون زمانية ظرفية، وإما أنها مفعول مطلق، وإما أنها شرطية كلها جائز، والأظهر أنها شرطية، حينئذٍ لابد من تقديم جواب الشرط
…
(مَهْمَا نَزَلا) فهو وارثٌ، بدرجة أو درجات وذكرنا أن الفرضيين قد جروا على تشبيه عمود النسب بشيء مُدْلِي من علوٍ إلى سفلٍ على ما ذكرناه سابقًا من كلام البيجوري وغيره، (مَهْمَا نَزَلا) يعني بدرجة أو اثنتين فأكثر، بمحض الذكور لا بد أن يكون نازلاً بمحض الذكور يعني لا يوجد بين هذين الذكرين أنثى، بمحض الذكور يعني الذكور المحضة الخُلَّص، ليس بينهم أنثى فخرج بذلك ابنُ بنت الابن ونحوه، من كل من في نسبه أو نسبته للميت أنثى ابنُ بنتِ الابن، ابنُ بنتِ الابن، نقول: هنا بينهما أنثى فحينئذٍ لا يكون وارثًا ولا يكون من أصحاب الإرث، (الاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ مَهْمَا نَزَلا) هذا اثنان.
(وَالأَبُ) هذا الثالث الذي يرث وهو محل إجماع ولقوله تعالى:
…
{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11]. جاء النص وأجمع أهل العلم على أن الأب يرث، وهنا قدم الابن على الأب (الاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ) ثم قال: الأب، قدم الابن على الأب، وإنما قدم ذكر الابن على الأب لقوته لقوّت الابن، الابنُ في باب المواريث أقوى من الأب، ولأن الابن فرع الميت والأب أصله، واتصال الفرع بأصله أظهر من اتصال الأصل بفرعه، يعني كون الابن وأبيه أيهما أكثر اتصالاً بالميت، هذا ابنهُ وهذا أبوه، هذا جزءٌ منه الابن جزء منه وهذا الميت جزءٌ من أبيه. أيهما أولى وأقرب؟ من حيث الجزئية لا شك أن الابن أقرب إلى الميت، لأنه جزء منه ولهذا حجب الابن الأب من التعصيب ورده إلى الفرض، سيأتي هذا في محلّه، إذًا قدَّم الابن على الأب هنا لقوته.
(وَالْجَدُّ لَهُ) هذا كذلك يرث بالنص والإجماع لم يرد في القرآن إلا أنه قد يقال بأنه ورد من حيث شمول الأب له، لفظ الأب يعني لتناول أو دخوله في لفظ الأب، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم جاء في السنة الصحيحة أنه أعطاه ورَّثه ورّث الجد، (وَالْجَدُّ لَهُ) الضمير هنا يحتمل أنه عائد على الميت المعلوم من السياق، ويحتمل أنه عائد على الأب، اختار الشارح هنا الشنشوري عوده على الأب لوجهين أحدهما: أن في فيه عود الضمير إلى مذكور في اللفظ، وأما إذا أعدناه على الميت وليس مذكورًا في اللفظ فإنما هو مفهوم من السياق، ولاشك أن المذكور الملفوظ به أولى بعود الضمير من ذاك الذي يُفهم من السياق، وهذا أمر واضح.
الثاني: أنه لو عاد للميت لم يخرج به الجد أب الأم، وهذا غير وارث بالإجماع (وَالْجَدُّ لَهُ) للميت جد الميت دخل فيه ماذا؟ أبو الأم هذا قد يسمى جدًّا ولكنه ليس بوارث بالإجماع، فحينئذٍ وقعنا في إشكال، لو عاد للميت لم يخرج به الجد أبو الأم إلا أن يقال الجد أبو الأم ليس جدًّا حقيقةً، وحينئذٍ أل في الجدّ تكون للعهد، فيخرج به الجد من الأم فلا يرث، إذا قيل بأنه لا يسمى جدًّا حقيقةً فحينئذٍ إذا أطلق لفظ الجد هنا إنما ينصرف إلى الجد الذي يكون من جهة الأب، فلا يدخل فيه الجد من جهة الأم. إذًا (وَالْجَدُّ لَهُ) الضمير هنا يحتمل أن يكون عائدًا على الأب، ويحتمل أنه عائد على الميت، لو أعدناه على الميت حينئذٍ يرد إشكال وهو دخول الجد من جهة الأم، ويمكن إخراجه بماذا؟ بأن يُجعل أل في العهد هنا للجد الحقيقي والجد لأم لا يسمى جدًّا حقيقيًّا فحينئذٍ خرج، لكن هذا يحتاج إلى تنصيص. والرابع:(وَالْجَدُّ لَهُ) فأعاده هنا الشارح على الأب لما ذكرناه سابقًا وجعل اللام في له بمعنى مِنه (الجد له) يعني منه على حذف المضاف يعني من جهة، والجد من جهة الأب (وَالْجَدُّ لَهُ) أي من جهة الأب حينئذٍ خرج الجد من جهة الأم، يعني المنتهي للميت من جهة الأم، فيشمل حينئذٍ أباها وأبا أبيها من جهة الأم أباها وأبا أبيها هذان نوعان خرجا بقوله (لَهُ، وَإِنْ عَلا) والأب والجد له يعني للأب الذي من جهته خرج به الجد من جهة الأم (وَإِنْ عَلا) بمحض الذكور (عَلا) الضمير يعود على ماذا هنا؟ على الجد (وَإِنْ عَلا) الجد بمحض الذكور هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف يكثر عند الْفَرَضِيِّين بمحض الذكور، يعني المحض الشيء الخالص أي الذكور المحض، يعني الخُلّص يعني الخالصين من وجود أنثى بين ذكرين، كأب أبِ أبْ وأبيه، وهكذا، وخرج بذلك كل جد أَدْلَى بأنثى وإن علا بمحض الذكور خرج بذلك كل جد أدلى بأنثى أي من جهة الأب كأبي أمّ الأب، أبوان بينهما أنثى حينئذٍ لا يكون وارثًا لأنه أدلى بأنثى، وإن ورثت يعني سواء ورثت تلك الأنثى أم لا، (وإن ورثت) يعني سواء أدلى هذا الجد بأنثى وراثة أم لا مطلقًا، لماذا؟ لوجود العلة أو انتفاء الشرط وهو إن يكون بمحض الذكور، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ انتقى الشرط وسواء كان الواسطة الأنثى بين هذا الجد الذي سقط بوجود الأنثى سواءٌ كانت هذه الأنثى وارثة أم لا، فالحكم واحد، فالأولى يعني التي ترث نحو أبي أم الأب فإن الأنثى التي أدلت بها ترث، أمّ الأب ترث أو لا؟ أمّ الأب ترث، وهنا أدلى بها أبو أم الأب، حينئذٍ أدلى بجدة وارثة.
والثانية التي لا ترث كما في أبي أم أبي أم الأب سلسلة، هذه أدلت بذات رحم لأنها من ذوات الأرحام، أو هو أدلى بذات رحم فإن الأنثى التي أدلى بها، لا ترث لكونها أدلت بذكر بلا أنثيين أبو أم أبي أم الأب كم هذا؟ أب أم أبي أم الأب نقول: أدلت بذكر بين أنثيين عندنا أنثيان هنا وذكرٌ بينهما، حينئذٍ يكون من ذوي الأرحام (وَإِنْ عَلا) إذًا عرفنا قوله (وَإِنْ عَلا) يعني بمحض الذكور والضمير يعود على الجدّ، حينئذٍ ذكر في هذا البيت أربعة: الابن، وابن الابن، والأب، والجدّ، هذه أربعة من عشرة.
وَالأَخُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا
…
قَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِهِ الْقُرْآنَا
الخامس: الأخ، والأخ معلوم أخو أصله حذفت اللام اعتباطًا وهو خبر لمبتدأ محذوف، ولا يصح أن يجعل الأخ هنا مبتدأ وجملة (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِهِ الْقُرْآنَا) خبرًا لأنه تحصيل حاصل، لأن هذه المذكورات كلها من الأمور المجمع عليها والمنصوص عليها في القرآن، حينئذٍ إذا جعل خبرًا عنه عن الأخ صار من تحصيل حاصل، وإنما يجعل خبر لمبتدأ محذوف (وَالأَخُ) يعني والخامس الأخ (مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا) الألف هذه للإطلاق، وقوله:(مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا) هذا فيه تعميم فيه إطلاق لمعنى الأخ لأن الأخ يصدق على ماذا؟
على ثلاثة أنواع:
- أخ من جهة الأب فقط.
- أخ من جهة الأم فقط وهو الأخ لأم.
- الأخ من جهتين.
