الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* فصل المعرفات.
* باب في القضايا وأحكامها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
- - -
فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ
مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ
…
حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ
فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا
…
وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا
وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ أَوْ مَعَا
…
جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ وَقَعَا
وَنَاقِصُ الرَّسْمِ بِخَاصَةٍ فَقَطْ
…
أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ قَدِ ارْتَبَطْ
(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) جمع معرِّف، ويسمى تعريفًا لتعريفه المخاطب بالماهية، وقولاً شارحًا لشرحه الماهية)، (مُعَرِّفٌ) مبتدأ حذفت منه أل للوزن (عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرِّف منقسم على ثلاثة أقسام: الأول) (حَدٌّ) وهو تام كما سيأتي. (وَ) الثاني: (رَسْمِيٌّ) ويسمى رسمًا، وهو أيضًا تام وناقص. (وَ) الثالث:(لَفْظِيٌّ) أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق، وهو من نسبة الخاص إلى العام، وقوله (عُلِمْ) تكملة للبيت، ثم بين الثلاثة بقوله:(فَالحَدُّ) القريب، (وَفَصْلٍ) قريب، (وَقَعَا) نحو الإنسان حيوان ناطق، (وَالرَّسْمُ) التام. (بِالْجِِنْسِ) القريب. (وَخَاصَةٍ) بتخفيف الصاد للوزن، شاملة لازمة، (مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين كالحيوان الضاحك بالقوة في تعريف الإنسان، وسمي التعريف الأول حدًا، لأن الحد هو: المنع. وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه، ويُسمى التعريف الثاني رسمًا، لأن الرسم هو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف. (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ) وحده كالناطق في تعريف الإنسان (أَوْ). بفصل (مَعَا جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ وَقَعَا) كالجسم الناطق في تعريف الإنسان (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص (بِخَاصَةٍ فَقَطْ) كالضاحك في تعريف الإنسان، (أَوْ) بخاصة (مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ) بالصرف للضرورة، (قَدِ ارْتَبَطْ) ذلك الجنس الأبعد بالخاصة كالجسم الضاحك في تعريف الإنسان.
ــ - الشرح - ــ
(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ)
وهذا هو المقاصد من علم التصور، التصور له مبادئ وله مقاصد، مبادئ التصور هو: الكليات الخمس، ومقاصد التصور هو: المعرفات.
[(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) جمع معرِّف] بكسر الراء، [ويسمى تعريفًا لتعريفه المخاطب بالماهية]، يعني: ذات الشيء وحقيقة الشيء، يعني: الذي يكشف عن الماهيات هو: المعرِّف. [و] يسمى [قولاً شارحًا] مر معنا [لشرحه الماهية)، [قولاً) وهو: مركب. [شارحًا] من الشرح وهو: الكشف. [لشرحه الماهية].
مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ
…
حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ
قسم لك المعرِّف دون أن يعرف المعرِّف.
المعرِّف بكسر الراء هو: ما يقتضي تصوره تصور المعرَّف، أو امتيازه عن غيره، ما قولٌ يقتضي تصوره تصور المعرَّف، وهذا هو الحد التام، أو للتنويع والتقسيم، امتيازه عن غيره، يعني: ما يميزه عن غيره، وهذا إنما يكون بالأثر، وهذا الثاني ما عداه، يعني: ما عدا التام، وهو: الرسم، ويدخل في الرسم اللفظي، والمراد بالتصور الأول ما يقتضي تصوره مراد به الخطور بالبال، يعني: ما يخطر بالبال، لا الحصول عن جهل، لأن المعرِّف يجب أن يكون معلومًا حال التعريف به وإلا لزم التعريف بماذا؟ بالمجهول، فالإنسان، إذا قيل: ما الإنسان؟ الإنسان حيوان ناطق، أين المعرِّف؟ حيوان ناطق، أين المعرَّف؟ الإنسان، معرَّف معرِّف بالكسر، فالمعرِّف يكون معلومًا، والمعرَّف يكون مجهولاً، هذا الأصل فيسأل يقول: ما الإنسان؟ إذًا الإنسان مجهول، ما الصلاة؟ ما الزكاة؟ ما الحج؟ فيسأل عنها لأنها مجهولات عندهم، حينئذٍ نقول: الصلاة كذا، والصيام كذا فيأتي بالتعريف، إذًا المعرِّف يكون معلومًا، والمعرَّف يكون مجهولاً، إذًا التعريف يكون بماذا؟ يكون بمعلوم أو يكون بمجهول؟ قطعًا أنه يكون بمعلوم، لأنه إذا كان المعرَّف مجهولاً حينئذٍ لا بد أن يأتي بشيء معلوم عند المخاطب فيقول لك: ما الإنسان؟ الإِنسان مجهول عندي، حينئذٍ تأتي بعبارات لتكشف لي حقيقة الإنسان، فتأتي بعبارات معلومة عندي وليست بمجهولة، إذًا ما يقتضي تصوره، المراد به الخطور بالبال لا الحصول عن جهل، لأن المعرِّف بالكسر يجب أن يكون معلومًا حال التعريف به وإلا لزم التعريف بالمجهول لو كان الإنسان مجهولاً عند المخاطَب وهو كذلك، والحيوان الناطق مجهولاً عند المخاطَب لعرف المجهول بالمجهول وهذا ممتنع، ما يقتضي تصوره عرفنا المراد بالتصور الأول الخطور بالبال ليس الذي حصل عن جهل.
تصور المعرَّف، المراد بالتصور الثاني الحصول عن جهل لا الخطور بالبال، لماذا؟ لأن المعرَّف يجب أن يكون مجهولاً حال تعريفه وإلا لزم تحصيل الحاصل، أو امتيازه، يعني: ما يميزه ويفصله عن غيره، وهذا كما ذكرنا الأول خاص بالحد التام، والثاني ما عدا الحد التام، ويدخل فيه الرسم واللفظ ومن زاد المثال والتقسيم كذلك.
قال الناظم: (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ). (مُعَرِّفٌ) تنكير (مبتدأ حذفت من أل للوزن) الأصل المعرِّف على ثلاثة المعرِّف، أو يبقى على أصله ولا نحتاج أن نقول: بأن أل هنا محذوفة للوزن، ويكون نكرة، والمسوغ للابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، يعني: فَصَّل (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ)، وإذا كان كذلك صار مسوغًا، يعني: أفاد. وعند ابن مالك رحمه الله تعالى ومن نحى نحوه، أيَّ فائدة حصلت بالنكرة ولو فائدةً ما صح الابتداء بها.
ولا يجوز الابتداء بالنكرة
…
ما لم تفد .........
فإن أفادت أيَّ فائدةٍ (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ) حصلت الفائدة عند المخاطَب فلذلك صح الابتداء به، [(عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرِّف منقسم على ثلاثة أقسام]، المعرِّف منقسم إلى ثلاثة أقسام على المشهور عند المناطقة وهو: الحد، والرسم، واللفظ.
(حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ)، وزاد بعضهم: المثال، كقولك: الاسم كـ: زيد. هذا تعريف، لذلك سيبويه لما ذكر الاسم قال: كـ زيد. الاسم كزيد عرفه بالمثال، وهذا معروف قديمًا، وكذلك الفعل كـ: قام، والحرف كـ: إلى، العلم كـ: النور، الجهل كـ: الظلمة، تعريفه بالمثال، أو زاد بعضهم التقسيم، الكلمة إما اسم، وإما فعل، وإما حرف، حينئذٍ الحصر حصل بالتقسيم، ويمكن أن يقال بأن الناظم هنا كذلك عرف المعرِّف بالتقسيم لأنه قال:(مُعَرِّفٌ)، (حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ). وهذا نوع من أنواع التعريف، حينئذٍ المثال والتقسيم زاد بعض المنطقيون هذين النوعين والصحيح أنهما داخلان في الرسم، بل اللفظي على الصحيح أنه داخل في الرسم، حينئذٍ انحصر المعرف في نوعين: الحد، والرسم. فقط الحد والرسم، إذًا (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرف منقسم على ثلاثة أقسام:
الأول: (حَدٌّ) وهو نوعان: حد تام، وحد ناقص. (كما سيأتي)، يعني: كأنه يريد أن يشير إلى أن قول الناظم: (حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ). هذه ثلاثة أقسام في الجملة، وعند التفصيل تصير خمسة تكون خمسة خمسَة أقسام، يعني: على ثلاثة إجمالاً، وعند التفصيل على خمسة، لأن الحد نوعان: تام، وناقص. والرسم نوعان: تام، وناقص. ولفظيٌّ كما هو هذه خمسة حد تام، حد ناقص، رسم تام، ورسم ناقص، هذه أربعة، ولفظيٌّ هذه خمسة.
[(وَ) الثاني: (رَسْمِيٌّ)] منسوب للرسم اللغوي لا الاصطلاحي ويسمى رسمًا، (رَسْمِيٌّ) بتشديد الياء ويسمى رسمًا، رسمي بياء النسب هنا ياء النسبة وهو منسوب للرسم لكنه بالمعنى اللغوي وهو الأثر وليس المراد به المعنى الاصطلاحي وهو أيضًا نوعان: تام، وناقص.
[(وَ) الثالث: (لَفْظِيٌّ) أي تعريف لفظي، منسوب للفظ المطلق) من حيث هو، أيُّ لفظ يحصل التعريف به (وهو من نسبة الخاص إلى العام]، (لَفْظِيٌّ) تعريف معرِّف لكن التعريف هنا باللفظ بحسب المقابل، يعني: ما هو الذي يعرف باللفظ؟ الذي يسأل عنه، حينئذٍ صار مطلقًا لكن الذي يعنيه المصنف هنا الإطلاق وليس هو التقيد، (أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق) هكذا لفظ، أيُّ لفظ؟ إنما يعرف بالسؤال، لو قيل:(لَفْظِيٌّ). نسبةً للفظ المنسوب إليه ما هو نوعه؟ أيُّ لفظ؟ هذا إنما يكون في الجواب، ما البُرُّ؟ القمح، إذًا هذا حصل بخاص، لكن الذي عناه الناظم هنا لفظيٌّ مطلق اللفظ الذي يحصل به الجواب، ليس لفظًا خاصًا وإلا لحددنا اللفظي بلفظ خاص وما عداه خرج عن اللفظ وليس المراد، (منسوب للفظ المطلق، وهو من نسبة الخاص إلى العام)، يعني: المقيد إلى العام. (عُلِمْ)، وقوله:(عُلِمْ). وهذا تكملة للبيت، تتمة للبيت أو تكملة للبيت، وقيل: فيه تنبيه على أن اللفظ لا بد أن يكون اللفظ المعرف به علم معناه، وإنما جهل كونه مسمًى باللفظ الآخر كما سيأتي، البُرُّ القمح حينئذٍ القمح لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب، لو قال قائل: ما البُّرُّ؟ قال له: القمح. إذًا القمح لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب وإلا ما صح التعريف [(عُلِمْ) تكملة للبيت، ثم بين الثلاثة بقوله]:
فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا
…
وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا
(فَالحَدُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، (فَالحَدُّ) نقيده بالتاء لأنه قال في البيت الذي يليه:(وَنَاقِصُ الحَدِّ). دل على أن الحد في البيت السابق المراد به التام، ولذلك قيده الشارح،
…
[(فَالحَدُّ) التام] بماذا يكون؟ يكون بلفظين، تجمع بين الجنس والفصل، (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق، والحد مبتدأ، وقوله:(وَقَعَا). جملة خبر، والضمير يعود إلى الحد، (بِالْجِنْسِ) أي القريب. وإذا أُطلق الجنس فالأصل أنه ينصرف إلى القريب، ومر معنا بالأمس أن الجنس ثلاثة أنواع: جنس قريب، بعيد، وسط. حينئذٍ إذا أُطلق الجنس انصرف إلى القريب، وإذا احتجنا إلى التقيد إنما نقيد المتوسط والبعيد أو الأبعد، [(بِالْجِنْسِ) القريب] من باب التأكيد، (وَفَصْلٍ) كذلك قريب، يعني: الفصل كالجنس، وإن لم يذكره الناظم، فالفصل قد يكون بعيدًا وقد يكون قريبًا، فهو نوعان، فالقريب ما يميز الشيء عن ما يشاركه في جنسه القريب، الفصل القريب إذا كان يميز الشيء عما يشاركه في الجنس القريب، يعني: ما يكون تاليًا للجنس القريب، كالناطق فإنه يميز الإنسان عما يشاركه في جنسه القريب، وهو الحيوان من الفرس والحمار ونحو ذلك، البعيد ما يميز الشيء عما يشاركه في الجنس البعيد، يعني: في جنسه البعيد، فإن كان الفصل تاليًا لجنسٍ قريب، فهو فصل قريب، وإن كان الفصل تاليًا ليميز عما شاركه في جنسه البعيد حينئذٍ يكون فصلاً بعيدًا، كالحساس بالنسبة للإنسان فإنه يميزه عما يشاركه في جنسه البعيد، كالجسم من الحجر والشجر ونحو ذلك، إذًا الفصل يكون قريبًا وبعيدًا، والجنس يكون قريبًا وبعيدًا، (وَفَصْلٍ) أي: قريب. (وَقَعَا) الألف للإطلاق، نحو ماذا؟ الإنسان حيوان ناطق، إذًا الحد عند المناطقة المراد به الحد التام ما كان بالجنس القريب والفصل القريب بشرط أن يتقدم الجنس على الفصل، يعني: لا يتأخر الجنس القريب عن الفصل القريب فلو قال: الإنسان ناطق حيوان. هذا ليس بحد تام، وإنما هو حد ناقص، إذًا الحد في اللغة: المنع، لأنه يمنع من دخول أفراد غير المعرَّف ومن خروج أفراد منه.
