الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* أصحاب الثلث وشروطهم.
* أصحاب السدس وشروطهم.
[س: هذا يسأل عن المسألة التي ذكرناها إذا مات عن خمس، لو أسلم عن خمس لماذا يرثن مع اختلاف الدين؟
ج: لا، المثال الذي يصور مع تمام الشروط، أصحاب الفرائض هكذا يقولون: لو أسلم عن خمس؟ حينئذٍ لا بد أن يطلق، يتصور مع ماذا؟ مع إسلامهن، أسلم الكل فحينئذٍ لا اعتراض.]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(بَابُ الثُّلُث)
وعرفنا اللغات الواردة في الثلث، وذكر في القرآن في موضعين يعني في محلين، وأصحابه صنفان:
- الأم.
- والإخوة لأم.
قال رحمه الله تعالى:
وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ حَيْثُ لَا وَلَدْ
…
وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ ذُوْ عَدَدْ
كَاثْنَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ
…
حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ كَالإِنَاثِ
وَلَا ابْنُ ابْنٍ مَعَهَا أَوْ بِنْتُهُ
…
فَفَرْضُهَا الثُّلْثُ كَمَا بَيَّنْتُهُ
إلى آخره ما ذكر.
(وَالثُّلْثُ) بسكون اللام للوزن، وإن كان يجوز فيه لغة أخرى وهي ضم اللام الثلُث والثلْث، لكن قد يتعين في بعض المواضع حينئذٍ يكون لغة، فالثلْث هنا لغة، وهي بإسكان اللام وهي متعينة من أجل الوزن، (وَالثُّلْثُ) فرض اثنين صنفين كما ذكرنا وهما: أم، والإخوة لأم. قال:(فَرْضُ الأُمِّ). (وَالثُّلْثُ) مبتدأ وقوله: (فَرْضُ الأُمِّ) مضاف ومضاف إليه خبر المبتدأ، و (فَرْضُ) هذا مصدر، حينئذٍ يؤول باسم المفعول، يعني مفروض الأم على تقدير معنى اللام يعني مفروض للأم. إذًا هذان أمران مقدران، أولاً المصدر هنا بمعنى اسم المفعول أي مفروض، ثم الإضافة هنا على معنى اللام فتقدر باللام، والثلث مفروض للأم، يعني الأم ومعلومٌ حقيقة الأم وهي معروفة فرضها الثلُث قال:(حَيْثُ لَا وَلَدْ). هذا شرط من شروطها (وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ ذُوْ عَدَدْ) تستحق الأم بثلاث شروط الناظم كما ذكرنا أنه قد يذكر بعض الشروط ويترك بعضًا، وقد لا يذكر شيئًا من الشروط، فلا بد من ذكرها، فالأم تستحق الثلث بثلاثة شروط:
الأول: عدم الفرع الوارث وهو الولد وولد الابن، الولد وولده لقوله:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ، يعني: أبوه وأمه، {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} اشترط ماذا؟ إن لم يكن له ولد. إذًا الشرط الأول عدم الفرع الوارث وهو الذي أشار إليه الناظم بقوله:(حَيْثُ لَا وَلَدْ).
الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة، من الذكور فقط، أو من الإناث فقط، أو من الذكور والإناث. يعني ولو كانوا مختلفين، يعني قد يكون الإخوة جمع ذكورًا فقط، وقد يكونّ إناثًا فقط، وقد يكونوا مشترك بين الطرفين. إذًا الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة، المراد بالجمع اثنان فأكثر، والجمع في هذا الفن يصدق باثنين فأكثر، وهو مجاز.
الشرط الثالث: ألا تكون المسألة إحدى العُمريتين، نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. إذًا بهذه الشروط الثلاثة ترث الأم الثلث كاملاً، فأما إن كانت من إحدى العُمريتين حينئذٍ ترث الثلث لكنه يعبر عنه بالثلث الباقي، وهو في حقيقته إما سدس وإما ربع كما سيأتي.
قوله: (حَيْثُ لَا وَلَدْ) حيث هنا تقييدية، وهي تفيد معنى الشرط، إذا الشرط قيد كما أن الصفة قيد. إذًا حيثُ تقول: حيث تأتي لمعانٍ قد تأتي للتعليل، وقد تأتي للإطلاق، وقد تأتي للتقييد ثلاث استعمالات لحيث، قد تأتي للإطلاق، وقد تأتي للتقييد، وقد تأتي للتعليل، وهنا للتقييد (وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ) لا مطلقًا بل بقيد (حَيْثُ لَا وَلَدْ) يعني عدم الولد، بقيد عدم الولد، ولا هنا نافية للجنس (لَا وَلَدْ) موجود، لا نافية للجنس وولد هذا اسم لا مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الضرب أو الروي، وخبرها محذوف أي موجود. وهذا هو الغالب في باب اسم لا النافية للجنس أن يكون خبرها محذوفًا هذا هو الغالب.
(حَيْثُ لَا وَلَدْ) وولد هنا يصدق بماذا؟ بالذكر والأنثى سواءُ كان واحدًا أو متعدّدًا، فرض الأم بشرطين عدميين، هكذا قال الشارح، ويُزاد عليه الشرط الثالث (حَيْثُ لَا وَلَدْ) ذكرًا كان أو أنثى، لأنه كما سبق أن الولد يعم في لسان العرب الذكر والأنثى، فإذا أثبت حينئذٍ دخل فيه الذكر والأنثى، وإذا نُفي حينئذٍ نفي الذكر ولأنثى، وهل يدخل فيه ابنهُ؟
هذا قلنا: محل خلاف، وإن كان المشهور أنه يدخل فيه يناوله حقيقة، وبعضهم يرى أنه مجازًا، وبعضهم ينفي أنه يتناوله مطلقًا لا حقيقة ولا مجاز، فالأقوال ثلاثة، والمشهور عند الفرضيين أن الولد يدخل فيه ابنه، الابن يدخل فيه ابن الابن، وكذلك الولد. واحدًا كان أو متعدّدًا. إذًا عدم الفرع الوارث. قال الشارح: ولا ولد ابن كما سيذكره قريبًا سينصّ الناظم على ولد الابن قال: (وَلَا ابْنُ ابْنٍ مَعَهَا أَوْ بِنْتُهُ). هذا تنصيص من باب التأكيد فقط وإلا هو داخل في قوله: (لَا وَلَدْ). لو لم يأتِ بهذا البيت لعممنا قوله: (حَيْثُ لَا وَلَدْ). حينئذٍ يكون من باب التأكيد وهذا سبق معنا أنه قد ينص الناظم وينص الشارح أو صاحب المتن مطلقًا ينص على شيء دخل في سابقه بالمفهوم أو بالتضمن من باب التأكيد، وهذا كثير حتى في القرآن {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] كل منهما داخل في مفهوم الآخر، فقد صرحت الآية الأولى بما دخل في مفهوم الثاني، وصرحت الآية الثانية بما دخل في مفهوم الأول. إذًا هذان منطوقان قد صرح في كل واحد منهما بمفهوم الآخر، يكون من باب التأكيد، وهذا لا إشكال فيه ليس بعيب، يعني ليس مخلاً بالفصاحة، فلا يقال فيه تكرار إلا إذا كان ثمَّ أمر واضح بيِّن دخوله حينئذٍ لا إشكال فيه يقال بأنه تكرار.
(وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ حَيْثُ) قلنا: تقييد (لَا وَلَدْ) لا نافية للجنس وولد اسمها وخبرها محذوف أي موجود.
(وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ ذُوْ عَدَدْ) هذا الثاني يعني عدم الجمع من الإخوة مطلقًا من الذكور فقط، أو من الإناث فقط، أو منهما معًا. قوله:(وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ) ولا جمعٌ من الإخوة، الأصل ولا جمعَ، ولكن لما فصل بينهما بين لا واسمها، حينئذٍ بطل عملها، وهذا واضح بين {لَا فِيهَا غَوْلٌ} لا غول فهيا {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] بطل عملها لماذا؟ لتقدم الجار والمجرور، هذا مثلها. ولا جمعَ اسم لا، من الإخوة لَمَّا فصل بينهما بطل عملها، إذًا أصل التركيب أي لا جمع من الإخوة موجود، وحتى على إبطالها الخبر محذوف، حتى على إبطالها بمعنى أنها لا يكون ما بعدها اسم لها حينئذٍ الخبر كذلك يكون محذوفًا، يعني لو قدرنا ولا جمعَ من الإخوة موجود، ولا من الإخوة جمعٌ، جمعٌ هذا مبتدأ أين خبره؟ موجودٌ (مِنَ الإِخْوَةِ) جار ومجرور متعلق بقوله:(جَمْعٌ). (وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ) أي لا جمع من الإخوة، (ذُوْ عَدَدْ) أي صاحب عدد، هذا من باب التكميل يعني يُعَدّ فيقال: اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، الإخوة وأن تصاعد قد يصل إلى العشرين مثلاً (ذُوْ عَدَدْ) أي صاحب عددٍ يعني صاحب عدد، فذو هنا بمعنى صاحب، صاحب عدد بحيث يدل عليه بالعدد، بأن يقال اثنان ثلاثة
…
وهكذا. قال هنا: (وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ). اثنان أو أكثر هذا تعميم في الجمع، والجمع هنا المراد به أقل ما يصدق عليه وهو اثنان كما أشار إلى ذلك بقوله:(ذُو عَدَدْ). فإن العدد حقيقةً أقله اثنان، فلا يطلق العدد على الواحد إلا مجازًا من تسمية الجزء باسم كله لتركبُ العدد منه، وأما إطلاقه على الاثنين فصاعدا ًفهو حقيقة، فليس الجمع على حقيقته من أن أقله ثلاثة، كما هو المشهور عند الأصوليين والنحاة، أقل الجمع ثلاثة هذا هو المشهور، لكن هل هو أقل الجمع وهنا إشكال حتى في الشرح، مادة جمع تدل في اللغة على ضم الشيء إلى مثله مطلق الضمّ، الشيء إلى مثله جمعت بين هذا وذاك اثنين لا إشكال فيه، إذًا أقل ما يدل عليه هذا اللفظ جَمَعَ اثنان، حقيقةً أو مجازًا؟ حقيقة، وإنما كلام الأصوليين الذي يبحث فيه هو جمع المذكر السالم وجمع التكسير، مسلمون أقله كم؟ ثلاثة أو اثنان؟ هو الذي محل الخلاف، ولذلك بعدهم ذهب إلى أن لفظ جَمَعَ بالإجماع أقله اثنان، وليس الخلاف يشمل هذا اللفظ، وليس الخلاف شاملاً لهذا اللفظ حينئذٍ إذا قيل جمع من الإخوة اثنان فأكثر لغة، فلا نحتاج أن نقول: هذا من إطلاق الجمع وأراد به الاثنين .. إلى آخره، لماذا؟ لأنه في لسان العرب هو هكذا، وأما المسلمون وزيدون .. إلى آخره هذا الذي فيه نزاع، هل إذا قال: جاء الزيدون.
يصدق على الاثنين فأكثر، أو الثلاثة فأكثر؟ هذا محل نزاع، لو قال: لو لزيد علي دراهم ثم مات كم يُعطى؟ إن قلنا: أقل الجمع ثلاثة يعطى ثلاث، لأنه الأقل ليس عندنا قرينة تدل ليس ثم شيء آخر، إن قيل بأنه اثنان حينئذٍ يعطى درهمين، هذا محل الخلاف، أما لفظ جامع هذا أقله اثنان حقيقة، وليس الخلاف بين الأصوليين في هذا اللفظ، ولذلك قوله هنا: فإن العدد حقيقية أقله اثنان هذا لا إشكال فيه، فليس الجمع على حقيقته من أن أقله ثلاثة، هذا فيه نظر قول الشارح الشنشوري: فليس الجمع على حقيقته من أن أقله ثلاثة، هذا نظر.
مَثَّلَ الناظم لهذه الصور التي ذكرها أقله اثنان فأكثر لأنه قال: (مِنَ الإِخْوَةِ). وهذا ظاهره إخوة في الظاهر المتبادر أنه مذكر، وأراد أن ينفي ما قد يحتمل كما احتمله هنا الشارح، وأن يعمم في الإخوة يعمم ماذا؟ ليشمل الإناث فقال:(كَاثْنَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ). اللغة في اثنتان (أَوْ ثَلَاثِ ** حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ كَالإِنَاثِ)، (كَاثْنَيْنِ) يعني وذلك كاثنين جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، (وذلك كاثنين) وذلك جمع كاثنين. إذًا نص الناظم على أن مراده بالإخوة جمع من الإخوة المراد به اثنان، ولا شك أن قوله:(كَاثْنَيْنِ) يعني مذكرين وهذا واضح بين. (كَاثْنَيْنِ) أخوين ذكرين هذه صورة، (أَوْ) للتنويع (ثِنْتَيْنِ) قلنا: ثنتان لغة في اثنتان لغة تميم ثنتين، (أَوْ ثِنْتَيْنِ) يعني أختين اثنتين كذلك هذه صورة ثانية، وكذلك أخٌ وأختٌ كاثنين ذكرين، (ثِنْتَيْنِ) انثيَيْنِ، بقي ماذا؟ ذكرٌ وأنثى، أخٌ وأختٌ، هذه صورة، هذه ثلاث صور صارت الآن:
كاثنين صورة.
ثنتين صورة ثانية.
أخت وأخ هذه صورة ثالثة.
وبقي الخنثيان لأنه إذا قال: كاثنين الأصل ذكرين خالصين، ثنتين انثتين خالصتين، أخ وأخت خالصان هذا الأصل، وهناك ما هو فيه شائبة من هذا وذاك، ما يسمى بالخنثى، وهذا له باب مشكل عنند، الخنثى المشكل يسمونه عندهم فسيأتي باب في آخر النظم ما يتعلق بالخنثى المشكل، لأنه ذكر وأنثى جمع بين الوصفين، ولا يقال خنثى مشكل إلا إذا لم يتبين هل هو ذكر أو أنثى؟ لأنه قد يتبين له عضوان فيبول من أحدهما يتعين أنه ذكر أو أنثى، يحيض مثلاً يتعين أنه أنثى، إذا لم توجد قرينة هذا يسمى الخنثى المشكل، ما تدري هل هو ذكر أم أنثى؟ وهذا قديم أظنه الآن لا وجود له، هل هو موجود الآن؟ لا أظنه موجود لأنه تجرى له عمليات من صغره منذ أن يولد فيستريح ويريح، يستريح [ها ها] هو ويريح غيره، يسمّى عند القضاة مسألة في الخنثى المشكل، لكن ندرسها، بعضهم يقول: الفرائض الآن لا نحتاج دراستها، لماذا؟ كمبيوتر تضع المسألة وبرنامج ومجهز وانتهيت، ولا نحتاج إلى دراسة هذه الفرائض، ومن يقول بهذا: الأولى أنه يعزر. يعزره ولي الأمر لأنه هذا مصادمة للشرع، الأصل لأنه تفسير قرآن فإذا جئنا {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] ماذا نفعل؟ ما نفسرها ما ندرسها، إذا درسناها درسنا الفرائض لأنه واضعها الله عز وجل كيف نصع نتركها تتجاوزها، نمحوها؟ الله المستعان، وهذه الآراء التي تكون في شأن العلم عجيبة الآن غريبة جدًّا تدل على أن ثَمَّ غربة في المنهجية، منهجية طلب العلم دخلتها الغربة، ولذلك العلم يرفع في آخر الزمان وقبل رفعه ترفع وسائله الموصلة إليه، وهذا واضح بيِّن الآن، رفع الوسائل الموصلة إلى العلم واضح أن المنهجية فيها غبش كبير جدًّا عند الطلاب وعند المدرسين أيضًا إلا من رحم الله، وقليلٌ ما هم، حينئذٍ نقول: واضح بيّن أنه وسائل أو من أشراط الساعة.
وكذلك أخٌ وأخت. إذًا وبقي الخنثيان، والخنثى والذكر، والخنثى والأنثى، هذه ثلاثة صور صارت كم كلها؟ ستة. إذًا إذا كان اثنين:
إما أن يكونا ذكرين.
وإما أن يكونا انثتين.
أو أخ ذكر وأنثى.
أو يكونا خنثيين.
أو أنثى وخنثى.
أو ذكر وخنثى.
والصور حينئذٍ تكون ستًّا (أَوْ ثَلَاثِ) يعني من الإخوة (أَوْ) هذه للتنويع، عطف على قوله كاثنين، (أَوْ ثَلَاثِ) يعني من الإخوة الذكور فقط، يعني يكون ثلاثة فقط هذه صورة أولى أو الإناث فقط، يعني ثلاث إناث فقط، هذه صورة ثانية، أو الذكور والإناث يعني يجمع هذا مع ذاك، وتحت هذا صورتان إذا اجتمع الذكور والإناث معًا تحته صورتان:
الأولى: ذكر وانثيان.
والثانية: أنثى وذكران.
إذا اجتمعوا كانوا ثلاثة، حينئذٍ تحته صورتان ذكر وانثيان، والصورة الثانية أنثى وذكران، أو الخناثى المنفردين خلّص، كلهم الإخوة الثلاثة خناثة خلّص، أو خناثة مع الذكور، وتحت ذلك صورتان:
الأولى: خنثى وذكران.
الثانية: ذكر وخنثيان.
أو خناثى مع الإناث، وتحت ذلك صورتان:
الأولى: خنثى وأنثيان.
الثانية: أنثى وخنثيان.