هذه ثلاثة أنواع ويسمى الأخ الشقيق. إذًا يشمل هذا اللفظ الأخ، الأخ لأب، والأخ لأم، والأخ الشقيق. إذًا ثلاثة تحت شخص واحد ولذلك قيل هذا لفظ الكلي (أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوْفَةٌ مُشْتَهِرَةْ) أي: أسماء كلية، يُطلق ويدخل تحت بعضها أفراد (وَالأَخُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ) جمع جهة وهي الجانب والناحية، ويقال: فعلت كذا على جهة كذا على نحوه وقصده (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِهِ الْقُرْآنَا) القرآنا النص والألف هذه للإطلاق (قَدْ) للتحقيق والجملة هنا ساقها مساق التعليل، يعني لماذا وُرّث؟ لأن الله تعالى قد أنزل فيه القرآن، به الباء هنا بمعنى في، أو تكون الباء للملابسة، و (الْقُرْآنَا) هذا مفعول به، والألف هذه للإطلاق.
إذًا الخامس الأخو على جهة التعميم، وأما إذا جيء على جهة التفصيل فيعد هنا هذا البيت بثلاثة، أخ لأب، وأخ لأم، وأخ شقيق، وسمي شقيقًا لمشاركته في شقي النسب فكأنه انشقا من شيء واحد. قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12]. هذه أجمع أهل العمل على أن المراد بها الإخوة أو الأخ لأم بالإجماع جمعًا بينها وبين الآية الأخرى وهي قوله: {وَهُوَ يَرِثُهَا} [النساء: 176]. {وَهُوَ} أي الأخ لأبوين أو لأب، الأخ لأبوين الشقيق أو الأب لأنهم أجمعوا على أن هذه الآية فيهما، إذًا سيأتي تفصيل هذا في ذكر الآيات أن الأخ المراد في الآية الأولى {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} أخٌ يعني لأم ولذلك قُرِئ به في الشاذ، وأما الأخوين أو الأخ للأبوين أو الشقيق والأخ لأب فدل عله قوله:{وَهُوَ يَرِثُهَا} . هو الضمير يعود على الأخ لأبوين أو لأب، وهذا محل إجماع. إذًا (وَالأَخُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَا) أي الوارث الخامس الأخ مطلقًا (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ) قد للتحقيق وساقة مساق التعليل (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِهِ الْقُرْآنَا) فإن القرآن نزل بتوريثه مطلقًا وإن اختلف القدر الموروث باختلاف جهاتهم، يعني ليسوا على جهة واحدة من حيث الإرث، وإنما جاء القرآن بتوريثهم ثم ما مقدار توريثهم؟ هذا يختلف من محل إلى محل آخر.
وَابْنُ الأَخِ الْمُدْلِيْ إِلَيْهِ بِالأَبِ
…
فَاسْمَعْ مَقَالاً لَيْسَ بِالْمُكَذَّبِ
(وَابْنُ الأَخِ) عرفنا الأخ وارث، وابنهُ [إذا أضمر في مقام أو](1) أظهر في مقام الإضمار لأنه قال والأخ وابنهُ أي ابن الأخ ولكنه قيده هنا قال
…
(الْمُدْلِيْ إِلَيْهِ بِالأَبِ) احترازًا من ابن الأخ لأم فإنه من ذوي الأرحام، وأما ابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب فهو من الورثة، وإن كان لا يرث بالفرض وإنما يرث بالتعصيب كما سيأتي.
إذًا السادس: (وَابْنُ الأَخِ الْمُدْلِيْ) وهذه صفة لابن أو للأخ؟ للأخ لأنه أراد الاحتراز من الأخ لأم، ابنهُ ليس بوارث، احترز به بقوله (الْمُدْلِيْ إِلَيْهِ بِالأَبِ) إليه الضمير يعود إلى الميت المعلوم من المقام، (وَابْنُ الأَخِ الْمُدْلِيْ) أدْلَ الدلوَ وبها أرسلها في البشر ليملأها، وفلان يعني أدلى بحجته أحضرها واحتج بها، وفلان برحمه توسل بها وتشفَّع. إذًا الْمُدْلِي هذا اسم فاعل من أدلى يُدلي فهو مُدلي، وأثبت الياء لوجود أل هنا أي المنتسب، إليه فهو مجرور متعلق بقوله المدلي لأنه اسم فاعل، بالأب هذا كذلك تعلق بقوله (الْمُدْلِيْ)، (بالأب) وحده وهو ابن الأخ للأب، أو مع الإدلاء بالأم أيضًا يعني من الجهتين، وهو ابن الأخ من الأبوين، يعني ابن الأخ الشقيق، وخرج بذلك المدلي بالأم وحدها وهو ابن الأخ من الأم فليس من الورثة وإنما هو من ذوي الأرحام، (وَابْنُ الأَخِ الْمُدْلِيْ إِلَيْهِ بِالأَبِ) إذًا ابن الأخ هذا صار اسمًا كليًّا لأنه دخل تحته اثنان، وهذا المراد بقوله (أَسْمَاؤُهُمْ مَعْرُوْفَةٌ مُشْتَهِرَةْ) أي من حيث كونها كليات، ولذلك قال هناك (الاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ مَهْمَا نَزَلا) ابن الابن يدخل تحته ما لا ينحصر لأنه (مَهْمَا نَزَلا) يعني وإن (نَزَلا) إلى مائة يعني قد ينطوي تحت هذا اللقب ما لا ينحصر من الأفراد، ولذلك صار كليًّا، (فَاسْمَعْ) إذا عرفت ما ذكرته لك (فَاسْمَعْ) الفاء هذه الفصيحة (فَاسْمَعْ) سماع تدبر وتفهم وإذعان، (فَاسْمَعْ) سماع تدبر وهو تأمل للمعاني وتفهم إدراك للمعاني، وإذعان ورضً قلبي بها، يعني ليكن قلبك حاضرًا مع السماع {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] يعني شهيد بقلبه، وأما السمع المجرد الذي لا يكون معه تدبر للمعاني حتى في العلم ليس في القرآن فحسب هذا فائدة قليلة،
…
(فَاسْمَعْ مَقَالاً) هذا مصدر ميمي أي قولاً صادقًا (لَيْسَ) هذا المقال
…
(بِالْمُكَذَّبِ)، (لَيْسَ بِالْمُكَذَّبِ) لماذا؟ لأنه مجمع عليه (لَيْسَ بِالْمُكَذَّبِ) يعني لا يدخله الكذب لا من حيث ذاته وإنما من حيث ما يعرض له، لأن القرآن مثلاً قلنا: خبر: وهو يحتل الصدقة والكذب لذاته، أما من حيث نسبته إلى الله عز وجل لا يحتمل إلا الصدق. كذلك الإجماع لا يحتمل إلا الصدق، كذلك الخبر المتواتر لا يحتمل إلا الصدق، (فَاسْمَعْ مَقَالاً لَيْسَ بِالْمُكَذَّبِ) لأنه مجمع عليهم، وأما قول الشارح لوروده في القرآن العظيم هذا فيه نظر لأن توريث ابن الأخ لم يرد في القرآن كما جاء في السنة «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رحلٍ ذكرٍ» . هذا نص في توريث ابن الأخ.
(1) سبق.
(وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ أَبِيْهِ) والعم عمُّ من؟ عم الميت، هنا إذا أطلق حينئذٍ النسب ينصرف إلى الميت لأننا مع الأموات، نورّث من؟ نورث الأحياء لتركة الأموات، فالأصل وجود الميت كل من ذُكِرَ من الأقارب فالأصل أن يكون منسوبًا إلى الميت سواء نص عليه أم لا، ولذلك قالوا هنا في باب الفرائض: إذا أطلقت النسبة عمّ خال .. إلى آخره فهي إلى الميت، فإن أريد غيره صُرِّحَ به، هذا اصطلاح عُرفي عند الفرضيين إذا أطلقوا النسبة يعني كما قال هنا: العمّ، ما قال للميت، عم الميت، وإنما أطلق قال: العمّ وابن العمّ، ابن عم من؟ ابن عم الميت، إذًا أطلق النسبة وحينئذٍ لا تنصرف إلا إلى الميت، فإذا أريد غيره حينئذٍ لا بد من التصريح بذلك لأنه مخالف لما وُضِعَ عليه الفن من أصله. (وَالْعَمُّ) أي السابع للحديث السابق «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» . التعصيب إنما يكون ماذا؟ يكون دليله هذا النص، كل من ورث بالتعصيب فهذا نصه، وأما العم فلا يرث بالفرض، وابن العم لا يرث بالفرض، وابن الأخ الشقيق الأخ لأب لا يرثان بالفرض، وإنما ورثهم بالتعصيب، ولم يرد في القرآن نص في ذلك، بل جاءت إشارة {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11] هذا مع أصحاب الفروض، وأما التعصيب الخالص الذي لا يرث إلا بالتعصيب فهذا الظاهر لم يرد في القرآن، (وَالْعَمُّ) إذًا هذا السابع (وَابْنُ الْعَمِّ) وضع الظاهر وضع المضمر للوزن، وابنه يعني ابن العم قال:(مِنْ أَبِيْهِ) يعني من أبي الميت، الضمير يعود على الميت وهو معلوم من المقال من السياق (مِنْ أَبِيْهِ) وهذا راجع لهما معًا، والعم من أبيه، وابن العم من أبيه وحده أو مع أمه، لأن الأعمام ثلاثة:
- عم لأم.