وفي الاصطلاح هو: تعريف الماهية بالجنس القريب والفصل القريب مع تقديم الجنس على الفصل وإلا كان حدًا ناقصًا.
والرسم التام (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا)، المراد بالرسم هنا الرسم التام، لأنه قال في البيت الثالث:(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ). إذًا عندنا رسم تام، فإذا أطلقه انصرف إليه، وإذا أراد الرسم الناقص قيده، [(وَالرَّسْمُ) أي التام. (بِالْجِِنْسِ) القريب (وَخَاصَةٍ)]، أصلها خاصَّة بالتشديد لكنها خففها، (بتخفيف الصاد للوزن)، ويشترط في هذه الخاصة وعرفنا أن المراد بالخاصة هي العرض الخاص، هو كليٌّ عرضي لكنه خاص لا عام، لأن العام ليس بداخل هنا، إذًا (وَخَاصَةٍ)، قال:(شاملة لازمة). يعني: يشترط فيها أمران: أن تكون شاملة، وأن تكون لازمة. بخلاف غير الشاملة، الشَّاملة يعني: التي فيها إحاطة كالعلم بالنسبة للإنسان فلا يعرف بها لخروج كثير من الأفراد عنها، لو قال: الإنسان حيوان عالم. ما صح، لماذا؟ لأن العلم وصف للأفراد لكن ليس لكل الأفراد ليست صفة عامة في كل إنسان، وإنما الذي يحصل به التعريف والتميز ما كان وصفًا عامًا لا ينفك عنه فرد من أفراد الإنسان، وأما كونه عالمًا هذا يوجد في بعض الأفراد ولا يوجد في بعض الأفراد، إذًا الوصف بالعلم بالنسبة للإنسان هذا وصف غير شامل، وإذا كان كذلك فلا يصلح أن يُعَرَّف به، وبخلاف غير اللازمة، يعني: التي تنفك كالمتنفس بالفعل بالنسبة للحيوان، فلا يُعَرَّف بها لخروج أفراد المحدود عنها حال المفارق، هذا ما ذكرناه بالأمس أن الضاحك نوعان: ضاحك بالفعل، وضاحك بالقوة. أيُّ الوصفين لازم للإنسان لا ينفك عنه البتة؟ الضاحك بالقوة، إذًا الذي يصح التعريف به في الخاصة هو: الضاحك بالقوة، فلو عرف الإنسان بأنه حيوان ناطق بالفعل ما صح، لماذا؟ لكون قوله: ضاحكًا بالفعل. هذا وصف ليس بلازم لأنه ينفك عنه، يضحك في وقت ويترك في أوقات، حينئذٍ نقول: هذا الوصف الذي هو الخاصة الضاحك ليس باللازم، والأول العالم ليس بشامل، إذًا يشترط في الخاصة التي يصح التعريف بها في الرسم أن تكون شاملة، يعني: تعم كل الأفراد لا يختص بها بعض الأفراد دون بعض، فإن اختص لم يصح.
ثانيًا: أن تكون لازمة لا تنفك في وقت من الأوقات بل هي في كل وقت، وهذا إنما يكون في كل الصفات التي تكون بالقوة، وأما الصفات التي تكون بالفعل هذه ليست بلازمة لأنها تنفك في وقت دون وقت، [(وَخَاصَةٍ) بتخفيف الصاد للوزن، شاملة لازمة (مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين]، مثال الرسم التام (كالحيوان الضاحك بالقوة في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ الحيوان الضاحك بالقوة، الحيوان هذا جنس قريب، والضاحك بالقوة هذا خاصة، إذًا اشترك الحد التام مع الرسم التام في أن كلاً منهما يعرف بالجنس القريب، واضح؟ اشتركا في ماذا؟ بالجنس القريب، لو قال:(فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ). أي: القريب. (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ) أي القريب. إذًا اشتركا، وافترقا في ماذا؟ أن الحد التام يكون مع الجنس الفصل القريب، والرسم التام يكون مع الجنس القريب الخاصة اللازمة الشاملة، ويشترط فيه كذلك الترتيب أن يتقدم الجنس القريب على الخاصة، فإن عكس حينئذٍ نقول: هذا ناقص رسمي. يعني: لو قال: الإنسان الضاحك بالقوة الحيوان. نقول: هذا ناقص رسمي ليس برسم تام. [(مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين كالحيوان الضاحك بالقوة]، يعني: لا بالفعل. [في تعريف الإنسان، وسمي التعريف الأول حدًا لأن الحد هو المنع، وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه]، وجامع لأفراده كذلك يجمع، فحينئذٍ الإنسان حيوان ناطق كل فرد من أفراد لفظ الإنسان دخل في الحد، وكل لفظ لا يصدق عليه أنه إنسان خرج، ولذلك يقال من شرط الحد التام أو الحد: أن يكون جامعًا مانعًا. بل عرف بعضهم الحد الجامع المانع.
الجامع المانع حدُّ الحدِّ
كما عرفه السيوطي في الكوكب، الجامع المانع، جامع لكل الأفراد، المانع من دخول فرد من غير الأفراد في الحد، إذًا [الحد هو: المنع. وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه، ويسمى التعريف الثاني رسمًا، لأن الرسم هو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف]، أو إن شئت قل: أثر أو الصفة، ومنه الحكم، إذًا عندنا حد تام ورسم تام، وقدم تعريف الحد التام والرسم التام لأنهما أعلى ما يعرف به المعرف.
ثم شرع في بيان ناقص كل منهما.
(وَنَاقِصُ الحَدِّ)، يعني: الحد الناقص، من إضافة الصفة للموصوف، الحد الناقص [(بِفَصْلٍ) وحده]، يعني: ما كان فيه التعريف بالفصل، ما الإنسان؟ الناطق بالقوة، ما ذكر الجنس، وإنما ذكر الفصل فقط، هذا يسمى ماذا؟ حدًا ناقصًا، لماذا؟ لأنه لم يذكر الجنس القرين وإنما ذكر الفصل وحده فقط، إذًا (بِفَصْلٍ)، يعني: حاصل أو كائن أو ثابت
…
[(بِفَصْلٍ) وحده كالناطق في تعريف الإنسان]، ما الإنسان؟ قال: ناطق بالقوة. (أَوْ) له صورة أخرى، (بِفَصْلٍ) مع جنس بعيد، يعني: يؤتى بالفصل كما هو لكنه مع جنس البعيد لا القريب، يعني: ليس كالحد التام، الحد التام يكون بالجنس القريب، وأما إذا وجد الجنس البعيد مع الفصل حينئذٍ نقول: هذا ناقص [الرسم](1)(أَوْ مَعًا).
(1) سبق وقد استدرك بعده.
ناقص الحد نعم [أحسنت] ناقص الحد، أو بفصل (مَعَا) الألف هذه للإطلاق، (جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ) هذا تأكيد، لأن الجنس البعيد ليس بقريب، (لَا قَرِيبٍ) هذا توكيد لما قبله، (وَقَعَا) الألف للإطلاق خبر ناقص الحد، (كالجسم الناطق في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ قال: الجسم الناطق. الجسم هذا جنس بعيد، الناطق، يعني: بالقوة، حينئذٍ جمع بين أمرين عرف الإنسان بالجسم وهو جنس بعيد، وعرف الإنسان بجمعه مع الجنس البعيد بالفصل، حينئذٍ نقول: هذا ناقص الرسم. لماذا ناقص الرسمي وليس بناقص الحد وليس بحد تام؟ لماذا؟
..
لأنه أتى بالجنس البعيد، والحد التام إنما يكون بالجنس القريب، إذًا ذكر لك صورتين، الحد التام له صورة واحد وهي: الجنس القريب مع الفصل القريب مع تقديم الجنس القريب على الفصل، والحد الناقص ذكر له صورتين:
الأولى: أن يكون بالفصل وحده، كالناطق في تعريف الإنسان.
الثانية: أن يكون بالفصل مع الجنس البعيد، جسم ناطق.
بقي صورة ثالثة مأخوذة من الشرط المذكور في الحد التام وهي: لو قدم الفصل على الجنس، لو قال: الإنسان ناطق حيوان. نقول: هذا ناقص الرسم. إذًا له ثلاث صور، فإذا أخر الجنس عن الفصل كما يقال: إنسان ناطق حيوان، حينئذٍ نقول: هذا ناقص الحد.
أو بـ (فَصْلٍ مَعَا ** جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ وَقَعَا)، (مَعَا) هذا معطوف على محذوف، والتقدير بفصل وحده أو معا جنس بعيد.
ثم قال: [(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص]. من إضافة الصفة إلى الموصوف، [(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص. (بِخَاصَةٍ فَقَطْ)]، يعني: أن يعرف الإنسان بالخاصة فقط، (كالضاحك في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ ضاحك، الأول عرفنا هناك قلنا: ضاحك. لا ناطق، ضاحك هذا بالرسم، ناقص الرسم يقع بالخاصة فقط، ويشترط في الخاصة كما ذكرنا شامة لازمة لو قال: ما الإنسان؟ قال: الضاحك بالقوة. عرفه هنا بماذا؟ بالخاصة، وهي لازمة شاملة، [(أَوْ) بخاصة (مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ)]، يعني: بعيد المراد به ليس الجنس القريب الأبعد ليس المنتهى وإنما المراد بالأبعد هنا البعيد، فيدخل في كل ما كان فوق الحيوان، [(أَبْعَدٍ) بالصرف للضرورة، (قَدِ ارْتَبَطْ) ذلك الجنس الأبعد] أي البعيد. [بالخاصة كالجسم الضاحك في تعريف الإنسان]، ما الإنسان؟ قال: الجسم الضاحك بالقوة. جمع بين الجنس البعيد والخاصة، أليس كذلك؟ نقول: هذا ناقص الرسم. لماذا لا نقول: رسمًا تامًا؟ لأن الرسم التام يكون بالجنس القريب مع الخاصة، وهنا جاء بالجنس البعيد مع الخاصة فهو رسم ناقص، إذًا ذكر للرسم الناقص صورتين: أن يكون بالخاصة فقط، أن يكون بالخاصة مع الجنس البعيد. بقي صورة ثالثة وهي: أن يكون بالجنس القريب والخاصة، لكن يقدم الخاصة على الجنس القريب، نقول: هذا صورة من صور ناقص الرسم، مثل ماذا؟ الإنسان ضاحك حيوان، إذًا الرسم التام له صورة واحدة، والحد التام له صورة واحدة، والحد الناقص له ثلاث صور، والرسم الناقص له ثلاث صور.