أو خناثا معهما، يعني مع الذكور والإناث، وهذه صورة وهي خنثى وذكر وأنثى، حينئذٍ تلخص تحت قول (أَوْ ثَلَاثِ) عشرة صور، عشر وست، ست عشرة صورة (كَاثْنَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ) الفقهاء وأصحاب الفرائض مولعون بعدِّ الصور، قد تصل إلى مائة في بعضها، وقد تصل إلى مائة وخمسين، وبعضها إلى سبعمائة، لكن هذه ليست مفيدة، إنما الأصول هي التي يستفيد منها طالب العلم، وهذه من باب تحصيل الحاصل، ولا يحتاج الطالب إلى أن يتصورها وأن ينظر فيها أو يبحثها ويحفظها، نقول: هذا ليس من العلم الذي يكون مركزًا في الأصول، إذا عرف الأصل حينئذٍ يكفيه، (وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ ذُوْ عَدَدْ) يكفيه، أيًّا كان الإخوة سواء كانوا خُلّص أو غير خلّص ذكور فقط أو إناث، أو كوكتيل مع بعض، فحينئذٍ نقول: هذا كله يكفي (حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ كَالإِنَاثِ) أي حكم الذكور من الإخوة في جمع المذكور كحكم الإناث، فالضمير في قوله:(فِيْهِ). راجع إلى الجمع لأنه المخبر عنه. إذًا (حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ) يعني في الجمع كالإناث ولو احتمالاً، لماذا؟ ليشمل الخنثى، لأن الخنثى محتمل هو ذكر احتمالاً، أو أنثى احتمالاً يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وذكرنا هذا فيما إذا كان لم يتبين يعني لم تأت قرينة أنه ذكر حينئذٍ يتمحض أو أنه أنثى وحينئذٍ تتمحض، وإن وجد قرينة حكمنا عليه، إما ذكر وإما أنثى إذا لم توجد صار خنثى مشكل، (حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ كَالإِنَاثِ) ولا فرق في الإخوة بين كونهم أشقاء أو لأب أو لأم أو مختلفين يعني اثنان مثلاً أشقاء وواحد لأب، أو واحد لأب والثاني شقيق، أو واحد لأم والثاني شقيق أو الثاني لأب .. وهلم جرا، يعني المراد صدق الأصل وهو وجود جمع اثنان فأكثر من الإخوة مطلقًا، سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم أو مختلفين ولا بين كونهم وارثين أو محجوبين وهذا هو الصحيح من المذهب، فيه خلاف ابن تيمية له رأي خاص فيه لكن الصحيح من المذهب ولو كانوا محجوبين، يعني لو حجبوا هؤلاء الإخوة مثلاً بالأب حينئذٍ هل عدمهم من حيث الحجب لهم تأثير في الأم أولاً؟ نقول: الصواب أنه الحكم عام سواء كانوا وارثين أو كانوا محجوبين أو بعضهم حجب بشخص، والمحجوب القاعدة عند الفرضيين المحجوب بالوصف من الأولاد والإخوة وجوده كالعدم، الحجب كما سيأتي في بابه نوعان:
حجب بشخص.
وحجب بوصف.
الشخص واضح ابن الابن لا يرث مع الابن مع أبيه لا يرث. إذًا ابنُ الابن محجوب ممنوع يعني بماذا؟ بشخص إنسان وُجِدَ منعه من الإرث، كذلك الجدة مثلاً مع وجود الأم لا ترث الجدة مع وجود الأم، فهي محجوبة بشخص.
(بوصف) الأوصاف الثلاثة التي مرت معنا في الموانع: أن يكون قاتلاً، أن يكون رقيقًا، أن يكون غير مسلم .. ونحو ذلك. هذا حجب يكون بماذا؟ بوصف، المحجوب بشخص كالموجود، فهو وارث، معتبر بخلاف المحجوب بوصف، المحجوب بوصف كالعدم وجوده كالعدم، إذًا نص الناظم في هذا البيت والذي قبله على أن الأم ترث الثلث حيث لا ولد وهذا شرط يعني عدم الفرع الوارث وهو الولد، ولا من الإخوة جمع ذو عدد، وهذا هو الشرط الثاني عدم الجمع من الإخوة مطلقًا اثنان فأكثر، ثم مثّل بالبيت الثاني لبعض الصور أو شئت قل: للصور التي يمكن أن يجتمع فيها الإخوة، وهي: ست عشرة صورة، ستة داخلة في قولك: اثنين أو ثنتين. وزدنا عليه، وكذلك أخٌ وأخت هذه صورة ثالثة، أو ثلاث ويدخل تحت قوله: ثلاث عشر صور (حُكْمُ الذُّكُوْرِ فِيْهِ كَالإِنَاثِ) فلا فرق بينهما البتة، والأصل في ذلك قوله تعالى - يعني في توريث الأم الثلث -:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} كاملاً هذا دليل على أي شرط؟ عدم الفرع الوارث {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} والحال أن أبويه ورثاه فلأمه الثلث، مفهومه إن كان له ولد حينئذٍ الأم لا تأخذ الثلث بل تنتقل إلى السدس، مع مفهوم قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} الأم وارثة إما ثلث وإما سدس إما هذا وإما ذاك، فقوله:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] هذا يُستدل به على أن الأم تُعطى الثلث إذا لم يوجد الإخوة لأنه قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} . وُجد الإخوة الأم حينئذٍ وارثة بالفرض لكنها لا ترث الثلث، لماذا؟ لأن الإخوة حجبوها حجب نقصان من الثلث إلى السدس، عند عدمهم ترجع إلى أصلها، فبهاتين الآيتين الأول بالمنطوق والثاني بالمفهوم دلا على أن الأم تأخذ الثلث بشرطين عدميين وهما عدم الفرع الوارث، والذي دل عليه قوله:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} . هذا دل على انتفاء الفرع الوارث بالمنطوق {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} دل على أن الأم تأخذ الثلث عند عدم وجود الإخوة، وهذا دل على الشرط الثاني عدم جمع من الإخوة لكن بالمفهوم لا بالمنطوق، وهذا يدل على أن المفهوم حجة تثبت به الأحكام الشرعية، ولذلك هذا لا يكاد أن يقع بين الأصوليين خلاف باعتبار المفهوم الشرط، ولذلك الشوكاني في ((إرشاد الفحول)) يقول: ولا ينكره إلا العجمي. يعني هذا النوع لأن ذوق اللسان العرب يدل على أنه مقصود لذاته مقصود بالخطاب. ثم قال المصنف: (وَلَا أبْنُ ابْنٍ)، (ابْنُ) همزة في الأصل همزة وصل لكن تقطع هنا من أجل الوزن و (ابْنُ أبْنٍ مَعَهَا) أي مع الأم (أَوْ بِنْتُهُ ** فَفَرْضُهَا الثُّلْثُ كَمَا بَيَّنْتُهُ) هذا أراد أن يعمم قوله:(حَيْثُ لَا وَلَدْ).
هل هو خاص بالولد؟ أم يشمل ولد الولد؟ الثاني، ولذلك قال الشارح: ولما كان أولاد الابن كالأولاد، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى، يعني بنت الابن كالبنت، وابن الابن كالابن، حينئذٍ أولاد الأولاد كالأَولاد إرثًا وحجبًا، ذكرهم مؤخرًا لهم عن الإخوة، لأن اشتراط عدم الإخوة في إرثها الثلث بالنص بخلاف أولاد الابن فبالقياس، قوله: بالقياس. فيه شيء من النظر، لأنه إذا دخل في قوله ولد:{فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ} . ولد إذا كان في لسان العرب يطلق على الولد الصلب وعلى ابنه حينئذٍ لا نقول بالقياس، فيكون قوله ولد في لسان العرب له فردان.
الفرد الأول الولد الصلب الابن، وهذا وأصح بيِّن.
والفرد الثاني ابنه فيطلق عليه أنه ولد حقيقة على القول الشائع المشهور عند أهل اللسان، فإذا كان كذلك فحينئذٍ لا قياس ليس عندنا قياس، وإنما هو بدلالة الوضع، فاللفظ وضع في لسان العرب وله مفردان: المفرد الأول الابن ولد الصلب، والثاني ابنه. فلا نحتاج إلى أن نقول أنه بالقياس، ولو قيل بأنه لا يشمله نقول: أجمع أهل العلم على أن ابن الابن كأبيه إرثًا وحجبًا، وهذا محل إجماع، يعني المسألة الخلاف في تناول اللفظ، وأما في الحكم فهو مجمع عليه، الحكم في كون ولد الولد كأبيه إرثًا وحجبًا متفق عليه، لكن هل هو داخل في الحكم باللفظ أو بالقياس كما ذكره المصنف. نقول: باللفظ على الصواب. (وَلَا أبْنُ ابْنٍ) الإضافة هنا للجنس الصادق بالواحد والمتعدّد (وَلَا أبْنُ ابْنٍ) يعني ليس واحدًا ابنُ ابنٍ واحدًا كان أو اثنين أو أكثر من ذلك، يعني إذا لم يوجد إلا أبناء ابنٍ نقول: أبناء هذا جمع، فيصدق قوله: ولا ابن ابنٍ، يصدق على الواحد وعلى الأكثر، (مَعَهَا) الضمير يعود على الأم، يعني قوله:(حَيْثُ لَا وَلَدْ). لو انتقى الولد الصلب ووجد ابن ابنه [ها]؟ يحجبها أو لا؟ يحجبها، لماذا؟ لأنه لم يُعدم الفرع الوارث، والشرط كما قال:(حَيْثُ لَا وَلَدْ)، فإن وجد ولد الولد، حينئذٍ صار مانعًا لها حاجبًا من الإرث من الثلث إلى السدس، (مَعَهَا) أي الأم (أَوْ بِنْتُهُ) هذا تنصيص، أي بنت الابن كذلك الإضافة هنا للجنس، تصدق بالواحد وبالمتعدد، يعني أو بنات بنت واحدة أو بنات، (فَفَرْضُهَا الثُّلْثُ كَمَا بَيَّنْتُهُ) في الأول (وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ حَيْثُ لَا وَلَدْ)، (فَفَرْضُهَا) يعني: إذا علمت ذلك ففرضها، فالفاء هذه للفصيحة (فَفَرْضُهَا) أي: فرض الأم الثلث كاملاً كما بينته كما يعني كالذي بينته لك في السابق، فدل هذا البيت على التنصيص بالمفهوم الذي دل عليه قوله:(حَيْثُ لَا وَلَدْ). إذا جعلناه من باب القياس أو هو تصريح بما تضمنه قوله: (وَلَدْ). إما هذا وإما ذاك، كما بينته قال هنا بهذه العبارة، ولذلك ابن باز في شرحه رحمه الله قال: وهذا البيت داخل في قوله: (حَيْثُ لَا وَلَدْ) هذا البيت كله داخل في قوله: (حَيْثُ لَا وَلَدْ)، بالوضع العربي كما ذكرناه لأن هذا المشهور عند النحاة.