- عم لأب.
- عم شقيق.
والذي يرث معنا هنا العم من الأب، سواءً كان من الأب وحده وهو العم لأبيه من أبيه أو من الجهتين وهو العم الشقيق، وأما الذي يكون من جهة أمه فهذا لا يكون من الورثة، يعني هنا، وإنما يرث من جهة كونه من ذوي الأرحام، (مِنْ أَبِيْهِ) أي الميت والمراد عم الميت أخو أبيه وهو شقيقه، وعمه أخو أبيه لأبيه، وابناهما، وخرج بذلك العم للأم وبنوهُ. إذًا قوله:(وَالْعَمُّ) من أبيه يشمل العم لأب والعم الشقيق وأما العم لأم فهذا من ذوي الأرحام لا من الورثة هنا، (وَابْنُ الْعَمِّ) كذلك يشمل ابن العم لأبيه وابن العم الشقيق، وأما ابن العم لأم فهذا لا يكون من الورثة، ولذا قال (مِنْ أَبِيْهِ) فهو قيد فيهما، وأخره لذلك، يعني لم يقل والعم من أبيه وابن العم لأنه لو أراد ذلك لو فعل ذلك لاحتاج إلى قيد أن يكرره مرة أخرى، وإنما جَمَعَ أولاً ثم قيَّد والقيد راجع لهما، إذًا والعم هذا السابع.
والثامن (وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ أَبِيْهِ) أي أبي الميت.
(فَاشْكُرْ) الفاء للتفريع (فَاشْكُرْ) يعني تشكر من؟ قال (لِذِي الإِيجَازِ) أي لصاحب الإيجاز، من هو صاحب الإيجاز؟ هو المصنف نفسه، يعني أوجزت لك إيجازًا، ونبهتك تنبيهًا قد لا تجده في غير هذا الموضع بعبارة واضحة بينة فيحتاج حينئذٍ إلى الشكر، ويكون الشكر بالدعاء وبالذكر الجميل رحمه الله تعالى رحمه واسعة (لِذِي) يعني لصاحب، فذي هنا بمعنى صاحب.
من ذاك ذو إن صحبةً أبانا
(لِذِي الإِيجَازِ) ذي مضاف، الإيجاز مضاف إليه، وهو مصدر أوجز يوجز إيجازًا إيوجازًا، أوجز والمراد بالإيجاز الاختصار، (لِذِي الإِيجَازِ وَالتَّنْبِيْهِ) معطوف على قوله الإيجاز، يعني صاحب التنبيه والإيقاف فإنه ينبهك على هؤلاء الورثة بعبارة مختصرة واضحة بينة. إذًا ذكر في هذا البيت اثنين من حيث الجملة وأربعة من حيث التفصيل.
(وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ ذُو الْوَلَاءِ) ذكر في هذا البيت اثنين: زوج وهذا مجمع عليه وهو التاسع الزوج معلوم وأجمع عليه أهل العلم وجاء النص فيه {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] يعني زوجاتكم، ولكم أنتم هذا خطاب للزوج {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} أي زوجاتكم، والزوج.
والعاشر والأخير (الْمُعْتِقُ) عرفنا ما المراد بالْمُعْتِق «إنما الولاء لمن أعتق» . (ذُو الْوَلَاءِ) أي صاحب الولاء (وَالْمُعْتِقُ ذُو الْوَلَاءِ) فرق بينهما، الْمُعْتِق في الأصل هو الذي باشر الْعتق السيد، ذو الولاء هذا ليس مختصًا بالمباشر، وإنما يكون من باشر ولعصبته المتعصبون بأنفسهم، ولذلك لَمَّا كان اللفظ موهمًا. قال (الْمُعْتِقُ) بأن يكون الوارث هو المعتق نفسه السيد، أما عصبته المتعصبون بأنفسهم لا يرثون حينئذٍ رفع هذا الوهم بقوله:(ذُو الْوَلَاءِ). يعني: صاحب الولاء، إذًا صاحب الولاء أعمّ من قوله (الْمُعْتِقُ)، وعليه يكون قوله:(الْمُعْتِقُ) ليس قيدًا، وإنما ذكره ابتداءً ثم وصفه بما ذكره بعده، إذًا (الْمُعْتِقُ) هذا هو العاشر، ولما كان المراد به المعتق حقيقةً وعصبته حكمًا، وصفه بقوله:(ذُو الْوَلَاءِ) يعني صاحب الولاء، من المعتق نفسه وهو الذي باشر وهو السيد، وعصبته المتعصبين بأنفسهم، فحينئذٍ قوله:(الْمُعْتِقُ) في النظم هذا ليس قيدًا، وقوله:(ذُو الْوَلَاءِ) دفع به ما يتوهم من أنه قاصر على من باشر العتق، وليس الأمر كذلك.
(فَجُمْلَةُ الذُّكُوْرِ هَؤُلَاءِ) الفاء هذه إما فصيحة، وإما عاطفة، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، (فَجُمْلَةُ الذُّكُوْرِ) قالوا: جمل الشيء جملاً جمعه عن تفرّقٍ، ومثله أجمل الشيء، يعني يكون جَمَلَ وأَجْمَلَ مثل كَرُمَ وأَكْرَمَ، والجملة جماعة الشيء ويقال: أخذ الشيء جملةً وباعه جملة، يعني متجمعًا لا متفرقًا، كذلك الناس يقولون: بيع بالجملة، يعني مجتمع لا متفرق،
…
(فَجُمْلَةُ الذُّكُوْرِ) الذكور هذا التخصيص لما سبق كما ذكرناه (بَابٌ: الْوَارِثُوْنَ مِنَ الرِّجَال) ما المراد بالرجل؟ البالغ؟ لا، وإنما المراد به الذكر، وهذا يعتبر تخصيصًا أو تقييدًا لِمَا سبق، فهو إيضاح. (فَجُمْلَةُ الذُّكُوْرِ هَؤُلَاءِ) المذكورين في كلامه هؤلاء المشار إليهم من قوله:(اَلاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ) إلى قوله: (وَالْمُعْتِقُ ذُو الْوَلَاءِ) هذا المشار إليه بقوله: (هَؤُلَاءِ). أي: المذكورين في كلامه. وهم على سبيل الاختصار عشرة بمعنى أن بعضهم يندرج في بعض كقولك الأخ يندرج فيه ثلاثة، العم يندرج فيه اثنان، ابن العم يندرج تحته اثنان، وهي على سبيل للاختصار عشرة:
اثنان من أسفل النسب وهما الابن وابنهُ، واثنان من أعلى النسب الأب وأبوه جده، كم هذا؟ أربعة، وأربعة من الحواشي الأخ وابنه والعم وابنهُ على جهة الإجمال، واثنان أجنبيان وهما الزوج والمعتق. هذا حصر جيّد.
اثنان من أسفل النسب وهما الابن وابنهُ، واثنان من أعلى النسب وهما الأب وأبوه جده، أربعة، وأربعة من الحواشي الأخ وابنه، والعم وابنهُ أربعة وأربعة ثمان، واثنان أجنبيان هذه عشرة الزوج والمعتق.
إذا اجتمع كل الذكور كلهم اجتمعوا، هلك هالك واجتمع كل الذكور، ورث منهم ثلاثة: الابن والأبو والزوج. وتكون مسألتهم من ثنتي عشر، للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، وللابن الباقي وهو سبعة. إذًا إذا اجتمع هؤلاء العشرة على جهة الإجمال ورث منهم ثلاثة: الابن والأب والزوج.
