الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* فصل في لواحق القياس.
* أقسام الحجة.
* خاتمة.
فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ
وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا
…
لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا
فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ
…
وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ مُقَدِّمَهْ
يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا بِأُخْرَى
…
نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا
(فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ) قد عرفت أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين لكن ذلك يسمى قياسًا بسيطًا، وقد يكون القياس من أكثر من مقدمتين ويسمى قياسًا مركبًا وقد ذكره بقوله:(وَمِنْهُ) أي القياس، (مَا) أي الذي (يَدْعُونَهُ) أي يسمونه (مُرَكَّبَا) وهو ما أُلِّفَ من أكثر من مقدمتين (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) أي أقيسة بسيطة (قَدْ رُكِّبَا)، أي أُلِّفَ، كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، وكل حساس نام، وكل نام جسم وكل جسم مركب. (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ) أي في القياس المركب (مُقَدِّمَهْ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثان، فقل: فكل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، فكل إنسان حساس، فهذه نتيجة المقدمتين الأوليين فاجعلها مقدمة صغرى وضمها لما بعدها، فقل: كل إنسان حساس، وكل حساس نام، واستخرج من هاتين نتيجة فقل: كل إنسان نام، ثم اجعل هذه مقدمة لقياس ثاني فقل: كل إنسان نام. وكل نام جسم .. وهكذا، وهذا معنى قوله:(يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا) أي النتيجة (بِأُخْرَى) أي مع مقدمة أخرى، أي فيحصل منهما (نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، اسم فعل بمعنى أقبل يستوي فيه الواحد والأكثر فتقول: هلم يا زيد، ويا زيدان، ويا زيدون، وجرا مصدر جره إذا سحبه هذا أصل معناه، ثم تُجُوِّزَ بهلم عن طلب الإقبال إلى الإخبار بالاستمرار، وبجرا عن السحب الحسي إلى التعميم المعنوي والمعنى هنا وانته إلى أن يستمر قلب النتيجة مقدمة استمرارًا عامًا شاملاً لجميع الأقيسة البسيطة التي تؤخذ من القياس المركب.
ــ - الشرح - ــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ). والمراد هنا أن ثَمَّة أقيسة لم يسبق لها ذِكْرٌ ذَكَرَهَا في هذا الفصل ذكر منها ثلاثة:
القياس المركب.
وقياس الاستقراء.
وقياس التمثيل.
وهذه تعرض لها المناطقة كما أنها القياس التمثيلي الذي تعرض له الفقهاء.
[(فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ) قد عرفت أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين] يعني فيما سبق (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا). قلنا: قضايا لا بد أن يكون مقدمتين فأكثر [أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين لكن ذلك يسمى قياسًا بسيطًا، وقد يكون القياس من أكثر من مقدمتين ويسمى قياسًا مركبًا]، ومر معنا النباش .. إلى آخره، وقد ذكره بقوله:
وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا
…
لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا
[(وَمِنْهُ) أي من القياس]، القياس من حيث هو، القياس مر معنا أنه اقتراني واستثنائي وشرطي .. إلى آخره، [(وَمِنْهُ) أي من القياس] أي من حيث هو [(مَا) أي الذي] يعني قياس أي القياس الذي [(يَدْعُونَهُ) أي يسمونه] اصطلاح المناطقة [(مُرَكَّبَا) وهو] أي القياس المركب [ما أُلِّفَ من أكثر من مقدمتين] يعني ثلاث مقدمات فأكثر (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا) هذا تعليل لقوله (مُرَكَّبَا)، لماذا هو مركب يسمونه مركبًا؟ لأجل يعني كونه اللام للتعليل متعلق بقوله مركبًا (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) جمع حجة وهي القياس، ولكن المراد بالجمع ما فوق الواحد (حُجَجٍ) يعني قياسين فأكثر [أي أقيسة بسيطة] يعني قياسين فأكثر (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) جمع حجة، والمراد بالحجة هنا القياس، وأقله اثنان يعني من قياسين اثنين الأول مركب من مقدمتين والثاني مركب من مقدمتين، [أي أقيسة بسيطة (قَدْ رُكِّبَا)، أي أُلِّفَا] الألف هذه للإطلاق والألف في قوله: مركبًا بدلاً عن التنوين في الوقف مركبًا يدعونه مركبًا لأنه ضمير هذا مفعول أول ومركبًا مفعول ثاني، (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا) ولو بالقوة كما في مفصول النتائج كما سيأتي، [أي ألف كقولنا: كل إنسان حيوان]، هذه مقدمة، [وكل حيوان حساس]، هذه ثانية، [وكل حساس نام] هذه ثالثة، [وكل نام جسم] هذه رابعة، [وكل جسم مركب] هذه خامسة.
إذًا خمس مقدمات، بل يكون أكثر (فَرَكِّبَنْهُ) الفاء هذه (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) إذًا عرفنا أن القياس منه بسيط، ومنه مركب، البسيط مؤلف من مقدمتين فقط، العالم متغير، وكل متغير حادث، انتهينا جاءت النتيجة العالم حادث، المركب ما أُلف من ثلاث مقدمات فأكثر، ذكر الشارح هنا ما ركب من خمس مقدمات، فإذا أردت أن تركب المركب هذا كيف تأتي به؟ (إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ)، (فَرَكِّبَنْهُ).
(فَرَكِّبَنْهُ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط الذي بعده إن، وعلى مذهب الكوفيين أنه يجوز تقدم جواب الشرط على إن الشرطية، وعلى مذهب البصريين المنع فيكون دليل الجواب. إذًا (فَرَكِّبَنْهُ) إما أنه جواب الشرط مقدم، وإما إنه دليل الجواب وليس بالجواب، أول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب البصريين، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، ركبنه النون هذه نون التوكيد الخفيفة (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ مُقَدِّمَهْ)، (وَاقْلِبْ) ولو تقديرًا كما في مفصول النتائج كما سيأتي (نَتِيجَةً بِهِ) يعني فيه، الباء هنا بمعنى في،
…
(مُقَدِّمَهْ) مقدمة هذا مفعول ثاني لقوله: (اقْلِبْ). لأنه ضمنه معنى اجعل نتيجة فيه مقدمة، يعني الأصل في القياس المركب أنه مؤلف من أقيسة بسيطة، يعني يؤتى بالمقدمتين ثم النتيجة، تقلب النتيجة تجعلها مقدمة، ثم تضم إليها مقدمة أخرى، ثم تأتي النتيجة، فحينئذ تجعل النتيجة مقدمة وتضم إليها كبرى، ثم .. وهلم جرا. إذًا في الحقيقة ليس عندنا قياس مركب من ثلاث مقدمات فأكثر، وإنما هو مجموع أقيسة بسيطة يعني مقدمتان ثم تأتي النتيجة، تجعل النتيجة مقدمة صغرى وتضم إليها مقدمة كبرى ثم تأتي النتيجة. إذًا الناظر ابتداءً يظن أنه قياس مركب من أربع مقدمات وليس الأمر كذلك بل هو من مجموع أقيسة بسيطة، ولذلك قال:[(فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس المركب فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ)] الباء بمعنى [في أي في القياس المركب (مُقَدِّمَهْ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثان]، اتضح إلى هنا، نجعل [المقدمة](1) النتيجة مقدمة أولى ونضم إليها مقدمة ثانية، [فقل: فكل إنسان حيوان] هذه مقدمة صغرى، [وكل حيوان حساس] مقدمة كبرى، [فكل إنسان حساس، فهذه نتيجة المقدمتين الأوليين فاجعلها] أي النتيجة نفسها [مقدمة صغرى وضمها لما بعدها، فقل: كل إنسان حساس، وكل حساس نام، واستخرج من هاتين] يعني المقدمة الأولى التي هي نتيجة في الأصل، والمقدمة الثانية [نتيجة فقل: كل إنسان نام، ثم اجعل هذه] المقدمة النتيجة الثانية [مقدمة لقياس ثاني فقل: كل إنسان نام. وكل نام جسم .. وهكذا] إلى هلم جرا إلى ما لا نهاية، [وهذا معنى قوله:(يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا)] أي النتيجة (بِأُخْرَى) أي مع أخرى، [أي مع مقدمة أخرى، أي فيحصل منهما] من المقدمة الأولى التي هي نتيجة في الأصل مع المقدمة الثانية التي ضمت إلى النتيجة (نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ ** وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ
…
) أي فيه (مُقَدِّمَهْ) يلزم من تركيبها أي المقدمة السابقة بأخرى أي مع أخرى
…
(نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) اسم بمعنى [اسم فعل] هلم أصلها [اسم فعل بمعنى أقبل يستوي فيه الواحد والأكثر فتقول: هلم يا زيد ويا زيدان ويا زيدون].
(1) سبق.
والفعل واحد اسم فعل أمر، [وجرا مصدر جره إذا سحبه هذا أصل معناه، ثم تُجُوِّزَ بهلم عن طلب الإقبال إلى الإخبار بالاستمرار]، مجاز، يعني في الأصل هي طلب الإقبال هلم يا زيد، ثم استُعمل مجازًا في الاستمرار، [وبجرا عن السحب الحسي إلى التعميم المعنوي والمعنى هنا] يعني تُجُوِّزَ بالسحب والأصل في جرا، الجر الأصل فيه حسي، تُجُوِّزَ به واستعمل في المعنوي، يعني هلم جرا يعني استمر فيما أنت عليه مثلاً، حينئذ نقول: هذا أمر معنوي والجر الأصل فيه هو الجر الحسي، وهنا استعمل بالمعنوي حينئذ يكون مجازًا، [والمعنى هنا وانته إلى أن يستمر قلب النتيجة مقدمة استمرارًا عامًا شاملاً لجميع الأقيسة البسيطة التي تؤخذ من القياس المركب].
- - -
مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى
…
يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَهَا كُلٌّ سَوَا
وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ
…
فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ
(مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) بالنصب خبر يكون (الَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذكرت فيه، (يَكُونُ) أي يُسمى بذلك لاتصال نتائجه بالمقدمات (أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَهَا) معطوف على متصل النتائج، أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه بل طويت كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم من غير استخراج نتيجة لكل مقدمتين، وسُمَّيَ منفصل النتائج لعدم ذكرها فيه، (كُلٌّ) من متصل النتائج ومنفصلها (سَوَا) في إفادة المطلوب (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي) خففت ياؤه للضرورة (اسْتُدِلْ) أي استدل بجزئي على كلي، بأن تُصُفِّحَتِ الجزئيات وحكمت بحكمها على الكلي، (فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ) أي علم، كما إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها تحرك فكها الأسفل عند المضغ، فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان، وقلنا: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا، كالمثال المتقدم، وإن كان المتصفح جميع الجزئيات كان استقرأنا جزئيات الحيوان فوجدنا بعضها ماشيًا وبعضها غير ماشي، ووجدنا الماشي يموت وغير الماشي كذلك، وحكمنا على كليه وهو الحيوان وقلنا: كل حيوان يموت. سمي استقراءً تامًا.
ــ - الشرح - ــ
عرفنا كيف نأتي بالقياس المركب؟ هو مجموعة أقيسة بسيطة، نجعل النتيجة مقدمة وهكذا، ثم النتيجة هذه قد تذكر وقد تطوى، النتيجة نركب من مقدمتين ثم نتيجة، ثم نأتي بالمقدمة، النتيجة هذه التي جعلناها مقدمة صغرى قد نحذفها لا تذكر، ونضم الثالثة إلى المقدمتين السابقتين، مقدمة ثالثة التي ضممناها تقديرًا إلى النتيجة التي جعلناها مقدمة، النتيجة إذا جعلناها مقدمة قد نذكرها وقد نحذفها، فإن ذكرناها
مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى
…
يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَهَا كُلٌّ سَوَا
حينئذ قياس المركب ينقسم إلى قسمين:
متصل النتائج.