ثم قال:
- - -
وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا
…
تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا
(وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا) أي والتعريف الذي اشتهر عند المناطقة باللفظي هو: (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِـ) بلفظٍ (ِرَدِيفٍ) للمعرف (أَشْهَرَا) منه، وذلك كقولنا في تعريف البر: هو القمح. فإنه مرادف للبُرِّ وأشهر منه لشهرة استعماله في ألسنة العامة والخاصة.
ــ - الشرح - ــ
وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا
…
تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا
يعني: اللفظي، الأول كما ذكرنا أن الصحيح أنه داخل في الرسم، لأنه مما يميز الشيء عن ما عداه، حينئذٍ يكون داخلاً في الرسم، ولذلك الحد السابق ما يقتضي تصوره تصور المعرف قلنا: هذا خاص بالحد التام ما عداه داخل فيما بعده، (وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا) الألف للإطلاق، [أي والتعريف الذي اشتهر عند المناطقة باللفظي هو:(تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ)] يعني بلفظ مرادف، مرادف لماذا؟ لأي شيء؟ (للمعرَّف) مرادف للمعرف، قوله:(تَبْدِيلُ). هذا فيه توسع، يعني: تسامح، لأن المعرِّف اللفظي ليس هو التبديل، التبدِيل هذا فعل الفاعل، وإنما المراد به اللفظ عينه الْبُرُّ القمح، القَمح هو التعريف اللفظي وليس كونك أبدلت اسمًا باسم أو لفظ بلفظ هو التعريف، إذًا فيه تسامح، لأن المعرف اللفظي ليس نفس التبديل، بل اللفظ الذي أتي به بدلاً إذ التعريف من قبيل الألفاظ وليست من قبيل المعاني، التبديل هذا معنى من المعاني كالتلفظ والتكلم هذه معاني وليست بألفاظ، (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ) أي: بلفظ رديف. رَدِيف فَعِيل بمعنى مُفَاعل مُرَادف [للمعرف (أَشْهَرَا) منه]، يعني: عند من؟ عند السامع عند المخاطب، و (أَشْهَرَا) بالألف للإطلاق، [وذلك كقولنا في تعريف البر: هو القمح. فإنه مرادف للبُرِّ وأشهر منه لشهرة استعماله في ألسنة العامة والخاصة]، لو كان ما يعرف البر لكنه يعرف القمح قال: ما البر؟ إيش البر هذا؟ قيل له: القمح. حينئذٍ قمح هذا أشهر عند العامة وخاصة من البر، واحترز بكونه أشهر احترز بذلك عن الرديف الأخفى أو المساوي، لأن اللفظ باعتبار اللفظ من حيث الوضوح قد يكون أوضح وقد يكون مساويًا وقد يكون أخفى، وإنما الذي يقع به التعريف اللفظي أن يكون أشهرا، وإذا كان مساويًا لم يصح وإذا كان خفيًّا أو أخفى من المسئول عنه كذلك لا يصح.
ثم بعد ما بين لك أنواع المعرِّف الخمسة على جهة التفصيل أراد أن يبين لك شروط المعرِّف لأنه لا يصح كل تعريف إلا باستفاء شروطه.
- - -
وَشَرْطُ كُلٍّ أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا
…
مُنْعَكِسًا وَظَاهِرًا لَا أَبْعَدَا
وَلَا مُسَاوِيًا وَلَا تَجَوُّزَا
…
بِلَا قَرِينَةٍ بِهَا تُحُرِّزَا
(وَشَرْطُ كُلٍّ) أي من الحد والرسم (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا) أي كلما وجد التعريف وجد المعرَّف، فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه، و (مُنْعَكِسًا) أي كلما وجد المعرَّف وجد التعريف فيكون جامعًا لأفراد المعرف لا يخرج عنه منها شيء، فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان لدخول غيره فيه فليس بمانع، ولا تعريفه بالحيوان الكاتب بالفعل لخروج أفراد غير الكاتب عنه فليس بجامع (وَ) أن يرى (ظَاهِرًا) أي واضحًا، (لَا أَبْعَدَا) أي أخفى من المعرف كتعريف النار بأنها جسم كالنفس.
…
(وَلَا مُسَاوِيًا) للمعرَّف في الخفاء، كقولنا في تعريف المتحرك: هو ما ليس بساكن، (وَلَا) أن يرى التعريف (تَجَوُّزَا) بضم الواو، أي لفظٌ تُجُوِّزَا أي لفظًا مجازيًا، ومحل امتناع المجاز إذا كان (بِلَا قَرِينَةٍ) معينة للمراد، (بِهَا) أي بتلك القرينة (تُحُرِّزَا) بالبناء للمجهول، يعني محل امتناع التعريف بالمجاز إذا كان خاليًا عن القرينة المعينة للمراد التي يُحْتَرَزُ بها عن إرادة غير المراد، كتعريف العالم بأنه بحرٌ يدخل الحمام أو يصلى ويصوم فيمتنع لالتباس المراد بغيره، فإن كان مع المجاز قرينة تُعَيِّن المراد كقولنا في تعريف البليد: حيوان ناهقٌ يدخل الحمام ويصلي، جاز التعريف به.
ــ - الشرح - ــ
(وَشَرْطُ كُلٍّ) معلوم الشرط، ما يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من عدمه العدم، إذًا لا يوجد المعرَّف أو التعريف لا يوجد التعريف إلا بتحقق هذه الشروط المذكورة، (وَشَرْطُ كُلٍّ) التنوين هنا عوض عن ماذا؟
[عن المضاف]
عن المضاف، وهل المراد بالمضاف كل الثلاثة السابقة الحد والرسم واللفظي أم المراد بعضها؟ المراد بعضها، وهو: الرسم والحد. وأما اللفظي فلا يُشترط فيه شيء من هذه لامتناعها، يعني: يمتنع أن توجد هذه الشروط في اللفظ، إذًا (وَشَرْطُ كُلٍّ) قال الشارح:[أي: من الحد والرسم]. ولم يذكر اللفظي، إذًا هذه الشروط ليست داخلة في اللفظ، وإنما هي شروط للحد والرسم، (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا ** مُنْعَكِسًا) الطرد هو: المنع، والانعكاس أو المنعكس هو: الجمع، يعني: أن يكون الحد جامعًا مانعًا، أن يكون الحد جامعًا لجميع أفراد المعرَّف، أن يكون مانعًا، مَانعًا لماذا؟ من غير أفراد المعرَّف من الدخول في التعريف، يعني: أن يكون محكمًا، يختص التعريف بالمعرَّف، لأن المعرف له أفراد، إذًا ثَمَّ أفراد لا يصدق عليها التعريف، إذًا لا بد من إخراجها، لأنها ليست داخلة تحت المعرف، وثَمَّ أفراد داخلة فلا بد من إدخالها فخروجها حينئذٍ يكون نقضًا في التعريف، [(أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا) أي كلما وجد التعريف] الذي هو المعرِّف [وجد المعرَّف، فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه]، واضح هذا؟ إذًا المطرد هو المانع، لأنه قال:[فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه]. يعني: في التعريف الطرد هو: المنع. [و (مُنْعَكِسًا) أي كلما وجد المعرَّف وجد التعريف] المنعكس هو: الجامع، [فيكون] حينئذٍ التعريف [جامعًا لأفراد المعرف لا يخرج عنه منها شيء، فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان]، لو قال قائل: ما الإنسان؟ قال: الحيوان. هل هذا جامع؟ نعم جامع لأنه دخل فيه الإنسان بجميع أفراده، هل هو مانع؟ لا، لماذا؟ دخل الفرس و .. و .. إلى آخره، إذًا [تعريف الإنسان بالحيوان] نقول: هذا جامعٌ لكنه ليس بمانعٌ، جامع لماذا؟ لكونه لا يخرج عنه فرد من أفراد الإنسان، لأن الحيوان دخل فيه الإنسان كل أفراد الإنسان دخلت ولا إشكال فيه، فهو جامع، لكنه هل هو مانع؟ لا، لأن الإنسان حيوان حيوَان أعم من الإنسان، كل إنسان حيوان ولا عكس، لماذا؟ لكون الحيوان يصدق على غير الإنسان كالفرس والبغل والحمار، إذًا [فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان] لماذا؟ [لدخول غيره فيه فليس بمانع] أي مطرد، ولا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان الكاتب بالفعل، الحيوان كاتب بالفعل هذا ليس جامعًا، لماذا؟ لأن الإنسان من أفراده [ما لا يكتب أو](1) من لا يكتب، حينئذٍ الكاتب بالفعل، يعني: الذي يكتب، والذي لا يكتب ليس بإنسان، هذا صحيح؟ ليس بصحيح لو قال: الكاتب بالقوة. نعم، إذًا جميع ما يقال بأنه خاصة إذا قُيِّدَ بالفعل لم تدخل جميع الأفراد، لماذا؟ لأن الوصف بالفعل، يعني: الذي تحقق بهذه الصفة بأن يكون كاتبًا حينئذٍ خرج، لو قيل: الإنسان الحيوان الضاحك بالفعل. خرجتم كلكم الآن، أنتم لستم بإنسان صحيح إلا البعض، حينئذٍ نقول: الوصف إذا قُيِّدَ بالفعل خرج كثير من أفراد الإنسان، إذًا هذا ليس بجامع [لخروج أفراد غير الكاتب عنه فليس بجامع] منعكس ليس بجامع، يعني: ليس منعكس. إذًا هذا الشرط الأول أن يكون مطردًا هذا شرط، أن يكون منعكسًا، نعم.
(1) سبق.
(وَشَرْطُ كُلٍّ أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا ** مُنْعَكِسًا)، يعني: ومنعكسًا على إسقاط حرف العطف. (وَظَاهِرًا لَا أَبْعَدَا)(وَظَاهِرًا)، يعني: وأن يرى ظاهرًا، [أي واضحًا] عند من؟ عند السامع، (لَا أَبْعَدَا) الألف للإطلاق عن الذهن، [أي: أخفى من المعرف كتعريف النار بأنها جسم كالنفس]، نقول: هذا بعيد، حينئذٍ نقول: هذا التعريف ليس بظاهر، لماذا؟ لأن النار إذا مُثِّلَت بالنفس النفس واضحة عند المخاطَب أو خفية؟ خفية، ولذلك قيل: ما الروح؟ ما النفس؟ قال: الله أعلم. ولذلك كثر الخلاف فيها حينئذٍ نقول: تشبيه الجسم أو تشبيه النار بأنها جسم كالنفس نقول: هذا أخفى من النار، بل النار أوضح من النفس، لماذا؟ لكون النفس فيها خفاء، حينئذٍ لا يعرَّف المعرَّف بلفظٍ فيه خفاء إنما يكون في شيءٍ واضح ظاهرٍ عند السامع، وأما تشبيهه بالنفس والنفس فيها خفاء نقول: هذا لا يصلح التعريف به، إذًا (كتعريف النار بأنها جسمٌ كالنفس)، فإنه أخفى من المعرَّف لشدة خفاء النفس بدليل كثرة الخلاف فيها.
[(وَلَا مُسَاوِيًا)]، يعني:(للمعرَّف في الخفاء)، (وَلَا مُسَاوِيًا)[وأن نعم](1).
(1) سبق.