وأما بالبسط خمسة عشر بالبسط يعني دون اختصار بالتنصيص على كل فرد، يعني ترجع إلى ما ذكرناه سابقًا فتضيفه بدلاً من أن تقول الأخ وتسكت، تقول الأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لامٌ، والعم لأبيه والعم الشقيق .. إلى آخره، تذكرها بالبسط فهي خمسة عشر: (الابن، وابنه وإن نزل، والأب، والجد أبوه وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم ذكر الإخوة على جهة التفصيل، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، وأسقط ابن الأخ لأم لأنه ليس بوارث، والعم الشقيق، والعم للأب، أما العم لأم فليس بوارث، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، وذو الولاء، ومن عدا هؤلاء لا نقول بأنهم ليسوا بورثة وإنما فيهم خلاف، وهم ذوو الأرحام كل ما عدا هؤلاء فمن ذوي الأرحام، حينئذٍ هل يرثون أم لا؟ المسألة خلافية بين الأئمة، والحنابلة على توريثهم المذهب على توريثهم، كابن البنت، الابنُ، وابن الابن، إذًا ابن البنت ليس بوارث، وأبي الأم، وابن الأخ للأم، والعم للأم، وابنه، والخال ونحوهم هؤلاء كلهم من ذوي الأرحام، قد يرثون ولكن على تفصيل يأتي في محله.
ثم قال:
(وَالْوَارِثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ سَبْعُ) لما أنهى الكلام عن الذكور المجمع على إرثهم شرع بذكر النساء المجمع على إرثهن، وسواء قلنا: التبويب مذكور أو لا، باب الوارثين من الرجال أي ومن النساء، وبعضهم يرى أنه ثم ترجمة زائدة، (وَالْوَارِثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ سَبْعُ) على جهة الإجمال والاختصار، فالقول هنا كالقول هناك، إما أن يعد نقول: الوارثات نوعان أولاً:
- نوع مجمع على توريثهن.
- ونوع مختلف في توريثهن.
المجمع هو الذي ذكره المصنف إجمالاً هنا سبعة، والبسط وعدم الاختصار يصلن إلى العشرة، (وَالْوَارِثَاتُ) هذا مبتدأ، وقوله (سَبْعُ) خبر المبتدأ، (وَالْوَارِثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)، (مِنَ النِّسَاءِ) هذا بيان للوارثات وليس بيان للاحتراز لأن الوارثات جمع مؤنث سالم فينصرف إلى النساء، هذا الأصل (وَالْوَارِثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)، (مِنَ النِّسَاءِ) النساء اسم جمع لا واحد له من لفظه، والمراد سبعٌ إجماعًا بالاختصار (لَمْ يُعْطِ أُنْثَى غَيْرَهُنَّ الشَّرْعُ) لم يعط الشرع أنثى غيرهن، لم يُعط الشرع هذا فاعل وأنثى مفعول به، وغيرهن صفة أو حال صفة لأنثى أو حال، (لَمْ يُعْطِ) يعط هذا مبني للفاعل، والشرع أي ذو الشرع على خذف المضاف، وهو على تقدير مضاف، أو أن الشرع بمعنى الشارع، الشرع يعني مصدر بمعنى اسم الفاعل، و (أُنْثَى) الأنثى خلاف الذكر من كل شيء جمعه إناث فهو معلوم، و (غَيْرَهُنَّ) صفة لأنثى أو حال منها حال من أثنى، وأنثى صاحب الحال هل يصح مجيء الحال من النكرة أنثى نكرة؟ نعم، هنا لكونه وضع في سياق النفي فحينئذٍ يعم لأن النكرة في سياق النفي تعم، وإذا عمت النكرة حينئذٍ صح مجيء الحال منها. إذًا سوّغ مجيء صاحب الحال هنا كونه نكرة في سياق النفي. قوله:(لَمْ يُعْطِ أُنْثَى غَيْرَهُنَّ الشَّرْعُ) قال الشارح: أي عطاءً مجمعًا عليه، لأن ثم عطاءً مختلفٌ فيه، هناك عطاء مختلفٌ فيه وهو النساء إذا كن من ذوات الأرحام، القول هنا كالقول هناك سواء كان ذو الأرحام ذكورًا أو إناثًا الخلاف واحد، من ورّث الذكور ورّث الإناث والعكس بالعكس، وليس بينهم فصل. إذًا قوله:(لَمْ يُعْطِ) يعني عطاءً مجمعًا عليه لا عطاءً مختلفًا فيه، فإن الشرع أعطى ذوات الأرحام، وهذا التقرير على المذهب كما ذكرنا سابقًا نحاول أن نجعل المتن حنبليًا، إذًا (لَمْ يُعْطِ) نُقَيِّدْهُ عطاءً مجمعًا عليه، وأما العطاء المختلف فيه فهذا لم يقصده المصنف هنا، وهو وارد عليه لكنه يعتذر له بأنه أراد أن يذكر المجمع الذي اتفق عليه أهل العلم، وأما المختلف فيه فهذا لم يتعرض له.
(بِنْتٌ) هذه الأولى الوارثات، (بِنْتٌ) بنت من؟ بنت الميت، هكذا إذا أطلق النسب النسبة انصرف إلى الميت لأن الموضوع هنا موضوع في التركات فلا بد أن يكون الحديث منصرفًا إلى الميت.
(بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ) هذه الثانية وكلاهما دل عليه قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11]. هذا نص دخل فيه البنت، بينت الميت وبنت الابن، ابن الميت، وحديث ابن مسعود الوارد في (بنت وبنت ابن وأخت) يعني أعطى كلاً من هؤلاء الثلاثة، إذًا ورّث البنت، وورث بنت الابن، فدل على أن ذلك وارد شرعًا وهو مجمع عليه. إذًا البنت بنت الميت ترث بالإجماع، وكذلك بنت الابن، بنت ابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور، بنت ابن ابن ابن ابن .. إلى آخره بمحض الذكور، فإن وجد بينهما فاصل وهو أنثى حينئذٍ سقطت لا ترث، بنت ابن ابن بنت ابن وُجد أنثى بين ذكرين ما يصلح هذا، إذًا إن نزل أبوها بمحض الذكور احترازًا عن التي نزل أبوها لا بمحض الذكور كبنت ابن بنت الابن هذه لا ترث ليست من الوراثة.
الثالثة: أم، الأم {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] {أَبَوَاهُ} هذا يشمل الأب والأم، (وَأُمٌّ مُشْفِقَةْ) يعني لا بد أن تكون الأم التي ترث من ابنها (مُشْفِقَةْ) فإن لم تكن (مُشْفِقَةْ) فلا ترث، صحيح؟ لا بد أن تكون (مُشْفِقَةْ) تحن على ابنها، فإن لم تكن كذلك فلا ترث [إيش عندكم؟ صحيح؟] هو يقول:(مُشْفِقَةْ) ما هو من عندي (وَأُمٌّ مُشْفِقَةْ) إذًا الوصف هنا باعتبار الأصل يعني لبيان الحال والواقع والشأن، الأصل في الأم أنها (مُشْفِقَةْ)، إذًا (وَأُمٌّ مُشْفِقَةْ) ليس احترازًا عن أم ليست (مُشْفِقَةْ) وإن قال بعضهم: إنها للاحتراز على الأم القاتلة فإنها ليست (مُشْفِقَةْ)، الأم القاتلة ترث أو لا؟ لا ترث قام بها مانع، لكن هذا ليس مرادًا للناظم هنا، لأنه سبق هناك
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيْرَاثِ
…
وَاحِدَةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلَاثِ
رِقٌّ وَقَتْلٌ ................
…
...............................
إذًا القتل مانع، فكل من اتصف بالقتل خرج هناك فليس بداخل معنا، إذًا مشفقة ليس للاحتراز عن الأم القاتلة فإنها ليست مشفقة، لأنه تقدم في ذلك، وإنما ذكر مشفقة لبيان الشأن فترث الأم ولو كانت غير مشفقة، لأن الإرث ينصب على كونها أمًّا، وأمّا الأوصاف الأخرى هذه منفصلة منفكة، (وَأُمٌّ مُشْفِقَةْ) هذا الثالث لقوله تعالى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} مشفقة من أشفق إذا خاف، مأخوذ من الشفقة على الشيء وخفت عليه والاسم منه الشفقة والأم من شأنها ذلك.
(وَزَوْجَةٌ) هذه الرابعة، زوجة بإثبات الهاء أو التاء، وهو الأولى هنا في الفرائض وإن كان الأفصح الترك، زوج زوجان هذا الأصل لي زوجٌ ذهبت
بزوجي
…
إلى آخره هذا الأصل فيها، ولكن هنا من باب التمييز بين الزوج والزوجة لئلا تختلط الأمور فحينئذٍ استحسن اتصال التاء بالزوجة المرأة وهو الأولى في الفرائض للتمييز وإن كان الأفصح والأشهر تركها، كما في قوله:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]. ما قال زوجته قال:
…
{زَوْجَهُ} أليس كذلك؟ زوجه مضاف ومضاف إليه أين التاء؟ ليس فيه تاء، {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} ولم يقل زوجته {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ} [الأعراف 19] ولم يقل زوجتك، فدل على أن الأفصح ترك التاء إلا في هذا المقام من باب التمييز بين الذكر والأنثى (وَزَوْجَةٌ) وهذا واضح.