ومفصول النتائج.
ولذلك قال: [(مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) بالنصب خبر يكون](مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى) يكون أي خبر يكون مقدم عليها [(الَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذكرت فيه]، يعني إذا نص على النتيجة فهو (مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) لأن عندنا عدة نتائج، حينئذ جاءت متصلة بعضها تلو بعض، الذي حوى أي جمع النتائج بأن ذكرت فيه [(يَكُونُ) أي يُسمى بذلك] يعني متصل النتائج [لاتصال نتائجه بالمقدمات] يعني تكون موصولة، إن ذكرت النتائج فهو متصل النتائج [(أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَهَا)] بالنصب
…
[معطوف على متصل النتائج، أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه بل طويت كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم] الذي ذكر له خمس مقدمات، هذه كلها حذفت فيها النتائج لا تذكر، وإنما تكون معلومة ثم تقلبها مقدمة وتحذفها، لأنها معلومة من المقدمتين الأوليين، لأن المقدمة الأولى والثانية قياس بسيط وهو يدل على النتيجة ضمنا بالقوة، لأن موضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، [العالم متغير](1) العالم حادث.
إذًا موضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، ومحمول النتيجة هو محمول الكبرى. إذًا النتيجة متفرقة في المقدمتين، فإذا طويت فثَمَّ ما يدلّ عليها، لأنه لا يجوز الحذف إلا إذا دلّ عليه دليل، وإذا كان كذلك حينئذ نقول المقدمتان الأوليان تضمنتا النتيجة فيجوز حذفها، أي ويكون القياس منفصلها إذ لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه [بل طويت] حذفت،
…
[كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم من غير استخراج نتيجة لكل مقدمتين، وسُمَّيَ منفصل النتائج لعدم ذكرها فيه]، لعدم ذكرها أي النتيجة فيه أي في القياس،
…
(كُلٌّ سَوَا)، [(كُلٌّ) من متصل النتائج ومنفصلها (سَوَا)] سواء
…
[في إفادة المطلوب] يعني هذا التفريق تفريق شكلي فقط، وإلا النتيجة هي هي بمعنى أن النتيجة التي طويت هي مرادة من حيث المعنى فإذا ضممت الثالثة، إذا وجدت قياسًا من ثلاثة مقدمات فاعلم أن ثم مقدمة محذوفة وهي الثالثة التي هي نتيجة، حينئذ ضممت الثالثة في الصورة إلى المقدمتين السابقتين حينئذ متصل النتائج ومنفصل النتائج لا فرق بينهما من حيث كونه قياسًا مركبًا.
وإن بجزئي على كل استدل فذا بالاستقراء عندهم عقل
(1) سبق.
هذا النوع الثاني الذي ذكره من لواحق القياس، الأول القياس المركب، والثاني القياس الاستقرائي (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ) جزئي بالتشديد على أصله (عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ)، (كُلِّي) هذا الأصل خففت الياء من أجل الوزن، وإن بجزئي استدل، وإن استدل بجزئي على كلي، إذًا كلا الجار والمجرور متعلق بقوله: استدل، بجزئي متعلق باستدل، وكذلك على كلي متعلق به، [(وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي) خففت ياؤه للضرورة
…
(اسْتُدِلْ) أي استدل بجزئي على كلي]، والمراد هنا استدل بجزئي ليس بالجزئي بذاته؛ لأنه لفظ، وإنما المراد به بالحكم الجزئي على حكم الكلي، فلا بد من جعله صفة لموصوف محذوف، وإن استدل بجزئي يعني بذاته؟ لا، لأن المراد هنا إثبات الأحكام. إذًا يُستدل بماذا؟ بحكم الجزئي على حكم الكلي، أي استدل بحكم جزئي على حكم كلي، أو حكم الجزئي على حكم الكلي، أي استدل بجزئي على كلي، وصورة الاستدلال فسرها بقوله: بأن الباء هذه للتصوير [بأن تُصُفِّحَتِ الجزئيات وحكمت بحكمها] أو بأن تصفحتَ أنتَ الجزئيات [وحكمت بحكمها على الكلي]، يعني تنظر في الجزئيات في الآحاد جزئي، ثم جزئي، ثم ثالث، ثم رابع، قد يكون أكثر وقد يكون الجميع، ثم تثبت الحكم للعام بناءً على ماذا؟ بناءً على أن الحكم في الجزئي هو كذا، حينئذ تسحب حكم الجزئيات وتضعه أو تلصقه بحكم الكلي، بمعنى تقول: الكلي كذا وحكمه كذا ما الدليل؟ لأننا تصفحنا الجزئيات ووجدناها كذا وكذا، هذا كما يذكره الفقهاء في مقام الحيض وغيره، بأن تصفحت الجزئيات وحكمت بحكمه على الكلي (فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ)، (فَذَا) المشار إليه ما هو؟ استدلال، (فَذَا) المشار إليه هو الاستدلال المفهوم من قوله: استدل هذا كقوله {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] لأن الضمير اسم الإشارة لا يعودان إلا على الأسماء، حينئذ أين المشار إليه هنا؟ تقول: الاستدلال المفهوم من قوله:
…
(اسْتُدِلْ)، (فَذَا) الاستدلال (عُقِلْ)(بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ) يعني عُلم وثبت بالاستقراء، وهو استفعال من القراءة عندهم أي عند المناطقة، [أي علم، كما إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان الإنسان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها] اشتركت في أمر ما وهو أنها [تحرك فكها الأسفل عند المضغ، فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان]، الحيوان كلي له جزئيات وهو الفرس و .. و ..
إلى آخره، القدر المشترك الذي نجده في هذه الجزئيات نحكم بها على الحيوان، فحينئذ نقول: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ بناءً على ماذا؟ على استقراء بعض الأجزاء بعض الجزئيات، [إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها تُحرك فكها الأسفل عند المضغ فحكمنا بحكم تلك الجزئيات]، انظر الكلام في الحكم، استدلال ليس بالجزئي وإنما بحكم الجزئي،
…
[فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان، وقلنا: كل حيوان طلعنا بنتيجة، كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ] ما الدليل؟ الاستقراء، بماذا أثبتت أن كل حيوان إلى آخره؟ تقول: دليلنا هو الاستقراء، الاستقراء والتتبع، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]، يعني الاستقراء عرفنا ما هو تصفح الجزئيات ثم نأخذ حكمه فنثبته للكل انتهينا. فبالاستقراء نوعان:
استقراء جزئي ناقص.
واستقراء كلي تام كامل.
إن كان التصفح لأكثر الجزئيات وتركنا بعضها هذا يسمى استقراءً ناقصًا، وإن تصفحنا جميع الجزئيات لم نترك واحدًا منها، نقول: هذا استقراء تام.
الأول: هذا يفيد الظن يعني لا يكون دليلاً قطعيًّا.
الثاني: الاستقراء التام يكون قطعيًّا بمعنى أنه دليل حجة يحتج به، ولذلك قد يستقرأ الكتاب والسنة في مسألة ما خاصة في باب المعتقد فيثبت به يعني بالاستقراء الحكم الشرعي، ويكون قطعيًّا ولا يجوز خلافه البتة، وأما الاستقراء الناقص فهذا لا يعتبر حجة كما هو مذهب كثير من الفقهاء في أقل الحيض وأكثر الحيض ووجدنا النساء كذا هذا استقراء لكنه استقراء ناقص لأنه يمتنع أن يكون الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو مالك أن استقرأ جميع نساء العالم هذا بعيد ممتنع، حينئذ نقول: هذا استقراء لكنه ناقص يفيد الظن لا يكون دليلاً يعني يلزم به الخصم، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]. هنا قال: أكثر الجزئيات. إذا لو تصفح النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، عند المناطقة لا يسمى استقراءً، ولذلك قال: أكثر الجزئيات. يعني ما زاد عن النصف، ما يصدق عليه بأنه أكثر، فإن كان النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، وإن كان الفقهاء يخالفون في ذلك، يعني استعماله يتساهلون فيجعلون استقراء النصف أو أقل بأنه استقراء ناقص فيختلفون، [كالمثال المتقدم] هذا استقراء ناقص، [وإن كان المتصفح جميع الجزئيات [كان استقراء أي نعم](1) كأننا استقرأنا جزئيات الحيوان فوجدنا بعضها ماشيًا وبعضها غير ماشي، ووجدنا الماشي يموت وغير الماشي كذلك، وحكمنا على كليه وهو الحيوان وقلنا: كل حيوان يموت. سمي استقراءً تامًا]. هذا لا يحتاج {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35]، [العنكبوت: 57] حينئذ نقول كمثال:
والشأنُ لا يُعترضُ المثال
…
إذ قد كفى الفرضُ والاحتمال
إذا استقرئ الحيوان بجميع جزئياته وجد بأن كل حيوان يموت، إذًا كل حيوان يموت، نقول: هذا استقراء تام، وهو حجة.
- - -
وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِي
…
وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ
وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ
…
لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيلٌ جُعِلْ
(1) سبق.
وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ
…
قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ
(وَعَكْسُهُ) أي الاستقراء الذي تقدم أنه الاستدلال بحكم الجزئيّ على الكليّ وهو الاستدلال بحكم الكلي على الجزئي (يُدْعَى) أي يُسمى
…
(القِيَاسَ المَنْطِقِي) فالقياس المنطقي (وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ) أول باب القياس عند قوله: (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا). (فَحَقِّقِ) المعلوم، فالقياس استدلال بحكم الكلي على الجزئي كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان، والاستقراء استدلال بحكم الجزئي على الكلي كما عُلم مما سبق. (وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ) خففت ياؤه للضرورة (حُمِلْ) أي حيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه (لِجَامِعٍ) مشترك بينهما كحمل النبيذ على الخمر في الحرمة للإسكار، (فَذَاكَ) الحمل (تَمْثِيلٌ جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً: وقد عرفه السعد بقوله: هو تشبيه جزئي بجزئي في معنى مشترك بينهما، لِيُثْبَت في المشبه الحكم الثابت في المشبه به المعلل بذلك المعنى. (وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ) أي اليقين (بِالدَّلِيلِ) أي بنتيجة الدليل (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ) والدليل إظهار في محل الإضمار، أي بنتيجتهم أما قياس الاستقراء فلجواز أن يكون قد بقي جزئي من جزئيات على خلاف ما استقرأته، قالوا: وقد وجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ فلم تكن النتيجة في الاستقراء، وهي كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ قطعية، وأما قياس التمثيل فلأنه لا يلزم من تشابه أمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام.