ثم قال:
وَإِنْ يَكُنْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبُ
…
فَثُلُثُ الْبَاقِيْ لَهَا مُرَتَّبُ
وَهَكَذَا مَعْ زَوْجَةٍ فَصَاعِدَا
…
فَلَا تَكُنْ عَنِ الْعُلُوْمِ قَاعِدَا
الرحبية اشتملت على نصائح توجيهات رحمه الله، هذا هو تحقيق الشرط الثالث، قلنا: الشرط الثالث في توريث الأم الثلث كاملاً هو أن لا تكون المسألة إحدى العمريتين، فإن كانت المسألة إحدى العمريتين حينئذٍ لا ترث الثلث بالإجماع، وإنما ترث ثلث الباقي بالاجتهاد، وهذا مجمعٌ عليه يعني الأئمة الأربعة على ذلك. قال الشارح: ولما كانت الأم قد لا ترث الثلث وليس هناك فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات في المسألتين تسميان بالغرّاوين وبالعمريتين، يعني سميت غرّاوين، قيل: سميت بذلك لاشتهارهما كالكوكب الأغرّ، لذلك سميت بالغراوين نسبة إلى الكوكب الأغر، الكوكب الأغر مشهور وهاتان المسألتان مشهورتان عند الفرضيين، وتسمى بالعمريتين نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد أول من قضى [فيها أو] فيهما للأم بثلث الباقي، ووافقه جمهور الصحابة ومن بعدهم ومنهم الأئمة الأربعة فصار كالإجماع إن لم يكن إجماعًا، أول من قضى في هذه المسألة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويسميان بالغريبتين لغرابتهما في مسائل الفرائض، وبالغريمتين لأن كلاً من الزوجين كالغريم الصاحب الدين، والأبوين كالورثة يأخذان ما تبقى بحسب ميراثهما، على كلٍّ المسألة مراد بها اجتماع من ذكر سميت بتلك أو بتلك هذه ألقاب لا تغير حقيقة الشيء. قال:(وَإِنْ يَكُنْ). زوجٌ وأمٌ وأبٌ، يعني لو هلكت امرأة زوجة عن هذه الصورة لم تترك إلا زوج وأم وأب فقط دون غيرهم، ولذلك (وَإِنْ يَكُنْ) وإن يوجد كان هنا مضارع يكن مضارع كان التامة، يعني تفسر بماذا؟ بالوجود {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] يعني وُجد ذو عسرة،
(وَإِنْ يَكُنْ) أي يوجد (زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبُ) فقط دون غيرهم، فثلث الباقي ليس الثلث كاملاً الذي هو الفرض، وإنما هو ثلث الباقي، لها لمن؟ للأم (مُرَتَّبُ) يعني رتبه الشرع، بمعنى أثبته وبينه، لكن الشرع هنا ليس المراد نصوص الكتاب والسنة لأننا كما ذكرنا أن أول من قضى فيها عمر، وعمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين قد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بسنته «عليكم بسنتي وسنت الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» . وإجماع العلماء على ذلك وصار الإجماع مع قول الصحابي دليلاً ومستندًا لا إثبات هذه المسألة، (وَإِنْ يَكُنْ) أي يوجد (زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبُ) في فريضة (فَثُلُثُ الْبَاقِيْ) بعد فرض الزوج لها، أي: أم ثابت مرتب، وهذه إحدى الغراويين.
والثانية ذكرها بقوله: (وَهَكَذَا مَعْ زَوْجَةٍ). إذًا الصورة الأولى للغراويين أو العمريتين زوج وأم وأب، (وَهَكَذَا) إذا كان الأب والأم مع زوجة فصاعدًا يعني زوجتين ثلاث أربع، [نعم](وَهَكَذَا) أي والأمر مثل هذا في أن للأم ثلث الباقي إذا كان الأب والأم مع زوجة فصاعدًا، أي مرتفعًا، فذهب عددها أي الزوجة إلى حالة الصعود يعني على الواحدة إلى أربع، يعني صورة المسألة أب وأم وزوجة، أب وأم وزوجتان، أب وأم وثلاث زوجات، أب وأم وأربع زوجات، كلها مسألة واحدة، (فَصَاعِدَا) أي مرتفقًا، وصاعدًا هذا اسم فاعل من صعد إذا ارتفع فهو حالٌ من محذوف والعامل فيه محذوف أيضًا، أي فذهب العدد على كونه صاعدًا ولا يجوز ذكر هذا الفعل لجريان تلك الحال مجرى الأمثال، فلا تغير عما وردت عليه فإنها لم تُسمع إلا مع حذف عامله، وهذه فيها تفصيل ولها أمثلة ذكرناها في شرح ((الملحة)) في باب الحال هناك فليرجح إليه. (مَعْ زَوْجَةٍ فَصَاعِدَا) أي فذهب عددها أي عدد الزوجة إلى حالة الصعود على الواحدة إلى أربع. قال: هنا فهو منصوب بالحالية من العدد، ولا يجوز فيه غير النصب يعني لا يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وهو صاعدٌ، هذا لا يجوز، لأنه لا يسمع إلا بالنصب، ولا يستعمل بغير الفاء أو ثُمّ وهما عاطفان على محذوف، (فَلَا تَكُنْ عَنِ الْعُلُوْمِ قَاعِدَا) لا تكن هذا نهي عن العلوم مطلقًا، المراد به العلوم الشرعية وما يكون موصلاً للعلوم الشرعية، (قَاعِدَا) بل شَمِّر لها عن ساعد الجدِّ والاجتهاد لأن العلوم تحتاج إلى جهد وإلى اجتهاد، وقم لها على قدم العناية والسداد لأن ذلك من سبيل الرشاد.
إذًا هاتان صورتان تسميان بالعمريتين الأولى: زوج وأم وأب، والثانية: زوجة وأم وأب.
المسألة الأولى: زوج وأم وأب. هذه قالوا: أصلها من ستة، كما سيأتي في موضعه، إذا كان من ستة حينئذٍ الزوج له النصف، ونصف الستة كم؟ ثلاثة، وللأم ثلث الباقي، كم الذي بقي عن ثلاث؟ أربعة؟ ستة ثلاث للزوج كم بقي؟ ثلاثة، ثلثه واحد، إذًا هو ثلث لكنه ليس ثلث كل التركة المال، وإنما بعد إعطاء الزوج يبقى معنا الأب والأم، صارت التركة موزعة على ثلاثة حينئذٍ نعطي الأم ثلث الباقي، لماذا؟ لأننا لو أعطيناها الثلث كاملاً من الباقي صار كم؟ اثنين، وبقي للأب واحدًا. والقاعدة عندنا الفرضيين أن الذكر والأنثى إذا كانا في درجة واحدة حينئذٍ لا بد أن يكون الذكر له مثل حظ الأنثيين، وهنا عكست، الأم أخذت اثنين والأب أخذ واحد، إذًا ماذا نفعل؟ ماذا فعل عمر؟ نظر إلى الباقي بعد إعطاء الزوج فرضه وهو ثلاثة، وأخذ الثلث وهو في الحقيقة كم؟ سدس، لأن المسألة من ستة، واحد للأم سدس، وإنما سمي ثُلُثًا تأدبًا مع القرآن {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} سُمِّيَ الثلث كما هو، لكنه ليس ثلث التركة المال كامل، وإنما هو ثلث للباقي بعد إعطاء الزوج نصيبه، فرارًا من الوقوع في مخالفة أصل مجمع عليه عند الفقهاء، وهو أن الذكر والأنثى إذا كانا في درجة واحدة حينئذٍ للذكر مثل حظ الأنثيين، لا يمكن أن تأخذ الأنثى ضعف الرجل، ففي زوج وأم وأب يعني تموت زوجة عن هؤلاء، حينئذٍ أصلها من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم ثلث الباقي يعني ثلث الثلاثة واحد، وهو في الحقيقة سُدُس، وللأب الباقي اثنان. إذًا صار للأب ضِعْف ما للأنثى.