(وَظَاهِرًا لَا أَبْعَدَا)، (وَلَا مُسَاوِيًا)[للمعرَّف في الخفاء، كقولنا في تعريف المتحرك: هو ما ليس بساكن]، وما هو ما ليس بساكن؟ هو: المتحرك، وما هو المتحرك؟ ما ليس بساكن، إذًا هذا مساويًا له ولا يصلح التعريف بالمساوي، وهذا إذا استوى كلٌّ منهما عند السامع، [(وَلَا) أن يرى التعريف (تَجَوُّزَا) بضم الواو أي لفظٌ تُجُوِّزَا] تَجَوُّزًا [أي: لفظًا مجازيًا]، يعني: المجاز لا يدخل التعاريف، لماذا؟ لأن المجاز هو حمل اللفظ على معنًى ثانٍ غير المعنى الحقيقي له، وإن كان اشترط فيه القرينة، [ومحل امتناع المجاز [لدخوله في التعريف [إذا كان (بِلَا قَرِينَةٍ) معينة للمراد، (بِهَا) أي بتلك القرينة (تُحُرِّزَا)] ولا تَجَوُّزًا بلا قرينة تُحُرِّزَا بها، إذًا لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد، متى؟ إذا أدخلنا المجاز في التعاريف، الأصل أن التعريف لا يدخله المجاز، فإن دخله المجاز حينئذٍ لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد، فإن لن لم يكن قرينة حينئذٍ المنع، [(تُحُرِّزَا) بالبناء للمجهول، يعني: محل امتناع التعريف بالمجاز إذا كان خاليًا عن القرينة المعينة للمراد التي يُحْتَرَزُ بها عن إرادة غير المراد، كتعريف العالم بأنه بحرٌ يدخل الحمام]، ما العالم؟ قال:[بحرٌ يدخل الحمام]. هو العالم الذي يدخل الحمام فقط، هذا ما حصل به التمييز، إذًا لا بد من قرينة، وهنا لم توجد قرينة تعين، أما كونه مجازًا لقوله:[بحرٌ]. لما قال: [بحرٌ]. علمنا أنه مجاز، لكن بحر هذا قد يكون في المال، قد يكون في شيءٍ آخر غير العلم، لأن التشبيه بالبحر في الكثرة والاتساع، وهذا ليس خاصًا بالعلم، إذًا [بحرٌ يدخل الحمام] نقول: هذا لا يصلح أن يُعَرَّف به العالم لأنه ليس خاصًا به، أو بحرٌ [يصلى ويصوم]، نقول: هذا لا يصلح أن يكون تعريفًا، وإن كان لفظ البحر هذا مجازًا، لعدم وجود القرينة المعينة، [فيمتنع] تعريف العالم بما ذكر، [لالتباس المراد بغيره، فإن كان مع المجاز قرينة تُعَيِّن المراد كقولنا في تعريف البليد: حيوان ناهقٌ يدخل الحمام] وهذا واضح، لأن الحمار لا يدخل الحمام، وإنما يعني الحيوان الذي هو حيوان ذو الأربع لا يدخل الحمام، وإنما البليد هو الذي يصح منه ذلك، إذًا [حيوان ناهقٌ يدخل الحمام ويصلي، جاز التعريف به]، ولو قيل في العالم: بحرٌ يلاطف الناس يُظْهِرُ الدقائق والنكات. هذا صح التعريف به لأن الذي يظهر النكات الدقائق إنما هو العالم، إذًا المراد هنا إذا وقع المجاز في التعريف فلا بد من قرينةٍ معينة، وليس المراد هنا القرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لا عندنا قرينتان هنا، المجاز لا يصح أن يكون مجازًا إلا بقرينة تدل على أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب، وهذه القرينة قرينة مانعة، وليست المراده هنا (بِلَا قَرِينَةٍ) ليست المراد أنها المانعة، لماذا؟ لأننا أطلقنا عليه أنه مجاز، ولا يكون مجازًا إلا بقرينةٍ مانعة، وأما المراد هنا في التعريف القرينة المعينة، يعني: القرينة الزائدة على المجاز، نثبت أولاً أنه مجاز ثم لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد يحترز بها عن غير المعنى المراد، فقول الناظم:(بِلَا قَرِينَةٍ).
إنما هي المعينة لا المانعة، لأن المجاز لا يتحقق إلا بقرينةٍ.
- - -
وَلَا بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلَا
…
مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا
(وَلَا) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى) أي يعلم معناه
…
(بِمَحْدُودٍ) أي معرف يتوقف معرفة ذلك التعريف على معرفة المعرَّف لأداء ذلك إلى الدور، فيمتنع كتعريف العلم بأنه معرفة المعلوم، مع أن المعلوم تتوقف معرفته على معرفة العلم لاشتقاقه منه، وأجيب بأن المعلوم مراد منه الذات بقطع النظر عن وصفها بالمعلومية فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء. (وَلَا ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا) أي ولا يكون التعريف بلفظ مشترك، خالٍ من القرينة المعينة للمراد كتعريف الشمس بأنه عين ومحل امتناع المشترك ما لم يُرَدْ جميع المعاني الموضوع لها كتعريف القضية بأنها قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن القول مشترك بين الملفوظ والمعقول، لكن لما أريد كل منهما صح التعريف.
ــ - الشرح - ــ
[(وَلَا) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى)].
وَلَا بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلَا
…
مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا
(وَلَا بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ)، يعني: ولا بما يعلم بواسطة المعرف، وهذا مر معنا في العلم، ما هو العلم؟ إدراك المعلوم، هذا لا يمكن الوصول إلى حقيقة العلم بهذا التعريف، لماذا؟ لأنه يلزم منه الدور، فهنا توقف التعريف على معرفة المعرَّف، ما هو العلم؟ إدراك المعلوم، طيب كيف نعرف المعلوم، المعلوم هذا اسم مفعول من العلم، كيف نعرف المعلوم؟ صار هذا متوقفًا على معرفة العلم، ما هو المعلوم؟ هو المتصف بالعلم، طيب ما هو العلم؟ هو إدراك المعلوم، حينئذٍ يلزم منه الدور، هذا المراد هنا [(وَلَا) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى) أي يعلم معناه (بِمَحْدُودٍ)]، يعني: مطلق المعرف، [(بِمَحْدُودٍ) أي معرف يتوقف معرفة ذلك التعريف على معرفة المعرَّف]، يعني: نسأل عن المعرف وهو مجهول. (لأداء ذلك إلى الدور)، يعني: توقف العلم بالمعرَّف على، أو العلم بالتعريف على العلم بالمعرف وهكذا، [فيمتنع كتعريف العلم بأنه معرفة المعلوم، مع أن المعلوم تتوقف معرفته على معرفة العلم لاشتقاقه منه]، فلما جاء بلفظٍ مشتق من مادة المعرَّف حصل الدور، لأنك لا تتصور المعلوم نحن قلنا: التعريف لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب، والمخاطَب يسأل عن ماذا؟ عن العلم، إذًا هو يجهل حقيقة العلم، فإذا جئت في التعريف بلفظ المعلوم المشتق من العلم لا بد أن يتصور معنًى المعلوم حتى يعرف التعريف، فإذا قلت: المعلوم. لا بد أن يعرف أنه متصفٌ بالعلم والعلم هو معرفة المعلوم، [وأجيب بأن المعلوم مراد منه الذات بقطع النظر عن وصفها بالمعلومية فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء] المراد المثال.
الشأن لا يعترض المثال
…
إذ قد كفى الفرد والاحتمال
هذا التعريف انتقض من هذه الجهة، العلم معرفة المعلوم، أو إدراك المعلوم، أجيب بأن المراد بالمعمول الذات بقطع النظر عن الوصف، يعني: جواب بكون تعريف العلم صحيحًا، وأجيب بكون التعريف السابق ليس بصحيح لأنه يلزم منه الدور بأن لفظ المعلوم الذي جاء في التعريف (مرادٌ منه الذات بقطع النظر عن وصفها)، المعلوم يعني: الذات المتصفة بوصفٍ بقطع النظر عن كونها علمًا، (فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء)، وأجيب أيضًا بأن المعلوم المراد به ما من شأنه أن يعلما، على كلٍّ المراد به المثال فقط، (وَلَا ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا)، (مُشْتَرَكٍ) مرَّ معنا وهو [ما تعدد](1) ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه، عَيْن لفظ عين هذا متحد في اللفظ وله معانٍ متعددة، هذا النوع لا يصح أن يقع في التعريف إلا إذا دلت قرينة، أو كان المراد بالتعريف بلفظ العين مثلاً كل المعاني، إن كان المراد به جميع المعاني صح التعريف به، إن كان المراد به بعض المعاني لا بد من قرينة وإلا لم يصح، [(وَلا ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلا) أي ولا يكون التعريف بلفظ مشترك، خالٍ من القرينة المعينة للمراد كتعريف الشمس بأنه عين] قال: الشمس. ما هي الشمس؟ قال: [عين]. والعين هذا يصدق على الشمس وعلى غيرها، إذًا ليس بمعرِّف لأنه لفظٌ مشترك فلو وجدت قرينة جاز، لو قال: ما هي الشمس؟ قال: عين تضيء في الآفاق. صح التعريف، لماذا؟ لأنه جاء بقرينة معينة تدل على أن المرد بالعين هو الشمس، [ومحل امتناع المشترك ما لم يُرَدْ جميع المعاني] يُرِدْ أو يُرَدْ لا إشكال [ما لم يُرَدْ جميع المعاني الموضوع لها] اللفظ، فإن عنى جميع المعاني التي وضع لها اللفظ فلا إشكال، لأنه لا التباس متى يقع الالتباس؟ إذا أراد بعض المعاني، [كتعريف القضية بأنها قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن] لفظ [القول] هذا [مشترك] بين المعاني والألفاظ، يعني: المعقولات والألفاظ، [لكن لما] كان المعنى المراد هو جميع مدلول القول صح التعريف به، إذًا [قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن القول] لفظٌ مشترك [بين الملفوظ والمعقول] فليس خاصًا بالملفوظ بل هو شاملٌ للمعقول، [لكن لما أريد كل منهما صح التعريف]، إذًا (وَلَا ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا) يعني: لا يصح أن يقع اللفظ المشترك في التعاريف إلا في حالين:
الأولى: أن تكون معه قرينة تعين المراد.
الثاني: أن لا يوجد قرينة ولكن المراد جميع المعنى الذي أو المعاني التي وضع لها اللفظ.
- - -
وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ
…
أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ
(1) سبق.
(وَعِنْدَهُمْ) الظرف خبر مقدم (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر، أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر، والمبتدأ قوله:(أَنْ تَدْخُلَ) لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه (الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ) والمعنى على الإعراب الأول: ودخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونه من جملة المردود، أي الممتنع، وعلى الثاني ودخول الأحكام في التعاريف كائنٌ من جملة المردود عندهم أي: المناطقة، وخصهم بالذكر لأنهم الباحثون عن ذلك، ودخول الحكم في التعريف كقولهم: الفاعل هو الاسم المرفوع، فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل، والحكم على الشيء متوقف على تصوره، فإذا أخذ الحكم جزءًا في التعريف توقف المعرف عليه وحصل الدور الذي هو توقف كل من الشيئين على الآخر.
ــ - الشرح - ــ
وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ
…
أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ
تَدْخُلَ، تُدْخِلَ، تُدْخَلَ يجوز فيه (وَعِنْدَهُمْ) أي عند المناطقة [الظرف خبر مقدم (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر، أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر، والمبتدأ قوله: (أَنْ تَدْخُلَ) لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه] هذا إعراب [عندهم] الظرف خبرٌ مقدم [(مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ)] هذا [جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر]، أين الضمير المستتر في الخبر؟ عند خبر مقدم (أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ)، دخول الأحكام، هذا مبتدأ، أين الضمير المستتر؟ عندنا فيها ضمير مستتر؟
.
اسْتَقَرَّ واسْتَقِر، إذًا عندنا ضمير مستتر، لماذا؟ لأن عند الظرف خبرٌ مقدم، هذا من باب الاختصار، وإلا الأصل أن يقال: عندَ منصوبٌ على الظرفية متعلق بمحذوف خبر، المحذوف هو الخبر، تقديره اسْتَقَرَّ أو مُسْتَقِر، وعلى التقديرين فيه ضميرٌ مستتر، إذًا الخبر هو استقر، استقر هو عند
…
[(مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر] محذوف، وأما عندنا ليس هو الخبر، وإنما هو متعلقٌ بمحذوف.
وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جَرّ
…
نَاوِينَ معنى كائنٍ أو استقر
إذًا كائنٌ هو، استقر هو، هو الضمير في الموضعين قوله:(مِنْ جُمْلَةِ). حالٌ منه، [أو عندهم] ليس بخبر [أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر]، يعني: يحتمل في عند أن يكون خبرًا، ويحتمل أن يكون متعلقًا بقوله:(المَرْدُودِ). يعني: هو اسم مفعول ويتعلق به الظرف والجار والمجرور، [والمبتدأ قوله:(أَنْ تَدْخُلَ). لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه]، كقوله:{وَأَن تَصُومُواْ} [البقرة: 184].
[(الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ)، والمعنى على الإعراب الأول، ودخول الأحكام في التعاريف] ودخول أن تدخل جاء بالمبتدأ، [ودخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونه من جملة المردود أي الممتنع، وعلى الثاني]، يعني: بجعل عند متعلق بالمردود، [وعلى الثاني ودخول الأحكام في التعاريف] مبتدأ على الحال نفسه، [كائنٌ من جملة المردود عندهم]، الكلام يختلف بالتقديم والتأخير، [أي: المناطقة، وخصهم بالذكر] دون غيرهم) مع أن البحث مشترك [لأنهم الباحثون عن ذلك]، مبحث التعاريف إنما يكون في فن المنطق، [ودخول الحكم في التعريف كقولهم: الفاعل هو الاسم المرفوع]، المذكور قبله فعلهم، [فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل]، إذًا هو متعلقٌ بالذات فاعل، حينئذٍ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ولا يحكم على الشيء إلا بعد أن تَعْرِفَهُ فَتُعَرِّفَهُ أولاً، ثم بعد ذلك تأتي بالحكم، (فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل، والحكم على الشيء متوقف على تصوره، فإذا أخذ الحكم جزءًا في التعريف توقف المعرف عليه وحصل الدور الذي هو توقف كل من الشيئين على الآخر) الاسم المرفوع، إذًا المرفوع نقول: هذا أثرٌ من أثار الفاعل، فنثبت أولاً ما هو الفاعل ثم بعد ذلك سيأتي الحكم.
- - -
وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ
…
وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا
(وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ) الحقيقية (ذِكْرُ أَوْ) التي للتقسيم، لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع (وَجَائِزٌ) أي وذكر أو التقسيمية جائز (فِي الرَّسْمِ) أي التعريف الرسمي كقولهم في تعريف المعرف للشيء: هو ما يقتضي تصوره أو امتيازه عن غيره، واحترزنا بـ أو التي للتقسيم عن التي للشك أو التشكيك، فلا يجوز دخولها في الحدود ولا في الرسوم، وقوله:(فَادْرِ مَا رَوَوْا) تكملة للبيت هذا.
ــ - الشرح - ــ
وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ
…
وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا
هذا الحكم الأخير، لا يجوز يعني: اصطناعةً ليس شرعًا (وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ)، يعني:[الحقيقة (ذِكْرُ أَوْ) التي للتقسيم، لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع] الماهية هي حقيقة متحدة لا تقبل التنويع ولا تتعدد، حينئذٍ لا يصح أن يقال: أو .. أَو .. أو .. . ويراد به التقسيم، لأن لا يعرف الشيء ويدخل في التعريف لفظ أو ويراد به التقسيم، [(وَجَائِزٌ) أي وذكر أو التقسيمية جائز، (فِي الرَّسْمِ) أي التعريف الرسمي كقولهم في تعريف المعرف للشيء] السابق [هو ما يقتضي تصوره تصور المعرف] هذا في سقط عندكم [ما يقتضي تصوره تصور المعرف، أو امتيازه عن غيره)، إذًا ذكر شيئين [ما يقتضي تصوره تصور المعرف] أراد به الحد، [أو] هذا للتقسيم، [امتيازه عن غيره]، هذا جائز، لأن التعريف هنا من قبيل الرسم، [واحترزنا بـ أو التي للتقسيم عن التي للشك أو التشكيك]، يعني: الإبهام، [فلا يجوز دخولها في الحدود ولا في الرسوم]، إذًا أو التقسيمية يجوز دخولها في الرسم لا في الحد، أما الحد فيمتنع، وأو التي للشك أو التشكيك يمتنع دخولها في الحد وفي الرسم، (فَادْرِ مَا رَوَوْا) أي فاعلم الذي رووه من عدم الجواز في الأول، يعني: الحد، والجواز في الثاني، قال:(تكملة للبيت).
- - -
بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا
مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى
…
بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا
ثُّمَ القَضَايَا عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ
…
شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ وَالثَّانِي
هذا: باب في القضايا وأحكامها
القَضَايَا جمع قضية، من القضاء وهو الحكم لاشتمالها عليه، وأحكامها بالجر عطف على القضايا، والمراد بالأحكام: التناقض والعكس. (مَا) أي اللفظ الذي (احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب (لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ) أي المناطقة (قَضِيَّةً وَخَبَرَا) أي يسمى بهذين الاسمين، فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب ما لا يحتملهما من الإنشاءات، كاضرب فلا يسمى قضيةً ولا خبرًا. وخرج بقولنا: لذاته. ما احتمل الصدق والكذب للازمه، كاسقني الماء فإنه وإن احتمل الصدق والكذب لكن للازمه الذي هو أنا عطشان، لا لذاته أي: مدلوله المطابقي الذي هو طلب السقي، ودخل في قولنا: ما احتمل الصدق لذاته. المقطوع بصدقه من الأخبار كخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. فإنه إنما قُطِعَ بصدقه النظر إلى قائله لا بالنظر لذاته، ودخل أيضًا المقطوع بكذبه من الأخبار نحو الجزء أعظم من الكل، فإنه وإن قطع بكذبه إنما هو لتحقق خلافه بضرورة العقل.
(ثُمَّ) للترتيب الذكري (القَضَايَا) جمع قضية (عِنْدَهُمْ) أي المناطقة قِسْمَانِ الأول: (شَرْطِيَّةٌ) وهي ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما نحو كُلَّمَا كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وإن جئتني أكرمتك، والشرطية منسوبة إلى الشرط، وهو إرادة التعليق نحو كُلَّمَا، وإن في المثالين، والثاني:(حَمْلِيَّةٌ) وهي ما كان طرفاها مفردين نحو: زيد قائم، أو في قوتهما، نحو زيد قام أبوه، فالجملة الواقعة خبرًا في تأويل المفرد، والحملية نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به، لأنه يسمى محمولاً تشبيهًا له بالشيء الذي حمل على غيره، (وَ) القسم (الثَّانِي) وهو الحملية قسمان:
ــ - الشرح - ــ
(هذا) قدره لك الشارح (بابٌ في القضايا وأحكامها)، وهذا ما يتعلق بالتصديقات، يعني: انتهى الناظم والشارح من بيان ما يتعلق بالتصورات، المبادئ والمقاصد انتقل الآن إلى التصديقات، والتصديقات لها مبادئ ولها مقاصد، العلم بالقضايا والتقسيمات هذه مبادئ، والقياس هو المقاصد. (بَابُ القَضَايَا)، [القَضَايَا جمع قضية] مأخوذة [من القضاء، وهو الحكم لاشتمالها عليه] يعني الحكم المراد بالحكم هنا النسبة بين الطرفين، لا الإيقاع والانتزاع قضية، يسمى قضية لماذا؟ لأنها اشتملت على الحكم، ما المراد بالحكم؟ ثبوت المحمول للموضوع، هذا المراد به، وليس المراد به الإيقاع والانتزاع الذي هو إدراك الوقوع واللا وقوع الذي مر معنا، لماذا؟ لأن الجملة تضمن ذلك، لو قال: قام زيدٌ. قام زيد هذا تضمن حكمًا وهو ثبوت، قلنا: لا بد من كلمة ثبوت، قيام زيد، قيام زيد هذا مضمون الجملة مضافًا إلى الثبوت، هذا مأخوذ من اللفظ هو الذي دل عليه، وأما الإيقاع والانتزاع هذا في النفس ليس في اللفظ، يعني: أنا الذي أدرك بالقوة العاقلة أن مدلول هذا اللفظ وقع أو لم يقع، فهو شيء خارج عن اللفظ وليس هو المراد، فإذا قيل اشتملت القضية أو الجملة على الحكم ليس المراد بالحكم هنا الإيقاع والانتزاع، لماذا؟ لأنه هذا يكون في النفس نفس المدرك، يعني: خارج عن اللفظ شيءٌ خارج عن اللفظ، وأما الذي دل عليه اللفظ فهو الحكم بمعنى ثبوت قيام زيد، إذًا قضية سميت (قضية من القضاء، وهو الحكم لاشتمالها عليه وأحكامها بالجر عطف على القضايا، والمراد بالأحكام التناقض والعكس) المستوي (التناقض والعكس)، والمراد بالعكس العكس المستوي، إذًا القضايا وأحكامها أي أحكام القضايا. والمراد بالأحكام هنا التناقض وسيأتي بابٌ خاص به، والعكس المستوي وسيأتي بابٌ خاص به.
مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى
…
بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا
[(مَا) أي اللفظ الذي (احْتَمَلَ الصِّدْقَ)]. قال: (والكذب). قوله: [(مَا) أي اللفظ]. ما المراد باللفظ هنا؟ هل المراد به اللفظ المفرد أو المركب؟
..
ولماذا؟ البحث في التصديقات وهي مركبات، ثم تقسيم إلى خبر وإنشاء أو خبر وطلب هذا تقسيم لكلام، يعني: الإسناد التام، ما وجد فيه التركيب الذي هو المسند والمسند إليه، المبتدأ والخبر أو الفعل وفاعله، إذًا [(مَا) أي اللفظ]. لو قال: الكلام. لكن أحسن، لو قال: المركب. لكن أحسن، لأن اللفظ هذا يدخل فيه المفرد، وإذا دخل المفرد المفْرد لا يقال فيه صدق وكذب، وإنما هو مقابل للمركب، [أي: اللفظ الذي
…
(احْتَمَلَ)] ليجوز فيه (الصِّدْقَ)، قال:[والكذب]. الناظم هنا لم يذكر الكذب وإنما ذكر الصدق، لأن الصدق يستلزم الكذب فما احتمل الصدق لأنه محتمل للكذب قالوا: وتركه كذلك تأدبًا، لأن الخبر يقع في كلام الله تعالى، حينئذٍ ترك لفظ الكذب يكون من باب التأدب، على كلٍّ لو صُرِّحَ به ليس من قبيل سوء الأدب، [(احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب]، ما المراد بالصدق؟ المراد بالصدق مطابقة الواقع، والمراد بالكذب عدم مطابقة الواقع، زيدٌ قائمٌ نظرنا في الواقع فإذا به قاعد نقول: هذا اللفظ لم يطابق، إذًا هو كذب، زيدٌ قائمٌ وجدنا في الواقع في الخارج زيد قائم، إذًا هذا مطابق، كونه في الواقع في الخارج مدلول اللفظ موجود علمنا بأنه صدق، إذا لم يكن كذلك فهو كذبٌ، إذًا الصدق مطابقة اللفظ أو الخبر للواقع، الكذب عدم المطابقة، (لِذَاتِهِ) هذا القيد للإدخال والإخراج قيد بذاته، يعني: لذات اللفظ، بقطع النضر عن القائل، فالعبرة هنا باللفظ لا بالمتكلم، لأننا لو نظرنا إلى المتكلم لصار عندنا قسمة ثلاثية: ما لا يحتمل إلا الصدق، وما لا يحتمل إلا الكذب، وما يحتمل الصدق والكذب. وهذا ليس من مراد، إذًا [(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب (لِذَاتِهِ)] بقطع النظر عن المتكلم] (لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ) أي المناطقة. (قَضِيَّةً وَخَبَرَا) يعني يسمى بهذين الاسمين]، كونه قضية لاشتمالها على القضاء وهو الحكم، وكونها خبرًا لأنها احتملت الصدق والكذب، وهما اثنان لمسمى واحد، [أي: يسمى بهذين الاسمين]، (مَا) أي اللفظ [يسمى بهذين الاسمين فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب. ما لا يحتملهما من الإنشاءات]، إذًا يقابل الخبر الإنشاء، أليس كذلك؟ والمراد بالإنشاء هنا كالأمر والدعاء أو النهي أو الطلب والتمني ونحو ذلك، هذا يعبر عنها بالإنشاء، والإنشاء ما كان مدلوله في المستقبل، يعني: لم يقع، بخلاف الخبر فما كان مدلوله في الماضي بأنه وقع فحينئذٍ لو قال: قم. لا يصح أن يوجه إليه صدقت أو كذبت قم، لا تقم، يا زيد، إلى آخره نقول: هذا لا يصدق في الجواب أن يقال له: صدقت، أو كذبت. لماذا؟ لأن المدلول هنا لم يقع أصل لا تقم، قم، يا ليتني، لعلي، إلى آخره فنقول: هذا كله لم يقع حينئذٍ لا يتوجه إليه الإثبات بالصدق أو بالنفي، [فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب. ما لا يحتملهما من الإنشاءات كاضرب فلا يسمى قضيةً ولا خبرًا] لماذا؟ لأنه لا يتوجه إليه التعبير بالصدق والكذب، لو قال: اضرب. لا يقال له: كذبت. ولا يقال له: صدقت. [وخرج بقولنا: لذاته. ما احتمل الصدق والكذب للازمه]، يعني: لا لذات اللفظ، بل لما يستلزمه، كقولهم: اسقني الماء.