ــ - الشرح - ــ
وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِي
…
وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ
(وَعَكْسُهُ) يعني استدلال بالكلي على الجزئي أليس كذلك؟ (وَعَكْسُهُ) أي الاستدلال [على الكل](1) على الجزئي بالكلي، الاستقراء استدلال بالجزئي على الكلي استقراء بالجزئي يعني الحكم الجزئي على حكم الكلي، إذا كان العكس الاستدلال بحكم الكلي على حكم الجزئي هذا القياس المنطقي وهو الذي سبق في باب القياس، (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه، لأن عكس ما ذكره فيما سبق هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، وليس ذلك هو المسمى بالقياس المنطقي وإنما المسمى نفس المقدمتين المستدل بهما فلا بد من تقدير المضاف، هذا من جهة اللفظ. وقال البيجوري:(وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه. لأن الذي أفاد العكس هو المقدمتان، لأن القياس عبارة عن هيئة تتعلق بالمقدمتين، أولاً مقدمة لا تكفي، لا بد من مقدمتين، ثم كل مقدمة لا بد من حد أوسط وحد مكرر ثم النتيجة لازمة، ثم تنتهي إذًا مسائل متعددة، هذه بهذا التركيب مفيد للحكم الكلي على الجزئي. إذًا
…
(وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه يدعى القياس المنطقي [(وَعَكْسُهُ) أي الاستقراء الذي تقدم أنه الاستدلال بحكم الجزء على الكل وهو الاستدلال بحكم الكلي على الجزئي (يُدْعَى) أي يُسمى (القِيَاسَ المَنْطِقِي) فالقياس المنطقي (وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ) أول باب القياس عند قوله: (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا)]. إذًا نستفيد من هذه الجملة فقط شيئًا واحدًا وهو أن القياس المنطقي استدلال في حكم الكلي على حكم الجزئي، واضح؟ وأما أحكامه فهي ما سبق. [(فَحَقِّقِ) أي المعلوم، فالقياس استدلال بحكم الكلي على الجزئي كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان]، كل إنسان حيوان، أثبتنا أن الإنسان حيوان، طيب وكل حيوان جسم، النتيجة إنسان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان، لماذا؟ لكون الإنسان داخلاً في قوله: كل حيوان جسم. لأن هذا فائدة الحد الوسط أنه يأخذ الموضوع موضوع الصورة فيدخل تحته من أجل أن يمرره للحكم النهائي، حينئذ كل إنسان حيوان، وكل حيوان ومنه الإنسان الذي حكمنا على لسانه بكونه حيوان جسم، على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان، [والاستقراء استدلال بحكم الجزئي على الكلي كما عُلم مما سبق]. إذًا نثبت الحكم العام ثم بعد ذلك نستصحبه في الجزئي وهذا هو فائدة القياس.
وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ
…
لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيلٌ جُعِلْ
(1) سبق.
هذا قياس الثالث وهو حمل الجزئي على الجزئي، النظير على النظير، هذا قياس التمثيل الذي يستخدمه الفقهاء، وهو قدر مشترك بين الفقهاء وبين المناطقة، يعني بحثه مشترك، ولذلك لهم اصطلاحات خاصة هنا تغاير اصطلاحات الفقهاء، (وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ)، وحيث جزئي بالتشديد على جزئي (حُمِلْ) بالتخفيف [خففت ياؤه للضرورة (حُمِلْ) أي حيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه (لِجَامِعٍ) مشترك بينهما]، يعني علة وجدت في الأصل وتَرَتَّبَ عليها الحكم، ثم وجدنا العلة بعينها في الفرع، حينئذ نسحب حكم الأصل على الفرع، فحينئذ يكون حمل لجزئي على جزئي [(لِجَامِعٍ) بينهما أي مشترك بينهما كحمل النبيذ على الخمر في الحرمة للإسكار]، حمل النبيذ وهو جزئي مجهول الحكم، على الخمر وهو جزئي كذلك وإن سمي أصلاً عند الفقهاء، في الحرمة يعني في الحكم وهو التحريم، للإسكار وهو العلة الجامعة (فَذَاكَ) أي [الحمل]، فذاك المشار إليه ما هو؟ الحمل المفهوم من قوله:(حُمِلْ) لأن حمل هذا فعل ولا يشار إليه، وإنما يشار إلى الأسماء، [(تَمْثِيلٌ جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً]، وهذا الذي ذهب إليه الناظم. قال هنا:[وقد عرفه السعد] سعد الدين والملة صاحب المطول المختصر على ((التلخيص)) [وقد عرفه السعد] بخلاف تعريف الناظم في قوله: [هو تشبيه] إذًا لم يعبر بالحمل وإنما عبر بالتشبيه، [تشبيه جزئي بجزئي في معنى مشترك بينهما، لِيُثْبَت في المشبه الحكم الثابت في المشبه به المعلل بذلك المعنى]، إذًا ما الفرق بين هذا وذاك؟
أولاً فيه زيادة إيضاح من حيث قوله: (لِجَامِعٍ) زيادة إيضاح.
وثانيًا: لم يعبر بالحمل وإنما عبر بالتشبيه، وأركانه أربعة:
مشبه ويسمى حدًّا أصغر.
ومشبه به ويسمى أصلاً.
وحكم، ويسمى حدًّا أكبر.
وجامع ويسمى حدًّا أوسط.
هكذا نص عليه البيجوري.
وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ
…
قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ
(وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ)، يعني ما الذي يفيد القطع وما الذي لا يفيد القطع؟
قال: لا يفيد القطع، بل يفيد الظن، ما هو؟ (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ)، ومراده الناقص وليس التام، لأن التام يفيد القطع، (وَالتَّمْثِيلِ) أي وقياس التمثيل الذي هو جزئي على جزئي حمل [(وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ) أي اليقين
…
(بِالدَّلِيلِ) أي بنتيجة الدليل (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ)] أي الناقص لا بد من تقييده، (وَالتَّمْثِيلِ) أي وقياس التمثيل، والدليل إظهار في محل الإضمار [(وَلَا يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ)، والدليل إظهار في محل الإضمار [أي بنتيجتهم]، [نعم] بالدليل يعني بنتيجته [أما قياس الاستقراء] فلماذا لا يدل على القطع؟ لماذا لا يفيد القطع؟ [فلجواز أن يكون قد بقي جزئي من جزئيات على خلاف ما استقرأته]، نعم لأنك إذا استقرأت الأكثر حينئذ بقي قد يكون كثيرًا، وقد يكون هذا الحكم هذا الكثير الذي بقي ولم يستقرأ حكمه مخالف لما وقفت عليه، محتمل أو لا؟ وإذا احتمل حينئذ لا يفيده قطعًا، الحكم على الأكثر لا يفيد القطع البتة. قالوا: وقد وجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ، هذا نقل لما سبق، كل حيوان يحرك فكه الأسفل، [قالوا]: التمساح على العكس إذًا صار نقضًا، [وقد جد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ فلم تكن النتيجة في الاستقراء، وهي كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ قطعية ليس قطعيًّا، وأما قياس التمثيل] وهو الحمل أو التشبيه [فلأنه لا يلزم من تشابه أمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام]. لأنه قال: على ما ذكره السعد تشبيه جزئي بجزئي، إذًا إذا اشتبه هذا النظير فهذا النظير لا يلزم المشابه في جميع الأحكام، أو بجزئي آخر.
إذًا القياس هذا لا يفيد القطع، أما المقياس الذي عندهم بنفي الفارق هذه مسألة أخرى.
- - -
فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ
وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّهْ
…
أَقْسَامُ هَذِي خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ
خَطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ
…
وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ
(فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ) أي الدليل، سمي بذلك لأن من تمسك به حج خصمه، أي غلبه. (وَحُجَّةٌ) مبتدأ سَوَّغَ الابتداء به قصد الجنس، وهي إما (نَقْلِيَّةٌ) وهي ما كانت من الكتاب والسنة والإجماع، وإما
…
(عَقْلِيَّهْ)، وقد ذكرها بقوله:(أَقْسَامُ هَذِي) الحجة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة أولها (خَطَابَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي أو من مقدمات مظنونة كقولنا: كل حائط ينتثر منه التراب ينهدم، ونحو: فلان يسار العدو فهو مسلم للثغر. ونحو: فلان يطوف بالليل بالسلاح فهو متلصص، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم كما يفعله [الخطاب] والوعاظ.
وثانيها (شِعْرٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس نحو الخمر مقوية سيالة، أو تنقبض منها النفس نحو العسل مِرّة مُهَوِّعَة، ونحوه الورد صِرْم بغلي قائم في وسطه روث، والغرض منه انفعال النفس بالترغيب والترهيب، ويزيد الانفعال بأن يكون على وزن من أوزان الشعر أو بصوت طيب.
(وَ) ثالثها (بُرْهَانٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية كما يأتي.
رابعها (جَدَلْ) وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فقد يكون الشيء مشهورًا عند قوم دون آخرين، ومن مقدمات مسلمة عند الناس وعند الخصمين. كقولنا: هذا ظلم، وكل ظلم قبيح. وكقولنا: هذه مراعاة للضعفاء، وكل مراعاة للضعفاء محمودة. والغرض منه إلزام الخصم وإقناع القاصر عن إدراكه البرهان.
(وَخَامِسٌ) أي خامسها (سَفْسَطَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة نحو: هذا ميت، وكل ميت جماد، فهذا جماد، وشبيهة بالحق وليست به كقولنا: في صورة فرس على حائط هذا فرس، وكل فرس صاهل. (نِلْتَ الأَمَلْ) جملة دعائية تكملة للبيت.
ــ - الشرح - ــ
(فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ) وهي ستة، والمراد بالحجة هنا [أي الدليل، سمي بذلك] يعني حجة لأنه [لأن من تمسك به حج خصمه] يعني صار حجيجًا عليه بهذه أو بهذا الدليل، [حج خصمه أي غلبه قال:(وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّهْ)] يعني قسم لك الحجة إلى قسمين:
نقلية.
وحجة عقلية.
(أَقْسَامُ هَذِي) الأخير العقلية خمسة جلية واضحة بينة ونحن قلنا: ستة، [أي نعم مع النقلية]، إذًا النقلية واحدة، والعقلية خمسة، صارت ستة، [(وَحُجَّةٌ) مبتدأ سَوَّغَ الابتداء به قصد الجنس] أو التفصيل، [وهي إما (نَقْلِيَّةٌ)] نسبة للنقل، واستنادها إليه [وهي ما كانت من الكتاب والسنة والإجماع]، يعني ما كان كل من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا، يعني قياسًا مؤلف من مقدمتين، وكل مقدمة ليست عقلية، وإنما هي من الكتاب والسنة أو الإجماع، أو كانت إحدى المقدمتين كذلك فحينئذ نقول: هذه نقلية، [وإما (عَقْلِيَّهْ)] منسوبة إلى العقل لأن العقل لا يتوقف إثباته على نقل، [وقد ذكرها بقوله:(أَقْسَامُ هَذِي) الحجة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ)] واضحة [أي ظاهرة] عند أهل المنطق [أولها].
خَطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ
…
وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ
أَجَلُّهَا البُرْهَانُ .................
…
...........................