وفي الصورة الثانية: (زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبُ)، يعني يموت زوج ويترك زوجة واحدة أو أكثر، (وَأُمٌّ وَأَبُ) حينئذٍ يكون أصلها من أربعة: للزوجة الربع وهو واحد، وللأم ثلث الباقي، كم؟ واحد، وهو في الحقيقة ربع لأن المسألة من أربعة، وللأب الباقي وهو اثنان، وأبقى لفظ الثلث في الصوتين، يعني عمر رضي الله تعالى عنه وإن كان في الحقيقة سُدُسًا في الصورة الأولى، أو ربعًا في الصورة الثانية تأدبًا مع القرآن العزيز، والأصل المطرد عند الفقهاء إذا اجتمعا ذكر وأنثى من درجة واحدة أن يكون للذكر ضعف ما للأنثى، فلو جعل لها الثلث مع الزوج لفضلت على الأب، المسألة الأولى. ولو جُعل لها مع الزوجة لم يفضل عليها بالتضعيف، لأننا قلنا في مسألة الزوجة، المسألة من كم؟ من أربعة: للزوج الربع واحد، بقي كم؟ بقي ثلاثة، حينئذٍ ماذا حصل؟ أعطيت الأم ثلث الباقي، والباقي كم؟ ثلاثة ثُلُثُهُ واحد. وهو في الحقيقة ربع، وللأب الباقي وهو اثنان. ولو جعل لها مع الزوجة لم يفضل عليها بالتضعيف لأنه لو جعل مع الزوجة لصارت المسألة من اثني عشرة، حينئذٍ الزوجة لها كم؟ لها الربع، ربع الاثني عشر ثلاثة، والأم لها الثلث [ها]؟ أربعة، أربعة وثلاث سبعة، حينئذٍ الباقي خمسة يكون للأب، هل أخذ ضعف ما للأنثى؟ هو أخذ أكثر منها ما في شك لكن لم يأخذ الضعف، فصورة المسألة في الثانية الزوجة لا تكن من أربعة إذا أردنا أن نعطي الأم الثلث كاملاً حينئذٍ انتقلت من أربعة إلى اثني عشر، فعندنا الربع أربعة، والثلث ثلاثة، ثلاثة في أربعة باثني عشر، صار أصله اثني عشر، حينئذٍ يكون التقسيم اثني عشر، لكن إذا لم تعتبر الأم لها الثلث الكامل حينئذٍ تجعل المسألة من أربعة، حينئذٍ لو أعطيناها الثلث كاملاً في مسألة الزوجة، الأب أكثر من الأم، لأنه أخذ خمسة وهي أخذت كم؟ أربعة، حينئذٍ أخذ أكثر منها، لكن لم يكن ضعفها، ولذلك قال: ولو جعل لها مع الزوجة لم يفضل عليها بالتضعيف وإن كان أكثر منها، لكن ليس هذا المراد أن يكون أكثر منها ولو بواحد، لا، أن يكون ضعفًا لها، وهذا ما قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووافقه الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة، وذلك لأننا لو أعطينا الأم الثلث كاملاً لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في صورة الزوجة، مع أن الأم والأب في درجة واحدة.
ثم قال شروعًا في بيان الصنف الثاني، إذًا الصنف الأول الأبيات كلها فيما يتعلق بالأم وإرثها للثلث، (وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ) بشرطين عدميَّيْنِ وهما حيث لا ولد، ويدخل فيه قوله:(وَلَا ابْنُ ابْنٍ مَعَهَا أَوْ بِنْتُهُ)، (وَلَا مِنَ الإِخْوَةِ جَمْعٌ). يعني اثنان فأكثر من الإخوة مطلقًا. ثم مثَّل وذكر بعضًا للصور، ثم ذكر الشرط الثالث وهو لم يذكره شرطًا، وإنما جعل مستثنى والأولى أن يجعل شرطًا فلا تستحق الأم الثلث إلا بثلاثة شروط منها ألا تكون المسألة إحدى العمريتين، فإن كانت إحدى العمريتين فليس لها الثلث كاملاً، وإنما لها الثلث الباقي إما الربع وإما السدس. ثم قال:
وَهْوَ لِلإِِثْنَيْنِ أَوِ الثِّنْتَيْنِ
…
مِنْ وَلَدِ الأُمِّ بِغَيْرِ مَيْنِ
وَهَكَذَا إِنْ كَثُرُوْا أَوْ زَادُوا
…
فَمَا لَهُمْ فِيْمَا سِوَاهُ زَادُ
وَيَسْتَوِي الإِنَاثُ وَالذُّكُوْرُ
…
فِيْهِ كَمَا قَدْ أَوْضَحَ الْمَسْطُوْرُ
(وَهْوَ) بإسكان الهاء، (لِلإِثْنَيْنِ) بهمزة الوصل في الأصل للوزن لا بد من القطع، للإثنين بإثبات الهمزة إن سكنت هاء هُوَ، فإن قلت: وهو بالتحريك، وهو للاثنين بهمزة الوصل، وهو للاثنين يعني إن حركتها هُو بالضم لم تحتج إلى القطع، إن سكنته حينئذٍ تحتاج إلى همزة القطع، وكلّه من أجل الوزن (وَهْوَ لِلاِثْنَيْنِ أَوِ الثِّنْتَيْنِ) هذا الإخوة للأم (من ولد الأم) من جنس ولد الأم، لأنه قال ماذا؟ ولد الأم إذا نظرنا إلى ظاهره يحتمل أنه ماذا؟ أنه أراد به واحد، ولكن ليس الأمر كذلك، بل المراد به جنس ولد الأم، شامل للاثنين فصاعدًا. ولذلك قال:
وَهْوَ لِلإِِثْنَيْنِ أَوِ الثِّنْتَيْنِ
…
مِنْ وَلَدِ الأُمِّ بِغَيْرِ مَيْنِ
(بِغَيْرِ مَيْنِ) بغير كذب (بِغَيْرِ مَيْنِ) أي حالة كون ما ذكر متلبسًا بغير مين، والمين المراد به الكذب، بغير مين يعني بغير كذب. إذًا الصنف الثاني الذي يرث الثلث هو الإخوة لأم ويستحقون الثلث بثلاثة شروط.
الشرط الأول: أن يكونوا اثنين فأكثر تعدد جمع، أما الواحد فله السدس كما سيأتي على تفصيل، أن يكونوا اثنين فأكثر، ذكرين كانوا أو أنثيين، أو ذكرًا وأنثى، أو أكثر من ذلك يعني مطلقًا دون تفصيل، ما دام أنهم إخوة لأم حينئذٍ سواء استووا في الذكورية أو الأنثوية أو كانوا خليطًا فكلّه لا يضر، المهم أن يكون اثنين فأكثر إذ هو أقل أقل الجمع.
الثاني: عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
الشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارث. يعني الأب يحجبه مطلقًا والجد مثله كذلك الإخوة لأم كما سيأتي. إذًا لا يرثون مع الأب لأنه أصل وهو ذكر وهو وارث، وكذلك عند فقده إذا وُجد الجد الوارث كذلك يحجبهم كما سيأتي، والدليل على استحقاقهم الثلث لهذه الشروط قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12]. يعني من أم كما قري في الشاذ، القراءة الشاذة يُجعل حكمها حكم الخبر، يعني يؤخذ منها حكم الشرع، وهذا محل إجماع، أجمع أهل العلم على أنه المراد بالإخوة هنا هم الإخوة لأم {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12]، يعني: الإخوة لأم {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} إن كان واحدًا فله السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك يعني اثنان فأكثر فهم شركاء بالتسوية ولذلك عبر هنا بالشركة، والشركة تقتضي التسوية، ولذلك لا يقال في شأن الإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما يستوون تسوية كما هو شأن الشريك مع شريكه، وإنما ذلك يكون في شأن الأشقاء أو لأب {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، هذا مخصوص بما دون الإخوة لأم، والمراد بهذه الآية الأخ والأخت من الأم بالإجماع، إن كانوا مفردين أو كانوا مجتمعين، إن كانوا مفردين حينئذٍ يعني ذكر أو أنثى حينئذٍ لهم السدس، وإن كانوا مجتمعين حينئذٍ لهم الثلث، (وَهْوَ لِلاِثْنَيْنِ) وهو أي الثلث (لِلاِثْنَيْنِ) يعني الذكرين، ولو احتمالاً فيدخل فيه الخنثيين (أَوِ الثِّنْتَيْنِ) أي أنثيين، وكذلك ذكر وأنثى ولو احتمالاً في أحدهما فيشمل الذكر والأنثى، ويشمل أيضًا الأنثى والخنثى، (مِنْ وَلَدِ الأُمِّ) فقط. قلنا: من جنس ولد الأم ليعم ما سبق فقط دون الأب، وهم الإخوة للأم أي أولاد الأم فقط هم الإخوة للأم (بِغَيْرِ مَيْنِ) أي بغير كذب.