اسقني هذا طلب، وهو إنشاء فلا يتوجه إليه الصدق والكذب، لكن اسقني الماء هذا يستلزم قوله: أنا عطشان. اسقني ماءً هذا يستلزم أنه عطشان كأنه قال: أنا عطشان فاسقني ماءً. إذًا أنا عطشان هذا يحتمل الصدق والكذب، فاللفظ اسقني ماءً يحتمل الصدق والكذب، لكن لا لذاته بل للازمه، لأنه يلزم من قوله: اسقني ماءً. الإخبار عن نفسه بأنه عطشان هذا الأصل أنه لا يطلب الماء إلا إذا كان عطشان، [كاسقني الماء فإنه وإن احتمل الصدق والكذب لكن للازمه]، لا للفظه اسقني لأنه أمرٌ وهو إنشاء، لكن للازمه [الذي هو أنا عطشان، لا لذاته أي: مدلوله المطابقي الذي هو طلب السقي، ودخل في قولنا: ما احتمل الصدق لذاته. المقطوع بصدقه من الأخبار كخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم] حينئذٍ نقول: هذا مقطوع بصدقة، وهو لا يحتمل الصدق والكذب باعتبار القائل، بل لا يحتمل إلا الصدق، وأما إذا لم ننظر إلى القائل حينئذٍ نقول: هذا يحتمل الصدق والكذب. [فإنه إنما قُطِعَ بصدقه النظر إلى قائله لا بالنظر لذاته، ودخل أيضًا المقطوع بكذبه من الأخبار نحو الجزء أعظم من الكل] كذب، صحيح؟ كذبٌ أم لا؟ كذب، مقطوع بكذبه؟ نعم مقطوع بكذبه، لكن من حيث هو بقطع النظر عن كون العقل قد دل على كذبه أو مقطوعًا بكذبه نقول: هذا داخل في الحد. [فإنه وإن قطع بكذبه إنما هو لتحقق خلافه بضرورة العقل]، إذًا لقرينة خارجة، فلولا ضرورة العقل الدالة على كذب هذا اللفظ لقلنا: يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ بقطع النظر عن الضرورة أدخلناه في الحد، إذًا
…
(لِذَاتِهِ) للإخراج والإدخال، أخرج ماذا؟ أخرج الإنشاءات كالأمر اسقني ماءً، هذا خرج، لماذا؟ لأنه يدل على الخبر بلازمه، اسقني ماءً، يعني: أنا عطشان، أنا عطشان هذا خبر، لكن هنا لا لذاته، ودخل ما احتمل الصدق لذاته، ودخل المقطوع بصدقه والمقطوع بكذبه، إذًا للإخراج والإدخال، (ثُمَّ) بعدما عرف لك معنى الخبر، (ثُمَّ)، (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً)، (قَضِيَّةً) هذا منصوب على الحال، والضمير المستتر في (جَرَى)، (وَخَبَرَا) هذا معطف عليه.
[(ثُّمَ) للترتيب الذكري (القَضَايَا)] عندهم قسمان: شرطية حملية، القضايا قسمان [(القَضَايَا) جمع قضية (عِنْدَهُمْ) أي المناطقة (قِسْمَانِ) الأول:(شَرْطِيَّةٌ) قسمان شرطية، هذا بدل، ولك أن تجعله خبر لمحذوف، الأول شرطية كما قال الشارح هنا، و (حَمْلِيَّةٌ) يعني: الثاني حملية، إذًا تنقسم إلى نوعين: شرطية، وحملية. عرف الشارح هنا الشرطية بقوله:
…
[ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما]، [ما ليس طرفاها] يعني المقدم والتالي، ليسا مفردين ولا في قوة المفردين، يعني: لا يؤول بالمفرد، لأنها الشرطية مقابلة للحملية، والحملية هي ما كان طرفاها مفردين، أو في قوة المفردين، طرفاها، يعني: الموضوع المحمول، وطرفا الشرطية المقدم والتالي، حينئذٍ النظر هنا في كونه مفردًا أو ليس بمفرد، [كُلَّمَا كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا]، [كُلَّمَا كانت الشمس طالعة] هذا مقدم، [كان النهار موجودًا] هذا التالي، إذًا الطرف الأول [كانت الشمس طالعة) هذا مفرد؟ ليس بمفرد، هل هو في قوة المفرد؟ لا ليس في قوة المفرد [كان النهار موجودًا]، [النهار موجودًا] هذا التالي، هل هو مفرد؟ ليس بمفرد ولا في قوة المفرد، إذًا نعبر عن هذه بأنها شرطية لوجود أداة الشرط فيها، [كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وإن جئتني أكرمتك]، [أكرمتك) جئت هذه جملة، [أكرمتك] هذه جملة، إذًا ليس بمفردين، [والشرطية منسوبة إلى الشرط، وهو إرادة التعليق نحو كُلَّمَا وإن في المثالين]، إذًا ما هي الشرطية؟ ما ليس طرفاها، يعني: المقدم والتالي، مفردين، معلوم المفرد، ولا في قوة المفردين، يعني: لا يؤول بالمفرد. وقيل: الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق. وهذا الحد أسلم وأضبط، شرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، والحملية ما حكم فيها على وجه الحمل، لماذا؟ لأن هذا التعريف [ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما] منتقض لقولك في المتصلة: هذا ملزوم لذاك. لأنه قد يأتي ما كان في قوة الطرفين أو المفردين في الشرطية المتصلة والمنفصلة، حينئذٍ انتقض التعريف [ولا في قوتهما] يعني ولا في قوة المفردين، وجد في قولهم: هذا ملزوم لذاك، كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا بينهما تلازم أو لا؟ كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا بينهما تلازم كأنك قلت: هذا ملزوم لذاك. إذًا هو في قوة المفردين، إن جئتني أكرمتك، هذا ملزوم لهذا، بمعنى أن المجيء ملزوم للإكرام، الإكرام لازم حينئذٍ ترتب عليه، والأولى أن يعبر بأن الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق.
[والثاني: (حَمْلِيَّةٌ) وهي ما كان طرفاها مفردين نحو: زيد قائم، أو في قوتهما] يعني: قوة المفردين، يعني يؤول بالمفرد، [نحو زيد قام أبوه]، [زيد] هذا مبتدأ، [قام أبوه] جملة خبر في قوة المفرد، قائمٌ أبوه، إذًا أُوِّلَ الثاني بالمفرد، [فالجملة الواقعة خبرًا في تأويل المفرد، والحملية نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به]، إذًا (ثُّمَ القَضَايَا) قسمان، القضايا تنقسم إلى قسمين: شرطية، وحملية.
شرطية ما كان الحكم فيه على وجه الشرط والتعليق.
والحملية ما لم يكن كذلك.
إذًا ما وجد فيه أداة الشرط والتعليق ترتيب أمرٍ على أمر يسمى ماذا؟ شرطي، هذا التعريف أولى من ما ذكره الناظم أو الشارح.
والقسم الثاني وهو الحملية قسمان، (وَالثَّانِي)، (شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ وَالثَّانِي) أي الحملية. يعني: تقسيمات متداخلة، القضية تنقسم إلى الشرطية وحملية، ثم الحملية تنقسم إلى كلية وشخصية. [(وَ) القسم (الثَّانِي) وهو الحملية قسمان:]
- - -
كُلِّيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ وَالأَوَّلُ
…
إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ
(كُلِّيَّةٌ) وأراد بها ما موضوعها كلي، سواءٌ كانت مسورةً بسورٍ كلي أو جزئي، أو مهملة من السور نحو: الإنسان حيوان ليصح التقسيم الآتي، و (شَخْصِيَّةٌ)، وهي: ما موضوعها معين، وتسمى مخصوصة، كزيد كاتبٌ، (وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية (إِمَّا مُسَوَّرٌ) بالسور الكلي أو الجزئي، (وَإِمَّا مُهْمَلُ) أي خالٍ عن السور.
ــ - الشرح - ــ
(كُلِّيَّةٌ) وشخصية، [(كُلِّيَّةٌ) وأراد بها] الناظم هنا (ما موضوعها كلي) بمعنى أن المبتدأ، أو الفاعل، أو نائب الفاعل يكون كليًّا، وهو ما أفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه قضية حملية كلية. لماذا؟ حملية لأن الحكم فيها لا على وجه التعليق والشرط، وكونها كلية لأن موضوعها لفظ كلي وهو ما أفهم اشتراكًا (سواءٌ كانت مسورةً بسورٍ كلي) يعني تقدم على الموضوع لفظٌ، ويسمى سورًا يدل على الإحاطة والشمول، [بسور كليٍّ، أو جزئي، أو مهملة]، وهذه ثلاثة أنواع [أو مهملة من السور نحو: الإنسان حيوان]، [الإنسان] مبتدأ [حيوان] خبر، ما نوع القضية هنا؟ نقول: حملية. لماذا؟ لأن الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه الشرط والتعليق، هذا أولاً، ما نوعها من أنواع الحملية؟ كلية، لماذا؟ لكون موضوعها لفظ إنسان وهو كلي وسبق أنه ما أفهم اشتراكًا، هنا لفظ إنسان لم يتقدم عليه لفظ مما يدل على العموم، فلو قيل: كل إنسانٍ حيوان، بعض الإنسان حيوان، الإنسان حيوان. كم هذه؟ ثلاثة، كل إنسان حيوان، هذه كلية لكنها مسورة بسور كلي وهو لفظ كل الدال على الإحاطة والشمول، كلية لأن موضوعها الذي هو المضاف إليه لفظ كل لفظٌ كلي، لكونها مسورة بسور كلي، قلنا: كلية. باعتبار آخر، بعض الإنسان حيوان، هذه كلية على ما أراده الناظم هنا كلية، لأن موضوعها كلي، وهو لفظ إنسان، وهي مسورة بسورٍ جزئي، ولذلك تسمى جزئية كما سيأتي، لكن الكلام هنا في الموضوع، الإنسان حيوان، لم يتقدم لفظ الإنسان سورٌ كلي ولا جزئي يعبر عنها بأنها مهملة يعني خالية عن السور، لم يتقدمها سور لا كلي ولا جزئي، يسمى ماذا؟ تسمى مهملة [أو مهملة من السور نحو الإنسان حيوان ليصح التقسيم الآتي]، يعني: تفسير الكلية هنا ليس بما شاع واصطلح عند المناطقة بأنها المسورة بسور كلي، وإنما المراد ما موضوعها كلي بقطع النظر عن السور من وجوده وعدمه، [ليصح التقسيم الآتي و (شَخْصِيَّةٌ)] هذه مقابل للكلية [و (شَخْصِيَّةٌ) وهي: ما موضوعها معين]، يعني: جزئي، يعني: يقابل الكلية، وهذا يدل على أن مراد الناظم هنا بالكلية باعتبار الموضوع لا باعتبار السور [و (شَخْصِيَّةٌ) وهي: ما موضوعها مشخصٌ معين وتسمى مخصوصة، زيد كاتبٌ] هل هذا القضية كلية أو شخصية؟ أولاً حملية أو شرطية؟ تقول: حملية، لكون الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه الشرط والتعليق، زيدٌ كاتبٌ هل هي كلية أم شخصية؟ شخصية، لماذا؟ لأن النظر هنا في الحكم على الكلية أو الجزئية أو الشخصية باعتبار ماذا؟ باعتبار الموضوع، والموضوع زيد كاتبٌ شخصي، بمعنى أنه بمجرد تعقل معناه يمنع الشركة فيه، أو إن شئت قل: ما لا يفهم اشتراكًا. فزيد لا يفهم اشتراكًا، حينئذٍ نقول: ما موضوعه جزئي تسمى شخصية.