[(خَطَابَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي أو من مقدمات مظنونة]، إذًا الخطابة [هي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة] أو مظنونة، مقبولة يعني لصلاح قائلها أو مظنونة يعني لا تفيد القطع وإنما تفيد الظن. قالوا: مقدمات مقبولة مثل ماذا؟ العمل الصالح يوجب الفوز، هذه مقدمة طيبة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] وكل مكانة ذلك كذلك لا ينبغي إهماله أليس كذلك؟ كل ما كان يوجب الفوز حينئذ لا ينبغي إهماله ينتج أن العمل الصالح لا ينبغي إهماله، يعني الخطيب يأتي هكذا، لكن يدور حول هذه يعني يثبت أولاً أو يجمع بين مقدمتين ثم يرتب عليهما ما لا ينفك عن السابق، يعني يترقى في ذكر الحكم الذي أراده بأن يثبت مقدمة قول العمل الصالح يوجب الفوز، ويذكر الأدلة على ذلك، وما كان كذلك لا ينبغي إهماله، إذًا العمل الصالح لا ينبغي إهماله، [من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي] ليس بشرط، أو هنا سقطت أو من مقدمات مظنونة [كقولنا: كل حائط ينتثر منه التراب ينهدم]. مظنونة هذه، [ونحو: فلان يسار العدو فهو مسلم للثغر]. صار يعني يعطيهم الأسرار فهو مسلم للثغر قد يساره ولا يسلم، [ونحو: فلان يطوف بالليل بالسلاح فهو متلصص]. وهذا مظنون ليس كل من سار السلاح في الليل فهو لص، [والغرض منها] يعني الخطابة [ترغيب الناس] المخاطب [فيما ينفعهم كما يفعله [الخطاب] والوعاظ] لعلها الخطباء ليس [الخطاب] كما يفعله الخطباء إلا إذا كان خطيب يجمع على خطاب وأنا لا أعرفه [كما ينفعهم نعم](1)، [فيما ينفعهم كما يفعله الخطباء والوعاظ]. إذًا الخطابة نوع من أنواع القياس. [وثانيها (شِعْرٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس] تستريح [نحو الخمر مقوية سيالة]، هذا مفسد في الأرض يريد أن يرغب الناس في الخمر، فيأتي ويضع عليها من العبارات الجميلة الرنانة يقول: ما أجمل الخمر وما أحسنها، يريد أن يرغب الناس يقول: هذا شعر، قول من يريد الترغيب في شرب الخمر هذه خمرة وكل خمرة ياقوتة سيالة يُنتج هذه ياقوتة سيالة، النفس تنبسط، يعني النفوس المريضة تنبسط من ذلك، [أو تنقبض] هنا قال: الخمر مقوية سيالة. تقوي البدن والمشهور ياقوتة، [أو تنقبض منها النفس] يعني يريد أن يُنَفِّر كقول من يريد التنفير من العسل مثال هذا، ما وجد إلا العسل لينفر منه. فقال: هذا عسل، وكل عسل مِرَّة، يعني فيه مرارة، وهو ما يجتمع في الجرح من القيح، فكل عسل مرة مهوعة.
(1) سبق.
يعني تقيئ ينتج هذه مرة مُهَوِّعَة، مُهَوِّعَة مُهَوَّعَة يجوز فيها الوجهان، إذًا يريد ماذا؟ يريد التنفير، [أو تنقبض منها النفس نحو العسل مِرّة] بكسر الميم [مُهَوِّعَة] مُهَوَّعَة، المراد بها هي قيء النحل، [ونحوه الورد صِرْم بغلي قائم في وسطه روث] لعل المراد بالصرم الصارمة وهو السيف الصارم أي القاطع، كل المثال ليس بواضح المراد المعنى ظاهر، [والغرض منه انفعال النفس بالترغيب والترهيب] يعني الغرض من الشعر انفعال النفس بالترغيب والترهيب، [ويزيد الانفعال بأن يكون على وزن من أوزان الشعر أو بصوت طيب]، يعني إذا حصل الترغيب والترهيب بصوت طيب يتغنى به يزيد الانفعال، وإذا حصل على وزن من أوزان الشعر كذلك، وهذا زيادة عند المتأخرين، أما المتقدمين لا يشترطون الوزن في الشعر.
[(وَ) ثالثها (بُرْهَانٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية كما يأتي] أجلها البرهان ما ألف من مقدمات باليقين وهي الحجة عندهم، أعلى درجات القياس هو البرهان وسيأتي بحثه.
[رابعها (جَدَلْ) وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة تختلف باختلاف الأزمنة فالأمكنة وقد يكون الشيء مشهورًا عند قوم دون آخرين]، وفي مكان دون مكان وزمان دون زمان، [ومن مقدمات مسلمة عند الناس وعند الخصمين]. إذًا مقدمات مشهورة وهذه الشهرة تختلف من زمان لزمان ومكان إلى مكان، ومن مقدمات مسلمة عند الناس، أو عند الخصمين [كقولهم: هذا ظلم، وكل ظلم قبيح]. إذًا هذا قبيح، هذا مسلم به، [وكقولنا: هذه مراعاة للضعفاء، وكل مراعاة للضعفاء محمودة. والغرض منه إلزام الخصم وإقناع القاصر عن إدراكه البرهان]. إذًا الجدل هذا له باب عند الأصوليين يذكر في محله.
[(وَخَامِسٌ) أي خامسها (سَفْسَطَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة نحو: هذا ميت، وكل ميت جماد، فهذا جماد]، هذا ميت الميت جماد؟ ليس بجماد، هذا ميت، وكل ميت جماد هذه كاذبة، أو
…
[شبيهة بالحق وليست به] يعني الحق ليست به يعني ليست بالحق [كقولنا: في صورة فرس على حائط هذا فرس، وكل فرس صاهل]. هذا صهال. يعني يرى صورة يقول: هذا فرس يقول: هذا المرسوم هذا فرس، والفرس صهال. إذًا هذا .. . نقول: هذا كذاب على طول [ها ها]. [(نِلْتَ الأَمَلْ) جملة دعائية تكملة للبيت].
- - -
أَجَلُّهَا البُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ
…
مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ
مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ
…
مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ
وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ
…
فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ
(أَجَلُّهَا) أي أقسام الحجة، (البُرْهَانُ) فالجدل فالخطابة فالشعر فالسفسطة. وعرف البرهان بقوله: وهو (مَا أُلِّفَ) أي رُكِّب من مقدمات (بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ) أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره، وبيت يقينيات (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) أي المقدمات اليقينية هي الأوليات أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره، بل بمجرد تصور الطرفين يحكم العقل فيها كقولنا: الواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من الجزء. (مُشَاهَدَاتِ) وهي. ما لا يحكم العقل فيها بمجرد تصور الطرفين، بل يحتاج إلى المشاهدة بالحس الباطن، وتسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع، أو غضبان أو متلذذ أو متألم. و (مُجَرَّبَاتٍ) وهي ما يحتاج العقل في الجزم بحكمه إلى تكرار المشاهدة مرة بعد أخرى، كقولنا: السقمونيا مسهلة للصفراء. و (مُتَوَاتِرَاتِ) وهي ما يحكم العقل فيها بواسطة السماع من جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب كقولنا: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة وظهرت المعجزات على يديه.
(وَحَدَسِيَّاتٍ) بتحريك الدال للضرورة، وهي ما يحكم العقل فيه بواسطة حدس أو ظن مستند إلى أمارة كقولنا: نور القمر مستفاد من نور الشمس، لاختلاف تشكلاته النورية بحسب قربه من الشمس وبعده عنها. (وَمَحْسُوسَاتِ) وهي ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر من غير توقف على شيء آخر، قولنا: الشمس مشرقة والنار محرقة. (فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ) التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين.
ــ - الشرح - ــ
(أَجَلُّهَا) أي أقواها [أي أقسام الحجة]، أجلها أي أقوى أقسام الحجة [(البُرْهَانُ) فالجدل فالخطابة فالشعر فالسفسطة]، يعني على التوالي، البرهان أقواها لأنه يتركب من مقدمات يقينية وهذه أعلى الدرجات، ويليه الجدل لأنه يتركب من مقدمات قريبة من اليقين يعني إما مشهورة أو مسلمة، ثم الخطابة لأنها تتركب من مقدمات مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، ثم السفسطة وهي الكذب. [وعرف البرهان بقوله: وهو (مَا أُلِّفَ) أي رُكِّب] وهو ما أي قياس ألف [أي ركب من مقدمات (بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ)] يعني مقدمات يقينية [أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره]، يعني إما مظنونة وإما وهمية .. إلى آخره وإنما الذي يختص بالمقدمات اليقينية هو البرهان، ولذلك عناية المناطقة وكذلك أرباب الكلام والأصوليين بالبرهان آكد، أي مقدمات اليقينية [نعم] أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره، ثم بَيَّنَ ما هي المقدمات اليقينية؟ متى نحكم على أن هذه يقينية؟ أجلها البرهان ما ألف من، أجلها البرهان مبتدأ وخبر أجل البرهان، أجل هذه الأقسام البرهان، مبتدأ وخبر، (مَا) أي هو الذي ألف، إذًا (مَا) خبر لمبتدأ محذوف من مقدمات ألف من مقدمات متعلق بقوله:(أُلِّفَ)، تقترن باليقيني يعني يقينية لأن الجملة صفة لمقدمات، مقدمات يقينية، مقدمات هذه شملت الضرورية والنظرية والعقلية والنقلية لأنها عامة، لأنها البرهان كما يكون في العقل يكون في النقل على الصحيح، ثم الضروريات هذه واضحة لأنها يقينية، النظرية سبق أنها لا بد أن تنتهي إلى ضرورة، فإذا كان كذلك حينئذ صار التركيب أو صح تركيب المقدمات النظرية في البرهان.
مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ
…
مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ
وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ
…
فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ
وهي ستة:
أوليات الأول.
مشاهدات الثاني.
مجربات.
متواترات أربعة.
وحدسيات.
ومحسوسات.
هذه ستة، إذًا جملة اليقينيات ستة وليست كلها متفق عليها، بل بعضها مختلف فيها، والصحيح أنها مظنونة، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بدل من قوله:(مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، (مَا أُلِّفَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) جار ومجرور بدل من قوله: (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، [(مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) أي المقدمات اليقينية هي الأوليات] بالنسبة إلى الأول [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره]، يعني بمجرد تعقل الطرفين حكم العقل، لا يحتاج إلى واسطة، يعني مشاهد ينظر يبصر ويحتاج أن العقل يحكم. إذًا حكم بواسطة الحس مع العقل، أما الأوليات فهي البدهيات التي مباشرة يحكم فيها العقل بين الطرفين، فهي القضايا التي يدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره، بل بمجرد تصور الطرفين يحكم العقل فيها كقولنا]: ماذا؟ [الواحد نصف الاثنين]، نحتاج إلى دليل؟ [والكل أعظم من الجزء] هذه من الأوليات البدهيات، فالعقل يحكم فيها بمجرد تصور الواحد والاثنين، وبمجرد تصور الكل والجزء يحكم بأن الكل أكبر من الجزء، والجزء أصغر من الكل، هذا النوع الأول.
(مُشَاهَدَاتِ) النوع الثاني من المقدمات الضرورية، والـ (مُشَاهَدَاتِ) قال:[هي] ما لا يحكم العقل فيها وحده. فإذًا العقل له حكم لكن [ما لا يحكم العقل فيها بمجرد تصور الطرفين] كما هو الشأن في الأوليات، [بل يحتاج إلى المشاهدة بالحس الباطن، وتسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع]، تحتاج إلى دليل؟ هذا ضروري يسمى العلم الحضوري يعني يعلم أنه جائع، أو أنك [غضبان أو متلذذ أو متألم]. إذًا المشاهدات هي القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة إذًا بواسطة، لكن المراد بالمشاهدة ليست البصر، وإنما المراد بالمشاهدة الباطن يعني بالحسن الباطن، كإدراك أنه جائع أو أنه بحاجة إلى ماء ونحو ذلك، بل بسبب المشاهدة بالحس الباطن كقولك: الجوع مؤلم. هذه مقدمة يقينية من نوع المشاهدة تسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع أو غضبان أو متلذذ أو متألم.