(وَجَدَّةٌ) هذا الخامس، الخامسة جدة الميت، (وَجَدَّةٌ) الجدة منها ما هو متفق على توريثها، ومنها ما هو مختلف في توريثها، وعند الشافعية كل جدة ترث، كل جدة .. # 40.20، وعند الحنابلة فيه تفصيل.
الجدة إذا لم يكن بينها وبين الميت ذكر فهي من قبل الأم، هذا ضابط جيد، الجدة إذا لم يكن بينها وبين الميت ذكر فهي من قبل الأم فترث باتفاق، هذه الجدة لأم، وإن كان بينهما وبين الميت ذكر تفصيل، فإن كان هو الأب فهي جدة من قبل الأب فترث كذلك باتفاق، الجدة من جهة الأب ترث باتفاق، لأن الواسطة بينها وبين الميت الأب، وإذا كانت من قبل الأم فهي ترث باتفاق، وإن كان هو الجد ففيه خلاف هل ترث أو لا؟ والمذهب عندنا ترث، يعني أدلت الجدة بالجد كأم أبي الأب، هذه مختلف فيها، الحنابلة يرون أنها ترث، وعند المالكية لا ترث، وأما الجدة التي تدلي بذكر بين أنثيين ويعبر عنها بالجدة الْمُدْلِيَة بذكر غير وارث فهي من ذوي الأرحام باتفاق الأئمة الأربعة، هذه أربعة أنواع للجدات، ثنتان يرثن باتفاق، وهي الجدة من قبل الأم مباشرة، والتي من قبل الأب أن يكون فاصل بينها وبين الميت الأب فترث باتفاق في المسألتين، إن أدلت بالجد لا بالأب فيه نزاع المالكية لا ترث الحنابلة ترث، وكذلك الشافعية، وإن أدلت الجدة بذكر بين أنثيين وقع الفصل حينئذٍ لا ترث باتفاق.
بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ مُشْفِقَةْ
…
وَزَوْجَةٌ وَجَدَّةٌ .................
عرفنا المراد بالجدة، (وَمُعْتِقَهْ) المعتقة يعني الأنثى، السيد إذا كان ذكرًا فأعتقه عبده حينئذٍ صار معتقًا، وإذا كان الذي أعتق أنثى صارت معتقة، إذًا العتق قد يكون من جهة الذكر فيكون معتقًا، وقد يكون من جهة الأنثى فتكون معتقة، كل منهما يرث بالعتق، وأما في شأن الذكر فيرث هو المعتق، وكذلك عصبته المتعصبون بأنفسهم، وأما المعتقة فليس فيه عصبة من جهة الإناث، وإنما هو من جهة الذكور ولذلك لم يقيده قال هناك:(الزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ ذُو الْوَلَاءِ) عمم فقلنا لم يرد ولم يقصد المعتق المباشر، هنا لا، المراد المباشر، لأنه ليس عندنا إناث يُعَصِّبْنَ بالولاء، وعندنا ذكور هناك يُعَصِّبُون بالولاء
وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرَّاً عَصَبَهْ
…
إِلَاّ الَّتِيْ مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ
كما سيأتي في باب التَّعْصِيب، إذًا قوله (ومعتقه ترث عتيقها، ولم يقل ذات الولاء [ومعتقه ذات الولاء] كما قال في: (وَالْمُعْتِقُ ذُو الْوَلَاءِ) للإشارة أنه لا عصبة للنساء في الولاء إلا المعتقة، لأن الإرث هنا ليس بالفرض، المعتق يرث بنوع التعصيب لا بالفرض، والمعتقة ترث بإرث التعصيب لا بالفرض.
ومعتقة إذًا المراد هنا المعتقة المباشرة، وليس عندنا ما ينوب عنها من الإناث لأنه لا يوجد ليس له وجود، ولذلك قال: والسادسة معتقة. قال: وكذا عصبتها المتعصبون بأنفسهم. وهذا كيف هذا يأتي، لا يأتي هنا، لأنه في مقام ذكر الوارثات من النساء، وأما عصبتها المتعصبون بأنفسهم هذا ليس واردًا هنا، لأن الناظم إنما يذكر الوارثات من النساء، إذًا: والسادسة المعتقة فقط. لأنه لا يوجد من يرث بالعتق بالولاء من الإناث، (وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرًّا عَصَبَهْ)، (طُرًّا) يعني جميعًا.
وَلَيْسَ في النِّسَاءِ طُرَّاً عَصَبَهْ
…
إِلَاّ الَّتِيْ مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةْ
كما سيأتي في محله.
(وَالأُخْتُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَتْ)، (وَالأُخْتُ) هذا السابع والأخير، (وَالأُخْتُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ) عرفنا جمع جهة أي نواحي، كانت أي هذه الأخت، وهذا فيه تعميم ليشمل الأخت من الأب، والأخت لأم، والأخت الشقيقة، فدخل ثلاثة أنواع تحت هذا الجنس. (فَهَذِهِ عِدَّتُهُنَّ) يعني تعداد الوارثات من النساء بانت في هذه وظهرت وانحصرت، قال:(وَالأُخْتُ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَتْ) أي سواءٌ كانت شقيقة، أو لأب، أو الأم. (فَهَذِهِ عِدَّتُهُنَّ بَانَتْ) أي ظهرت بالاختصار، سبعة جنس بعضها يدخل تحتها أفراد، اثنتان من أعلى النسب، وهما: الأم، والجدة، واثنتان من أسفل النسب: وهما البنت، وبنت الابن. أربعة، وواحدة من الحاشية وهي الأخت مطلقًا، واثنتان أجنبيتان وهما: الزوجة، والمعتقة. فالزوجة أجنبية في الأصل يعني ليست من القرابة.
وإذا اجتمعت كل النساء ورث منهن خمسة: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة. وتكون مسألتهم من أربع وعشرين: للبنت النصف اثنا عشر، ولبنت الابن السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللأم السدس أربعة، والباقي واحد للأخت الشقيقة تعصيبًا الباقي تعصيبًا.
ثم قال رحمه الله: (بَابُ الْفُرُوْضِ الْمُقَدَّرَةِ) لَمَّا أنهى الكلام عن الورثة من الذكور والإناث شرع يُبَيّنُ ما يرث كل واحد منهم يعني هل يرث بالفرض أم يرث بالتعصيب لأننا نحتاج إلى بيان، من الذي يرث بالفرض؟ ثم نعرف كم فرضه؟ النصف الثمن .. إلى آخره، وما هي شروطه
…
إلى آخره ما سيأتي. قال: (بَابُ الْفُرُوْضِ الْمُقَدَّرَةِ) أي هذا باب بيان الفروض المقدرة، هذا باب بيان على حذف المضاف الفروض المقدرة، نعت للفروض، وأعترض عليه بذكر المقدرة بعد الفرض، لأن الفرض لغة التقدير، كأنه قال باب المقدرة المقدرة، هذا فيه ركاكة، إذًا الفرض في اللغة التقدير فكأنه قال: باب المقدرة المقدرة، بالتكرار، وهذا في ركاكة. وأجيب بأنه المراد بالفروض الواجبة، وهو إما مقدرة أو لا، وإنما سميت الفروض مقدرة لأنها سهام لا تزيد ولا تنقص، هذا الربع لا يزيد ولا ينقص، هذا الثمن، النصف، الثلثان، الثلث .. إلى آخره، هذه كلها ليست من صنع البشر وإنما هو وضع إلهي فلا يزيد ولا ينقص، إلا بسبب العول أو الرد على القول به كما سيأتي في محله.
(بَابُ الْفُرُوْضِ الْمُقَدَّرَةِ) قال الشارح: أي المقدرة في كتاب الله، وهذا واضح بين، لكن إذا قيل بأنها المقدرة في كتاب الله حينئذٍ يرد عليه الثلث الذي ثبت بالاجتهاد، وهو ثلث الأم الباقي، فالثلث الباقي لها مرتب كما سيأتي، هذا ثبت بالاجتهاد حينئذٍ تصير سبعة لا ستة، لكن ما أراده المصنف هو ما ثبت في الكتاب، لماذا؟ لأنه قال:(فَالْفَرْضُ في نَصِّ الْكِتَابِ سِتَّةْ). إذًا المراد المقدرة هنا أين؟ في كتاب الله، حينئذٍ خرج ثلث الباقي الذي يكون للأم ومستحقيها سيذكر في هذا الباب من يستحق هذه الفروض، سواء في حق النصف، أو أربع، أو الثلث، أو الثلثين على ما سيأتي تقريره.
