الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* تتمة شرح المقدمة.
* فصل في جواز الاشتغال.
وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ
…
نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا
…
وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
(فَالمَنْطِقُ) أي: العلم المخصوص، وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي، والقوة التي هي محل صدور الإدراك، وللتلفظ الذي يبرز ذلك، لأن بذلك العلم يصيب الإدراك وتتقوى القوة العاقلة وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به، ثم صار حقيقة عرفية في العلم المخصوص (لِلْجَنَانِ) أي القلب بمعنى اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني تعلق العرض بالجوهر (نِسْبَتُهُ) أي المنطق (كَـ) نسبة النَّحْوِ لِلِّسَانِ، فالمنطق نسبته للعقل كنسبة النحو للسان في أن كلاً منهما يعصم ما يتعلق به، فالمنطق يعصم العقل عن الخطأ في فكره كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله:(فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ) أي يحفظها، وتقدم أن الفكر هو النظر. وهذا إشارة إلى تعريف المنطق بأنه علم يعصم، أي يحفظ الأنظار (عَنْ) وقوع (غَيِّ الخَطَا) أي ضلاله، والخطأ ضد الصواب، وإضافة الغي إلى الخطأ من إضافة العام للخاص) فإن الضلال قد يكون عن عمد، وقد يكون عن خطأ، وهذا العلم تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر أي: النظر لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي: الفهم الدقيق (يَكْشِفُ) ذلك العلم (الغِطَا) أي الستر، شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح.
ــ - الشرح - ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ
…
نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا
…
وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
وقفنا عند قوله: (وَبَعْدُ). وعرفنا أن هذا اللفظ ظرف مبهم يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، ومرادهم بالأسلوب من المقدمة إلى المقصود، وذكر في الحاشية قال: هو هنا من نوع الثناء ونحوه إلى نوع ذكر السبب الحامل على تأليف الأرجوزة. وهو كذلك يعتبر من أسلوب إلى أسلوب آخر، لأن الكتاب مقسم من مقدمة ومقصود، والمقصود هذا قد يكون مقصودًا لذاته وقد يكون مقصودًا لغيره، فالانتقال بين هذه المراحل إنما يكون بهذا اللفظ وهو بعد، وليس مرادهم أن الانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، من أسلوب التأكيد، من أسلوب الذم ونحو ذلك ما فهمه البعض وليس الأمر كذلك.
(فَالمَنْطِقُ) أي العلم. الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، وعرفنا أن بعد هذه في الأصل أنها متعلقة بالجزاء كما قال الشارح هنا، والمسألة فيها خلاف لذلك قال على الصحيح (فَالمَنْطِقُ). قال:[(فَالمَنْطِقُ) أي العلم المخصوص]. صار هذا اللفظ علمًا إذا أطلق انصرف إلى مفهوم خاص، كما تقول: زيد. هذا لفظ إذا أطلق عَيَّنَ مسماه، هذا هو شأن العلم.
اسم يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا
…
عَلَمُهُ كَجَعفرِ وَخِرْنِقَا
فالمنطق المراد به العلم المخصوص، ولذلك جاء بأي التفسيرية، لأنه يحتمل أن يكون المراد به المعنى اللغوي، ويحتمل أن يكون المراد به المعنى الاصطلاحي، وأراد به المصنف هنا الناظم المعنى الاصطلاحي، ولذلك قال:[أي العلم المخصوص، وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي والقوة التي هي محل صدور الإدراك، وللتلفظ الذي يبرز ذلك]. يعني أن المنطق قبل نقله وجعله علمًا للعلم المخصوص يطلق في لسان العرب ويراد به واحد من ثلاثة أمور يطلق ويراد به الإدراك الكلي، والإدراك مصدر أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا، والمراد به وصول النفس إلى المعنى بتمامه هذا تعريف الإدراك عند المناطقة وصول النفس، والمراد بالنفس هنا القوة العاقلة التي تدرك المعاني، وهي محلها القلب ولها علاقة بالدماغ، وصول النفس إلى المعنى، يعني: معنى اللفظ. سواء كان اللفظ مفردًا أو كان مركبًا فمعنى زيد ذاته، ومعنى قائم معناه ثابت له وهو القيام، ومعنى زَيْدٌ قَائِمٌ إدراكه في الخارج بأنه واقع أو ليس بواقع، حينئذٍ شمل الإدراك هنا نوعي العلم: التصور، والتصديق، إذًا وصول النفس إلى المعنى، سواء كان المعنى مفردًا أو كان مركبًا، ليشمل نوعي العلم: التصور، والتصديق. بتمامه، يعني: على وجه التمام بمعنى أن لا يبقى شيء في النفس هل هذا صادق على هذا المدلول أو لا؟ فإن كان ثَمَّ تردد في النفس ولم يحمل اللفظ سواء كان مفردًا أو مركبًا على المعنى الذي أطلق عليه في لسان العرب هذا يسمى شعورًا ولا يسمى إدراكًا، ففرق بين الإدراك وبين الشعور، الشُّعور هو وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه، يعني يكون ثَمَّ تردد في النفس، فإن كان على وجه التمام بمعنى أنه أدرك أن زيد مدلوله ذاته المشخصة المشاهدة في الخارج، والقيام المدرك الذي هو مشاهد في الخارج حينئذٍ نقول: هذا يسمى إدراكًا، لأنه وصلت النفس فيه إلى المعنى بتمامه، لم يكن ثَمَّ تردد في إطلاق هذا اللفظ على المعنى المراد، وإن كان ثَمَّ تردد هل زَيْدٌ المراد به ذاته المراد به شيء آخر، اسم لبيت، اسم لأرض، اسم
…
، لم يكن عنده تصور لمعنى زيد حينئذٍ يسمى شعورًا، إذًا يطلق المنطق في الأصل قبل جعله علمًا لهذا الفن على الإدراك، [الكلي] الإدراك الكلي أراد به احترازًا عن الإدراك غير الكلي، يعني: المراد به الإدراك الكثير.
ولأن ثَمَّ بعضًا من الحيوانات قد تدرك بعض ما يدركه الإنسان، ولذلك بعض الحيوانات قد تنطق ببعض الألفاظ ولا تكون ناطقةً، لماذا؟ لأن النطق الذي هو التكلم والتلفظ إنما يراد به على وجه التمام أو الكثير، وأما إذا أطلق الببغاء مثلاً بعض الألفاظ هذا لا يسمى ناطقًا مساويًا للإنسان، لماذا؟ لأن نطقه وتلفظه هنا غيرَ كثير فحينئذٍ لا يعتبر ذلك في حقه نطقًا ولا تلفظًا ولا كلامًا لا يقال بأن الببغاء يتكلم أو غيره من الحيوانات، حينئذٍ الإدراك الكُلِّي المراد به الإدراك الكثير الذي يحصل من الإنسان حينئذٍ لو وقع نوع إدراك من الحيوان هذا لا يسمى ناطقًا أو منطقيًّا لوجود الإدراك، أليس كذلك؟ ولذلك بعض البهائم قد تتعود على بيت من بيوت، الحمار مثلاً إذا أُخِذَ وذُهِبَ به حينئذٍ يعتاد على البيت ويعرف، هذا نوع إدراك هذا يعتبر ماذا؟ نوع إدراك، الحمام إلى قفصه يذهب ويأتي، هذا نوع إدراك، لكنه ليس بالكثير حينئذٍ لا يكون نطقًا ولا يسمى منطقًا عند هذا الصِّنْف.
[وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي]، ومنه ناطق في تعريف الإنسان، أي مدرك إدراكًا كليًّا، أي كثيرًا. وخرج بـ (كليًّا) إدراك غير الإنسان من الحيوان، فلا يسمى منطقًا ونطقًا، وهو على هذا يكون مصدرًا ميمًا، [والقوة] هذا النوع الثاني الذي يطلق عليه المنطق قبل جعله عالمًا على الفن المخصوص، [والقوة التي هي محل صدور الإدراك]، يعني ما يسمى بالقوة العاقلة عندنا إدراك، وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه. أين يوجد؟ يوجد مثلاً في القلب أو في الدماغ أو نحو ذلك، محل صدور هذه القوة العاقلة يسمى منطقًا، إذًا يطلق على الإدراك نفسه ويطلق كذلك على محل صدور الإدراك، إذًا هذا يسمى منطقًا وهذا يسمى منطقًا، لكن إطلاقه على الأول إدراك الكلي يكون مَنْطِقْ مَفْعِلْ مصدرًا ميميًّا، وعلى الثاني يكون اسم مكان، الإطلاق الثالث [وللتلفظ الذي يبرز ذلك] التلفظ، يعني: النطق. والنطق هو الذي يخرج المكنون في الصدور، حينئذٍ يُدرك ويكون إدراكه بالقوة العاقلة ثم يكون شيئًا في النفس لا يصل إلى المخاطب أو إلى الآخر حينئذٍ نقول: التلفظ بذلك الذي هو الإدراك الحاصل بسبب القوة العاقلة نقول: التلفظ بذلك يسمى منطقًا. [وللتلفظ الذي يبرز ذلك]، [يبرز ذلك] أي يظهره. إذًا هذه ثلاثة أنواع للفظ المنطق قبل جعله علمًا للفن.
الأول: الإدراك الكُلِّي.
الثاني: القوة العاقلة. التي عبر عنها بقوله: [محل صدور الإدراك]، وعلى التلفظ، يعني النطق تلفظ، وهذا الفن يلاحظ فيه هذه الأمور الثلاثة:
الإدراك الكلي، والقوة العاقلة، والتلفظ.