[و (مُجَرَّبَاتٍ) وهي ما يحتاج العقل في الجزم بحكمه إلى تكرار المشاهدة مرة بعد أخرى]، التجربة لا بد فيها من التكرار، إذًا هنا الحكم بواسطة العقل، العقل يحكم لكن بواسطة التجربة [كقولنا: السقمونيا مسهلة للصفراء] يعني نوع من أنواع الدواء مسهلة للصفراء يستعملها زيد ثم عمرو ثم خالد ثم مع التجربة والتكرار نقول: أفادت اليقين، والكثير من المناطقة كغيرهم أن المجربات تفيد الظن وليست من الأمور القطعية، ولذلك يأخذ الدواء وهو من المجربات ولا يكون يقينًا في رفع البلاء والكثير أنها من الظنيات. كلام المصنف على أن المجربات من الضروريات وقيل من النظريات لكن الكثير على أنها من الظنيات. [و (مُتَوَاتِرَاتِ) وهي ما يحكم العقل فيها بواسطة السماع من جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب كقولنا: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة] هذا نقل إلينا تواترًا وجاء نصه في القرآن لكن من باب التمثيل مثال، وظهرت المعجزة على يديه هذا متواتر، وهو يفيد القطع يعني بحث المتواتر عند أهل الاصطلاح وعند أرباب الوصول وكذلك عند المناطقة، والكلام فيها هل يفيد القطع أو اليقين، (وَحَدَسِيَّاتٍ) أصله حَدْسِيَّات، ولكن [حركت](1) الدال للضرورة، حدسيات لأنه مأخوذ من الْحَدْسِ بإسكان الدال وهو الظن، وحدسيات [بتحريك الدال للضرورة، وهي ما يحكم العقل فيه بواسطة حدس أو ظن مستند إلى أمارة] يعني تجربة، أمارة هنا بمعنى تجربة. إذًا العقل يحكم لكن بواسطة [كقولنا: نور القمر مستفاد من نور الشمس] هذا ظن ما أَدْرَكَهُ؟ يعني ما رآه حتى يحكم وليس من التجربة وليس من الوجدانيات، وإنما هو ظن، [نور القمر مستفاد من نور الشمس لاختلاف تشكلاته النورية بحسب قربه من الشمس وبعده عنها]، وهذا القول بأنها من الضروريات فيه نظر والصواب أنها من الظنيات. [(وَمَحْسُوسَاتِ) وهي ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر]، وهذه هي عين المشاهدات السابقة، ولذلك الكثير لم يفرق بينهما، المشاهدات هي المحسوسات، لأن المشاهدة بمعنى الحس، والحس بمعنى المشاهدة، إذًا هما بمعنى واحد، والناظم فرق بينهما وجعل السابق يختص بالوجدانيات وما عداه محسوسات، [ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر من غير توقف على شيء آخر، من قولنا: الشمس مشرقة والنار محرقة]. الشمس مشرقة تراها أنت هذا واضح أنه يقين، والنار محرقة لأن الإحراق يدرك بالحس، يدرك بماذا؟ بالحس، حس يعني مباشرة هذا لمن لمن ذاقها، أما الذي لم يذق أدرك بالحس؟ لا، وإنما بالعلم الضروري، النار محرقة هل جربت؟ لا، من أخبرك؟ إذًا صارت هذه مقدمة مشهورة، النار محرقة، إما أنك رأيت من أحرقته وهذا واضح أنه مشاهد، وإن لم تر من أحرقته كله أو جزئه، وإنما حكمت حينئذ يكون العقل حاكم بواسطة الحس، لكن لا لحسك أنت إنما لحس غيرك.
(1) قال الشيخ: حذفت.
[(فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ) التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين] إذًا (وَحَدَسِيَّاتٍ) والظاهر أنها من الظنيات (مَحْسُوسَاتِ) هي نفسها المشاهدات حينئذ صارت خمسة (فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ)، وسبق أن النظرية التي تنتهي إلى ضرورة أنها كذلك داخلة هنا، فهنا جملة اليقينيات ترد عليها أن اليقينيات قد تكون نظرية فكيف يحصرها في الضروريات؟ وهو أراد أن يبين اليقينيات بمعنى الضرورية. يجاب بأنها لما كانت النظريات لا بد أن تنتهي للضروريات صارت كأنها ضرورية فهي داخلة فيها.
- - -
وَفِي دَلَالَةِ المُقَدِّمَاتِ
…
عَلَى النَّتِيجَةِ خِلَافٌ آتِ
عَقْلِيٌّ اوْ عَادِيٌّ اوْ تَوَلُّدُ
…
أَوْ وَاجِبٌ وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ
(وَفِي دَلَالَةِ المُقَدِّمَاتِ) العلم أو الظن بها (عَلَى) العلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) أي في الارتباط بينهما (خِلَافٌ آتِ) ذكره في البيت بعده، ولما كان للدليل ارتباط بالمدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة، ثم ذكر الخلاف بقوله:(عَقْلِيٌّ)، أي الارتباط بينهما عقليّ لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، ولا تتعلق القدرة بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة، فهما متلازمان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، وهذا لإمام الحرمين. (اوْ) بمعنى الواو أي والثاني أن الربط بينهما (عَادِيٌّ) بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بأن ينتهي شخص في البلادة إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وفي التصوير نظر إذ من الشروط التفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وهذا القول للشيخ الأشعري. (أَوْ) بمعنى الواو أي والثالث أن الارتباط بينهما (تَوَلُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، إذ التولد أن يُوجِد فعل لفاعله فعل، وهذا القول للمعتزلة وهو باطل لقيام البرهان على أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال الاختيارية (أَوْ) بمعنى الواو: أي والرابع أن الارتباط بينهما (وَاجِبٌ) بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة، وهذا للفلاسفة، وهو باطل لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة وأنه تعالى هو الفاعل المختار (وَالأَوَّلُ) من هذه الأقوال هو (المُؤَيَّدُ) القوي لعدم ورود شيء عليه.
ــ - الشرح - ــ
(وَفِي دَلَالَةِ) يعني وفي إفادة (المُقَدِّمَاتِ) للنتيجة بمعنى أنك إذا ذكرت النتيجة المقدمتين ما العلاقة بين النتيجة والمقدمتين، هل العقل يدل أم أنه يجب؟ أن يُعلم؟ أم التوالد الذي عند المعتزلة؟ أو .. أو .. إلى آخره. ما العلاقة بينهما؟ كيف أفادت المقدمتان النتيجة؟ ما نوع قال:(وَفِي دَلَالَةِ المُقَدِّمَاتِ)؟ يعني وفي إفادة المقدمات للنتيجة (عَلَى النَّتِيجَةِ خِلَافٌ آتِ) على أربعة أقوال، وفي كلامه حذف، والتقدير وفي دلالة العلم أو الظن بالمقدمات على العلم أو الظن بالنتيجة، بدلالة العلم أو الظن بالمقدمات يعني إذا كان علمك بالمقدمتين أفاد علمًا بالنتيجة، أو كان عندك ظن بالمقدمتين أفاد ظنًّا بالنتيجة هكذا. قال: هنا: [(وَفِي دَلَالَةِ المُقَدِّمَاتِ) العلم أو الظن بها]، قَدَّرَ، لا بد من هذا التقدير يعني علمك بالمقدمات، أو ظنك بالمقدمات لأنه مرَّ معنا أن الخطأ كلام عام هنا ليس بالبرهان فحسب، وإنما هو عام في الخطابة والشعر والسفسطة والجدل وبعضها ليست قطعية، إذًا نظرية ظنية [(عَلَى) العلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) أي في الارتباط بينهما] أي بين العلم والظن بالمقدمات والعلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) ما الارتباط بينهما بين النتيجة والمقدمات [(خِلَافٌ آتِ) ذكره في البيت بعده، ولما كان للدليل ارتباط بالمدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة]. أليس كذلك؟ لأن المقدمتين دليل والنتيجة مدلول، ما العلاقة بينهما ارتباط الدليل بالمدلول؟ قال: سماه دلالة، [ثم ذكر الخلاف بقوله]:
القول الأول (عَقْلِيٌّ) يعني هو عقلي، (عَقْلِيٌّ) خبر لمحذوف، (عَقْلِيٌّ) نسبة إلى العقل [أي الارتباط بينهما] بين المقدمتين والنتيجة العلم أو الظن بالمقدمتين والعلم أو الظن بالنتيجة عقلي [لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين] يعني إذا علم المقدمتين لزم منه عقلاً العلم بالنتيجة، فلا تتخلف، إذا ظن المقدمتين أو حصل عنده ظن بالمقدمتين لزم منه حصول الظن بالنتيجة، فلا يتخلف عنه البتة، [فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، ولا تتعلق القدرة بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة، فهما متلازمان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، وهذا لإمام الحرمين]. والقول إذًا قوله: [فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين] إلى هنا يمكن التسليم، لكن التعليل الذي ذكره هذا قد لا يسلم، بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن، إذًا ليس من فعل العبد وليس الأمر كذلك، لماذا؟ لأن هذه المسألة مسألة ترتب النتيجة على المقدمتين هي تعلق المسبب على السبب، هي عينها، تعلق المسبب على السبب، ومعلوم خلاف بين أهل السنة وغيرهم في مسألة الأسباب وما يترتب على الأسباب من المسببات، بمعنى أن السبب يوجد لكن يمكن أن يتخلف المسبب، وإذا كانت الدلالة التي تستفاد من المقدمتين عقلية حينئذ إذا كان الْمُدْرَك علم فالأصل فيه أنه لا يتخلف هذا الأصل، وإذا قلنا: بأن المسبب قد يتخلف عن سببه حينئذ قد يتخلف في بعض الأحوال. إذًا التعليل الذي ذكره أولاً يمكن يعني أن يسلم، لكن دليله فيه نظر، بمعنى أن الله إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، يعني فعل العبد لا شيء له، العبد من حيث إدراك النتيجة لا فعل له البتة، وليس هذا مسلم عند أهل السنة والجماعة، ولا تتعلق القدرة - يعني قدرة العبد المكلف - بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة فهما متلازمتان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، يعني كالموصوف والصفة لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر، على كل عقليّ هذا يمكن أن يسلم وأن يرجح لكن لا على جهة التعليل الذي ذكره الشارح. [(اوْ) بمعنى الواو].