[(وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية] الكلية (إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ) يعني: الكلية نوعان: كلية مسورة بسورٍ، وكلية مهملة عن السور.
((وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية) والكلية ((إِمَّا مُسَوَّرٌ) بالسور الكلي أو) بالسور الجزئي، (وَإِمَّا مُهْمَلُ)، أي خالٍ عن السور)، وإذا نظرنا في كلام الناظم السابق واللاحق نقول: الحملية أربعة أقسام، الحملية عند التفصيل أربعة أقسام:
الشخصية وهي ما كان موضوعها شخصيًّا وشخص زيدٌ كاتبٌ.
الثاني: المهملة وهي ما كان موضوعها كليًّا وأهملت عن السور، سواء كان سورًا كليًّا أو جزئيًّا.
ثالثًا: الكلية وهي المسورة بسورٍ كلي، كل إنسان حيوان.
رابعًا: الجزئية وهي المسورة بالسور الجزئي بعض الحيوان إنسان.
إذًا الحملية أربعة أقسام: شخصية، ومهملة، وكلية، وجزئية.
ثم قال:
- - -
وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى
…
وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى
إِمَّا بِكُلٍّ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِلَا
…
شَيءٍ وَلَيْسَ بَعْضُ أَوْ شِبْهٍ جَلَا
(وَالسُّورُ كُلِّيًّا) إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة ببعضها، (يُرَى) أي يعلم (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ) أي أقسام السور أربعة، (حَيْثُ جَرَى) أي وقع لأنه إما سورُ إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي كما أشار إلى ذلك بقوله:(إِمَّا بِكُلٍّ). نحو: كل إنسان حيوان (أَوْ بِبَعْضٍ)، نحو: بعض الإنسان كاتبٌ (أَوْ بِلَا ** شَيءٍ) نحو: لا شيء من الإنسان بحجر. (وَلَيْسَ بَعْضُ) الواو بمعنى أو نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان، وقوله:(أَوْ شِبْهٍ) عطف على كل، وقوله:(جَلَا) أي أظهر السور الإحاطة بجميع الأفراد أو ببعضها، فَشِبْهُ كلٍّ جميع وعامة نحو: جميع الإنسان حيوان، وعامة الإنسان حيوان، وشبه بعضٍ فريقٌ نحو: فريقٌ من الإنسان كاتبٌ، وشبه لا شيء لا أحد ولا دَيَّار، نحو: لا أحد من الإنسان بفرس، وشبه ليس بعض ليس كل فهو من أسوار السلبي الجزئي، لأنها رفع للإيجاب الكلي نحو: ليس كل حيوانٍ بفرس.
ــ - الشرح - ــ
(وَالسُّورُ كُلِّيًّا) السور المراد به ما دل على الإحاطة بجميع أفراده أو بعضها، ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد أو بعضها يسمى سورًا، كل إنسان حيوان، لفظ كل يسمى سور، بعض الإنسان حيوان، لفظ بعض يسمى سورًا، إذًا دل على الإحاطة بكل أو ببعض، إذًا السور ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد كلفظ كل، أو بعض الأفراد كلفظ بعض [(وَالسُّورُ كُلِّيًّا) إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة ببعضها (يُرَى) أي يعلم (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ) أي أقسام السور أربعة، (حَيْثُ جَرَى) أي وقع لأنه](حَيْثُ) هنا للإطلاق، [لأنه إما سورُ إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي]، يعني: الكلية المسورة بسورٍ كلي إما موجبة وإما سالبة، والجزئية المسورة بسورٍ جزئي إما سالبة وإما موجبة، فعندنا سورٌ كلي إيجابي، وسورٌ كلي سلبي، وعندنا سورٌ جزئي إيجابي وسورٌ جزئي سلبي، واضح هذا؟ إذًا الكلية نوعان باعتبار ماذا؟ باعتبار السلب والإيجاب، والجزئية نوعان باعتبار السلب والإيجاب، قال هنا:[أي: وقع، لأنه إما سور إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي]. جمع بينهما في الإيجاب والسلب [كما أشار إلى ذلك بقوله: (إِمَّا بِكُلٍّ) نحو: كل إنسان حيوان]، هذه مسورة بسورٍ كل.
أولاً: هي حملية، لأن الحكم هنا وقع على جهة الحمل لا على الشرط.
ثانيًا: هي كلية، لكون موضوعها كلي وهو لفظ إنسان.
ثالثًا: هي كلية باعتبار السور.
كلية لها نظران يعني: اصطلاحان، باعتبار الموضوع بقطع النظر عن السور تُسمى كلية وهي التي جعلها الناظم، كليةٌ باعتبار السور، يعني: ما سورت بسور كلي، هنا كل إنسانٍ حيوان هي كليةٌ باعتبار موضوعها وهي كلية باعتبار السور، ثم هي موجبة أربعة أشياء، حملية كليةٌ لأن موضوعها كلي، كليةٌ لأنها مسورة بسور كلي، ثم هو إيجابي، أربعة أشياء، يعني: ليس سلبية، (أَوْ بِبَعْضٍ)، يعني: بلفظ بعض، [نحو: بعض الإنسان كاتبٌ] حملية، كلية موضوعها كلي، جزئية لأنها مسورة بسور جزئي يدل على البعض بعض الأفراد، موجبة ليست سالبة، أربعة أشياء، [(أَوْ بِلَا ** شَيءٍ) نحو: لا شيء من الإنسان بحجر]، هذه لا شيء نكرة في سياق النفي تعم، إذًا هو سور كلي لأن النفي هنا لجميع الأفراد، وإذا كان كذلك فهذا سور كلي، إذاً هي حمليةٌ.
ثانيًا: كلية، لأن قوله:[من الإنسان]. هو المحكوم عليه في المعنى.
ثالثًا: مسورة بسورٍ كلي.
رابعًا: السلبي، يعنى: نفي.
[(وَلَيْسَ بَعْضُ) الواو بمعنى أو نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان] هذا مثال لقوله: (أَوْ بِبَعْضٍ). هذا بالإثبات، [ليس بعض]، يعني: إذا تقدم على السور الجزئي نفي، سواء كان بالحرف أو بالفعل فهي حملية جزئية سالبةٌ، [ليس بعض الحيوان بإنسان] نعم وهو كذلك، بل هو فرس، [ليس بعض]، إذًا هذا مسور بسور جزئي لكنه سلبي، يعني: منفي. (أَوْ)، [وقوله:(أَوْ شِبْهٍ). عطف على كل]، يعني: شبه لفظ كل، وشبه لفظ لا شيء، وشبه لفظ بعض، وشبه لفظ ليس بعض، يعني: ما يشبه المذكور، ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد سواء كان بلفظ كل أو غيرها من صيغ العموم كعامة وجميع فهو سور كلي، إن تقدمه سلبٌ فهو سالب، وإن لم يتقدمه سلب فهو إيجابي، وكذلك ما دل على ما دل عليه لفظ بعض كفريق وطائفة حينئذٍ نقول: هذا سور جزئي. إن تقدمه سلبٌ فهو سلبي، إن لم يتقدمه فهو إيجابي، [(أَوْ شِبْهٍ). عطف على كل، وقوله: (جَلَا). أي: أظهر السور الإحاطة بجميع الأفراد أو ببعضها، فَشِبْهُ كلٍّ جميع] شبه كلٍّ ما الذي يشبه كل في الإحاطة والشمول؟ [جميع وعامة نحو: جميع الإنسان حيوان]، هذا مثل قولك: كل إنسان حيوان. لأن كل وجميع من ألفاظ الإحاطة والشمول، [وعامة الإنسان حيوان]، عامة مثل كل، [وشبه بعضٍ فريقٌ نحو: فريقٌ من الإنسان كاتبٌ]، يعني: بعض الإنسان كاتبٌ، [وشبه لا شيء لا أحد ولا دَيَّار، نحو: لا أحد من الإنسان بفرس] يعني نكرة من سياق النفي ويدل على العموم، [وشبه ليس بعض ليس كل فهو من أسوار السلبي الجزئي] لأن النفي هنا تقدم على كل، وإذا تقدم النفي على كل قلنا: هذا نفي للبعض. حينئذٍ صار مرادفًا لقوله: [ليس بعض]. على ما ذكرناه بالأمس، [وشبه ليس بعض ليس كل فهي] أي لفظ ليس كل، [من أسوار السلب الجزئي، لأنها رفع للإيجاب الكلي نحو: ليس كل حيوانٍ بفرس]، يعني: بعضه فرس، إذًا (وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى وَأَرْبَعٌ)، أربعٌ بحذف التاء، الأصل أربعة بحذف التاء للضرورة.
وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى
…
وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى
إِمَّا بِكُلٍّ ..................
…
..........................
أن يكون السور متلبسًا بلفظ كل، (أَوْ بِبَعْضٍ) هذا في الجزئية، (أَوْ بِلَا شَيءٍ) هذا كلية سالبة، وليس بعض أو شبه المذكور.
- - -
وَكُلُّهَا مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ
…
فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ
وقوله: (وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي والمسورة بالسور الجزئي والمهملة، (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ ** فَهْيَ إِذًا) أي إذا علمت ما سبق من كونها موجبة وسالبة (إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ) أي راجعة، وهي الشخصية الموجبة نحو زيدٌ كاتبٌ، والسالبة زيدٌ ليس بكاتبٍ، والكلية الموجبة كل إنسان حيوان، والسالبة نحو: لا شيء من الإنسان بحجر. والجزئية الموجبة نحو: بعض الإنسان كاتب، والسالبة نحو: بعض الإنسان ليس بكاتب، والمهملة الموجبة نحو: الحيوان إنسان، والسالبة نحو: الحيوان ليس بإنسان، والمهملة في قوة الجزئية، فلذلك صدق قولنا: الحيوان إنسان، والحيوان ليس بإنسان. لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان، وبعض الحيوان ليس بإنسان.