حينئذٍ نقل هذا اللفظ إلى العلم المخصوص مراعًا فيه هذه المعاني الثلاثة، إذًا كلها موجودة في فن المنطق عندنا إدراك كُلّي، وعندنا محل صدور ذلك الإدراك، وعندنا لفظ تلفظ، ولذلك سيأتي أبواب تتعلق باللفظ، لماذا؟ لأن اللفظ هو الذي يبرز هذه الإدراكات التي تكون في النفس وإلا ما الذي أدراني أنك أدركت لو لم تخبرني بلفظك بأنك أدركت معنى كذا ما حصل لي الخبر بذلك، لأن الإدراك قد يكون في النفس ويراد به للنفس ولا إشكال، وقد يراد به لغيره من أجل أن تخبر غيرك حينئذٍ نقول هنا لا بد من التلفظ. إذًا يطلق على الإدراك، وعلى القوة العاقلة، وعلى النطق، وهو: التلفظ، وهذا الفن به يكثر الإدراك ويصيب، وبه تتقوى القوة العاقلة وتكمل، وبه تكون القدرة على النطق، فلما كان له ارتباطًا بكل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، ولذلك قال الشارح:[لأن بذلك العلم يصيب الإدراك]. بهذا العلم يصيب الإدراك، لأن الإدراك قد يدخله الخطأ وقد يكون صوابًا، إذًا ليس كل إدراك يكون صوابًا، حينئذٍ الإدراك هذا لما دخله الخطأ إنما يكون صوابه بإقامة هذا العلم، الذي هو المنطق على ما يدعيه، حينئذٍ نقول: الإدراك قد يكون صوابًا، وقد يكون خطأً، إذا كان كذلك ما الذي يُقَوِّمُ هذا الإدراك ويميز صوابه من خطأه؟ هو هذا الفن، ولذلك قال:[لأن بذلك العلم يصيب الإدراك، وتتقوى القوة العاقلة]. لأنه يعلم أنه إذا أراد الوصول إلى التصور المجهول، إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، وإذا أراد التصديق المجهول إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، إذًا ثَمَّ ضوابط، مراعاتها حينئذٍ يتقوى به القوة العاقلة، وتكون عنده ملكة في معرفة وإدراك الأشياء، كما يقال في فن الأصول: إذا أدرك القواعد على وجهها حينئذٍ نقول: صار عنده ملكة يستطيع بها أن يميز الدخيل من غيره، وكذلك هنا [وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو] حينئذ [من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به]، [من تسمية الشيء]، (فهو) أي لفظ المنطق الذي أطلق على العلم الخاص، ما وجه المناسبة بين الفن أو العلم الخاص وهذا اللفظ من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به؟ إذًا تعلق هذا الفن بهذه الثلاث المعاني فلذلك نقل هذا اللفظ المنطق إلى تلك أو ذلك الفن، ثم بعد مراعاة هذه المعاني الثلاث صار حقيقةً عرفية في العلم المخصوص، بمعنى أنه إذا أطلق لفظ المنطق لا يفسر بالإدراك الكلي، ولا يفسر بالقوة العاقلة، ولا يفسر بالنطق، وإنما يفسر بماذا؟ بالعلم الآتي ذكره، وهو: الفن المخصوص. إذًا التسمية أو هذه المعاني الثلاث مراعاة في التسمية، هي سبب للتسمية، لماذا سمي منطقًا؟ تقول: لقوله كذا وكذا وَكذا، لأنه يطلق ويراد به كذا في الأصل، ثم نقل إلى المعنى أو الحقيقة العرفية فصار جامدًا من حيث دلالته على المعاني السابقة، كما هو الشأن في سائر الأعلام التي يراعى فيها المعاني قبل جعلها علمًا، ثم إذا صارت أعلامًا حينئذٍ نقول: جرد ذلك اللفظ عن تلك المعاني التي كانت سابقة قبل الْعَلَمِيَّة. ولذلك قال: [ثم صار حقيقة عرفية].
يعني: في عرف المناطقة واصطلاحهم، العرف هنا بمعنى الاصطلاحي، [في العلم المخصوص] هذا المنطق من حيث ماذا؟ من حيث المعنى اللغوي، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فالمشهور أنه:[علم يبحث فيه عن المعلومات التصورية والتصديقية من حيث إنها توصل إلى مجهول تصوري، أو تصديقي، أو من حيث ما يتوقف عليه ذلك]، حينئذٍ الشروع في الفن لا بد أن يعرف الطالب حقيقة الفن الذي شرع فيه، ما المراد بفن المنطق؟ يبحث في أي شيء؟ أي نوع من أنواع العلوم؟
قالوا: [يَبْحَثُ أو يُبْحَثُ فيه عن المعلومات]. إذًا الكلام في العلم والكلام في المعلوم، العلم هو: الإدراك.
العلم إدراك المعاني مطلقًا
إذًا العلم هو: الإدراك. وهذا المعنى للعلم، وإن اختلفوا في العلم هل يحد أو لا يحد؟ إلى آخر ما يذكره الأصوليون، ولكن معنى العلم في لغة العرب هو: الإدراك. الإِدراك هو: العلم، والعلم هو: الإدراك، واضح؟ حينئذٍ الإدراك هو: العلم، والشيء المدرك هو المعلوم، إذًا فرق بين العلم والمعلوم، الإدراك والمدرك، الإدراك كونك تدرك وتصل نفسك العاقلة إلى المعنى بتمامه، هذا الفعل في نفسك، ولذلك اختلفوا هل هو من مقولة الانفعال أو الفعل؟ إلى آخر ما يذكرونه، حينئذٍ نقول: هذا يكون في النفس، الشيء الذي تعلق به وصار مدركًا يكون معلومًا، إذًا البحث لا في العلم من حيث هو، وإنما في متعلق العلم، والعلم إنما يتعلق بالمفرد أو المركب، ولذلك قال:[المعلومات التصورية والتصديقية]. بمعنى أن العلم نوعان كما سيأتي.
إدراك مفرد تصورًا علم
…
ودرك نسبة بتصديق وسم
حينئذٍ العلم نوعان: علم هو تصور. وعلم هو تصديق، إدراك المفرد على جهة الإجمال من باب التقريب، الكلام في لسان العرب إما أن يكون مفردات، وإما أن يكون جمل جملاً اسمية، أو فعلية، ما كان من قبيل الجمل الاسمية والفعلية إدراكه وفهمه وعقل معناه يسمى تصديقًا، وما عدا ذلك يسمى تصورًا، إذًا العلم الذي هو الإدراك قد يتعلق بمفرد، وقد يتعلق بجملة اسمية، أو جملة فعلية، فالأول يسمى تصورًا، والثاني يسمى تصديقًا، البحث في المعلومات التصورية والتصديقية، من أي جهة؟ قال:[من حيث إنها توصل إلى مجهول تصوري أو تصديقي]. إذًا عندنا مفرد معلوم، وعندنا مفرد مجهول، عندنا مركب معلوم، وعندنا مركب مجهول، البحث في المعلومات سواء كانت تصورية، أو تصديقية لتوصِلَنَا إلى المجهولات التصورية، أو التصديقية يسمى منطقًا، إذًا هو بحث في طرق ووسائل، هذه الوسائل تؤدي إلى ماذا؟ إما إدراك مفرد، حقيقة المفرد، وإما إلى إدراك حقيقة المركب حينئذٍ نقول: البحث هذا هو متعلق بفن المناطقة. [إلى مجهول تصوري أو تصديقي]، أو من حيث ما يتوقف عليه ذلك، يعني: ثَمَّ المعلومات التصورية والمعلومات التصديقية والطرق الموصلة إلى كل واحد منهما قد تتوقف على بعض المعلومات، وهي الأبواب التي يذكرها المناطقة قبل باب المعرفات والقياس، ما يتعلق بتقسيم اللفظ إلى مفرد، وإلى مركب، والمفرد إلى جزئي وإلى كلي، ثم القضايا شرطية، حملية شرطية، متصلة منفصلة هذا بحث كله في ماذا؟ يتوقف العلم بما يوصل إلى المجهول التصوري أو التصديقي إلى معرفة هذه الألفاظ، حينئذٍ ما توقف عليه الفن يكون داخلاً فيه متممًا له، كمعرفة الأحكام الشرعية عند الأصوليين في توقف العلم علم أصول الفقه عليه، وبالمثال إن شاء الله يأتي معنا فيما يأتي، هذا حد علم المنطق.
إذًا موضوعه إذا عرفنا أنه يبحث فيه عن المعلومات، إذًا موضوعه المعلومات التصورية والتصديقية من حيث صحة إيصالها إلى المجهولات التصورية والتصديقية، إذًا ليس كل طريق يوصل إلى مجهول تصوري صحيح أو صحيحة، وليس كل طريق يوصل إلى مجهول تصديقي يكون صحيحًا، إذًا الذي يميز الطرق الموصلة إلى المجهول التصوري الصحيح من الفاسد هو: فن المنطق. والطريق الذي يميز الصحيح من الفاسد في الطريقة الموصولة إلى المجهول التصديقي هو: فن المنطق.
غايته كما ذكره الناظم هنا (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا) وسيأتي.
وأما فضله قالوا: [فهو علم يفوق ويزيد على غيره من العلوم بكونه عام النفع فيها إذ كل علم تصورًا أو تصديق، وهو يبحث فيهما، لكن بعض العلوم يفوق من جهة أخرى]، يعني: التفسير مبناه على العلم، ثم إما علم التصور أو تصديق، بحثك أحيانًا يكون في التفسير من أجل فهم كلمة واحدة مفردة، هذا من أجل ماذا؟ من أجل إدراك مفرد، إذًا يسمى ماذا؟ تصورًا، قد تبحث من أجل أن تصل إلى مدلول التركيب آية جملة الاسمية أو الجملة الفعلية حينئذٍ نقول: هذا بحث في الوصول إلى تصديق، وكذلك الكلام في الحديث، وفي العقيدة، وفي الفقه، إلى آخره، إذًا التصور والتصديق من حيث الإطلاق، يعني: مطلق التصور لا شخصه، ومطلق التصديق لا شخصه، هذا مشترك بين العلوم كلها، بل بين العلوم وغيرها، بل بين كل ما يتلفظ به الإنسان، لأن البحث إما أن يكون في مفردات، أو في مركبات، حينئذٍ هذا أو ذاك نقول: مطلق التصور ومطلق التصديق هذا بحث يشترك فيه كل العلوم بلا استثناء، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من معرفة الطرق الموصولة إلى المجهول التصوري، والمجهول التصديقي، وأما نسبته إلى العلوم فهي التباين.
واضعه: قيل: إِرَسَطُو بكسرة الهمزة وفتحتين بعدها وضم الطاء، والاسم المنطق على المشهور، ويُسمى أيضًا بالميزان، وبمعيار العلوم، هكذا سماه الغزالي في كتابه ((معيار العلم)).