القول الثاني [أي والثاني أن الربط بينهما (عَادِيٌّ)، بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بأن ينتهي شخص في البلادة إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط]، لو ضم هذا إلى سابقه وقيل عقلي وقد يتخلف لا بأس به، ولذلك مرّ معنا في الدلالة أنه لا يلزم أن يكون فهم أمر من أمر بالفعل، بل كون أمر بحيث يُفهم منه أمر فُهِمَ أم لا، وهذا لا بأس به، فُهِمَ أو لا، فلا يخرج الدليل عن كونه دليلاً إذا لم يحصل هناك فَهْمٌ بالفعل، إذا ضم هذا إلى ذاك، وأما كونه شخص بلغ في البلادة فهذا قد يوجد إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط إذا لم يتفطن لا يصل إلى النتيجة، [وفي التصوير نظر] لماذا؟ [إذ من الشروط التفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وهذا القول للشيخ الأشعري] أبي الحسن صاحب المذهب رجع عنه، إذًا كونه عاديًّا بمعنى أنه قد يتخلف، ومَثَّلَ بالبليد لأنه قد لا يتفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، اعْتُرِضَ عليه بأنه لا يتفطن هذا ليس بِمُسَلَّم لأننا نقول: العلم أو الظن بالمقدمتين. إذًا لا بد أنه تفطن، إذا لم يتفطن معناه لم يعلم المقدمتين، وإذا قلنا: لم يتفطن معناه لم يظن المقدمتين، إذًا التصوير فيه نظر كما قال الشارح هنا: [(أَوْ) بمعنى الواو أي، والثالث أن الارتباط بينهما
…
(تَوَلُّدُ)] هذا مذهب المعتزلة [بمعنى أن القدرة الحادثة] يعني قدرة الْمُكَلَّف المخلوق [أثرت] بنفسها، فإذًا هي الخالقة خلقت العلم وخلقت الظن هذا بناءً على مذهبهم الفاسد [أن القدرة الحادثة أثرت] بذاتها يعني دون تأثير الله عز وجل، ونحن نقول: هذه أسباب، وهي تؤثر بتأثير الله تعالى، أما نقول بأن الماء أو الخبز يشبع؟ نعم هو يشبع، لذاته؟ نعم، جعل الله عز وجل فيه خاصية لكن بقدرة الله عز وجل. وهذا مثله [أن القدرة الحادثة أثرت يعني بذاتها دون أن يكون لله عز وجل تأثير في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، إذ التولد] معناه عندهم [أن يُوجِد فعل لفاعله فعلاً آخر] أصله [أن يوجد فعل لفاعله فعلاً آخر]، وهذه العبارة أخذها كذلك البيجوري كما هي كما في حركة الإصبع مع حركة الخاتم، يعني رجل في أصبعه خاتم تحرك أصبعه تحرك الخاتم أو لا؟ قالوا: هذا مثله، يعني لا قدرة له البتة. أنت مثل الخاتم كما يتحرك الإصبع والخاتم يتحرك بحركة الإصبع ولا تأثير للخاتم هذا مثله، وعلى هذا فالعلم بالدليل مخلوق للشخص - هذا على مذهبه - ويتولد عنه العلم بالنتيجة وهذا مبني على مذهبهم الفاسد أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية. [وهذا القول للمعتزلة وهو باطل لقيام البرهان على أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال] رد الباطل بباطل، لا تأثير للعبد يعني جبرية، هذا لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال .. ،
لا، لهم تأثير والله عز وجل جعل له كسبًا هذا تعبيري، جعل له قدرة وإرادة {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، [التكوير: 29] فأثبت لهم مشيئة، إذًا لماذا ننفي هذا؟ على كل رد على المعتزلة بالجبرية [أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال الاختيارية]، والصحيح أنه له تأثير بتأثير الله تعالى، له قدرة على الفعل ولكنها قدرة تابعة لقدرة الله تعالى، يعني لا يستقل بفعل شيء البتة، حينئذ نقول: له إرادة وله مشيئة وله قدرة كذلك وهي تابعة لمشيئة الله وقدرة الله [تعالى (أَوْ) بمعنى الواو: أي والرابع أن الارتباط بينهما] بين العلمين أو الظنين النتيجة والمقدمة [(وَاجِبٌ) بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة]، واجب يعني بالنظر إلى العلة والمعلول، والعلة والمعلول كما مر معنا لا أدري أين أنها قد تكون عقلية، بمعنى أنها تؤثر، هذا في أول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] في شرح كتاب التوحيد أن العلة قد تكون مؤثرة بنفسها إذا كانت واجبة هذا هو الذي أولى، فإذا وجد العلم أو الظن بالمقدمتين حينئذ لزم منه وجود النتيجة لأن أحدهما علة والآخر معلول، ولذلك قال:[واجب] يعني [بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة] نتيجة معلولة، فإذا وجدت العلة وجد المعلول، [وهذا للفلاسفة، وهو باطل لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة وأنه تعالى هو الفاعل المختار] لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة، إن كان المراد تأثيرها أي نفي التأثير بنفسها مطلقًا استقلالاً فنعم، وإن كان لا، أنها تؤثر لكنها بتأثير الله عز وجل بأن جعل في الماء مثلاً قدرة على الرِّي أو في الخبز على الشبع ونحو ذلك فهذا لا إشكال فيه هذا مسلم به عند أهل السنة والجماعة وأنه تعالى هو الفاعل
…
[(وَالأَوَّلُ) من هذه الأقوال هو (المُؤَيَّدُ) القوي لعدم ورود شيء عليه]، لكن لا بالتعليل الذي ذكره، ويمكن أن يضم إليه الثاني يعني يكون فيه شيء من التخلف لكن لا على الإطلاق.
- - -
خَاتِمَةٌ
وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا
…
فِي مَادَةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا
فِي اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ اوْ كَجَعْلِ ذَا
…
تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيفِ مَأْخَذَا
وَفِي المَعَانِي لِالتِبَاسِ الكَاذِبَهْ
…
بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ
(وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا) أي في أي مكان وجد، فهو إما (فِي مَادَةٍ) بتخفيف الدال للضرورة وهي كل من مقدمتيه، (أَوْ) في (صُورَةٍ) أي هيئة المقدمتين (فَالمُبْتَدَا) أي الأول منهما وهو خطأ المادة، إما (فِي اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) مثل قولك: هذا قرء – وتريد الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وتريد الطهر - فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة، (اوْ كَجَعْلِ ذَا) بالألف. قال المؤلف: على لغة القصر في الأسماء الستة (تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيفِ) له (مَأْخَذَا) أي من جهة المأخذ كقولك: هذا صارم - مشيرًا إلى سيف غير قاطع - وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم، لأن السيف ما كان على الهيئة المخصوصة قاطعًا أو لا، والصارم هو السيف بقيد القطع فكانت النتيجة كاذبة لأن الصارم في الصغرى أريد به غير القاطع، فلم يصح حمل السيف عليه في الكبرى، بل هو محمول على الصارم الذي هو القاطع من جنس السيف فلم يتكرر الحد الوسط. (وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي لِـ) أجل (التِبَاسِ) القضية (الكَاذِبَهْ بِـ) قضية (ذَاتِ صِدْقٍ). وقوله:(فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) تكملة للبيت.
ــ - الشرح - ــ
[(خَاتِمَةٌ) في بيان خطأ البرهان](خَاتِمَةٌ) وهو ما يختم به الشيء [في بيان خطأ البرهان [، (خَاتِمَةٌ) وهو ما يُختم به الشيء قال: [في بيان خطأ البرهان] هذا زيادة من الشارح [(خَاتِمَةٌ) في بيان خطأ البرهان]، والمقصود هنا القياس، وإنما خص البرهان دون غيره بالذكر لأنه المقصود الأهم عندهم، لأنه هو الذي يفيد اليقين وما عداه لا يفيد اليقين، وهنا يمكن إجمال الكلام بأن كل ما تخلف فيه حقيقة القياس أو الشروط الإنتاج في الأشكال فهو خطأ، وهذا الفصل يمكن أن يستغنى عنه بما مضى، وإنما يذكرونه من باب التنبيه فقط، وإلا ما مضى من القياس وجود الحد الأصغر والأكبر، واندراج الأصغر في الأوسط، النتيجة إذا كانت ضرورية المقدمات النظرية، كذلك الشكل الأول وضبطه، الشكل الثاني، شرط الإنتاج كل ما تخلف فهو خطأ، كل ما تخلف في الشروط السابقة فهو خطأ، وإنما أراد أن ينص على بعضها
وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا
…
فِي مَادَةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا
(فِي اللَّفْظِ) ثم قال: (وَفِي المَعَانِي)
قسم الخطأ إلى قسمين: الخطأ في البرهان أي في القياس ينقسم إلى قسمين:
خطأ في المادة.
وخطأ في الصورة.
في المادة يعني مجموع المقدمتين، وهذا قسمه إلى قسمين:
باعتبار اللفظ
وباعتبار المعنى
والخطأ في الصورة المراد بالصورة النظم والهيئة.
إذًا الخطأ قسمان:
الخطأ في المادة.
وخطأ في الصورة.
والخطأ في المادة قسمان:
خطأ في اللفظ.
وخطأ في المعنى.
(وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا) حيث للإطلاق، (وُجِدَا) أي الخطأ نائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الخطأ والألف للإطلاق، أي في [أي مكان وجد]، لو قال: أي في أي تركيب وجد لكان أولى، [فهو] أي الخطأ [إما (فِي مَادَةٍ)] أصلها مادَّة بالتشديد [بتخفيف الدال للضرورة وهي كل من مقدمتيه]، إذًا المراد بالمادة المقدمتان (أَوْ) يكون الخطأ في [(صُورَةٍ) أي هيئة المقدمتين (فَالمُبْتَدَا)] الفاء فاء الفصيحة والمبتدأ
…
[أي الأول منهما وهو خطأ المادة] نوعان، [إما] خطأ (فِي اللَّفْظِ) وإما خطأ في المعنى، إما في اللفظ وله أمثلة قال:(كَاشْتِرَاكٍ) يعني سبب الخطأ وقوع الاشتراك في ألفاظ المقدمتين، يعني يقع لفظ مشترك دون بيان فحينئذ يحصل إلباس ويحصل الخطأ، في اللفظ (كَاشْتِرَاكٍ) يعني يكون سبب الخطأ هو الاشتراك، وعرفنا أن اللفظ المشترك المراد بالاشتراك اللفظي هنا: ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه. تعدد المعنى والوضع، مثل ماذا؟ يعني خطؤهم في اللفظ بالاشتراك [مثل قولك: هذا قرء]، ## 1.05.09هذا ما بين قال: هذا قرء. هذا لفظ مشترك القرء يطلق على ماذا؟ على الطهر وعلى الحيض، ثم قال:[وكل قرء يجوز الوطء فيه. وتريد الطهر فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة]، إذًا هذا قرء - وتريد الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وتريد الطهر - هل صحت النتيجة؟ لا، لم تصح لماذا؟ لأن الأول مشترك مراد به معنى، والثاني مشترك مراد به معنى نقيض الأول، حينئذ كيف يدخل الحد الصغر تحت الوسط أو الأوسط كيف يتكرر؟ لا يتكرر، فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة لأنه هذا قرء تريد به الحيض، وكل قرء يجوز الوطء فيه حينئذ تقول: هذا يجوز الوطء فيه، وهذا باطل. (اوْ) النوع الثاني:
…
(كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيفِ مَأْخَذَا) الرديف يجوز أخذ الرديف في المقدمتين، الرديف ما هو المترادفان؟ اتحد اللفظ والمعنى؟ اللفظ لا، اختلف اللفظ واتحد المعنى، اختلف اللفظ بشر وإنسان اللفظ مختلفان والمعنى المصدر واحد، هل يجوز أخذ الرديف في القياس المقدمتين؟ الجواب: نعم، زيد إنسان، وكل بشر حيوان، يُنتج زيد حيوان، إذا عامل المتباين معاملة الرديف واشتبه عليه حينئذ يصير ماذا؟ يلتبس وتكون النتيجة كاذبة لماذا؟ لأنه التبس عليه. قال هنا: [(اوْ كَجَعْلِ ذَا) بالألف.
قال المؤلف] في شرحه الأخضري: [على لغة القصر في الأسماء الستة] ذا بمعنى صاحب (اوْ كَجَعْلِ ذَا) يعني كجعل صاحب [(تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر مثل الرديف له (مَأْخَذَا) أي من جهة المأخذ]، (مَأْخَذَا) أي في المقدمتين، [كقولك: هذا صارم - مشيرًا إلى سيف غير قاطع - وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم، لأن] الصارم هو الذي يقطع، يعني خاص بما يقطع، والسيف يعم القاطع وغيره، فحينئذ الصارم مشيرا إلى سيف غير قاطع هذا خطأ أصلاً، لماذا؟ لأنه أطلق اللفظ على غير مسمى لأن الصارم خاص بالقاطع، والسيف يعم القاطع وغيره، هذا صارم مشيرًا إلى سيف غير قاطع، وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم إذ بينهما تباين جزئي، [لأن السيف ما كان على الهيئة المخصوصة قاطعًا أو لا، والصارم هو السيف بقيد القطع فكانت النتيجة كاذبة لأن الصارم في الصغرى أريد به غير القاطع، فلم يصح حمل السيف عليه في الكبرى، بل هو محمول على الصارم الذي هو القاطع من جنس السيف فلم يتكرر الحد الوسط]. إذًا عامل التباين أو المتباينين معاملة الرديف فقد أخطأ، [أو جعل] أو كجعل ذا صاحب تباين مع آخر مثل الرديف مأخذا [(وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي)].