واعلم أن للقضية ثلاثة أجزاء، أشار إلى اثنين منها بقوله:
ــ - الشرح - ــ
[(وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي والمسورة بالسور الجزئي والمهملة (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ ** فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)] راجعة، إذًا الحملية الأربعة السابقة: شخصية، كلية، جزئية، مهملةٌ. هذا أربعة، قلنا: أقسام الحملية أربعة. كل منهما إما إيجاب أو سلب أربع في اثنين بثمانية، واضح؟ إذًا أقسام الحملية أربعة، إما شخصية ما كان موضوعها شخصية مشخصة زيدٌ كاتب، وإما مسورة بسورٍ كلي كل إنسان حيوان، أليس كذلك؟ أو مسورة بسورٍ جزئي، أو مهملة من السور، أربعة أنواع، هذه الأربعة إما أن تكون موجبة أو سالبة، مشخصة موجبة، مشخصة سالبة، كلية موجبة، كلية سالبة، جزئية موجبة، جزئية سالبة، مهملة موجبة، مهملة سالبة، (فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)، (فَهْيَ)، [(وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي] قيدها هنا لا باعتبار الموضوع، وإنما باعتبار السور، [والمسورة بالسور الجزئي والمهملة] هذه كم؟ كم هذه؟ أربعًا انتبه قال:[جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي]. قيد الكلية هنا باعتبار السور، وأما باعتبار الموضوع بقطع النظر عن السور هذا من أجل تصحيح التقسيم الذي ذكره الناظم، [والمسورة بالسور الجزئي والمهملة، (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ)]، أربع في اثنين، [(فَهْيَ إِذَنْ) أي إذا علمت ما سبق من كونها موجبة وسالبة (إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ) أي راجعة، وهي الشخصية الموجبة نحو زيدٌ كاتبٌ]، زيد كاتب هذه حملية أو شرطية؟ أولاً قبل ذلك خبرٌ أو طلبٌ؟ هي خبر.
مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى
…
بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا
إذًا من أيّ أنواع القضايا؟ حملية، لأن الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه التعليق والشرط، طيب ما نوعها؟ مشخصة، لماذا؟ لكون الموضوع فيها الذي هو المبتدأ مشخصًا معين، يعني: جزئي، لا يحتمل عند تعقل معناه الشركة، زيدٌ كاتبٌ، موجبة أو سالبة؟
ما الدليل؟
[نعم]؟.
ما الدليل على أنها موجبة؟
لم يسبقه نفي.
ما الذي يحتاج إلى إثبات؟ ما الأصل الإيجاب أو السلب؟
الأصل الإيجاب، لأنه يحتاج إلى تعليل، والسلب هذا فرع لأنه يحتاج أن يقال: تقدمت ما، تقدمت ليس، فالسلب فرعٌ عن الإيجاب لأنه يحتاج إلى قرينة، وما لا يحتاج إلى قرينة من حرف أو اسمٍ فهو الأصل، إذًا الأصل في الجمل هي الإيجاب، والفرع هو السلب، هذا مثال لماذا؟ الشخصية الموجبة هذه الأولى.
والشخصية [السالبة زيدٌ ليس بكاتبٍ] نفي الكتابة عن زيد، هذا حكم الجملة نفي الكتابة عن زيد، [والكلية الموجبة كل إنسان حيوان]، هذه مصدرة بسورٍ كلي وهو موجب، يعني: لم يتقدمه سالب، [والسالبة نحو: لا شيء من الإنسان بحجر]، نعم لا شيء من أفراد الإنسان بحجر، يعني: الحجر الحسي. [والجزئية الموجبة] هذه خامسة (نحو: بعض الإنسان كاتب]، بعض الإنسان لا كل الإنسان، يعني: كاتب بالفعل وليس المراد كاتب بالقوة، [والسالبة نحو: بعض الإنسان ليس بكاتب، والمهملة الموجبة نحو: الحيوان إنسان] هذه مهملة، لأن موضوعها كلي ولم يتقدمها سور لا جزئي ولا كلي، تسمى ماذا؟ تسمى مهملة وهي في قوة الجزئية، [والسالبة نحو: الحيوان ليس بإنسان] هذه سالبة، لأنه تقدم حرف السلب، [والمهملة في قوة الجزئية، فلذلك صدق قولنا: الحيوان إنسان، والحيوان ليس بإنسان. لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان، وبعض الحيوان ليس بإنسان] المهملة في قوة الجزئية، يعني: مفهومها مفهوم القضية الجزئية، ولذلك قال هنا: [الحيوان إنسان]. هل كل حيوان إنسان؟ لا، إذًا هذه صادقة [الحيوان إنسان]، يعني: [بعض الحيوان إنسان]، إذًا تفسر الجملة المؤلفة من الحيوان إنسان بقضية جزئية، فدل على أن في قوتها، يعني: بمعناها، [والحيوان ليس بإنسان]، يعني: [بعض الحيوان ليس بإنسان] كالفرس، إذًا هي في قوة الجزئية السالبة، [لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان] هذا في الموجبة، [وبعض الحيوان ليس بإنسان) هذا في المهملة السالبة.
[واعلم أن للقضية] إذًا هذه ثمانية، ثمانية يأتي تفصيلها في باب الإشكال، يعني: سالبة موجبة، إلى آخره.
[واعلم أن للقضية ثلاثة أجزاء، أشار إلى اثنين منها بقوله:].
- - -
وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ
…
وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ
(وَالأَوَّلُ) في الرتبة وهو المحكوم عليه، وإن ذكر آخرًا (المَوْضُوعُ) أي الجزء المحكوم عليه سمي موضوعًا تشبيهًا له بشيء وضع ليحمل عليه كزيد من قولنا: زيدٌ قائم، أو قام زيدٌ، فزيدٌ موضوع في المثالين، وإن كان مؤخرًا في الثاني (بالحَمْلِيَّهْ) أي فيها (وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذكر أولاً هو (المَحْمُولُ) سمي محمولاً لأنه محكوم به، فشبه بالسقف الذي حمل على الجدار مثلاً، وقوله:(بِالسَّوِيَّةْ) أي حالة كونهما مستويين أي مصطحبين في الذكر فلا يذكر أحدهما إلا مع الآخر، والجزء الثالث من القضية هو النسبة أي ثبوت المحمول للموضوع كثبوت القيام لزيد مثلاً، ويسمى اللفظ الدال عليها رابطة لدلالته على النسبة الرابطة بين الجزأين، والرابطة إما غير زمانية كهو في قولنا: زيد هو قائمٌ، أو زمانية ككان، في قولنا: كان زيدٌ قائمًا، ولم يذكر المصنف الرابطة لعدم لزومها في القضية، إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب، والرابط اللفظي، وتسمى القضية الحملية عند عدم الرابطة ثنائية لتركبها من جزأين وعند ذكر الرابطة ثلاثية لتركبها من ثلاثة أجزاء.
ــ - الشرح - ــ
وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ
…
وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ
يعني: الحملية هي المؤلفة من مفردين أو ما كان في قوة المفردين.
المفرد الأول: المحكوم عليه يسمى موضوعًا، سواء تقدم أو تأخر، وهو محصور في اثنين أو ثلاثة: المبتدأ، والفاعل، ونائبه. ثلاثة أشياء.
والثاني الآخَر أو الآخِر يسمى محمولاً وهو محصور في اثنين: الفعل، والخبر، وهذا مر معنا.
[(وَالأَوَّلُ) في الرتبة وهو المحكوم عليه، وإن ذكر آخرًا]، يعني: المبتدأ قد يتأخر، فالعبرة بماذا؟ بالمعنى المحكوم عليه، (المَوْضُوعُ) وهو ينحصر في ثلاثة: المبتدأ وفاعله، وفاعل الفعل، ونائبه.
[(المَوْضُوعُ) أي الجزء المحكوم عليه سمي موضوعًا تشبيهًا له بشيء وضع ليحمل عليه كزيد] أو [زيدٍ، من قولنا: زيدٌ قائم]، فنقول: زيد هذا موضوع، لماذا؟ لأنه محكوم عليه، وهو متقدم في الرتبة وهو متقدم، ولو تأخر لو قيل: قائم زيدٌ. زيدٌ موضوع، لماذا؟ لأن حقه التقديم وهو مبتدأ، وإن تأخر في اللفظ، وهو موضوعٌ سمي موضوع لكونه وضع من أجل ماذا؟ أن يحمل عليه المحمول، يعني: ليخبر عنه بالخبر، [كزيد من قولنا: زيدٌ قائم، أو قام زيدٌ]. زيدٌ هذا موضوع، لأنه وضع ليحكم عليه، إذًا هو محكوم عليه، فكل محكومٍ عليه في التركيب يسمى موضوعًا، سواء كان مبتدئًا أو فاعلاً أو نائب فاعل، [فزيدٌ موضوع في المثالين] الجملة الاسمية والفعلية، [وإن كان مؤخرًا في الثاني] رتبته التأخير [(فِي الحَمْلِيَّهْ) أي فيها]، يعني: في الحملية. (وَالآخِرُ) بكسر الخاء، يعني: المتأخر، [(وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذكر أولاً هو (المَحْمُولُ)]، وهذا ينحصر في اثنين: الخبر، والفعل. [سمي محمولاً لأنه محكوم به، فشبه بالسقف الذي حمل على الجدار مثلاً]، يعني: حمل على الموضوع. [وقوله: (بِالسَّوِيَّةْ). أي: حالة كونهما مستويين أي مصطحبين في الذكر] المبتدأ لا بد له من خبر، والخبر لا بد له من مبتدأ، والفعل لا بد له من فاعل، والفاعل لا بد له من فعل، إذًا هما مصطحبان في الذكر، [مصطحبين في الذكر، فلا يذكر أحدهما إلا مع الآخر] لا يذكر الموضوع إلا مع المحمول، ولا المحمول إلا مع الموضوع، [والجزء الثالث من القضية هو النسبة أي ثبوت المحمول للموضوع كثبوت القيام لزيد مثلاً]، وهذا مر معنا النسبة هي الارتباط والتعلق بين الموضوع والمحمول، زيدٌ قائمٌ على ثلاثة أجزاء، إدراك زيد، وإدراك قائم، الأول موضوع والثاني محمول، بقي جزء ثالث وهو: ارتباط المحمول بالموضوع، وهو ما يسمى بالنسبة والتعلق، [أي ثبوت المحمول بالموضوع كثبوت القيام لزيد]، انتبه قيام لزيد، وقال: ثبوت.
هذا ما يسمى بحكم الجملة، وهو الثبوت المضاف إلى مضمون الجملة، وعرفنا كيف نأتي بمضمون الجملة، بالنظر إلى المحمول، إن كان مشتقًا جئنا بالمصدر مضافًا إلى الموضوع مع إضافة لفظ الثبوت،
…
[ويسمى اللفظ الدال عليها] على النسبة، [رابطة] يسموها المناطقة بالرابطة، [لدلالته على النسبة]، يعني: قد يكون ملفوظًا به وقد لا يكون ملفوظًا، وإنما يدرك بالعقل، أو يدرك بحركة الإعراب، أو بهيئة التركيب، [ويسمى اللفظ الدال عليها] على النسبة [رابطةً لدلالته على النسبة الرابطة بين الجزأين، والرابطة إما غير زمانية كهو، في قولنا: زيد هو قائمٌ]، الذي دل هنا لفظٌ وهو لا يدل على الزمان، يعني: لفظٌ هو هذا مجرد عن الزمان، لأنه اسم، [أو زمانية ككان، في قولنا: كان زيدٌ قائمًا]، الذي دل على الارتباط هنا بين زيد وقائم في الزمن الماضي لفظ كان، وهي رابطة زمانية، [زيدٌ هو قائم]، يعني: الموصوف بالقيام، هنا هو رابط غير زماني، [كان زيد قائمًا] رابط زمانيٌّ، [ولم يذكر المصنف الرابطة لعدم لزومها في القضية، إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب]، يعني: مجرد النطق، زيدٌ قائمٌ عرفنا أن زيد مبتدأ بالحركة، وقائمٌ خبر بالحركة، إذًا هذا يكتفى به، ولا نحتاج أن نقول: رابط زماني، وغير زماني. لأن العبرة بالإعراب وهو الأصل، [إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب] يعني حركة الإعراب. كذلك هيئة تركيب الجملة، [والرابط اللفظي وتسمى القضية الحملية عند عدم الرابطة ثنائية لتركبها من جزأين] زيدٌ قائمٌ، [وعند ذكر الرابطة ثلاثية لتركبها من ثلاثة أجزاء] لا نحتاج إلى هذا، زيدٌ قائمٌ حملية ثنائية، لماذا؟ لعدم وجود الرابط اللفظي، كان زيدٌ قائمًا هذه حملية ثلاثية لوجود الرابط وهو لفظ كان.
(وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ)، هذا النوع الثاني وهو الشرطية، ويأتي بحثه بعد المغرب إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- - -