وَهَكَذَا إِنْ كَثُرُوْا أَوْ زَادُوا
…
فَمَا لَهُمْ فِيْمَا سِوَاهُ زَادُ
أراد أن يعمم معنى الكثرة من ولد الأم قلنا: من جنس. فيشمل إذًا لا نحتاج لهذا البيت، إذا قلنا قوله:(مِنْ وَلَدِ الأُمِّ) من جنس ولد الأم، الجنس يصدق على ماذا؟ على الاثنين والثلاث والأربع لو وجدوا ألف، حينئذٍ فهم شركاء في الثلث لأن قوله تعالى:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]. لو وجدوا ألف حينئذٍ نقول: هؤلاء شركاء في الثلث. (وَهَكَذَا) أي مثل هذا يكون لهم الثلث إن كثروا أو زادوا زيادة بمعنى الكثرة، أليس كذلك؟ إن كثروا أو زادوا ما الفرق بينهما؟ الكثرة هي الزيادة، والزيادة هي الكثرة، فتكون أو هنا بمعنى الواو، (إِنْ كَثُرُوْا أَوْ زَادُوا) فالثلث لهم فجواب الشرط محذوف، (وَهَكَذَا) أي: مثل ذاك يكون لهم الثلث، (إِنْ) هذه إن شرطية (كَثُرُوْا) وَ (زَادُوا)(أَوْ) بمعنى الواو، أين جواب الشرط؟ محذوف، فالثلث لهم، فجواب الشرط محذوف ويحتمل أنه المذكور هذا قدره البيجوري، ويحتمل أن يكون قوله:(فَمَا لَهُمْ فِيْمَا سِوَاهُ زَادُ). هو الجواب ولا مانع من هذا. (فَمَا لَهُمْ) فليس لهم (فِيْمَا سِوَاهُ) يعني في الذي سواه ما هو؟ سواه سوى ماذا؟ سوى الثلث (فَمَا لَهُمْ) يعني للإخوة للأم، ليس للإخوة للأم زيادة فيما سوى الثلث البتة لأنه منصوص عليه بالكتاب، فلا زيادة، فليس لهم أي للإخوة زيادة فيما سوى الثلث. قال هنا: إن كثروا أو زادوا عن اثنين وأو هنا بمعنى الواو إذ المتعاطفان مترادفان، وإنما يعطف بها المتباينان، والمقصود بالجمع بين لفظة الكثرة والزيادة التأكيد، يعني لماذا؟ جمع بين هذين اللفظين؟ كثر وزادوا هما بمعنى واحد؟ المراد به التأكيد، ومثله (فَمَا لَهُمْ فِيْمَا سِوَاهُ زَادُ) كذلك هذا أراد به التأكيد لأننا علمنا فيما سبق أن الفرض معين، معنى ثلث يعني لا يزاد ولا ينقص، هذا الأصل، سدس، نصف، ربع .. إلى آخره، فرض معناه معين من السماء ليس من صنع البشر، ليست بالآراء ولا بالاجتهادات، وإنما هو فرض محتوم من السماء. إذًا (فَمَا لَهُمْ فِيْمَا سِوَاهُ) في الثلث زادُوا لأنهم لا يستحقون أكثر منه، ما أعطاهم الله عز وجل لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} . والزاد هو الطعام في السفر هذا الأصل لكن المراد به هنا الشيء الزائد، فالمعنى ليس لهم شيء زائد فيما سواه، وليس المراد بالطعام في السفر ليس عندنا طعام هنا، وإنما هو في الأصل. والمراد هنا به ليس لهم شيء زائد، شيء نكرة فيصدق على الثلث، لأن الثلث قد يكون مال ورق، وقد يكون عقار، وقد يكون غير ذلك، فنطلق الزاد هنا بمعنى الشيء.
(وَيَسْتَوِي الإِنَاثُ وَالذُّكُوْرُ ** فِيْهِ) يعني في الثلث [نعم خليكم معي]، (كَمَا قَدْ أَوْضَحَ الْمَسْطُوْرُ) يعني كالذي قد ما هنا موصولة بمعنى الذي، و (قَدْ) للتحقيق، و (أَوْضَحَ) هذا فعل ماضي أوضحه (الْمَسْطُوْرُ)، (الْمَسْطُوْرُ) فاعل، والمراد به المكتوب الكتاب يعني القرآن، هو الذي أوضح هذا (أَوْضَحَ الْمَسْطُوْرُ) المسطور فاعل أوضح يعني بيَّنَه وزاده إيضاحًا بالنص عليه والمفعول به محذوف، تقديره أوضحه المسطور أي المكتوب أي القرآن فهو عام أريد به خاص بقرينة المقام، لأن المسطور عام، لا يصدق على القرآن فقط ليس خاصًا بالقرآن، إنما كل كتاب هو مسطور، حينئذٍ من باب إطلاق العام إرادة الخاص (كَمَا قَدْ أَوْضَحَ الْمَسْطُوْرُ) أي المكتوب وهو القرآن العزيز في قوله:{فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} والشركة إذا أُطلقت تقتضي المساواة، حينئذٍ لا نقول إذا قيل بأنه لهم الثلث {فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} إن وُجد إناث وذكور حينئذٍ لا نقول بأن {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بل يستوون كلهم، يعني لو كان الثلث مثلاً ثمانية، وهم ثمانية أربعة ذكور وأربعة إناث فلكل واحد سهم واحد، ولا نقول:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذه من المسائل التي يخالف الإخوة لأم غيرهم من الورثة، فإن التشريك إذا أُطلق يقتضي المساواة، وهذا مما خالف فيه أولا الأم غيرهم، فإنهم خالفوا غيرهم في أشياء خمسة أشياء:
الأول: ما ذكرناه سابقًا أن ذكرهم لا يعصب أنثاهم، لا يعصب يعني؟ - إيش معنى لا يعصب؟ -، معذورون ما جئنا للتعصيب، يعني لا يأخذ الذكر ضعف ما للأنثى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} هذا جزء من التعصيب، حينئذٍ الذكر يأخذ مثل حظ الأنثيين، كانت المرأة البنت تأخذ مثلاً الواحد وهو يأخذ اثنين، هذا يسمى تعصيبًا، تأتي في محله، أن ذكرهم لا يعصب أنثاهم، هذا الأول.
الثانية: لا يفضل ذكرهم على أنثاهم في الإرث اجتماعًا ولا انفرادًا، يعني يستوون من حيث الاجتماع ومن حيث الانفراد، أخٌ لأم بشرطه يأخذ السدس، أخت لأم تأخذ السدس، مجتمعون يأخذون السدس بالسوية، لا فضل لذكر على أنثى البتة بخلاف ما هو الشأن في غيرهم.
ثالثًا: يرثون مع من أدلوا به، والقاعدة في الباب المواريث أن كل من أدلى بشيء حجبته تلك الواسطة، فهنا أدلوا بالأم، والأصل أن الأم تحجبهم، ولذلك ابن الابن مثلاً ما الواسطة بينه وبين الميت؟ نقول: الابن، ابن الابن أبوه هو الواسطة لا يجتمع معه أحد البتة في الإرث، لا بد أن يكون الأب غير موجود، حينئذٍ إذا وُجد أبوه منعه يعني حجبه. هنا قال: ويرثون مع من أدلوا به ابنُ الابن لا يرث مع أبيه البتة لا يجتمعون، لأنه أدلى بالأب حينئذٍ يكون مانعًا له، إلا الإخوة لأم، فهم يرثون معها أدلوا بالأم ويرثون معها هذه ميزة خاصة لهم.
رابعًا: وتحجب بهم أي الأم، يعني حجب نقصان لأنهم يحجبونها من الثلث إلى السدس يرثون معها ويحجبونها كذلك، لكن إذا كانوا جمعًا كما سبق في الآية السابقة، وتحجب بهم أي الأم لأنهم يردونها إلى السدس.
خامسًا: وذكرهم أدلى بأنثى ويرث، وكما سبق كل من أدلى بأنثى الأصل فيه أنه لا يرث، وهنا أخ لأم أدلى بأنثى فالأصل أنه لا يرث، هذه خمسة مسائل خالف الإخوة لأم غيرهم من الورثة.
قال فائدة هنا: بقي مما يرث الثلث الجد في بعض أحواله مع الإخوة، هذا سيأتي في محله.