وَفِي المَعَانِي لِالتِبَاسِ الكَاذِبَهْ
…
بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ
يعني [(وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي) لأجل (لِالتِبَاسِ)] أي اشتباه [القضية الكاذبة بقضية ذات صدق]. يعني شبيهة بالحق وليست به، يعني مر معنا أنه لا تؤخذ القضية الكاذبة في المقدمتين قد يشتبه عليه فيظنها صادقة وهي كاذبة، إما لشبهة عنده وإما لأمر آخر، فحينئذ تكون النتيجة كاذبة لوقوع الاشتباه، [وقوله]: وقول (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) أي المخاطب [تكملة للبيت].
- - -
كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي
…
أَوْ نَاتِجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ
وَالحُكْمُ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ
…
وَجَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ
(كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي) بإسكان الياء للضرورة (كَالذَّاتِي) كقولنا: الجالس في السفينة متحرك، وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد، فإحدى المقدمتين كاذبة إن أريد بالمتحرك فيها معنى واحد، وإن أريد بالمتحرك في الأولى المتحرك بالعرض وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة. (أَوْ) كجعل (نَاتِج إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أي جعل النتيجة عين إحدى المقدمتين كقولنا: هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، (وَ) من الخطأ في المعنى (الحُكْمُ لِلْجِنْسِ) أي عليه
…
(بِحُكْمِ النَّوْعِ) كقولنا: كل فرس حيوان، وكل حيوان ناطق، فكل فرس ناطق، وهو كذب، ويُسمى مثله إيهام العكس لأنه لما رأى أن كل ناطق حيوان، توهم أن كل حيوان ناطق، وليس كذلك، فجاء الخطأ
…
(وَ) من الخطأ في المعاني (جَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي) بالجر بإضافة جعل وفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور الذي هو مفعول ثاني للمصدر، أي وجعل غير القطعي مثل القطعي كهذا ميت، وكل ميت جماد.
…
(وَالثَّانِ) حذفت منه الياء تخفيفًا وهو خطأ الصورة: أي هيئة المقدمتين (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال القياس الأربعة نحو: كل إنسان حيوان، وكل فرس جسم. فهذا خطأ في هيئة المقدمتين لعدم تكرر الوسط فيهما، والقياس الاقتراني لا بد فيه من مكرر، (وَ) كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ) الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ) أي إكمال خطأ الصورة مثل كون الصغرى في الشكل الأول سالبة، أو الكبرى فيه جزئية نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل فرس جسم، ونحو: كل إنسان حيوان، وبعض الحيوان صاهل، وفي التعبير بالإكمال حسن اختتام، وهو أن يذكر شيئًا يُشعر بالإتمام وانقضاء المقصود.
ــ - الشرح - ــ
مثَّلَ للخطأ في المعنى بقوله: (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي)، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة هذا مثال لالتباس الكاذبة (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي) [(العَرَضِي) بإسكان الياء للضرورة (كَالذَّاتِي) كقولنا]: المراد بالعرضي هنا ما ثبت للشيء بواسطة غيره كما في المتحرك بحركة السفينة، رجل جالس في السفينة هو جالس لكنه متحرك بذاته أو بواسطة؟ بواسطة لأنه هو جالس، والذاتي ما ثبت للشيء من غير واسطة كالمتحرك الماشي بنفسه. هنا قال:[الجالس في السفينة متحرك] وتريد ماذا؟ المتحرك بالعرض، [وكل متحرك] يعني بالمعنى العرضي [لا يثبت في مكان واحد] غلط ثبت عليه، لما ظن أن الأول الجالس في السفينة متحرك هذا بالعرض يعني لا بنفسه لا بذاته، [وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد فإحدى المقدمتين كاذبة] التي هي الثانية، لأن المتحرك في السفينة هو باق في محله لا يتغير. إذًا قوله: كل متحرك لا يثبت في مكان واحد غلط هذا، فإحدى المقدمتين كاذبة [إن أريد بالمتحرك فيها] معنى واحد، فقال: فيهما إن أريد بالمتحرك فيهما [معنى واحد] يعني في الأول وفي الثاني، [وإن أريد بالمتحرك في الأولى المتحرك بالعرض وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين لكن] لا تُنتج لماذا؟ [لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة]. إذًا سواء أراد بالمتحرك العرضي أو الذاتي نقول: هذا لا يُنتج [(أَوْ) كجعل][ناتج إحدى ال] أو كجعل ناتج أي نتيجة [(إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أي جعل النتيجة عين إحدى المقدمتين] قولنا: لا تكن إحدى المق #
…
الاقتراني، وإنما تكون متفرقة في المقدمتين، وإذا جعل النتيجة هي عين إحدى المقدمتين، حينئذ أخطأ وقع الخطأ في المعنى [كقولنا: هذه نقلة، وكل نقلة حركة فهذه حركة]، هنا أخطأ فهذه حركة لأن هذه نقلة وهذه حركة هي بمعنى واحد، [فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، (وَ) من الخطأ في المعنى (الحُكْمُ لِلْجِنْسِ)] بحكم النوع، للجنس يعني على الجنس اللام بمعنى على أي عليه [(بِحُكْمِ النَّوْعِ) كقولنا: كل فرس حيوان]، صحيح، [وكل حيوان ناطق] أخطأ هنا، حكم بالناطق على الجنس، وهذا يحكم به على النوع الذي هو الإنسان، لا على الجنس وقع الخطأ، [وكل فرس ناطق] هذه النتيجة وهذا كذب، [وهو كذب، ويسمى مثله إيهام العكس لأنه لما رأى أن كل ناطق حيوان، توهم أن كل حيوان ناطق، وليس كذلك، فجاء الخطأ (وَ) من الخطأ في المعاني (جَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي)] هنا فيه تقديم وتأخير، وجعل غير القطعي كالقطعي، فصل بينهما، [بالجر] غير بالجر [بإضافة جعل، وفصل نعم](1)[بالجر بإضافة جعل وفصل بين المتضايفين] أين المتضايفان؟ جعل غير القطع فصل بينهما بماذا؟ بقوله (كَالقَطْعِيِّ) واضح؟ [وفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور الذي هو مفعول ثاني للمصدر] جعل، والتركيب جعل غير القطع كالقطع، جعل هذا مصدر، وهو ينصب مفعولين المفعول الأول غير القطعي، المفعول الثاني كالقطعي إذًا فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني وهذا جائز، [أي وجعل غير القطعي مثل القطعي] كقولهم [كهذا ميت، وكل ميت جماد]. ينتج هذا جماد هذا غلط.
(1) سبق.
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ
(وَالثَّانِ) ما هو؟ الصورة أحسنت [(وَالثَّانِ) حذفت منه الياء تخفيفًا وهو خطأ الصورة: أي هيئة المقدمتين (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال القياس الأربعة السابقة نحو: كل إنسان حيوان، وكل فرس جسم. فهذا خطأ في هيئة المقدمتين لعدم تكرر الوسط فيهما]، ومر معنا ضوابط الأشكال أربعة وشروط الإنتاج، [والقياس الاقتران لا بد فيه من مكرر]، وهنا لم يوجد مكرر إذًا وقع خطأ في الهيئة وترك شرط الناتج
…
[(وَ) كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ)] يعني [الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ)] يعني عدم مراعاة شروط الإنتاج لكل شكل السابقة
فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ
…
وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ
مَا وَفَّى الشرطين، لا بد أن يقع الخطأ في القياس، نعم [كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ) الإنتاج الذي هو [(مِنْ إِكْمَالِهِ) أي إكمال خطأ الصورة]، مثل ماذا؟ [كون الصغرى في الشكل الأول سالبة] هذا خطأ، لأنه لا بد أن تكون موجبة، فشرطه الإيجاب في صغراه إذًا إذا كانت سالبة فهذا خطأ، [أو الكبرى فيه جزئية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ)] هنا اخطأ أتى بها جزئية [نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل فرس جسم، ونحو: كل إنسان حيوان، وبعض الحيوان صاهل]، نقول: هذا لكونه ترك شرط الإنتاج، فحينئذ بطل القياس، [وفي التعبير بالإكمال حسن اختتام، وهو أن يذكر شيئًا يُشعر بالإتمام وانقضاء المقصود]. والرجل بياني، إذًا:
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ
(مِنْ إِكْمَالِهِ) هذا فيه إشعار بالإتمام.
- - -
هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ
…
مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ
قَدِ انْتَهَى بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ
…
مَا رُمْتُهُ مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ
(هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ) صفة كاشفة أي هذا آخر التأليف الذي قصدناه، (مِنْ) بيانية أو تبعيضية، (أُمَّهَاتِ) أي قواعد (المَنْطِقِ المَحْمُودِ) أي الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة. (قَدِ انْتَهَى) ملتبسًا (بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ) أي الصبح، (مَا رُمْتُهُ) أي الذي قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ) إضافة العلم إلى المنطق من إضافة المسمى إلى الاسم، وهذا البيت لوالد المصنف أمره بإدخاله فأدخله رجاء بركته.
ــ - الشرح - ــ
هذا ختام ما ذكره في هذا النظم، (هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ) المقصود [صفة كاشفة أي هذا آخر التأليف الذي قصدناه](مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ)، (مِنْ) هذه تبعيض يعني بعض أمهات المنطق، أو بيانية لكن الظاهر أنها تبعيضية، لأنه لم يذكر كل القواعد إنما ذكر شيئًا منها، [(مِنْ) بيانية أو تبعيضية، (أُمَّهَاتِ) أي قواعد]، والأصل يقول: أمات،
…
[(المَنْطِقِ المَحْمُودِ) أي الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة]. إذًا ما نظمه في هذا النظم إنما أراد به النوع الأول الذي هو خال عن شبه الفلاسفة، بعضهم يرى أنه لا فرق بين النوعين، وهذا يطالب بالإثبات، يعني من يقول بأنه لا فرق بينه - وهذه دعوى - دعاها أرباب المنطق نقول: هذا ((السلم)) بين يديك وهذا ((إيساغوجي)) بين يديك، وهذا ((مختصر السنوسية)) بين يديك فأت بما هو من عقيدة الفلاسفة ونحوهم. [(قَدِ انْتَهَى) ملتبسًا (بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ) أي الصبح، (مَا رُمْتُهُ) أي] الذي [قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ) إضافة العلم إلى المنطق من إضافة المسمى إلى الاسم] لأن المنطق عَلَم، والْعِلْم هو المسمى، مسمى إلى الاسم، [وهذا البيت لوالد المصنف أمره بإدخاله فأدخله رجاء بركته]، يعني رآه في النوم فأخبره أنه قد نظم قال له:
قَدِ انْتَهَى بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ
…
مَا رُمْتُهُ مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ
- - -
نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ
…
لِرَحْمَةِ المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ
الأَخْضَرِيُّ عَابِدُ الرَّحْمَنِ
…
المُرْتَجِي مِنْ رَبِّهِ المَنَّانِ
مَغْفِرَةً تُحِيطُ بِالذُّنُوبِ
…
وَتَكْشِفُ الغِطَا عَنِ القُلُوبِ
وَأَنْ يُثِيبَنَا بِجَنَّةِ العُلَا
…
فَإِنَّهُ أَكْرَمُ مِنْ تَفَضَّلَا
(نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ) أبلغ من الفقير، (لِرَحْمَةِ) أي إنعام
…
(المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ) أي التام القدرة فهو أبلغ من القادر، (الأَخْضَرِيُّ) قال المؤلف في شرحه هو تعريف لنسبنا بناءً على ما اشتهر في ألسنة الناس وليس كذلك، بل المتواتر من أسلافنا، وأسلافهم أن نسبنا للعباس بن مرداس (عَابِدُ الرَّحْمَنِ) إشارة إلى أن اسم المصنف عبد الرحمن (الْمُرْتَجِي) أي المؤمل (مِنْ رَبِّهِ) أي مالكه ومربيه (المَنَّانِ) أي المنعم بجميع النعم أو المعدد للنعم، وأما النهي عن المنة فللمخلوق، وأما الخالق فيفعل ما يشاء (مَغْفِرَةً) من الغفر وهو الستر، والمراد هنا عدم المؤاخذة (تُحِيْطُ) تلك المغفرة (بِالذُّنُوبِ) جميعًا، فإن الله رب كريم لا يخيب قاصده. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر: 53] (وَتَكْشِفُ) تلك المغفرة (الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي تزيل حُجُبَ رَيْنِ الذنوب المحدقة بأنوار القلوب الحائلة بينها وبين علام الغيوب. (وَأَنْ يُثِيْبَنَا) أي يجازينا (بِجَنَّةِ العُلا) أي بدخولها مع السابقين (فَإِنَّهُ) سبحانه وتعالى (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا). أنعم، وإنعامه تعالى على العباد تفضلاً منه لا وجوبًا عليه.