استمداده: من العقل. وأحيانًا تكون بعض المسائل التي يتطرق إليها المناطقة مركوزة في النفس، لأن منها ما هو يكون من قبيل الطبائع، وإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يقال بأن الصحابة لم يتعلموا المنطق ولم يحتاجوا إليه، نقول: لا بعضه موجود في فطرهم، حينئذٍ نقول: لا يحتاج إلى تنصيص، إلى المصطلحات الذي ذكرها المناطقة، وكذلك شأن التابعين ومن بعدهم من الأئمة الذين لم يعرفوا علم المنطق، قالوا: هذا موجود بعض المسائل المتعلقة بالمنطق هذه يضيفها العقلاء من حيث هم، كما هو الشأن في النحو وفي أصول الفقه هذا مدرك بالطبائع، حينئذٍ نقول: لا يقال بأن علم المنطق ما دام أن مداره العقل لم يتعلمه الصحابة أو من بعد الصحابة، لأننا نقول: العقل. هذا موجود عندهم، وبعض دلالة العقل ضرورية، يعني: يشترك فيها كل الناس، وحينئذٍ نقول: هذا الفن قد يكون موجودًا فلا يحتاج إلى أن يدرسه الطالب، ولكن هذا فيمن سلمت فطرته، وأما حكمه سيأتي عند قول المصنف (وَالخُلْفُ).
إذًا (وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ) عرفنا حد المنطق، وهو ما يتعلق بمبادئ العشرة
…
(لِلْجَنَانِ) يعني القلب. جَنان بفتح الجيم [بمعنى اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني تعلق العرض بالجوهر] الجوهر هو: اللحم، نفسه والعرض هو: الصوف، النور نقول: هو العرض، والجوهر هو نفسه اللطيفة، أو المتعلق بالقلب اللحماني، العرض هو اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني بضم اللام.
الأول: هو العرض.
والثاني: هو الجوهر.
إذًا (لِلْجَنَانِ ** نِسْبَتُهُ)، يعني: إضافته للمنطق. [(كَـ) نسبة (النَّحْوِ لِلِّسَانِ)]، يعني: النحو يعصم اللسان من الخطأ، فالمنطق يعصم العقل من الوقوع في الخطأ، هذا مراده، يعني: كما أن النحو يصحح به الكلام ويعرف به فاسد الكلام من صحيحه كذلك المنطق للعقل يعرف به فاسد التفكير من غيره، ولذلك عرفه العطار بأنه: علم يعرف به الفاسد من الفكر من صحيحه. أو صحيح الفكر من فاسده. لأن فكر قد يكون صحيحًا وقد يكون فاسدًا [(كَـ) نسبة (النَّحْوِ لِلِّسَانِ)] قدر نسبة ليتناسب المشبه والمشبه به، [فالمنطق نسبته للعقل كنسبة النحو للسان] في ماذا؟ يعني: ما الجامع بينهما؟ (في أن كلاً منهما) من المنطق والنحو [يعصم]، يعني: يحفظ. [ما يتعلق به، فالمنطق يعصم العقل]، المنطق يتعلق بالعقل، إذًا يعصمه ويحفظه من الوقوع في الزلل والخطأ، [فالمنطق يعصم العقل عن الخطأ في فكره]، لأن الفكر الذي هو النظر والتأمل قد يكون صوابًا وقد يكون خطأً، [كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله:(فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ)] جمع فكر كما مر معنا، [أي يحفظها]، فالعصمة هنا بمعناها اللغوي، وليس المراد بها المعنى الشرعي، وإنما المعنى الشرعي يكون للأنبياء والملائكة ومن عداهم فلا، [وتقدم أن الفكر هو: النظر. وهذا إشارة إلى تعريف المنطق بأنه علم يعصم، أي يحفظ الأنظار] جمع نظر، عن ماذا؟ (عَنْ غَيِّ الخَطَا) ليس عن الغي، الغَي هو واقع، وإنما المراد عن وقوعه، الغي واقع بالنسبة للإنسان لأنه ليس معصومًا، فإذا كان كذلك لا بد من تقدير [(عَنْ) وقوع (غَيِّ الخَطَا) أي ضلاله، والخطأ ضد الصواب، وإضافة الغي إلى الخطأ من إضافة العام للخاص]، (غَيِّ الخَطَا) أيهما أعم وأيهما أخص؟ الغي أعم، لأنه يكون عن عمد وبلا عمد، والخطأ يكون بلا عمد، [فإن الضلال قد يكون عن عمد، وقد يكون عن خطأ]، والخطأ خاص بالثاني، [وهذا العلم] الذي هو فن المنطق، [تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر]، إذًا ليست العصمة، يعني: الحفظ عن الوقوع في الخطأ بذات قواعد، وإنما بمراعاتها، يعني: بملاحظتها وتطبيقها. هذا الذي يكون ثَمَّ عصمة، وأما مجرد دراسته، فحينئذٍ نقول: هذا لا يعصم. كمن يدرس النحو ولا يطبق ولا يعرب، حينئذٍ نقول: كونه عالمًا بالألفية مثلاً، أو حافظًا لها، أو دارسًا لها نقول: هذا لا يعصمه عن وقوع الخطأ في الكلام، لماذا؟ لأن العلم بالقواعد لا يعصم إلا بشرط المراعاة، يعني: الملاحظة بأن يطبق ويمارس.
فكذلك علم المنطق، قواعد إذا لم يمارسها ولم يطبق ويتمرن ويتمرس عليها، حينئذٍ لا يفيده ذلك شيئًا، كما أن حافظ القواعد النحوية، أو الصرفية، أو البيانية، أو الأصولية إذا لم يمارس لن يستفيد شيئًا، فالعلم ليس نظريًّا، وإنما هو ملكة صناعة، حينئذٍ لا بد من الممارسة، ولذلك لو درس مائة سنة الطب مثلاً ولم يمارس ما استفاد شيئًا ولا يسمى طبيبًا إلا بالمعنى النظري أما العملي فلا، ولذلك الطب له معنى نظري وله معنى عملي، الطب إذا أطلق انصرف إلى الثاني هذا هو الأصل، وأما النظري هذا ما تأتيه إليه تفر منه فرارك من الأسد، إذًا هذا العلم [تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر، أي النظر]، لماذا؟ [لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ]، يعني: عرف الطريق الموصول إلى القياس، إلى التصور، إلى التصديق، لأن القياس هو طريق التصديق (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا)، هذا يعصم الأفكار عن غير الخطأ، هذه فائدة من فوائد تعلم المنطق، ثانيًا [(وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي الفهم الدقيق]، هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، والفهم هنا مصدر فَهِمَ يَفْهَمُ فَهْمًا
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى
والمراد به اسم المفعول أي المفهوم. (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، والفهم هو إدراك معنى الكلام، [الدقيق] يعني المستتر [(يَكْشِفُ) ذلك العلم] المنطق بمراعاته وحفظ قواعده [(الغِطَا) أي الستر] بكسر السين [شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح] يعني الناظم هنا استعمل الاستعارة بنوعيها التخيرية والمرشحة، حينئذٍ نقول: في كلامه استعارة بالكناية والتخيير، لأنه كما قال الشارح هنا شبه دقيق الشيء بشيء مغطى تشبيهًا مضمرًا في النفس، وحذف اسم المشبه به وأثبت شيئًا من لوازمه تخيرًا، وهو الغطا والكشف ترشيح إن كان حقيقةً بالمحسوسات فقط، (فَهَاكَ) الفاء هذه فاء الفصيحة، إذا علمت أهمية عمل المنطق لما ذكر.
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا
…
وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
إذا أردت شيئًا من قواعده وأصوله.
- - -
فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا
…
تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا
سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ
…
يُرْقَى بِهِ سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ
[(فَهَاكَ) اسم فعل بمعنى خذ، على ما قال ابن مالك، والكاف حرف خطاب) (مِنْ أُصُولِهِ) أي من أصول المنطق (قَوَاعِدَا) أي: خذ قواعد هي بعض أصول المنطق، والقواعد جمع قاعدة، وهي: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، كقولنا: كل موجبة كلية تنعكس جزئية وكيفية تعريف أحكام الجزئيات أن تقول مثلاً: كل إنسان حيوان موجبة كلية، وكل موجبة كلية تنعكس جزئية فينتج من الشكل الأول كل إنسان حيوان تنعكس جزئية، وذلك مثل قولك: بعض الحيوان إنسان، (تَجْمَعُ) تلك القواعد (مِنْ فُنُونِهِ) أي المنطق، والجمع للتعظيم)، (فَوَائِدَا) جمع فائدة وهو ما استفيد من العلم، والمراد بها الفروع المندرجة تحت القواعد أي تجمع القواعد فروعًا وجزئيات من فن المنطق، ويصح عود الضمير في تجمع إلى المخاطب أي تجمع أنت أيها المخاطب بسبب حفظ تلك القواعد فروعًا من فن المنطق (سَمَّيْتُهُ) أي: التأليف المفهوم من السياق (بِالسُّلَّمِ) والسلم ما يُصعد به عادة إلى أعلى منه، فتسميته الكتاب بذلك إشارة إلى أنه يتوصل به إلى أصعب منه من الكتب (المُنَوْرَقِ) بتقديم النون على الراء كما هو الرواية عن المصنف، ويصح تقديم الراء ومعناه المزين المزخرف (يُرْقَى) أي: يصعد. (بِهِ) أي بهذا التأليف (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) أي علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه، ويصح أن تكون السماء مستعارة للكتب المطولة من هذا العلم أي يتوصل بهذا التأليف إلى ما هو أطول منه من الكتب المؤلفة في ذلك الفن].