ثم قال: (باب) من يرث (السُّدُس)
ذُكر السُّدُس في القرآن في ثلاثة مواضع، وأصحابه سبعة أكثر أصحاب الفروض، أصحابه سبعة عدهم أولاً إجمالاً ثم ذكرهم تفصيلاً، وهذا فهي تشويق للنفس البشرية لأنه إذا ذكر الشيء لها إجمالاً ثم فصل يعني تشوقت حين ذلك، يعني إذا أُجمل قيل: اعطنا التفصيل، اعطنا الخبر عطنا كذا .. إلى آخره:
وَالسُّدْسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ مِنَ الْعَدَدْ
…
أَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ بِنْتِ ابْنٍ وَجَدّْ
وَالأُخْتُ بِنْتُ الأَبِ ثُمَّ الْجَدَّةْ
…
وَوَلَدُ الأُمِّ تَمَامُ الْعِدَّةْ
فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ مَعَ الْوَلَدْ
…
وَهَكَذَا الأُمُّ بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ
(وَالسُّدْسُ) بسكون الدال للوزن (فَرْضُ سَبْعَةٍ) نص هنا يعني مفروض لسبعة، (فَرْضُ) هذا خبر المبتدأ (السُّدْسُ) مبتدأ، و (فَرْضُ) خبره، وهو مصدر بمعنى اسم المفعول والإضافة لامية يعني فرض لسبعة (سَبْعَةٍ مِنَ الْعَدَدْ) إذا قال:(سَبْعَةٍ) معلوم أنها من العدد، من ماذا إذًا. إذًا قوله:(مِنَ الْعَدَدْ) تكملة ليس فيها فائدة، أشبه ما يكون بحشو من أجل النظم فقط، (مِنَ الْعَدَدْ) هذه تكملة ولا فائدة فيه إلا تكملة النظم فحسب (أَبٍ) هذا بدل مفصل من مجمل، (سبعةٍ أبٍ) أب هذا بدل من سبعة، والبدل من المجرور مجرور، ويصح أن تقول: أبٌ على أنه خبر لمبتدأ محذوف أولها أبٌ، (وَأُمٍّ) وثانيها أمٌ ليس معطوف على سابقه، وإنما هو خبر لمبتدأ محذوف يعني هذه السبعة كلها إما أن تجعلها معطوفة على ما سبق، وإما بالجر، وإما أن ترفعها حينئذٍ تكون قد قطعتها، وتقدر لكل واحد منها تعربه خبرًا والمبتدأ محذوف أبٌ أولها (أَبٍ وَأُمٍّ)، يعني ثانيها أمّ (ثُمَّ بِنْتِ ابْنٍ وَجَدّْ) ثم ثالثها و .. إلى آخره، إذًا أبٍ بالجر بدل مفصل من مجمل، يجوز فيه الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أولها أبٌ، وأم معطوف على أبٍ إذا كان جرًّا والمعطوف على المجرور مجرور، أو وأمٌّ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وثانيها أم (ثُمَّ) ليست على بابها، وإنما هي بمعنى الواو لأن التعداد هنا لا مزية لواحد منها على الآخر بشيء البتة، إنما المراد أن يعدد إجمالاً ولا يمتاز أحدها على الآخر بشيء للبتة، (ثُمَّ) يعني و (بِنْتِ ابْنٍ) هذا الثالث بنت ابن، (بِنْتِ) بالرفع والجر، (وَجَدّْ) يعني جد الوارث، (وَالأُخْتُ بِنْتُ الأَبِ) يعني الأخت لأب، (ثُمَّ الْجَدَّةْ) يعني والجدة، (وَوَلَدُ الأُمِّ) بالرفع، (تَمَامُ الْعِدَّةْ) مبتدأ وخبر، أو (وَوَلَدُ الأُمِّ).
إذًا (وَالأُخْتُ بِنْتُ الأَبِ) هذا معطوفًا على (أَبٍ) لأن العطف بالواو يرجع إلى الأول، (وَالأُخْتُ) بالخفض عطف على الأب، (بِنْتُ الأَبِ) هذا تقييد، يعني ليس الشقيقة ولا غيرها، (ثُمَّ الْجَدَّةْ) ثم بمعنى الواو، (وَوَلَدُ الأُمِّ تَمَامُ الْعِدَّةْ) هذا يحتمل ولد على أنه مبتدأ وتمام على أنه خبر، ولا بأس به، والبيجوري ما يرى هذا، يقول: لا، هذا غلط. لكن الظاهر أنه يجوز لأنه وإن كان معطوفًا على ما سبق إلا أنه فصله وجعله لجملة مستقلة، وهذا لا إشكال فيه لأنه إذا قال:(وَوَلَدُ الأُمِّ تَمَامُ الْعِدَّةْ) ما أخرجه، لأنه أراد أن يفصل إجمالاً، وقوله:(تَمَامُ الْعِدَّةْ) دليل على أنه أراد به أنه داخل في مفهوم السبعة التي عدها إجمالاً، وهذا واضح بَيّن فلا إشكال فيه، حينئذٍ لا يكون ذلك يعني بانكار (وَوَلَدُ الأُمِّ) بالجرّ يكون تابعًا لما سبق، (وَوَلَدُ) هذا يحتمل سابعها ولد على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وسابعها يعني سابع العدد (وَلَدُ الأُمِّ) ويحتمل وجه ثالث يعني يزيد عما سبق يحتمل وجهًا ثالثًا وهو أن يكون مبتدأ وقول:(تَمَامُ الْعِدَّةْ) خبر المبتدأ، وهذا لا إشكال فيه وإن أنكره البيجوري. (وَوَلَدُ الأُمِّ) يعني الأخ أو الأخت من الأم فقط، لذا خصه (وَلَدُ) أخ أو أخت من الأم فقط، (تَمَامُ) قال هناك في إذا جعله تابعًا لما سبق على قول البيجوري (وَوَلَدُ) تابع لما سبق (تَمَامُ) بالرفع على أنه خبر لمبتدأٍ محذوف وليس خبرًا عن (وَلَدُ الأُمِّ) لأنه معطوف على ما سبق، أي هو متمم (وَلَدُ الأُمِّ) هو متمم العدة، لأن تمام هذا بمعنى متمم، وهذا فيه تكلف، والأولى أن يجعل (وَلَدُ) مبتدأ وقول (تَمَامُ) أي متمم العدة يعني السبعة يكون خبرًا للمبتدأ.
ثم قال:
فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ مَعَ الْوَلَدْ
…
وَهَكَذَا الأُمُّ بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ
(فَالأَبُ) الفاء هذه فصيحة يعني أفصحت عن جواب شرط مقدر بعد ما أجمل لك عدَّ السبعة شرع في بيان من يرث السدس على جهة التفصيل، يعني بيان الشروط التي يستحق بها أن يرث السدس. فقال:(فَالأَبُ) أي إذا أردت بيان ذلك تفصيلاً فأقول لك الأب (فَالأَبُ) يستحقه يعني يستحق السدس، الضمير يعود على السدس بشرط واحد وهو قوله:(مَعَ الْوَلَدْ). يعني حال كونه مع الولد، أي مع وجود الفرع الوارث، (فَالأَبُ) يأخذ السدس مع وجود الفرع الوارث واحدًا كان أو أكثر ذكرًا كان أو أنثى قريبًا كان أو بعيدًا مطلقًا، ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا، قريبًا ابن ابن أو ابن أو بعيدًا ابن ابن ابن .. إلى آخره، يرث السدس مع وجود الفرع الوارث، لكن فيه تفصيل من حيث أن الأب قد يجمع بين التعصيب وبين الفرض كما سبق أن الورثة باعتبار التعصيب والإرث أربعة، منهم قسم يجمع بين الفرض والتعصيب في وقت واحد، ومنهم قسم يجمع بين الفرض والتعصيب لا في مسالة واحدة، الأب ممن يجمع بين النوعين الفرض والتعصيب في وقت واحد، فإن كان هذا الفرع الوارث ذكرًا ليس للأب إلا السدس فقط، إن كان أنثى فأخذ السدس ولم يبق شيء كسابقه، ليس له إلا السدس، إن بقي شيء فحينئذٍ رجع إليه بعد السدس، فيأخذ السدس فرضًا والباقي تعصيبًا. إذًا يرث من جهتين، وهذا إذا انتهينا من باب السدس نأخذ عليه أمثله إن شاء الله، أمثلة تحلونها مسائل، فيرث الأب السدس فقط إذا كان الفرع الوارث ذكرًا أو أنثى ولم يبق شيء، فإن كان الفرع الوارث أنثى وبقي بعد الفرض يعني فرض الأنثى شيء حينئذٍ يأخذ الباقي من؟ الأب يأخذه تعصيبًا فله السدس فقط مع الفرع الوارث إن كان ذكرًا، وإن كان أنثى، وفضل بعد الفرض شيء أخذه الأب تعصيبًا مع السدس، ولذلك قال الشارح: فالأب يستحق وله السدس مع الولد ذكرًا كان أو أنثى، فإن كان الولد ذكرًا فلا شيء للأب غير السدس إن كان الولد ذكرًا. قالوا: لأن جهة البنوّة مقدمة على الأبوّة في الإرث بالتعصيب، فليس للأب إلا السدس فرضًا، وللابن الباقي، الابن أقوى في التعصيب من الأب كما سيأتي في محله وإن كان الولد أنثى وفضل بعد الفرض شيء فإن لم يفضل فلا يأخذ شيئًا سوى السدس، وإن فضل شيء أخذه أيضًا تعصيبًا فيجمع إذ ذاك يعني الفرض والتعصيب، وهذا سيأتي في محله مفصلاً.