ــ - الشرح - ــ
[(نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ) أبلغ من الفقير]، المفتقر المفتعل،
…
(لِرَحْمَةِ المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ)، [(لِرَحْمَةِ) أي إنعام] هذا تحريف بل يسمونه تأويل (لِرَحْمَةِ)، [(المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ) أي التام القدرة فهو أبلغ من القادر، (الأَخْضَرِيُّ) قال المؤلف في شرحه هو تعريف لنسبنا بناءً على ما اشتهر في ألسنة الناس وليس كذلك، بل المتواتر من أسلافنا، وأسلافهم أن نسبنا للعباس بن مرداس (عَابِدُ الرَّحْمَنِ) إشارة إلى أن اسم المصنف عبد الرحمن (الْمُرْتَجِي) أي المؤمل (مِنْ رَبِّهِ) أي مالكه ومربيه (المَنَّانِ) أي المنعم بجميع النعم أو المعدد للنعم، وأما النهي عن المنة فللمخلوق، وأما الخالق فيفعل ما يشاء (مَغْفِرَةً) من الغفر وهو الستر، والمراد هنا عدم المؤاخذة (تُحِيْطُ) تلك المغفرة (بِالذُّنُوبِ) يعني جميعًا، فإن الله رب كريم لا يخيب قاصده. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (وَتَكْشِفُ) تلك المغفرة (الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي تزيل حُجُبَ رَيْنِ الذنوب المحدقة بأنوار القلوب الحائلة بينها وبين علام الغيوب]، وهو كذلك أن الذنوب حاجز وفاصل بين العبد وربه. [(وَأَنْ يُثِيْبَنَا) أي يجازينا (بِجَنَّةِ العُلَىْ) أي بدخولها مع السابقين فإنه سبحانه وتعالى (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا)]. أي [أنعم وإنعامه تعالى على العباد تفضلاً منه لا وجوبًا عليه]، خلافًا للمعتزلة.
- - -
وَكُنْ أَخِي لِلمُبْتَدِي مُسَامِحَا
…
وَكُنْ لِإِصْلَاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا
وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ
…
وَإِنْ بَدِيهَةً فَلَا تُبَدِّلِ
إِذْ قِيلَ كَمْ مُزَيِّفٍ صَحِيحَا
…
لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا
وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي
…
العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي
وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ
…
مَعْذِرَةٌ مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ
(وَكُنْ) المراد بها الناظر في هذا الكتاب (أَخِيْ) ناداه بالإخوة استعطافًا له ليخفف الاعتراض واللوم ويلتمس له المعذرة (لِلمُبْتَدِي) هو الآخذ في التعليم (مُسَامِحَا) أي كن مسامحًا للمبتدي غير معترض عليه، بل التمس له المعذرة أو أصلح ما ينبغي إصلاحه بأن تلحق بهامشه في الحال التي تُوهِم الخطأ فيها كقولك: لعل المراد كذا. إذ ربما يكون ما جعلته صوابًا هو الخطأ، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة، هذا تواضع من المصنف حيث وصف نفسه بكونه مبتدئًا ولم يأمن من وقوع الخطأ،
…
(وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى الباء أو في (الفَسَادِ) الذي يظهر لك
…
(نَاصِحَا) لا تأت بعبارات فيها سوء أدب، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) هذا إذن من المصنف لمن رأى خللاً أن يصلحه بعد التأمل، وإمعان النظر لمن يكون أهلاً لذلك (وَإِنْ بَدِيهَةً) أي وإن كان الإصلاح ذا بداهة ببادئ الرأي (فَلَا تُبَدِّلِ) ولا تأت بما يدل على أن الصواب خلاف ما ذكر، (إِذْ قِيلَ) لأنه قيل (كَمْ) خبرية مبتدأ مضافة إلى (مُزَيِّفٍ) قولاً (صَحِيْحًا) أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا (لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا) علة لمزيف وخبر (كَمْ) محذوف أي موجود وهذا إشارة إلى قول الشاعر:
وكم من عائب قولاً صحيحًا
…
وآفته من الفهم السقيم
(وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي) بلا مين، (العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي)، (وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ ** مَعْذِرَةٌ) أي عذر (مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ) لكون هذا السن يقل فهم من فيه العلم، (لَاسِيَّمَا) أي مثل الشخص الذي هو (فِي عَاشِرِ القُرُونِ)، وفي القرون أقوال أشهرها أنها مائة سنة، فهذا القرن ينبغي أن يُعذر فيه الشخص أكثر مما كان قبله،
…
(ذِي الجَهْلِ) وهو انتفاء العلم بالمقصود أي صاحب الجهل لكثرة جهله بسبب تأخر الزمان وتتابع الفتن التي لم تكن في العصر الخالية (وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ) جمع فتنة.
ــ - الشرح - ــ
[(وَكُنْ) المراد بها الناظر] أنت أيها الناظر [في هذا الكتاب (أَخِيْ) ناداه بالإخوة استعطافًا ليخفف الاعتراض واللوم ويلتمس له المعذرة
…
(لِلمُبْتَدِي) هو الآخذ في التعليم (مُسَامِحَا) أي كن مسامحًا للمبتدي غير معترض عليه، بل التمس له المعذرة أو أصلح ما ينبغي إصلاحه بأن تلحق بهامشه في الحال التي تُوهِم القطع فيها] أو تُوُهِّم القطع فيها [كقولك لعل المراد كذا، إذ ربما يكون ما جعلته صوابًا هو الخطأ، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة، هذا تواضع من المصنف حيث وصف نفسه بكونه مبتدئًا ولم يأمن من وقوع الخطأ]، وأمر من وقف على خطأ أن يصلحه لكن بأدب .. [(وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى الباء أو في]، بإصلاح أو لإصلاح [(الفَسَادِ) الذي يظهر لك (نَاصِحَا) لا تأت بعبارات فيها سوء أدب (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) هذا إذن من المصنف] لأهل العلم [لمن رأى خللاً أن يصلحه بعد التأمل، وإمعان النظر لمن يكون أهلاً لذلك (وَإِنْ بَدِيهَةً)]، [(فَلَا تُبَدِّلِ). أي وإن كان الإصلاح ذا بداهة ببادئ الرأي (فَلَا تُبَدِّلِ)] لا تغير، بل لا بد من التأني والنظر، فإن ظهر حينئذ أبدله، [ولا تأت بما يدل على أن الصواب خلاف ما ذكر، (إِذْ قِيلَ) لأنه قيل (كَمْ)] هذه [خبرية مبتدأ مضافة إلى (مُزَيِّفٍ) قولاً (صَحِيْحًا). أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا (لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا) علة لمزيف وخبر كم محذوف أي موجود وهذا إشارة إلى قول الشاعر:
وكم من عائب قولاً صحيحًا
…
وآفته من الفهم السقيم
(وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي) بل لامني، (العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي)، (وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ مَعْذِرَةٌ) أي عذر (مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ) لكون هذا السن يقل فهم من فيه العلم] يعني نظمه وهو صغير، [(لَاسِيَّمَا) أي مثل الشخص الذي هو (فِي عَاشِرِ القُرُونِ) وفي القرون أقوال أشهرها أنها مائة سنة، فهذا القرن ينبغي أن يُعذر فيه الشخص أكثر مما كان قبله، (ذِي الجَهْلِ) وهو انتفاء العلم بالمقصود أي صاحب الجهل لكثرة جهل أهله بسبب تأخر الزمان وتتابع الفتن التي لم تكن في العصر الخالية (وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ) جمع فتنة.
- - -
وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ
…
تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ المُنَظَّمِ
مِنْ سَنَةٍ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ
…
مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المِئِينَ
ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَرْمَدَا
…
عَلَى رَسُولِ اللهِ خَيْرِ مَنْ هَدَى
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الثِّقَاتِ
…
السَّالِكِينَ سُبُلَ النَّجَاةِ
مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا
…
وَطَلَعَ البَدْرُ المُنِيرُ فِي الدُّجَى
وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ
…
تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ ...........
الذي هو وزن مستفعلن ست مرات (المُنَظَّمِ مِنْ سَنَةِ) بالتنوين للوزن (
…
إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ ** مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) من الهجرة النبوية،
…
(ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) تقدم معناهما، (سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) صلى الله عليه وسلم (خَيْرِ مَنْ هَدَى) أي دَلَّ الخلق على طريق الحق (وَآلِهِ وَصَحْبِهِ) تقدم معناهما، أيضًا (الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره والصحابة كلهم عدول (السَّالِكِيْنَ سُبُلَ) أي طرق (النَّجَاةِ) التي هي سبب لنجاة سالكها، وهي طريق النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته التي لا يزيغ عنها إلا هالك (مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ) أي مدة قطع شمس النهار،
…
(أَبْرُجَا) وهو جمع قلة أريد منه الكثرة، لأن البروج التي في السماء اثنا عشر برجًا الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وتقطع الشمس الفلك في سنة، وتقطع كل يوم درجة، وتقيم في كل برج ثلاثين يومًا (وَ) ما
…
(طَلَعَ البَدْرُ) أي مدة طلوع البدر أي القمر (المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى) ويقطع الفلك في كل شهر ويقيم في كل برج ليلتين وثلثًا، فسبحان مكون الأكوان. والحمد لله رب العالمين.
ــ - الشرح - ــ
وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ
…
تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ ...........
[الذي هو وزن مستفعلن ست مرات (المُنَظَّمِ)] تأليف هذا الرجز [(المُنَظَّمِ مِنْ سَنَةِ) بالتنوين للوزن (
…
إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ ** مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) من الهجرة النبوية، (ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) تقدم معناهما،
…
(سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) صلى الله عليه وسلم (خَيْرِ مَنْ هَدَى) أي دَلَّ الخلق على طريق الحق (وَآلِهِ وَصَحْبِهِ) تقدم معناهما، أيضًا (الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره والصحابة كلهم عدول (السَّالِكِيْنَ سُبُلَ) أي طرق (النَّجَاةِ) التي هي سبب لنجاة سالكها، وهي طريق النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته التي لا يزيغ عنها إلا هالك (مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ) أي مدة قطع شمس النهار]، فما هنا مصدرية ظرفية
…
[(أَبْرُجَا) وهو جمع قلة أريد منه الكثرة لأن البروج التي في السماء اثنا عشر برجًا الحمل والثور والجوزاء والسرطان والسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وتقطع الشمس الفلك في سنة، وتقطع كل يوم درجة، وتقيم في كل برج ثلاثين يومًا (وما طَلَعَ البَدْرُ)، أي مدة طلوع البدر أي القمر (المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى)] جمع دجية وهي الظلمة [ويقطع الفلك في كل شهر ويقيم في كل برج ليلتين وثلثًا، فسبحان مكون الأكوان. والحمد لله رب العالمين].
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- - -