ــ - الشرح - ــ
(فَهَاكَ)، إذًا الفاء هذه فاء فصيحة أفصحت عن جواب شرط مقدم، [(فَهَاكَ) اسم فعل] أمر [بمعنى خذ]، [على ما قال ابن مالك] رحمه الله تعالى [والكاف حرف خطاب] ها هو اسم فعل الأمر والكاف حرف خطاب على قولٍ، هاك أي: خذ (مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا)(قَوَاعِدَا) هذا مفعول لقوله: هاك. خذ قواعدا من أصوله، يعني: من أصول المنطق. إذًا المنطق له قواعد وله أصول لا بد من مراعاتهم [(قَوَاعِدَا) أي خذ قواعد]، هذه القواعد [هي بعض أصول المنطق]، لأنه قال:(مِنْ أُصُولِهِ). ومن هنا للتبعيض، إذًا ليس كل القواعد، لأن الكتاب هنا أراد به شيئًا يتمكن به المبتدئ كـ ((الآجرومية)) و ((الورقات)) ونحوها، فهي ليست ((الآجرومية)) كل النحو، وليست ((الورقات)) كل الأصول، حينئذٍ نحتاج إلى معرفة شيء من الفن فحسب، (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ) يعني بعض أصوله. (قَوَاعِدَا) هي بعض الأصول، [والقواعد جمع قاعدة، وهي: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها] هذا تعريف عام في جميع الفنون، القواعد الفقهية، القواعد الأصولية، القواعد العقدية، ونحو ذلك، وكذلك القواعد المنطقية قضية، يعني: جملة اسمية، أو فعلية، هذا المراد بالقضية، لأنهم يسمون الجملة الاسمية والفعلية يسمونها قضية وهي: الخبر، (كلية)، يعني: لا جزئية. يعني: يدخل تحتها من الأفراد ما لا حصر لها، وذلك إذا كان المحكوم فيها أو عليه كليًّا، بمعنى أن الموضوع الذي هو المبتدأ أو الفاعل نائب الفاعل يكون كليًّا بمعنى أنه قدر مشترك كقولك: الفاعل مرفوع. هذه قضية، يعني: جملة اسمية. وكلية، لماذا كلية؟ لأن الفاعل هذا لفظ محلاً بـ أل وهو من صيغ العموم يدخل تحته ما لا حصر له من أجزاء وآحاد ما يصدق عليه أنه فاعل، يدخل تحته زيد من قولك: قَامَ زَيْدٌ. وَعَمْرٌ من قولك: مَاتَ عَمْرٌ. وخالد من قولك: سَافَرَ خَالِد. إلى ما لا نهاية كلها هي ما يصدق عليه حد الفاعل فيسمى فاعلاً فيكون داخلاً تحت هذا اللفظ، إذًا [قضية كلية يتعرف منها] يعني من هذه القضية بسببها أحكام جزئيات موضوعها، ما هو الموضوع هنا؟ الفاعل مرفوع، إذًا زيد من قولك: قَامَ زَيْد. فاعل، والفاعل ارفع، كما مر معنا الفاعل يرفع حينئذٍ نقول: زيد فاعل، وكل فاعل مرفوع، إذًا زيد مرفوع، وهكذا فكل لفظ يصح أن يصدق عليه حد الفاعل حينئذٍ تأخذ حكمه وهو الرفع من قولك: الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب.
وهذا يتضح كذلك بقواعد الأصولية مقتضى الأمر للوجوب، أليس كذلك؟ مطلق الأمر للوجوب يدخل تحته ما لا حصر مما يصدق عليه أنه مطلق الأمر، إذًا [قضية كلية يتعرف بها] بسببها [أحكام جزئيات موضوعها]، مَثَّلَ هنا بما يتعلق بالمنطق، ولا يفهم إلا بدراسة ما سيأتي، [كقولنا: كل موجبة كلية تنعكس جزئية] هذه قاعدة، [وكيفية تعريف] أو تَعَرُّف [أحكام الجزئيات أن تقول مثلاً: كل إنسان حيوان موجبة كلية] هذه مقدمة صغرى، [وكل موجبة كلية تنعكس جزئية] هذه مقدمة كبرى، وكل منهما لا بد أن يكون معلومًا [فينتج من الشكل الأول كل إنسان حيوان تنعكس جزئية، وذلك مثل قولك: بعض الحيوان إنسان]، وهذا يعرف بما سيأتي، المراد هنا أن فن المنطق الذي يعينه أربابه إنما هو قواعد، والقواعد المراد بها قضية كلية يتعرف بها أحكام جزئيات موضعها.
(تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا)، [(تَجْمَعُ) تلك القواعد] كعادتها لأنها إذا لم تجمع لا تكون قاعدة، وإنما تكون قاعدة إذا دخل تحتها عدد كثير، [(تَجْمَعُ) تلك القواعد]، أو تجمع أنت، يجوز أن يكون الخطاب هنا للطالب نفسه (تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا)، [(مِنْ فُنُونِهِ) أي المنطق، والجمع للتعظيم] فنون هو فن واحد، جمعه باعتبار ماذا؟ باعتبار تعدد أبوابه، وأطلق على كل واحدة منها فنًا من باب التعظيم. (فَوَائِدَا) الألف للإطلاق كقوله:(قَوَاعِدَا). فيما سبق [(فَوَائِدَا) جمع فائدة وهو] لو قال: هي. لأنه أراد به لفظ (فَوَائِدَا). [ما استفيد من العلم] ما استفيد من مال، أو جاه، أو علم، كل ما كان فيه فائدة يسمى فائدةً، سواء كان في العلم، أو كان في الجاه، أو كان في المال، [والمراد بها الفروع]، يعني: تجمع من فنونه فوائد. ما المراد بالفوائد هنا؟ المراد بها الفروع، يعني: الجزئيات. التي تدخل تحت القواعد، لأن معرفة القواعد لوحدها دون استخراج الجزئيات التي تدخل تحت القاعدة هذا نسخة مكررة، يعني: لا فائدة فيه لطالب العلم، [والمراد بها الفروع المندرجة تحت القواعد أي تجمع القواعد فروعًا وجزئيات من فن المنطق] وهذا واضح، [ويصح عود الضمير في تجمع إلى المخاطب أي تجمع أنت أيها المخاطب، بسبب حفظ تلك القواعد فروعًا من فن المنطق] مع المراعاة، وأما إذا لم تكن مراعاة فلا فائدة فيها البتة، وإنما هي نسخة مكررة تحفظ ولا تستفيد شيئًا.
(سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ)، (سَمَّيْتُهُ) أي التأليف المفهوم من السياق) وهو سابق الكلام ولاحقه، يسمى ماذا؟ يسمى سياقًا، يعني: ما تقدم وما تأخر، [(سَمَّيْتُهُ) أي التأليف]، أو المؤلَّف، أو النظم، أو الكتاب، (سَمَّيْتُهُ)، بماذا؟ (بِالسُّلَّمِ) هنا الباء داخلة على مفعول الثاني، وهو جائز، لأن مفعول الثاني من باب سَمَّى يجوز أن يتعدى إليه سمى بالباء، ويجوز إسقاط الباء سميته السلم (سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ) يجوز فيه الوجهان
…
(بِالسُّلَّمِ) وأراد بالسلم هنا العلم، لأن اللفظ هنا صار علمًا على مسماه، فالمنطق هناك صار علمًا على مسماه، فهو حقيقة عندهم، [والسلم] في الأصل المعنى اللغوي قبل نقله، وإن كان أراد الناظم الإشارة إلى المعنى، [ما يُصعد به عادة إلى أعلى منه]، السُّلَّم معروف، يعني: تضعه لتصعد على الجدار مثلاً، نقول: الصعود هنا كان بالسلم، إذًا بهذا الكتاب تصعد وتصل إلى فن المنطق إلى إدراكه، [والسلم ما يصعد به عادة]، يعني: في عادة الناس لا العقل، العقل هذا شيء آخر [إلى أعلى منه، فتسميته الكتاب بذلك إشارة إلى أنه يتوصل به إلى أصعب منه من الكتب]، لأن الوصول إلى السطح مثلاً دون سُلَّمٍ فيه صعوبة، أليس كذلك؟ ما يستطيع إلا أن يضع السلم أو يطير، والثاني ممتنع فتعين الأول، واضح؟ فلا بد من السلم (المُنَوْرَقِ) بتقديم النون على الراء كما هو الرواية عن المصنف، ويصح تقديم الراء) على ماذا؟ على النون يصح تقديم الراء، يعني: المرونق، المنورق، المنورق يجوز الوجهان وهما بمعنى واحد، يجوز الوجهان لأنهما بمعنى واحد، [ومعناه المزين المزخرف] سواء قلت: منورق أو مرنوق. لكن المنورق هو الرواية عن الناظم، وإذا كذلك فهو المقدم، [ومعناه المزين المزخرف].
. . . . . . . بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ
…
يُرْقَى بِهِ سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ
[(يُرْقَى) أي يصعد (بِهِ) أي بهذا التأليف]، أو المؤلَّف، تأليف هذا مصدر مراد به الكتاب أو المؤلف، [(سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) أي علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف]، وهذا فيه مبالغة فيه شيء من المبالغة، [أي: علم المنطق الذي هو كالسماء] هنا شبه المنطق بالسماء السماء لا يمكن أن تصعد إليها إلا بواسطة، حينئذٍ المنطق كذلك لا تصل إليه إلا بسلم [في الرفعة والشرف فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه] المشبه به ما هو؟ السماء، والمشبه؟ هو المنطق، وهو ماذا قال؟ (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ)، يعني: جعل لعلم المنطق سماءً وأرض، حينئذٍ شبه علم المنطق بالسماء، فأنها عالية كذلك علم المنطق عالٍ شريف فلا يصل إليه إلا بسلم، [ويصح أن تكون السماء مستعارة للكتب المطولة من هذا العلم] يحتمل، [أي يتوصل بها بهذا التأليف إلى ما هو أطول منه من الكتب المؤلفة في ذلك الفن]، يعني: هذا الكتاب مقدمة يعتبر مقدمة كالأجرومية والورقات ونحوها، ولذلك وحده لا يكفي إلا إذا شرح شرحًا موسعًا، بمعنى أنه استوفي فيه كل الفن، حينئذٍ يصح أن يعتكف عليه، وشرح البيجوري يعتبر موسعًا وأوسع ما يكون على السلم، ويمكن الاكتفاء به، شرح البيجوري كذلك الملوي مع حاشية الصبان والتوشيح جيد مع السلم هذا نعم.
- - -
وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا
…
لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ لَيْسَ قَالِصَا
وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي
…
بِهِ إِلَى المُطَوَّلَاتِ يَهْتَدِي
[(وَاللهَ) منصوب على التعظيم أي لا غيره كما استفيد من تقديم المعمول (أَرْجُو) أيْ أؤمل منه لا من غيره (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف، (خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة) (لِوَجْهِهِ) أي ذاته).