(الْفُرُوْضِ) جمع فرض، وهو في اللغة يقال لمعانٍ، يعني يطلق على معانٍ، أصلها يعني الكثير الغالب الحزُّ والقطع، كلها تدور هذه المعاني على هذا المعنى، الحزّ والقطع. الْحَزّ بفتح الحاء هو ابتداء القطع التدريجي، يعني أول ما يضع السكين مثلاً ويتدرج في القطع هذا يُسَمَّى حَزًّا. وقوله: القطع: أي ولو دفعة حينئذٍ يكون بينهما عموم وخصوص وجهي، القطع دفعة مرة واحدة، وأما الْحَزُّ فهو أول القطع إذا كان تدريجيًا، وأما في الاصطلاح وسبق أنه يطلق على التقدير معاني عديدة، وسبق شيء منها في ((شرح الأصول)) أو ((الورقات)).
وفي الاصطلاح النصيب المقدر شرعًا لوارث خاص. هذا هو الفرض في اصطلاح الْفَرَضِيِّين، النصيب أي الحظ من الشيء، فخرج به التعصيب المستغرق، لأنه قال: يهلك هالك عن ابن أخ شقيق مثلاً، فيرث كل المال، هذا يسمى تعصيبًا مستغرقًا، وقد يكون معه ماذا؟ معه صاحب فرض، فحينئذٍ يرث صاحب الفرض بالفرض فيكون الباقي للمعصِّب. حينئذٍ يكون التعصيب هنا ليس مستغرقًا كالبنت الشقيقة مثلاً أخت الشقيقة مع ابن الأخ الشقيق لها النصف، والباقي يكون لابن الأخ الشقيق، هنا اجتمع تعصيب وفرض، هل التعصيب هنا مستغرق؟ الجواب: لا، أما لو لم يبق إلا ابن الأخ الشقيق حينئذٍ يرث كل المال. فحينئذٍ التعصيب يكون مستغرقًا ويكون غير مستغرق، يكون مستغرقًا إذا لم يكن أصحاب فرض ولم يكن معه معصب كذلك، وأما إذا كان غير مستغرق وذلك فيما إذا شاركه غيره إما صاحب فرض وإما صاحب تعصيب. إذًا النصيب المراد به الحظ من الشيء فخرج التعصيب المستغرق، لأنه ليس بنصيب، أخذ كل المال هذا ليس حظًّا من شيء أخذ كل المال، إذًا استغرق فلا يعبر عنه لأنه نصيب، النصيب المقدر نعته بالمقدر، خرج به التعصيب غير المستغرق لعدم تقديره، فنقول: النصف لكذا، ثم الباقي ولا ننظر كم بقي لفلان، أو الثمن للزوجة والباقي لكذا، أو السدس للجدة والباقي كذا، حينئذٍ الباقي هذا نقول: تعصيب ليس مستغرقًا لكنه غير معلوم في الأصل، فخرج به التعصيب غير المستغرق لعدم تقديره، وخرج به أيضًا قوله: المقدر خرج به نفقة القريب، لأن المدار فيها على قدر الكفاية، قد يُقَدَّر من جهة الشرع، يعني يقال: يجب عليه أن يكفل قريبه لكنه لم يقدر من جهة الشرع، الربع النصف .. إلى آخره، شرعًا: أي من جهة الشرع أي الشارع فخرج به الوصية فإنها مقدرة جُعْلاً يعني بجعل الموصي لا بأصل الشرع، لأن الوصية نصيب مقدر، إذا أوصى بما دون الثلث أو بالثلث مثلاً، نقول: هذا نصيب مقدر. حينئذٍ هل هو إرث أم وصية؟ نقول: ننظر إلى الواضع الذي جعل هذا الثلث هو الموصي لا من جهة الشرع، وأما الفرض الذي معنا فهو من جهة الشرع {وَلَكُمْ نِصْفُ} [النساء: 12]، {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} .. إلى آخره. إذًا شرعًا هذا قيد لا بد منه يعني من جهة الشرع أي الشارع، فخرج به الوصية فإنها مقدرة جعلاً لا شرعًا فهي بجعل الموصي لا بأصل الشرع، لوارث نصيب مقدر شرعًا، العشر في الزكاة نصيب مقدر شرعًا أليس كذلك، مقادير الزكاة هل هي أنصبة مقدرة شرعًا أم لا؟ نعم، دخلت أو لا؟ دخلت، نحتاج إلى إخراجها. فقلنا: لوارث، لإخراج الزكاة لأن المقادير ومقدرة شرعًا لكنها ليست لوارث، وإنما لمن اتصف بصفات جاء الشرع بها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} [التوبة: 60] .. إلى آخره. إذًا لوارثٍ، هذا قيد لا بد منه لإخراج مقادير الزكاة، فإنها مقدرة شرعًا لغير وارث، لوارث خاص، خاص هل يكون ثَمَّ وارث عام؟ نعم، عموم المسلمين، لكنه ليس بفرض على القول بأن بيت المال يرث، هلك هالك ولم يترك لا من يرثه بالفرض ولا بالتعصيب ولا بذوي الأرحام، حينئذٍ يرجع المال إلى بيت المال. إذًا ورثه، بيت المال ينصرف إلى مصالح المسلمين.
إذًا الوارث في الحقيقة هم عموم المسلمين لكنه ليس بفرض، لوارث خاص. قال بعضهم: لبيان الواقع. وقال بعضهم: للاحتراز عن عموم المسلمين. وبعضهم قال بأن عموم المسلمين خرج بما خرج به التعصيب، وهو قوله: النصيب المقدر، النصيب المقدر خرج به نوعا التعصيب المستغرق وغير المستغرق، خرج به كذلك عموم المسلمين، وزاد بعضهم في الحدّ الذي لا يزاد إلا بالرد، يعني لا يزيد إلا بالرد، ولا ينقص إلا بالعول. وهذا من باب الإيضاح ليس فيه داخلاً في الحدّ، ولذلك قيل الأولى إسقاطه من التعريف، ونجيب بأنه بيان وتوضيح للفرض لا من تمام التعريف.
إذًا (بَابُ الْفُرُوْضِ الْمُقَدَّرَةِ) عرفنا المراد به، وهذا يقابله باب خاص سيأتي وهو باب العصيب، ولذلك بدأ بالتقسيم العام، ثم يذكر الفروض المقدرة شرعًا.
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الإِرْثَ نَوْعَانِ هُمَا
…
فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ عَلَى مَا قُسِمَا
قَسّم لك الإرث إما بالمعنى المصدري أو بالمعنى الاسمي كلاهما يصحان إلا أن الأول لا بد من التقدير في قوله: (فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ) على ما ذهب إليه الشارح. (وَاعْلَمْ) هذه كلمة للتنبيه يعني يؤتى بها للتنبيه للاعتناء بما بعدها، (وَاعْلَمْ بِأَنَّ) والعم أيها الناظر بهذا الكتاب هكذا قدره الشارح، ومراده أن المخاطب غير معين وسبق معنا مرارًا، المخاطب هنا غير معين كما في قوله:{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا} [سبأ: 51]. ترى الخطاب خرج لواحد لكن في الأصل المراد به العموم، هنا كذلك واعلم أنت لست التي تقرأ وإنما كل ناظر في هذا الكتاب، (وَاعْلَمْ بِأَنَّ) عدّاه بالباء إما أن يقال بأنه ضمنَّ (اعلم) معنى اجزم كما ذكره البيجوري، فعداه بالباء، أو أنها زائدة للوزن، والظاهر أن (اعلم) من العلم ومادة العلم يتعدّى بنفسه وبحرف الجر هذا الظاهر، {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] ألم يعلم أن الله يرى يتعدَّى بنفسه ويتعدى بالباء، أليس كذلك؟ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}
…
[البقرة: 255] تعدّى بنفسه، فلا نحتاج أن نقول بأن للتضمين وغيره. (وَاعْلَمْ بِأَنَّ الإِرْثَ) الإرث بمعنى الموروث حق قابل للتجزي كما سبق
…
(نَوْعَانِ) بأن الإرث نوعان، الإرث اسم أنّ ونوعان خبر أن، لأن الوارث إما له سهم مقدر شرعًا فإرثه بالفرض أولى من التعصيب، يعني لماذا انحصر في نوعين؟ نقول: لأن الوارث إما أن يكون له نصيب مقدر شرعًا أو لا، سبق أنه قد يرث ودلّ النص على بعض من سبق ذكره أنه يرث ولم يذكر له فرض، حينئذٍ إذا لم يذكر له فرض لا بد أنه يرث بنوع آخر وهو التعصيب. إذًا القسمة ثنائية لا ثالث لهما، إما له سهم مقدر شرعًا فإرثهُ بالفرض أولى فالتعصيب (وَاعْلَمْ بِأَنَّ الإِرْثَ نَوْعَانِ)، (هُمَا ** فَرْضٌ)، (هُمَا) مبتدأ، (فَرْضٌ) وها عطف عليه خبر المبتدأ، (هُمَا ** فَرْضٌ) أي النوعان (فَرْضٌ) أي إرث به، هكذا قال الشارح، وهذا أوّل لأن قوله: إرث هذا مصدر بالمعنى المصدري لا ينقسم الإرث إلى فرض وتعصيب، لأن الفرض والتعصيب هذا في شأن الموروث، حق قابل للتجزي هو الذي نقول: ربعه ونصفه ..
