المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حقيقة النزاع بين أهل السنة والمرجئة في دخول الأعمال في مسمى الإيمان وزيادته - شرح العقيدة الطحاوية - ناصر العقل - جـ ٧١

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌شرح العقيدة الطحاوية [71]

- ‌حصول زيادة الإيمان بزيادة الشرائع والتكاليف

- ‌ما أراده الشارح في تقرير زيادة الإيمان بالأعمال

- ‌حقيقة النزاع بين أهل السنة والمرجئة في دخول الأعمال في مسمى الإيمان وزيادته

- ‌أصناف المرجئة في كلام السلف

- ‌مأخذ أبي حنيفة ومأخذ مخالفيه من الأئمة في اعتبار حقيقة الإيمان

- ‌الرد على اعتبار أبي حنيفة للمدلول اللغوي للفظ الإيمان

- ‌قيام الأدلة الشرعية على دخول الأعمال في الإيمان

- ‌ذكر أدلة أبي حنيفة على أن الإيمان عبارة عن التصديق في اللغة

- ‌نفي إخوة يوسف إيمان أبيهم لهم في إخباره بشأن يوسف

- ‌اعتبار الضدية للكفر الذي يعني التكذيب والجحود

- ‌الاستدلال بقوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)

- ‌تركيب الإيمان من قول وعمل يعني زواله بزوال جزئه

- ‌عطف العمل على الإيمان عطفاً يقتضي المغايرة

- ‌الاعتراض على استدلال الحنفية بأن الإيمان هو التصديق في اللغة

- ‌امتناع الترادف بين الإيمان والتصديق

- ‌حصول التصديق بالأفعال

- ‌توجيهات للقول بدخول الأعمال في مسمى الإيمان من حيث دلالة لفظ الإيمان

- ‌احتجاج أهل السنة ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لمعنى الإيمان

- ‌الأسئلة

- ‌بيان مدى صحة القول بخروج الزاني من الإيمان إلى الإسلام

الفصل: ‌حقيقة النزاع بين أهل السنة والمرجئة في دخول الأعمال في مسمى الإيمان وزيادته

‌حقيقة النزاع بين أهل السنة والمرجئة في دخول الأعمال في مسمى الإيمان وزيادته

قال رحمه الله تعالى: [وإذا كان النزاع في هذه المسألة بين أهل السنة نزاعاً لفظياً فلا محذور فيه سوى ما يحصل من عدوان إحدى الطائفتين على الأخرى والافتراق بسبب ذلك].

سبق أن ذكرت أن النزاع ليس لفظياً، فالحقيقة أن النزاع عقدي، وإن كان لفظياً من بعض الوجوه، لكنه من حيث العلم والاعتقاد ليس بلفظي، فمن الجانب العملي نجد أن النزاع بين أهل السنة وأوائل المرجئة يكاد يكون لفظياً من الناحية العملية، والدليل على ذلك أن المرجئة الأوائل الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان لا يتساهلون في العمل، ويرون أن الإخلال بالعمل معصية، وأن ارتكاب ما نهى الله عنه معصية، ويثبتون الوعيد الثابت في المعاصي، لكنهم يقولون: إن وجوب العمل بالأمور العملية وترك ما نهى الله عنه ثابت بنصوص خارجة عن نصوص الإيمان، أي: جاء وجوب العمل ووجوب الترك لما نهى الله عنه بمقتضى نصوصٍ لا تدل على أن هذه الأمور من الإيمان بذاته، إنما هي من لوازمه، فيقولون: الإنسان إذا آمن وصدق لا بد أن يذعن لأوامر الله عز وجل ويترك نواهيه، وهذا من لوازم الإيمان أو من شروط الإيمان، والشرط خارج عن الأصل، كما نقول في شرط الصلاة، فشرط الصلاة هو من مقدماتها ومن الأمور التي تسبقها، فيقال -مثلاً-: من شروط الصلاة الطهارة، لكن ليست الطهارة من أجزاء الصلاة، هذا نظير كلام الأحناف والمرجئة في الإيمان، وهم يقولون فعلاً: الأعمال من مستلزمات الإيمان وليست من الإيمان، وهذه شبهة في الحقيقة، وليست حجة؛ لأن الأمر يرجع إلى الاصطلاح الشرعي، أي: ما ورد به كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه الصحابة والسلف في معنى الإيمان، فهؤلاء وقفوا في معنى الإيمان على المعنى اللغوي، وسيأتي ذكر شبهتهم والرد عليها بعد قليل.

إذاً: ليس النزاع في المسألة نزاعاً لفظياً إلا من جانب الثمرة العملية فقط، أما من حيث الاعتقاد ومن حيث المعرفة فلا شك أن هناك نزاعاً عقدياً حقيقياً، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن أوائل المرجئة بينهم وبين أهل السنة خلاف لفظي في الجانب العملي، وليس الأمر كذلك عند المتأخرين من المرجئة، فمتأخرو المرجئة تساهلوا في هذا الأمر حتى إنهم أخلوا بكثير من أمور الوعيد؛ لأنهم لما قالوا: إن الإيمان التصديق قالوا بأن من أعرض عن الأعمال بالكلية يبقى مؤمناً مسلماً حتى وإن لم يعمل من الدين بشيء، وهذا خلاف الأصل الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهذه النزعة بدأت على ألسنة بعض المعاصرين الذين يقولون: لا يكون الكفر إلا بالتكذيب القلبي، فقولهم هذا هو قول المتأخرة من المرجئة، وهو غير صحيح، فالكفر يكون أيضاً بالأعمال، إما عملاً وإما تركاً، فالإعراض عن الدين بالكلية كفر مخرج عن الملة، وكذلك عمل الشركيات وإن كان القلب مصدقاً مؤمناً، فالعمل بالشركيات كفر مخرج عن الملة، ولا يصح أن يقال: لا يشرك إلا من زال من قلبه الإيمان، فقد يشرك وفي قلبه التصديق.

إذاً: فالصحيح أن الخلاف ليس بلفظي مع المتأخرين، أما عند المتقدمين فقد يكون لفظياً من الجانب العملي، لكنه ليس بلفظي من الجانب الاعتقادي العلمي.

ص: 4