…
(الكَرِيمِ) أي المعطي على الدوام (لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)، أي ناقصًا بأن لا يعوق عن إكماله عائق، وليس ناقصًا من الثواب والأجر لحب الظهور، فيكون تأكيدًا لما قبله، أو ليس ناقصًا مطروحًا في زوايا الخمول والإهمال بأن لا ينتفع به كما يشعر به ما بعده، والقالص في الأصل اسم لإحدى شفتي البعير الناقصة عن الأخرى، ثم تجوّز به إلى الناقص مطلقًا من استعمال المقيد في المطلق (وَأَنْ يَكُونَ) ذلك التأليف) (نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) الذي أخذ في التعليم ولم يقدر على تصور المسائل، وهذا من التواضع لأنه نافع للمبتدئ ولغيره من المتوسط والمنتهي، ثم بَيَّن ثمر نفعه للمبتدي بقوله:(بِهِ إِلَى المُطَوَّلَاتِ). من الكتب (يَهْتَدِي) أي يتوصل].
ــ - الشرح - ــ
(وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا) اللهَ منصوب على التعظيم، والمراد المنصوب على التعظيم أنه مفعول به، ولكن المعربون يتحاشون لفظ مفعول به، ويقولون: منصوب على التعظيم. أدبًا وإلا هو الذي يصدق عليه حد المفعول به، وإنما يقال: منصوب على التعظيم. من باب التأدب مع الله تعالى (منصوب على التعظيم أي لا غيره كما استفيد من تقديم المعمول)، (وَاللهَ أَرْجُو) الله مفعول به مقدم، (أَرْجُو) هذا عامله متأخر، وتقديم المعمول على العامل قد يؤذن للقصر والحصر، حينئذٍ الله لا غيره وأرجو
…
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يعني لا أعبد إلا إياه {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، لا أستعين إلا بك، (وَاللهَ أَرْجُو) لا أرجو إلا الله، من أين أخذ هذا الفهم؟ من تقديم ما حقه التأخير، وهو من وسائل القصر والحصر عند البيانيين إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن ما عداه، إثبات الحكم في المذكور وهو الله عز وجل، والحكم هو الرجاء والأمل ونفيه عن ما عداه نفي الرجاء عن ما عدا الله عز وجل، فلا يتعلق إلا بخالقه جل وعلا، [(أَرْجُو) أي أؤمل منه لا من غيره. (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف، (خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة] يعني خالصًا مما يبطل العمل، لأن التأليف في العلوم الشرعية وهو يرى أنه من العلوم الشرعية التأليف فيه يكون من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة لا بد فيها من نية من أجل أن يترتب الثواب على ذلك، فإذا كان ليس ثَمَّ نية فلا أجر، فإذا وجدت النية وخالطها شيء من مفاسد أو عوائق النية، حينئذٍ لا ثواب أو ينقص من الثواب بقدر ما خالطه، [(خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة]، لأن التعليم والتعلم هذا من أعظم الوسائل في السعي إلى الرياء وحب الشهرة والمحمدة، (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ) قال:[أي ذاته]. [(لِوَجْهِهِ) أي ذاته]، وهذا التخصيص إنما أراد به الناظم كغيره لأنه أشعري أراد نفي صفة الوجه عن الله عز وجل، وهذا تحريف وليس بتأويل، لأن الله عز وجل أثبت صفة الوجه له جل وعلا {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، إذًا ما دام أن الله تعالى أثبت لنفسه صفة الوجه وهو أعلم بنفسه من غيره، وأثبتها له النبي صلى الله عليه وسلم له جل وعلا، وهو أعلم الخلق بربه جل وعلا، فما بالنا نحرف ونبدل عما أراده الله عز وجل، إذًا لوجهه المراد به صفة الوجه، وهي صفة من الصفات الخبرية التي لولا السمع لما وصل العقل إلى إدراكها، بخلاف الحياة مثلاً والوجود، هذا قد يصل العقل إلى إدراكها، ولكن بعض الصفات الخبرية التي لولا السمع لما استطاع العقل أن يصل إليها نقول: هذه صفة خبرية، وهي التي باعتبار الناس أو المخلوق أجزاء وأضعاف، [(الكَرِيمِ) أي المعطي على الدوام (لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)]، (لَيْسَ) نعم.
(وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا ** لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ)، إذًا (لِوَجْهِهِ) قوله: لذاته. هذا أراد به تحريف اللفظ، [(لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)] أي ناقصًا، (بأن لا يعوق عن إكماله عائق)، هذا إذا قدم قبل إتمام الكتاب، (وليس ناقصًا من الثواب والأجر لحب الظهور)، يعني: إذا خالطه نية فاسدة ولم تقضي على النية الصالحة من أصلها، لأن المخالط إما أن يقضي على النية من أصلها فلا ثواب البتة، وإما أن ينقص حينئذٍ يكون حصة بالحصة، [فيكون تأكيدًا لما قبله](قَالِصَا)، يعني: بمعنى خالصًا. [أو ليس ناقصًا مطروحًا في زوايا الخمول والإهمال، بأن لا ينتفع به كما يشعر به ما بعده]، (لَيْسَ قَالِصَا)، يعني: ليس معربًا عنه، لأن بعض المؤلفات قد تؤلف ولا تذكر تنسى، بل إنها تطمس، يعني: لا تنقل. وهذا لا يطلع في نيته الكاتب، أو العالم لا، وإنما ثَمَّ مزايا لبعض الكتب قد تقدم على غيرها، والمقدم عليه لا يلزم منه أن لا تكون نيته صالحة، قد تكون نيته صالحة لكن وجد في ذلك من السبب الذي يقتضي الاهتمام به ما لا يوجد في غيره، [والقالص في الأصل] المعنى اللغوي، [اسم لإحدى شفتي البعير الناقصة عن الأخرى، ثم تجوز به]، يعني: مجازًا مرسلاً، (إلى الناقص مطلقًا من استعمال المقيد في المطلق)، مقيد هو شفتي البعير الناقصة، هذا مقيد، مطلق مطلقًا، يعني: لم يقيد بالبعير، فكل ما يحتمل النقص قيل فيه: قالص. سواء كان بالبعير أو غيره، فيكون الثاني أعم من الأول.
وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي
…
بِهِ إِلَى المُطَوَّلَاتِ يَهْتَدِي
[وَأَنْ يَكُونَ) ذلك التأليف] المؤلَّف (نَافِعًا) أن يكون (نَافِعًا) خبر يكون (لِلْمُبْتَدِي) متعلق به أي [الذي أخذ في التعليم] أخذ يعني شرع. أخذ بمعنى شرع، شَرع في التعليم التعلم تعليم تعلم شيئًا فشيئًا، هذا الأصل فيه (ولم يقدر على تصور المسائل) هذا ضابط المبتدئ أنه لا يستطيع أن يضبط المسائل، يعني: إذا قيل له: صور هذه المسألة بَيِّن حقيقتها ما استطاع، بَيِّن حقيقتها لما استطاع ما يدري «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» . ما يدري القلتين، ولا الخبث، ولا .. ، فيُعَلّم القلتان كذا، والخبث كذا، مفهومه كذا، منطوقه كذا، [هذا يسمى ما](1) إذا أدرك هذه المسألة، يعني: فهمها من حيث الألفاظ، ارتقى عن المبتدئ، ما شاء الله [ها ها]، إذا بُيِّنَ له الدليل لحديث ابن عمر وفهمه حينئذٍ صار متوسطًا، إذا ناقش أو عارف بقية الأقوال صار منتهيًا.
(1) سبق.
[(وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) (الذي أخذ في التعليم ولم يقدر على تصور المسائل، وهذا من التواضع]، يعني: من المصنف رحمه الله تعالى (لأنه نافع للمبتدئ ولغيره من المتوسط والمنتهي)، لأن هذه المختصرات خاصة مع شروحها مفيدة للمتوسط والمنتهي، لماذا؟ لما ذكرناه مرارًا، وهو الذي يعرض عنه طلاب العلم الآن يريدون المطولات فتح الباري والمجموع المحلى ويتركون المختصرات من باب الاختصار، فنقول: المختصرات هذه تحوي جمهور مسائل العلم التي يحتاجها طالب العلم، هذه فائدة نفسية جدًا، يعني: لو نظرت في ((الآجرومية)) ما يدور عليه لسان العرب من الأحكام التي يكثر دورانها على الألسنة موجود في ((الآجرومية))، وما يَقِل هو الذي يترك في المختصرات، وكذلك في ((الورقات))، وكذلك في ((الرحبية))، وكذلك في ((النخبة))، كل المختصرات التي عنى واعتنى بها أهل العلم إنما يذكرون ما اشتهر في العلم ويحتاجه بكثرة، وأما الذي يَقِل هذا يُتْرَك من أجل أن نصل إلى كتاب متوسط، وما يندر هذا يذكر في الكتاب الذي هو مطول، ولذلك السلم هذا ليس عبثًا هكذا، وإنما أراده أهل العلم وذكروا في المختصرات الأولية التي هي للمبتدئين المسائل التي يكثر دورانها، وجمهور المسائل تدور عليها، ما قَلَّ يذكر في المتوسط ما كان أكثر قلةً أو ندورًا هذا يذكر في المطولات، من مضى في العلم وأراد أن يراجع العلم وصعب عليه لو أخذ شرحًا موسعًا للآجرومية لاستطاع أن يدرك كثير من المسائل، ولو أخذ شرحًا موسعًا للورقات لاستطاع أن يدرك كثير
…
ولو كان منتهيًا، الذي يأخذ مثلاً ((عمدة الفقه)) ويجرد عليه ((العدة)) مثلاً، هذا يدرك كثير من المسائل، لماذا؟ لأنه يكون بعيد عهد، فإذا قرأ حينئذ يستحضر المسائل، لأن ما يُقرأ إما من أجل أن يتعلم، وإما من أجل أن يُعيد، الإنسان ينسى، وإذا نسي حينئذٍ يحتاج ما يذكره، بدلاً من أن يجرد المغني وما يستطيع، حينئذٍ يأخذ ((الزاد)) بـ ((الروض)) مثلاً ويجرده، يأخذ ((عمدة الفقه)) و ((العدة)) ويجرده، حينئذٍ استحضر المسائل إذًا (نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) ولغيره من المتوسط)، وهو الذي أدرك تصور المسألة بدليلها، (والمنتهي) الذي أدرك الخلاف، سواء كان الخلاف المذهبي أو الخلاف الذي يسمى الآن خلاف العالم بين المذاهب الأربعة.