الثاني ممن يرث السدس: الأم (وَهَكَذَا الأُمُّ) أي والأم مثل هذا، والإشارة تكون للأب، والأب يستحقه ماذا؟ يستحقه مع الولد، كذلك الأم تستحق السدس مع الولد مطلقًا ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا، قريبًا أو بعيدًا. إذًا قوله:(وَهَكَذَا الأُمُّ) يعني الأم مثل هذا، مثل ذا الذي هو الأب، فالأب يستحق السدس مع الولد، وكذلك الأم تستحق السدس مع الولد، وله زيادة سيأتي توضيحها. (وَهَكَذَا الأُمُّ) تستحق السدس بشرط واحد وهو وجود الفرع الوارث، وسيزيد عليه وجود الجمع من الإخوة، (مَعَ الْوَلَدْ) ذكرًا كان أو أنثى واحد أو متعددًا. قال:(بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ). هذا في المسألتين يعني الأب يستحق السدس (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) والأم تستحق السدس (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ)، (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) ما هو؟ القرآن، الصمد اسم من أسمائه جل وعلا (تَنْزِيْلِ) هذا مصدر نَزَّلَ يُنَزِّلُ تَنْزِيلاً، وهو مضاف، والصمد مضاف إليه وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، تنزيل الصمد من الذي نزل الحكم؟ الله عز وجل، حينئذٍ نقول: هذا من إضافة المصدر إلى فاعله (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) أي حال كون استحقاق كل من الأب والأم للسدس مع الولد ثابتًا (بِتَنْزِيْلِ) هذا حال، وهو متعلق بمحذوف حال ثابتًا (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) فهو راجع لهما في المسألتين الأب والأم. و (الصَّمَدْ) من أسمائه جل وعلا ومعناه: الذي لا جوف له، أو الذي يقصد في الحوائج ونحو ذلك مما ذكره السلف، وهي معاني خمسة أو ست كلها ثابتة، كلها يشملها هذا اللفظ. (بِتَنْزِيْلِ الصَّمَدْ) جل وعلا في كتابه العزيز، هذا دليل استحقاق الأبوين للسدس بشرط المذكور. قال تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]. {وَلِأَبَوَيْهِ} المراد بهما الأم والأب، وإنما غلب الأب على الأم لشرفه، أبوبين يعين أبوان أب وأب هذا إذا جرينا على الظاهر، ولكنه ملحق بالمثنى وليس بمثنى، كالقمرين المراد بها الشمس والقمر، إذًا ليس قمر وقمر. إذًا أبوين ليس المراد بهما أب وأب، لأن الشخص لا يكون له أبوان، وإنما هو أب واحد حينئذٍ نقول:{وَلِأَبَوَيْهِ} يعني لأبيه وأمه، الأب والأم، وثناه تغليبًا يعني الأب على الأم لشرفه {وَلِأَبَوَيْهِ} إيش إعراب {وَلِأَبَوَيْهِ} السدس لأبويه، لأَبويه السدس خبر مقدم لأبويه جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كائن ثابت لأبويه {السُّدُسُ} هذا مبتدأ مؤخر، السدس لأبويه قوله:{لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} لأبويه لكل هذا جار ومجرور بدل من الجار والمجرور لأن قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ} ، {السُّدُسُ} هذا يحتمل ماذا؟ يحتمل أنهما شركاء في سدس واحد، إذا قيل لأبويه السدس {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} كما سبق فيحتمل أن السدس واحد، والأب والأم شركاء وليس المراد ذلك، وإنما المراد الأب له سدس مستقل، والأم لها سدس مستقل، ولذلك قال:{لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} . هذا دفع لإيهام الاشتراك في السدس لقوله: {وَلِأَبَوَيْهِ} .
انظر البدل له فائدة هذا، إذًا لكل واحد منهما الأبوين السدس فإعراب لأبويه خبر متعلق بمحذوف خبر وهو جار ومجرور، {لِكُلِّ} نقول: هذا جار ومجرور بدل مما قبله، والفائدة فيه دفع إيهام أن يكون قوله: لأبويه يدل على اشتراك الأبوين في السدس، وليس الأمر كذلك، بل لكل واحد منهما السدس {مِمَّا تَرَكَ} هذا متعلق بقوله:{السُّدُسُ} . {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إن وجد الولد فللأب كم؟ السدس، إن وجد الولد فللأم السدس، إذًا إن كان له ولد هذا الشرط لا يعود للأبوين معًا، كل واحد منهما. إذًا قوله:(فَالأَبُ يَسْتَحِقُّهُ مَعَ الْوَلَدْ). هذا منطوق قوله: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وهو شرط، فإن لم يكن له ولد فالحكم يختلف، ولذلك قال هنا: وما أحسن هذا الترتيب الحسن في هذه المنظومة فإنه أعقب الأب الأم مؤخرًا للجد عنهما، يعني أتى بالأب أولاً، ثم الأم، ثم أتى بالجد، مع أن المناسب بالعقل والعادة أن يأتي بالجد قبل الأم لأنه أب الأب، ثم يأتي بعد ذلك بالأم، لكن هذا فيه تأدب مع القرآن، لأنه قال: لأبويه، أتى بالأب والأم معًا فذكرهما معًا تأدبًا مع القرآن. ثم قال:
وَهَكَذَا مَعْ وَلَدِ الاِبْنِ الَّذِي
…
مَا زَالَ يَقْفُوا إِثْرَهُ وَيَحْتَذِي
يعني قوله: (مَعَ الْوَلَدْ). ليس خاصًّا بالولد الصلب، وإنما يدخل فيه ولد الولد، كما قال هناك (وَلَا ابْنُ ابْنٍ مَعَهَا) فالتنصيص هنا تنصيص على ما أُلْحِقَ قياسًا بالولد على قول، أو تأكيد لما دخل في قوله: الولد. فهو وارث لأن ولد الولد يرث، الأولاد أولاد كالأولاد إرثًا وحجبًا، الابن هذا يرث ويحجب، ابنه مثله في الإرث والحجب فلا خلاف بينهم، وإنما الخلاف لا خلاف بين أهل العلم في الحكم، وإنما الخلاف هل يشمله باللفظ أو بالقياس. (وَهَكَذَا) أي وحال الأب والأم مع ولد الابن مثل حالهما مع الولد في استحقاق السدس، (وَهَكَذَا مَعْ) بإسكان العين يجوز فيه لغة أخرى لكن هنا من أجل الوزن، (مَعْ وَلَدِ الإبْنِ) بالهمز قطع الهمز من أجل الوزن (مَعْ وَلَدِ الإبْنِ الَّذِي) هذا صفة لولد الابن، (مَا زَالَ يَقْفُوا) يقفوا قفا يقفو، يعني يتبع، ومنه قَفْوُ الأثر (إِثْرَهُ) أي حكمه، يقال: جاءني في إثره. أي في عقبه، وقَفَا الشيء أو الأثر تبعه، وفي القرآن {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] إذًا (مَا زَالَ يَقْفُوا) أي يتبع إثره يعني عقبه، والمراد به هنا الحكم يعني ولد الابن يتبع أباه في الحكم إرثًا وحجبًا، (وَيَحْتَذِي) يقال: حذا فلان حذو فلان فعل مثل ما يفعل، واحتذى مثال فلان أو على مثاله أو به سار على مثاله. إذًا أراد الناظم بهذه البيت أن ينص على أن شرط استحقاق السدس للأب أو الأم مع وجود الولد وولد الولد مثله، فيستحق مع عدم الأول
وَهَكَذَا مَعْ وَلَدِ الاِبْنِ الَّذِي
…
مَا زَالَ يَقْفُوا .............
أي هذا الابن ولد الابن يقفوا إثره، يعني إثر أبيه (وَيَحْتَذِي) يعني تبعه.
قال هنا: (وَيَحْتَذِي) بالذال المعجمة أي يقتدي به في الإرث والحجب قياسًا عليه، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى. قال الشارح هنا: فتلخص من هذا كله أن الأب يرث السدس مع واحد من أربعة: الابن أو ابن الابن أو البنت أو بنت ابن، لأن قوله:(وَلَدِ). قلنا في لسان العرب: يشمل الذكر والأنثى. إذًا ابن وبنت. ثم قال هنا:
وَهَكَذَا مَعْ وَلَدِ الاِبْنِ الَّذِي
…
مَا زَالَ يَقْفُوا .............
إذًا ابن الابن وكذلك بنت الابن فهما أربعة، وأن الأم ترث السدس كذلك مع واحد من أربعة على ما ذكره في البيت الأول: الابن، أو ابن الأب، أو البنت، أو بنت الابن. حينئذٍ صار في هذه المسائل الأربعة سيان، لكن تزيد الأم على الأب بأنها ترث السدس مع العدد من الإخوة مطلقًا، بمعنى أنها ترث السدس بشرط وجود الفرع الوارث، وهو الذي عناه بقوله:(مَعَ الْوَلَدْ). أو بجمع من الإخوة، إما هذا وإما ذاك، فإن انتفى الولد ووجد جمع من الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم ذكورًا أو إناثًا أو مختلطين، حينئذٍ استحقت الأم السدس. ولذلك قال:
وَهْوَ لَهَا أَيْضًا مَعَ الاثْنَيْنِ
…
مِنْ إِخْوَةِ الْمَيْتِ ...........
(وَهْوَ) أي السدس (لَهَا) أي للأم أيضًا كما هو لها مع الولد، وولد الابن (مَعَ الاثْنَيْنِ) أي حال كونهما مع الاثنين من إخوة الْمَيْت. هذا يشمل الأخوات ففيه تغليب، والْمَيْت هنا بالتخفيف وهو فرع المشدد، وهو بمعنى واحد. وخرج بالإخوة بنوهم، وليس المراد هنا إلا الإخوة بخلاف ما سبق. ويأتي تفصيل لهذا البيت فيما يأتي، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.