إلى آخره، وأما الإرث نفسه هذا لا يتجزأ وإنما هو شيء واحد، إما أن يقال بأن الإرث على بابه وهو مصدر، حينئذٍ نقول فرض أي إرث به بالفرض إرث بالفرض، فرق بينهما، وإن جعلنا الإرث بمعنى الموروث فحينئذٍ نقول: الموروث إما بالفرض وإما بالتعصيب وهذا أجود، يعني قوله: بأن الإرث مصدر أراد به اسم المفعول (فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ) يعني إرث بالفرض على ما ذكره الشارح هنا يعني على التأويل، وتعصيب أي إرث به (عَلَى مَا قُسِمَا) على بمعنى الباء، و (مَا) هنا مصدرية، وقسما فعل ماضي مغير الصيغة، والألف هذه للإطلاق على الذي قسم (عَلَى مَا قُسِمَا) يعني بهذا التقسيم أي حال كون التقسيم الذي ذكرناه على التقسيم الذي ذكره الْفَرَضِيُّون، (فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ عَلَى مَا قُسِمَا) عند الفرضيين هذا مرادهم، يعني هذا التقسيم هو المشهور وهو المعتمد عند الفرضيين، ليس بتقسيم من جهة النظم نفسه ليس باجتهاد، ولذلك أي حال كون التقسيم الذي ذكرناه على التقسيم الذي ذكره الفرضيون، أو على التقسيم الذي اعتبره الشارع، (عَلَى مَا قُسِمَا) أي بهذا التقسيم أي حال كونه متلبسًا بهذا التقسيم، ومراده ظاهر العبارة ماذا؟ إما فرض وإما تعصيبٌ ولا يجمع بينهما (نَوْعَانِ هُمَا ** فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ) تقابلا، إذًا والتقابل دائمًا يكون بشيء كلي يقابل شيئًا كليًّا هذا الأصل فيه، لا يقابل بالتداخل إلا بقرينه لأنه خلاف الأصل. إذًا التعصيب فقط أو الفرض فقط. إذًا لا يمكن أن يجمع بين الفرض والتعصيب وليس هذا بالمراد، إذًا قوله:(عَلَى مَا قُسِمَا) أي بهذا التقسيم حال كونه متلبسًا بهذا التقسيم. هنا قال: (فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ) قدّم الفرض على التعصيب لكون الإرث به أقوى، يعني جرى خلاف بين الفرضيين أي النوعين أقوى من الآخر، والخلاف لا يبني عليه ثمرة، يعني سواء قيل: التعصيب وهو قول مقدم أو أقوى من الفرض، أو بالعكس، نقول: هذا الخلاف لا ثمرة له، وهنا قدمه قد يقال بأنه أراد أن الفرض مقدم على التعصيب يكون الإرث به أقوى بدليل أن صاحبه لا يسقط أبدًا، صاحب الفرض لا يسقط كما سيأتي بخلاف صاحب التعصيب، إذا استغرق أصحابه فروض التركة سقط ليس له شيء، للنص:«ألحقوا الفرائض بأهلها» . يعني أصحابها فيأخذ صاحب النصف الثلث .. إلى آخره إن بقي شيء فلأولى رجل ذكر، إن لم يبق؟ فحينئذٍ ليس له شيء. إذًا ما كان ليس بساقط مطلقًا هذا أقوى مما يسقط بدليل أن صاحب لا يسقط وإن استغرقت أصحاب الفروض التركة بخلاف العاصب فإنه يسقط حينئذٍ، وعكس بعضهم فجعل الإرث بالتعصيب أقوى بدليل حيازة المال إذا انفرد.
إذا انفرد! والكلام فيما إذا اجتمعا متى تظهر القوة؟ هل إذا انفرد لوحده أم إذا اجتمع مع غيره؟ إذا اجتمع مع غيره، حينئذٍ يقع التعارض متى نقدم هذا على ذاك؟ الذي يقدم هو القوي، وأما إذا لم يكن أصحاب فروض ولم يوجد إلا ابن أخ شقيق فورث لا نقول: هذا أقوى من صاحب الفرض، لأنه ما وجد حتى نقول أقوى منه، وإنما القوة تكون إذا وُجد، واضح هذا؟ وعَكَسَ بعضهم فجعل الإرث بالتعصيب أقوى بدليل حيازة المال إذا انفرد وبكونه ذكرًا بخلاف أصحاب الفروض فإن غالبهم إناث، الله عز وجل الذي قَسّم الفروض حينئذٍ لا اعتراض، والظاهر أن الإرث بالفرض أقوى من التعصيب.
إذًا هما نوعان هما فرض وتعصيب، إذًا لا يفهم من كلامه أنه لا إرث إلا بالفرض فقط، أو بالتعصيب فقط، بل قد يجمع بينهما، ومراده أنه لا يخلو منهما، وليس المراد ما هو ظاهر العبارة من أن الإرث إما بالفرض فقط أو بالتعصيب فقط، ويكون بهما معًا، لأن جملة الوارثين السابقين من الرجال والنساء المجمع على إرثهم خمسة وعشرون، وينقسمون باعتبار الإرث إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: قسم يرث بالفرض فقط. وهم سبعة: الأم، وولداها، يعني الأخ لأم والأخت لأم، الأم وولداها، والزوجان: الزوج والزوجة، والجدتان: الجدة لأم والجدة لأب هؤلاء يرثون بالفرض فقط.
القسم الثاني: يرث بالتعصيب فقط، ولا يكون له نصيب من جهة الفروض المقدرة شرعًا، وهم اثنا عشر - من الخمسة وعشرين - الابن، وابن الابن وإن نزل والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب وإن نزلا، والعم الشقيق، والعم لأب وإن عليا، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب وإن نزلا، والمعتق، والمعتقة. هؤلاء عصبة لا يرثون إلا بالتعصيب، لو وُجد أصحاب الفروض واستغرقوا التركة هؤلاء كلهم ليس لهم شيء البتة.
الثالث: قسم يرث بالعصيب تارة، وبالفرض تارة، يعني يجمع بين النوعين ويجمعون بينهما تارة أخرى يعني في مسألة واحدة يرث بالفرض ويرث كذلك بالتعصيب، فيجمع بينهما في مسألة واحدة، وهما: الأب والجد. إذًا الأب والجد أصحاب الفروض وقد يجمعون كذلك التعصيب، يعني قد يحصل لهم في مسألة الجمع بين الفرض والتعصيب معًا، وقد يرث بالتعصيب فقط، وقد يرث بالفرض فقط، فلهم ثلاثة أحوال:
الأب قد يرث بالفرض فقط في مسألة.
وقد يرث بالتعصيب فقط في مسألة أخرى.
وقد يجمع بينهما يرث بالطرف والتعصيب وذلك فضل الله.
رابعًا القسم الرابع: قسم يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ولا يجمعون بينهما، يعني إما هذا، وإما هذا، لكنه من أصحاب الطرفين، يعني يرث بالفرض له فرض مقدر في الشرع، وكذلك يرث بالتعصيب، يعني هو وارث وارث، إما بالفرض، وإما بالعصيب وهم أربعة:
البنت فأكثر يعني بنتان ثلاث أربع.
وبنت الابن فأكثر وإن نزل أبوها.
والأخت الشقيقة فأكثر أختان ثلاثة الأربعة.
والأخت لأب فأكثر.
هذه أربعة أقسام باعتبار الإرث، منهم من يرث بالفرض فقط، ومنهم من يرث بالتعصيب فقط، ومنهم من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، وقد يجمعون بينهما في بعض المسائل، وهما الأب والجد لقوتهما، وقسم الرابع يرث بالفرض تارة، يعني في مسألة، ويرث في مسألة أخرى بالتعصيب لا بالفرض، لكن لا يجمعون بينهما في مسألة واحدة.
إذًا قوله: (فَرْضٌ وَتَعْصِيْبٌ). ليس على ظاهره، بل القسمة رباعية، وأما الوارث الكلام في الإرث السابق، وأما الوارث فثلاثة أنواع:
- ذو فرض
- وعاصب
- وذو رحم. على المذهب، ذو رحم هذا عندنا في المذهب.