[ثم بَيَّن ثمر نفعه] ثمر أم ثمرة [نفعه للمبتدي]، [ثمرة نفعه للمبتدي]، بقوله:(بِهِ إِلَى المُطَوَّلَاتِ). من الكتب (يَهْتَدِي) أي يتوصل)، (بِهِ) أي بسببه. بسبب هذا النظم السلم، (يَهْتَدِي) هذا متعلق به، به يهتدي به إلى المطولات، به إلى المطولات ظرفان متعلقان بيهتدي، يعني: يتوصل، وهذه فائدة أيضًا كذلك أن يكون هذه المتون وسيلة إلى المطولات، ولذلك النصيحة أن يعتكف طالب العلم على المتن المبتدئ ويقرئه مرة ومرتين وثلاثًا وشرحًا وشرحين وثلاثًا، ثم يدخل ما شاء من كتب المتوسطة والمنتهية، إذا أتقن هذه المختصرات حينئذٍ يسهل عليه العلم، والذي يقع فيه طلاب العلم أنه يدخل إلى الكتب المتوسطة ولم يضبط بعد التي للمبتدئين، هذا هو الخلل عند الطلاب الآن، يأتي إلى ((الْمُلْحة)) و ((قطر الندى)) طيب، ما حال ((الآجرومية))؟ قرأ ((التحفة السَّنِيّة)) مثلاً، من أجل ماذا؟ من أجل أن يُدرك الضُّعف، العجلة هذه أن يدخل في ((قطر الندى)) مباشرة، متى ينتهي ((قطر الندى))؟ متى يقرأ ((الألفية))؟ متى يُدَرِّس؟ متى؟ ما لك هذه ما تلاحظ عند التعلم، وإنما تعتكف على ((الآجرومية)) وتحفظها حفظًا جيدًا بإعرابها، واقرأ عليها أحسن الشروح، ومرة، ومرتين، وثلاث، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ((قطر الندى))، إذا جلست ولو سنة في ((الآجرومية)) ((قطر الندى)) لا يأخذ منك ستة أشهر، صحيح، إذا قرأت ((الآجرومية)) في سنة، وهذا كثير لكن من باب التنزل مشغول مثلاً يستطيع أن يقرأها في سنة، إذا أراد أن يقرأ
…
((الملحة)) مثلاً أو ((القطر)) لن يأخذ منه أكثر من نصف سنة .. وهكذا، لماذا؟ لأنه قد ضبط الأصول، تأتيك ((الملحة)) هي ((الآجرومية)) وزيادة، أليس كذلك؟ الأبواب المذكورة في ((الآجرومية)) هي بعينها مذكورة في ((الملحة)) تسلمون أو لا؟ من أوله الكلام الكَلام أقسام الكلم مثنى جمع .. إلى آخره، كل الأبواب زاد بعض الأبواب في الصرف والنسب وجمع التكثير ونحوها، هذه تكون زائدة فينصب طالب العلم حينئذٍ على ماذا؟ على الجديد، والمكرر المعاد يكون فيه من باب التذكير لما سبق، أما إذا جاء، الملاحظ الآن طلاب العلم يقرأ المثنى وحدّه والشواذ وجمع المذكر في ((الآجرومية))، ثم يأتي في ((الملحة)) كأنه يحتاج دراسة جديدة، ما هو المثنى؟ وإشكالات وإذا توسع فيه زيادة على الآجرومية قال: خرج عن الدرس وطوَّل. طيب أنت الآن قرأت ((الآجرومية)) قرأت المثنى حده والشواذ .. إلى آخره، فإذا جئت إلى ((الملحة)) أو ((القطر)) الأصل أنك مراجعة هذا، قل: زدنا، بالعكس، نعم أنت تقول: خفض خفف [ها ها].
وهذا خلل كبير عند طلاب العلم، الطلاب ما شاء الله، يعني: عددكم أنتم الآن الحضور يكفي في مكة يعني، يعني يكون العدد هذا طلاب علم على قوة إن شاء الله تعالى حضور بعد الفجر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، هذا يدل على همة إن شاء الله عالية جيدة، ويدل على رغبة، وقوية ليست برغبة ضعيفة، لكن الخلط في المنهجية هو الذي يسبب الانحراف، العجلة والتخلص من المختصرات، والدخول في المتوسطات لم يتقن الكتاب السابق، ما تدخل لا ترضى أن تقرأ كتاب متوسط أو منتهي وأنت لم تضبط الكتاب السابق، فُتح درس دَرَّس فلان لو طلع من قبره من مِن أئمة الدين لا تحضر، نعم صحيح ما دام أنك ما ضبطتَ كتاب المبتدئين تحضر لأي شيء؟ شهوة؟ على كلٍّ (بِهِ إِلَى المُطَوَّلَاتِ يَهْتَدِي) يهتدي به، يعني: بسببه إلى المطولات (من الكتب)، يعني: يتوصل بها.
- - -
فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ
وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ
…
بِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَقْوَالِ
فَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا
…
وَقَالَ قَوْمٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا
وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ
…
جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَهْ
مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ
…
لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ
[(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) أي وعدمه. واعلم أن المنطق قسمان: قسم خال عن شبه الفلاسفة كهذا الكتاب و ((مختصر الإمام السنوسي))، ((وتأليف الكاتبي)) فهذا لا خلاف في جوازه، ولا يصد عنه إلا من لا معقول له، بل هو فرض كفاية لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به، وردها فرض كفاية، وما يتوقف عليه الواجب واجبٌ. القسم الثاني: مختلط بشبه الفلاسفة، وهذا هو الذي جرى في الاشتغال به خلاف. والمصنف لما أراد أن يذكر حكم القسم الأول الذي أراد تأليف الكتاب فيه جره ذلك إلى ذكر حكم المنطق مطلقًا، فحكى الخلاف الواقع في القسم الثاني إلا أنه أطلق فيجب تقييد كلامه به.
(وَالخُلْفُ) أي الاختلاف، (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ) أي بالمنطق جار (عَلَى ثَلَاثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ) بدلٌ من ثلاثة (فَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَاوِي) نسبةً إلى نوى على غير قياس، والقياس حذف الألف (حَرَّمَا) أي الاشتغال به، وتبعهما على ذلك قومٌ من المتأخرين لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ فيزل بها (وَقَالَ قَوْمٌ) منهم الغزالي) (يَنْبَغِي) أي يجب كفايةً أو يستحب (أَنْ يُعْلَمَا) حتى قال الغزالي: من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه، وسماه معيار العلوم،
…
(وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ** جَوَازُهُ) أي الاشتغال به (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ) أي ذكي الفطنة، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) فيجوز له (لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ) ضد الخطأ، لأنه قد حصن عقيدته، فلا يخشى عليه من الخوض في الشبه، فإن كان بليدًا أو ذكيًا ولم يمارس السنة والكتاب لم يجز له الاشتغال به، لأنه لا يؤمن عليه من تمكن بعض الشبه من قلبه كما وقع للمعتزلة، ومن هنا منعوا الاشتغال بكتب علم الكلام المشتملة على تخليطات الفلاسفة إلا لمتبحر.
ــ - الشرح - ــ
قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) هذا ما يتعلق بحكم المنطق، حكم المنطق هذا أشبعنا فيه كلام في مقدمة الكوكب الساطع يعني نختصر هنا من أراد التوسع فليذهب إلى ما ذكرناه هناك (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) يعني بالمنطق. [أي وعدمه]، يجوز أو لا يجوز؟ لأنه ذكر من حرم، إذًا يقابل الجواز المنع.
[(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) أي وعدمه. واعلم]، من باب التنبيه [أن المنطق قسمان]، المنطق من حيث هو العلم السابق قسمان (قسم خال عن شبه الفلاسفة) الشبة شُبَهِ جمع شبة والشبة هي فعلة مما يشتبه على الناس، يعني: مما فيه إلباس من الاشتباه. الاشتباه هو الإلباس، [قسم خال] يعني صافٍ. [عن شبه الفلاسفة كهذا الكتاب]، السلم، ولذلك ذكر بعضهم أن الأخضري نظم إيساغوجي وليس ببعيد، يعني: من قارن هذا وذاك يجد أنه لا فرق بينهما، فكونه نظم ايساغوجي، وايساغوجي يعتبر من هذا الصنف، يعني القسم الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة.
[و ((مختصر الإمام السنوسي))] كذلك موجودٌ مطبوع، ((وتأليف الكاتبي)) الذي يُسمى بـ ((الشمسية)) هو موجود وله نظم، فهذا النوع الذي وُجد في هذه الكتب وما شاكلها كتب المتأخرين [لا خلاف في جوازه]، يعني: لم يختلف فيه أهل العلم، لأنه يجوز دراسته أم لا، وإنما وقع إجماع، وهذا كذلك ذكره الشيخ الأمين صاحب ((الأضواء)) في مقدمة الآداب، آداب البحث والمناظرة ما طُبع سابقًا بالمقدمة المنطقية [ولا يصد عنه إلا من لا معقول له]، يعني: لا يصد عن هذا النوع إلا من لا عقل له، [لا معقول له]، يعني: لا ينظر في المعقولات، وإنما هو جامدٌ، لكن هذا الكلام فيه، [بل هو فرض كفاية]، [بل] للإبطال والانتقال، يعني: ما سبق (هو) أي هذا النوع الخالي عن شبه الفلاسفة [فرض كفايةٍ] يعني إذا فعله بعض سقط عن الآخرين، وإذا تركه الكل أثموا، كالشأن في سائر فروض الكفايات كصلاة الجنازة، والدفن، وغسل، ونحوها هذا يعتبر من فروض الكفايات، إذا فعله البعض سقط عن الآخرين، إذا ترك الكل حينئذٍ نقول: هذا يترتب عليه اسم الجميع ما وجهه كونه فرض كفاية، لأن المنطق نحن نعلم أن هناك من حرمه، فالقول بأنه مستحب هذا فيه إشكال فكيف تجعله فرض كفاية؟ قال:[لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به]. بمعنى أنه صار وسيلة للدفاع عن الشريعة، ومعلومٌ دين الفلاسفة ومصادته ومضادته للشريعة، إذًا إذا توقف رد دين الفلاسفة بهذا الفن، حينئذٍ نقول: ما حكم رد شبه الفلاسفة؟ واجب، أليس كذلك؟ واجب قطعًا، وهم لا يؤمنون ولا يسلمون بكتابٍ وسنة، قال الله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، ما عندهم هذا الكلام، عندهم: قياس استثنائي، وقياس اقتراني، والشكل الأول، الشكل الثاني. كيف ترد عليه؟ ترد عليهم بمنطقهم، يعني: بلسانهم، حينئذٍ إذا لم يمكن الرد عليهم إلا بتعلم هذا العلم ورَدُّه، وَرَدُّ باطلِهم واجب، إذًا القاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ، إذًا من اعتمد في إثبات العقائد على فن المنطق أو قواعد الفلاسفة، وعندهم من الباطل ولم نتمكن من رد باطله إلا بهذا العلم صار مشروعًا، وهذه قاعدة لا بأس بها وتقرير سليم، بأن يقال بأنه مشروعٌ لرد باطل أهل التحريف والتأويل، لأنهم لا يسلمون بدلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، إذا كان كذلك حينئذٍ نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، [لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به]، يعني: بهذا الفن، [وردها فرض كفاية، وما يتوقف عليه الواجب واجبٌ]، هذا استدلالٌ أصوليٌ جيد لا بأس به هذا القسم الأول، قسمٌ خالٍ عن شبه الفلاسفة ولا بأس به، يعني: من حيث تعلمه بل ذهب بعضهم إلا أنه فرض كفاية إذا توقف عليه رد الباطل.
الثاني: [القسم الثاني] المختلط [مختلط بشبه الفلاسفة]، يعني: فيه حقٌ، وفيه باطل، قال:[وهذا هو الذي جرى في الاشتغال به خلاف]. إذًا الأول لا خلاف في تعلمه، والثاني الذي فيه شبه الفلاسفة هو الذي وقع فيه خلاف، فقول الأخضري هنا:(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ). هذا الفصل ليس موضعه هنا، لأن هذا الفن الذي ألف فيه، وهذا القسم الذي ألف فيه الأخضري ليس من القسم المختلف فيه، بل هو الجائز بل ادعي الإجماع عليه، إذا كان كذلك كيف يقال:(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) وعدمه؟ هذا فيه نظر، [وهذا هو الذي حرى في الاشتغال به خلاف. والمصنف] أراد أن يعتذر الإمام ذكر هذا الفصل والأولى حذفه، قال:[والمصنف لما أراد أن يذكر حكم القسم الأول] الجائز [الذي أراد تأليف الكتاب فيه جره ذلك إلى ذكر حكم المنطق مطلقًا، فحكى الخلاف الواقع في القسم الثاني إلا أنه أطلق فيجب تقييد كلامه به].
(وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ)، يعني: بالمنطق ليس مطلقًا، وإنما هو في المنطق المشهوب بشبه الفلاسفة، وقرر في آخر الأبيات بأنه يجوز الاشتغال به لكامل القريحة، إذًا الخالي من شبه الفلاسفة من بابٍ أولى وأحرى، فدل بالنص على جواز الاشتغال بالمختلط، لكن بشرطه، ودل بدلالة التضمن، لأنه إذا جاز المختلط من بابٍ أولى أن يجوز الخالي، دل بدلالة التضمن على جواز هذا النوعي، [(وَالخُلْفُ) أي الاختلاف (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ) أي بالمنطق، جار (عَلَى ثَلَاثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ))، (ثَلَاثَةٍ أَقْوَالِ)].
وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ
…
بِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَقْوَالِ
[(ثَلَاثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ) بدلٌ من ثلاثة]، (فَابْنُ الصَّلَاحِ) الفاء فاء الفصيحة، ابن الصلاح أبو عمرو رحمه الله تعالى عثمان ابن الصلاح، (وَالنَّوَاوِي) معلوم أن النووي رحمه الله تعالى أبو زكريا، (نسبةً إلى نوى) هذه قرية من قرى الشام (على غير قياس، والقياس حذف الألف) لأنه مثل فتى نوى، فَتى فتويٌ نوويٌ نواوي الألف هذه شاذة، قيل: أنه من باب الوزن. وقيل: من باب إشباع الحركة. على كلٍّ من حيث القياس الصرفي هذا غلط ليس بصحيح نووي فتوي مثله، (حَرَّمَا) الألف هذه فاعل يعود إلى ابن الصلاح والنووي، [(حَرَّمَا) أي الاشتغال به، وتبعهما على ذلك قومٌ من المتأخرين] لماذا حرموا ذلك؟ يعني: المختلط، [لأنهم لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ فيزل بها] نعم هو كذلك، وهذا حكم عام في سائر كتب أهل البدع المشتمل على حقٍ وباطل لا يجوز لمسلمٍ أن يفتح كتابًا منها البتة إلا إذا كان عالمًا بالبدعة من السنة والسنة من البدعة، إذًا (فَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَاوِي)، والنسبة على نوى على غير قياس يعني قرية من قرى الشام، والقياس حذف الألف كفتى وفَتَوِيٌّ، هنا قال: فتاوي، ويحتمل زيادة الألف هنا للإشباع أو للوزن ورُدّ، ((حَرَّمَا) أي الاشتغال به)، هنا يحرم أن يشتغل به المسلم، [وتبعهم على ذلك] التحريم [قوم من المتأخرين]، شددوا النكيرة على من تكلم في المنطق أو أنه ألف أو نحو ذلك، السيوطي له مؤلفٌ في ذلك، [لأنه] التعليل علة التحريم، [لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ] من شبه الفلاسفة لو قرأ كتب الفلاسفة قد يقع في قلبه شيءٌ من تلك البدعة، حينئذٍ يزل بها، وإذا كان كذلك ما كان وسيلةً إلى محرم فهو محرم كما ذكر في السابق في النوع الأول ما كان وسيلةً إلى الواجب فهو واجب، وما كان وسيلةً إلى محرم فهو محرم. إذًا إذا لم يمكن ترك المحرم كشبه الفلاسفة إلا به فحينئذٍ يكون محرمًا.
فما به ترك المحرم يُرى
…
وجوب تركه جميع من درى
فما به ترك المحرم يرى ** وجوب تركه .. ،
إذًا يجب ترك تعلم المنطق الذي هو مشوب، وإذا كان كذلك فعله يكون محرمًا، واضح هذا، و [الضرر يزال]، «لا ضرر ولا ضرار» .
…
[الضرر يزال] سواء كان الضرر متعلقًا بباب المعتقد أو بباب العبادات أو بسائر أنواع ما يتعلق بأمور الدنيا فالضرر يزال هي قاعدة عامة، وهذا منه ضرر ولا إشكال فيه.
((وَقَالَ قَوْمٌ) منهم الغزالي) أبو حامد صاحب ((الإحياء)) إحياء علوم الدين، وبعضهم سماه: إماتة علوم الدين، لما فيه من الأحاديث الضعيفة ونحوها، [(يَنْبَغِي) أي يجب كفايةً أو يستحب]، (يَنْبَغِي) الأصل أنها يطلق عند كثيرٍ من الفقهاء مرادفةً للمستحب، ينبغي فعل كذا، لا ينبغي فعل كذا، ينبغي فعل كذا في المستحب، لا ينبغي فعل كذا في المكروه، ولذلك قال:(يَنْبَغِي). حملوه على الاستحباب وهو أقل ما يحمل عليه، وفسره بعضهم بالوجوب، لأنه علل بتعليلٍ يدل على أنه واجبٌ (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا) الألف هذه للإطلاق، [حتى قال الغزالي: من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه] هذا باطل، [من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه]. كأن المراد به علم الرَّدِّ على المخالفين فما توقف على المنطق لا بد منه، يكون رده فيه شيءٌ من الضعف، وما عدا ذلك من ما لا ينبني عليه رد شبه أهل البدعة، حينئذٍ هذا كلام باطل مردودٌ عليه، وهذا جهلٌ، [من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه، وسماه معيار العلوم]، يعني: ميزان العلوم الذي توزن به، إذًا هذا قولٌ آخر.
الأول: التحريم.
والثاني: الوجوب أو الاستحباب.
فهما متقابلان، لكن هذا يقول: ليس بمشروع، وهذا يرى أنه مشروع، والتفصيل الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو الجدير بالقبول، يُفَصّل:
من كانت عنده أهلية النظر في كتب أهل البدع من الفلاسفة أو غيرهم فلا بأس.
ومن لم يكن كذلك فالأصل المنع، لماذا؟
لأن الوقوع في الشبهة ومزالق الشبه والبدع هذا محرم، وما لا يتم ترك المحرم إلا به فحينئذٍ تركه واجب وفعله يعتبر محرمًا، وهذه قاعدة عامة، لذلك النظر في كتب أهل البدع على هذا المنوال، وهذه حجة السلف فيما سبق في تزهيد أو التحذير من كتب أهل البدعة.