فَالْفَرْضُ في نَصِّ الْكِتَابِ سِتَّةْ
…
لا فَرْضَ في الإِرْثِ سِوَاهَا الْبَتَّةْ
(فَالْفَرْضُ) الفاء فاء الفصيحة، والفرض سبق بيان معناه، والمراد هنا الفروض ليس فرضًا واحدًا لأنه قال: ستة، (فَالْفَرْضُ) إذًا أل هذه تكون للجنس الصادقة بالمتعدد، كأنه قال: فالفروض، فأل هنا للجنس الصادق بالمتعدد، (فَالْفَرْضُ) أو الفروض المذكورة (في نَصِّ الْكِتَابِ)، في نصِّ هو الكتاب هذا أولى، في نصٍّ هو الكتاب (في نَصِّ الْكِتَابِ) المراد بالكتاب هنا القرآن لأنه الأصل في بيان المواريث، (في نَصِّ الْكِتَابِ) فأل هنا للعهد، والمراد به القرآن العزيز (سِتَّةْ) هذا خبر المبتدأ، والسابع ما ثبت بالاجتهاد فلا يرد على المصنف، لأنه خصص مراده بالفروض المقدرة في القرآن، حينئذٍ بقي عليه فرض سابع وهو ما ثبت بالاجتهاد، وهو ثلث الباقي، وهذا للأم في الغرّاوين وللجد في بعض أحواله كما سيأتي في محله. (لا فَرْضَ في الإِرْثِ) لا نافية للجنس يعني ليس ثَمَّ فرض أصلاً، (لا فَرْضَ) في بمعنى من (الإِرْثِ) الموروث سواهما (سِوَاهَا) يعني سوى الستة (الْبَتَّةْ) يعني قطعًا، والبت هو القطع، والبتة هذا مختلف فيها هل همزتها همزة قطع كما قيل لأن أل فيه جعل جزء من الكلمة، وقيل همزة وصل والتاء فيه للوحدة كأنه قال أجزم بذلك الجزم الواحد الذي لا تردد فيه، إذًا البتة المراد به القطع، فهذا ثَمَّ شيء مقطوع به:
فَالْفَرْضُ في نَصِّ الْكِتَابِ سِتَّةْ
…
لا فَرْضَ في الإِرْثِ سِوَاهَا الْبَتَّةْ
نِصْفٌ وَرُبْعٌ ثُمَّ نِصْفُ الرُّبْعِ
…
وَالثُّلْثُ وَالسُّدْسُ بِنَصِّ الشَّرْعِ
وَالثُّلُثَانِ وَهُمَا التَّمَامُ
…
...............................
هذه كم؟ هذه ستة، والفرضيون لهم طرق في عدها:
بعضها يسمى طريق الترقي.
والثانية تسمى طريقة التدلي.
والثالثة تسمى طريقة التوسط بينهما.
فلأولى: طريقة التدلي وهي أن يُذكر أو الكسر أعلى، ثم ينزل إلى ما تحته يعني يبدأ من الأعلى، تدلي من فوق إلى أسفل وهكذا، كان تقول: الثلثان لأنه أكبر مقدار الثلثا، والنصف يعني نصف الثلثان وهو الثلث، ونصف كلٍّ، ونصف نصفه.
أو تقول الثلثان ونصفهما وربعهما والنصف ونصف وربعه. والناظم عبارته قريبة من ذلك إلا أنه أخر الثلثين لضيق النظم لأنه قال: (وَالثُّلُثَانِ وَهُمَا التَّمَامُ).
الطريقة الثانية: طريقة الترقي يعني من الأصغر إلى الأعلى، أن تذكر أولاً الكسر الأدق ثم ما فوقه وهكذا، كأن تقول: الثمن والسدس وضعفهما، أو تقول: الثمن وضعفه، وضعفه ضعفه، والسُّدس وضعفه، وضعف صعفه.
والثالثة طريقة التوسط: وهي أن تذكر أولاً كسر الوسط ثم تنزل درجةً وتصعد درجةً، كأن تقول: الربع، والثلث، ونصف كلٍّ، وضِعْفُ كلٍّ. أو تقول: الربع، ونصفه، وضعفه، وثلثه، ونصفه، وضعفه. والمقصود من هذه الطرق واحد وهو التفنن في العبارة. إذًا تعدها كيفما شئت.
(نِصْفٌ) هذا الأول، وهو أكبر الفروض، وفيه أربع لغات تثليث نونه نِصف نَصف نُصف ثلاثة، والرابعة نَصِيف كرغيف، نصِيف، وزاد البيجوري نُصّ بضم النون وتشديد الصاد، ونُصّ هذه طيبة، وهناك ذكر في المختار: رُزّ. بعض الناس يظن أنها لحن لغة العامة، أرُز رُزّ، هذا ثابتة في اللغة صحيحة. إذًا النصف فيها أربع لغات هي المشهورة تثليث نونها، والرابعة نصيف، وبدأ به لكونه أكبر كسر مفرد، وذكر في القرآن في ثلاثة مواضع {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] في ثلاثة مواضع.
(نِصْفٌ وَرُبْعٌ) فيه ثلاثة لغات ضم الباء وتسكنها ربُع ربْع والراء الثالث رَبِيع فَعِيل، وذكر في القرآن في موضعين {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12]، {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] يعني ذكر في موضعيْنِ.
(ثُمَّ نِصْفُ الرُّبْعِ) نصف الربع كم؟ (نِصْفٌ وَرُبْعٌ ثُمَّ نِصْفُ الرُّبْعِ)؟ الثُّمن، هذا لا بد أن يكون محفوظًا وإلا ما تمشي. إذًا (نِصْفُ الرُّبْعِ) هو الثُّمن، وفيه ثلاثة لغات ضم الميم وسكونها وثمين ثُمْن ثُمُن ثَمِين ثلاث لغات، وذكر في القرآن في موضع واحد {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ}
…
[النساء: 12].
(وَالثُّلْثُ) هكذا في عبارة الناظم بإسكان اللام، وفيه لغتان ضم اللام وسكونها، وذكر في القرآن في موضعين {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}
…
[النساء: 11]، {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] (وَالثُّلْثُ وَالسُّدْسُ) فيه لغتان ضم الدال وسكونها، ضم الدال سُدُس وسُدْس فيه لغتان، وورد في القرآن في ثلاثة مواضع {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] هذا في سياق واحد، {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
…
[النساء: 12]. إذًا ورد في ثلاثة مواضع، (وَالسُّدْسُ بِنَصِّ الشَّرْعِ) أي حال كون ذلك متلبسًا بنص الشارع عليه، يعني جاء في القرآن.
(وَالثُّلُثَانِ) مبتدأ (وَهُمَا التَّمَامُ) مبتدأ وخبر والجملة خبر المبتدأ الأول، والثلثان فيه لغتان ضم اللام وسكونها ثُلُثان ثُلْثان، وذكر في القرآن في موضعين {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} وهما أي الثلثان ثنى الضمير نظرًا للفظ الثلثين (التَّمَامُ) أي المتممان لما سبق. (فَاحْفَظْ) الفاء فاء الفصيحة (فَاحْفَظْ فَكُلُّ حَافِظٍ إِمَامُ) فاحفظ أيها الناظر في هذا الكتاب ما ذكرته لك وما لم أذكره من هذا العلم وغيره، فإن حذف المعمول يؤذن بالعموم، كأنه أراد أن يجعل هذا النص عامًا في جميع الفنون، (فَاحْفَظْ) يا طالب العلم (فَكُلُّ حَافِظٍ إِمَامُ)، ما تحفظ لن تكون ولا مأموم (فَاحْفَظْ فَكُلُّ) الفاء هذه للتعليل (فَكُلُّ حَافِظٍ إِمَامُ) كأنه قال: لأن كل حافظ إمام. أي مقدم على غيره خصوصًا إذا انضم إلى حفظه فهم المحفوظ، يعني ليس المراد الحفظ المجرد لا يكون طالب العلم ببغاء يردد ما يذكره أهل العم فقط، لا، لابد أن تحفظ مع الفهم، وأما حفظ دون فهم فهذا نسخة زائدة في المجتمع، ولذلك قيل: فهم سطرين خير من حفظ وقرين، ومناظرة اثنين خير من هذين. يعني لا بد أن يجمع بين الحفظ والفهم والمناظرة وهي المدارسة والمذاكرة، بل ربما يُدّعى أن الحفظ بغير فهم لا عبرة به، بل هو كذلك، الشارح يقول: بل ربما يُدّعى أن الحفظ بغير فهم لا عبرة به، بل هو كذلك ليس له عبرة البتة، فينبغي تقييد العلم بالكتاب. إذًا ذكر في هذا الموضع هذا الباب الفروض الستة المقدرة في الشرع.
ثم بعد ذلك سيسرد أصحاب الفروض المقدرة، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.