(وَالقَوْلَةُ) أي المقولة. (وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ** جَوَازُهُ) مشهورةً، إذًا هي معروفة عند أهل العلم، وهي الصحيحة لأنها موافقةٌ لدليل صحيح فالقول القائم على دليلٍ صحيح يكون قولاً صحيحًا، (جَوَازُهُ) أراد به الإذن، لأن الجواز عند الأصوليين وكذلك الفقهاء يطلق في مقابل المنع، وإذا أطلق في مقابل المنع فما أذن به وفيه إمَّا أن يكون على وجه الإيجاب، أو الندب، أو الاستواء، وهو لم يرد الثاني الاستواء، وإنما أراد ما يقابل المنع من حيث الإجابة والندب، يعني: قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا. فإذا كان هذا الكتاب مشتملاً على بدع وضلالات، وأراد الناظر أو أراد أن يرد على ما فيه يتعين، إذا لم يتمكن إلا عالمٌ واحد من الرد عليه، حينئذٍ إذا تعينوا عليه يكون فرض عين أن ينظر في هذا الكتاب صار واجبًا، صار النظر في كتب أهل البدع صار واجبًا بخصوص هذا الشخص، ومن عداه يكون مستحبًا من أجل الوقوف على البدعة ومعرفة ما استندا عليه، (جَوَازُهُ) إذًا عرفنا المراد بالجواز هنا أراد به الإذن، ويصدق حينئذٍ بالوجوب والندب، وليس مراده استواء الطرفين لماذا؟ لأنه قال:(لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ). وهذا إنما يكون أقل أحواله الاستحباب، ولا يكون مستوي الإذن [(جَوَازُهُ) أي الاشتغال به]، يعني: بالمنطق (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، يعني: القريحة الكاملة أي (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، يعني: لشخصٍ كامل القريحة أي الكامل أي القريحة الكامل، يعني:[ذكي الفطنة]، يعني: لا يلتبس عليه الحق بالباطل، لأن عندهم شبه وهذه الشبه قد تلتبس على من ينظر فيها بادئ الرأي، بمعنى أن عندهم عقل ومنطق ويلزم ولازم، الذي يقرأ هذا الكلام يقول: من وين جابوا هذا؟ هل هؤلاء بشر أم لا؟ فحينئذٍ نقول: قد يلتبس عليه الأمر فلا يفطن لما عندهم، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) يعني مزاول، (السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) لماذا يمارس السنة والكتاب؟ لأن الحق الذي في هذه الكتب يكون موافق الكتاب والسنة، وما خالف الكتاب والسنة، ونحن حديثنا في باب المعتقد يكون ماذا؟ يكون باطلاً، فالميزان هو الكتاب والسنة، فما جاء به الشرع فهو الحق، وما قابله فهو الباطل، حينئذٍ لا بد أن بكون عالمًا بمدلولات الكتاب والسنة عقائد في باب المعتقدات وعبادات في باب ما يقابل العقائد، فيجوز له (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، لماذا؟ قال:(لِيَهْتَدِي).
. . . . . . . . . . . .
…
جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَةْ
مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ
…
لِيَهْتَدِي. . . . . . . .
هذا تعليلٌ للجواز، يعني: لما جاز؟ فيجوز له (لِيَهْتَدِي)، توصل (بِهِ إِلَى الصَّوَابِ) إلى القول الصواب [ضد الخطأ]، لأنه حينئذٍ بممارسة الكتاب والسنة [قد حصن عقيدته، فلا يخشى عليه من الخوض في الشبه] نعم لا يخشى عليه من الخوض في الشبه من أجل ردها لا من أجل الوقوف عليها فحسب، لأن هذا لا يكفي إلا إذا كان من باب العلم بما يقابل الحق ومن باب أن لا يقع فيه الشخص، [فإن كان] حينئذٍ له محترز (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، إذًا من لم يكن كامل القريحة الذي نُصّ ونُصّ هذا ما يجوز له أن يشتغل، الذي ليس عنده
ذهن وقاد لا يجوز له أن ينظر في كتب أهل البدع، حتى في باب الأشعرية والمعتزلة والفلاسفة كلهم، ما ألفوه في باب المعتقد من لم يكن ذكيًّا كامل القريحة لا يجوز له النظر، لأنه يشتبه عليه، لأن الذي لا يشتبه لا يكتفي بدلالات الكتاب والسنة فحسب لا بد أن يجمع عليه شيء آخر، إذًا من لم يكن كامل القريحة لا يجوز له النظر في كتب أهل البدع، لو كان ذكيًّا من أذكياء الدنيا ولم يكن ممارس للكتاب والسنة لا يجوز له كذلك النظر، لو كان كامل القريحة ولم يكن ذا علمٍ كاملٍ بالكتاب والسنة حينئذٍ نقول: لا يجوز له، [فإن كان بليدًا] هذا مقابل (لِكَامِلِ القَرِيحَهْ)[أو ذكيًا ولم يمارس السنة والكتاب لم يجز له الاشتغال به، لأنه لا يؤمن عليه من تمكن بعض الشبه من قلبه كما وقع للمعتزلة]، المعتزلة أرادوا أن يردوا على الفلاسفة، هم رَدَّوا، وأرادوا أن يردوا على الفلاسفة فوقع عندهم شيءٌ من باب المعتقد، وكذلك الأشاعرة ردوا على المعتزلة وقع عندهم شيءٌ من الاعتزال، [ومن هنا منعوا الاشتغال بكتب علم الكلام المشتملة على تخليطات الفلاسفة إلا لمتبحر] متبحر، يعني: في الكتاب والسنة، إذًا
…
(وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ)، يعني: بعلم المنطق فيه اختلاف، لكن نفسر هنا الخلاف في القسم الثاني، يعني: القسم الذي هو مشوبٌ بشبه الفلاسفة حينئذٍ وقع فيه خلاف، المنع الإذن على جهة الإيجاب أو الاستحباب التفصيل إن كان سليم المعتقد عالمًا بالكتاب والسنة كامل القريحة لا يلتبس عليه أمر جاز، وإلا فالمنع، وأما القسم الأول الذي هو خالٍ عن شبه الفلاسفة فهذا لا خلاف في جوازه، وإنما حذر منه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من باب التزهيد فيه لأنهم عظموه جعلوه أصلاً إلى آخر ما يذكره كثيرٌ رحمه الله تعالى، إذًا هذا فصلٌ في جواز الاشتغال به، والله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة:
س: ما صحة قول من قال: المنطق لا يستفيد منه الذكي ولا يفهمه الغبي؟ وما معناه؟
ج - معناه واضح، وهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، على كلٍّ خالفه غيره والصحيح هو أنه لا بأس أن يدرسه طالب العلم ويستفاد منه في الرد على أهل البدعة، بل هو رحمه الله تعالى كثير من المواضع في ردوده على الأشاعرة وعلى المعتزلة لما ردّ عليهم بهذا المنطق، وقول من يقول من المعاصرين أنه لم يرد عليهم من الكتاب والسنة، هذا يكذبه الواقع تفتح كتب شيخ الإسلام تجده من أوله إلى آخره النقاش معهم إنما يكون في إبطال أدلتهم، وهذا أهم شيء لأنه لا يُسلم، يعني: قاعدة الأشعرية أن دلالات الكتاب والسنة لفظية، وهي محتملة، إذًا لا تؤخذ القواعد منها، أو العقائد، إنما العقائد لا بد من اليقين لا بد من القطع، ودلالات الكتاب والسنة، القرآن كله من أوله إلى آخره محتمل، عندهم عشر احتمالات للرازي تأتينا في الأصول إن شاء الله تعالى، حينئذٍ لما ورد الاحتمال بطل به الاستدلال في باب العقائد إذا كان كذلك كيف نرد عليهم؟ وإنما أسسوا عقائدهم على العقل، وأخذوا مادة المنطق وطبقوها من حيث المقدمات والنتائج، نرد عليهم بإفساد إما هذا القياس أنه قياسٌ فاسد مثلاً، أو يكون القياس صحيحًا في نفسه في المقدمتين، لكن النتيجة تكون فاسدة، وهذا أشد وأمكن في إبطال مذهبهم وأما أن ترد عليه بقوله تعالى هو لا يُسَلِّم بهذا، قال صلى الله عليه وسلم، هو لا يسلم بهذا، حديث متواتر يقول: ليس بمتواتر يحتمل ويحتمل وَيحتمل .. إلى آخره، ولذلك أتوا .. «إن الله ينزل في السماء الدنيا» .
أولوا ينزل رحمته، إذًا ما استفدنا شيء من كونه حديثًا متواترًا، وليس هذا تزهيد في الكتاب والسنة حاشا وكلا، وإنما المراد أن أولئك الأقوام لم يؤمنوا الإيمان الكامل بالكتاب والسنة، كيف نصنع معهم؟ لا بد أن نرد عليه بسلاحهم، وهذا أفضل ما يمكن أن يبطل به، أو آكد ما يمكن أن يبطل به مذهبهم، حينئذٍ نستفيد من هذه الفائدة، كذلك تستفيد منه فهم كلام شيخ الإسلام كم وَكم وكم من يقرأ ولم يكن متقنًا للفن المنطق يلتبس عليه بعض الأشياء في كلامه رحمه الله تعالى، ثَمَّ مصطلحات حتى في ((التدمورية)) وهي من الكتاب الذي يَشْتَهَر تدريسه، ثَمَّ هناك خلط نسمع بعض من يشرح هذا الكتاب لعدم علمه بهذا الفن، إذًا كيف نفهم كلام شيخ الإسلام؟ وكيف نُدَرِّدَسَهُ إذا لم يكن عندنا؟ أقل الأحوال أن يكون عندنا دربة بـ ((السلم)) وأوسع الشروح، لا نقول نتوسع فيه كما هو التوسع يكون في السنة، أو التفسير، أو الأصول، لا ليس هذا المراد، إنما المراد أن يدرسه كتاب أو كتابين ثلاث بالكثير، وإذا اكتفى بالسنة مع التوشيح هذا يكفيه، ثم إذا أشكل عليه حينئذٍ يرجع إلى الكتب المطولات للاستفادة منها، كذلك كتب أصول الفقه وبعض المسائل التي يذكرها النحاة، أو الصرفيون، أو البلاغيون بنوه على بعض المسائل المنطقية من حيث الاصطلاح، كيف تفهمها؟ صارت الحاجة إليه ماسة، فلا بد من تعلمه، لا بد من تعلمه للرد على أهل البدع، لفهم كلام شيخ الإسلام، بل إذا أراد أن يقف على كلامهم في باب المعتقد وأردت أن تقرأ في شروحات الجوهرة مثلاً لن تفهم إلا إذا فهمت المنطق على وجهه، إذًا الرد عليهم فهم كلام شيخ الإسلام فهم كثير من المسائل التي يعتني بها الأصوليون من حيث التقرير والتقعيد، إذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من تعلمه، الشوكاني رحمه الله تعالى له كلام جميل ونقلناه في مقدمة ((الكوكب الساطع))، والشيخ الأمين كذلك في مقدمة ((آداب البحث المناظر)) له كلام نفيس جيد، ويرى أنه مجمعٌ عليه بالجواز وأنه لا بد منه وأنه سلاح للدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وإذا كان كذلك حينئذٍ العلماء بشر وليسوا بمعصومين يوزن كلامهم بالكتاب والسنة، فما وافق قبل وما لم يوافق حينئذٍ يكون فيه شيء من النظر، الله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.
- - -